Telegram Web Link
م اكبِت عدوَّهم.

اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومن عاونَهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك.

اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.

اللهم احفَظ وسدِّد جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا وحُدودِنا، المُجاهِدين لحفظِ أمنِ بلادِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا، اللهم تقبَّل شُهداءَهم، وعافِ جِرحَاهم، وسدِّدهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.

اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار.

اللهم ادفَع عنا الغلا والوبَا والرِّبا والزِّنا، والزلازِلَ والمحَن، سُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن، عن بلدِنا هذا وعن سائِر بلاد المُسلمين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]،

ربَّنا اغفِر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القومِ الكافِرين،

اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، إنك سميعُ الدعاء.

اللهم لك الحمدُ على ما أنعمتَ به علينا من الغيثِ والأمطار، اللهم زِدنا من فضلِك، وبارِك لنا فيما رزَقتَنا، وعُمَّ بالغيثِ والمطر بلادَنا وبلادَ المُسلمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.

اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، لا سُقيَا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرَق، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مِدرارًا.

اللهم بارِك لنا فيما أعطيتَنا، وزِدنا من فضلِك يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.

سُبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.
=========================
[الأحقاف: 35].

وأما المثالُ الثاني: فآدمُ - عليه الصلاة والسلام - أبُونا الذي خلقَه الله بيدِه، وأسجَدَ له ملائكتَه، ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: 115].

لكن الله اجتَبَاه واختارَه، كما جتبَى مُوسَى واختارَه، ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه: 122].

وهما النبِيَّان الكريمَان اللذَان تحاجَّا، فحجَّ آدمُ مُوسَى.

اختارَ الله موسى - عليه السلام -، فقال: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 13، 14]، هذان الأمرَان العظيمَان: التوحيدُ والصلاةُ: ﴿فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾.

فكل دعوةٍ قامَت على الاهتِمام بأمرِ التوحيدِ والصلاةِ فإنها دعوةٌ على أمرِ الأنبِياء: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].

سُورةٌ تقولُ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الدعوةَ والداعِيةَ يُؤيَّدُ من قِبَل الله تعالى بالآياتِ والبراهِينِ الناطِقة، إذا سارَ في طريقِ الدعوة، ويُذلِّلُ الله له العقَبَات، ويفتَحُ الأبوابَ، ويُرِيه من ألطافِه ما لا يخطُرُ على بالٍ، حتى لتغدُو العصَا حيَّة، ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى﴾ [طه: 22].

سُورةٌ تقولُ: إن الداعِيةَ إلى الله مُحتاجٌ إلى صَدرٍ واسِعٍ يحمِلُ الناسَ، وإلى عَونٍ من الله وتيسير، وإلى لسانٍ يُبلِّغُ عن هذه الدعوةِ رسالتَها، وقد يكونُ اللسانُ قلَمًا أو صحيفةً أو وسيلةً مرئيَّةً، وهو مُحتاجٌ إلى من يُؤازِرُه ويشُدُّ عضُدَه، وهو قبل ذلك وبعدَه مُحتاجٌ إلى اتصالٍ وَثيقٍ بالله.

هذه أدواتُ الداعِية، فاسمَع إلى هذه المطالِبِ في سُؤال الداعِية مُوسى - عليه السلام -: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى﴾ [طه: 25- 36].

سُورةٌ تقولُ: إن أساسَ الدعوة إلى الله الرِّفقُ واللِّين، فلو كان المدعُوُّ أعتَى الطُّغاة: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 42- 44].

قال وهبُ بن مُنبِّه: "قُولا له: إني إلى العفوِ والمغفِرةِ أقربُ مني إلى الغضَبِ والعقُوبةِ".

وقال بعضُ السلَف: "قُولا له: لا إله إلا الله". فلم يكُن اللِّينُ إلا في القولِ والبلاغِ دُون مضمُون الرسالةِ والعقيدة.

وقد امتثَلَ نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - هذه الوصيَّة، فكان كما أخبرَ الله عنه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: 159]، وأنزلَ الله عليه سُورةَ الكافِرون.

سُورةٌ تقولُ: إن على الدُّعاةِ أن يجتمِعُوا على كلمةٍ سواءٍ، فبينَهم من دواعِي الاجتِماع أكثرُ من دواعِي الفُرقة؛ فكتابُهم واحد، ونبيُّهم واحد، وغايتُهم واحدة. وإذا كان أهلُ الباطلِ يتنادَون فيما بينَهم، فأهلُ الحقِّ أولَى بذلك، قال السَّحرةُ: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ [طه: 64].

وقد رجَّحَ هارُونُ - عليه السلام - مصلحةَ الاجتِماع بعد أن نهَى بنِي إسرائيل عن عبادةِ العِجل، وقال لهم: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه: 90].

وعذَرَه مُوسى لما اعتذَرَ إليه بقولِه: ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: 94].

سُورةٌ تقولُ: إن على الداعِية ألا يخَاف؛ لأن الله معه، قالَها الله تعالى لمُوسَى - عليه السلام - ولأخِيه في بدايةِ الدعوة: ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: 45، 46]، وأعادَها الله على مُوسى وقتَ المُنازَلَة، لما ألقَى السحرَةُ حِبالَهم وعِصِيَّهم: ﴿{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا
فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ [طه: 67- 69].

هكذا .. ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾، يُدرِكُ الداعِيةُ حجمَ الباطلِ وحقيقتَه فلا يخافُ، ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾.

ثم أعادَ الله على مُوسى ألا يخافُ، وذلك في مشهَد النجاةِ: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: 77].

وهكذا الداعِيةُ المُؤمنُ لا خوفَ عليه في الدنيا والآخرة: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: 112].

سُورةٌ تقولُ: إن الداعِيةَ إلى الله لا يتزَحزَحُ عن الطريقِ ولا يتأخَّر، ولا يتراجَعُ، ولا يشُكُّ في أمرِ دعوتِه، وإن اختلَفَت الأحوالُ على أتباعِه، وتقلَّبُوا في فتنةِ السرَّاء وفتنةِ الضرَّاء .. هذا مُوسى - عليه الصلاة والسلام - آمَنَت له السَّحرةُ واتبَعُوه، فأصابَهم ما أصابَهم، وما تغيَّر حالُه، وما وهَنَ ولا ضعُف.

قال فرعونُ: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه: 71- 76].

قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - وغيرُه: "كانُوا أولَ النهار سَحَرة، فصارُوا في آخِرِه شُهداءَ برَرَة".

وأما فتنةُ السرَّاء؛ ففي الناجِين من قوم مُوسى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 80- 82].

ثم وقعَت الفتنةُ في قومِ مُوسَى، وعبَدُوا العِجلَ، وما تغيَّر مُوسى في الأمرَين؛ فهو الداعِيةُ إلى الحقِّ، الثابِتُ عليه في السرَّاء وفي الضرَّاء، ولما قصَّ الله من خبَر مُوسَى وقومِه ما قصَّ في هذه السُّورَة، قال - سبحانه -: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ [طه: 99- 101].

ثم قال: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 113، 114].

فكان من دُعائِه - صلى الله عليه وسلم -، كما رَوَى أهلُ "السنن": «اللهم انفَعني بما علَّمتَني، وعلِّمني ما ينفَعُني، وزِدني علمًا».

بارَك الله لنا في القرآن العظيم، وهدانا صراطَه المُستقيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم، فاستغفِرُوه إنه كان غفَّارًا.


الخطبـــــة.الثانيـــــة.cc
اللهم باسمِك نبتَدِي وبهديِك نهتَدِي، وبك يا مُعين نسترشِدُ ونستَعين، نسألُك أن تكحَلَ بنُور الحقِّ بصائِرَنا، وأن تجعلَ إلى رِضاك مصائِرَنا، نحمدُك على أن سدَّدتَ في خدمةِ دينِك خُطواتِنا، وثبَّتَّ على صراطِ الحقِّ أقدامَنا، ونُصلِّي ونُسلِّمُ على نبيِّك الذي دعَا إليك على بصِيرَة، وتولاَّك فكُنتَ ولِيَّه ونصِيرَه، وعلى آله المُتَّبِعين لسُنَّتِه، وأصحابِه المُبيِّنِين لشِرعَته، ونشهَدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله.

أما بعـــــد:
فخواتِمُ السُّور تعُودُ على مفاتِحِها، وأواخِرُها تتعلَّقُ بأوائلِها، وبينَهما من التناسُبِ ما بينَهما. وفي خواتِيم سُورة طه تعقيبٌ وخطابٌ لكُفَّار قُريش، وتوجيهاتٌ وخُلاصاتٌ للدُّعاةِ إلى الله:

يقولُ الله - جلَّ جلالُه - مُخاطِبًا كُفَّارَ
قُريشٍ: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾ [طه: 128، 129]، لولا الكلمةُ والأجل لكانَ العذابُ لزامًا: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾.

ثم تجِيءُ الوصايَا العظيمةُ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأتباعِهِ من الدُّعاةِ والمُؤمنين إلى يوم القيامة، فاسمَعوا أيها المُسلمون: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: 130]، وصيَّةٌ بالصبرِ والذكرِ والصلاةِ.

إن الدعوةَ إلى الله جِهادٌ، ولا بُدَّ للمُجاهِدِ من الصبرِ والذكرِ؛ فإنهما نِعمَ العَون في طريقِ الدعوةِ الطويل، ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131]، لا تلتفِت إلى ما في أيدِي المحظُوظِين من المتاعِ، فما عند الله خيرٌ وأبقَى.

إن الداعِيةَ وصاحِبَ القُرآن لا يمُدُّ عينَيه، فضلاً أن يمُدَّ يدَه إلى أهلِ الدنيا، ﴿ولقد آتيناك .. المبين﴾.

قال صالحُ بن الإمام أحمد - رحمهما الله -: قُلتُ لأبي: بلَغَني أن أحمد الدَّورَقِيَّ أُعطِيَ ألف دينار، فقال: "يا بُنيَّ! ورِزقُ ربِّك خيرٌ وأبقَى".

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى﴾ [طه: 132- 135].

وبعدُ .. أيها المسلمون:
فهذه الأيامُ التي تعيشُونَها تُصبِّحُكم فيها وتُمسِّيكُم أراجِيفٌ وتخويفٌ، وتنبُّؤاتٌ بحُروبٍ وصِراعاتٍ، وتنقُّصٌ من الأموال والأنفُسِ والثَّمرات، وتجديدٌ لوَعد الشيطانِ الناسَ بالفقر، وأمرِه لهم بالفحشَاء، وهي أحوالٌ مرَّت على من هم خيرٌ منكم عند الله وأزكَى، مرَّت على خيِّرِين كأراجِيف وفتَن، ومرَّت على غيرِهم كوقائِع وأحداث.

وأيًّا كانت الأحوالُ في الحاضِر والمُستقبَل؛ فإنها ألسِنةُ حقٍّ وسِياطُ صِدقٍ، تسُوقُ الناسَ لربِّهم الكريم، وتُذكِّرُهم بما انتقَصُوه من دينِهم العظيم، وتربِطُ على القلوبِ عند الفتَن، وتُثبِّتُهم عند المِحَن. وقد مضَى القومُ من قبلِكم، وما المقصُودُ بالآياتِ - واللهِ - إلا أنتُم.

فخُذُوا من كتابِ الله عِظاتِه، وتدبَّرُوا سُنَنَه وآياتِه: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45].

وسُننُ الله ثابِتة، وأقدارُه نافِذة، والأمرُ كلُّه لله وحدَه، وما الخلقُ إلا عَبيدُه.

اللهم اجعَل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قُلوبِنا، ونُورَ صُدورِنا، وجلاءَ أحزانِنا، وذهابَ هُمومِنا وغُمومِنا.

هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على نبيِّ الرحمةِ والهُدى: محمدٍ بن عبد الله رسولِ الله إلى العالَمين.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.

اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.

اللهم من أرادَ الإسلامَ والمُسلمين ودينَهم وديارَهم بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلِك في فِلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.

اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.

لا إله إلا الله الحليمُ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرشِ الكريم.

اللهم إنا نسألُك باسمِك الأعظَم أن تلطُفَ بإخوانِنا المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم كُن لهم في فلسطين، وفي سُوريا، والعراق، واليمَن، وفي كل مكانٍ، اللهم الطُف بهم، وارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج.

اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم، الله
الأمانة يوم أن فقدناها .. !!حسان العماري خطبة جمعة:

17/12/2014

الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال ..
أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات
والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال.. واشهد
إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير هو الأول
والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر ولا يدركه الوهم والخيال..
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدٌ عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده
بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه
وتمسك بسنته واقتدى بهديه و من اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين أما بعد :
عبـــــــاد الله :- قال نافع : خرجت مع عبدالله ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة. فقال : إني صائم.. فقال له عبد الله : في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم .. فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر .. وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها .. قال : إنها ليست لي إنها لمولاي ... قال : فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ...؟ ! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله ؟؟؟ قال : فلم يزل ابن عمر يقول : قال : الراعي فأين الله .. فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله ) صفة الصفوة ( 2 / 188) .. إنها الأمانة ذلك الخلق العظيم الذي به تحفظ الحقوق وتؤدى الواجبات وتصان الدماء والأموال والأعراض وبه تعمر الديار والأوطان ويقام الدين ويعبد الله في أرضه وبه ينال العبد رضا ربه وثناء الناس له من حوله، لا يستغني عنها الأفراد ولا الدول ولا الشعوب والمجتمعات وقد أمر الإسلام بخلق الأمانة وبين أهميته وفضله وأثره في الحياة الدنيا والآخرة .. قال تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)[الأحزاب: 72].. وقال سبحانه (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)[النساء: 58] ..وحذر سبحانه وتعالى من خيانة الأمانات فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27] .. والأمانة هي القيام بالواجبات وأداء الحقوق وإتقان الأعمال وحفظ الودائع وهي شاملة لجميع مجالات حياة الفرد تجاه نفسه ودينه وأسرته ووظيفته ومجتمعه ووطنه لا فرق فيها بين حاكم أو محكوم ، أو صانع وتاجر ، أو عامل وزارع ، ولا بين غني وفقير ، أو رجل و امرأة ، فهي شرف للجميع ، ورأس مال الإنسان ، وسر نجاحه ، ومفتاح كل تقدم ، وسبب لكل سعادة .. جعلها النبي صل الله عليه وسلم من علامات الإيمان .. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».( سنن الترمذي/2627،وقال: حسن صحيح) ..وعن أنس بن مالك قال ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له».(صحيح الجامع للألباني/7179) .. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهَ : (لا تغرُّني صلاة امرئ ولا صومه، مَن شاء صام، ومَن شاء صلى، لا دين لمن لا أمانة له) (مكارم الأخلاق للخرائطي ) .. وقال الإمام الصادق رضي الله عنه: "لا تَنظُروا إلى طُولِ رُكُوعِ الرَّجُلِ وَسُجُودِهِ، فَإنَّ ذَلِكَ شَيءٌ اعتَـادَهُ فَلَو تَرَكَهُ استَوحَشَ لِذلِكَ، وَلَكِنْ اُنظُرُوا إلى صِدقِ حَدِيثِهِ وَأَداءِ أَمـانِتِهِ" .. والهدف من هذا التعبير ليس تقليلاً من شأن الصلاة والركوع والسجود والخشوع ، بل الهدف هو أنّ هذه الأمور ليست هي العلامة الوحيدة لإيمان الفرد، بل هناك ركنان أساسيان لدين الشخص, الصدق والأمانة اللذان هما ثمرة العبادات والطاعات ..
أيها المؤمنون /عبــاد الله :- إن طمأنينة النفس وراحة الضمير وسعادة الفرد والمجتمع لا تنبع إلا من خلال قيم وأخلاق حميدة ينبغي أن تمارس سلوكاً في الحياة .. في السراء والضراء وعند اشتداد الفتن وكثرت المشاكل واحتدام الصراعات فالأخلاق ثابتة لا تتغير ولا تتبدل لأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها ودين أمر الله
بن جرير:لما قدم بسيف كسرى مع بقية الكنوز قال عمر إن أقواما أدوا هذا لذووا أمانة فقال له على ابن أبى طالب رضي الله عنه :(انك عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية) .. إنها الأمانة أن كانت سلوك أمة وشعار مجتمع ودستور حياة .. ويوم أن جاءت امرأة إلى أبي حنيفة تبيع له قطعة من قماش فقال لها: كم ثمنها .. قالت: مائة درهم ، فقال: كلا إنها تساوي أكثر من ذلك فقالت المرأة: أتهزأ بي قال: لا .. فأحضرا رجل آخر يسعرها فقال إنه تساوي خمسمائة درهم .. عجباً المشتري هو من يزيد في ثمن السلعة ؟ لماذا ؟ إنها الأمانة التي جعلت العالم بن عقيل كذلك وهو طالب علم يفضل الجوع ويصبر رغم أنه وجد كنزاً ثميناً ضاع من صاحبه يقول عن نفسه: حججت عام فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر ، فإذا شيخ ينشده ، ويبذل لمن وجده مائة دينار، فرددته عليه ، فقال : خذ الدنانير ، فامتنعت وخرجت إلى الشام ، وزرت القدس ، وقصدت بغداد ثم وصلت إلى حلب وبتُ في مسجد وأنا بردان جائع ، فقدموني ، صليت بهم ، فأطعموني ، وكان أول رمضان ، فقالوا : إمامنا توفي فصل بنا هذا الشهر ، ففعلت ، فقالوا : لإمامنا بنت فزوجوني بها ، فأقمت معها سنة ، وولدت لداً بكراً ، فمرضت في نفاسها ، فتأملتها يوماً فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر ، فقلت لها: من أين لك هذا العقد فقالت: إن أباها كان له مال وفير وقد اشترى هذا العقد عندما ذهب إلى الحج وضاع هناك فوجده شاب وأبى أن يأخذ مكافأته من أبي .. فحكيت لها ، فبكت وقالت : أنت هو والله ، لقد كان أبي يبكي ، ويقول : اللهم ارزق ابنتي مثل الذي رد العقد عليّ ، وقد استجاب الله منه .. إنها الأمانة التي جعلت ابن المبارك العالم الجليل يعود من مرو في خراسان إلى الشام ليرد قلماً استعاره من صاحبه ومكث في هذه الرحلة شهراً كاملاً .. ذلك أنه بأداء الأمانة يأمن الناس بعضهم بعضاً وتتيسر أمورهم في قضاء حوائجهم وإنجاز معاملاتهم، وتحفظ حقوقهم وتصان الأموال والأعراض وينتشر الخير ويدوم المعروف قال تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 283]..
عبـــاد الله : - لنبحث عن الأمانة التي فقدناها ونزكي بها أنفسنا ونؤديها كما أمرنا ديننا ونحييها في قلوبنا وسلوكياتنا ونربي عليها أبنائنا وننصح بها بعضنا ولنحذر من الخيانة فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ خائن الأمانة سوف يعذب بسببها في النار، وتكون عليه خزياً وندامة يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ) (رواه البخاري) .. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .. 80 هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين . 1435هـ / 2014م
بإقامته وربطها بالأجر والثواب والخيرية والفلاح في الدنيا والآخرة .. و الأمانة من هذه الأخلاق بل هي أعظمها أهمية وأثراً في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب ويوم أن فقدناها رأينا الخيانة والتساهل والتقصير والتهرب من المسئولية والغش والتحايل والظلم والفساد والبغي في أخلاق الناس وسلوكياتهم ففسدت الحياة وساءت العلاقات بين البشر وضعف الإنتاج ودمرت دول ومجتمعات .. لذلك حرص الإسلام على أدائها في كل عمل ..في العبادات والمعاملات وفي البيع والشراء وفي الوظائف والأعمال وتولى المناصب وفي التعامل الأسري وتربية الأولاد وحتى في معاملة غير المسلم لابد أن يتخلق المسلم بالأمانة وقد وصف الله أهل الإيمان فقال (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[المؤمنون: 8] .. قال القرطبي رحمه الله : (و الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال) (فتح القدير 4/308) .. والأمانة هي خلق سيد الأنبياء وخاتمهم صل الله عليه وآله وسلم ، عرف بها وشهد بذلك أعدائه وقد أمر بأداء الأمانة وحفظها ونهى عن الخيانة ولو مع الخصم الخائن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك».( قال الألباني: صحيح، انظر: مشكاة المصابيح/2934) .. حتى مع من خانك لا ينبغي لك أن تنزل إلى مستوى أخلاقه فتخونه فتكونوا في الإثم سواء .. وبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن حفظ الأمانة وأدائها سبب من أسباب دخول الجنة فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثنم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا اؤتمنتم واحفظوا وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم " (حسنه الألباني في صحيح الجامع/ 1018).
عبــــاد الله :- لقد أصبحنا اليوم نبحث عن التاجر الأمين والعامل الأمين والطبيب صاحب الأمانة والبائع الذي يتعامل بالأمانة والموظف والمعلم والمقاول والضابط والصيدلي والمهندس وغير ذلك فلا نجد إلا القليل .. فالأمانة أصبحت عملة نادرة بسبب الغفلة عن الآخرة وحب الدنيا والبعد عن الدين وتعاليمه وعدم إدراك خطورة ضياع الأمانة في حياة الناس .. وقد حذر صلى الله عليه وسلم من زمن تقلب الحقائق وتزور الوقائع وتغير العناوين فقال: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الروبيضة قيل: وما الروبيضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"(أخرجه ابن ماجة فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة/ 4108).. إن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجع 'الخيانة في العمل وعدم الوفاء بأمانة العمل' إما عن طريق أن يوسد العمل إلي غير أهله وإما بإهدار المال العام وكلاهما أبشع أنواع الخطر علي تقدم المجتمع وحضارته. أما توسيد العمل إلي غير أهله فيترتب عليه خلخلة المؤسسة أو الإدارة وعدم استقرارها وثباتها، وفي التأكيد علي المحافظة علي الاستقرار كان توجيه الإسلام واضحا في بيان أن الأمر إذا وسٌد إلي غير أهله فلننتظر الساعة كناية عن إنتهاء الحياة والاستقرار وعندما سئل الرسول صلي الله عليه وسلم عن الساعة وقال له رجل: متى الساعة؟ قال: ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: 'إذا وسٌدّ الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة' ) (رواه البخاري) .. وأما إهدار المال العام فإنه يتمثل في صور كثيرة من سوء استخدام صلاحيات البعض، ومن عدم مراقبة الله تعالي فيما يعمل وفيما يأخذ، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( من استعملناه علي عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ) (رواه أبو داود).. لقد سمَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوظائف أمانات، ونصح الضعفاء عن طلبها والتعرُّض لها، فقد سأله أبو ذر - رضي الله عنه - أن يستعمِلَه فضرب بيده على منكبه وقال: «يا أبا ذر! إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها» (رواه مسلم) .. إن الأمانة خلق شامل لكل مظاهر الحياة فالشعب أمانة في يد الزعماء والرؤساء والملوك ولا ينبغي خيانته وبيعه مهما كان الثمن والدين أمانة في يد العلماء والعدل أمانة في يد القضاة والحق أمانة في يد المحامين، والصدق أمانة في يد الشهود والمرضى أمانة في يد الأطباء والمصالح أمانة في يد المستخدمين والتلميذ أمانة في الأستاذ والولد أمانة في يد أبيه والكلمة أمانة في يد الصحفي والخطيب والوطن أمانة في عنق الجميع (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) (البقرة /283) .. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً ..قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطـبة الثانية : - عبـاد الله : - عندما فتحت فارس وسقط مُلك الأكاسرة أرسل القائد الفاتح نفائس الإيوان إلى المدينة المنورة كانت أكواما من الذهب والجواهر في حقائب بعضها فوق بعض حملت من المدائن إلى دار الخلافة لم تنقص ذرة خلال آلاف الأميال قال ا
المصائبُ مراهمُ للبصائرِ وقوَّةٌ للقلبِ -
فكِّرْ في النعمِ واشكرْ -
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

✵ السبت ✵
١١ / رجــ⑦ــــــب/ ١٤٣٨هـ
08 / إبــريــ④ـــل/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
‌‌‏
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }
ربما أعطاك فمنعك،
و ربما منعك فأعطاك،
و متى فتح لك باب الفهم
في المنع صار المنع عين العطاء.

صبــــاح الرضا...@
تعامل مع القريب والبعيد برؤية المحاسن وغض الطرف عن المعائب -
🔘 سبحان اللهِ وبحمدهِ، عددَ خلقِه، ورِضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماتهِ
🎤
محـاضـرة.قيمــة.بعنــوان.cc
كــفــــى بالــمــــــــوت واعــــــظــاً
إعـــداد/ القسم العــــلمي بدار الـوطـــن
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمد لله الذي كتب على عباده الموت والفناء، وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء، والصلاة والسلام على من ختمت به الرسل والأنبياء وعلى آله وأتباعه إلى يوم اللقاء.

فإن الموت لا ريب فيه، ويقين لا شك فيه وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]، فمن يجادل في الموت وسكرته؟! ومن يخاصم في القبر وضمته؟! ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته؟! فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].

فلماذا تتكبر أيها الإنسان وسوف تأكلك الديدان؟!

ولماذا تطغى وفي التراب ستلقى؟!

ولماذا التسويف والغفلة وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة؟!

كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26،27]، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88].

حقيقة الموت
أخي المسلم:

يخطئ من يظن أن الموت فناء محض وعدم تام، ليس بعده حياة ولا حساب ولا حشر ولا نشر ولا جنة ولا نار. إذ لو كان الأمر كذلك لا نتفت الحكمة من الخلق والوجود، ولاستوى الناس جميعاً بعد الموت واستراحوا، فيكون المؤمن والكافر سواء، والقاتل والمقتول سواء، والظالم والمظلوم سواء، والطائع والعاصي سواء، والزاني والمصلي سواء، والفاجر والتقي سواء، وهذا مذهب الملاحدة الذين هم شر من البهائم، فلا يقول ذلك إلا من خلع رداء الحياء، ونادى على نفسه بالسفه والجنون. قال تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7]، وقال سبحانه: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:79،78].

ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي
ولكنا إذا متنا بعـــثناونسأل بعده عن كل شيء
فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقتها له، والانتقال من دار إلى دار، وبه تطوى صحف الأعمال،و تنقطع التوبة والإمهال، قال النبي : { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر } [الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن حبان].

الموت أعظم المصائب
والموت من أعظم المصائب، وقد سماه الله تعالى مصيبة في قوله سبحانه: فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:106]، فإذا كان العبد طائعاً ونزل به الموت ندم أن لا يكون ازداد وإذا كان العبد مسيئاً تدم على التفريط وتمنى العودة إلى دار الدنيا، ليتوب إلى الله تعالى، ويبدأ العمل الصالح من جديد. ولكن هيهات هيهات!! قال تعالى: وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24]، وقال سبحانه: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100،99].

مضى العمر وفات *** يا أسير الغفلات
حصّل الزاد وبادر *** مسرعاً قبل الفوات
فإلى كم ذا التعامي *** عن أمور واضحات
وإلى كم أنت غارق *** في بحار الظلمات
لم يكن قلبك أصلا *** بالزواجر والعظات
بينما الإنسان يسأل *** عن أخيه قيل مات
وتراهم حملوه *** سرعة للفلوات
أهله يبكوا عليه *** حسرة بالعبرات
أين من قد كان يفخر *** بالجياد الصافنات
وله مال جزيل *** كالجبال الراسيات
سار عنها رغم أنف *** للقبور الموحشات
كم بها من طول مكث *** من عظام ناخرات
فاغنم العمر وبادر *** بالتقى قبل الممات
واطلب الغفران ممن *** ترتجي منه الهبات
عبرة الموت
يروى أن أعرابياً كان يسير على جمل له، فخر الجمل ميتاً، فنزل الأعرابي عنه، وجعل يطوف به ويتفكر فيه، ويقول: ما لك لا تقوم؟

مالك لا تنبعث؟

هذه أعضاؤك كاملة!!

وجوارحك سالمة!!

ما شأنك؟

ما الذي كان يحملك؟

ما الذي صرعك؟

ما الذي عن الحركة منعك؟

ثم تركه وانصرف متعجباً من أمره، متفكراً في شأنه!!

قال ابن السماك: ( بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك، إذ رمى بشبكته في البحر، فخرج فيها جمجمة إنسان، فجعل الصياد ينظر إليها ويبكي ويقول:

عزيز فلم تترك لعزك!!

غني فلم تترك لغناك!!

فقير فلم تترك لفقرك!!

جواد فلم تترك لجودك!!

شديد لم تترك لشدتك!!

عالم فلم تترك لعلمك!! ).

يردد هذا الكلام ويبكي.

اذكروا هاذم اللذات
أخي الكريم:

حث النبي على ذكر الموت والإكثار منه، فقال عليه الصلاة والسلام: { أكثروا ذكر هاذم اللذات } [الترمذي وحسنه].

قال الإمام القرطبي: "قال علماؤنا: قوله عليه السلام: { أكثر
الموت قبل التوبة، أو يكون مستقيماً ثم يتغير عن حاله، ويخرج عن سننه، ويقبل على معصية ربه، فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته، والعياذ بالله.

صور من سوء الخاتمة
قيل لرجل عند الموت: قل لا إله إلا الله، وكان سمساراً، فأخذ يقول: ثلاثة ونصف.. أربعة ونصف.. غلبت عليه السمسرة.

وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدارالفلانية أصلحوا فيها كذا وكذا، والبستان الفلاني أعملوا فيه كذا، حتى مات.

وقيل لأحدهم وهو في سياق الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يغني، لأنه كان مفتوناً بالغناء، والعياذ بالله.

وقيل لشارب خمر عند الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: اشرب واسقني نسأل الله العافية.

صور من حسن الخاتمة
دخل صفوان بن سليم على محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال له: يا أبا عبدالله! كأني أراك قد شق عليك الموت، فما زال يهون عليه ويتجلى عن وجه محمد، حتى لكأن وجهه المصابيح، ثم قال له: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك، ثم مات.

وقال محمد بن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت فقلت: يا أبت! قل لا إله إلا الله. فقال: يا بني، خل عني، فإني في وردي السادس أو السابع!!

ولما احتضر عبدالرحمن بن الأسود بكى. فقيل له: مم البكاء؟ فقال: أسفاً على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.

وسمع عامر بن عبدالله المؤذن وهو في مرض الموت فقال: خذوا بيدي إلى المسجد، فدخل مع الإمام في صلاة المغرب، فركع ركعة ثم مات رحمة الله.

رحلة الموت
رب مذكور لقوم *** غاب عنهم فنسوه
وإذا أفنى سنيه *** المرء أفنته سنوه
وكأن بالمرء قد *** يبكي عليه أقربوه
وكأن القوم قد ماتوا *** فقالوا أدركوه
سائلوه كلموه *** حركوه لقنوه
فإذا استيأس منه الـ *** قوم قالوا أحرقوه
حرفوه وجهوه *** مددوه غمضوه
عجلوه لرحيل *** عجلوا لا تحبسوه
ارفعوه غسلوه *** كفنوه حنطوه
فإذا ما لف في الـ *** أكفان قالوا فاحملوه
أخرجوه فوق أعواد *** المنايا شيعوه
فإذا صلوا عليه *** قيل هاتوا واقبروه
فإذا ما استودعوه *** الأرض رهناً تركوه
خلفوه تحت رمس *** أوقروه أثقلوه
أبعدوه أسحقوه *** أوحدود أفردوه
ودعوه فارقوه *** أسلموه خلفوه
وانثنوا عنه وخلوه *** كأن لم يعرفوه
وكأن القوم فيما *** كان فيه لم يلوه
============================
ـــــــــــــــــ
وا ذكر هاذم اللذات } كلام مختصر وجيز، وقد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة، فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة، ومنعه من تمنيها في المستقبل، وزهده فيما كان منها يؤمل، ولكن النفوس الراكدة، والقلوب الغافلة، تحتاج إلى تطويل الوعاظ، وتزويق الألفاظ، وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام: { أكثروا ذكر هاذم اللذات } مع قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، ما يكفي السامع له، ويشغل الناظر فيه".

ولقد أحسن من قال: ( اذكر الموت هاذم اللذات وتجهز لمصرع سوف يأتي ).

وقال غيره: ( اذكر الموت تجد راحةفي ادكار الموت تقصير الأمل ).

أولئك الأكياس
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار فقال: يا نبي الله! من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال: { أكثرهم ذكراً للموت، وأكثرهم استعداداً للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة } [الطبراني وحسنه المنذري].

فوائد ذكر الموت
أخي الحبيب: وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد منها:

1- أنه يحث على الاستعداد للموت قبل نزوله.

2- أن ذكر الموت يقصر الأمل في طول البقاء. وطول الأمل من أعظم أسباب الغفلة.

3- أنه يزهد في الدنيا ويرضي بالقليل منها، فعن أنس بن مالك أن رسول الله مر بمجلس وهم يضحكون فقال: { أكثروا ذكر هاذم اللذات }، أحسبه قال: { فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه } [البزار وحسنه المنذري].

4- أنه يرغّب في الآخرة ويدعو إلى الطاعة.

5- أنه يهوّن على العبد مصائب الدنيا.

6- أنه يمنع من الأشر والبطر والتوسع في لذات الدنيا.

7- أنه يحث على التوبة واستدراك ما فات.

8- أنه يرقق القلوب ويدمع الأعين، ويجلب باعث الدين، ويطرد باعث الهوى.

9- أنه يدعو إلى التواضع وترك الكبر والظلم.

10- أنه يدعو إلى سل السخائم ومسامحة الإخوان وقبول أعذارهم.

أنفاس معدودة
عن ابن مسعود قال: خط النبي خطا مربعاً، وخط خطا في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: { هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أوقد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا } [البخاري].

وقال القرطبي: ( وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سن معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم، وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعداً لذلك ).

وكان بعض الصالحين ينادي بليل على سور المدينة: الرحيل الرحيل. فلما توفي فقد صوته أمير المدينة، فسأل عنه فقيل: إنه قد مات فقال:

ما زال يلهج بالرحيل وذكره *** حتى أناخ ببابه الجمال
فأصابه مستيقظاً متشمراً *** ذا أهبة لم تلهه الآمال
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ( ويحك يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ مَن الموت طالبه.. والقبر بيته.. والتراب فراشه.. والدود أنيسه.. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر.. كي يكون حاله؟ ) ثم يبكي رحمه الله.

بينا الفتى مرح الخطا فرح بما *** يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها *** إذ قيل أصبح مثخنا ما يرتجى
إذ قيل أصبح شاخصا وموجها *** ومعللا إذ قيل أصبح قد مضى
وقال التميمي: ( شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى ).

وكان عمر بن عبدالعزيز يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازةَ‎!!

وقال الدقاق: ( من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة ).

وقال الحسن: ( إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا عشياً لا موت فيه ).

أذكر الموت ولا أرهبه *** إن قلبي لغليط كالحجر
أطلب الدنيا كأني خالد *** وورائي الموت يقفو بالأثر
وكفى بالموت فاعلم واعظاً *** لمن الموت عليه قدر
والمنايا حوله ترصده *** ليس ينجي المرء منهن المفر
موعظة
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهاذماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.

فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا.. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.

ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، هو الكفن، فهو وعظ متصل بما تقدم من قوله: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77]، أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار
الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء، والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.

ونحو هذا قال الشاعر:

هي القناعة لا تبـغ بها بدلاً *** فيهــا النعيم وفيها راحــة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل *** راح منها بغير القطن والكفن؟!
فيا أخي الحبيب:

أين استعدادك للموت وسكرته؟

أين استعدادك للقبر وضمته؟

أين استعدادك للمنكر والنكير؟

أين استعدادك للقاء العلي القدير؟

وقال سعيد بن جبير: ( الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة ).

تزود من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من صبي يرتجى طول عمره *** وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
الأسباب الباعثة على ذكر الموت
1- زيارة القبور، قال النبي : { زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة } [أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

2- زيارة مغاسل الأموات ورؤية الموتى حين يغسلون.

3- مشاهدة المحتضرين وهن يعانون سكرات الموت وتلقينهم الشهادة.

4- تشييع الجنائز والصلاة عليها وحضور دفنها.

5- تلاوة القرآن، ولا سيما الآيات التي تذكر بالموت وسكراته كقوله تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19].

6- الشيب والمرض، فإنهما من رسل ملك الموت إلى العباد.

7- الظواهر الكونية التي يحدثها الله تعالى تذكيراً لعباده بالموت والقدوم عليه سبحانه كالزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف المدمرة.

8- مطالعة أخبار الماضين من الأمم والجماعات التي أفناهم الموت وأبادهم البلى.

سكرات الموت وشدته
أخي المسلم:

إن للموت ألماً لا يعلمه إلا الذي يعالجه ويذوقه، فالميت ينقطع صوته، وتضعف قوته عن الصياح لشدة الألم والكرب على القلب، فإن الموت قد هد كل جزء من أجزاء البدن، وأضعف كل جوارحه، فلم يترك له قوة للاستغاثة أما العقل فقد غشيته وسوسة، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح، ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت له قوة سمع له عند نزع الروح وجذبها خوار وغرغرة من حلقه وصدره، وقد تغير لونه، وأزبد، ولكل عضو من أعضائه سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى تبلغ روحه إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتحيط به الحسرة والندامة إن كان من الخاسرين، أو الفرح والسرور إن كان من المتقين.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان بين يدي النبي ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: { لا إله إلا الله إن للموت سكرات } [البخاري وفي لفظ أنه كان يقول عند موته: (اللهم أعني على سكرات الموت) أحمد والترمذي وحسنه الحاكم]. والسكرات هي الشدائد والكربات.

وتشديد الله تعالى على أنبيائه عند الموت رفعة في أحوالهم، وكمال لدرجاتهم، ولا يفهم من هذا أن الله تعالى شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة والمخلطين، فإن تشديده على هؤلاء عقوبة لهم ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا.

فيا أيها المغرور:
فما لك ليس يعمل فيك وعظ *** ولا زجر كأنك من جماد
ستندم إن رحلت بغير زاد *** وتشقى إذ يناديك المنادي
فلا تأمن لذي الدنيا صلاحا *** فإن صلاحها عين الفساد
ولا تفرح بمال تقتنيه *** فإنك فيه معكوس المراد
وتب مما جنيت وأنت حس *** وكن متنبها قبل الرقاد
أترضى أن تكون رفيق قوم *** لهم زاد وأنت بغير زاد؟!
يا كثير السيئات غداً ترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟ واعجبا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك!! أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن. قال يزيد بن تميم: ( من لم يردعه الموت والقرآن، ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع!! ).

رسل ملك الموت
ورد في بعض الأخبار أن نبيا من الأنبياء عليهم السلام قال لملك الموت: أما لك رسول تقدمه بين يديك، ليكون الناس على حذر منك؟ قال: نعم، لي والله رسل كثيرة: من الإعلال، والأمراض، والشيب، والهموم، وتغير السمع والبصر.

وفي صحيح البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { أعذر الله إلى امرئ بلغة ستين سنة }.

وأكبر الأعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم، ليتم حجته عليهم كما قال سبحانه: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، وقال سبحانه: وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]، قيل: هو القرآن وقيل: الرسل وقال ابن عباس: هو الشيب.

كيف ماتوا؟
أخي الحبيب:

إعلم أن حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهرة وصلح باطنه، أما سوء الخاتمة فإنها تكون لمن كان له فساد في العقل، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب عليه ذلك حتى ينزل به
وأنا بقرنِ الثَّعالب، فَرَفَعتُ رأسي، فإذا أنا بَسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جِبريل، فناداني فقال: إِن الله قد سمعَ قولَ قومكَ لك وما رَدوا عليك، وقد بعث اللهُ إِليكَ مَلَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شِئتَ فيهم. فناداني ملكُ الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد. فقال: ذلكَ فيما شئتَ، إن شِئتَ أن أطبِقَ عليهم الأخْشَبَينِ. فقال النبيُّ: "بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابهم من يَعبُدُ اللهَ وحدَهُ لا يُشركُ بهِ شيئًا" رواه البخاري.

هكذا كان الحبيب! بكلمة واحدة إلى ملك الجبال يستطيع أن يدمر كل شيء في مكة، ولا يُبقي فيها واحدًا من المشركين، دون أن يكلفه شيئًا إلا كلمة واحدة. لكنه أبى؛ لأنه رحمة للعالمين، لأنه ذو قلب ينبض بالحب لكل الناس أن يهتدوا، أو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله.

فإلى الذين يتصورون من عند أنفسهم أن الإسلام إنما قام وانتشر بالقوة والعنف والقتل وسفك الدماء والتفجير والاختطاف ونشر الفوضى والإخلال بالأمن وتفجير المنشآت، عودوا إلى صوابكم وسنة نبيكم، وثوابت دينكم، فقد أفسدتم بتصوراتكم هذه الحياة، ولم تحققوا نصراً، أو تجنوا ثمراً، ولن تصلوا إلى مبتغاكم إن صلحت نياتكم إلا بمشروع حضاري يجمع في طياته عمارة الدنيا والآخرة.

عبـاد الله: لقد كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وفي هذا بيان لأهمية الصلاة والمساجد واجتماع الناس في هذه الأماكن الطاهرة يؤدون فيها شعيرة الصلاة، ويناقشون فيها أمور دينهم ودنياهم، وتتآلف قلوبهم وتزداد، أخوتهم.

لذلك كان التآمر عبر التاريخ إلى اليوم على المساجد في بقاع العالم الإسلامي، إما بصرفها عن دورها ورسالتها، أو هدمها أو تدميرها، أو تشويه رسالتها، أو تحويلها إلى مخازن وبارات للخمور واصطبلات للخيول كما فعل اليهود في مساجد فلسطين، وعمل الهندوس بمساجد المسلمين في الهند، وعمل الشيوعيون في روسيا سابقاً، والأسبان في الأندلس، وعمل الصرب بمساجد البوسنة والهرسك، وعمل العلمانيون في تركيا.

واليوم لم تسلم المساجد من الإغلاق والحرق والهدم والخراب والدمار والتفجيرات في بلاد المسلمين؛ بسبب الصراعات السياسية، والظلم والطغيان، ليس على أيدي أعدائنا، بل على أيدي من يدعي الإسلام؛ إما جهلاً أو حقداً أو هوى، وهذا أمر عجيب أن يحدث في بلاد المسلمين! وثقافة عدائية غريبة على بيوت الله، القائل -سبحانه- عنها وعن حرمتها وجزاء من يحاربها: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ * لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114].

إن الأمة بخير ما دامت تؤدي حقوق المساجد وترعى حرمتها، وهي في مأمن ما دامت تعمر المساجد وتحمي رسالتها، وهي في عزة ومنعة ما دام أبناؤها وقادتها يترددون على المساجد، ويستمدون هدى الله من منابرها، ودروس حلقاتها، والتربية في ساحتها وبين جدرانها.

ويوم أن تساهلت أمة إلا سلام في ذلك حكاماً ومحكومين ورعاةً ورعية، أصاب هذه الأمة الوهن، ونالها الضعف، وهانت في عين العدو.

فعودوا إلى دينكم وأخلاقكم، وثقوا بربكم، واثبتوا على الحق، ولا يغرنكم الباطل وجنده؛ فإنهم إلى زوال، وحافظوا على مساجدكم، وأحيوها بالصلاة والذكر والقرآن.

ولا تنسوا إخوانكم في فلسطين في دعم قضيتهم، والمسجد الأقصى وما يحاك حوله من مؤامرات اليهود، في غفلة وتقصير من العرب والمسلمين.

واعلموا أنه مهما خطط البشر، ومهما بلغ كيدهم ومكرهم، فإن الله من ورائهم محيط، ولا يكون إلا ما يريد.

فاللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل عسر يسرا، ومن كل بلاء عافية.

اللهم احقن دماءنا، واحفظ بلادنا، وألف بين قلوبنا. ومَن أرادنا أو أراد بلادنا بسوء أو مكروه فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين .
======================
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
الأبــــعــــــاد الـــتربـــــــويـــــــة
في رحــــلة الإســــراء والمعــــراج
للشيــــخ/ حـســــان أحمــــد العـــماري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أهداف وعناصر الخطبة :
1/ معاناة النبي الكريم في الدعوة قبل الإسراء والمعراج 2/ الأبعاد الإيمانية والتربوية لرحلة الإسراء والمعراج 3/ ضرورة استصحاب تلك الأبعاد في حياتنا ودعوتنا للإسلام 4/ استشفاف الدور التربوي للمساجد من رحلة الإسراء للمسجد الأقصى

الخطبة.الأولــــى.cc
الحمد لله العظيم الشأن، الكبير السلطان، خلق آدمَ من طين ثم قال له كن فكان، أحسن كل شيء كل شيء خَلْقه وأبدع الإحسان والإتقان.

أحمده سبحانه وحمدُه واجبٌ على كل إنسان، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه...

أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عـالم الغيوب، مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب.

إذا اشتملت على اليأسِ القلوبُ
وضاق لما بهِ الصدرُ الرحيبُ
ولم تر لانكشافِ الضرِ وجهـاً
ولا أغنـى بحيلتـِه الأريـبُ
أتاك على قنـوطٍ منك غـوثٌ
يمـنُ به اللطيفُ المسـتجيبُ
وكل الحـادثاتِ وإن تنـاهت
فموصـولٌ بها الفرج القريب

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها السماوات السبع والأرض المهاد، وخضع لها جميع العباد.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض وشفيع الخلق يوم المعاد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

أمَّا بَعْــــــــد: عبـــــــــاد الله: لقد طــاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتجمعات القبائل، وقصد الرؤساء، وتوجه بالدعوة إلى الوجهاء، والتقى بالتجار والركبان والمسافرين، فعل ذلك كله عشر سنوات وهو يرجو أن يجد من ينصره ويحمل معه رسالة ربه.

كان يقول -صلى الله عليه وسلم- في كل موسم: "من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي؟"، ومع كل هذا لم يجد من يؤويه ولا من ينصره، إلا القليل، وسدت كل الأبواب في وجهه.

وتعرض هو وأصحابه للإيذاء والسخرية والاستهزاء والتعذيب بجميع أشكاله، وقامت الأجهزة الإعلامية لقريش وللقبائل من حولها بحملة تحريض وتشويه لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ولدينه وأصحابه، حتى كان الرجل من أهل اليمن أو من مضر يخرج إلى مكة فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك...

وخرج إلى الطائف لعله يجد من يهتدي بهديه ويلتزم دينه، فما كان منهم إلا الصد والمنع والسخرية والإيذاء.

وتخيلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يريد لهم الخير والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، مع شعوره بعبء المسئولية التي تحملها، والأمانة الملقاة على عاتقه، ومع ذلك لا يجد من قومه غير التكذيب والسخرية والاستهزاء والتحريض والإيذاء.

كيف ستكون حالته النفسية؟ ما هو شعوره وهو وحيد يواجه هذه الأمواج المتلاطمة من المؤامرات والكيد والعداء والتحريض؟ إلى جانب أن سنده الذي كان يدافع عنه، عمه أبا طالب، قد مات، وزوجته خديجة -رضي الله عنها- التي كانت تخفف عنه قد لحقت بربها، ومع ذلك لم يفقد الأمل، ولم ييأس.

بل شعر -صلى الله عليه وسلم- أنه ربما يكون مقصرا في دعوته وتبليغ دين الله، فتوجه إلى ربه يدعوه، ويستمد منه العون، ويعترف بضعفه، ويطلب رضا ربه، فقد ورد في التاريخ والسير أنه -صلى الله عليه وسلم- دعا ربه فقال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني؟ أم إلى قريب ملّكْتَهُ أمري، إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".

بعد هذه الأحداث، وفي ظل هذا الوضع المرير، وتنكُّر القريب والبعيد، أذن الله بأن تكون رحلة الإسراء والمعراج؛ لتكون بمثابة خطة عمل إيمانية، وتربوية، وتعليمية، وتشريعية، للدولة الإسلامية الجديدة؛ لأنها بعد ذلك ستقود الأمم، ويكون لها الصدارة، بما تحمله من مؤهلات ربانية، وقيم خالدة، ومشروع حضاري يسع الإنسانية جميعا، قال -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1].

فكان في هذه الرحلة أحداث ومواقف، وتوجيهات، ومعجزات وكرامات، وتشريعات، وكان أهمها الصلاة التي فرضت على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في السماء في ليلة الإسراء والمعراج؛ لأهميتها، وفضلها، وأثرها في حياة الفرد والمجتمع والأمة.

وكان لهذه الرحلة أبعاداً تربوياً عظيمة، فمن ذلك بعث الأمل في النفوس وعدم اليأس من الواقع مهما كان؛ لأن المتصرف بأحوال الناس وأعمارهم وأرزاقهم وحياتهم وموتهم هو الله وحده -سبحانه وتعالى-، فيزداد المؤمن إيماناً ويقيناً وثقة بالح
ق الذي يحمله، والخير الذي يسعى من أجله، ولئن ضاقت عليه الأرض بما رحبت فهناك آفاق السماء، وآفاق الآخرة، وآفاق الجنة، وآفاق النعيم الذي جعله الله لعباده؛ ولئن خذلته قوة البشر فهناك قوة الله.

أيها المؤمنون عبــاد الله: ما أجدر بنا اليوم أن نستفيد من هذا البعد التربوي من حادثة الإسراء والمعراج! فنحيي في النفوس الأمل، وفي الأوطان الغد المشرق، وفي الأحداث والمواقف والتصورات الإيجابية والتفاؤل، خاصة ونحن زمن كثرت فيه الفتن والمصائب، وسفكت فيه الدماء، واحتدم الصراع فيه على الدنيا، وشوهت فيه القيم والمبادئ، وأصبحت القوة والمصلحة المادية هي اللغة التي تحكم العلاقات بين المسلمين كأفراد ودول وقبائل ومجتمعات، وتلاعبت كثير من النخب السياسية والدينية والإعلامية بأحكام الدين وأوامر الشرع؛ اتباعاً للهوى، ورغبة في متاع دنيوي.

وأصحاب الحق والخير والصلاح، الثابتون على دينهم، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والمحافظون على المبادئ والقيم، يعتريهم من هذا البلاء والعنت والشدة والضيق الشيء الكثير، وقد تضعف نفوس، ويبلغ اليأس ببعضها؛ لطول الطريق، وشدة البلاء، وتأخر النصر، وتبدل الأحوال؛ لكن المؤمن الواثق بربه، المتصل به، عنده أمل لا يعتريه يأس، وثقة لا يخالطها شك، بأن الله -سبحانه وتعالى- سيجعل بعد كل عسر يسرا، وبعد كل شدة فرجاً ومخرجاً؛ فيقف المسلم كالجبل الأشم لا يتزعزع ولا يتزلزل أمام هذه العواصف والمؤامرات.

وهو إذا رأى الباطل يقوم في غفلة الحق أيقن أن الباطل إلى زوال، وأن الحق إلى ظهور وانتصار، قال -تعالى-: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء:18]، وقال -تعالى-: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد:17].

وهو إذا أدركته الشيخوخة، واشتعل رأسه شيباً، لم ينفك يرجو حياة أخرى فيها شباب بلا هرم، وحياة بلا موت، وسعادة بلا شقاء: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا *لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم:61-62].

إن الأمل، والثقة بالله، والتوكل عليه، قوة لا تلين، وحصن لا يهدم، وجيش لا يهزم، وهو سلاح المؤمنين عند نوائب الدهر وتقلب الزمان.

وإن في هذه الحادثة رسالة وخطابا إلى المظلومين في الأرض، إلى المقهورين تحت سياط الجبابرة والظلمة، أنه مهما كان الظلام حالكاً، وسواد الليل يغطي هذا الكون، ومهما كان اليأس يرمي بظلاله على الأحداث، فلا بد أن يأتي الفجر ليبدد الظلمات، وينشر النور، قال -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173]، وقال -تعالى-: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، وقال -سبحانه-: (وَكَانَ حقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47].

فثقوا بالله، وأملوا، وأحسنوا العمل، وثقوا بربكم، واثبتوا على دينه، وتوكلوا عليه في جميع أموركم الدينية والدنيوية؛ فهو نعم المولى ونعم النصير!.

اللهم اجعلنا ممن يتوكلون عليك حق التوكل، ويرجونك، ولا يخيب رجاؤهم، واحفظنا بالإسلام، وأدم علينا نعمة الإيمان والأمـــان.

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطـبــــة.الثانـيــــة.cc
عبـاد الله: ومن دلالات البعد التربوي من رحلة الإسراء والمعراج أن نستوعب -نحن المسلمين- أن للإسلام رسالة حضارية يجب أن نقدمها للعالم وتظهر في أعمالنا وسلوكياتنا، رسالة حضارية تبني ولا تهدم، وتعمر ولا تخرب، وتحيي ولا تقتل أو تسفك الدماء أو تزهق الأرواح، وتجمع ولا تفرق.

رسالة حضارية تملأ نفوس أصحابها بالحب وإرادة الخير لجميع الناس، رسالة موصولة بالماضي ومتصلة بالحاضر والمستقبل، فقد صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء جميعهم في المسجد الأقصى، والتقى بهم، وفي هذا دلالة على أستاذية العالم، وأنه -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن مشعل الهداية والدعوة والبلاغ سينتقل إليه وإلى أمته من بعده؛ ولذلك كان قلبه يشع بالرحمة، ولم ينتقم لنفسه لا في السلم ولا في الحرب.

فقبل حادثة الإسراء والمعراج وقد لقي من قومه كل أنواع الصد والتكذيب والعذاب والسخرية والإيذاء لم يحمل عليهم ولم ينتقم أو يفكر بالانتقام؛ بل كان رحيماً بهم، تقول عائشة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أتى عليكَ يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: "لقد لَقِيتُ من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يومَ العقبةِ إِذ عرَضتُ نفسي على ابنِ عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يُجِبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مَهمومٌ على وَجهِي، فلم أستَفق إلا
وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ -
2024/09/29 21:34:45
Back to Top
HTML Embed Code: