عندما ينسى المسلمون فاعلية الله سبحانه وتعالى
تاريخ خطبة الجمعة لـ الإمام الشهيد البوطي: 12/7/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إن المسلم لا يستطيع أن يكون مؤمناً بالله حقاً إلا إذا سخر عقائد إيمانه وإسلامه لحياته السلوكية التي يقيمه الله سبحانه وتعالى عليها، فإذا كان الإنسان المسلم يخزن عقائده ويحبسها في عقله ثم إذا تعامل مع الحياة وتعامل وتقلب مع الدنيا وفي فجاجها نسي هذه العقائد أو انفصل عنها فما هو من المؤمنين بالله عز وجل حقاً.
ولعلّكم تعلمون أن من عقائد الإسلام التي ينبغي أن يؤمن بها الإنسان أيما إيمان، وأن لا يتسرب إلى يقينه شكٌ فيها أن الفعّال هو الله عز وجل في كل شيء، وأن القوة في الكون كله إنما هي قوة الله سبحانه وتعالى، وكم وكم يمر الإنسان على آيات في كتاب الله عز وجل تذكره بهذه الحقيقة إن كان ناسياً لها أو تعلمه إياها إن كان جاهلاً لها.
نحن نقرأ قول الله عز وجل: "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" ولو وقفنا عند كلمة القيوم هذه لعرفنا أن معناها الذي ينبغي أن يعرفه كل إنسان أن الذي يقوم بأمر السموات والأرض وما بينهما خلقاً وإدارةً وتحريكاً إنما هو الله سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى تلك الكلمة القدسية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
وكلنا يقرأ قول الله عز وجل: "إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ" ولو تأملنا قليلاً في معنى هذه الآية لعلمنا أنها تأكيدٌ للآية الأولى، وأن كلما تجده من حركةٍ في كون الله سبحانه وتعالى - أياً كان المتحرك - إنما تنبثق هذه الحركة فيه بقوة من الله سبحانه وتعالى.
وانظروا إلى قوله عز وجل في تلك السورة التي نكررها كثيراً وفي مناسبات شتى إذ يقول الله عز وجل: "وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" كان ينبغي أن يقال بحسب الظاهر وفيما يفهمه حتى أكثر المسلمين اليوم كان ينبغي أن يقول: وآية لهم أن الفلك المشحون قد حملهم، ولكن الله عز وجل قال: "وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" نعم لقد استقلوا الفلك، لكن من الذي حمل الفلك وحملهم؟ هو الله عز وجل.
هذه أوليةٌ من أوليات العقيدة الإسلامية ولكن العجيب أيها الإخوة أننا عندما ندرس العقائد نؤمن بهذه الحقيقة وندافع عنها ونحفظها جيداً في أدمغتنا وعقولنا، فإذا تحولنا إلى التعامل مع الحياة، واحتككنا بالناس، ونظرنا إلى حركات المكونات والأمم والجماعات نسينا هذه الحقيقة ونسبنا الأشياء إلى أسبابها الظاهرة، فأين هي هذه العقيدة التي ينبغي أن تكون المهيمنة على يقيننا وعلى سلوكنا وعلى علاقاتنا الاجتماعية مع الناس جميعاً؟
أقول هذا الكلام أيها الإخوة لأعزي كل مسلم أمام الأحداث التي يراها من حوله ناسياً هذا المعنى الذي قلته الآن، ناسياً هذا المبدأ الأساسي الكبير من مبادئ العقيدة الإسلامية. هؤلاء الكثرة من المسلمين الذين كادت الأحداث التي من حولهم تزجهم في ضرام اليأس، الأعداء الذين يحيطون بالإسلام والمسلمين قد أحدقوا بالمسلمين من كل صوب، والقوى المتربصة بهم قد تظافرت جهودها من عن يمينٍ وشمال، من كل الجهات المختلفة المتنوعة، والعدو الجاثم في أرضنا يُزبد ويرغي ويهدد ويتوعد، والقوى العالمية الكبرى ماضيةٌ في دعمها له، والمسلمون متناثرون متباعدون متخاصمون ... هذه هي الظاهرة باختصار.
فأما الواقع الذي ربما كان أشدّ سوءً من هذا الذي وصفته لكم، فهو واقع كثير من المسلمين الذين نسوا هذا المبدأ الأساسي في العقيدة واستسلموا للأسباب المادية وتخيلوا نتائجها وتوقفوا عندها ثم زجهم ذلك كله في ضرام اليأس. ما ينبغي للمسلم إن كان مسلماً أن يتعامل مع الكون أو مع المجتمعات على هذا الأساس أبداً، وإلا ففيما العقيدة الإسلامية؟ وما هي رسالتها إن لم يقم لها دور فعال في الحياة؟
أيها الإخوة كل ما ترون من هذه المظاهر التي قد تبث في نفوس بعض الناس اليأس، كل ذلك جنودٌ مجندة بيد الله عز وجل: "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ". ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة تماماً.
فأمريكا التي ترعى العدوان المستشري ضد الإسلام، وتغذي الإرهاب العالمي الذي يتجه ضد إسلام المسلمين وضد حقوقهم،
تاريخ خطبة الجمعة لـ الإمام الشهيد البوطي: 12/7/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إن المسلم لا يستطيع أن يكون مؤمناً بالله حقاً إلا إذا سخر عقائد إيمانه وإسلامه لحياته السلوكية التي يقيمه الله سبحانه وتعالى عليها، فإذا كان الإنسان المسلم يخزن عقائده ويحبسها في عقله ثم إذا تعامل مع الحياة وتعامل وتقلب مع الدنيا وفي فجاجها نسي هذه العقائد أو انفصل عنها فما هو من المؤمنين بالله عز وجل حقاً.
ولعلّكم تعلمون أن من عقائد الإسلام التي ينبغي أن يؤمن بها الإنسان أيما إيمان، وأن لا يتسرب إلى يقينه شكٌ فيها أن الفعّال هو الله عز وجل في كل شيء، وأن القوة في الكون كله إنما هي قوة الله سبحانه وتعالى، وكم وكم يمر الإنسان على آيات في كتاب الله عز وجل تذكره بهذه الحقيقة إن كان ناسياً لها أو تعلمه إياها إن كان جاهلاً لها.
نحن نقرأ قول الله عز وجل: "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" ولو وقفنا عند كلمة القيوم هذه لعرفنا أن معناها الذي ينبغي أن يعرفه كل إنسان أن الذي يقوم بأمر السموات والأرض وما بينهما خلقاً وإدارةً وتحريكاً إنما هو الله سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى تلك الكلمة القدسية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
وكلنا يقرأ قول الله عز وجل: "إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ" ولو تأملنا قليلاً في معنى هذه الآية لعلمنا أنها تأكيدٌ للآية الأولى، وأن كلما تجده من حركةٍ في كون الله سبحانه وتعالى - أياً كان المتحرك - إنما تنبثق هذه الحركة فيه بقوة من الله سبحانه وتعالى.
وانظروا إلى قوله عز وجل في تلك السورة التي نكررها كثيراً وفي مناسبات شتى إذ يقول الله عز وجل: "وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" كان ينبغي أن يقال بحسب الظاهر وفيما يفهمه حتى أكثر المسلمين اليوم كان ينبغي أن يقول: وآية لهم أن الفلك المشحون قد حملهم، ولكن الله عز وجل قال: "وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" نعم لقد استقلوا الفلك، لكن من الذي حمل الفلك وحملهم؟ هو الله عز وجل.
هذه أوليةٌ من أوليات العقيدة الإسلامية ولكن العجيب أيها الإخوة أننا عندما ندرس العقائد نؤمن بهذه الحقيقة وندافع عنها ونحفظها جيداً في أدمغتنا وعقولنا، فإذا تحولنا إلى التعامل مع الحياة، واحتككنا بالناس، ونظرنا إلى حركات المكونات والأمم والجماعات نسينا هذه الحقيقة ونسبنا الأشياء إلى أسبابها الظاهرة، فأين هي هذه العقيدة التي ينبغي أن تكون المهيمنة على يقيننا وعلى سلوكنا وعلى علاقاتنا الاجتماعية مع الناس جميعاً؟
أقول هذا الكلام أيها الإخوة لأعزي كل مسلم أمام الأحداث التي يراها من حوله ناسياً هذا المعنى الذي قلته الآن، ناسياً هذا المبدأ الأساسي الكبير من مبادئ العقيدة الإسلامية. هؤلاء الكثرة من المسلمين الذين كادت الأحداث التي من حولهم تزجهم في ضرام اليأس، الأعداء الذين يحيطون بالإسلام والمسلمين قد أحدقوا بالمسلمين من كل صوب، والقوى المتربصة بهم قد تظافرت جهودها من عن يمينٍ وشمال، من كل الجهات المختلفة المتنوعة، والعدو الجاثم في أرضنا يُزبد ويرغي ويهدد ويتوعد، والقوى العالمية الكبرى ماضيةٌ في دعمها له، والمسلمون متناثرون متباعدون متخاصمون ... هذه هي الظاهرة باختصار.
فأما الواقع الذي ربما كان أشدّ سوءً من هذا الذي وصفته لكم، فهو واقع كثير من المسلمين الذين نسوا هذا المبدأ الأساسي في العقيدة واستسلموا للأسباب المادية وتخيلوا نتائجها وتوقفوا عندها ثم زجهم ذلك كله في ضرام اليأس. ما ينبغي للمسلم إن كان مسلماً أن يتعامل مع الكون أو مع المجتمعات على هذا الأساس أبداً، وإلا ففيما العقيدة الإسلامية؟ وما هي رسالتها إن لم يقم لها دور فعال في الحياة؟
أيها الإخوة كل ما ترون من هذه المظاهر التي قد تبث في نفوس بعض الناس اليأس، كل ذلك جنودٌ مجندة بيد الله عز وجل: "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ". ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة تماماً.
فأمريكا التي ترعى العدوان المستشري ضد الإسلام، وتغذي الإرهاب العالمي الذي يتجه ضد إسلام المسلمين وضد حقوقهم،
وما وراء ذلك مما يمكن أن ترون ومن لا أريد أن أطيل الحديث فيه ... كل ذلك إنما يتحرك بقدرة مباشرة من الله، كل ذلك مظهرٌ لقول الله سبحانه وتعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ" كل ذلك مظهرٌ لقول الله سبحانه وتعالى: "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" أجل أيها الإخوة.
ينبغي أن تعلموا هذا .. فإذا علمتم ذلك أثمرت هذه المعرفة ثمرتين اثنتين كل منهما يقربنا إلى الله عز وجل:
أما الثمرة الأولى: فهي أننا سنتساءل ترى لماذا يسلط الله علينا جنده هؤلاء؟ جندٌ يسلطهم الله عز وجل علينا مهما كانت الصور والأشكال التي تبرز فيها هذه الجنود، لابد أننا أسأنا، ولابد أننا انحرفنا، ولابد أننا خرجنا عن خطة الرشد ولذلك سلط الله عز وجل علينا هذا الجند. هذه الثمرة الأولى التي تفيدنا عندما نعلم أن القوى المحيطة بنا إنما يحركها الله ولا تتحرك إلا بقوة من الله عز وجل، فإذا عرفنا ذلك وشممنا أكفنا رجعنا إلى ذنوبنا نتوب عنها، ورجعنا إلى اعوجاجنا نستبدله باستقامةٍ وسيرٍ على صراط الله سبحانه وتعالى.
والنتيجة أو الثمرة الثانية هي أننا لا يمكن أن نزج في ضرام اليأس أبداً، ذلك لأنا إن علمنا أن الله هو الفعال، وأن كل ما في الكون جنودٌ مقهورون بيد الله سبحانه وتعالى تذكرنا قول الله عز وجل: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".
نتذكر التأكيدات التي أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرح هذه الآية ومعناها، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن الله زوى ليّ الأرض فأراني مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها". من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "سيبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار" وعندئذٍ لا يمكن لهذه الأحداث أن تدخل أي ريبةٍ في قرار الله سبحانه وتعالى وبيانه.
وإذا أردتم أيها الإخوة ما يزيدكم طمأنينة على هذه الحقيقة، وما يعيدكم إلى حمى العقيدة الإسلامية التي ينبغي أن تُسخر في سلوكنا العملي وفي علاقاتنا مع الآخرين، فانظروا إلى أحداث التاريخ وتأملوا التاريخ الماضي كيف كان أهل تلك العصور يتوقعون حسب الأسباب المادية المرئية أمامهم، ثم كيف سار التاريخ مناقضاً لتلك التصورات التي كانوا يتصورونها. انظروا إلى التاريخ الماضي وسيروا معه إلى يومنا هذا، تجدون أنه ما من جيلٍ من الأجيال رسم خطةً بيده بناءً على رؤىً مادية إلا وكانت النتيجة مناقضة لهذا الذي تصوروه، كانت النتيجة خاضعة لخطة رب العالمين الخفية إلى يومنا هذا، ولا يتسع الوقت لضرب الأمثلة الكثيرة. ولكن فلنضرب مثلاً واحداً:
هذه الأمة المسلمة (تركية) التي شاء الله عز وجل لأسباب يطول الحديث عنها أن ينحسر الإسلام عنها في فترةٍ حالكةٍ من الزمن، شاء الله عز وجل أن ينحسر عنها الإسلام انحساراً كلياً تماماً كما يخلع الإنسان ثوبه ويلقيه بعيداً شكلاً وموضوعاً، ابتعدت تلك الأمة عن الإسلام فلا اللسان العربي يسمح به أن يتداول، ولا كتاب الله عز وجل يمكن الإقبال عليه بدراسةٍ وعلم أو تعلم، ولا الأذان باللغة العربية يمكن أن ترتفع به الأصوات وهكذا ...
وقامت معاهدةٌ معروفة قبل ما لا يقل عن سبعين عاماً بين تلك القوى التي جحدت بدين الله عز وجل وبين بريطانيا في معاهدةٍ اسمها معاهدة لوزان، أن تبتعد هذه الأمة ابتعاداً كلياً عن الدين خلال ما لا يزيد على ثلاثين عاماً بهذا الشرط، وتعهدت القوة العلمانية في تركيا بذلك وأطبقت دول البغي كله تعين على تطبيق هذه المعاهدة، كل الوسائل المادية سارت على هذا المنوال، وكل القوى البشرية دعمت هذا النهج. ولكن فما الذي انتصر بعد ذلك؟ الأسباب المادية الظاهرة كلها تسير هكذا نحو العلمانية، ونحو مزيدٍ من الابتعاد عن دين الله عز وجل. وكم وكم من مسلمين أُخذوا بهذه الأسباب المادية ونسوا العقيدة الإيمانية التي افتتحت بها كلمتي الآن. هكذا كانت تسير الأسباب المادية، ولكن هذه الأمة كيف سارت فعلاً؟ كانت تسير سيراً مناقضاً لما تقتضيه هذه الخطة والأسباب، بأي قوة؟ لا أحد يرى. بأي فعالية؟ ليست هنالك عينٌ تبصر، ذلك لأنها قوة الله، ولأنها خطة رب العالمين سبحانه وتعالى.
ويعيش المسلمون اليوم ليروا هذه الحقيقة التي أقولها لكم، ليروا الخزي الذي أحاط بمعاهدة لوزان، بل ليروا الخزي الذي أحاط بجنود البغي إن في تركيا وإن في العالم المحيط بالإسلام والمسلمين الذي عاهد الشياطين الإنس والجن على الكيد لدين الله عز وجل.
ها هي ذي تلك الأمة تتنفس الصعداء، وها هي ذي تمارس دينها شكلاً ومضموناً، وها هو ذا الآذان يجلجل فوق أرفع المآذن في تلك البلاد، وها هو ذا كتاب الله عز وجل يُتلى صباح مساء، وها هي ذي الأذهان تحفظ كتاب الله عز وجل عن ظهر غيب، وها هي ذي اللغة العربية تغزو ذلك المجتمع، لا بل تُشرف ذلك المجتمع الذي حالت أو أرادت قوى الشر أن تحول بينه وبين الإسلام. ثم إنكم لتجدون نتيجة النتائج بعد هذا،
ينبغي أن تعلموا هذا .. فإذا علمتم ذلك أثمرت هذه المعرفة ثمرتين اثنتين كل منهما يقربنا إلى الله عز وجل:
أما الثمرة الأولى: فهي أننا سنتساءل ترى لماذا يسلط الله علينا جنده هؤلاء؟ جندٌ يسلطهم الله عز وجل علينا مهما كانت الصور والأشكال التي تبرز فيها هذه الجنود، لابد أننا أسأنا، ولابد أننا انحرفنا، ولابد أننا خرجنا عن خطة الرشد ولذلك سلط الله عز وجل علينا هذا الجند. هذه الثمرة الأولى التي تفيدنا عندما نعلم أن القوى المحيطة بنا إنما يحركها الله ولا تتحرك إلا بقوة من الله عز وجل، فإذا عرفنا ذلك وشممنا أكفنا رجعنا إلى ذنوبنا نتوب عنها، ورجعنا إلى اعوجاجنا نستبدله باستقامةٍ وسيرٍ على صراط الله سبحانه وتعالى.
والنتيجة أو الثمرة الثانية هي أننا لا يمكن أن نزج في ضرام اليأس أبداً، ذلك لأنا إن علمنا أن الله هو الفعال، وأن كل ما في الكون جنودٌ مقهورون بيد الله سبحانه وتعالى تذكرنا قول الله عز وجل: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".
نتذكر التأكيدات التي أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرح هذه الآية ومعناها، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن الله زوى ليّ الأرض فأراني مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها". من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "سيبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار" وعندئذٍ لا يمكن لهذه الأحداث أن تدخل أي ريبةٍ في قرار الله سبحانه وتعالى وبيانه.
وإذا أردتم أيها الإخوة ما يزيدكم طمأنينة على هذه الحقيقة، وما يعيدكم إلى حمى العقيدة الإسلامية التي ينبغي أن تُسخر في سلوكنا العملي وفي علاقاتنا مع الآخرين، فانظروا إلى أحداث التاريخ وتأملوا التاريخ الماضي كيف كان أهل تلك العصور يتوقعون حسب الأسباب المادية المرئية أمامهم، ثم كيف سار التاريخ مناقضاً لتلك التصورات التي كانوا يتصورونها. انظروا إلى التاريخ الماضي وسيروا معه إلى يومنا هذا، تجدون أنه ما من جيلٍ من الأجيال رسم خطةً بيده بناءً على رؤىً مادية إلا وكانت النتيجة مناقضة لهذا الذي تصوروه، كانت النتيجة خاضعة لخطة رب العالمين الخفية إلى يومنا هذا، ولا يتسع الوقت لضرب الأمثلة الكثيرة. ولكن فلنضرب مثلاً واحداً:
هذه الأمة المسلمة (تركية) التي شاء الله عز وجل لأسباب يطول الحديث عنها أن ينحسر الإسلام عنها في فترةٍ حالكةٍ من الزمن، شاء الله عز وجل أن ينحسر عنها الإسلام انحساراً كلياً تماماً كما يخلع الإنسان ثوبه ويلقيه بعيداً شكلاً وموضوعاً، ابتعدت تلك الأمة عن الإسلام فلا اللسان العربي يسمح به أن يتداول، ولا كتاب الله عز وجل يمكن الإقبال عليه بدراسةٍ وعلم أو تعلم، ولا الأذان باللغة العربية يمكن أن ترتفع به الأصوات وهكذا ...
وقامت معاهدةٌ معروفة قبل ما لا يقل عن سبعين عاماً بين تلك القوى التي جحدت بدين الله عز وجل وبين بريطانيا في معاهدةٍ اسمها معاهدة لوزان، أن تبتعد هذه الأمة ابتعاداً كلياً عن الدين خلال ما لا يزيد على ثلاثين عاماً بهذا الشرط، وتعهدت القوة العلمانية في تركيا بذلك وأطبقت دول البغي كله تعين على تطبيق هذه المعاهدة، كل الوسائل المادية سارت على هذا المنوال، وكل القوى البشرية دعمت هذا النهج. ولكن فما الذي انتصر بعد ذلك؟ الأسباب المادية الظاهرة كلها تسير هكذا نحو العلمانية، ونحو مزيدٍ من الابتعاد عن دين الله عز وجل. وكم وكم من مسلمين أُخذوا بهذه الأسباب المادية ونسوا العقيدة الإيمانية التي افتتحت بها كلمتي الآن. هكذا كانت تسير الأسباب المادية، ولكن هذه الأمة كيف سارت فعلاً؟ كانت تسير سيراً مناقضاً لما تقتضيه هذه الخطة والأسباب، بأي قوة؟ لا أحد يرى. بأي فعالية؟ ليست هنالك عينٌ تبصر، ذلك لأنها قوة الله، ولأنها خطة رب العالمين سبحانه وتعالى.
ويعيش المسلمون اليوم ليروا هذه الحقيقة التي أقولها لكم، ليروا الخزي الذي أحاط بمعاهدة لوزان، بل ليروا الخزي الذي أحاط بجنود البغي إن في تركيا وإن في العالم المحيط بالإسلام والمسلمين الذي عاهد الشياطين الإنس والجن على الكيد لدين الله عز وجل.
ها هي ذي تلك الأمة تتنفس الصعداء، وها هي ذي تمارس دينها شكلاً ومضموناً، وها هو ذا الآذان يجلجل فوق أرفع المآذن في تلك البلاد، وها هو ذا كتاب الله عز وجل يُتلى صباح مساء، وها هي ذي الأذهان تحفظ كتاب الله عز وجل عن ظهر غيب، وها هي ذي اللغة العربية تغزو ذلك المجتمع، لا بل تُشرف ذلك المجتمع الذي حالت أو أرادت قوى الشر أن تحول بينه وبين الإسلام. ثم إنكم لتجدون نتيجة النتائج بعد هذا،
إنكم لتجدون كيف أن الإسلام عاد ليحكم، بدأ فعاد ليحكم، تجدون هذا كله.
هذا المثل أضربه لكم أيها الإخوة لكي تربطوا العقيدة الإسلامية التي لا يتم إسلام المؤمن إلا بها بالواقع بالحياة، وإلا فلا معنى لعقيدةٍ إسلامية نحبسها في عقولنا ثم نتعامل مع الحياة على أساسٍ من نقيض هذه العقيدة، ولسوف يكون المستقبل حاملاً لمزيدٍ من الأدلة على هذا الذي أقوله لكم.
لكن لا تنسوا الثمرة الأولى: هؤلاء الجنود الذين يسلطهم الله علينا يسلطهم تأديباً لنا، ولو أن المسلمين كانوا على مستوى التأديب الرباني، تابوا إلى الله، عادوا إلى الله التجأوا إلى حظيرة القدس، عادوا يعلنون عن رجوعهم إلى صراط الله عز وجل، إذاً لحول الله هؤلاء الجنود إلى جنودٍ ينتصرون لدين الله سبحانه وتعالى.
احفظوا هاتين الثمرتين ثم اذكروا أن العقيدة الإيمانية التي تتمثل في التوحيد، هذا هو معنى التوحيد أيها الإخوة، هذا التوحيد ينبغي أن نمارسه سلوكاً في حياتنا، وينبغي أن لا ننسى عندما نجد أنفسنا نغرق في أمواج من الأسباب المادية المختلفة المتنوعة. ما الأسباب المادية؟ إنها من جنود الله سبحانه وتعالى.
والعجب كل العجب أيها الإخوة من أناسٍ يجادلون مجادلة بيزنطية متكلفة ممجوجة في معنى التوحيد، ويقارعون بل يتقارعون، ويخاصمون بل يتخاصمون ضمن مجالس نظرية لا تنتج إلا الأحقاد وإلا الضغائن حول التوحيد وكيف يكون التوحيد وكيف يكون التنزه عن التوحيد.
أمّا ربط التوحيد لله عز وجل بالحياة، أمّا أن نعلم أن هذا التقلب الذي يجري في الكون إنما يجري بيد من الله عز وجل، إنما يديره قيّوم السموات والأرض، وأن الأسباب تذوب وتذوب إلى أن تنمحي في ضرام قول الله عز وجل، "إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا"، أمّا أن يربط هؤلاء الناس توحيد الله بهذا الواقع، فهم عن هذا غافلون، وهم عن هذا تائهون، بل إني لأُراهم عندما يتعاملون مع الحياة وهم الذين يرفعون لواء التوحيد ويحذرون من الشرك يغرقون في شبر من الأسباب المادية المتنوعة، وينسون فاعلية الله سبحانه وتعالى. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم .
هذا المثل أضربه لكم أيها الإخوة لكي تربطوا العقيدة الإسلامية التي لا يتم إسلام المؤمن إلا بها بالواقع بالحياة، وإلا فلا معنى لعقيدةٍ إسلامية نحبسها في عقولنا ثم نتعامل مع الحياة على أساسٍ من نقيض هذه العقيدة، ولسوف يكون المستقبل حاملاً لمزيدٍ من الأدلة على هذا الذي أقوله لكم.
لكن لا تنسوا الثمرة الأولى: هؤلاء الجنود الذين يسلطهم الله علينا يسلطهم تأديباً لنا، ولو أن المسلمين كانوا على مستوى التأديب الرباني، تابوا إلى الله، عادوا إلى الله التجأوا إلى حظيرة القدس، عادوا يعلنون عن رجوعهم إلى صراط الله عز وجل، إذاً لحول الله هؤلاء الجنود إلى جنودٍ ينتصرون لدين الله سبحانه وتعالى.
احفظوا هاتين الثمرتين ثم اذكروا أن العقيدة الإيمانية التي تتمثل في التوحيد، هذا هو معنى التوحيد أيها الإخوة، هذا التوحيد ينبغي أن نمارسه سلوكاً في حياتنا، وينبغي أن لا ننسى عندما نجد أنفسنا نغرق في أمواج من الأسباب المادية المختلفة المتنوعة. ما الأسباب المادية؟ إنها من جنود الله سبحانه وتعالى.
والعجب كل العجب أيها الإخوة من أناسٍ يجادلون مجادلة بيزنطية متكلفة ممجوجة في معنى التوحيد، ويقارعون بل يتقارعون، ويخاصمون بل يتخاصمون ضمن مجالس نظرية لا تنتج إلا الأحقاد وإلا الضغائن حول التوحيد وكيف يكون التوحيد وكيف يكون التنزه عن التوحيد.
أمّا ربط التوحيد لله عز وجل بالحياة، أمّا أن نعلم أن هذا التقلب الذي يجري في الكون إنما يجري بيد من الله عز وجل، إنما يديره قيّوم السموات والأرض، وأن الأسباب تذوب وتذوب إلى أن تنمحي في ضرام قول الله عز وجل، "إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا"، أمّا أن يربط هؤلاء الناس توحيد الله بهذا الواقع، فهم عن هذا غافلون، وهم عن هذا تائهون، بل إني لأُراهم عندما يتعاملون مع الحياة وهم الذين يرفعون لواء التوحيد ويحذرون من الشرك يغرقون في شبر من الأسباب المادية المتنوعة، وينسون فاعلية الله سبحانه وتعالى. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم .
أسباب ضعف الأمة وتفرقها
ملخص الخطبة
1- تبدل أحوال المسلمين من العز إلى الذل. 2- غربة الإسلام بين أهله اليوم. 3- حال المسلمين اليوم مع الإسلام. 4- الانحراف العقدي أهم أسباب تخلف المسلمين وذلتهم.
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المسلمون، لقد كثرت الشبهات.وأطلت البدع برأسها، وتغير الحال وتبدل، وتمكن الكفار من رقاب المسلمين في كل مكان، وأصاب المسلمون ضعف وتفرقة، وعاد الأمر غريباً كما بدأ غريباً، فكانت الحيرة وكانت التساؤلات، ولا يشك أحد من الناس من تباعد الدنيا بصفة عامة والمسلمون بصفة خاصة عن دين الله، والبون شاسع والفارق كبير بين ما كان عليه سلفنا الصالح من عز ونصر وتمكين وما عليه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وفشل وضياع.
وقد كتب عمر رضي الله عنه لأبي عبيده رضي الله عنه يوماً يقول له:إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نطلب العز في غيره أذلنا الله، وقد استمرت هذه العزة الإيجابية في هذه الأمة جيلاً بعد جيل عندما استقامت على أمر ربها، حتى بعث هارون الرشيد: "إلى نقفور كلب الروم فإن الأمر ما ترى لا ما تسمع". وكان يحج عاماً ويغزو عاما وينظر إلى السحابة وكأنه يخاطبها يقول: "سيرى أينما شئت أن تسيري سيأتيني خراجك"، لقد تبدل الحال وتغير، وما ربك بظلام للعبيد، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، بدأت ومع الأسى تيارات غريبة في الأمة، فكيف لا يصيبها الضعف والتفرق، بدأت فئام من الأمة تعتقد بأن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم رجعية، والعمل بسنته تَزَمُّتْ. وبدأت أصوات تخرج في كل مكان، تسمى المتمسك بدينه أصولياً، فكيف يرجى حسن العاقبة في الآخرة ومصيرنا في الدنيا ظاهر معلوم، بل أصبحنا نعتز بكل معصية، ونشق الطريق لكل منكر.ونرى من يدعو إلى الكفر بعين مِلؤها غبطة، والمعترض على تحركات الكفر في ديار المسلمين، والمعترض على تغلغل النصارى في كل شيء، رجعياً أصولياً، يستحق الطرد أو الحبس لأنه يعوق المجتمع عن التقدم، ويحول دون طريقه إلى النهضة والمدنية.
أيها المسلمون، إذا كان الله لا يأخذنا بعذاب يفاجئنا، ونقمة تقضى علينا جميعاً، بسبب ما ترتكبه الأمة، فذلك بفضل رحمة الله علينا، ودعاء نبيه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أن لا يعمّها الله بعذاب، ولا يستأصل شأفتها وذلك لأن هذه الأمة، تحمل الأمانة الأخيرة، ولأنها أمل الإنسانية الأخيرة.
ما أعظم الفرق أيها الإخوة، بين أمسنا ويومنا، وما أعظم الفرق بين الإسلام ديناً، والمسلمين واقعاً. فيا له من دين لو أن له رجال. وما أجمله من دين، لو تمثله مجتمع. وما أحسنه من دين، لو طبق في واقع الناس.
لقد انفصلت بعض العقائد عن بعض، وبعض العبادات عن بعض، وتباعدت الدنيا عن الآخرة، والأرض عن السماء، وأصبح الدين في واد، والواقع في واد ثان، وحورب الإسلام بيد أبنائه، بعد أن كان وما يزال يحارب بيد أعدائه، واستبدل شرع الله بنظم وضعية، وقوانين كفرية، وأطلت البدع والشركيات برأسها، وابتلي المسلمون، وابتليت الأمة، ببعض علماء السوء، يلبسون على الناس أمر دينهم، ويفتون وهم أذناب وتبع لغيرهم، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، فكانوا بمثابة قطاع الطريق إلى الله، وبالجملة فقد أصبح الإسلام غريباً وسط أهله وبنيه، وكأنه ينادى المسلمين من مكان بعيد من يوم بدر وأحد، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً [آل عمران:144].
أيها المسلمون، إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم، يلاحظ كيف أنها وصلت إلى حالة سيئة، من ضعف ووهن وشتات واختلاف، ضعف في عقيدتها، وضعف في قوتها، وضعف في اقتصادها وضعف في قراراتها، وضعف في تسيير شئون نفسها، ثم ضعف في كل جانب من جوانبها، فأدى ذلك إلى تكالب أعدائها عليها، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، محاولين تحطيمها والإجهاز عليها، أما واقع المجتمع اليوم، مجتمع سيء، قد أصاب العلاقات الاجتماعية التي تربط أفراده، الضعف والوهن، والبعد عن منهج الله سبحانه وتعالى. كذلك أيها الإخوة، يجد المتتبع لواقع الأسرة، في الدول الإسلامية اليوم، التمزق والتباغض والتحاسد والانحلال، هو الذي أصاب أغلب الأسر اليوم.
أما بالنسبة للفرد، فقد تشوهت عقيدته، في كثير من الأمور، وحدث له قصور في الفهم، وضعف في شعوره بانتمائه للأمة الإسلامية. وجَهْل لكثير من أمور دينه، إلا من رحم الله عز وجل.
وهناك من أبناء المسلمين من وقع تحت تأثير الفكر المعادي للإسلام، الذي أوهم أبناء المسلمين أن السبيل الوحيد للخلاص من الفقر، والجهل والتخلف، هو التخلص من ربقة الإسلام، وأن تنهج الشعوب الإسلامية، نهج الغرب الكافر، في محاربة الدين، وتنحيته عن معترك الحياة.
إن المتفحص لكل ذلك يا عباد الله، ليشعر بالألم والحزن والمرارة لواقع المسلمين، ولكن الأمور لا يمكن أن تتغير بالأحزان والآلام والانفعالات، إِنَّ اللّ
ملخص الخطبة
1- تبدل أحوال المسلمين من العز إلى الذل. 2- غربة الإسلام بين أهله اليوم. 3- حال المسلمين اليوم مع الإسلام. 4- الانحراف العقدي أهم أسباب تخلف المسلمين وذلتهم.
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المسلمون، لقد كثرت الشبهات.وأطلت البدع برأسها، وتغير الحال وتبدل، وتمكن الكفار من رقاب المسلمين في كل مكان، وأصاب المسلمون ضعف وتفرقة، وعاد الأمر غريباً كما بدأ غريباً، فكانت الحيرة وكانت التساؤلات، ولا يشك أحد من الناس من تباعد الدنيا بصفة عامة والمسلمون بصفة خاصة عن دين الله، والبون شاسع والفارق كبير بين ما كان عليه سلفنا الصالح من عز ونصر وتمكين وما عليه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وفشل وضياع.
وقد كتب عمر رضي الله عنه لأبي عبيده رضي الله عنه يوماً يقول له:إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نطلب العز في غيره أذلنا الله، وقد استمرت هذه العزة الإيجابية في هذه الأمة جيلاً بعد جيل عندما استقامت على أمر ربها، حتى بعث هارون الرشيد: "إلى نقفور كلب الروم فإن الأمر ما ترى لا ما تسمع". وكان يحج عاماً ويغزو عاما وينظر إلى السحابة وكأنه يخاطبها يقول: "سيرى أينما شئت أن تسيري سيأتيني خراجك"، لقد تبدل الحال وتغير، وما ربك بظلام للعبيد، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، بدأت ومع الأسى تيارات غريبة في الأمة، فكيف لا يصيبها الضعف والتفرق، بدأت فئام من الأمة تعتقد بأن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم رجعية، والعمل بسنته تَزَمُّتْ. وبدأت أصوات تخرج في كل مكان، تسمى المتمسك بدينه أصولياً، فكيف يرجى حسن العاقبة في الآخرة ومصيرنا في الدنيا ظاهر معلوم، بل أصبحنا نعتز بكل معصية، ونشق الطريق لكل منكر.ونرى من يدعو إلى الكفر بعين مِلؤها غبطة، والمعترض على تحركات الكفر في ديار المسلمين، والمعترض على تغلغل النصارى في كل شيء، رجعياً أصولياً، يستحق الطرد أو الحبس لأنه يعوق المجتمع عن التقدم، ويحول دون طريقه إلى النهضة والمدنية.
أيها المسلمون، إذا كان الله لا يأخذنا بعذاب يفاجئنا، ونقمة تقضى علينا جميعاً، بسبب ما ترتكبه الأمة، فذلك بفضل رحمة الله علينا، ودعاء نبيه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أن لا يعمّها الله بعذاب، ولا يستأصل شأفتها وذلك لأن هذه الأمة، تحمل الأمانة الأخيرة، ولأنها أمل الإنسانية الأخيرة.
ما أعظم الفرق أيها الإخوة، بين أمسنا ويومنا، وما أعظم الفرق بين الإسلام ديناً، والمسلمين واقعاً. فيا له من دين لو أن له رجال. وما أجمله من دين، لو تمثله مجتمع. وما أحسنه من دين، لو طبق في واقع الناس.
لقد انفصلت بعض العقائد عن بعض، وبعض العبادات عن بعض، وتباعدت الدنيا عن الآخرة، والأرض عن السماء، وأصبح الدين في واد، والواقع في واد ثان، وحورب الإسلام بيد أبنائه، بعد أن كان وما يزال يحارب بيد أعدائه، واستبدل شرع الله بنظم وضعية، وقوانين كفرية، وأطلت البدع والشركيات برأسها، وابتلي المسلمون، وابتليت الأمة، ببعض علماء السوء، يلبسون على الناس أمر دينهم، ويفتون وهم أذناب وتبع لغيرهم، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، فكانوا بمثابة قطاع الطريق إلى الله، وبالجملة فقد أصبح الإسلام غريباً وسط أهله وبنيه، وكأنه ينادى المسلمين من مكان بعيد من يوم بدر وأحد، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً [آل عمران:144].
أيها المسلمون، إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم، يلاحظ كيف أنها وصلت إلى حالة سيئة، من ضعف ووهن وشتات واختلاف، ضعف في عقيدتها، وضعف في قوتها، وضعف في اقتصادها وضعف في قراراتها، وضعف في تسيير شئون نفسها، ثم ضعف في كل جانب من جوانبها، فأدى ذلك إلى تكالب أعدائها عليها، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، محاولين تحطيمها والإجهاز عليها، أما واقع المجتمع اليوم، مجتمع سيء، قد أصاب العلاقات الاجتماعية التي تربط أفراده، الضعف والوهن، والبعد عن منهج الله سبحانه وتعالى. كذلك أيها الإخوة، يجد المتتبع لواقع الأسرة، في الدول الإسلامية اليوم، التمزق والتباغض والتحاسد والانحلال، هو الذي أصاب أغلب الأسر اليوم.
أما بالنسبة للفرد، فقد تشوهت عقيدته، في كثير من الأمور، وحدث له قصور في الفهم، وضعف في شعوره بانتمائه للأمة الإسلامية. وجَهْل لكثير من أمور دينه، إلا من رحم الله عز وجل.
وهناك من أبناء المسلمين من وقع تحت تأثير الفكر المعادي للإسلام، الذي أوهم أبناء المسلمين أن السبيل الوحيد للخلاص من الفقر، والجهل والتخلف، هو التخلص من ربقة الإسلام، وأن تنهج الشعوب الإسلامية، نهج الغرب الكافر، في محاربة الدين، وتنحيته عن معترك الحياة.
إن المتفحص لكل ذلك يا عباد الله، ليشعر بالألم والحزن والمرارة لواقع المسلمين، ولكن الأمور لا يمكن أن تتغير بالأحزان والآلام والانفعالات، إِنَّ اللّ
َهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، لكنا نقول بأن هذه الأحزان لعلها تكون بداية الوعي واليقظة، وبداية لطريق طويل في التصحيح والتغيير.
أيها المسلمون، إن الحديث عن أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم حديث طويل، وطويل جداً، لأنه يحكي قصة أربعة عشر قرناً من الزمان، فلا يكفيه حديث جمعة. ولا جُمَع سنة كاملة، لكن بعد توفيق الله عز وجل، نحاول بين فترة وأخرى إبراز بعض النقاط الهامة والكبيرة. والتي نعتقد أنها من أبرز أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم، ولا شك بأن البعد عن الدين هو السبب الرئيس.لكن هذا كلام عام يحتاج إلى تفصيل ولفهم كيف بعد الناس عن الدين، لا بد من تجزئة هذا السبب الكبير.
أيها الإخوة في الله، لقد عاش المسلمون في العصور الأولى متشبعين بروح الإسلام وتعاليمه، تربوا تربية صحيحة، أنارت بصيرتهم، وصقلت نفوسهم، وهذبت سلوكهم، ذلك أنهم أخذوا بتعاليم القرآن الكريم، وتأسوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهموا الإسلام فهماً صحيحاً، وعملوا واجتهدوا في نطاق المنهج الرباني وحدوده. فاستطاعوا بذلك أن ينهضوا نهضة عظيمة في مدة وجيزة، فأقاموا حضارة زاهية ومجتمعاً متماسكاً قوياً، واستمر ذلك المجتمع بقوته وريادته ونوره المشع على أرجاء المعمورة، عدة قرون، ثم بدأ ذلك النور المشع ينحسر شيئاً فشيئاً، فعاش أبناء المجتمع في ليال سوداء قاتمة، وهم ضعفاء أذلاء، تفرقت الكلمة، وتصدع البنيان، وتداعت عليهم الأمم من كل حدب وصَوب، فذهبت الهيبة، وانهار كيان المجتمع، ولم يكن ذلك عن قلة، ولكن أصبحوا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((غثاء كغثاء السيل)) فزحف المستعمر من كل مكان، لينهش من هذا الجسم المريض, وبدأ الاستعباد والذل والهوان، كل ذلك حدث عندما هانت الأمة على نفسها، حتى فقد المجتمع الإسلامي ثقته بنفسه، وأصبح الإسلام في نفوس أصحابه ألفاظاً بلا معنى، واتجه شرار المجتمع صوب المستعمر الآثم، يتبعون خطواته حذو القذة بالقذة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: ((ليحملن شرار هذه الأمة، على سنن الذين خلوا من قبلهم، أهل الكتاب، حذو القذة بالقذة)) وانقسم المجتمع إلى فئات ثلاث:
الفئة الأولى: انطفأ نور الإيمان في قلبها، فانصرفت عنه إلى نوع من الإلحاد، وشكت في صلاحية الإسلام للحياة، واعتقدت أن الأخذ بأسباب المدينة الغربية، والانغماس والاستمتاع بشهواتها هو كل الحياة. أما الإسلام في نظرها، فهو سبب التخلف والجمود والرجعية.
الفئة الثانية: اكتفت من الإسلام بالمظهر، اكتفت منه بالأحوال الشخصية، من زواج وطلاق.وصار الواحد منهم يؤدي بعض المظاهر من الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، و كذا الصيام وغيرها.
أما الفئة الثالثة: فهي المؤمنة، المتمسكة بجوهر الدين القابضة عليه كالقابض على الجمر، غريبة في وطنها، تصلح ما أفسد الناس، فهي محط الأمل وموضع الرجاء نسأل الله القدير أن يأخذ بيدها لتعيد الأمة إلى مجدها وعزها.
أيها المسلمون، وقبل ذكر بعض أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها، فإن هناك سنة ثابتة في هذا الكون ذكرها الله تعالى في كتابه، تختص بهلاك ودمار الأمم، وسقوط الدول، وتخلخل المجتمعات، وهي قول الله جلا وعلا: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16].
يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها وذلك بمخالفتهم أمر الله وخروجهم عن طاعته، فحق عليها القول أي فوجب عليهم بمعصيتهم وفسوقهم فيها وعيد الله الذي أوعد من كفر به وخالف رسله من الهلاك بعد الإعذار والإنذار".
أيها المسلمون، إن هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء تشير إلى أن مراحل الانحدار إلى الهاوية، يبدأ من انحلال وفساد القمة الاجتماعية في هيكل المجتمع.ففساد القمة نذير صارخ بإفساد المجتمع، وبالإضافة إلى ما ذكر، فإن الترف عامل من أقوى عوامل الانحلال، وأسرعها وأخبثها في انهيار المجتمع، إذ أنه يفتت روابطه.لأن الانغماس في واقع الشهوات وإشباع الغرائز المنهومة، يميت الشعور بالنخوة ويقتل الإحساس بالعزة والغيرة، ويجعل الرذائل مألوفة في هذه المجتمعات المنحدرة إلى هاوية الانهيار، بل يجعل الرذائل ميداناً للتنافس الفاجر.
إذا فسدت القمة ووقعوا في الترف، وصار الترف هو الغالب في طبقات المجتمع، فقل على هذا المجتمع: السلام، فلا يهتم أحد برفع رأسه إنكاراً لها، بل يجد المجتمع في كبرائه المترفين، من ينكر على من ينكر هذه الرذائل. وتصبح الفضائل الخلقية والقيم الروحية غرائب في نظر هذا المجتمع المنحل المتحلل، وعندئذِ تحق عليهم كلمة الله، ويحل بهذا المجتمع الضعف والتفرق. اكتفى بهذه المقدمة.
وسأبدأ في الخطبة الثانية، بالسبب الأول الذي أضعف المسلمين، وفرق بينهم.
اللهم علمنا ما ينفعنا...
الخطبة الثانية
أما بعد: أهم وأول سبب في ضعف ا
أيها المسلمون، إن الحديث عن أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم حديث طويل، وطويل جداً، لأنه يحكي قصة أربعة عشر قرناً من الزمان، فلا يكفيه حديث جمعة. ولا جُمَع سنة كاملة، لكن بعد توفيق الله عز وجل، نحاول بين فترة وأخرى إبراز بعض النقاط الهامة والكبيرة. والتي نعتقد أنها من أبرز أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم، ولا شك بأن البعد عن الدين هو السبب الرئيس.لكن هذا كلام عام يحتاج إلى تفصيل ولفهم كيف بعد الناس عن الدين، لا بد من تجزئة هذا السبب الكبير.
أيها الإخوة في الله، لقد عاش المسلمون في العصور الأولى متشبعين بروح الإسلام وتعاليمه، تربوا تربية صحيحة، أنارت بصيرتهم، وصقلت نفوسهم، وهذبت سلوكهم، ذلك أنهم أخذوا بتعاليم القرآن الكريم، وتأسوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهموا الإسلام فهماً صحيحاً، وعملوا واجتهدوا في نطاق المنهج الرباني وحدوده. فاستطاعوا بذلك أن ينهضوا نهضة عظيمة في مدة وجيزة، فأقاموا حضارة زاهية ومجتمعاً متماسكاً قوياً، واستمر ذلك المجتمع بقوته وريادته ونوره المشع على أرجاء المعمورة، عدة قرون، ثم بدأ ذلك النور المشع ينحسر شيئاً فشيئاً، فعاش أبناء المجتمع في ليال سوداء قاتمة، وهم ضعفاء أذلاء، تفرقت الكلمة، وتصدع البنيان، وتداعت عليهم الأمم من كل حدب وصَوب، فذهبت الهيبة، وانهار كيان المجتمع، ولم يكن ذلك عن قلة، ولكن أصبحوا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((غثاء كغثاء السيل)) فزحف المستعمر من كل مكان، لينهش من هذا الجسم المريض, وبدأ الاستعباد والذل والهوان، كل ذلك حدث عندما هانت الأمة على نفسها، حتى فقد المجتمع الإسلامي ثقته بنفسه، وأصبح الإسلام في نفوس أصحابه ألفاظاً بلا معنى، واتجه شرار المجتمع صوب المستعمر الآثم، يتبعون خطواته حذو القذة بالقذة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: ((ليحملن شرار هذه الأمة، على سنن الذين خلوا من قبلهم، أهل الكتاب، حذو القذة بالقذة)) وانقسم المجتمع إلى فئات ثلاث:
الفئة الأولى: انطفأ نور الإيمان في قلبها، فانصرفت عنه إلى نوع من الإلحاد، وشكت في صلاحية الإسلام للحياة، واعتقدت أن الأخذ بأسباب المدينة الغربية، والانغماس والاستمتاع بشهواتها هو كل الحياة. أما الإسلام في نظرها، فهو سبب التخلف والجمود والرجعية.
الفئة الثانية: اكتفت من الإسلام بالمظهر، اكتفت منه بالأحوال الشخصية، من زواج وطلاق.وصار الواحد منهم يؤدي بعض المظاهر من الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، و كذا الصيام وغيرها.
أما الفئة الثالثة: فهي المؤمنة، المتمسكة بجوهر الدين القابضة عليه كالقابض على الجمر، غريبة في وطنها، تصلح ما أفسد الناس، فهي محط الأمل وموضع الرجاء نسأل الله القدير أن يأخذ بيدها لتعيد الأمة إلى مجدها وعزها.
أيها المسلمون، وقبل ذكر بعض أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها، فإن هناك سنة ثابتة في هذا الكون ذكرها الله تعالى في كتابه، تختص بهلاك ودمار الأمم، وسقوط الدول، وتخلخل المجتمعات، وهي قول الله جلا وعلا: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16].
يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها وذلك بمخالفتهم أمر الله وخروجهم عن طاعته، فحق عليها القول أي فوجب عليهم بمعصيتهم وفسوقهم فيها وعيد الله الذي أوعد من كفر به وخالف رسله من الهلاك بعد الإعذار والإنذار".
أيها المسلمون، إن هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء تشير إلى أن مراحل الانحدار إلى الهاوية، يبدأ من انحلال وفساد القمة الاجتماعية في هيكل المجتمع.ففساد القمة نذير صارخ بإفساد المجتمع، وبالإضافة إلى ما ذكر، فإن الترف عامل من أقوى عوامل الانحلال، وأسرعها وأخبثها في انهيار المجتمع، إذ أنه يفتت روابطه.لأن الانغماس في واقع الشهوات وإشباع الغرائز المنهومة، يميت الشعور بالنخوة ويقتل الإحساس بالعزة والغيرة، ويجعل الرذائل مألوفة في هذه المجتمعات المنحدرة إلى هاوية الانهيار، بل يجعل الرذائل ميداناً للتنافس الفاجر.
إذا فسدت القمة ووقعوا في الترف، وصار الترف هو الغالب في طبقات المجتمع، فقل على هذا المجتمع: السلام، فلا يهتم أحد برفع رأسه إنكاراً لها، بل يجد المجتمع في كبرائه المترفين، من ينكر على من ينكر هذه الرذائل. وتصبح الفضائل الخلقية والقيم الروحية غرائب في نظر هذا المجتمع المنحل المتحلل، وعندئذِ تحق عليهم كلمة الله، ويحل بهذا المجتمع الضعف والتفرق. اكتفى بهذه المقدمة.
وسأبدأ في الخطبة الثانية، بالسبب الأول الذي أضعف المسلمين، وفرق بينهم.
اللهم علمنا ما ينفعنا...
الخطبة الثانية
أما بعد: أهم وأول سبب في ضعف ا
لأمة، وتفرق كلمتها هو: خلخلة العقيدة في قلوب الناس، وسوء فهم العقيدة في قلوب الناس، عدم صفاء المعتقد الصحيح، معتقد أهل السنة والجماعة، ثم التطبيق والممارسة الواقعية لهذا المعتقد لدى كثير من أبناء الأمة. فإذا كان ما في قلوب الناس له مشارب شتى فكيف الاجتماع والوحدة.
إن للعقيدة الصحيحة أهميتها في تربية الأفراد وتوجيههم فإذا رسخت العقيدة في قلب الإنسان، فإنها سرعان ما تنعكس على جوارحه، وعلى خلقه وسلوكه ومعاملاته، ولهذا لا غرابة أن كثيراً من الآيات والسور المكية عالجت موضوع العقيدة بجميع جزئياتها. ولقد تربى المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقيدة السليمة، التي حررت الإنسان من عبادة العباد، ونقلته إلى عبادة رب العباد.
إن العقيدة يا عباد الله، هي الأساس الذي يبنى عليها النظام الأخلاقي، وهي التي تكون الأساس الفكري لعقلية المسلم، والأساس النفسي لسلوكه.
ومن العقيدة تنبثق نظرته إلى الحياة الاقتصادية والحياة السياسية وغيرها، وكذلك أيها الإخوة فإن العقيدة لها تأثير كبير في علاقة أفراد المجتمع بعضه ببعض، سواء الفردية أو الجماعية، ألا تجد بأن هناك موظفين في مكتب واحد، ومن منطقة واحدة، لكنك تجد النفرة والتباغض بينهما، لأن الأول على عقيدة أهل السنة والجماعة، والأخر على عقيدة أخرى كعقيدة الرافضة مثلاً، وإن كانا يحملان نفس الجنسية.
إذاً العقيدة ـ أيها الإخوة ـ هي الأساس، وهي القاعدة وهي المنطلق لجميع تصورات، وتصرفات الإنسان، ولكن المتأمل في واقع المجتمع اليوم. يجد أن هذا المجتمع مختلف في صفاته وخصائصه عن المجتمع الإسلامي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن أهم الأسباب سوء فهم العقيدة عند متأخري هذه الأمة. حتى وصل الحال عند بعض أهل السنة، أنه لا يبالى في مصاحبة وموالاة والثقة بأبناء غير أهل السنة.
إلى هذا الحد وصل التسيب في اعتقاد كثير من المسلمين. وبعد ذلك كيف لا يكون سوء فهم العقيدة من أهم الأسباب في هدم كيان الأمة.
ومن الانحرافات العقائدية الخطيرة أيضاً والتي تهدد كيان الأمة.ما حصل في كثير من بلاد المسلمين. وإن كنا نحن ولله الحمد في هذه البلاد سلمنا من هذا الانحراف شيئاً ما، وهو الاستغاثة والدعاء عند القبور والأضرحة. وإيقادها بالسرج، والتمسح بها، وذبح القربات لها، واعتقاد أنها تنفع وتضر من دون الله، وهذا والله أعلم شائع في كثير من الدول الإسلامية، وهناك الملايين من المسلمين من يعتقد بهذه الأمور، فإذا أصيب بمرض أو جاءته مشكلة أو مصيبة، توجه إلى هذه القبور، بالدعاء والبكاء والتقبيل، ليشفى من مرضه أو لتحل مشكلته. أو لتعود إليه زوجته.
لا تتصوروا ـ يا عباد الله ـ أن هذه أمثلة مبالغ فيها، بل إنها واقعة، وأكثر من هذا. كثير من بلاد الشام ومصر وغيرها مننتشر فيها هذه الاعتقادات الفاسدة، وهناك المزارات تبنى وتشيد لأجل هذا.
فأين يأتى نصر الله، وأين يأتي تمكين الله لهذه الأمة، وكيف لا ينهدم كيانها وينهدم بناؤها، وهذا حال أبنائها.
تركوا الله عز وجل وتوجهوا إلى غيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن يتخذ شيء من القبور والآثار والأشجار والأحجار ونحوها، بحيث يرجى نفعه وبركته بالنذر له، والتمسح به، أو تعليق شيء عليه بل كل هذا من جنس الشرك".
وقال أيضاً: ومن أعظم الشرك أن يستغيث الإنسان برجل ميت عند المصائب، فيقول: يا سيدي فلان، كأن يطلب منه إزالة الضرر أو جلب النفع كما هو حال النصارى في المسيح وأمه، وأحبارهم ورهبانهم".
انحراف آخر في سوء فهم العقيدة، أيضاً منتشر في أوساط كثير من المسلمين. انحراف فهم القضاء والقدر.
كثير من المسلمين. عندما تأمل حال العالم الإسلامى ورأى الهزيمة والذل والإهانة للمسلمين من قبل أعدائهم، استسلم لهذا الواقع، وقال: هذا ما حصل إلا بقضاء الله وقدره.
وكذلك من رأى المنكرات والفواحش قد انتشرت في المجتمع، ورأى هذا الواقع السيئ من انحلال الشباب والشابات ووقوع كثير من الشباب في أسر المخدرات وفى أسر المغازلات والمعاكسات يئس من تغيير هذا الواقع السيء، ورماها على القضاء والقدر، ما حصل هذا في المجتمع إلا بقضاء الله وقدره. فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الدعوة إلى لله، وترك النصح والإرشاد بحجة أن الله هو الهادي.
نقول نعم أيها الإخوة، لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بقضاء الله وقدره. لكن من سوء فهم العقيدة، أن تسلم لكل قضاء الله وقدره. اعتقد غالب الناس أن كل ما كان بقضاء الله وقدره يجب التسليم له. فنقول بأن هذا غير صحيح ولا يجوز أصلاً أن تسلم بكل ما قضاه الله وقدره. وسأضرب لذلك مثلاً: لو وقع أحدكم لا سمح الله، بجريمة زنا، فهل هذا الذي حصل منه ووقع فيه، بقضاء الله وقدر أم لا؟ لا شك أنه بقضاء الله وقدره. وحاشا أن يحصل شيء في الكون كله بغير إرادة الله عز وجل.
لكن السؤال؟ هل ترضى بأمر الزنا وتقول: حصل بقضاء الله وقدره. لا أتصور أن مسلماً عاقلاً سليم المعتقد يقول بهذا. لكن المطلوب في هذه ا
إن للعقيدة الصحيحة أهميتها في تربية الأفراد وتوجيههم فإذا رسخت العقيدة في قلب الإنسان، فإنها سرعان ما تنعكس على جوارحه، وعلى خلقه وسلوكه ومعاملاته، ولهذا لا غرابة أن كثيراً من الآيات والسور المكية عالجت موضوع العقيدة بجميع جزئياتها. ولقد تربى المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقيدة السليمة، التي حررت الإنسان من عبادة العباد، ونقلته إلى عبادة رب العباد.
إن العقيدة يا عباد الله، هي الأساس الذي يبنى عليها النظام الأخلاقي، وهي التي تكون الأساس الفكري لعقلية المسلم، والأساس النفسي لسلوكه.
ومن العقيدة تنبثق نظرته إلى الحياة الاقتصادية والحياة السياسية وغيرها، وكذلك أيها الإخوة فإن العقيدة لها تأثير كبير في علاقة أفراد المجتمع بعضه ببعض، سواء الفردية أو الجماعية، ألا تجد بأن هناك موظفين في مكتب واحد، ومن منطقة واحدة، لكنك تجد النفرة والتباغض بينهما، لأن الأول على عقيدة أهل السنة والجماعة، والأخر على عقيدة أخرى كعقيدة الرافضة مثلاً، وإن كانا يحملان نفس الجنسية.
إذاً العقيدة ـ أيها الإخوة ـ هي الأساس، وهي القاعدة وهي المنطلق لجميع تصورات، وتصرفات الإنسان، ولكن المتأمل في واقع المجتمع اليوم. يجد أن هذا المجتمع مختلف في صفاته وخصائصه عن المجتمع الإسلامي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن أهم الأسباب سوء فهم العقيدة عند متأخري هذه الأمة. حتى وصل الحال عند بعض أهل السنة، أنه لا يبالى في مصاحبة وموالاة والثقة بأبناء غير أهل السنة.
إلى هذا الحد وصل التسيب في اعتقاد كثير من المسلمين. وبعد ذلك كيف لا يكون سوء فهم العقيدة من أهم الأسباب في هدم كيان الأمة.
ومن الانحرافات العقائدية الخطيرة أيضاً والتي تهدد كيان الأمة.ما حصل في كثير من بلاد المسلمين. وإن كنا نحن ولله الحمد في هذه البلاد سلمنا من هذا الانحراف شيئاً ما، وهو الاستغاثة والدعاء عند القبور والأضرحة. وإيقادها بالسرج، والتمسح بها، وذبح القربات لها، واعتقاد أنها تنفع وتضر من دون الله، وهذا والله أعلم شائع في كثير من الدول الإسلامية، وهناك الملايين من المسلمين من يعتقد بهذه الأمور، فإذا أصيب بمرض أو جاءته مشكلة أو مصيبة، توجه إلى هذه القبور، بالدعاء والبكاء والتقبيل، ليشفى من مرضه أو لتحل مشكلته. أو لتعود إليه زوجته.
لا تتصوروا ـ يا عباد الله ـ أن هذه أمثلة مبالغ فيها، بل إنها واقعة، وأكثر من هذا. كثير من بلاد الشام ومصر وغيرها مننتشر فيها هذه الاعتقادات الفاسدة، وهناك المزارات تبنى وتشيد لأجل هذا.
فأين يأتى نصر الله، وأين يأتي تمكين الله لهذه الأمة، وكيف لا ينهدم كيانها وينهدم بناؤها، وهذا حال أبنائها.
تركوا الله عز وجل وتوجهوا إلى غيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن يتخذ شيء من القبور والآثار والأشجار والأحجار ونحوها، بحيث يرجى نفعه وبركته بالنذر له، والتمسح به، أو تعليق شيء عليه بل كل هذا من جنس الشرك".
وقال أيضاً: ومن أعظم الشرك أن يستغيث الإنسان برجل ميت عند المصائب، فيقول: يا سيدي فلان، كأن يطلب منه إزالة الضرر أو جلب النفع كما هو حال النصارى في المسيح وأمه، وأحبارهم ورهبانهم".
انحراف آخر في سوء فهم العقيدة، أيضاً منتشر في أوساط كثير من المسلمين. انحراف فهم القضاء والقدر.
كثير من المسلمين. عندما تأمل حال العالم الإسلامى ورأى الهزيمة والذل والإهانة للمسلمين من قبل أعدائهم، استسلم لهذا الواقع، وقال: هذا ما حصل إلا بقضاء الله وقدره.
وكذلك من رأى المنكرات والفواحش قد انتشرت في المجتمع، ورأى هذا الواقع السيئ من انحلال الشباب والشابات ووقوع كثير من الشباب في أسر المخدرات وفى أسر المغازلات والمعاكسات يئس من تغيير هذا الواقع السيء، ورماها على القضاء والقدر، ما حصل هذا في المجتمع إلا بقضاء الله وقدره. فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الدعوة إلى لله، وترك النصح والإرشاد بحجة أن الله هو الهادي.
نقول نعم أيها الإخوة، لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بقضاء الله وقدره. لكن من سوء فهم العقيدة، أن تسلم لكل قضاء الله وقدره. اعتقد غالب الناس أن كل ما كان بقضاء الله وقدره يجب التسليم له. فنقول بأن هذا غير صحيح ولا يجوز أصلاً أن تسلم بكل ما قضاه الله وقدره. وسأضرب لذلك مثلاً: لو وقع أحدكم لا سمح الله، بجريمة زنا، فهل هذا الذي حصل منه ووقع فيه، بقضاء الله وقدر أم لا؟ لا شك أنه بقضاء الله وقدره. وحاشا أن يحصل شيء في الكون كله بغير إرادة الله عز وجل.
لكن السؤال؟ هل ترضى بأمر الزنا وتقول: حصل بقضاء الله وقدره. لا أتصور أن مسلماً عاقلاً سليم المعتقد يقول بهذا. لكن المطلوب في هذه ا
لحالة أن نغير هذا القدر بقدر آخر وهو التوبة والاستغفار والإقلاع عن هذا الذنب. حتى التوبة لا يمكن أن تحصل منك إلا إذا قضاه الله وقدره.
فكيف بعد هذا يسلم بعض الناس لحال الواقع بحجة القضاء والقدر. يستسلمون للمنكرات ويستسلمون للانحرافات الموجودة بحجة القضاء والقدر، ولا شك أن هذا انحراف واضح في العقيدة، وسوء فهم للعقيدة الإسلامية الصحيحة.
انحراف آخر في العقيدة، أدى سوء فهم هذه القضية أيضاً إلى مفاسد كثيرة وحدث شرخ كبير في بناء الأمة، وهو عقيدة التوكل.
من الأمور التي أصابها تشويه أيضاً، مفهوم التوكل على الله، فقد فهم بعض أفراد المجتمع المسلم أن التوكل هو ترك الأخذ بالأسباب، مع أن هذا الأمر مخالف لدين الإسلام، ولو كان الأمر كذلك لطبقه سيد المتوكلين محمد صلى الـله عليه وسلم، فقد كان يأخذ بجميع الأسباب، فيتخذ للنصر عدته، وللسفر زاده، وللمرض دواءه، ويحث الصحابة على العمل والسعي في طلب الرزق.
ومن انحرافات فهم التوكل أيضاً. عدم التوكل على الله عز وجل التوكل الحقيقي في كل الأمور. فكم من المسلمين من يعتقد بأن رزقه في يد رئيسه في العمل. تجد بعض الموظفين مثلاً يعمل عملاً مخالفاً للنظام. ولو سألته لماذا؟ قال: لأن الرئيس طلب مني ذلك، ولو قلت له كيف تطيع رئيسك في أمر محرم ولا يجوز ويخالف النظام، لقال لك: إذا لم أفعل ما طلب، فسوف يقطع عليّ العلاوة، أو يفصلني من الوظيفة فيقطع رزقي. فأين صدق عقيدة التوكل على الله عز وجل. لقد ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى عند غالب المسلمين إلا من رحم ربي في كل شيء، وفي كل جانب. كم من المسلمين ومن الدول الإسلامية من يثقون بقوة أمريكا ويتوكلون عليها أكثر من ثقتهم بقوة الله عز وجل وتوكلهم عليه! كم من الدول من تعتمد كما يقال على الدول العظمى أكثر من اعتمادها على الله عز وجل. فأين عقيدة التوكل أيها الإخوة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)).
ولو قمنا ـ أيها الإخوة ـ بالتفصيل والتتبع لكثير من جزيئات العقيدة، لوجدنا سوء الفهم فيها.
فكيف بعد هذا لا يكون سوء فهم العقيدة من أخطر وأهم أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها. وليس هناك طريق ولا أمل للقضاء على هذا السبب إلا عن طريق العلم، لابد من تعلم العقيدة ودراسة العقيدة وفهم العقيدة، على الوجه الصحيح. لأن العقيدة هي أساس كل شيء، ولو اهتزت القاعدة، سقطت القمة ثم بعد ذلك سقط ممارستها وتطبيقها.
أسأل الله عز وجل أن يبصرنا في أمور ديننا ودنيانا وأن يأخذ بأيدينا، إنه خير مسئول.
اللهم من أراد المسلمين بسوء...
فكيف بعد هذا يسلم بعض الناس لحال الواقع بحجة القضاء والقدر. يستسلمون للمنكرات ويستسلمون للانحرافات الموجودة بحجة القضاء والقدر، ولا شك أن هذا انحراف واضح في العقيدة، وسوء فهم للعقيدة الإسلامية الصحيحة.
انحراف آخر في العقيدة، أدى سوء فهم هذه القضية أيضاً إلى مفاسد كثيرة وحدث شرخ كبير في بناء الأمة، وهو عقيدة التوكل.
من الأمور التي أصابها تشويه أيضاً، مفهوم التوكل على الله، فقد فهم بعض أفراد المجتمع المسلم أن التوكل هو ترك الأخذ بالأسباب، مع أن هذا الأمر مخالف لدين الإسلام، ولو كان الأمر كذلك لطبقه سيد المتوكلين محمد صلى الـله عليه وسلم، فقد كان يأخذ بجميع الأسباب، فيتخذ للنصر عدته، وللسفر زاده، وللمرض دواءه، ويحث الصحابة على العمل والسعي في طلب الرزق.
ومن انحرافات فهم التوكل أيضاً. عدم التوكل على الله عز وجل التوكل الحقيقي في كل الأمور. فكم من المسلمين من يعتقد بأن رزقه في يد رئيسه في العمل. تجد بعض الموظفين مثلاً يعمل عملاً مخالفاً للنظام. ولو سألته لماذا؟ قال: لأن الرئيس طلب مني ذلك، ولو قلت له كيف تطيع رئيسك في أمر محرم ولا يجوز ويخالف النظام، لقال لك: إذا لم أفعل ما طلب، فسوف يقطع عليّ العلاوة، أو يفصلني من الوظيفة فيقطع رزقي. فأين صدق عقيدة التوكل على الله عز وجل. لقد ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى عند غالب المسلمين إلا من رحم ربي في كل شيء، وفي كل جانب. كم من المسلمين ومن الدول الإسلامية من يثقون بقوة أمريكا ويتوكلون عليها أكثر من ثقتهم بقوة الله عز وجل وتوكلهم عليه! كم من الدول من تعتمد كما يقال على الدول العظمى أكثر من اعتمادها على الله عز وجل. فأين عقيدة التوكل أيها الإخوة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)).
ولو قمنا ـ أيها الإخوة ـ بالتفصيل والتتبع لكثير من جزيئات العقيدة، لوجدنا سوء الفهم فيها.
فكيف بعد هذا لا يكون سوء فهم العقيدة من أخطر وأهم أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها. وليس هناك طريق ولا أمل للقضاء على هذا السبب إلا عن طريق العلم، لابد من تعلم العقيدة ودراسة العقيدة وفهم العقيدة، على الوجه الصحيح. لأن العقيدة هي أساس كل شيء، ولو اهتزت القاعدة، سقطت القمة ثم بعد ذلك سقط ممارستها وتطبيقها.
أسأل الله عز وجل أن يبصرنا في أمور ديننا ودنيانا وأن يأخذ بأيدينا، إنه خير مسئول.
اللهم من أراد المسلمين بسوء...
لى أن يسلكوا باباً واحداً لا ثاني له هو باب إثارة الغرائز؟ لا يا أيها الإخوة، لا أيها الإخوة، خذوا العبرة من العام الماضي وإياكم أن تدفعوا أمتكم إلى الوقوع في مصيبة أو فتنة أخرى.
رجال المال، رجال الأعمال أناشدهم الله ألا يجعلوا من النعمة التي أغدقها الله عليهم سكراً، أناشدهم الله ألا يجعلوا من الرشاوى سبيلاً للقفز فوق ضوابط الشريعة في المعاملة، فوق ضوابط القانونين المرعية في المعاملة، أناشدهم الله أن يؤدوا حقوق الله كاملة في أموالهم، المال يذهب والقيم والإيمان يبقى، إيمانك هو الذي ينجيك غداً، وفاؤك لحقوق الله في عنقك هو الذي يسعدك غداً.
الناس العاكفون على غيهم الذين يقطعون الليالي سهارى عاكفين على تغذية غرائزهم، شهواتهم، لا يعرفون معنى لأركان الإسلام وفي مقدمتها الصلاة، تمر السنة تلو السنة تلو السنة ولا يلتفت الواحد منهم إلى كتاب الله يمسكه يقرأ فيه آية، غريب عن كتابِ الله وكتابُ الله عز وجل غريب عنه.
أناشد هؤلاء الإخوة جميعاً – وأولهم كما قلت لكم الإخوة الأعزة الذين يعكفون على الفن وتحضير البرامج الفنية لرمضان – أناشدهم الله ألا يجعلوا من أنفسهم مصداق قول الله:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [لقمان : 6].
رجال المال والأعمال أناشدهم الله ألا يجعلوا من أنفسهم مصداق قول الله سبحانه وتعالى:
(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : 188].
إخواننا الذين يعكفون على سهراتهم التي تحجبهم عن هوياتهم وهم لا يعلمون متى يحين الحَيْنُ ويتخطفهم الموت، أناشدهم الله ألا يكونوا ممن قال الله عز وجل عنهم:
(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم : 59].
أيها الإخوة: هذا هو المنهج الذي بصَّرَنَا به كتاب الله وعلَّمَنَا إياه رسول الله.
عندما أكون أمام هؤلاء الإخوة ينبغي أن أذكرهم بالأمانة التي حُمِّلُوهَا، ينبغي أن أحدثهم عن الإصلاح المنوط بأعناقهم وأن أحذرهم من الفساد الذي يمكن أو يوقعوا أنفسهم فيه.
فإذا حانت الفرصة ويسَّرَ الله سبحانه وتعالى أن أرى نفسي أمام ثلة من إخواننا الذين ملَّكهم الله عز وجل قيادة هذه الأمة فلذلك حديث آخر، عندئذٍ ينبغي أن أحدثهم عن الأمانة المنوطة في أعناقهم، ينبغي أن أحدثهم عن الصلاح والإصلاح المنوطين بهم، ولكن معاكسة الأمر إن هي إلا عبثٌ ينبغي أن نتنزه عنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.
رجال المال، رجال الأعمال أناشدهم الله ألا يجعلوا من النعمة التي أغدقها الله عليهم سكراً، أناشدهم الله ألا يجعلوا من الرشاوى سبيلاً للقفز فوق ضوابط الشريعة في المعاملة، فوق ضوابط القانونين المرعية في المعاملة، أناشدهم الله أن يؤدوا حقوق الله كاملة في أموالهم، المال يذهب والقيم والإيمان يبقى، إيمانك هو الذي ينجيك غداً، وفاؤك لحقوق الله في عنقك هو الذي يسعدك غداً.
الناس العاكفون على غيهم الذين يقطعون الليالي سهارى عاكفين على تغذية غرائزهم، شهواتهم، لا يعرفون معنى لأركان الإسلام وفي مقدمتها الصلاة، تمر السنة تلو السنة تلو السنة ولا يلتفت الواحد منهم إلى كتاب الله يمسكه يقرأ فيه آية، غريب عن كتابِ الله وكتابُ الله عز وجل غريب عنه.
أناشد هؤلاء الإخوة جميعاً – وأولهم كما قلت لكم الإخوة الأعزة الذين يعكفون على الفن وتحضير البرامج الفنية لرمضان – أناشدهم الله ألا يجعلوا من أنفسهم مصداق قول الله:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [لقمان : 6].
رجال المال والأعمال أناشدهم الله ألا يجعلوا من أنفسهم مصداق قول الله سبحانه وتعالى:
(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : 188].
إخواننا الذين يعكفون على سهراتهم التي تحجبهم عن هوياتهم وهم لا يعلمون متى يحين الحَيْنُ ويتخطفهم الموت، أناشدهم الله ألا يكونوا ممن قال الله عز وجل عنهم:
(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم : 59].
أيها الإخوة: هذا هو المنهج الذي بصَّرَنَا به كتاب الله وعلَّمَنَا إياه رسول الله.
عندما أكون أمام هؤلاء الإخوة ينبغي أن أذكرهم بالأمانة التي حُمِّلُوهَا، ينبغي أن أحدثهم عن الإصلاح المنوط بأعناقهم وأن أحذرهم من الفساد الذي يمكن أو يوقعوا أنفسهم فيه.
فإذا حانت الفرصة ويسَّرَ الله سبحانه وتعالى أن أرى نفسي أمام ثلة من إخواننا الذين ملَّكهم الله عز وجل قيادة هذه الأمة فلذلك حديث آخر، عندئذٍ ينبغي أن أحدثهم عن الأمانة المنوطة في أعناقهم، ينبغي أن أحدثهم عن الصلاح والإصلاح المنوطين بهم، ولكن معاكسة الأمر إن هي إلا عبثٌ ينبغي أن نتنزه عنه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.
الفرق بين السلف الصالح وخلف اليوم
تاريخ خطبة الإمام البوطي في: 21/ 4/ 1995
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إنّ المسلمين من الرعيل الأول الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح الذين جاؤوا من بعدهم، خضعوا لهذا الدين الذي شرفنا الله سبحانه وتعالى به، فكان أن ساقهم الدين إلى حيث شاء الله سبحانه وتعالى لهم من العزة والمنعة والسؤدد والوحدة، ثم خلف من بعدهم خلفٌ انتسبوا هم الآخرون أيضاً إلى هذا الدين، ولكنهم أبَوْ إلّا أن يكونوا هم الذين يسوقون الدين إلى حيث يشاؤون، فكان أن اتخذوا من الدين مطيِّة لأهوائهم وسبيلاً لمبتغياتهم فانحطت بهم أهوائهم إلى الدرك الأسفل من الذل والمهانة ومن التفرق والشتات. وأنا أريد أن تلاحظوا فرق ما بين ذلك السّلف وهذا الخلف، أولئك استسلموا للدين الذي سار إلى حيث يشاء الله عز وجل، ونحن أخضعنا الدين إلى حيث ينبغي أن نسوقه بناءً على رغباتنا وشهواتنا وعصبياتنا وأهوائنا، والكل من سلفٍ وخلف في الظاهر منتسبون إلى هذا الدين ومتمسكون به، ولكن فرقٌ بين من يتمسك بالشيء منقاداً إليه وبين من يتمسك بالشيء ليجره إلى رغباته وأهوائه.
هذا هو فرق ما بين المسلمين اليوم والمسلمين بالأمس باختصار. ولكن لماذا كان هذا الفرق؟ لماذا كان إسلام أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم والسلف الصالح الذين جاؤوا من بعدهم مظهراً واضحاً لقول الله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ" كان واقعهم مظهراً لهذا الاستسلام؟ ولماذا آل أمرنا إلى حيث أصبحنا نحمل الإسلام على أن يستسلم لنا، نحمل الإسلام على أن يصبح مطية ذلولاً لنا ولأهوائنا؟. ما هو الفرق الذي دعا أولئك الناس أن يستسلموا لدين الله والذي دعانا نحن إلى أن نحمل إسلامنا أن يستسلم هو لمبتغياتنا وأهوائنا؟
الفرق شيء واحد أيها الأخوة هو أنّ ذلك الرعيل الأول أخلصوا لله عز وجل في الإسلام الذي اتجهوا بقلوبهم ووجوههم إليه، فكانوا منصاعين ومنقادين لقول الله سبحانه وتعالى: "قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يُوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً " أي لا يدع شيئاً ما يتسرب إلى مشاعره وقلبه ليكون شريكاً مع الله سبحانه وتعالى في السير على صراط الله عز وجل.
كانوا مظهراً للإنقياد لقول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين". والصدق تعبيرٌ آخر عن الإخلاص لدين الله عز وجل. لن يكون المؤمنُ صادقاً إلا إذا كان مخلصاً دينه لله، ولن يكون الإنسان مخلصاً إلا إذا كان صادقاً مع الله عز وجل في لسانه وبمشاعره.
كانوا مظهراً للإنقياد لقول الله سبحانه وتعالى: "وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" أخلصوا لله عز وجل واجتثوا حظوظ الناس واجتثوا الأهواء وانفصلوا عن العصبيات والأغراض كلها، حتى آلت قلوبهم إلى أن أصبحت أوعيةً نظيفةً طاهرةً من سائر الشوائب لتتجه إلى الله سبحانه وتعالى باليقين وبالحب والطواعية، ولذلك استسلموا لله سبحانه وتعالى استسلموا لدين الله سبحانه وتعالى، تركوا أنفسهم وأهوائهم وشهواتهم تنقاد لما يُرضي الله سبحانه وتعالى، فكانوا منقادين لدين الله سبحانه وتعالى ولم يكونوا مُسَيّرين لهذا الدين، ولذلك كانوا أُمناء على شرعه، كانوا أُمناء على عقائده لم يُغيروا لم يُبدلوا لم يُطوِّروا شيئاً من عقائدِ هذا الدين، لم يُبدلوا ولم يُطوروا شيئاً من الشرائع الثابتة المُستقرة في هذا الدين العظيم، وهذا معنى استسلامهم وإسلامهم كما قال الله عز وجل وجوههم أي كياناتهم لدين الله سبحانه وتعالى.
أمّا نحن فنحن في الظاهر مثلهم تماماً، ونحن في الشعارات نملك شعارات أكثر بريقاً منهم وأكثر ألقاً وأكثر ضخامةً، ونحن في الدعاوي ربما كنّا أسبق منهم، ولكن الذي نختلف به عنهم أنّ قلوبنا ليست صافيةً كصفاء قلوب أولئك الناس.
أهواؤنا هي المتغلبة على دوافع سلوكنا، عصبياتنا حظوظنا محبة الدنيا التي رانت على قلوبنا ... كل ذلك هو المهيمن على كياناتنا الداخلية الخفيّة، ولذلك فقد غدا صوت الإسلام خافتاً بين جوانحنا وبين هذه الأصوات المرتفعة الأخرى؛ لم نُخلص لله سبحانه وتعالى، تسرّبَ الرياء، تسربت الحظوظ، تسربت دواعي الشهوات والأهواء، تسربت العصبيات، فكنا جانحين وبعيدين عن الانضباط بقول الله سبحانه وتعالى: "فمن كان يرجو لقاء
تاريخ خطبة الإمام البوطي في: 21/ 4/ 1995
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إنّ المسلمين من الرعيل الأول الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح الذين جاؤوا من بعدهم، خضعوا لهذا الدين الذي شرفنا الله سبحانه وتعالى به، فكان أن ساقهم الدين إلى حيث شاء الله سبحانه وتعالى لهم من العزة والمنعة والسؤدد والوحدة، ثم خلف من بعدهم خلفٌ انتسبوا هم الآخرون أيضاً إلى هذا الدين، ولكنهم أبَوْ إلّا أن يكونوا هم الذين يسوقون الدين إلى حيث يشاؤون، فكان أن اتخذوا من الدين مطيِّة لأهوائهم وسبيلاً لمبتغياتهم فانحطت بهم أهوائهم إلى الدرك الأسفل من الذل والمهانة ومن التفرق والشتات. وأنا أريد أن تلاحظوا فرق ما بين ذلك السّلف وهذا الخلف، أولئك استسلموا للدين الذي سار إلى حيث يشاء الله عز وجل، ونحن أخضعنا الدين إلى حيث ينبغي أن نسوقه بناءً على رغباتنا وشهواتنا وعصبياتنا وأهوائنا، والكل من سلفٍ وخلف في الظاهر منتسبون إلى هذا الدين ومتمسكون به، ولكن فرقٌ بين من يتمسك بالشيء منقاداً إليه وبين من يتمسك بالشيء ليجره إلى رغباته وأهوائه.
هذا هو فرق ما بين المسلمين اليوم والمسلمين بالأمس باختصار. ولكن لماذا كان هذا الفرق؟ لماذا كان إسلام أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم والسلف الصالح الذين جاؤوا من بعدهم مظهراً واضحاً لقول الله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ" كان واقعهم مظهراً لهذا الاستسلام؟ ولماذا آل أمرنا إلى حيث أصبحنا نحمل الإسلام على أن يستسلم لنا، نحمل الإسلام على أن يصبح مطية ذلولاً لنا ولأهوائنا؟. ما هو الفرق الذي دعا أولئك الناس أن يستسلموا لدين الله والذي دعانا نحن إلى أن نحمل إسلامنا أن يستسلم هو لمبتغياتنا وأهوائنا؟
الفرق شيء واحد أيها الأخوة هو أنّ ذلك الرعيل الأول أخلصوا لله عز وجل في الإسلام الذي اتجهوا بقلوبهم ووجوههم إليه، فكانوا منصاعين ومنقادين لقول الله سبحانه وتعالى: "قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يُوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً " أي لا يدع شيئاً ما يتسرب إلى مشاعره وقلبه ليكون شريكاً مع الله سبحانه وتعالى في السير على صراط الله عز وجل.
كانوا مظهراً للإنقياد لقول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين". والصدق تعبيرٌ آخر عن الإخلاص لدين الله عز وجل. لن يكون المؤمنُ صادقاً إلا إذا كان مخلصاً دينه لله، ولن يكون الإنسان مخلصاً إلا إذا كان صادقاً مع الله عز وجل في لسانه وبمشاعره.
كانوا مظهراً للإنقياد لقول الله سبحانه وتعالى: "وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" أخلصوا لله عز وجل واجتثوا حظوظ الناس واجتثوا الأهواء وانفصلوا عن العصبيات والأغراض كلها، حتى آلت قلوبهم إلى أن أصبحت أوعيةً نظيفةً طاهرةً من سائر الشوائب لتتجه إلى الله سبحانه وتعالى باليقين وبالحب والطواعية، ولذلك استسلموا لله سبحانه وتعالى استسلموا لدين الله سبحانه وتعالى، تركوا أنفسهم وأهوائهم وشهواتهم تنقاد لما يُرضي الله سبحانه وتعالى، فكانوا منقادين لدين الله سبحانه وتعالى ولم يكونوا مُسَيّرين لهذا الدين، ولذلك كانوا أُمناء على شرعه، كانوا أُمناء على عقائده لم يُغيروا لم يُبدلوا لم يُطوِّروا شيئاً من عقائدِ هذا الدين، لم يُبدلوا ولم يُطوروا شيئاً من الشرائع الثابتة المُستقرة في هذا الدين العظيم، وهذا معنى استسلامهم وإسلامهم كما قال الله عز وجل وجوههم أي كياناتهم لدين الله سبحانه وتعالى.
أمّا نحن فنحن في الظاهر مثلهم تماماً، ونحن في الشعارات نملك شعارات أكثر بريقاً منهم وأكثر ألقاً وأكثر ضخامةً، ونحن في الدعاوي ربما كنّا أسبق منهم، ولكن الذي نختلف به عنهم أنّ قلوبنا ليست صافيةً كصفاء قلوب أولئك الناس.
أهواؤنا هي المتغلبة على دوافع سلوكنا، عصبياتنا حظوظنا محبة الدنيا التي رانت على قلوبنا ... كل ذلك هو المهيمن على كياناتنا الداخلية الخفيّة، ولذلك فقد غدا صوت الإسلام خافتاً بين جوانحنا وبين هذه الأصوات المرتفعة الأخرى؛ لم نُخلص لله سبحانه وتعالى، تسرّبَ الرياء، تسربت الحظوظ، تسربت دواعي الشهوات والأهواء، تسربت العصبيات، فكنا جانحين وبعيدين عن الانضباط بقول الله سبحانه وتعالى: "فمن كان يرجو لقاء
ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً". ومن ثمّ كنا جانحين بعيدين عن الانضباط بقول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" أي الصادقين مع الله فيما يدّعون، كونوا مع الصادقين مع الله فيما يعاهدون فيما يبايعون، لا تكوننّ حظوظكم بألسنتكم ثم تكون قلوبكم ملكاً لأهوائكم وملكاً لشهواتكم، فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة أننا تحايلنا على هذا الدين، حتى جعلناه ينساقُ هو وراء رغباتنا وشهواتنا وأهوائنا، تحايلنا عليه حتى اتخذنا منه مطية ذلولاً لأمانيّنا ورغباتنا. وهكذا فقد كان سبب هذا الفرق الكبير أنهم أخلصوا دينهم لله عز وجل فاستسلموا لسلطان الله وحكمه وكانوا أمناء فلم يُغيروا. أمّا نحن فقد استسلمنا لشهواتنا وأهوائنا ورغائبنا وحظوظنا، ودفعنا ذلك إلى أن نقود الإسلام بدلاً من أن ننقاد له، وكانت نتيجة هذه النتيجة أننا غيرنا ولم نبالي، وأمعنا في التغيير ولا نزال ولا نبالي، ونسينا أو تناسينا وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أوامر رب العالمين سبحانه وتعالى، وقول رسول الله في الحديث الصحيح المعروف يوم وقف قبيل وفاته بين القبور قائلاً: "السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ونحن بكم إن شاء الله لاحقون" ثم قال: "وددت لو أني رأيت إخواننا". فقال قائلٌ: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم أصحابي وإخواني أولئك الذين لم يلحقوا بعد وسأكون فرطاً لهم على الحوض" أي سأستقبلهم على الحوض. ثم قال: "ألا ليزادنّ رجالٌ عن حوضي" أي ليطردن رجالٌ عن حوضي " كما يُزاد البعير الضآل، فأقول: ألا هلم هلم. فيُقال: إنك لا تدري كم بدلوا من بعدك فأقول فسحقاً فسحقاً فسحقا".
أحسب أنّ هذا الذي يقوله المصطفى عليه الصلاة والسلام إنما ينحطُّ علينا وعلى أمثالنا. فها أنتم ترون كم بدلنا وكم غيرنا وكم نمعن في التبديل والتغيير، وما أكثر ما يُجلجل كثير من الناس بكلمة معروفة قالها أحد العلماء: حيثما وجدت المصلحة فثمّ شرع الله.
قالوا: تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان، شيء رقص له أصحاب الشهوات والأهواء، رقص له أصحاب الدنيا أولئك الذين يريدون أن يتحايلوا على الإسلام حتى يجروه إلى مغانيهم بدلاً من العكس، غطوا أنفسهم بهذا الكلام.
تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان، ولم يُحمِّلوا أنفسهم مسؤولية فهم هذه الكلمة، بأي قانون تتبدل الأحكام إذا تبدلت الأزمان، وبأي دافع؟ ومن الذي يشرح هذا القانون وهذا الدافع؟ وهل هي أحكامٌ تتحولُ دائماً من الشدة إلى التخفيف!؟ تتحول دائماً من الحرمة إلى الرخصة والإباحة كما يفهمه أصحاب الرعونات والأهواء في هذا الوقت؟ أم إن هذا التبدل كما يتم بهذه الصورة يتم أيضاً بالانتقال من المباح إلى الحرام، بالانتقال من الجواز إلى المنع؟ هذا واردٌ وذاك وارد ولكل ذلك دستور ولكل ذلك قانونٌ وميزان، وإنما يُرجع في قانونه وميزانه إلى حُرّاس هذا الدين الذين أخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى. ذلك هو داؤنا أيها الأخوة أننا فقدنا الإخلاص لله.
وكأني بكم تسألون: فما العلاج الذي يُعيد إلينا نعمة هذا الإخلاص وكيف السبيل إلى ذلك؟ إنّ الحديث عن هذا العلاج طويل أيها الأخوة، ولكن بوسعي أن أقول لنفسي ولكم شيئاً واحداً: كلما ازداد الإنسان بخياله وشعوره قُرباً من الموت، كلما ازداد قرباً من الإخلاص لله عز وجل، وكلما ازداد شعوره بلذة الإخلاص لله سبحانه وتعالى. وكلما ابتعد الإنسان بخياله عن الموت ووضع بينه وبينه حواجز الأماني والأحلام، كلما ابتعد عن الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
فمن شاء أن يُخلص لله فليُغمض عينيه وليتصور أن الموت يطرُقُ بابه أو كاد أن يطرُق، وليتصور أن أمانيه وأحلامه من هذه الدنيا طُويت وأنه قد حان تحوله من هذه الدنيا إلى لقاء الله عز وجل وليعد بعد ذلك إلى قلبه، لسوف يجد أن الإخلاص لدين الله قد استيقظ بين جوانحه، ولسوف يجد أن الشهوات، الحظوظ، العصبيات، الأهواء، كل ذلك قد خفت، وجلجل صوتٌ واحدٌ في سويداء قلبه ألا وهو صوت التحذير من المآل، الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
والإنسان لا يعلم متى يحين حينه، ما ينبغي أن يخدع نفسه بأيام الشباب أو بمرحلة القوة والنشاط، فالموت لا يعلم فرقاً بين شابٍ وشيخ، بين قويٍ وضعيفٍ أبداً الموت يتصيّدُ الناس ويلتقطهم حسب قرار الله الخفي الذي لا يعرفه أحد " فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعةً ولا يستأخرون ".
إذا وضع الإنسان الموت نُصب عينيه ذابت الدنيا في قلبه، وإذا أبعد الإنسان الموت عن عينيه هيمنت الدنيا على قلبه هذا هو مختصر الدواء. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل الموت نُصب أعيننا دائماً حتى نكون متحررين بذلك عن دنيانا وشهواتنا وأهوائنا وحتى نذوق بعد ذلك طعم الإخلاص لوجه الله سبحانه وتعالى. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
كانت النتيجة أننا تحايلنا على هذا الدين، حتى جعلناه ينساقُ هو وراء رغباتنا وشهواتنا وأهوائنا، تحايلنا عليه حتى اتخذنا منه مطية ذلولاً لأمانيّنا ورغباتنا. وهكذا فقد كان سبب هذا الفرق الكبير أنهم أخلصوا دينهم لله عز وجل فاستسلموا لسلطان الله وحكمه وكانوا أمناء فلم يُغيروا. أمّا نحن فقد استسلمنا لشهواتنا وأهوائنا ورغائبنا وحظوظنا، ودفعنا ذلك إلى أن نقود الإسلام بدلاً من أن ننقاد له، وكانت نتيجة هذه النتيجة أننا غيرنا ولم نبالي، وأمعنا في التغيير ولا نزال ولا نبالي، ونسينا أو تناسينا وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أوامر رب العالمين سبحانه وتعالى، وقول رسول الله في الحديث الصحيح المعروف يوم وقف قبيل وفاته بين القبور قائلاً: "السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ونحن بكم إن شاء الله لاحقون" ثم قال: "وددت لو أني رأيت إخواننا". فقال قائلٌ: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم أصحابي وإخواني أولئك الذين لم يلحقوا بعد وسأكون فرطاً لهم على الحوض" أي سأستقبلهم على الحوض. ثم قال: "ألا ليزادنّ رجالٌ عن حوضي" أي ليطردن رجالٌ عن حوضي " كما يُزاد البعير الضآل، فأقول: ألا هلم هلم. فيُقال: إنك لا تدري كم بدلوا من بعدك فأقول فسحقاً فسحقاً فسحقا".
أحسب أنّ هذا الذي يقوله المصطفى عليه الصلاة والسلام إنما ينحطُّ علينا وعلى أمثالنا. فها أنتم ترون كم بدلنا وكم غيرنا وكم نمعن في التبديل والتغيير، وما أكثر ما يُجلجل كثير من الناس بكلمة معروفة قالها أحد العلماء: حيثما وجدت المصلحة فثمّ شرع الله.
قالوا: تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان، شيء رقص له أصحاب الشهوات والأهواء، رقص له أصحاب الدنيا أولئك الذين يريدون أن يتحايلوا على الإسلام حتى يجروه إلى مغانيهم بدلاً من العكس، غطوا أنفسهم بهذا الكلام.
تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان، ولم يُحمِّلوا أنفسهم مسؤولية فهم هذه الكلمة، بأي قانون تتبدل الأحكام إذا تبدلت الأزمان، وبأي دافع؟ ومن الذي يشرح هذا القانون وهذا الدافع؟ وهل هي أحكامٌ تتحولُ دائماً من الشدة إلى التخفيف!؟ تتحول دائماً من الحرمة إلى الرخصة والإباحة كما يفهمه أصحاب الرعونات والأهواء في هذا الوقت؟ أم إن هذا التبدل كما يتم بهذه الصورة يتم أيضاً بالانتقال من المباح إلى الحرام، بالانتقال من الجواز إلى المنع؟ هذا واردٌ وذاك وارد ولكل ذلك دستور ولكل ذلك قانونٌ وميزان، وإنما يُرجع في قانونه وميزانه إلى حُرّاس هذا الدين الذين أخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى. ذلك هو داؤنا أيها الأخوة أننا فقدنا الإخلاص لله.
وكأني بكم تسألون: فما العلاج الذي يُعيد إلينا نعمة هذا الإخلاص وكيف السبيل إلى ذلك؟ إنّ الحديث عن هذا العلاج طويل أيها الأخوة، ولكن بوسعي أن أقول لنفسي ولكم شيئاً واحداً: كلما ازداد الإنسان بخياله وشعوره قُرباً من الموت، كلما ازداد قرباً من الإخلاص لله عز وجل، وكلما ازداد شعوره بلذة الإخلاص لله سبحانه وتعالى. وكلما ابتعد الإنسان بخياله عن الموت ووضع بينه وبينه حواجز الأماني والأحلام، كلما ابتعد عن الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
فمن شاء أن يُخلص لله فليُغمض عينيه وليتصور أن الموت يطرُقُ بابه أو كاد أن يطرُق، وليتصور أن أمانيه وأحلامه من هذه الدنيا طُويت وأنه قد حان تحوله من هذه الدنيا إلى لقاء الله عز وجل وليعد بعد ذلك إلى قلبه، لسوف يجد أن الإخلاص لدين الله قد استيقظ بين جوانحه، ولسوف يجد أن الشهوات، الحظوظ، العصبيات، الأهواء، كل ذلك قد خفت، وجلجل صوتٌ واحدٌ في سويداء قلبه ألا وهو صوت التحذير من المآل، الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
والإنسان لا يعلم متى يحين حينه، ما ينبغي أن يخدع نفسه بأيام الشباب أو بمرحلة القوة والنشاط، فالموت لا يعلم فرقاً بين شابٍ وشيخ، بين قويٍ وضعيفٍ أبداً الموت يتصيّدُ الناس ويلتقطهم حسب قرار الله الخفي الذي لا يعرفه أحد " فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعةً ولا يستأخرون ".
إذا وضع الإنسان الموت نُصب عينيه ذابت الدنيا في قلبه، وإذا أبعد الإنسان الموت عن عينيه هيمنت الدنيا على قلبه هذا هو مختصر الدواء. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل الموت نُصب أعيننا دائماً حتى نكون متحررين بذلك عن دنيانا وشهواتنا وأهوائنا وحتى نذوق بعد ذلك طعم الإخلاص لوجه الله سبحانه وتعالى. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
سنن الله في عباده إذا كثر فيهم الخبث
تاريخ خطبة الإمام الشهيد البوطي: 19/4/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إن الإنسان مهما فوجئ بالأحداث المؤسفة أو المؤلمة لن يجد فيها لغزاً غير مفسرٍ على ضوء إيمانه بالله عز وجل، بل لسوف يجد كل هذه الأحداث التي يراها من حوله خاضعةً لسنن الله سبحانه وتعالى في عباده، والإنسان المسلم إنما يكتشف هذه السنن ويتعلمها من كتاب الله عز وجل، لا من التاريخ البشري ولا من واقع المصائب أو الرزايا أو الوقائع البشرية الماضية.
لو كان التاريخ وحده بياناً لسنن الله في عباده؛ لأغنانا ذلك عن تنزل خطاب الله سبحانه وتعالى وحياً من السماء، فمهما رأى المسلم في هذا العصر أو في غير هذا العصر من الأمور التي تستجد من حوله خيراً كانت أو شراً، فإن ذلك كله داخلٌ بدقة في سنن الله وقوانينه التي يجريها على عباده، ونحن عندما نستعرض هذه السنن الكونية ونطبق الواقع عليها نجد فيها المزيد على إعجاز البيان الإلهي، وعلى أن هذا الكلام الرباني منزل ٌ من علياء الربوبية وليس نابعاً من أرض البشرية قط.
من السنن الكونية قول الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" هذا قانونٌ من قوانين الله عز وجل في عباده، وهو قانونٌ ماضٍ إلى يوم القيامة.
ولكن مهلاً أيها الإخوة إلى جانبه قانونٌ آخر يُقيده ويضبطه ومن ثم فهو يتممه، هو قول الله عز وجل بعد ذلك: "لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"، قرار الله عز وجل الأول ماضٍ في عباده إلى يوم القيامة، فالكافرون الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله سينفقونها، ولكنها ستكون حسرةً عليهم وسيُغلبون، ولكن مع ملاحظة القانون الثاني: "لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" أي هذا عندما يكون في المجتمع خبيث وإلى جانبه طيب، عندما يكون فريقٌ من الناس يمثلون خبث الإنسانية وشذوذها ويكون إلى جانب ذلك أناسٌ يمثلون طيب الإنسانية واستقامتها على صراط الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل لابد أن ينتصر للطيب على الخبيث، ولا بد أن يركم الخبيث بعضه على بعض ويُهيئه وقوداً لجهنم.
ينبغي أن نعلم هذه السنة الربانية الثانية، ومعنى هذا أن الطيب إذا آل إلى أن يصبح هو الآخر خبيثاً، إذا أصاب الطيب عدوى الخبيث وانتشر الخبث بين الطائفة الطيبة وعادت الطائفة التي وصفها الله عز وجل بأنها طيبة، عادت تركن إلى الخبث وأسبابه، وتنحط إلى أرض السيئات والملهيات، وتتفنن كما يتفنن الآخرون في خبثهم، فإن السُنة الأولى لم يعد لها مناخٌ للتطبيق، ذلك لأن الكافرين لابد أن يُغلبوا يخسرون المال الذي ينفقون ويخسرون الهدف الذي يطمحون إليه، ويكون ذلك كله حسرةً كاوية على أفئدتهم لكن في سبيل ماذا؟ في سبيل الفئة الطيبة التي ثبتت على الحق وجالدت في الثبات على صراط الله سبحانه وتعالى.
فأما إذا رأينا هذه الفئة الطيبة وقد أصابتها العدوى - كما قلت لكم - وانحرفت انحراف أولئك الخبيثين، فلم يعد هؤلاء الناس الذي وصفهم الله عز وجل بالطيب، لم يعودوا يعتزون بالشرف الذي ميزهم الله به، لم يعودوا يعتزون بالدين الذي رفع الله شأوهم إليه، لم يعودوا يلتزمون بالنهج الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لهم، لم يعودوا يدركون قيمةً لقول الله عز وجل: "وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا" لم يعودوا يقيمون وزناً لقول الله عز وجل: "لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" إلى آخر الآية، عندما يؤول الأمر إلى هذا تغيب الفئة الطيبة، وإذا غابت الفئة الطيبة أصبح مسرح الأحداث حبيساً للخبث والخبيثات والخبيثين.
فما قيمة القانون الأول إذاً؟ لا مجال لتطبيقه في هذه الحال.
ليت أن المسلمين أيها الإخوة يُسقطون هذه السنن الربانية التي نتلوها في كتاب الله عز وجل صباح مساء على الوقائع التي نراها كل يومٍ من حولنا، إذاً لما عجبنا ولما تسائلنا ولما ارتابت عقولنا أو قلوبنا في عدالة الله سبحانه وتعالى.
كلنا نأسى أيها الإخوة لهذا
تاريخ خطبة الإمام الشهيد البوطي: 19/4/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إن الإنسان مهما فوجئ بالأحداث المؤسفة أو المؤلمة لن يجد فيها لغزاً غير مفسرٍ على ضوء إيمانه بالله عز وجل، بل لسوف يجد كل هذه الأحداث التي يراها من حوله خاضعةً لسنن الله سبحانه وتعالى في عباده، والإنسان المسلم إنما يكتشف هذه السنن ويتعلمها من كتاب الله عز وجل، لا من التاريخ البشري ولا من واقع المصائب أو الرزايا أو الوقائع البشرية الماضية.
لو كان التاريخ وحده بياناً لسنن الله في عباده؛ لأغنانا ذلك عن تنزل خطاب الله سبحانه وتعالى وحياً من السماء، فمهما رأى المسلم في هذا العصر أو في غير هذا العصر من الأمور التي تستجد من حوله خيراً كانت أو شراً، فإن ذلك كله داخلٌ بدقة في سنن الله وقوانينه التي يجريها على عباده، ونحن عندما نستعرض هذه السنن الكونية ونطبق الواقع عليها نجد فيها المزيد على إعجاز البيان الإلهي، وعلى أن هذا الكلام الرباني منزل ٌ من علياء الربوبية وليس نابعاً من أرض البشرية قط.
من السنن الكونية قول الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" هذا قانونٌ من قوانين الله عز وجل في عباده، وهو قانونٌ ماضٍ إلى يوم القيامة.
ولكن مهلاً أيها الإخوة إلى جانبه قانونٌ آخر يُقيده ويضبطه ومن ثم فهو يتممه، هو قول الله عز وجل بعد ذلك: "لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"، قرار الله عز وجل الأول ماضٍ في عباده إلى يوم القيامة، فالكافرون الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله سينفقونها، ولكنها ستكون حسرةً عليهم وسيُغلبون، ولكن مع ملاحظة القانون الثاني: "لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" أي هذا عندما يكون في المجتمع خبيث وإلى جانبه طيب، عندما يكون فريقٌ من الناس يمثلون خبث الإنسانية وشذوذها ويكون إلى جانب ذلك أناسٌ يمثلون طيب الإنسانية واستقامتها على صراط الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل لابد أن ينتصر للطيب على الخبيث، ولا بد أن يركم الخبيث بعضه على بعض ويُهيئه وقوداً لجهنم.
ينبغي أن نعلم هذه السنة الربانية الثانية، ومعنى هذا أن الطيب إذا آل إلى أن يصبح هو الآخر خبيثاً، إذا أصاب الطيب عدوى الخبيث وانتشر الخبث بين الطائفة الطيبة وعادت الطائفة التي وصفها الله عز وجل بأنها طيبة، عادت تركن إلى الخبث وأسبابه، وتنحط إلى أرض السيئات والملهيات، وتتفنن كما يتفنن الآخرون في خبثهم، فإن السُنة الأولى لم يعد لها مناخٌ للتطبيق، ذلك لأن الكافرين لابد أن يُغلبوا يخسرون المال الذي ينفقون ويخسرون الهدف الذي يطمحون إليه، ويكون ذلك كله حسرةً كاوية على أفئدتهم لكن في سبيل ماذا؟ في سبيل الفئة الطيبة التي ثبتت على الحق وجالدت في الثبات على صراط الله سبحانه وتعالى.
فأما إذا رأينا هذه الفئة الطيبة وقد أصابتها العدوى - كما قلت لكم - وانحرفت انحراف أولئك الخبيثين، فلم يعد هؤلاء الناس الذي وصفهم الله عز وجل بالطيب، لم يعودوا يعتزون بالشرف الذي ميزهم الله به، لم يعودوا يعتزون بالدين الذي رفع الله شأوهم إليه، لم يعودوا يلتزمون بالنهج الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لهم، لم يعودوا يدركون قيمةً لقول الله عز وجل: "وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا" لم يعودوا يقيمون وزناً لقول الله عز وجل: "لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" إلى آخر الآية، عندما يؤول الأمر إلى هذا تغيب الفئة الطيبة، وإذا غابت الفئة الطيبة أصبح مسرح الأحداث حبيساً للخبث والخبيثات والخبيثين.
فما قيمة القانون الأول إذاً؟ لا مجال لتطبيقه في هذه الحال.
ليت أن المسلمين أيها الإخوة يُسقطون هذه السنن الربانية التي نتلوها في كتاب الله عز وجل صباح مساء على الوقائع التي نراها كل يومٍ من حولنا، إذاً لما عجبنا ولما تسائلنا ولما ارتابت عقولنا أو قلوبنا في عدالة الله سبحانه وتعالى.
كلنا نأسى أيها الإخوة لهذا
البلاء الذي تدور رحاه على أناسٍ برئاء آمنين نساء أطفال لاشأن لهم بخصامٍ بين طرف وطرف قط، همجية ما مثلها ووحشية لا تتدانى إليها وحشية الحيوانات الهمجية في الأدغال، كلنا يأسى لهذا، ولكن ينبغي أن نعلم أنه لا يوجد شذوذٌ في وقائع الكون عن سنن الله سبحانه وتعالى. أفكان من مقتضى هذه السنن أن يسلط الله عز وجل إرهاب هؤلاء الغاصبين ووحشيتهم القذرة على الأمناء الآمنين على المسلمين لولا أن الفئة التي كانت إلى الأمس القريب فئةً طيبة إندلقت إلى هاوية الخبث؟! أفكان لهذا الذي نراه اليوم أن نراه لولا أن هامات وقامات كانت إلى الأمس القريب تُظهر تمثيلاً أو حقيقةً أنها صامدةٌ أمام الحق وأنها لم تمد يداً إلى العدو المشترك الغاصب للديار، الحاقد على المبادئ والقيم، الذي يستشري الظلم بين عينيه، ويضع المطامح لامتلاك هذه الأراضي الإسلامية المقدسة كلها.
كانوا يجاهرون ويقسمون أن يداً منهم لن تمتد إلى مصافحة هؤلاء الناس ولا إلى مبايعتهم وإلى مصالحتهم، وإذا بالقامات والهامات التي كانت إلى الأمس القريب تصطنع الارتفاع إذا بها اليوم بين راكعة وساجدة في سبيل ماذا؟ لا أرض استعيدت، ولا حقٌ عاد إلى أصحابه، ولا القدس المقدسة المطهرة عادت إلى المسلمين. بل العدو كان ولا يزال يُنذر ويتوعد ويُذكر أبناءه وأحفاده بالخطة بالخارطة التي ينبغي أن يمتلكها من أرض هذه الأمة وتراثها.
انحنت الرؤوس بين راكعٍ وساجدٍ كما قلت لكم، وعاد العدو المشترك صديقاً حميماً، وعاد هؤلاء الإخوة الذين كانوا عضداً للمسلمين بحسب الظاهر إلى الأمس القريب عادوا عضداً إلى هذا العدو المشترك اليوم.
عندما تحول الطيب إلى الخبيث، وعندما اختلط الحابل بالنابل كما يقول المثل العربي، هل تستطيع أن تتفقد المناخ للقرار الأول الرباني الذي يقول فيه الله عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ" في سبيل من يُغلبون؟ في سبيل الفئة الطيبة. أين هي الفئة الطيبة؟ أين هي الفئة الطيبة أيها الإخوة حدثوني؟
إن الإنسان ليأسى لا من هذا البلاء، فما يصيب الإنسان إلا ما قد كُتب لهم وكل أجلٍ بكتاب، إنما البلاء الأطم والمصيبة الأدهى أن في الناس من كانوا يعتزون بنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يخجلون اليوم من أن يطووا شرف هذه النسبة، ثم يجعل الواحد منهم نفسه خادماً ذليلاً لطغيان أولئك الطغاة الأقزام، لطغيان هؤلاء الذين أخذوا الأرض والدار والحقوق ولا يزالون يهددون بأخذ المزيد. هذا هو البلاء الذي أثمر هذا البلاء الذي تسمعون عنه بالأمس الدابر وقبل الأمس. أرأيتم إلى سنة الله سبحانه وتعالى في عباده أيها الإخوة.
إن الله عز وجل علم وهو علّام الغيوب وهو الحكيم الخبير أن هذه الأسرة الإنسانية لا تصلح لها أي قيادة إلا قيادة هابطة من سماء الله عزوجل إلا قيادةٌ هابطةٌ من تعليمات الله سبحانه وتعالى، فإذا انبتت التعليمات الإلهية عن هذه الأسرة الإنسانية تحولت هذه الأسرة الإنسانية إلى وحوش ضارية بل إلى ما يشبه كلاباً استكلبت. هذا هو الواقع لذا فقد كان الشرط الأساسي لصلاح هذه الأسرة أن ينجد الله عباده بهذا النظام الذي اختاره لهم وأن يستنجد العباد بهذا الحبل الرباني الذي أنزله عليهم.
ولما انقطعت صلة ما بين الأرض والسماء، ولما أعرض حتى المسلمون عن إسلامهم وغدا الكثير من المسلمين يكتبون المؤلفات والمقالات في تحطيم الإسلام، وغدو عملاء لأعداء دين الله سبحانه وتعالى بأثمانٍ رخيصة ليُحطم الإسلام كما يشاء سادتهم كتاباتٍ وكلماتٍ وندوات ومحاضرات وهم مسلمون. كان لابد أن يُسلط على الأسرة الإنسانية وحوشٌ بشرية، لابد. هذه الوحوش البشرية طبعاً لن تُريك منها مخالب ولا أنياب، لأنهم أدهى من الوحوش الطبيعيين، هؤلاء الوحوش البشريون يُرونك من أنفسهم الدبلوماسية الرائعة والبسمات المسكرة ويلقون الكلمات الطويلة الطنانة عن الإرهاب والتحذير من الإرهاب والسلام وضرورة السير في سبل السلام وما إلى ذلك، غطاء يُغطون به أنيابهم التي تبلغ خطورتها أضعاف أنياب السباع المسالمة الذليلة الضعيفة في الأدغال، وتبلغ مخالبها التي تظل تقطر دماءً أضعاف طول تلك المخالب الأخرى، لكنها مغطاة بهذا الكلام. تجدون هذه الكلمات هناك بدءاً من أقصى أمريكا إلى أقصى الشرق المحاربٍ لدين الله سبحانه وتعالى إلى اليوم.
أجل هذا الواقع الذي ترون نتيجة لانقطاع صلة العبد الإنساني بالله سبحانه وتعالى، ولذلك فالإنسان اليوم يسمع كلمات كثيرة عن الإرهاب وما يتعلق بالإرهاب، وهؤلاء الذين يُحذرون عن الإرهاب هم شر الوحوش التي استطاع التاريخ أن يرصد وجودها في تاريخ الإنسانية منذ فجر الوجود الإنساني إلى اليوم.
أجل أيها الإخوة أن يتسلل العدو إلى الدار ويُخرج صاحبها من الدار، ثم يجلس جاثماً في الدار، ثم يركن إلى كل ما في الدار من ممتلكات وأثاث ونحو ذلك غير مبالٍ بجريمة الاغتصاب التي ارتك
كانوا يجاهرون ويقسمون أن يداً منهم لن تمتد إلى مصافحة هؤلاء الناس ولا إلى مبايعتهم وإلى مصالحتهم، وإذا بالقامات والهامات التي كانت إلى الأمس القريب تصطنع الارتفاع إذا بها اليوم بين راكعة وساجدة في سبيل ماذا؟ لا أرض استعيدت، ولا حقٌ عاد إلى أصحابه، ولا القدس المقدسة المطهرة عادت إلى المسلمين. بل العدو كان ولا يزال يُنذر ويتوعد ويُذكر أبناءه وأحفاده بالخطة بالخارطة التي ينبغي أن يمتلكها من أرض هذه الأمة وتراثها.
انحنت الرؤوس بين راكعٍ وساجدٍ كما قلت لكم، وعاد العدو المشترك صديقاً حميماً، وعاد هؤلاء الإخوة الذين كانوا عضداً للمسلمين بحسب الظاهر إلى الأمس القريب عادوا عضداً إلى هذا العدو المشترك اليوم.
عندما تحول الطيب إلى الخبيث، وعندما اختلط الحابل بالنابل كما يقول المثل العربي، هل تستطيع أن تتفقد المناخ للقرار الأول الرباني الذي يقول فيه الله عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ" في سبيل من يُغلبون؟ في سبيل الفئة الطيبة. أين هي الفئة الطيبة؟ أين هي الفئة الطيبة أيها الإخوة حدثوني؟
إن الإنسان ليأسى لا من هذا البلاء، فما يصيب الإنسان إلا ما قد كُتب لهم وكل أجلٍ بكتاب، إنما البلاء الأطم والمصيبة الأدهى أن في الناس من كانوا يعتزون بنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يخجلون اليوم من أن يطووا شرف هذه النسبة، ثم يجعل الواحد منهم نفسه خادماً ذليلاً لطغيان أولئك الطغاة الأقزام، لطغيان هؤلاء الذين أخذوا الأرض والدار والحقوق ولا يزالون يهددون بأخذ المزيد. هذا هو البلاء الذي أثمر هذا البلاء الذي تسمعون عنه بالأمس الدابر وقبل الأمس. أرأيتم إلى سنة الله سبحانه وتعالى في عباده أيها الإخوة.
إن الله عز وجل علم وهو علّام الغيوب وهو الحكيم الخبير أن هذه الأسرة الإنسانية لا تصلح لها أي قيادة إلا قيادة هابطة من سماء الله عزوجل إلا قيادةٌ هابطةٌ من تعليمات الله سبحانه وتعالى، فإذا انبتت التعليمات الإلهية عن هذه الأسرة الإنسانية تحولت هذه الأسرة الإنسانية إلى وحوش ضارية بل إلى ما يشبه كلاباً استكلبت. هذا هو الواقع لذا فقد كان الشرط الأساسي لصلاح هذه الأسرة أن ينجد الله عباده بهذا النظام الذي اختاره لهم وأن يستنجد العباد بهذا الحبل الرباني الذي أنزله عليهم.
ولما انقطعت صلة ما بين الأرض والسماء، ولما أعرض حتى المسلمون عن إسلامهم وغدا الكثير من المسلمين يكتبون المؤلفات والمقالات في تحطيم الإسلام، وغدو عملاء لأعداء دين الله سبحانه وتعالى بأثمانٍ رخيصة ليُحطم الإسلام كما يشاء سادتهم كتاباتٍ وكلماتٍ وندوات ومحاضرات وهم مسلمون. كان لابد أن يُسلط على الأسرة الإنسانية وحوشٌ بشرية، لابد. هذه الوحوش البشرية طبعاً لن تُريك منها مخالب ولا أنياب، لأنهم أدهى من الوحوش الطبيعيين، هؤلاء الوحوش البشريون يُرونك من أنفسهم الدبلوماسية الرائعة والبسمات المسكرة ويلقون الكلمات الطويلة الطنانة عن الإرهاب والتحذير من الإرهاب والسلام وضرورة السير في سبل السلام وما إلى ذلك، غطاء يُغطون به أنيابهم التي تبلغ خطورتها أضعاف أنياب السباع المسالمة الذليلة الضعيفة في الأدغال، وتبلغ مخالبها التي تظل تقطر دماءً أضعاف طول تلك المخالب الأخرى، لكنها مغطاة بهذا الكلام. تجدون هذه الكلمات هناك بدءاً من أقصى أمريكا إلى أقصى الشرق المحاربٍ لدين الله سبحانه وتعالى إلى اليوم.
أجل هذا الواقع الذي ترون نتيجة لانقطاع صلة العبد الإنساني بالله سبحانه وتعالى، ولذلك فالإنسان اليوم يسمع كلمات كثيرة عن الإرهاب وما يتعلق بالإرهاب، وهؤلاء الذين يُحذرون عن الإرهاب هم شر الوحوش التي استطاع التاريخ أن يرصد وجودها في تاريخ الإنسانية منذ فجر الوجود الإنساني إلى اليوم.
أجل أيها الإخوة أن يتسلل العدو إلى الدار ويُخرج صاحبها من الدار، ثم يجلس جاثماً في الدار، ثم يركن إلى كل ما في الدار من ممتلكات وأثاث ونحو ذلك غير مبالٍ بجريمة الاغتصاب التي ارتك
بها، غير مبالٍ بتشرد أصحاب الدار من دارهم، هذا عملٌ إنساني رائع وينبغي أن تركع له هيئة الأمم المتحدة وينبغي أن تتوالى إعلانات الفيتو إثر الفيتو إثر الفيتو في سبيل ذلك. وأما أن ينادي المظلوم الشارد من داره بالويل والثبور، وأما أن يطرق باب داره يُلح على الغاصب أن يخرج، وأما أن يستعمل حقه في الدفاع عن حقه وينادي العالم كله ألا أنجدوني فأنا المظلوم المحق، هذا هو الإرهاب، هذا هو الإرهاب الذي ينبغي أن تقطع أوصاله. أي إنسان وعى مثل هذا الأمر في التاريخ ثم لم يذهل عجباً.
ولقد قلت وأقول: إن هذا الواقع الذي تجسده أمريكا في بادء الأمر والتي تزعم أنها تريد أن تقود العالم ولن تستطيع ذلك ولن تجد إلى ذلك من سبيل، هذا الواقع أشبه ما يكون برجلٍ ذي عين حولاء، ينظر بعينه الحولاء إلى اليمين المظلوم فينحط إلى الشمال الظالم لأنه ينظر بعين حولاء.
أتتصورون هذا الواقع أيها الإخوة هذا الرجل الأحول مظلوم لأن مرضاً يجعله يرى الأمر يقع يميناً فينحط عليه يساراً، أما الذي يتحاول ومابه من حول أما الذي يرى اليمين شمالاً والشمال يميناً وهو قادر على أن يرى الأمور بشكلها السوي، فإنها جريمة ما بعدها جريمة. ومع ذلك فأنا لا أقول هذا الكلام لكي أتعجب من حكم الله وقراره لماذا سُلّط علينا هذا البغي الإرهابي الشنيع؟ لا. أقول هذا لأزداد يقيناً بسنة الله سبحانه وتعالى.
دفاع الله عن هذه الأمة مستمر عندما يستمر الطيب فيها، فإذا تحول الطيب إلى خبيث بشكلٍ أو بآخر وإذا عاد الطيب قلة يسيرة يسيرة ثم يسيرة فإن سنةً أخرى لابد أن تحيق بنا نعم: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً" ينبغي أن ندرك هذه الأمور لنزداد ثقةً بمولانا وخالقنا أيها الإخوة.
والبلاء الأطم الذي أكرره ثم أكرره يتعلق بتلك الفئات التي تزعم بأنها فئات إسلامية، كنت إلى الأمس القريب أصفها بالإسلامية أما اليوم فأصفها بأنها تزعم بأنها إسلامية، مالها تصمت صمت الموت، مالها لا تتكلم لتعلن عن الباطل الذي جر علينا هذا البلاء المستشري الذي يدور رحاه على الآمنين من جيراننا مالهم يعيشون في أحضان أولئك الذين يصافحون العدو المشترك ثم لا يقولون كلمة حق، لايستطيعون أن يقولوا ذلك لأنهم في أحضان أولئك الذين باعوا الشرف والدين. إذاً ما لهم لا يقولون كلمة حق يعلنون من خلالها أن هذه القلة في هذه البلدة لاتزال صامدةً على دين الله! ينبغي أن تُشجع، ينبغي أن تجد من يكلؤها بعين العناية حتى تزداد استمراراً على هذا الثبات، وحتى تزداد الأرض صلابةً تحت قدميها مالها وقد وعت قول الله عز وجل: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" مالهم لا يصدرون بيان الناطق الذي يعلن بأن الظلام الذي أطبق على بلادنا العربية كلها التي تحيط بهذا العدو المشترك لم يبقى في أرجاءه إلا بصيص نور واحد.
فيا أيها الناس تعاونوا جميعاً للإبقاء على هذا البصيص حتى لا تأتي رياحٌ تقطع دابر هذه البقية من الضياء أيضاً. مال الشيطان قد أخرس ألسن هؤلاء الناس.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
ولقد قلت وأقول: إن هذا الواقع الذي تجسده أمريكا في بادء الأمر والتي تزعم أنها تريد أن تقود العالم ولن تستطيع ذلك ولن تجد إلى ذلك من سبيل، هذا الواقع أشبه ما يكون برجلٍ ذي عين حولاء، ينظر بعينه الحولاء إلى اليمين المظلوم فينحط إلى الشمال الظالم لأنه ينظر بعين حولاء.
أتتصورون هذا الواقع أيها الإخوة هذا الرجل الأحول مظلوم لأن مرضاً يجعله يرى الأمر يقع يميناً فينحط عليه يساراً، أما الذي يتحاول ومابه من حول أما الذي يرى اليمين شمالاً والشمال يميناً وهو قادر على أن يرى الأمور بشكلها السوي، فإنها جريمة ما بعدها جريمة. ومع ذلك فأنا لا أقول هذا الكلام لكي أتعجب من حكم الله وقراره لماذا سُلّط علينا هذا البغي الإرهابي الشنيع؟ لا. أقول هذا لأزداد يقيناً بسنة الله سبحانه وتعالى.
دفاع الله عن هذه الأمة مستمر عندما يستمر الطيب فيها، فإذا تحول الطيب إلى خبيث بشكلٍ أو بآخر وإذا عاد الطيب قلة يسيرة يسيرة ثم يسيرة فإن سنةً أخرى لابد أن تحيق بنا نعم: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً" ينبغي أن ندرك هذه الأمور لنزداد ثقةً بمولانا وخالقنا أيها الإخوة.
والبلاء الأطم الذي أكرره ثم أكرره يتعلق بتلك الفئات التي تزعم بأنها فئات إسلامية، كنت إلى الأمس القريب أصفها بالإسلامية أما اليوم فأصفها بأنها تزعم بأنها إسلامية، مالها تصمت صمت الموت، مالها لا تتكلم لتعلن عن الباطل الذي جر علينا هذا البلاء المستشري الذي يدور رحاه على الآمنين من جيراننا مالهم يعيشون في أحضان أولئك الذين يصافحون العدو المشترك ثم لا يقولون كلمة حق، لايستطيعون أن يقولوا ذلك لأنهم في أحضان أولئك الذين باعوا الشرف والدين. إذاً ما لهم لا يقولون كلمة حق يعلنون من خلالها أن هذه القلة في هذه البلدة لاتزال صامدةً على دين الله! ينبغي أن تُشجع، ينبغي أن تجد من يكلؤها بعين العناية حتى تزداد استمراراً على هذا الثبات، وحتى تزداد الأرض صلابةً تحت قدميها مالها وقد وعت قول الله عز وجل: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" مالهم لا يصدرون بيان الناطق الذي يعلن بأن الظلام الذي أطبق على بلادنا العربية كلها التي تحيط بهذا العدو المشترك لم يبقى في أرجاءه إلا بصيص نور واحد.
فيا أيها الناس تعاونوا جميعاً للإبقاء على هذا البصيص حتى لا تأتي رياحٌ تقطع دابر هذه البقية من الضياء أيضاً. مال الشيطان قد أخرس ألسن هؤلاء الناس.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
لكل مقام مقال
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
إن المجتمع الإنساني كل لا يتجزأ، وهو يتألف دائماً – أو في الغالب – من شطرين اثنين، أما الشطر الأول فالقادة وأولو الأمر في ذلك المجتمع، وأما الشطر الثاني فعامة الناس أو من يُنْعَتُون بالمواطنين أو الشعب. هذه حقيقة معروفة لا مِرْيَةَ فيها. فإذا عرفنا ذلك فلنعلم أن كلا الشطرين من المجتمع أيَّاً كان معرض لارتكاب المفاسد ومطالَبٌ بالصلاح والإصلاح، وما ينبغي أن نتصور أن شطراً واحداً من المجتمع هو الذي يلاحقه الفساد ومن ثم فهو الذي يطالَب بالصلاح أو الإصلاح. المَعين هو الأمة ومن ثم فكلا الشطرين ينطبق عليه كلام رسول الله: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).
بل ينبغي أن نعلم أن الفساد إذ يستشري إنما ينتشر أولاً في القاعدة ثم يتسامى ويتعالى إلى أن يصل رذاذه إلى القمة. كذلكم الصلاح والإصلاح إنما ينتشر أولاً في القاعدة ثم إنه ينعكس إلى القمة وقد أوضح لنا رسول الله r هذا في الحديث الذي يرويه الحسن البصري رضي الله عنه: (عُمَّالُكم أعمالكم، كما تكونوا يولَّى عليكم). هذه حقيقة ثانية إذاً ينبغي أن نعلمها وأن نتبيَّنَها.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن علينا إذا عرفنا ذلك أن نتوجه بالنصح إلى كلا هذين الشطرين، إذا عرفنا هذه الحقيقة فإن علينا أن نحذِّر كلا شطري المجتمع من الفساد والركون إلى الفساد. إن الالتفات إلى شطر واحد – وليكن شطر القاعدة الشعبية أو القمة – مع الإعراض عن الشطر الثاني شأنه كمن يتعامل مع كفة واحدة من الميزان معرضاً عن الكفة الأخرى. هذه حقيقة أخرى ينبغي أن نتبيَّنَهَا يا عباد الله.
تعالوا إذاً إلى مرحلة التطبيق التي يلاحقنا بها بيان الله عز وجل في كثيرٍ من آي كتابه المبين من مثل قوله:
(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران : 104].
تقول الحكمة الصائبة المعروفة: (لكل مقام مقال)، ينبغي أيها الإخوة أن نضع هذه الحكمة إماماً نصب أعيننا عندما نريد أن نتوجه إلى شطري هذه الأمة بالدعوة إلى الله، بالتذكير بأوامر الله، بالنهي عن الفساد والإفساد، بالأمر بالصلاح والإصلاح، القاعدة تقول: (لكل مقام مقال).
أنا الآن واحد – أيها الإخوة – ممن شرَّفَه الله عز وجل بالوقوف على منبر رسول الله – وأنا أعلم أنني لست أهلاً لذلك، ولكنها وظيفة أقامني الله عز وجل فيها – أنظر إلى الناس الذين أمامي وإذا هم من الشطر الثاني، وإذا هم من دهماء الناس وعامتهم، إذاً ينبغي أن أتوجه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إليهم، ينبغي أن أُذَكِّرَهُم هم بالإقلاع عن الفساد والإفساد والسير في طريق الصلاح والإصلاح، فإن أنا أعرضت عن الناس الذين هم أمامي وأخذت أتحدث عن الشطر الثاني آمرهم وأنهاهم وأذكِّرهم وأحذِّرهم فقد خالفت المنطق وسلكت مسلك العابث في أمره ونهيه، الناس الذين أمامي أعرضت عنهم والناس الذين لا يسمعون كلامي وهم بعيدون عني لاحقتهم بالتذكرة والأمر والنهي.
ولكن إذا وجدت أن فرصة سانحة قد تهيأت أمامي ونظرت فوجدت أن قادة الأمة والقائمين على شؤونها هم الذين أراهم أمامي إذن ينبغي أن أتوجه بالنصح إليهم وينبغي أن أتحدث عن دورهم هم في التسامي عن الفساد وفي العكوف على الصلاح وعلى الإصلاح. أليس هذا معنى المثل المنطقي القائل: لكل مقامٍ مقال أيها الإخوة؟ تعالوا نطبق ذلك.
إنني الآن أَشْرُف بأنني أقف أمام ثلة من عباد الله عز وجل ممن يسَمَّون دهماء الناس وعامتهم أو المواطنين أو الشعب إذاً فيجب أن أحملهم مسؤولية الإصلاح والصلاح المنوطة بهم، وهذا ما سأفعله الآن معتمداً على التلخيص والإجمال سائلاً الله عز وجل أن يرزقني وإياكم نعمة الإخلاص لوجهه.
أولاً أناشد إخواننا الفنانين الذين يعكفون اليوم على تحضير البرامج الفنية لرمضان المقبل، أناشدهم أن يأخذوا العبرة مما تم في رمضان العام الماضي، أناشدهم وأنا أقدر رسالة الفن، وأنا واحد ممن يعلم قيمة الفن، أناشدهم أن يستخدموا الفن رسالةً لإصلاح الحال، لرفع المستوى، لشد الأمة إلى مزيد من الانضباط بالقيم، إلى مزيد من الانضباط بالأخلاق الإنسانية الرضية، إلى مزيد من الانضباط بأخلاق الأسرة، بالود الذي ينبغي أن يشيع داخل أفراد الأسرة، أبواب كثيرة مفتحة أمام الذين يمارسون هذا الفن، ما لهم يغلقون على أنفسهم هذه الأبواب كلها ثم يصرون ع
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
إن المجتمع الإنساني كل لا يتجزأ، وهو يتألف دائماً – أو في الغالب – من شطرين اثنين، أما الشطر الأول فالقادة وأولو الأمر في ذلك المجتمع، وأما الشطر الثاني فعامة الناس أو من يُنْعَتُون بالمواطنين أو الشعب. هذه حقيقة معروفة لا مِرْيَةَ فيها. فإذا عرفنا ذلك فلنعلم أن كلا الشطرين من المجتمع أيَّاً كان معرض لارتكاب المفاسد ومطالَبٌ بالصلاح والإصلاح، وما ينبغي أن نتصور أن شطراً واحداً من المجتمع هو الذي يلاحقه الفساد ومن ثم فهو الذي يطالَب بالصلاح أو الإصلاح. المَعين هو الأمة ومن ثم فكلا الشطرين ينطبق عليه كلام رسول الله: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).
بل ينبغي أن نعلم أن الفساد إذ يستشري إنما ينتشر أولاً في القاعدة ثم يتسامى ويتعالى إلى أن يصل رذاذه إلى القمة. كذلكم الصلاح والإصلاح إنما ينتشر أولاً في القاعدة ثم إنه ينعكس إلى القمة وقد أوضح لنا رسول الله r هذا في الحديث الذي يرويه الحسن البصري رضي الله عنه: (عُمَّالُكم أعمالكم، كما تكونوا يولَّى عليكم). هذه حقيقة ثانية إذاً ينبغي أن نعلمها وأن نتبيَّنَها.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن علينا إذا عرفنا ذلك أن نتوجه بالنصح إلى كلا هذين الشطرين، إذا عرفنا هذه الحقيقة فإن علينا أن نحذِّر كلا شطري المجتمع من الفساد والركون إلى الفساد. إن الالتفات إلى شطر واحد – وليكن شطر القاعدة الشعبية أو القمة – مع الإعراض عن الشطر الثاني شأنه كمن يتعامل مع كفة واحدة من الميزان معرضاً عن الكفة الأخرى. هذه حقيقة أخرى ينبغي أن نتبيَّنَهَا يا عباد الله.
تعالوا إذاً إلى مرحلة التطبيق التي يلاحقنا بها بيان الله عز وجل في كثيرٍ من آي كتابه المبين من مثل قوله:
(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران : 104].
تقول الحكمة الصائبة المعروفة: (لكل مقام مقال)، ينبغي أيها الإخوة أن نضع هذه الحكمة إماماً نصب أعيننا عندما نريد أن نتوجه إلى شطري هذه الأمة بالدعوة إلى الله، بالتذكير بأوامر الله، بالنهي عن الفساد والإفساد، بالأمر بالصلاح والإصلاح، القاعدة تقول: (لكل مقام مقال).
أنا الآن واحد – أيها الإخوة – ممن شرَّفَه الله عز وجل بالوقوف على منبر رسول الله – وأنا أعلم أنني لست أهلاً لذلك، ولكنها وظيفة أقامني الله عز وجل فيها – أنظر إلى الناس الذين أمامي وإذا هم من الشطر الثاني، وإذا هم من دهماء الناس وعامتهم، إذاً ينبغي أن أتوجه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إليهم، ينبغي أن أُذَكِّرَهُم هم بالإقلاع عن الفساد والإفساد والسير في طريق الصلاح والإصلاح، فإن أنا أعرضت عن الناس الذين هم أمامي وأخذت أتحدث عن الشطر الثاني آمرهم وأنهاهم وأذكِّرهم وأحذِّرهم فقد خالفت المنطق وسلكت مسلك العابث في أمره ونهيه، الناس الذين أمامي أعرضت عنهم والناس الذين لا يسمعون كلامي وهم بعيدون عني لاحقتهم بالتذكرة والأمر والنهي.
ولكن إذا وجدت أن فرصة سانحة قد تهيأت أمامي ونظرت فوجدت أن قادة الأمة والقائمين على شؤونها هم الذين أراهم أمامي إذن ينبغي أن أتوجه بالنصح إليهم وينبغي أن أتحدث عن دورهم هم في التسامي عن الفساد وفي العكوف على الصلاح وعلى الإصلاح. أليس هذا معنى المثل المنطقي القائل: لكل مقامٍ مقال أيها الإخوة؟ تعالوا نطبق ذلك.
إنني الآن أَشْرُف بأنني أقف أمام ثلة من عباد الله عز وجل ممن يسَمَّون دهماء الناس وعامتهم أو المواطنين أو الشعب إذاً فيجب أن أحملهم مسؤولية الإصلاح والصلاح المنوطة بهم، وهذا ما سأفعله الآن معتمداً على التلخيص والإجمال سائلاً الله عز وجل أن يرزقني وإياكم نعمة الإخلاص لوجهه.
أولاً أناشد إخواننا الفنانين الذين يعكفون اليوم على تحضير البرامج الفنية لرمضان المقبل، أناشدهم أن يأخذوا العبرة مما تم في رمضان العام الماضي، أناشدهم وأنا أقدر رسالة الفن، وأنا واحد ممن يعلم قيمة الفن، أناشدهم أن يستخدموا الفن رسالةً لإصلاح الحال، لرفع المستوى، لشد الأمة إلى مزيد من الانضباط بالقيم، إلى مزيد من الانضباط بالأخلاق الإنسانية الرضية، إلى مزيد من الانضباط بأخلاق الأسرة، بالود الذي ينبغي أن يشيع داخل أفراد الأسرة، أبواب كثيرة مفتحة أمام الذين يمارسون هذا الفن، ما لهم يغلقون على أنفسهم هذه الأبواب كلها ثم يصرون ع
ما هي التحديات التي تواجه المسلمين اليوم
تاريخ خطبة الإمام البوطي: 12/1/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
يتعامل المسلمون اليوم في مابينهم بمصطلحاتٍ وكلماتٍ لا أعلم أنّ المسلمين السابقين من السلف الصالح كانوا يعرفونها أو يتعاملون معها أو يشعرون بشيءٍ من معانيها، من أبرز هذه الكلمات ما يرددونه من كلمة (التحديات التي يواجهها المسلمون في هذا العصر)، فما تجلس مجلساً مع مفكرين مسلمين إلا ويتأففون في حديثٍ ضَجر من ما يسمونه التحديات التي تواجه المسلمين وتَشُلُ فعاليتهم. ويذهبون إلى استعراض أنواع هذه التحديات، فمن تحديات اقتصادية، ومن تحديات اجتماعية، ومن تحديات علمية، ومن تحديات سياسيةٍ ونحوها ...
ويصور أحدهم المسلمين وكأنهم يعيشون في معترك حربٍ ضروس وهم عُزّل من كل سلاح، والأسلحة تتناوشهم من قبل الأعداء من كل صوب. وأتأمل في واقع المسلمين من قبل في صدر الإسلام أو في العصر الذي يليه أو الذي يليه، ولقد كانوا يعانون من ضنكٍ أشد من الذي يعانيه المسلمون اليوم في فجر البعثة الإسلامية وأبحث عن كلمة التحديات هذه فلا أقع لها على أي مثال، ولا أجد أن أي مسلمٍ تكلم عن ما يسمى اليوم بالتحديات فضلاً عن أن يتأفف منها فضلاً عن أن يُظهر ضعفه أمام هذه الأسلحة التي تُسمى اليوم بالتحديات، التحديات التي يواجهها المسلمون من إقتصادية واجتماعيةٍ وتشريعيةٍ وفكريةٍ و سياسيةٍ ونحوهها.
ألم يواجه المسلمون في صدر الإسلام أيام بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم شراً من هذه التحديات؟ ألم يكن المسلمون الذين كانوا مادة الإسلام الأولى وسرّ انتشاره الأول والجند الأول والرعيل الأول الذي أوجد الله عز وجل بهم الدولة الإسلامية التي ترامت أطرافها من شرقٍ إلى غربٍ وشمالٍ إلى جنوب، ألم يكونوا مثال الضعف؟ كانوا أناساً أُميين، كانوا أبعد ما يكونون عن الحضارة والمدنية، كانوا أبعد ما يكونون عن القوة والوحدة، وكانت التحديات تتفجر من داخلهم ضد الشرعة التي أنزلها الله عليهم، وكانت التحديات تحيط بهم من أطرافهم أيضاً، فالعادات التي واجه الإسلام العرب بها كانت عادات سيئة وكان السلوك أسوأ. فهذه هي التحديات الداخلية. وكانت المجتمعات التي تحيط بالجزيرة العربية التي بُعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تذخر بالمدنية وبالحضارة وبالقوة وبالغنى، وكان العرب مثالاً يُضرب للتشرذم والضعف والهوان، وكانوا يعيشون على هامش التاريخ كما هو معروف.
هكذا كان الرعيل الأول الذي بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل تأففوا في يومٍ من الأيام وضجروا من أنّ هنالك تحديات تشل فعاليتهم؟ من أن هنالك تحدياتٍ تواجههم بها الحضارة الرومانية أو اليونانية أو الفارسية؟ أو هل تبرموا بتحدياتٍ نابعةٍ من داخلهم تتمثل في عاداتٍ سيئة وأمورٍ وسلوكات آسنة تختلف كل الاختلاف مع النهج الإسلامي الذي شرعه الله عز وجل لهم؟ أبداً لم نسمع همسةً تُترجم تأففاً من ما يسمى اليوم بالتحديات.
في حين أن المسلمين اليوم وهم ليسوا أميون ولله الحمد، في حين أن المسلمين اليوم وقد ورثوا إسلامهم من التاريخ الذي يدخل العزة والكبرياء الإيماني في صفوف المسلمين وصدورهم، في حين أن المسلمين اليوم وقد أورثهم إسلامهم القناعة بأن الإسلام هو مصدر كل عز مصدر كل غنى، مصدر كل وحدة، في حين أن المسلمين اليوم على الرغم مما متعهم الله عز وجل به من قوىً ومن منطلقات للقوة يتأففون ويضجرون صباح مساء مما يسمونه التحديات التي تواجههم؛ وكأن هذه التحديات غدت حبل مشنقة قُضي على المسلمين اليوم أن يُشنقوا بها، وأنهم لا يستطيعون أن يبدو حراكاً أمام هذا الحبل الذي يُمثل قدرهم الذي لا محيص عنه.
وأنا عندما أقارن بين المسلمين اليوم وقد ورثوا عزة الإسلام من القرون التي خلت، وبينهم كتاب الله والأمثلة التي خلت تجعلهم أمام طريقٍ مفروشٍ بالرياحين، وأجد أولئك المسلمين الذين كانوا الرعيل الأول والمادة الأولى للإسلام كيف انطلقوا من نقطة الصفر إلى كل ما يسمى اليوم بالتحديات فحطموها وارتقوا بإسلامهم إلى أعلى القمم وذابت بين أيديهم المدنيات والعادات والحضارات الآسنة، عندما أُقارن بين المسلمين اليوم الذين يتدللون على الله بهذا الشكل وأولئك المسلمين أشعر أيها الإخوة بالخزي، أشعر بالخجل من الله عز وجل.
لا يجوز للإنسان أن يتدلل على الله إلى هذه الدرجة، ويحكم إنكم ورثتم كنوزاً من العزة والقوة والغنى ولا تحتاجون إلا
تاريخ خطبة الإمام البوطي: 12/1/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
يتعامل المسلمون اليوم في مابينهم بمصطلحاتٍ وكلماتٍ لا أعلم أنّ المسلمين السابقين من السلف الصالح كانوا يعرفونها أو يتعاملون معها أو يشعرون بشيءٍ من معانيها، من أبرز هذه الكلمات ما يرددونه من كلمة (التحديات التي يواجهها المسلمون في هذا العصر)، فما تجلس مجلساً مع مفكرين مسلمين إلا ويتأففون في حديثٍ ضَجر من ما يسمونه التحديات التي تواجه المسلمين وتَشُلُ فعاليتهم. ويذهبون إلى استعراض أنواع هذه التحديات، فمن تحديات اقتصادية، ومن تحديات اجتماعية، ومن تحديات علمية، ومن تحديات سياسيةٍ ونحوها ...
ويصور أحدهم المسلمين وكأنهم يعيشون في معترك حربٍ ضروس وهم عُزّل من كل سلاح، والأسلحة تتناوشهم من قبل الأعداء من كل صوب. وأتأمل في واقع المسلمين من قبل في صدر الإسلام أو في العصر الذي يليه أو الذي يليه، ولقد كانوا يعانون من ضنكٍ أشد من الذي يعانيه المسلمون اليوم في فجر البعثة الإسلامية وأبحث عن كلمة التحديات هذه فلا أقع لها على أي مثال، ولا أجد أن أي مسلمٍ تكلم عن ما يسمى اليوم بالتحديات فضلاً عن أن يتأفف منها فضلاً عن أن يُظهر ضعفه أمام هذه الأسلحة التي تُسمى اليوم بالتحديات، التحديات التي يواجهها المسلمون من إقتصادية واجتماعيةٍ وتشريعيةٍ وفكريةٍ و سياسيةٍ ونحوهها.
ألم يواجه المسلمون في صدر الإسلام أيام بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم شراً من هذه التحديات؟ ألم يكن المسلمون الذين كانوا مادة الإسلام الأولى وسرّ انتشاره الأول والجند الأول والرعيل الأول الذي أوجد الله عز وجل بهم الدولة الإسلامية التي ترامت أطرافها من شرقٍ إلى غربٍ وشمالٍ إلى جنوب، ألم يكونوا مثال الضعف؟ كانوا أناساً أُميين، كانوا أبعد ما يكونون عن الحضارة والمدنية، كانوا أبعد ما يكونون عن القوة والوحدة، وكانت التحديات تتفجر من داخلهم ضد الشرعة التي أنزلها الله عليهم، وكانت التحديات تحيط بهم من أطرافهم أيضاً، فالعادات التي واجه الإسلام العرب بها كانت عادات سيئة وكان السلوك أسوأ. فهذه هي التحديات الداخلية. وكانت المجتمعات التي تحيط بالجزيرة العربية التي بُعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تذخر بالمدنية وبالحضارة وبالقوة وبالغنى، وكان العرب مثالاً يُضرب للتشرذم والضعف والهوان، وكانوا يعيشون على هامش التاريخ كما هو معروف.
هكذا كان الرعيل الأول الذي بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل تأففوا في يومٍ من الأيام وضجروا من أنّ هنالك تحديات تشل فعاليتهم؟ من أن هنالك تحدياتٍ تواجههم بها الحضارة الرومانية أو اليونانية أو الفارسية؟ أو هل تبرموا بتحدياتٍ نابعةٍ من داخلهم تتمثل في عاداتٍ سيئة وأمورٍ وسلوكات آسنة تختلف كل الاختلاف مع النهج الإسلامي الذي شرعه الله عز وجل لهم؟ أبداً لم نسمع همسةً تُترجم تأففاً من ما يسمى اليوم بالتحديات.
في حين أن المسلمين اليوم وهم ليسوا أميون ولله الحمد، في حين أن المسلمين اليوم وقد ورثوا إسلامهم من التاريخ الذي يدخل العزة والكبرياء الإيماني في صفوف المسلمين وصدورهم، في حين أن المسلمين اليوم وقد أورثهم إسلامهم القناعة بأن الإسلام هو مصدر كل عز مصدر كل غنى، مصدر كل وحدة، في حين أن المسلمين اليوم على الرغم مما متعهم الله عز وجل به من قوىً ومن منطلقات للقوة يتأففون ويضجرون صباح مساء مما يسمونه التحديات التي تواجههم؛ وكأن هذه التحديات غدت حبل مشنقة قُضي على المسلمين اليوم أن يُشنقوا بها، وأنهم لا يستطيعون أن يبدو حراكاً أمام هذا الحبل الذي يُمثل قدرهم الذي لا محيص عنه.
وأنا عندما أقارن بين المسلمين اليوم وقد ورثوا عزة الإسلام من القرون التي خلت، وبينهم كتاب الله والأمثلة التي خلت تجعلهم أمام طريقٍ مفروشٍ بالرياحين، وأجد أولئك المسلمين الذين كانوا الرعيل الأول والمادة الأولى للإسلام كيف انطلقوا من نقطة الصفر إلى كل ما يسمى اليوم بالتحديات فحطموها وارتقوا بإسلامهم إلى أعلى القمم وذابت بين أيديهم المدنيات والعادات والحضارات الآسنة، عندما أُقارن بين المسلمين اليوم الذين يتدللون على الله بهذا الشكل وأولئك المسلمين أشعر أيها الإخوة بالخزي، أشعر بالخجل من الله عز وجل.
لا يجوز للإنسان أن يتدلل على الله إلى هذه الدرجة، ويحكم إنكم ورثتم كنوزاً من العزة والقوة والغنى ولا تحتاجون إلا
إلى فتح مغاليقها واستعمالها، في حين أن المسلمين الذين بُعث فيهم رسول الله لم يكن معهم أي كنز لكنهم أوجدوا الكنز بجهادهم وجهودهم ويقينهم بالله سبحانه وتعالى. فما السر أيها الأخوة؟ ما السر في أنّ أولئك المسلمين عندما دخل الإسلام أفئدتهم لم يشعروا بأن هنالك سدوداً تتحداهم؛ اقتحموها غير واجفين، وأنّ هؤلاء المسلمين اليوم الذين ورثوا أسلحةً من القوة وورثوا كنوزاً من جيلٍ إثر جيلٍ إثر جيل، وورثوا عبرة الدهر ودروسه وقرآن الله بين جوانحهم يتخاذلون إلى هذه الدرجة ويعتذرون أن التحديات تحيط بهم، ومن ثمّ لا يستطيعون أن يسيروا كما أمر الله عز وجل في تطبيق الإسلام.
السر أيها الإخوة باختصارٍ ما يلي:
أولئك المسلمون فاضت قلوبهم بعد إيمانهم العقلي بالله عز وجل تبتلاً وعبودية لله، فاضت قلوبهم بعد إيمانهم العقلاني حباً لله، فاضت قلوبهم تعظيماً لله سبحانه وتعالى، امتلأت قلوبهم بهذه المشاعر كلها فسقطت مشاعر الدنيا بسبب ذلك من قلوبهم وأفئدتهم أمام عظمة الله هانت عظمة الأغيار، أمام محبتهم لله سقطت محبة الدنيا، أمام تعظيمهم لحرمات الله عز وجل هانت عليهم الدنيا بكل متعها وألوانها، في حين أن المسلمين اليوم أو أن جُلّ المسلمين اليوم إسلامهم بقي فكراً يتحرك، بقي منطقاً يتحرك في أدمغتهم، أما القلوب فلو أنك نبشتها لوجدتها خاوية من تعظيم الله، لوجدتها خالية من محبة الله، لوجدتها خالية من المخافة من الله، وإذا خلا الفؤاد من حب الله وتعظيمه وخوفه فلن يبقى وعاءً فارغاً لا بد أن تفيض فيه محبة أخرى، لابد أن تفيض هذه القلوب عندئذ بمحبة الدنيا بتعظيم الشهوات والأهواء بتعظيم الآخرين والخوف منهم. هذا هو الفرق.
بسبب هذا الذي امتاز به ذلك الرعيل الأول عنا اقتحموا السدود، لم يشعروا بها شعروا بعظمة الله عز وجل فكانوا مظهراً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استعن بالله ولا تعجز"، ونصرهم الله فتحطمت سدود التحديات أمامهم. أمّا نحن فبأي سلاحٍ نقتحم هذه التحديات؟ خوفنا من الناس، تعظيمنا للدنيا، حبنا للشهوات والأهواء، وإن كانت ألسنتنا تتكلم عن فلسفة الإسلام وأهمية الإسلام والتخطيط لضرورة إعادة قوة الإسلام وعزه، لكن ما قيمة أن تُفكر إذا كان قلبك يفيض بحب الشهوات والأهواء ويفيض بخوف بخوفٍ عارمٍ من الأغيار؟.
انظروا أيها الإخوة إلى كتاب الله عز وجل المُربي والمُعلم، كتاب الله معلم أولاً و مربٍ ثانياً، ولو أنك أخذت من كتاب الله آيات العلم لوقفت في مكانك ولراوحت في محلك لا تستفيد شيئاً كما هو حال المسلمين في أحسن أحوالهم اليوم. لكن انظر إلى القسم الثاني آيات التربية كيف تُعلم هذه الآيات الإنسان أن يجعل قلبه وعاءً لتعظيم الله للتبتل بين يدي الله، هل وقفنا أمام هذه الآيات واصطبغنا بها؟ لماذا يُكرر بيان الله هذا كله بأفانين شتى وبأساليب مختلفة؟ "واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً" "كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" "تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" لماذا لماذا يفيض القرآن بهذا كله؟ لأهميةٍ كبرى؛ لأنها التربية التي تأتي تتويجاً للعلم.
وانظروا كم نمر على هذه الآيات ونحن معرضون؟ أين هم المتبتلون؟ لا أقول من الفسقة والفاجرين بل أين هم المتبتلون ممن يتكلمون بالإسلام ويكتبون عن الإسلام ويتحدثون في همٍ منقطعٍ عن الإسلام؟ أين هم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات؟ أين هم الذين اصطبغوا بقول الله عز وجل: "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ". قل لي أين هم هؤلاء المسلمون الذين إذا التقيت بهم حدثك الساعة والساعتين عن الإسلام أين الواحد منهم ينطبق عليه قول الله تعالى: "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً " أين هم الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى " تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً " لو أنك اقتحمت بيوت جُلّ هذه المسلمين بسحرٍ من الأسحار لن ترى عشرة في المئة قد قاموا ليقفوا بين يدي الله عز وجل خُشعاً باكين متضرعين يمدون أيدي الضراعة والتبتل إلى الله سبحانه وتعالى، لن تجد لأن الواحد منهم سهر سهرة طويلة وهو يتكلم في الإسلام، ولم يمضي على رقاده إلا ساعة ربما فأنّا له أن يستيقظ ويقوم؟ ولكن رب العالمين علّم ثم ربّى، علمنا كيف نغرس حقائق الإسلام في عقولنا ثم ربانا كيف نحب هذا الإله كيف نُعظم هذا الإله كيف نخاف من هذا الإله "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ".
لمّا فرغت قلوبنا من هذا الأثر التربوي، ولمّا اتجهت وتسربت إليها محبة الدنيا والشهوات والأهواء ونحن نتكلم بالإسلام ونتحدث بفكرٍ رائعٍ عن الإسلام كانت النتيجة ما قد قلت لكم. نراوح في مكاننا فإذا ا
السر أيها الإخوة باختصارٍ ما يلي:
أولئك المسلمون فاضت قلوبهم بعد إيمانهم العقلي بالله عز وجل تبتلاً وعبودية لله، فاضت قلوبهم بعد إيمانهم العقلاني حباً لله، فاضت قلوبهم تعظيماً لله سبحانه وتعالى، امتلأت قلوبهم بهذه المشاعر كلها فسقطت مشاعر الدنيا بسبب ذلك من قلوبهم وأفئدتهم أمام عظمة الله هانت عظمة الأغيار، أمام محبتهم لله سقطت محبة الدنيا، أمام تعظيمهم لحرمات الله عز وجل هانت عليهم الدنيا بكل متعها وألوانها، في حين أن المسلمين اليوم أو أن جُلّ المسلمين اليوم إسلامهم بقي فكراً يتحرك، بقي منطقاً يتحرك في أدمغتهم، أما القلوب فلو أنك نبشتها لوجدتها خاوية من تعظيم الله، لوجدتها خالية من محبة الله، لوجدتها خالية من المخافة من الله، وإذا خلا الفؤاد من حب الله وتعظيمه وخوفه فلن يبقى وعاءً فارغاً لا بد أن تفيض فيه محبة أخرى، لابد أن تفيض هذه القلوب عندئذ بمحبة الدنيا بتعظيم الشهوات والأهواء بتعظيم الآخرين والخوف منهم. هذا هو الفرق.
بسبب هذا الذي امتاز به ذلك الرعيل الأول عنا اقتحموا السدود، لم يشعروا بها شعروا بعظمة الله عز وجل فكانوا مظهراً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استعن بالله ولا تعجز"، ونصرهم الله فتحطمت سدود التحديات أمامهم. أمّا نحن فبأي سلاحٍ نقتحم هذه التحديات؟ خوفنا من الناس، تعظيمنا للدنيا، حبنا للشهوات والأهواء، وإن كانت ألسنتنا تتكلم عن فلسفة الإسلام وأهمية الإسلام والتخطيط لضرورة إعادة قوة الإسلام وعزه، لكن ما قيمة أن تُفكر إذا كان قلبك يفيض بحب الشهوات والأهواء ويفيض بخوف بخوفٍ عارمٍ من الأغيار؟.
انظروا أيها الإخوة إلى كتاب الله عز وجل المُربي والمُعلم، كتاب الله معلم أولاً و مربٍ ثانياً، ولو أنك أخذت من كتاب الله آيات العلم لوقفت في مكانك ولراوحت في محلك لا تستفيد شيئاً كما هو حال المسلمين في أحسن أحوالهم اليوم. لكن انظر إلى القسم الثاني آيات التربية كيف تُعلم هذه الآيات الإنسان أن يجعل قلبه وعاءً لتعظيم الله للتبتل بين يدي الله، هل وقفنا أمام هذه الآيات واصطبغنا بها؟ لماذا يُكرر بيان الله هذا كله بأفانين شتى وبأساليب مختلفة؟ "واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً" "كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" "تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" لماذا لماذا يفيض القرآن بهذا كله؟ لأهميةٍ كبرى؛ لأنها التربية التي تأتي تتويجاً للعلم.
وانظروا كم نمر على هذه الآيات ونحن معرضون؟ أين هم المتبتلون؟ لا أقول من الفسقة والفاجرين بل أين هم المتبتلون ممن يتكلمون بالإسلام ويكتبون عن الإسلام ويتحدثون في همٍ منقطعٍ عن الإسلام؟ أين هم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات؟ أين هم الذين اصطبغوا بقول الله عز وجل: "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ". قل لي أين هم هؤلاء المسلمون الذين إذا التقيت بهم حدثك الساعة والساعتين عن الإسلام أين الواحد منهم ينطبق عليه قول الله تعالى: "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً " أين هم الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى " تتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً " لو أنك اقتحمت بيوت جُلّ هذه المسلمين بسحرٍ من الأسحار لن ترى عشرة في المئة قد قاموا ليقفوا بين يدي الله عز وجل خُشعاً باكين متضرعين يمدون أيدي الضراعة والتبتل إلى الله سبحانه وتعالى، لن تجد لأن الواحد منهم سهر سهرة طويلة وهو يتكلم في الإسلام، ولم يمضي على رقاده إلا ساعة ربما فأنّا له أن يستيقظ ويقوم؟ ولكن رب العالمين علّم ثم ربّى، علمنا كيف نغرس حقائق الإسلام في عقولنا ثم ربانا كيف نحب هذا الإله كيف نُعظم هذا الإله كيف نخاف من هذا الإله "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ".
لمّا فرغت قلوبنا من هذا الأثر التربوي، ولمّا اتجهت وتسربت إليها محبة الدنيا والشهوات والأهواء ونحن نتكلم بالإسلام ونتحدث بفكرٍ رائعٍ عن الإسلام كانت النتيجة ما قد قلت لكم. نراوح في مكاننا فإذا ا
لتفتنا يميناً وشمالاً إلى الأنظمة التي تُحيط بنا إلى التحديات التي تطوف من حولنا والتي تتهددنا، رفعنا أيدي الاستسلام وقلنا إنه عصر التحديات ولا نستطيع أن نحطم هذه التحديات، ويحك ألا يُذيبك هذا الكلام خجلاً من الله، ألا تُقارن بين نفسك وبين أولئك الناس البدو الأميين الذين متّعهم الله بالإيمان وجعلهم خلال سنوات أداة وأي أداة لتحطيم وتذويب هذه التحديات. هل تحدثوا عنها يوماً ما؟ هل تكلموا عنها في يومٍ من الأيام؟ هل قالوا لرسول الله كيف نستطيع أن نقتحم تحديات الحضارات التي تحيط بنا؟ لا ربطوا قلوبهم بالله عز وجل عاشوا معنى قول الله عز وجل "لا حول ولا قوة إلا بالله". كلمة ربّانية ليت أن المسلمين الذين يكتبون كثيراً في الإسلام والذين يتحدثون كثيراً في الإسلام ليت أن الواحد منهم جعل من هذه الكلمة القدسية ورداً له يرددها بقلبٍ نابض في اليوم ألف مرة. (لا حول ولا قوة إلا بالله)، أين هو حول الشرق والغرب أمام قوة الله إذا اعتصمت بالله وإذا بايعت الله وإذا فاض قلبي حباً لله وتعظيماً لله وتركت الدنيا كلها وراء ظهري، فإن الله عز وجل سيفجر بين جوانحي قوةً من قوته، عزةً من عزته، ولسوف تذوب القوى كلها أمامي، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله.
نعم هذا هو السر أيها الإخوة وهذا هو داؤنا وليت أننا نتأمل لنتذكر فقط هذا الداء ليت أننا نشخص فقط هذا الداء بل المصيبة الكبرى أننا في غفلةٍ عن أننا نعاني هذا الداء .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
نعم هذا هو السر أيها الإخوة وهذا هو داؤنا وليت أننا نتأمل لنتذكر فقط هذا الداء ليت أننا نشخص فقط هذا الداء بل المصيبة الكبرى أننا في غفلةٍ عن أننا نعاني هذا الداء .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
سبب فساد المجتمعات الإسلامية
تاريخ خطبة الإمام الشهيد البوطي في 7/6/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إن سبب فساد المجتمعات الإسلامية محصورٌ في أمرين اثنين: إما أن يغيض في ذلك المجتمع واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا السبب الأول، وإما أن يشيع فيه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنه لا يصادف آذاناً مُصغية ولا نفوساً متقبلة، وإنما يُواجه بنفوسٍ متمردةٍ وآذانٍ تُصم نفسها عن سماع الحق. هذان هما السببان اللذان إليهما مردُ فساد المجتمعات الإسلامية، ولا أعتقد أن من وراء ذلك سبباً ثالثاً. وانظروا في هذا إلى قول الله عز وجل: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" أي المجتمع الذي يشيع فيه هذا الواجب وتنتشر فيه هذه المسؤولية هو المجتمع الذي يتصف بالفلاح والرشد.
ومعنى ذلك .. أن هذا الواجب إذا غاض في المجتمع فلم تعد هنالك ألسن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فلا شك أن هذا المجتمع لابد أن ينحرف عن طريق الفلاح وأن ينحط في طريق الغواية والضلال، ثم انظروا في هذا إلى قول الله عز وجل: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ" أي إذا أُمر بالمعروف ونُهي عن المنكر "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ".
أرأيتم إلى نص الكتاب المبين كيف يعلن صراحةً أن مردَّ فساد المجتمعات الإسلامية إلى أحد هذين المرضين: إما أن تختفي مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا سبب، وإما أن لا تختفي ولكن لا تصادف هذه المسؤولية آذاناً صاغية ولا نفوساً متقبلة، بل تجد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصطدمان بنفوسٍ قد أخذتها العزة بالإثم، وأعتقد أن مجتمعاتنا الإسلامية اليوم تعاني من هذين المرضين معاً، فواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اختفى أو كاد يختفي وأصبحت الفئة التي تتذكر المعروف لتأمر به وترى المنكر لتنهى عنه فئةً قليلة جداً، ولكن مجتمعاتنا حتى عندما يوجد فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لماماً وفي الحالات النادرة، فالغالب أن يُصادف هذا الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر نفوساً يصدق عليها وصف الله سبحانه وتعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ".
ثم يقول الله عز وجل ونسأله العفو والعافية: "فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ". كم وكم تذكرتُ معروفاً ينبغي أن آمر به، وكم وكم رأيت منكراً ينبغي أن أُحذر منه. فقلت .. وذَكّرت .. أمرت .. ونهيت جُهد الاستطاعة وبالأسلوب الإنساني اللطيف، ولكني ما أذكر أني مرةً رأيت صدىً إيجابياً لهذه التذكرة قط إلا في الحالات النادرة جداً، الصدى الذي رأيته ولا أزال أراه هو ذاك الذي يُذكرني مع خوفٍ شديد بقول الله سبحانه وتعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ".
إذاً فمجتمعاتنا تعاني من هذين الداءين معاً، قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جانب، ومواجهة هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعزةٍ تتأبى على الانصياع لهذه التذكرة من جانبٍ آخر.
ولا أريد أن أضرب الأمثلة أيها الإخوة، ولا أريد أن أحدثكم عن الجوانب التي ذكرت فيها بمعروف أو نهيت من خلالها عن منكر فالأمثلة كثيرة، ولعلي ذكرت أكثر من مرة في ما مضى العبرة التي جنيتها من وراء ذلك لقد قلت أكثر من مرة جربت أن التفت إلى فئات من الناس قد ذهلوا عن واجب الله عز وجل فانحرفوا إلى بعض المحرمات أو تناسوا أو نسوا بعض الواجبات؛ لاحقت هؤلاء الفئات بالتذكرة اللطيفة الإنسانية المقبولة، فما رأيت نتيجةً لهذه التذكرة إلا التأفف وإلا الضجر وإلا ما قد قاله الله سبحانه وتعالى العزة التي قد حجبت آذان هؤلاء الناس عن تذكرة الحق.
وقد قلت لكم مرة: إنني جربت أن أطرق أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها بالنسبة لسائر فئات الناس، فما رأيت أحداً يُصغي إلى معروفٍ أُذكر به أو يصغي إلى منكرٍ أنهاه عنه، ولذا فخير ما ي
تاريخ خطبة الإمام الشهيد البوطي في 7/6/1996
الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعدُ فيا عبادَ الله:
إن سبب فساد المجتمعات الإسلامية محصورٌ في أمرين اثنين: إما أن يغيض في ذلك المجتمع واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا السبب الأول، وإما أن يشيع فيه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنه لا يصادف آذاناً مُصغية ولا نفوساً متقبلة، وإنما يُواجه بنفوسٍ متمردةٍ وآذانٍ تُصم نفسها عن سماع الحق. هذان هما السببان اللذان إليهما مردُ فساد المجتمعات الإسلامية، ولا أعتقد أن من وراء ذلك سبباً ثالثاً. وانظروا في هذا إلى قول الله عز وجل: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" أي المجتمع الذي يشيع فيه هذا الواجب وتنتشر فيه هذه المسؤولية هو المجتمع الذي يتصف بالفلاح والرشد.
ومعنى ذلك .. أن هذا الواجب إذا غاض في المجتمع فلم تعد هنالك ألسن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فلا شك أن هذا المجتمع لابد أن ينحرف عن طريق الفلاح وأن ينحط في طريق الغواية والضلال، ثم انظروا في هذا إلى قول الله عز وجل: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ" أي إذا أُمر بالمعروف ونُهي عن المنكر "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ".
أرأيتم إلى نص الكتاب المبين كيف يعلن صراحةً أن مردَّ فساد المجتمعات الإسلامية إلى أحد هذين المرضين: إما أن تختفي مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا سبب، وإما أن لا تختفي ولكن لا تصادف هذه المسؤولية آذاناً صاغية ولا نفوساً متقبلة، بل تجد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصطدمان بنفوسٍ قد أخذتها العزة بالإثم، وأعتقد أن مجتمعاتنا الإسلامية اليوم تعاني من هذين المرضين معاً، فواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اختفى أو كاد يختفي وأصبحت الفئة التي تتذكر المعروف لتأمر به وترى المنكر لتنهى عنه فئةً قليلة جداً، ولكن مجتمعاتنا حتى عندما يوجد فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لماماً وفي الحالات النادرة، فالغالب أن يُصادف هذا الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر نفوساً يصدق عليها وصف الله سبحانه وتعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ".
ثم يقول الله عز وجل ونسأله العفو والعافية: "فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ". كم وكم تذكرتُ معروفاً ينبغي أن آمر به، وكم وكم رأيت منكراً ينبغي أن أُحذر منه. فقلت .. وذَكّرت .. أمرت .. ونهيت جُهد الاستطاعة وبالأسلوب الإنساني اللطيف، ولكني ما أذكر أني مرةً رأيت صدىً إيجابياً لهذه التذكرة قط إلا في الحالات النادرة جداً، الصدى الذي رأيته ولا أزال أراه هو ذاك الذي يُذكرني مع خوفٍ شديد بقول الله سبحانه وتعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ".
إذاً فمجتمعاتنا تعاني من هذين الداءين معاً، قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جانب، ومواجهة هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعزةٍ تتأبى على الانصياع لهذه التذكرة من جانبٍ آخر.
ولا أريد أن أضرب الأمثلة أيها الإخوة، ولا أريد أن أحدثكم عن الجوانب التي ذكرت فيها بمعروف أو نهيت من خلالها عن منكر فالأمثلة كثيرة، ولعلي ذكرت أكثر من مرة في ما مضى العبرة التي جنيتها من وراء ذلك لقد قلت أكثر من مرة جربت أن التفت إلى فئات من الناس قد ذهلوا عن واجب الله عز وجل فانحرفوا إلى بعض المحرمات أو تناسوا أو نسوا بعض الواجبات؛ لاحقت هؤلاء الفئات بالتذكرة اللطيفة الإنسانية المقبولة، فما رأيت نتيجةً لهذه التذكرة إلا التأفف وإلا الضجر وإلا ما قد قاله الله سبحانه وتعالى العزة التي قد حجبت آذان هؤلاء الناس عن تذكرة الحق.
وقد قلت لكم مرة: إنني جربت أن أطرق أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها بالنسبة لسائر فئات الناس، فما رأيت أحداً يُصغي إلى معروفٍ أُذكر به أو يصغي إلى منكرٍ أنهاه عنه، ولذا فخير ما ي
نبغي أن أتسلى به هو أن اتجه إلى الحكام فآمرهم هم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، ولعل هؤلاء أقل الفئات تأففاً. وهذا ما قد رأيته ولعل هؤلاء أقل الفئات احتجاباً عن الحق بعزة النفس ربما لا يستجيبون ولكنهم في أسوأ الأحوال يلوذون بالصمت. أما تلك الفئات الأخرى من فئات هذا الشعب أو هذه الأمة التي تستشري بين جوانحها البغضاء وتأخذها العزة فعلاً بالإثم وتتأبى على التذكرة فتلك هي المصيبة التي لا دواء لها.
عندما يشيع في المجتمع انحراف، أو يتكاثر سعيٌ إلى مُحرّم أو ارتكاب منكر، فالدواء واضح والدواء ماثلٌ وقريب وهو: أن يوجد من يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، الدواء أن يوجد من يقول لهؤلاء الناس أيها الإخوة هذا منكرٌ فاعرضوا عنه وهذا واجبٌ أو معروف فتشبثوا به، ولكن ما الداء؟ عندما يوجد بالأمر بالمعروف ويوجد النهي عن المنكر ومع ذلك تبقى هذه الفئة التي تلبست بمنكرٍ أو نسيت معروفاً تبقى محجوبة عن هذه التذكرة، وتأخذها العزة بالإثم، وتتأبى وتتأفف، وتعلن الضجر كل الضجر عن هذا المعروف الذي ذُكرَت به، في هذه الحالة ما العلاج أيها الإخوة؟ الأمر بالمعروف نُفِّذ والنهي عن المنكر نُفّذ ولكن عندما تكون النتيجة هكذا ما هو العلاج؟
الملاذ هو الله، والمفر إلى الله سبحانه وتعالى، ونحن من أي الفئات كنا سواءٌ كنا ممن يُذكِّر أو ممن يُذكَّر ينبغي أن يكون الحكم الفصل فيما بيننا ميزان شرع الله، ميزان هدي الله، الانصياع لحكم الله سبحانه وتعالى، فإذا ذُكرت بمعروف فلأرجع لهذا التشريع، هذا التشريع سيوضح لي ما إذا كان هذا الذي يذكرني مفتئتاً علي أو متطرفاً أو مبالغاً أو كان عادلاً في حكمه وتذكرته. فلماذا لا نجعل من شريعة الله الحكم؟ لماذا لا نجعل من ميزان هذا الدين الجامع لشمل هاتين الفئتين التي تُذكر والتي تُذكَّر.
ألم يقل الله سبحانه وتعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".؟! فإذا تأففنا من حكم الله ومن شرعه وهديه الذي نلوذ به كلما أمرنا بمعروف، ونلوذ به كلما نهينا عن منكر، إذا تأففنا من شرع الله عز وجل فمعنى ذلك أننا قطعنا ما بيننا وبين سبل الصلاح آخر خط من الخطوط، وأنهينا سبيل العلاج لإصلاحنا بشكلٍ كلي.
أيها الإخوة كما قلت لكم: الأمثلة كثيرة في ذهني وأنا لا أريد أن أضرب المُثل لأن المسألة ليست متعلقة بجزئية من الجزئيات، المشكلة تتمثل في كليةٍ خطيرة جداً، أننا نتأبى على التذكرة بالخير وعلى النهي عن المنكر؛ أياً كان نوع هذا الخير الذي نأمر به وأياً كان نوع هذا المنكر الذي نحذر منه وننهى عنه.
تلك هي المصيبة .. دعوا الجزئيات، ولكن كثرة هذه الجزئيات تنبهنا إلى كلي هذا المرض العضال الذي نعاني منه، وأنا عندما أقول هذا الكلام، لابد أستثني قلة التي يرحمها الله عز وجل دائماً، ولكن ينبغي أن نعلم أن القلة لا تفيد عندما يستشري السوء ويزداد في المجتمع كله لا تفيد، ما معنى أن أقول: هنالك قلة، وأنا لا أستطيع أن أعتمد عليها في رحمةٍ يكرمنا الله بها، ألم يقل الله عز وجل: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً".
هذا هو داؤنا وهذا يدعوني إلى أن أقول لكم: عندما نعافى من هذا الداء فيشيع في مجتمعنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدرٍ كافٍ وافٍ يغطي حاجات مجتمعنا، وإذا كان الذين يُذكَّرون بهذا المعروف وينهون عن المنكر يتمتعون بآذان صاغية ونفوسٍ راضية تقبل الخير الذي تُأمر به وتقبل أن تُقلع عن الشر الذي تُنهى عنه، فاعلموا أن مجتمعنا عندئذٍ سينتشل من ضلاله وضياعه وأنه سيرقى إلى مستوى الصلاح والأمن والطمأنينة والقوة. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم .
عندما يشيع في المجتمع انحراف، أو يتكاثر سعيٌ إلى مُحرّم أو ارتكاب منكر، فالدواء واضح والدواء ماثلٌ وقريب وهو: أن يوجد من يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، الدواء أن يوجد من يقول لهؤلاء الناس أيها الإخوة هذا منكرٌ فاعرضوا عنه وهذا واجبٌ أو معروف فتشبثوا به، ولكن ما الداء؟ عندما يوجد بالأمر بالمعروف ويوجد النهي عن المنكر ومع ذلك تبقى هذه الفئة التي تلبست بمنكرٍ أو نسيت معروفاً تبقى محجوبة عن هذه التذكرة، وتأخذها العزة بالإثم، وتتأبى وتتأفف، وتعلن الضجر كل الضجر عن هذا المعروف الذي ذُكرَت به، في هذه الحالة ما العلاج أيها الإخوة؟ الأمر بالمعروف نُفِّذ والنهي عن المنكر نُفّذ ولكن عندما تكون النتيجة هكذا ما هو العلاج؟
الملاذ هو الله، والمفر إلى الله سبحانه وتعالى، ونحن من أي الفئات كنا سواءٌ كنا ممن يُذكِّر أو ممن يُذكَّر ينبغي أن يكون الحكم الفصل فيما بيننا ميزان شرع الله، ميزان هدي الله، الانصياع لحكم الله سبحانه وتعالى، فإذا ذُكرت بمعروف فلأرجع لهذا التشريع، هذا التشريع سيوضح لي ما إذا كان هذا الذي يذكرني مفتئتاً علي أو متطرفاً أو مبالغاً أو كان عادلاً في حكمه وتذكرته. فلماذا لا نجعل من شريعة الله الحكم؟ لماذا لا نجعل من ميزان هذا الدين الجامع لشمل هاتين الفئتين التي تُذكر والتي تُذكَّر.
ألم يقل الله سبحانه وتعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".؟! فإذا تأففنا من حكم الله ومن شرعه وهديه الذي نلوذ به كلما أمرنا بمعروف، ونلوذ به كلما نهينا عن منكر، إذا تأففنا من شرع الله عز وجل فمعنى ذلك أننا قطعنا ما بيننا وبين سبل الصلاح آخر خط من الخطوط، وأنهينا سبيل العلاج لإصلاحنا بشكلٍ كلي.
أيها الإخوة كما قلت لكم: الأمثلة كثيرة في ذهني وأنا لا أريد أن أضرب المُثل لأن المسألة ليست متعلقة بجزئية من الجزئيات، المشكلة تتمثل في كليةٍ خطيرة جداً، أننا نتأبى على التذكرة بالخير وعلى النهي عن المنكر؛ أياً كان نوع هذا الخير الذي نأمر به وأياً كان نوع هذا المنكر الذي نحذر منه وننهى عنه.
تلك هي المصيبة .. دعوا الجزئيات، ولكن كثرة هذه الجزئيات تنبهنا إلى كلي هذا المرض العضال الذي نعاني منه، وأنا عندما أقول هذا الكلام، لابد أستثني قلة التي يرحمها الله عز وجل دائماً، ولكن ينبغي أن نعلم أن القلة لا تفيد عندما يستشري السوء ويزداد في المجتمع كله لا تفيد، ما معنى أن أقول: هنالك قلة، وأنا لا أستطيع أن أعتمد عليها في رحمةٍ يكرمنا الله بها، ألم يقل الله عز وجل: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً".
هذا هو داؤنا وهذا يدعوني إلى أن أقول لكم: عندما نعافى من هذا الداء فيشيع في مجتمعنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدرٍ كافٍ وافٍ يغطي حاجات مجتمعنا، وإذا كان الذين يُذكَّرون بهذا المعروف وينهون عن المنكر يتمتعون بآذان صاغية ونفوسٍ راضية تقبل الخير الذي تُأمر به وتقبل أن تُقلع عن الشر الذي تُنهى عنه، فاعلموا أن مجتمعنا عندئذٍ سينتشل من ضلاله وضياعه وأنه سيرقى إلى مستوى الصلاح والأمن والطمأنينة والقوة. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم .
الحمد لله حمداً طيباً كما أمر، أحمدُه تعالى وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وبالخسارة لمن كفر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إرضاءً له وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ سيدُ البشر و الشافعُ المشفعُ في المحشر، صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر ومن تبع سبيلهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد : فاتقوا الله – عباد الله - حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى: ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) .
عباد الله : الماء نعمةٌ من نعم الله تعالى وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه، قال تعالى: ( وجعلنا من الماء كل شيءٍ حيٍ أفلا يؤمنون )، وفي نزول الأمطار حكمةٌ بالغةٌ، حين يتقاطر على الأرض ليَعمَ بسقيه وِهادها وتُلُولَها، وظِرابها وآكامها، قال تعالى: ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) .
وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد ، وسقِمتْ المواشي ، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار، قال تعالى : ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين ) ، وقال تعالى : ( قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً ) .
الجدبُ والقحطُ بلاءٌ من الله ليعلمَ مَنْ يطيعُ ومَنْ يعصيِ ، ومن يشكرُ ومن يكفر ، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صلاةَ الاستسقاء ، والاستسقاء هو طلب السقيا وسؤال الغيث من المغيث جل وعلا ، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يغيثها ، وإقالةِ العثرة ممن يقيلها ولا يغيث ولا يرحم ولا يقيل العثراتِ ولا يجبر الكسر إلا اللهُ وحده سبحانه وتعالى.
والاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: ( وإذ استسقى موسى لقومه ) ، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته مراتٍ متعددةٍ وعلى كيفيات متنوعة فإذا أجدبت الأرض وقحطت وقلت الأمطار وانحبست فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجأ إلى الله جل وعلا لطلب الرحمة والغيث .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسَلَمْ للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً " رواه الترمذي .
وعن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : " يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا .. قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ ، فَلا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا ، قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا ، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ، قَالَ : فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ " رواه البخاري ومسلم .
تأملوا - عباد الله - لترو كيف يُحدثُ الإيمانُ الصادقُ ، والقلوبُ الطاهرةُ ، والألسنُ المستغفرةُ استجابةَ المولى العاجلة! إنهم أقوام أغاثوا قلوبهم بالتوبة والاستغفار والتطهرِ من الذنوب والمعاصي فأغاث الله أرضهم واستجاب دعاءهم ، تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله وحافظوا على الجُمَع والجماعات ، وأدوا ما عليهم من الأمانات والمسؤوليات فرفع الله تعالى ذكرهم وبسط سلطانهم وأمد رزقهم.
لقد كانوا يحذَرون مواطن العطب وأسبابَ الخلل وموانعَ إجابة الدعاء ، قال عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: " أطبْ مطعمك تكنْ مستجابَ الدعوة " ، إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام والربا والرشوة والغش في المعاملات ، وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الحِيل ، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل .
جديرٌ بنا - عباد الله - أن نغيث قلوبنا بالإيمان والطاعة ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلدنا ، ذلكم وربي هو مفتاحُ القطر من السماء ، وسببُ دفعِ البلاء ، ووعدُ الله لا يُخلَفُ حيث قال تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ). حريٌ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً).
وإذا استسقى العباد فلم يُسقوا ، وسألوا فلم يُعطوا ، أسفرَ ذلك على ه
أما بعد : فاتقوا الله – عباد الله - حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى: ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) .
عباد الله : الماء نعمةٌ من نعم الله تعالى وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه، قال تعالى: ( وجعلنا من الماء كل شيءٍ حيٍ أفلا يؤمنون )، وفي نزول الأمطار حكمةٌ بالغةٌ، حين يتقاطر على الأرض ليَعمَ بسقيه وِهادها وتُلُولَها، وظِرابها وآكامها، قال تعالى: ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) .
وإذا تأخّر نزول الأمطار ضجّ العباد ، وسقِمتْ المواشي ، وهلكت الزروع والأشجار، وجفَّت العيون والآبار، قال تعالى : ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين ) ، وقال تعالى : ( قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً ) .
الجدبُ والقحطُ بلاءٌ من الله ليعلمَ مَنْ يطيعُ ومَنْ يعصيِ ، ومن يشكرُ ومن يكفر ، وفي هذه الحال شرعَ لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صلاةَ الاستسقاء ، والاستسقاء هو طلب السقيا وسؤال الغيث من المغيث جل وعلا ، فالنفوس البشرية مجبولةٌ على طلب الغيث ممن يغيثها ، وإقالةِ العثرة ممن يقيلها ولا يغيث ولا يرحم ولا يقيل العثراتِ ولا يجبر الكسر إلا اللهُ وحده سبحانه وتعالى.
والاستسقاءُ من سنن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: ( وإذ استسقى موسى لقومه ) ، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته مراتٍ متعددةٍ وعلى كيفيات متنوعة فإذا أجدبت الأرض وقحطت وقلت الأمطار وانحبست فلا مناص للعباد من الفزع وصدق اللجأ إلى الله جل وعلا لطلب الرحمة والغيث .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسَلَمْ للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً " رواه الترمذي .
وعن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : " يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا .. قَالَ: فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ ، فَلا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا ، قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلام يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا ، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ والظَّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ، قَالَ : فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَاَ نَمْشِي فِي الشَّمْسِ " رواه البخاري ومسلم .
تأملوا - عباد الله - لترو كيف يُحدثُ الإيمانُ الصادقُ ، والقلوبُ الطاهرةُ ، والألسنُ المستغفرةُ استجابةَ المولى العاجلة! إنهم أقوام أغاثوا قلوبهم بالتوبة والاستغفار والتطهرِ من الذنوب والمعاصي فأغاث الله أرضهم واستجاب دعاءهم ، تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله وحافظوا على الجُمَع والجماعات ، وأدوا ما عليهم من الأمانات والمسؤوليات فرفع الله تعالى ذكرهم وبسط سلطانهم وأمد رزقهم.
لقد كانوا يحذَرون مواطن العطب وأسبابَ الخلل وموانعَ إجابة الدعاء ، قال عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: " أطبْ مطعمك تكنْ مستجابَ الدعوة " ، إنهم قوم طهّروا أموالهم من أكل الحرام والربا والرشوة والغش في المعاملات ، وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الحِيل ، وطهروا ألسنتهم من شهادة الزور والأيمان الفاجرة والسبِ والغيبة والنميمة والفحش وغيرها من الرذائل .
جديرٌ بنا - عباد الله - أن نغيث قلوبنا بالإيمان والطاعة ليَحِلَّ الغيث بأرضنا وبلدنا ، ذلكم وربي هو مفتاحُ القطر من السماء ، وسببُ دفعِ البلاء ، ووعدُ الله لا يُخلَفُ حيث قال تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ). حريٌ بنا أن نستقيمَ على الحق ليرحمنا ربنا قال تعالى : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً).
وإذا استسقى العباد فلم يُسقوا ، وسألوا فلم يُعطوا ، أسفرَ ذلك على ه