Telegram Web Link
﴿ﻫُﻮَ ﻋَﻠَﻲَّ ﻫَﻴِّﻦٌ﴾

ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻌﺎﻇﻢ ﺣﺰﻧﻚ ﻭﻫﻤﻚ ..
ﻣﺮﺿﻚ ﻭﺳﻘﻤﻚ .. ﻛﺪﺭﻙ ﻭﻏﻤﻚ ..
ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ أن يزيل هذا كله
فأستعن ﺑﺎﻟﻠﻪ ..!!
عبارة كتبت على لوحة :

{ ليس باستطاعتك أن تأخذ مالك معك لكن.. باستطاعتك أن تجعله" يستقبلك "

أروع ... وصف ... للصدقة
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
قصة طالوت وجالوت دروس وعبر1⃣
للشيـــخ/ مــحــمــــــــد الــــجــــــــرافــــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
أمــــا بعــــد ايها المســلمــون :
ما أروعُ أن نعود إلى كتاب الله تعالى؛ نعيش معه وفيه بكل جوارحنا وكياناتنا، نَعرِضُ أنفسنا عليه عرضًا كاملاً، ليس فقط من أجل استلهام الدرس والعِبرة؛ وإنما باعتباره الدليلَ الهاديَ لكل الخطوات في الحاضر والمستقبل؛ ففيه ذِكرُنا نحن بذواتنا وأنفسنا، يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10] .

ومن عظمة القرآن الكريم ومن خصائصه أنه لا يَخْلَقُ على كثرة الرد، فمهما درسناه تدبُّرًا وتفسيرًا وتفصيلاً هُدينا إلى المزيد من المعاني، كأننا نُطالِعُه لأول مرة؛ إذ يبوح لنا بأسرار متجددة على الدوام!

ومن عظمة القرآن الكريم ..
أنه حمَّالُ أوجهٍ؛ بحيث يسمَحُ لمستويات متعددة من الفهم والتأويل، ويعطي مرونةً عظيمة في التخطيط والتطوير والبناء على المنهج القرآني الفريد .

لذا أردنا أن نتوقَّف أمام قصة عبقرية من عبقريات القصص القرآني العظيم، فقد قص الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم قصص السابقين من الأمم والأنبياء: كي يتعظوا ويتعلموا ما فيها من دروس وعبر مستفادة، يطبقوا ويكرروا قصص النجاح ويتجنبوا الإخفاق والانهزام وأسبابه .

ومن هذه القصص قصة طالوت وجالوت وكيف انتهت المواجهة بنصر المؤمنين وبزوغ نجم النبي المجاهد داوود عليه السلم قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ¤ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ¤ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:246 -248].

يقص تعالى على نبيه ..
قصة الملأ من بني إسرائيل وهم الأشراف والرؤساء، وخص الملأ بالذكر، لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه، وذلك أنهم أتوا إلى نبي لهم بعد موسى عليه السلام فقالوا له {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا} أي: عيِّن لنا ملكًا لقد اجتمع الملأ من بني إسرائيل من كبرائهم وأهل الرأي فيهم إلى نبي لهم .

ولم يرد في السياق ذكر اسمه ..
لأنه ليس المقصود بالقصة وذكره هنا لا يزيد شيئاً في إيحاء القصة .

وقد كان لبني إسرائيل كثرة من الأنبياء يتتابعون في تاريخهم الطويل لقد اجتمعوا إلى نبي لهم وطلبوا إليه أن يعين لهم ملكاً يقاتلون تحت إمرته في سبيل الله .

وهذا التحديد منهم لطبيعة القتال وأنه في سبيل الله يشي بانتفاضة العقيدة في قلوبهم ويقظة الإيمان في نفوسهم وشعورهم بأنهم أهل دين وعقيدة وحق وأن أعداءهم على ضلالة وكفر وباطل فهي تجربة في حياة بني إسرائيل من بعد موسى بعدما ضاع ملكهم ونهبت مقدساتهم وذلوا لأعدائهم وذاقوا الويل بسبب انحرافهم عن هدي ربهم وتعاليم نبيهم ثم انتفضت نفوسهم انتفاضة جديدة، واستيقظت في قلوبهم العقيدة، واشتاقوا القتال في سبيل الله {نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ابعث لنا ملكا ليجمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا، ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم، كما جرت عادة القبائل أصحاب البيوت، كل بيت لا يرضى أن يكون من البيت الآخر رئيس، فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين وكانت أنبياء بني إسرائيل تسوسهم، كلما مات نبي خلفه نبي آخر، فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة {قالَ} لهم نبيهم {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا} أي: لعلكم تطلبون شيئًا وهو إذا كتب عليكم لا تقومون به، فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها، واعتمدوا على عزمهم ونيتهم، فقالوا: {وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} أي: أي شيء يمنعنا من القتال وقد أُلجأنا إليه، بأن أُخرجنا من أوطاننا وسُبيت ذرارينا، فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم
يكتب علينا، فكيف مع أنه فُرِض علينا وقد حصل ما حصل .

ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ..
ولم يقوَ توكلهم على ربهم {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا} فجَبُنُوا عن قتال الأعداء وضعفوا عن المصادمة، وزال ما كانوا عزموا عليه، واستولى على أكثرهم الخور والجبن {إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم على مقارعة أعدائه، فحازوا شرف الدنيا والآخرة، وأما أكثرهم فظلموا أنفسهم وتركوا أمر الله، فلهذا قال: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ .

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ} مجيبا لطلبهم
{إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} فكان هذا تعيينًا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض، ولكن أبوا إلا أن يعترضوا، فقالوا: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} أي: كيف يكون ملكاً وهو دوننا في الشرف والنسب ونحن أحق بالملك منه .

ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الأموال، وهذا بناء منهم على ظن فاسد، وهو أن الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال، ولم يعلموا أن الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة على المال والنسب، وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت، وكان الأولى بهم طاعة وقول معروف وهذا هو طبع بني إسرائيل فلهذا قال لهم نبيهم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ} لست أنا الذي عينته من تلقاء نفسي بل الله أمرني به لما طلبتم مني ذلك .

فلزمكم الانقياد لذلك { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} أي: فضله عليكم بالعلم والجسم، أي: بقوة الرأي والجسم اللذين بهما تتم أمور الملك، لأنه إذا تم رأيه وقوي على تنفيذه حصل بذلك الكمال، ومتى فاته واحد من الأمرين اختل عليه الأمر، فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي، حصل في الملك خرق وقهر. .

قوة على غير حكمة، ولو كان عالمًا بالأمور وليس له قوة على تنفيذها لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئاً {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} الفضل كثير الكرم، لا يخص برحمته وبره العام أحدًا عن أحد، ولا شريفًا عن وضيع، ولكنه مع ذلك {عَلِيمٌ} بمن يستحق الفضل فيضعه فيه، فأزال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة لتبيينه أن أسباب الملك متوفرة فيه، وأن فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، ليس له راد، ولا لإحسانه صاد .

ثم ذكر لهم نبيهم أيضًا آية حسية
يشاهدونها وهي إتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانًا طويلاً وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم، وتطمئن لها خواطرهم، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، فأتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانًا". كأنه يقول لهم أي هذا دليل على صدقي فيما جئتكم به من النبوة، وفيما أمرتكم به من طاعة طالوت إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر.


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله ........ أمــــا بعــــد
المشهد الثاني من القصة قال تعالى
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ¤ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ . تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [البقرة:249-252].

أي: لما تملَّك طالوت ببني إسرائيل واستقر له الملك تجهزوا لقتال عدوهم، فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل وكانوا عدداً كثيراً وجمًا غفيرًا، امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} أي: لم يشرب منه فإنه مني {إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} .

فلا جناح عليه في ذلك
ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه .

ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قت
ال عدوهم وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول وتحصل فيه المشقة الكبيرة، وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله، وتضرعا واستكانة وتبرؤا من حولهم وقوتهم، وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم، فلهذا قال تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ} أي: النهر {هُوَ} أي: طالوت {وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ} .

وهم الذين أطاعوا أمر الله ولم يشربوا من النهر الشرب المنهي عنه فرأوا... قلتهم وكثرة أعدائهم، قالوا أي: قال كثير منهم {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} لكثرتهم وعَددهم وعُددهم {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ} أي: يستيقنون ذلك .

وهم أهل الإيمان الثابت واليقين الراسخ، مثبتين لباقيهم ومطمئنين لخواطرهم، وآمرين لهم بالصبر {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} أي: بإرادته ومشيئته فالأمر لله تعالى، والعزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، فلا تغني الكثرة مع خذلانه ولا تضر القلة مع نصره، {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} بالنصر والمعونة والتوفيق .

فأعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله، فإذا الفئة القليلة الواثقة بلقاء الله، التي تستمد صبرها كله من اليقين بهذا اللقاء، وتستمد يقينها كله من الثقة في الله، وأنه مع الصابرين..

إذ هذه الفئة القليلة الواثقة الصابرة، الثابتة، التي لم تزلزلها كثرة العدو وقوته، مع ضعفها وقلتها.. إذاً هذه الفئة هي التي تقرر مصير المعركة. بعد أن تجدد عهدها مع الله، وتتجه بقلوبها إليه، وتطلب النصر منه وحده، وهي تواجه الهول الرعيب .

ولهذا لما برزوا لجالوت وجنوده {قَالُوا} جميعهم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} أي: قو قلوبنا، وأوزعنا الصبر، وثبت أقدامنا عن التزلزل والفرار، وانصرنا على القوم الكافرين.

من هاهنا نعلم أن جالوت وجنوده كانوا كفاراً، فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لإتيانهم بالأسباب الموجبة لذلك، ونصرهم عليهم {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ } وكانت النتيجة هي التي ترقبوها واستيقنوها : ” فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ “.. ويؤكد النص هذه الحقيقة: ” بإذن الله “.. ليعلمها المؤمنون أو ليزدادوا بها علماً، وليتضح التصور الكامل لحقيقة ما يجري في هذا الكون، ولطبيعة القوة التي تجريه..

إن المؤمنين هم ستار القدرة ..
قدرة الله يفعل الله بهم ما يريد، وينفذ بهم ما يختار.. بإذنه.. ليس لهم من الأمر شيء، ولا حول لهم ولا قوة؛ ولكن الله يختارهم لتنفيذ مشيئته، فيكون منهم ما يريده بإذنه.. وهي حقيقة خليقة بأن تملأ قلب المؤمن بالسلام والطمأنينة واليقين .

{وَقَتَلَ دَاوُودُ }عليه السلام، وكان مع جنود طالوت، {جَالُوتَ} أي: باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره {وَآَتَاهُ اللَّهُ} أي: آتى الله داود {الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} أي: منَّ عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم، ولهذا قال {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} من العلوم الشرعية والعلوم السياسية، فجمع الله له الملك والنبوة، وقد كان من قبله من الأنبياء يكون الملك لغيرهم، فلما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان أعدائهم وتمكينهم من الأرض .

وهذا كله من آثار الجهاد في سبيله، فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} أي: لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه {وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها.

ثم قال تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أي: بالصدق الذي لا ريب فيها المتضمن للاعتبار والاستبصار وبيان حقائق الأمور {وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} فهذه شهادة من الله لرسوله برسالته التي من جملة أدلتها ما قصه الله عليه من أخبار الأمم السالفين والأنبياء وأتباعهم وأعدائهم التي لولا خبر الله إياه لما كان عنده بذلك علم بل لم يكن في قومه من عنده شيء من هذه الأمور، فدل أنه رسول الله حقا ونبيه صدقا الذي بعثه بالحق ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

انتهت هنا قصة طالوت وجالوت
🎤
http://خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
العقيدة الصحيحة
للشيخ /حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

  ملخص الخطبة1- أعظم نعمة بعثة النبي . 2- العقيدة الصحيحة منبع السعادة. 3- العقيدة الإسلامية ذخيرة الخير. 4- صاحب العقيدة الصحيحة. 5- آثار الإيمان وثماره. 6- أمة التوحيد والإيمان. 7- خصائص أمة محمد . 8- البعد عن العقيدة الصحيحة. 9- علاج الكوارث والنكبات. 10- صمام الأمان الرجوع إلى الإسلام. 11- نصيحة لرجال الإعلام.

الخطبة الأولى

أمام بعد:

أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في الأقوال والأفعال، في السر والجهار، فمن اتقاه وقاه، وجعل له من كل ضيق فرجا، ومن كل هم مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ.[الطلاق:2، 3].

أمة الإسلام، أعظم نعمة وأجلّ مِنّة بعثة نبينا محمد ، بعقيدة صافية تحقق الصلاح والخير، وتدرأ الشقاء والشر، بما تضمنته من ركائز العدالة والأخوة، ومن دعائم الحرية والمساواة والسلام، وبما اشتملت عليه من أخلاق تطهر النفوس، وتربي الضمائر على أنبل الصفات وأكرم الفضائل وأعلى المثل.

إخوة الإسلام، إن العقيدة التي أرسى النبي  قواعدها، وثبَّت أصولها هي مصدر الخيرات ومنبع السعادة والمسرات، وذلك لمن رعاها حق رعايتها، واتبع هداها، والتزم بمقتضاها، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا  وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا [الشمس:9، 10].

هي الشجرة الطيبة، يانعة الثمار، دائمة الأكل، مهما امتد الزمان واحتدّ الصراع، وعسر الطريق وعظمت الخطوب، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَاء  تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا [إبراهيم:24، 25].

العقيدة الإيمانية ذخيرة الخير لبني الإنسان، بدونها تلتوي عليهم السبل، وتكتنفهم الهواجس، ويستبدّ بهم القلق، ويتيهون في غمار الحيرة والضياع والخسار، وَٱلْعَصْرِ  إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ  إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ [سورة العصر].

العقيدة الإيمانية التي جاء بها نبينا محمد  رافد[1] دائم ومدد قوي لتيار الخير والصلاح، وحاجز منيع لصدّ دواعي الشر وطغيانه المدمر، صاحبها لا يزلّ عن مسلك قويم ومنهج مستقيم، ولا تحيط به جواذب الأهواء، أو تستبدّ به زخارف الحياة ومغرياتها، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38]، إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ [الإسراء:9].

إخوة الإيمان، بالعقيدة الصحيحة يعرف الإنسان موضعه الصحيح، ويستنير له دربه القويم في هذه الحياة، سيراً على الهدى والبصيرة، وسلوكاً للحق والرشاد، في معالم واضحة، وخطى ثابتة، وهدف مرسوم، يعمر من خلالها الحياة بكل خير، ويقيم فيها المثل العليا، والمناهج الفضلى، وفق فطرة نقية، وضمير طاهر، وإرادة موجِّهة إلى الإصلاح والفضائل، وتصميم جازم في البعد عن القبائح والرذائل، والذين آمنوا وعملوا الصالحات سيهديهم ويصلح بالهم.

أمة محمد ، آثار الإيمان في النفوس بالغة، وثمار العقيدة الصحيحة في الحياة عجيبة، فإلى جانب تطهيرها للنفوس، وإنمائها لمعاني الخير فيها، فهي ذخيرة حية لا تنفد بمدّ الإنسان بالقوة والصبر، والثبات والمثابرة، والطمأنينة والأمل في معركة الحياة التي يحتدم فيها الصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، والسعادة والشقاء، إذ تُعطي الأمن المطلق، والاهتداء التام، والنور الكامل، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28]، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].

من يحيى في رحاب الإيمان، ويعتصم بحبله المتين، ويستضيء بنوره المشرق، فهو يعيش حياته في رؤية واضحة، يدرك بها حكمة الله البالغة، ورحمته الواسعة، وسنته الماضية، وقدرته البالغة، فتطمئن بذلك نفسه، وتصفو سريرته؛ لأنه يؤمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فلا يتسرب إلى قلبه شك، ولا ينفذ إلى وجدانه القلق، بل يسير في دنياه بخطىً ثابتة، ومسيرة موزونة، تهدف إلى بلوغ ما يصبو إليه، من نهاية صالحة ومصير كريم، يقول نبينا محمد  في وصية جامعة تحكي واقعنا اليوم: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) [رواه الترمذي][2]، وفي رواية غيره: ((احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك
الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 [1]  الرافد هو المعين والمعطي.

[2]  أخرجه أحمد (4/409-410) [2669] ، والترمذي في صفة القيامة (2516) من حديث ابن عباس ، وقال الترمذي : "حديث حسن صحيح" ، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461) : "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة ... وأصح الطرق الطريق التي خرجها الترمذي"، وصححه الألباني في صحيح السنن (2043).[3]  هذه الرواية أخرجها أحمد (5/18-19) [2803] ، والحاكم (3/623) ، والضياء في المختارة (10/24) ، وصححها القرطبي في تفسيره (6/398).

[4]  أخرجه مسلم في الزهد [2999] من حديث صهيب رضي الله عنه.

[5]  أخرجه أبو يعلى (7/247) ، والبيهقي (10/104) من حديث أنس بن مالك ، وحسنه الألباني في الصحيحة [1795] ، وأخرجه الترمذي في البر [2021] من حديث سهل بن سعد بلفظ : ((الأناة من الله والعجلة من الشيطان)) وقال الترمذي : "هذا حديث غريب ، وقد حكم بعض أهل الحديث في عبد المهيمن بن عباس بن سهل وضعفه من قبل حفظه".

[6]  البيت للمتنبي في مطلع قصيدة يمدح بها سيف الدولة عند منصرفه من بلاد الروم سنة 345هـ. انظر : شرح ديوان المتنبي (4/307) للبرقوقي.

الخطبة الثانيةالحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين.

إخوة الإيمان في كل مكان، تمرّ أمة محمد بأحوال مريرة، وتعيش ظروفاً صعبة، المخاطر تحيط بها، والمخاوف تحدق بأبنائها، لذا فالمسلمون حقاً يتطلعون إلى وضع يكونون فيه أحسن حالاً، وأكثر صلابة وعزما، وأهنأ عيشاً، وأكرم مآلاً.

وثمة حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن أحد ولا عن محلل أو مفكّر، وهي أن لهذه الأمة طبيعة ذاتية تميزها عن غيرها، وهي أنها أمة عقيدة، مبناها على الاستسلام لرب العالمين، والخضوع الكامل له عز وجل، فتلك العقيدة، والعمل بمقتضاها، والوقوف عند حدودها في جميع شؤون الحياة هو صمام الأمان، وضابط الزمام، إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[الحج:38]، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال:24].

إنه لا مخرج للأمة الإسلامية من كل ما تعانيه إلا بالرجوع الصادق إلى الله جل وعلا، والتمسك الحقيقي بسنة نبيها ، والصدق الظاهر والباطن لدينها، لا منقذ إلا التوجه النابع من القلب لمحبة الله جل وعلا، ومحبة رسوله ، محبةً توجب الوقوف عند الأوامر، والانزجار عن النواهي، والعمل بالشريعة في الحكم والتحاكم، وفي جميع شؤون الحياة كلها، صغيرها وكبيرها، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].

لقد آن لقلوب ميتة أن تحيى، ولمرآة مطموسة أن تصقل فتصفى، لقد آن لمن كان ساهياً أن يتذكر، ولمن كان غارقاً في القبائح أن يعلق بسفينة النجاة لينجى، واستمعوا ـ رحمكم الله ـ إلى هذا التوجيه الرباني الذي يهز القلوب، أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ  ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.[الحديد:16، 17].

يا رجال الإعلام، إن الواجب على وسائل الإعلام الإسلامية فَهْمُ غايتها وسموِّ رسالتها، لتبني ولا تهدم، وتصلح ولا تحطّم، لتشتغل بمعالي الأمور، وتتعالى عن سفاسفها. عليها توجيه أبناء أمة محمد  إلى أهداب هذا الدين، والعمل على تحقيق وحدة المسلمين، والإخلاص لهذا الدين، وخدمة قضاياه، والدفاع عنه، وفق معايير الصدق والأمانة، والخير والفضيلة، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ[فصلت:33].

ثم اعلموا أن من أفضل الأعمال وأزكاها لهج الألسن بالصلاة والتسليم على النبي الكريم، فصلوا وسلموا عليه كثيراً، صلاة من يحيى قلبه بمحبته، وتهنأ حياته بمنهج سنته.

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك نبينا محمد ...

  ===============
في الشدة، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا))[3].

الإيمان الصحيح يزود العبد بطاقة كبيرة من اليقين والثقة، وشحنة عظيمة من الصبر والطمأنينة، تأتيه النعم فلا يبطر ولا يستكبر، بل يحمد ويشكر، وتصيبه المحن، وتحلّ به الشدائد، فلا يقنط ولا ينهار، أو تمزق قلبه الهموم والحسرات، بل يعتصم بالصبر، ويرضى بالقدر، ويستمسك بعزائم الأمور. نعم ؛ لأنه يعيش بعقيدته في عطاء دائم، وفق وضوح رؤية، وقوة إدراك وإرادة، ونفوذ بصيرة، يستمد من خلال ذلك قوة الصمود إزاء الأحداث والفتن، فلا تهزّه أعاصيره العاتية، ولا تنال منه محنه القاسية، ولا يصرفه شيء عن إيمانه وتحقيق رضا ربه، مهما كانت من رغبة مغرية، أو رهبة مؤذية، بل لا تزيده إلا ألقـًا وصفاءً، وإخلاصاً وصدقاً، وصبراً وثباتاً يقول : ((عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له))[رواه مسلم] [4].

أمة الإسلام، إن الأمة التي تحكمها عقيدة التوحيد، وتضبط حياتها حقائق الإيمان ومقوماته، أمةٌ ذات قوة ذاتية وحصانة طبيعية، تجعلها قادرةً بإذن الله على التغلب على نتائج المحن، وآثار الأزمات، وموجات الفتن.

من خصائص هذه الأمةِ أمةِ محمد  المناعة المتحققة في كيانها، والتي تحول دون المصائب أن تزعزع ثقتها بربها، والتي تحجز دون نشر ضباب اليأس أن يدبّ في نفوس أبنائها، بل هي أمة لا تزيدها اللأواء والشدائد إلا السير الحثيث في جهود الخير، والتصميم الأكيد على الإصلاح وعمارة الحياة، دون سقوط أو تعثر.

ولا غرو، فهي أمة مرّ بها ويمر بها عبر تأريخها الطويل أيام عصيبة ونكبات شتى، لو أصابت أمةً غيرها لقضت عليها، وأبادتها وجعلتها أثراً بعد عين، لكنها أمة رباها محمد ، مرتبطة بربها، واثقة بوعده، مستيقنة بنصره، وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً[النور:55].

إخوة الإيمان، إن البعد عن منبع الإيمان العذب، والإخلال بحقائق العقيدة وإقصاءها عن مناحي الحياة، والانصراف عن نورها الوضيء، كل ذلك باعث أزمات خطيرة، وسبب مشكلات كبيرة، ومصدر شقاء دائم، وبلاء مستمر، تجعل العيش في هذه الحياة في ظمأ دائم، وظلام دامس، لا هدوء فيها ولا هناء، ولا سعادة ولا رخاء، قلق مستقر، واضطراب مستمر، وغرق في لجج المتاعب، ثم نهاية بائسة، ومصير مرير، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ [طه:124].

وما يعصف اليوم بالإنسانية من رياح الشر، ويخيم عليها من نذر الفناء، وما يهددها من أشباح الحروب المدمرة، كل ذلك مصدره الحقيقي بُعد كثير من عالم اليوم عن المنهج الإلهي، والعقيدة الربانية، والطريقة المحمدية، ومبادئ العدالة والحرية والمساواة، ومنطق العقل والحكمة والتروي، إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى [النحل:90]، وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلأرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ [القصص:77]، وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ [البقرة:190]، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ [الأنعام:164].

وما لم تُبن حياة البشر في الأرض على أسس من منهج الخالق عز وجل، وما لم يقم عقلاء البشر لإدراك تام لأسباب الشرور، وبواعث المشكلات، وما لم تقم المعالجة وفق منطق العدل الشامل، والرأي السديد، في محيط الموازنة المجردة بين المصالح والمفاسد، فلن ينحسم صراع، ولن تجد سفينة الحياة سبيلها إلى شاطئ السلامة، وملاذ الطمأنينة، وأُهُب الرحمة والتسامح.

ومهما بذل البشر بعيداً عن تلك الأطر، وبمنأى عن تلك المحاور، فلن تُحسم أدواؤهم، ولن تُحلّ مشكلاتهم، ولن يقضى على أزماتهم.

أيها المسلمون، تصاب الأمم في بعض أدوارها بكوارث ونكبات، وإن الخطر المخيف ليس في وقوع تلك المصائب والآلام، ولكنه الخطأ في أسلوب علاج التغلب عليها، والانحراف في تطويق نتائجها، وعدم التعقل لأسباب الحيلولة دون استطرادها، فسوء التقدير لمثل ذلك، وعدم التبصر في الحقائق لا ينجم عنه سوى السقوط المرير، والمصير الرهيب المليء بالعثرات، والمزدحم بالمزالق والعواقب السيئة، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ [الحجرات:6]، ونبينا يقول: ((التأني من الله، والعجلة من الشيطان)) [5]، والحكماء يقول أحدهم:

الرأي قبل شجاعة الشجعان                 هي أولٌ وهي المحل الثان[6]

بارك
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❆ الثلاثاء ❆
٠٦/ شـعـ⑧ــبـان/ ١٤٣٨هـ
02/ مــــايــ⑤ـــو/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏المجانسة تكون بالمجالسة
إن جلست مع المسرور سُرِرت،
وإن رافقت الغافلين غفلت..
وإن صحبت الذاكرين لله ذكرت"
ٰ
صبــــاح المجالسة الطيبة...@
اللهم انزل السكينة و الطمأنينة علي قلوبنا يارب العالمين اللهم اجبر كسر قلوبنا و ابدل مكان الحزن فرحة اللهم امح من قلوبنا كل ما يغم النفس و يظلم القلب و ابدل مكانه نفس مطمئنة راضية بقضائك و تشتاق للقائك اللهم واجعل دعائنا لك مستجاب يارب العالمين انك اكرم من سؤل يا رحمن يارحيم.
‏تمر الحياة بين حلم وأمنية..
‏عيون تحلم.. وقلب يتمنى..
‏ورب كريم لايحدث إلا ماكتبه لنا

‏اللهم أكرمنا بالأخبار السارة والأعمال الصالحة
‏يالله قلباً يتحمل كُل عثرات الحياه وصبراً جميلاً.💛🕊
🎤
محاضـرة.قيمــة.بعنــوان.cc
لــــــــــذة الــــعــــــــبـــــــــــــــــــادة
للاسـتاذ/ عبده قايد أحمد الذريبي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

إن الله - تبارك وتعالى -
لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدىً وهملاً، بل خلقهم لغاية عظيمة: {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ}. [الذاريات: 56]
وقد تفضل - سبحانه وتعالى - على عباده، ومنحهم لذة في العبادة لا تضاهيها لذة من لذائذ الدنيا الفانية.

وهذه اللذة تتفاوت من شخص لآخر حسب قوة الإيمان وضعفه: {مَنْ عَمِلَ صَالِـحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

وهذه الراحة والطمأنينة والسعادة تكون بعبادة الله وحدَه، وتعلُّق القلـب به، ودوام ذكره. قال ابن القيم: «والإقبال على الله - تعالى - والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللَّهَج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة»[1].

وأما من أعرض عن هدى الله، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيعيش عيشة القلق والضنك: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه: 124]. فهو «لا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيِّق حرج لضلاله وإن تنعَّم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشكٍّ؛ فلا يزال في رَيبه يتردَّد؛ فهذا من ضنك المعيشة»[2].

♢فكيف يحصل العبد على لذة العبادة؟ وما صور ذلك؟ وما موانعه؟
هذا ما سيكون حديثنا عنه في هذه الأسطر بمشيئة الله، تعالى.
ثمة أسباب للحصول على لذة العبادة، منها:

أولاً: مجاهدة النفس على العبادة وتعويدها، مع التدرج في ذلك:
قال ابن القيم: «السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف، ومشقة العمل لعدم أُنْس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت (أي الصلاة) قرة عين له، وقوة ولذة»[3]. وقال ثابت البناني: «كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة»[4]. وقال أبو يزيد: «سُقْتُ نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك»[5]. قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَـمَعَ الْـمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. فإذا جاهد العبد نفسه هداه الله وسهل له الوصول إلى ما جاهد نفسه إليه.

ثانياً: الإكثار من النوافل والتنويع فيها على اختلاف صفاتها وأحوالها:
حتى لا تمل النفس، وحتى تُقبِل ولا تدبر؛ فتارة نوافل الصلاة، وتارة نوافل الصوم، وتارة نوافل الصدقة... إلخ؛ فإن ذلك مما يورث محبة الله؛ كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه أن الله يقول: «وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه...»[6]. فـ «من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل قربه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه؛ حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهَداً له بعين البصيرة»[7].

ثالثاً: التأمل في سير الصالحين:
قال جعفر بن سليمان: «كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع كأنه وجه ثكلى»[8]، وهي التي فقدت ولدها. وكان ابن المبارك يقول: «إذا نظرت إلى فضيل بن عياض جُدِّد لي الحزن، ومقتُّ نفسي»[9]، ثم يبكي.

رابعاً: قراءة القرآن وتدبر ..
معانيه، والوقوف عند عجائبه:
فإن في القرآن شفاءً للقلوب من أمراضها، وجلاءً لها من صدئها، وترقيقاً لما أصابها من قسوة، وتذكيراً لما اعتراها من غفلة، مع ما فيه من وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، وبيان أحوال الخلق بطريقَيْهِم (أهل الجنة، وأهل السعير)، ولو تخيل العبد أن الكلام بينه وبين ربه كأنه منه إليه لانخلع قلبه من عَظَمة الموقف، ثم يورثه أُنْسَ قلبه بمناجاة ربه، وَلَوَجَد من النعيم ما لا يصفه لسان أو يوضحه بيان، وخصوصاً تدبُّر ما يتلا في الصلوات.

خامساً: الخلوة بالله - تعالى - والأنس به:
بحيث يتخير العبد أوقاتاً تناسبه في ليله أو نهاره يخلو فيها بربه، ويبتعد فيها عن ضجيج الحياة وصخبها، يناجي فيها ربه يبثه شكواه، وينقل إليه نجواه، ويتوسل فيها إلى سيده ومولاه. فكم لهذه الخلوات من آثار على النفوس، وتجليـات على القلـوب؟ قيـل لمالك بن مغفـل - وهو جالس في بيته وحده -: ألا تستوحش؟ قال: أَوَ يستوحش مع الله أحد؟ وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: «من لم تقرَّ عينه بك فلا قرت عينه، ومن لم يأنـس بك فلا أَنِـس»[10]. وقـال ذو النـون - رحمه الله -: «من علامات المحبين لله أن لا يأنسوا بسواه ولا يستوحشوا معه»[11].

سادساً: البعد عن الذنوب والمعاصي:
فكم من شهوة ساعة أورثت ذلاً طويلاً، وكم من ذنب حرم قيام اللي
ل سنين، وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة، ويكفي هنا قول وهيب بن الورد حين سئل: «أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: لا، ولا من همَّ».
قال ابن الجوزي: «فرب شخص أطلق بصره فحرمه الله اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه، فأظلم سره وحُرِم قيام الليل، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك»[12].
فالذنوب داء القلوب. قال يحيى بن معاذ: «سَقَمُ الجسد بالأوجاع، وسَقَمُ القلوب بالذنوب؛ فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب»[13].

سابعاً: التقلل من المباحات:
قال أحمد بن حرب: «عبدتُ الله خمسين سنة فما وجدت حلاوة العبادة حتى تركت ثلاثة أشياء: تركت رضا الناس حتى قدرت أتكلم بالحق، وتركت صحبة الفاسقين حتى وجدت صحبة الصالحين، وتركت حلاوة الدنيا حتى وجدت حلاوة الأخرى... »[14].
قال العلاَّمة ابن القيم: «غض البصر عن المحارم يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر، جليلة القدر: إحداها: حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله - تعالى - فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله - عز وجل - خيراً منه، والنفس مولعة بحب النظر إلى الصور الجميلة، والعين رائد القلب، فيبعث رائده لنظر ما هناك فإذا أخبره بحسن المنظور إليه وجماله تحرك اشتياقاً إليه، وكثيراً ما يتعب ويُتعِب رسوله ورائده. فإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة فمن أطلق لحظاته دامت حسراته...»[15].

♢صور من لذة العبادة:
الأصل أن المؤمن يجد لذة وحلاوة لكل عبادة يتقرب بها إلى الله - تبارك وتعالى - ولكننا هنا سنذكر بعضاً من صور لذة العبادة، فمن ذلك:

أولاً: لذة الإيمان: فللإيمان لذة لا تعدلها لذة من لذائذ الدنيا الفانية؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي #: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان...»[16] فـ «الإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما تذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم؛ فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان إذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرَّمة، وجد حلاوة الإيمان حينئذٍ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي»[17].

ثانياً: لذة الصلاة: فللصلاة لذة عظيمة؛ وجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجُعلَت قرة عيني في الصلاة»[18].
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجد لصلاته لذة وراحة؛ حيث كان يقول لبلال: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة»[19]، ولم يقل أرحنا منها كما هو شأن بعضنا. ووجدها عروة بن الزبير؛ فقد قُطعَت رجله وهو في الصلاة، ولم يشعر[20]؛ فقد أنسته لذة الصلاة وحلاوتُها مرارة الألم.

ثالثاً: لذة قيام الليل: يروى في الأثر عن نافع بن عمر قال: قالت أم عمر بن المنكدر لعمر: إني أشتهي أن أراك نائماً؟ فقال: يا أماه! والله! إن الليل ليَرِد عليَّ فيهولني، فينقضي عني وما قضيت منه أربي»[21]. وقال بعض السلف: «إني لأفرح بالليل حين يقبل، لما يلتذ به عيشي، وتقرُّ به عيني من مناجاة مَنْ أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه، وأغتم للفجر إذا طلع، لما اشتغل به بالنهار عن ذلك»[22].

رابعاً: لذة قراءة القرآن وتلاوته: قال عثمان بن عفان: «لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله». قال ابن القيم: «وكيف يشبع المحب من كلام من هو غاية مطلوبه» إلى أن قال: «فلمحبي القرآن من الوجد والذوق واللذة والحلاوة والسرور أضعاف ما لمحبي السماع الشيطاني»[23]، وقال ابن رجب: «لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم»[24].

خامساً: لذة الإنفاق في سبيل الله: للإنفاق في سبيل الله لذة عظيمة، وجد هذه اللـذة أبو طلحة - رضي الله عنه - ولما وجدها أنفق أعز ماله لديه في سبيل الله؛ كما في البخاري ومسلم. ووجد هذه اللذة أبو الدحداح - رضي الله عنه - فجعل مزرعته كلها لله؛ فعن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها فَأْمُره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطها إياه بنخلة في الجنة» فأبى، فاتاه أبو الدحداح، فقال: بعني نخلتك بحائطي. ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني قد ابتعت النخلة بحائطي. قال: فاجعلها له فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من عذق راح لأبي الدحداح في الجنة» قالها مراراً. قال: فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح! أخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع أو كلمة تشبهها[25].

سابعاً: لذة
طلب العلم: قال الشاطبي: «في العلم بالأشياء لذة لا توازيها لذة؛ إذ هو نوع من الاستيلاء على المعلوم والحوز له، ومحبة الاستيلاء قد جبلت عليها النفوس، وميلت إليها القلوب»[26].
وقد شهد بذلك أرباب العلم، والمشتغلين به. قال ابن الجوزي حاكياً عن نفسه: «ولقد كنت في حلاوة طلب العلم ألقى من الشدائد ما هو أحلـى عندي من العسـل في سـبيل ما أطلب وأرجو، وكنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة ثم أذهب به في طلب الحديث وأقعد عند نهر عيسى ثم آكل هذا الرغيف وأشرب الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها وعَيْن هِمَّتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم»[27].
ومن اللذة في طلب العلم في التأليف والتصنيف ما قاله أبو عبيد: «كنت في تصنيف هذا الكتاب كتاب «غريب الحديث» أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من هذا الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة»[28].
وأنشد بعضُهم شعراً رائعاً في هذا المقام، فقال:
لَـمِحبرةٌ تجالسني نهــــاري
أحبُّ إليَّ من أُنْسِ الصديقِ
ورزمةُ كاغدٍ في البيت عندي
أحبُّ إليَّ من عدل الدقيقِ
ولطمةُ عالِمٍ في الخــدِّ منِّي
ألذُّ لديَّ من شرب الرحيقِ[29]

♢موانع لذة العبادة:
لذلك عدة أسباب، أهمها:

أولاً: المعاصي والذنوب: يذكر ابن الجوزي أن: بعض أحبار بني إسرائيل قال: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري؛ أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟ فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد، حتى قال وهب بن الورد وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ. فرب شخص أطلق بصره فحُرِم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعم فأظلم سره، وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك [30].

ثانياً: كثرة مخالطة الناس: فذلك مما يفقد العبد لذة العبادة، فكثرة المخالطة داء، والتوسط في ذلك هو الحق والعدل.

ثالثاً: تحوُّل العبادات إلى عادات: فإذا تحولت العبادة إلى عادة فُقدَت لذة العبادة وحلاوتها، كما هو مشاهَد.

رابعاً: النفاق: فإذا كان في القلب نوع من النفاق، فإن ذلك يكون ماحقاً ومانعاً لحصول لذة العبادة.
هذه أبرز موانع لذة العبادة.
فإذا أردت أن تحصل على لذة العبادة، وتتفيأ ظلالها، وتقطف ثمارها، وتنعم بخيراتها؛ فعليك بعمل الأسباب الجالبة لذلك - وقد سبق أن ذكرناها - وعليك أن تبتعد عن صوارفها وموانعها.
وفَّقَنا الله لما يحبه ويرضاه.


[1] الوابل الصيب، ص 69.
[2] تفسير القرآن العظيم: 3/169.
[3] مدارج السالكين: 2/373.
[4] حلية الأولياء: 2/321، وصفة الصفوة: 3/260.
[5] طريق الهجرتين: 1/474.
[6] أخرجه البخاري ومسلم.
[7] جامع العلوم والحكم، ص 365.
[8] حلية الأولياء: 2/347.
[9] تاريخ الإسلام: 2/336.
[10] جامع العلوم والحكم، ص 38.
[11] جامع العلوم والحكم، ص 38.
[12] صيد الخاطر، ص 34.
[13] ذم الهوى: 68.
[14] سير أعلام النبلاء: 11/34.
[15] إغاثة اللهفان: 1/46.
[16] أخرجه البخاري ومسلم.
[17] فتح الباري: 1/45.
[18] أخرجه أحمد والنسائي، وصححه الألباني.
[19]أخرجه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
[20] صفة الصفوة: 2/87.
[21] صفة الصفوة: 2/145.
[22] طريق الهجرتين: 1/474.
[23] الجواب الكافي، ص 170.
[24] جامع العلوم والحكم، ص 364.
[25] أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وقال محققو المسند: «إسناده صحيح على شرط مسلم».
[26] الموافقات: 1/67.
[27] صيد الخاطر، ص 177.
[28] طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، ص 261.
[29] الجامع لأخلاق الراوي: 1/106.
[30] صيد الخاطر: 34.
========================
🎤
محاضـرة.قيمــة.بعنــوان.cc
أضرار المعاصي على الأفرادِ والمُجتمعات
للشيخ /حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

  ملخص الخطبة1- الذنوب والمعاصي من أعظم الأضرار. 2- من أضرار الذنوب والمعاصي. 3- من آثار الذنوب والمعاصي. 4- من عقوبات الذنوب والمعاصي. 5- ضرر المعاصي لا يقتصر على أصحابها.

الخطبة الأولى

إخوة الإسلام، إن الله جل وعلا لا يأمر إلا بما يتضمَّن كلَّ خير للعباد، وما يحقِّق المصالحَ في المعاش والمعاد. ومن هنا فالذنوبُ والمعاصي من أعظم الأضرار على العباد والبلاد، بل كلّ شرٍّ في الدنيا والآخرة فأساسُه ارتكابُ القبائح والموبقات، وسببُه اجتراحُ المعاصي والسيئات.

الذنوبُ والمعاصي كم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم أحلَّت من مذلّة وبَلية.

معاشرَ المسلمين، للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة ما يعود على الفرد والجماعة، وما يصيب القلبَ والبدن، وما يعمّ الدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلاّ الله جل وعلا. وإن من أضرار الذنوب والآثار السيئة للمعاصي يعود على الناس كافة، ويضرّ بالمجتمعَ عامة.

فمن تلك الأضرار البالغةِ والآثار السيئة أن المعاصي سببٌ لحرمان الأرزاق، وسببٌ لفشوّ الفقر وحرمان البركة فيما أُعطي العباد، جاء في المسند عن النبي : ((إن الرجل ليُحرَم الرزقَ بالذنب يصيبُه))[1]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق)[2].

المعاصي والذنوبُ متى تفشَّت في المجتمع تعسَّرت عليه أمورُه، وانغلقت أمامَه السبل، فيجدُ أفرادُه حينئذ أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً أمامهم، وطرقَها معسَّرة عليهم، ولا غرو فالله جل وعلا يقول: وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].

المعاصي سببٌ لهوان العبد على ربّه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري رحمه الله "هانوا عليه فعصوه، ولو عزُّوا عليه لعصمهم"[3]. ومتى هان العبدُ على الله جل وعلا لم يُكرمْه أحد كما قال سبحانه: وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ [الحج:18].

وإن المجتمعَ المسلم متى فشت فيه المعاصي والموبقاتُ وعمّت بين أبنائه الذنوبُ والسيئات كان ذلك سبباً في ذلته وصغاره أمام المخلوقات جميعهاً، ففي مسند أحمد عن النبي : ((وجُعلت الذلة والصغارُ على من خالف أمري))[4]، فالعزَّة إنما هي في تحقيق طاعة الله وطاعة رسوله ، مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10].

لما فُتحت قُبرص بَكى أبو الدرداء رضي الله عنه فقيل له: ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلامَ وأهله؟ فقال: (ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملكُ تركوا أمرَ الله فصاروا إلى ما ترى)[5].

جاء في المسند عن النبي  أنه قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق، كما تتداعى الأكلةُ على قصعتها))، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة يومئذ؟ قال: ((لا، وأنتم كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، تنزَع المهابة من قلوب عدوّكم، ويُجعل في قلوبكم الوهن))، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حبُّ الدنيا، وكراهة الموت))[6]، وفي المسند أيضاً وسنن أبي داود بسند حسن عن النبي  أنه قال: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهادَ سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم))[7]،وفي روايةٍ: ((أنزل الله عليكم من السماء بلاءً، فلا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم))[8]. ولذا كان من دعاء بعض السلف: "اللهم أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك"[9].

إخوة الإسلام، من آثار الذنوب والمعاصي على البلاد والعباد أنها تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء والزروع والثمار والمساكن وغيرها، قال جل وعلا: ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[الروم:41]. والمراد بالفساد في الآية النقصُ والشرور والآلام التي تحدث في الأرض عند معاصي العباد، فكلَّما أحدثوا ذنباً أحدث الله لهم عقوبة، قال بعض السلف: "كلّما أحدثتم ذنباً أحدث الله لكم من سلطانه عقوبةً"، قال مجاهد: "إذا ولي الظالمُ وسعى بالظلم والفساد فيحبس الله بذلك القطرَ، حتى يهلك الحرثُ والنسل"، ثم قرأ هذه الآية ثم قال: "أما والله، ما هو ببحركم هذا، ولكن كلّ قرية على ماءٍ جارٍ فهو بحر"[10]، وبمثله قال غيره من المفسرين.

جاء في سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال : ((يا معشر المهاجرين، خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدْركوهن: ما ظهرتِ الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلاّ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ والميزان إلا ابتُلوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجَو
ر السلطان، وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطروا، ولا خفَر قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم، وما لم تعملْ أئمتُهم بما أنزل الله جل وعلا في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم))[11]، وفي المسند من حديث أم سلمة: ((إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده))[12].

إخوة الإيمان، ومن آثار المعاصي على العباد تسلّطُ الأعداء وتمكّن الأشرار من الأخيار، جاء عن النبي  أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عذاباً من عنده، ثم تدعونَه فلا يُستجاب لكم)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه المنذري وغيره[13].

معاشر المسلمين، من عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تزيل النعم، وتحلّ النقم، وتقلب الأمنَ مخاوف، والسعادةَ شقاءً والصلاح فساداً، وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، قال علي رضي الله عنه: (ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)[14]. فمتى غيَّر العبادُ طاعةَ الله جل وعلا بمعصيته، وغيَّروا شكرَه بكفره وأسبابَ رضاه بأسبابِ سخطه غُيِّرت عليهم النعمُ التي هم فيها، ومتى غيَّروا المعاصي بالطاعة غيَّر الله عليهم العقوبة بالعافية والذلَّ بالعز والشقاءَ بالسعادة والراحة والطمأنينة، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ [الرعد:11]، ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].

أيها المسلمون، من عقوبات المعاصي والآثام انتشارُ الأمراض النفسيّة بين أفراد المجتمع، وحلولُ المخاوف والقلق، وحصولُ الهمّ والضجر. ذلكم أن الذنوبَ تَصرِف القلوبَ عن صحّتها واستقامتها إلى مرضها وانحرافها، فلا يزال القلبُ مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياتُه وصلاحُه، فتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوبُ أمراضُ القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها.

قال جل وعلا: إِنَّ ٱلأبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ  وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ [الانفطار:13، 14]، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولا تحسبنَّ أنّ النعيم في هذه الآية مقصورٌ على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة هم كذلك، أعني: دار الدنيا ودار البرزخ ودارَ القرار. فهؤلاء ـ أي: أصحاب الطاعة ـ في نعيم، وهؤلاء ـ أصحابُ العصيان ـ في جحيم، وهل النعيم إلاَّ نعيمُ القلب؟! وهل العذاب إلا عذاب القلب؟! وأيّ عذابٍ أشدّ من الخوف والهمّ والحزن وضيق الصدر؟!" انتهى كلامه رحمه الله[15].

ولذا ـ عباد الله ـ فأهلُ الطاعة والتقوى في مأمن من الهموم والغموم، وفي بعد عن الضجر والقلق، ذلك بأنهم حقّقوا طاعةّ الله، واجتنبوا معاصيَه، فربنا جل وعلا يقول: فَمَنْ ءامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48]، ويقول عز من قائل: إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:12].

فاتقوا الله عباد الله، وحقِّقوا طاعتَه تفلحوا، واجتنبوا معاصيَه تسعَدوا، وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

[1] أخرجه أحمد (5/277)، وابن ماجه في الفتن (4022)، والطبراني في الكبير (2/100)، والبيهقي في الشعب (10233) من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (872)، والحاكم (1814)، وحسنه العراقي كما في مصباح الزجاجة (1/15)، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب (1473، 1478).

[2] انظر: الاستقامة (1/351)، ومدارج المسالكين (1/424).

[3] انظر: جامع العلوم والحكم (ص188).

[4] جزء من حديث علقه البخاري بصيغة التمريض في الجهاد، باب: ما قيل في الرماح، ووصله أحمد (2/50) بتمامه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرج أبو داود في اللباس، باب: في لبس الشهرة (4031) جزءا منه، قال ابن تيمية كما في المجموع (25/331): "هذا حديث جيد"، وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/342): "سنده صحيح"، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/271)، وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة (ص104).

[5] أخرجه الطبري في تاريخه (2/602)، وأبو نعيم في الحلية (1/217)، وابن الجوزي في المنتظم (4/364).

[6] رواه الإمام أحمد (5/278)، وأبو داود في الملاحم (4297) من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (958).

[7] أخرجه أحمد (2/42، 84)، وأبو داود في البيوع (3462) من حديث ابن عمر رضي الله عنهم
ا، وصححه ابن القطان كما في التلخيص الحبير (3/19)، وقوّاه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (5/104)، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (11).

[8] أخرجه أحمد (2/28) بنحوه.

[9] روي هذا من دعاء جعفر بن محمد، أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/196).

[10] أخرجه ابن جرير في تفسيره (21/49).

[11] أخرجه ابن ماجه في الفتن (4019)، والبيهقي في الشعب (3/197)، وصححه الحاكم (4/540)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (106).

[12] أخرجه أحمد (6/304)، والطبراني في الكبير (23/325)، وقال الهيثمي في المجمع (7/268): "رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح".

[13] أخرجه الترمذي في الفتن (2169) من حديث حذيفة رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (5/388، 391)، والبيهقي في الشعب (7558)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1762).

[14] انظر: طريق الهجرتين (ص415). وروي من كلام العباس في دعائه لما طلب منه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن يستسقي لهم، عزاه الحافظ في الفتح (2/497) للزبير بن بكار في الأنساب وسكت عنه. وروي من كلام عمر بن عبد العزيز، انظر: مجموع الفتاوى (8/163).

[15] الجواب الكافي (ص51).

 الخطبة الثانيةالحمد لله حمداً لا ينفد، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الفرد الصمد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل من تعبّد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بوصية الله جل وعلا للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ [النساء:131].

إخوة الإيمان، الذنوبُ والمعاصي تمحقُ بركةَ الدنيا والدين، تمحقُ بركةَ العمر والرزق، وبركة العلم والعمل وغيرها، بل ما مُحقت البركةُ من الأرض إلاّ بمعاصي الخلق، والله جل وعلا يقول: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، والله جل وعلا يقول: وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً [الجن:16].

ولذا فيا عباد الله، إن معصيةَ العاصي تعود على غيره بشؤم هذا الذنب، فيحصل الضرر حينئذ على الجميع، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم)[1]، ويقول غير واحد من أهل السلف: "إنّ البهائم تلعن عصاةَ بني آدم إذا اشتدَّت السنة وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"[2].

الذنوبُ والمعاصي تجرِّئ على العبد ما لم يكن يجترئْ عليه من أصناف المخلوقات، فتجترِئ عليه الشياطينُ بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين وإنسائه ما به مصلحتُه في ذكره ومضرّته في نسيانه، ويجترِئ عليه حينئذ شياطينُ الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، بل ويجترِئ عليه أهلُه وخدمه وأولادُه وجيرانه، قال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق دابّتي وامرأتي"[3]، ذلكم أن اللهَ يدفع عن المؤمنين الطائعين شرورَ وأضرارَ الدنيا والآخرة، فالله جل وعلا يقول: إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ [الحج:38].

عباد الله، إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض الله عن الخلفاء الراشدين...

 

 

 
===============
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❃ الاربعاء ❃
٠٧/ شـعـ⑧ــبـان/ ١٤٣٨هـ
03/ مــــايــ⑤ـــو/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂

‏﴿وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾
ما يكتبه الله لنا.
.هو خيرٌ مما نُحبّ ،
وأعظم مما نطلب ،
وألطفُ مما نشاء..
فأحسنوا الظن بالله.
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
صبــــاح اختيار الله...@
﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ )

لا تَضرّك ظُنون الخَلق وآراؤهم أصلح مَا بينك وبَين الله ، ثم امضِ فَهو بِك أعلم .
2024/09/29 03:32:12
Back to Top
HTML Embed Code: