Telegram Web Link
*🕌خطبة.جمعة.tt🕌*


*ثواب الـشهيد*


الخطبة الاولى :
الحمد لله الذي أعطى فأجزل العطاء، واتخذ من عباده المؤمنين شهداء، فأكرمهم واصطفاهم خير اصطفاء، وقال: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ [آل عمران: 169]، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام الحنفاء محمد بن عبدالله وآله وأصحابه النجباء، وبعد:

1- تشويق النفوس للجهاد في سبيل الله:

أحبتي في الله:

أصبَح الجيل المسلم اليوم لا يفكر في الشهادة، لا يفكر في أعظم صورة من صور التكريم الإلهي للإنسان، ولو ناقشت ابنك - أيها المسلم - في كل مكان عن الشهادة وسألته: مَن هو الشهيد؟ وما له عند الله؟ وما هم الشهداء في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لما عرف الجواب؛ لأنها قضية قد غابت وتلاشت في حسِّ الجيل المسلم، وصارت همومه صغيرة، وحين خرج عمير بن أبي وقاص أخو سعد رضي الله عنهما بإعادة المُجاهدين الصغار إلى المدينة يَستسخرهم للفتوحات الإسلامية الكبرى بكى عمير، قيل ما يبكيه قال: أخوه سعد والله يا رسول الله ما خرج من المدينة للقافلة، إنما خرج من المدينة يريد الشهادة في سبيل الله، فلا تحرمه الشهادة في سبيل الله يا رسول الله، فلما سمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أكبر عنده هذا الشعور العظيم الإيماني الكبير فأذن له على صِغَر سنة ونحافة جسمه؛ حيث إن سعدًا يقول: أخذت أربط حمائل سيفه على بطنه فلا تقواه فتنزل؛ لأنه كان نحيفًا يجرُّ سيفه خلفه، وله همة عظيمة أعلى من قمم الجبال ولا يطيقها أعظم الرجال، إنه لم يذق من شهوة الدنيا شيئًا، لا يزال طفلاً صغيرًا يَخرج إلى مسافة بعيدة، إلى الأقطار يريد الشهادة؛ لأنه سمع الله وسمع رسوله يحدثه عن الشهادة ومنازل الشهداء، وما عند الله للشهيد، فكان من أوائل الشهداء في غزوة بدر رضي الله عنه ورحمه، وجدير بأبنائنا أن يحفظوا اسمه وأن يكون لهم قدوة وأسوة.

أيها المسلمون:

إن بلوغ الأهداف الكبرى في الحياة يَستلزم تضحيات كبرى مكافئة لها، ولا ريب أن سموَّ الأهداف وشرف المقاصد ونُبْل الغايات تَقتضي سمو التضحيات وشرفها ورقيَّ منازلها، وإذا كان أشرف التضحيات وأسماها هو ما كان ابتغاء رضوان الله تعالى ورجاء الحظوة بالنعيم المقيم في جنات النعيم، فإن الذود عن حياض هذا الدين والذب عن حوزته والمُنافَحة عن كتابه وشرعه ومقدساته ،يتبوأ أرفع درجات هذا الرضوان، ثم إن للتضحيات ألوانًا كثيرة ودروبًا متعدِّدة، لكن تأتي في الذروة منها التضحية بالنفس، وبذل الروح رخيصة في سبيل الله لدَحرِ أعداء الله ونصر دين الله، وذلك هو المراد لمُصطَلح الشهادة والاستشهاد.

عباد الله..إن الشهادة في سبيل الله درجة عالية لا يَهبُها الله إلا لمن يَستحقُّها، فهي اختيار من العلي الأعلى للصفوة من البشر ليَعيشوا مع الملأ الأعلى، ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [آل عمران: 140]، إنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صحبة الأنبياء ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].


2- الشهادة أعظم مراتب ذِكر الله:

قال الإمام الغزالي رحمه الله في "الإحياء":

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ﴾ [آل عمران: 169، 170] الآية.

لأجل شرف ذكر الله - عز وجل - عظمت رتبة الشهادة؛ لأن المطلوب الخاتمة، ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم على الله والقلب مُستغرِق بالله - عز وجل - منقطع العلائق عن غيره، فإن قدر عبد على أن يجعل همَّه مُستغرقًا بالله - عز وجل - فلا يقدر على أن يَموت على تلك الحالة إلا في صفِّ القتال.


فإنه قطع الطمع عن مهجته وأهله وماله وولده، بل من الدنيا كلها فإنه يُريدها لحَياته وقد هوّن على قلبه حياته في حب الله - عز وجل - ونيل مرضاته، فلا تجرُّد لله أعظم من ذلك، ولذلك عظمَ أمر الشهادة وورد فيه من الفضائل ما لا يُحصى.

3- لماذا سمي الشهيد شهيدًا؟

يقول الإمام النووي - رحمه الله -: "وأما سبب تسميته شهيدًا فقال النضر بن شميل: لأنه حي؛ فإن أرواحهم شهدَت وحضرت دار السلام وأرواح غيرهم إنما تَشهدها يوم القيامة.


وقال ابن الأنباري: إن الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة.


وقيل: لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة.


وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه.


وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله.


وقيل: لأن عليه شاهدًا بكونه شهيدًا، وهو الدم.


وقيل: لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلا
غ الرسل الرسالة إليهم، وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف".


4- مَن هو الشهيد؟

وقد أوضحت السنة أن الشهداء لهم تعريف خاص، تتبَّعنا هذه التعريفات للشهداء فوجدنا أولها: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))؛ مَن اعتنق الحق، وأخلص له، وضحى في سبيله، وبذل دمه ليروي شجرة الحق به فهذا شهيد.

شهيد آخر: هو الذي يأبى الدنية، ويَرفض المذلة والهوان، فإن الله - سبحانه وتعالى - جعل العزة للمؤمنين، فإذا حاول أحد أن يستذلَّك فدافِع، إذا حاول أحد أن يجتاح حقك فقاوم، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: ((فلا تعطه مالَكَ)) قال: أرأيتَ إن قاتلني؟ قال: ((قاتِلْه))، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: ((فأنت شهيد))، قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: ((هو في النار)).



وجاء في السنن أيضًا: ((مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد))، فالمسلم ينبغي أن يتشبث بحقوقه، وأن يدافع عنها، وألا يجعل الدنية صفة له، بل ينبغي أن يُحافظ على حقه الأدبي والمادي.


يلحق بالشهداء أيضًا من مات حرَقًا، مَن مات غرَقًا، مَن مات مبطونًا، من مات مطعونًا، عددٌ من المصاير الفاجعة التي تُصيب الناس، والأصل في هذا ما جاء في الحديث الشريف: ((ما يُصيب المسلم من نصَبٍ، ولا وصَبٍ، ولا همٍّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه))، فإذا مات مؤمن في حادث من هذه الحوادث المُحزنة المتعبة فهو يلحق عند الله بالشهداء.

أيها المسلمون عباد الله:

نُحيِّي شهداءنا الأبرار، الذين يَحرصون على وحدة أمتهم، وكرامة بلدهم، وصون مجتمعهم، نعم:فالله كرَّمه وأعلى شأنه
وله الخلود بجنة الرضوان
إن الشهيد مقامه في أوجها
كالنَّجم يَسمو فوق كل مكان
حيٌّ، وكل الناس في أجداثهم
فالرُّوح في الرَّوضات والأفنان


5- أما فضل الشهادة والترغيب فيها فشيءٌ آخر، وهو أعظم وأجلُّ:

عن مسروق قال: سألنا عبدالله عن هذه الآية ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169] قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: ((أرواحُهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرَح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطَّلع إليهم ربهم اطِّلاعةً فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شِئنا؟! ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتَل في سبيلك مرةً، أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا))؛ رواه مسلم، والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن ماجه، والطبراني، وغيرهم.


وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [محمد: 4 - 6]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70]، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يَرجِع إلى الدنيا، وإن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد؛ فإنه يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا، فيُقتل عشر مرات؛ لما يرى من الكرامة))؛ متَّفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتَل، ثم أغزو فأُقتَل، ثم أغزو فأقتل))؛ متفق عليه.


وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين))؛ رواه مسلم.


وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الليلة رجلين أتياني فصَعِدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا لي: أما هذه فدار الشهداء))؛ رواه البخاري.


عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ثلة تدخل الجنة الفقراء المهاجرون، الذين تُتَّقى بهم المكاره، إذا أُمِروا سم
عوا وأطاعوا، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تُقضَ له حتى يموت وهي في صدره، وإن الله تعالى يدعو يوم القيامة الجنة، فتأتي بزخرفها وريِّها، فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيل الله، وقتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب ولا عذاب، فتأتي الملائكة، فيقولون: ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار، ونقدس لك من هؤلاء الذين آثَرتهم علينا؟ فيقول الرب - تبارك وتعالى -: هؤلاء الذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار))؛ رواه الحاكم -واللفظ له - وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد، والطبري، والبيهقي في الشعب، وغيرهم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضْر، تعلق من ثمر الجنة، أو شجر الجنة))؛ رواه الترمذي وصحَّحه، وتعلق: أي ترعى من أعالي شجر الجنة.


يقول ابن النحاس في كتابه "مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق" (ص: 270) مبينًا الحكمة في جعل أرواح الشهداء في أجساد الطيور ذات اللون الأخضر والقناديل المعلقة في ظل العرش: "لأن ألطف الألوان اللون الأخضر، وألطف الجمادات الشفافة الزجاج، ولهذا جعل أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير، واختار ألطف الألوان وهو الأخضر، ويأوي ذلك الطير الأخضر إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنورة المفرحة في ظل العرش؛ لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم".


وعنه رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يجد الشهيد من مسِّ القتل؛ إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة))؛ رواه الترمذي وصحَّحه.


وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته))؛ رواه أبو داود وصحَّحه ابن حبان.

ثم يُبيِّن الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم أن للشهيد عند الله ستَّ خصال؛ ((يُغفَر له عند أول دفعة من دمه، ويرى مكانه في الجنة، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما عليها، ويُزوَّج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويَشفع في سبعين من أهله))؛ رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الشيخ الألباني؛ عن المقدام بن معدي كرب.



وحديث آخر رواه البخاري: ((يعطى الشهيد ست خصال؛ عند أول قطرة من دمه تُكفَّر عنه خطاياه، ويرى مقعده من الجنة، ويُزوَّج من الحور العين، ويؤمن من الفزع الأكبر، ومِن عذاب القبر، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: ويُحلى حلة الإيمان)).
ويوقى الشهيد من فتنة شديدة الكرب، عظيمة البلاء، ألا وهي فتنة القبر - أعاذنا الله منها - ولكن ما السبب أن يُعفى منها، ويستريح من بلائها؟! لنتفكر في قول النبي صلى الله عليه وسلم يبين لرجل سأله فقال: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: ((كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنةً))؛ رواه النسائي.

ودم الشهيد يجفُّ، لكن قبل أن يجفَّ يكون الله قد أنعم عليه ووهبه من فضله زوجتيه من الحور العين! رزقنا الله الشهادة في سبيله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ذُكر الشهيد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى يبتدره زوجتاه، كأنهما ظئران أظلتا أو أضلتا فصيليهما ببراح من الأرض، بيد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها))؛ رواه أحمد الحديث ضعفه الشيخ الألباني والشيخ شعيب الأرنؤوط، والعلامة أحمد شاكر .

ويُكرم الشهيد غاية الإكرام حينما يكون من أول مَن يدخل جنة النعيم، النعيم الدائم الذي لا يزول؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم أول ثلاثة يدخلون الجنة؛ الشهيد، وعبدٌ أدَّى حق الله وحق مواليه، وفقير عفيف مُتعفِّف))؛ رواه أحمد، وضعَّفه الشيخ شعيب الأرنؤوط، والعلامة أحمد شاكر.

ولتسمع - أيها المحزون على الشهداء - ماذا أعدَّ الله لهم من جوائز؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم عنها: ((يُعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه؛ يُكفَّر عنه كل خطيئة، ويَرى مقعده من الجنة، ويُزوَّج من الحور العين، ويؤمَّن مِن الفزع الأكبر، ومن عذاب القبر، ويُحلى حلة الإيمان))؛ رواه أحمد.

وإذا قتل الشهيد لم يَنقطِع عمله الصالح بل يَزيد ويتضاعَف، فعند الترمذي عن رسول الله صلى اللله عليه وسلم أنه قال: ((كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه يُنمى له عمله إلى يوم القيامة، ويُأمَّن من فتنة القبر)).

من فضائل الشهادة: أن منهم مَن ينال الفضل العظيم وإن لم يركع لله ركعةً واحدة، أحد الصحابة عمرو بن أقيش كان له رِبًا في الجاهلية فمات، فلمَّا مات جاء سعد بن معاذ قال لأخته: سليه أقاتَلَ حميةً أم عصبية؟ فقال: بل لله - جل وعلا.


وقصة أخ لسلَمة بن الأكوع في خيبر قاتل بشدة فارتد عليه سيفه، فتكلم الصحابة فيه؛ لأن سيفه ارتد عليه هل يعتبر شهيدًا؟ هل مات شهيدًا في سبيل الله؟ فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((كذبوا، مات جاهدًا مجاهدًا فله أجره مرتين))؛ متفق عليه.

وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقَّفون تلك المنح والعطايا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَتسابقون إلى ميدان الجهاد، ويتسابقون إلى الشهادة في سبيل الله، ففي معركة بدر وحين التقى المسلمون بالمشركين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض))، فقال: عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض، قال: "نعم"، قال بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يَحمِلُك على قولك: بخ بخ؟)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءةَ أن أكون من أهلها! قال: ((فإنك من أهلها)) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: "لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل"؛رواه مسلم (5024).

بل إن من جاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم حين يَسمع عن الجنة، وأنها تحت ظلال السيوف يسرع نحو العدو مقاتلاً في سبيل الله، فعن أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن أبيه قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف"، فقام رجل رثُّ الهيئة، فقال: يا أبا موسى آنتَ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال: نعم، قال: فرجَع إلى أصحابه، فقال: "أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه، فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرَب به حتى قتل"؛ رواه مسلم (5025).

عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أسْوَدَ أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رجل أسوَدُ، مُنتِن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال: في الجنة، فقاتل حتى قتل، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد بيَّض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك، وقال لهذا أو لغيره: لقد رأيتُ زوجته من الحور العين، نازعته جبةً له من صوف، تَدخُل بينه وبين جبته))؛ رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه، وقال الذهبي: على شرط مسلم، وصحَّحه أيضًا في (تاريخ الإسلام: 2/419)، ورواه البيهقي في (دلائل النبوة 4/303)، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

فعلينا أن نجتهد ونُخلص في طلب الشهادة حتى يعطينا الله - عز وجل - أجرها؛ عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))؛ رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

قال تقي الدين السبكي: "والذي نعتقده أن الله يعطيه مرتبة الشهداء لقصده وسؤاله وعدم تمكنه من الوصول إليها" اهـ.

ولذلك قال الشهيد وهو يحلق في السماء:لا تحزَنوا يا إخوتي
إني شَهيد المِحنةِ
وكرامتي بشَهادتي
هي فرحتي ومسرَّتي
ولئن صرعتُ فذا دمي
يوم القيامة آيتي
الريح منه عاطر
واللون لون الوردةِ
آجالنا محدودة
ولقاؤنا في الجنةِ
ولقاؤنا بحبيبنا
بمحمَّد والصُّحبةِ
وسلاحنا إيماننا
وحياتنا في عزَّةِ

6- نماذج مِن الشهداء:
الشهداء الذين ذهبوا إلى الله - على اختلاف أماكنهم ودرجاتهم - لهم نماذج في التاريخ القديم والحديث، وما أحوج الأمة الإسلامية إلى هذه النماذج! ما أحوجها أن تعرف من رجالها الكبار! ومَن أبطالها الذين تأخذ منهم الأسوة! ذلك لأن أعداء الإسلام ما طمعوا فيه، ولا نالوا منه، ولا تجرؤوا عليه، إلا لأن أمتنا ثشبَّثت بالحياة على الأرض، وأخلدت إلى الهوى والشهوة، وقاتلت على الحُطام الفاني، ونافسَت فيما لا وزن له عند الله.

يقول التاريخ: إن الدولة الفارسية برغم أنها هزمت في "القادسية" وسقطت عاصمتها بقيت تقاوم مقاومة عنيدة حتى خُشي على بقاء الإسلام هناك، فدخل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه المسجد، وتفرَّس في الصفوف؛ ليَختار قائدًا من المصلين يَبعث به إلى "فارس" فنظر فإذا "النعمان بن مقرن" رضي الله عنه يُصلي، فذهب إليه وقال له: يا نعمان، أريد أن أستعملك في عمل، فقال له النعمان: إن كان جابيًا فلا - أي: إن كنت تريد أن تبعثني لأجيء بمال فلا - فقال له: بل بعثتك لتقود جبهة المسلمين في فارس، فقال: نعم.

وذهب النعمان ليقود المعركة الحاسمة في "فارس"، المعركة التي أجهزت على النفوذ الفارسي تمامًا، وأخمدت أنفاسه إلى الأبد، وتُسمَّى المعركة في التاريخ معركة "نهاوند"، الرجل قبْل أن يَهجم قال للمسلمين: إني هازٌّ لوائي ثلاثا، وإني داع فأمنوا، ودعا فقال: اللهم ارزق المسلمين نصرًا، وارزقني فيه الشهادة!

الحقيقة أني تأملت في المعركة واستغربت؛ يقول المؤرخون: إن المعركة بلغ من ضراوتها وكثرة ما سُفك من دم فيها أن الخيل كانت تنزلق على الصخر من كثرة ما سفك من دم، وقاد النعمان بن مقرن المعركة، وأصيب بجرح قاتلٍ وسقطَ، ولكنه سقط حيًّا، وقاد المعركة رجل آخر من المسلمين، وانتصر المسلمون، وجاء البشير إلى النعمان وهو جريح يقول له: انتهت المعركة، قال: على من الدائرة؟
قال: على أعداء الله، فحمد الله، ومات!

انظر إلى الرجل القائد - خرِّيج المسجد - الراكع الساجد، الرجل الذي أَبى أن يذهب في منصب يَنتظر أن يغنم منه شيئًا، أو يفيد منه خيرًا، واشترط على الخليفة عمر - أول ما حدثه - ألا يذهب في منصب من هذه المناصب، ثم لما دعا - ناس كثيرون قد يفكرون في أن يعودوا إلى بلدهم ليجنوا ثمرة النصر الذي أحرزوه، تلتفُّ حولهم الجماهير، يهتفون لهم، يُهنِّئونهم، يضعون الألقاب وراء أسمائهم، النعمان احتقر هذا كله - طلبَ النصر للمسلمين، والشهادة للنعمان!

إن الشهيد لما بذل حياته لله أعطاه الله سبحانه حياة أكمل منها عنده في محل قربه وكرامته: ((من بذل شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه))، حياة غير الشهيد شوب النغص ممزوج بالغصص، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا، وإن سرَّت يومًا أحزنت شهورًا، أولها مخاوف، وآخرها متالف، أما الشهيد فقتْل آخره حياة، ولكن أي حياة؟! غير الشهيد يَحيا مع من؟! والشهيد يَحيا عند مَن؟! فارق أهل الدنيا الذين يَموتون، فمن الله عليه بالحياة عند الحي الذي لا يموت، لما مزَّقت أجسادهم في دار الدنيا لله - عز وجل - فمنَّ الله عليهم بحواصل طير خضر، حبست أقدامهم عن السعي فمَنَّ الله عليهم بأن يَسرحوا في الجنة حيث شاؤوا.

أخي الحبيب: انظر وتأمُّل: لما ترك المجاهد الفراش والأزواج جاد عليه الملك الوهاب بكثرة الأزواج من الحور العين والجزاء عند الله من جنس العمل، فاز بوصال مَن خُلقت من النور، ونشأت في ظلال القصور مع الولدان والحور، في دار النعيم والسرور، والله لا يجفُّ دم الشهيد حتى تلقاه، وتستمتِع بشهود نورها عيناه، حوراء عيناء، جميلة حسناء، بكر عذراء، كأنها الياقوت لم يطمثها إنس قبله ولا جان، كلامها رخيم، وقدها قويم، وشعرها بهيم، وقدرها عظيم، وجفنها فاتر، وحسنها باهر، وجمالها زاهر، ودلالها ظاهر، كحيل طرفها، جميل ظرفها، عذب نطقها، عجب خلقها، حسن خلقها، زاهية الحُليِّ، بهية الحلل، كثيرة الوداد، عديمة الملل، قد قصرت طرفها عليك، فلم تنظر سواك، وتحبَّبت إليك بما وافق هواك، لو برَز ظفرها لطمس بدر التمام، ولو ظهر سُوارها ليلاً لم يبقَ في الكون ظلام، ولو بدا معصمها لسَبى كل الأنام، ولو اطَّلعت بين السماء والأرض لملأ ريحًا ما بينهما، كلما نظرتَ إليها ازدادت في عينيك حسنًا، وكلما جالستها زادت إلى ذلك الحسن حسنًا، أيجمل بعاقل أن يسمع بهذه ويقعُد عن وصالها، كيف وله في الجنة من الحور العين أمثال أمثالها؟!يا للشهيد كأنه ملِكٌ
دُنياه شامخة وأُخراهُ
لله درُّ أبيه مِن بطل
كالكوكب الدرِّيِّ تَلقاهُ
مِسكُ الجنان يفوح من دمه
والبدر يَسطع مِن مُحياهُ
في الأرض ندفنه وفي قمم الفردوس عند الله محياهُ
ليلاه حوراء الجنان إذا
كل امرئ شغفَتْهُ ليلاهُ
هذا الشهيد ألستَ تعرفه
العزُّ بين يديه والجاهُ
العزُّ في كنف العزيز ومَن
عبَدَ العبيد أذله اللهُ

ولا بأس - أيها الإخوة الكرام - بأن نقول: فلان شهيد ما لم يعلم بوجود مانع من ذلك؛ قال الإمام البخاري - رحمه الله - : "باب لا يقول: فلان شهيد"، والظاهر أن هذا محمول على القطع بمآله في الآخرة ونَيله فيها درجة الشهداء، ولهذا أردفه بقوله: "قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الله أعلم بمَن يُجاهد في سبيله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله)) اهـ، قال السندي: "قوله: "باب لا يقول: فلان شهيد" أي: بالنظر إلى أحوال الآخرة، وأما بالنظر إلى أحكام الدنيا فلا بأس، وإلا يشكل إجراء أحكام الدنيا، والله تعالى أعلم" اهـ.



اللهم إليك يا من بيده أزمة القلوب نرغب في ثباتها، وعليك يا علام الغيوب نعتمد في تصحيح قصدها وإخلاص نياتها، وإلى غناك نمد أيدي الفاقة أن ترزقنا شهادة ترضاها، وأن تنيل نفوسنا من ثبات الأقدام في سبيلك، فالحراك والسكون إليك، والمعول في كل خير عليك، وأنت على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
حـــب الـــوطـــن في الإســـــــلام
افضــل خطبــة في حــب الوطـــــن
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــــة.الاولـــــى.cc
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام
على من لا نبي بعده، وبعد..

فتنطلق التربية الإسلامية في تعاملها مع النفس البشرية من منطلق الحب الإيماني السامي، الذي يملأ جوانب النفس البشرية بكل معاني الانتماء الصادق، والولاء الخالص.

والوطنية: صفة، وهي: العاطفة التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده، والمقصود هنا أن يكون ولاء المرء المسلم لبلده من أجل كلمة التوحيد الظاهرة، وشرائع الدين المطبقة.

بمعنى: أن الوطنية؛ هي: قيام الفرد المسلم بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام

فالأصل في الإنسان أن يحب وطنه ويتشبث بالعيش فيه، ولا يفارقه رغبة عنه، ومع هذا فلا يعني هذا انقطاع الحنين والحب للوطن، والتعلق بالعودة إليه، كما كان بلال رضي الله عنه يتمنى الرجوع إلى وطنه مكة.

وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص.

ولاشك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبل الإنسان عليها، فليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وشبَّ على ثراه، وترعرع بين جنباته.

كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء.

وحتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لا بُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً، ثم الوطن ثانياً؛ إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودّعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ». رواه الترمذي (الحديث رقم 3926، ص 880).

ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية، يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظاً تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.

وإذا كان الإنسان يتأثّر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه (بمن فيها من الكائنات، وما فيها من المكوّنات) حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوّة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأُخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب؛ وفاءً وحباً منه لوطنه.

وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات؛ فإن حُب الإنسان لوطنه، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61].

ويمكن القول: إن دور التربية الإسلامية يتمثلُ في تنمية الشعور بحب الوطن عند الإنسان في ما يلي:
(1) تربية الإنسان على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه -بعد فضل الله سبحانه وتعالى- منذ نعومة أظفاره، ومن ثمّ تربيته على رد الجميل، ومجازاة الإحسان بالإحسان، لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما في قوله تعالى: {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
(2) الحرص على مدّ جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه، لإيجاد جوٍ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه، الذين يمثلون في مجموعهم جسداً واحداً مُتماسكاً في مواجهة الظروف المختلفة.
(3) غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت، والمدرسة، والمسجد، والنادي، ومكان العمل، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً أو مسموعةً أو مرئية.
(4) العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام.
(5) تربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته، التي من حق الجميع أن ينعُم بها وأن يتمتع بحظه منها كاملاً غير منقوص.
(5) الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته، سواءٌ كان ذلك الإسهام قولياً أو عملياً أو فكرياً، وفي أي مجالٍ أو ميدان؛ لأن ذلك واجب الجميع، وهو أمرٌ يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي.
(6) التصدّي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلا
مة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة.
(7) الدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول أو العمل.
(8) التعرف على تاريخ الوطن وجغرافيته ورموزه ورجاله
(ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك)؛ رواه الترمذي.

ما أروعَكِ من كلمات!
كلمات قالها الحبيب – صلى الله عليه وسلم – وهو يودِّع وطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.

ولقد ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة – رضي الله عنها -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول في الرقية: (باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا)؛ رواه البخاري ومسلم.

والشفاء في شم المحبوب، ومن ألوان الدواء لقاءُ المحبِّ محبوبَه أو أثرًا من آثاره؛ ألم يُشفَ يعقوبُ ويعود إليه بصره عندما ألقَوْا عليه قميصَ يوسفَ؟!
قال الجاحظ: “كانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه“.

إنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبَّ فيها، وتزوَّج فيها، فيها ذكرياتٌ لا تُنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد.
قال الغزالي: “والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص“.

إنه يحب وطنه، وهذا من طبيعة الإنسان، فقد فَطَرَه الله على حبِّ الأرض والديار.
قال الحافظ الذهبي – وهو من العلماء المدقِّقين – مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه“.

إنه يحب مكةَ، ويكره الخروجَ منها، والرسول – صلى الله عليه وسلم – ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر؛ لعله يلقى من قومه رقةً واستجابة، وأقام ورحل، وذهب وعاد، يريد من بلده أن يَحتضن دعوتَه، ولكن يريد الله – لحكمة عظيمة – أن يَخرُج، فما كان منه إلا أنْ خرج استجابةً لأمر الله، فدِينُ الله أغلى وأعلى.

ولكن عندما حانتْ ساعةُ الرَّحيل، فاض القلبُ بكلمات الوداع، وسَكبتِ العينُ دموعَ الحبِّ، وعبَّر اللسانُ عن الحزن.

أُخرج من وطنه، أَخرجه قومُه؛ كما قال – تعالى -: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]

وعندما هاجر إلى المدينة
كان يدعو اللهَ أن يرزقه حبَّها، فمكة وطنه، وحبُّها يملك قلبَه، وهواها فطرة فُطر عليها، كما هو الحال عند الناس؛ لذلك لا يمكن أن يكرهها، وإن أصابه فيها ما أصابه.
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ

أما المدينة، فهي بلد جديد استوطنه، وشاء الله أن يكون عاصمةَ دولةِ الإسلام الناشئة؛ لذلك كان يدعو الله أن يحبِّبَها إليه؛ كما في “الصحيحين”: (اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ)؛ رواه البخاري ومسلم.

إنه يدعو الله أن يحبِّب إليه المدينةَ أكثرَ من حبِّه لمكة؛ فحبُّ مكة فطرةٌ؛ لأنها وطنه، أما حبُّ المدينة فمنحةٌ وهِبة، فسأل النبي – صلى الله عليه وسلم – ربَّه أن يحبِّبها إليه حبًّا يفوق حبَّه لمكة؛ لما لها من الفضل في احتضان الدعوة، ونشر الرسالة.

وقد استجاب الله دعاءه، فكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: “كان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه – أي: أسرع بها – وإن كانت دابة حرَّكَها“، قال أبو عبدالله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: “حركها من حبِّها“؛ أخرجه البخاري.
ولقد أحبَّ الصحابةُ ديارَهم، ولكنهم آثروا دين الله – عز وجل – فقد أُخرجوا – رضي الله عنهم – من مكة، فهاجَرَ مَن هاجر منهم إلى الحبشة، وهاجروا إلى المدينة، خرجوا حمايةً لدينهم، ورغبةً في نشر دين الإسلام.

وما أقساه من خروج وما أشدَّه! لذلك وصف الله الصحابةَ الذين أُخرجوا من ديارهم بالمهاجرين، وجعل هذا الوصفَ مدحًا لهم على مدى الأيام، يُعلي قدرَهم، ويبيِّن فضلَهم؛ قال – تعالى -: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الح
شر: 8].

ولما كان الخروج من الوطن يبعث على كل هذا الحزن، ويُسبِّب كلَّ هذا الألم، قرن الله – عز وجل – حبَّ الأرض في القرآن الكريم بحبِّ النفس؛ قال – تعالى -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66].

بل قرنه في موضعٍ آخرَ بالدِّين، والدين أغلى من النفس، ومقدَّمٌ عليها لمن يفقه؛ قال – تعالى -: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8].

وجعل النفيَ والتغريبَ عن الوطن عقوبةً لمن عصى، وأتى من الفواحش ما يَستحق به أن يُعذَّب ويُغرَّب.

تجليات الحب:
والحبُّ للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس؛ بل يتجلَّى في الأقوال والأفعال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن الدعاء.

الدعاءُ تعبيرٌ صادق عن مكنون الفؤاد، ولا يخالطه كذبٌ، أو مبالغة، أو نفاق؛ لأنه علاقة مباشرة مع الله.

لقد دعا الرسول – صلى الله عليه وسلم – للمدينة، كما في “الصحيحين”: (اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة)؛ رواه البخاري ومسلم.
وفي مسلم: (اللهم باركْ لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعِنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه)؛ رواه مسلم.

وقد حكى الله – سبحانه وتعالى – عن نبيِّه إبراهيمَ – عليه الصلاة والسلام – أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله – تعالى -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126].

ودعاء إبراهيمَ – عليه الصلاة والسلام – يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله.
ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة؛ ولهذا نرى أن الله – سبحانه وتعالى – شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال – تعالى -: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!

وقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان.

ومما يتجلى فيه حبُّ الأوطان:
صلة الأرحام، فهم عترة الإنسان وخاصَّتُه، وهم قرابته وأنسه، وبهم تطيب الإقامة في الديار؛ لذلك جعل الله صلةَ الأرحام من أعظم القُرُبات، وقطيعتَهم قرينَ الإفساد في الأرض.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إن الله خَلَقَ الخلْقَ، حتى إذا فرغ منهم، قامَتِ الرَّحمُ فقالت: هذا مقامُ العائذ من القطيعة، قال: نعم، أمَا ترضَيْنَ أن أصلَ مَن وصَلَك، وأقطع مَن قطَعَك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لكِ)، ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (اقرؤوا إن شئتم: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 22 – 24])).

وينتقل الإحسانُ إلى دائرة أخرى من الدوائر التي تحيط بالإنسان، وهي دائرة الجوار، وهل تطيب الإقامةُ في الدار إن عدا عليك فيها جارٌ؟
لذا جعل الإسلام الإحسانَ إلى الجوار مِن كمال الإيمان، كما جعل الإساءة إلى الجوار من أسباب دخول النار؛ عن أبي هريرةَ: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ).

وتتَّسع الدائرة لتشمل الإحسان إلى كل مسلم؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: (لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّه لنفسه).
وتتسع الدائرة لتشمل الإحسانَ إلى أهل الأديان الأخرى، وهم شركاؤنا في الوطن، وجاء عن رسول الله – ‌‏صلى الله عليه وسلم – ‏أنه ‏قال: (ألا ‏مَن ظَلَمَ ‏ ‏مُعَاهدًا، ‏أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ – فَأَنَا ‏حَجِيجُهُ ‌‏يَوْمَ القِيَامَةِ ).

وتب
لغ دائرة الإحسان مداها، لتشمل الحيوان، والنبات، والحجر، وكلَّ شيء؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله كَتَبَ الإحسان على كل شيء)).

فإذا تحقَّق الترابط بين أبناء الوطن الواحد، كان الجو مهيَّأً للبناء، وأول خطوة في طريق التقدم هو التعليم، فإذا انتشر العلم النافع بين أبناء الوطن، وتربَّى النشءُ تربيةً صحيحة، يتحقق أول وأهم مقوِّم من مقومات الحضارة، وهل الحضارة إلا مكوَّن يتركب من الإنسان، والتراب، والزمان؟
وقد حرص الإسلام على نشر العلم بين أبناء الأمة، فكانت أول آيات القرآن الكريم نزولاً: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، وأول أداة وآلة ذُكِرتْ في القرآن هي القلم، قال – تعالى -: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1].

ولما هاجر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وبدأ بتأسيس حضارة إسلامية، بدأ بنشر التعليم بين أبناء المدينة المنورة، فجعل فديةَ مَن يعرف القراءةَ مِن أسارى بدرٍ أن يُعلِّم عشرةً مِن أبناء المسلمين.

وكان يعلِّم وفود البلاد التي تَقدَم عليه، ويأمرُهم بالرجوع إلى بلادهم؛ حتى يعلِّموا مَن خلفهم؛ عن مالك بن الحويرث قال: قدمنا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن شببة، فأقمنا عنده نحوًا من عشرين ليلةً، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رحيمًا، فقال لنا : ((لو رجَعتُم إلى بلدكم فعلَّمتموهم – أو قال: أمرتموهم – صلوا صلاة كذا وكذا، في حين كذا وكذا، فإذا حضرَتِ الصلاةُ، فليؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمكم أكبرُكم)).

وأما تربة الأرض، فهي المقوم الثاني من مقومات الحضارة، وتربة الأرض تشمل سطحَها، وتشمل ما في باطنها، فهي تعني زراعتَها، واستثمار ما في جوفها من خيرات.

وقد عُنِيَ الإسلامُ بزراعة الأرض أيَّما عناية؛ لأنها مصدر قُوتِ الإنسان، وهي ضمان لاستقلاله وقوَّته، وأيما أمة لا تَزرع أرضَها، ولا تَملك قُوتَها، أمةٌ لا تملك قرارَها، ولا حرِّيتَها، ولا سيادتها؛ لذلك نظَّم الإسلام امتلاكَ الأرض، ووضع أحكامًا تُعنى بالحفاظ على هذا المقوِّم من مقومات الحضارة والتقدم.

وأكتفي بهذه الإشارة التي تُفهم من هذا الحديث؛ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلاَّ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ)).

وحب الوطن الذي لا يعارض الشرع يعني الإتقان، الإتقان في كل الأعمال، في التعليم، وفي الزراعة، وفي الصناعة، الإتقان في أمر الدنيا وأمر الآخرة، فكل منتَج في بلاد المسلمين يجب أن يحمل علامةَ الجودة الفائقة.
عن عائشة، قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله – تعالى – يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).
ولكن الأمر في الواقع على خلاف هذا القول!

وحب الوطن يعني: الحفاظ على الحق العام، وقد بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الناس شركاءُ في أمورٍ، لا يجوز لأحد الاستئثارُ بها، أو الاعتداء عليها.
قال – صلى الله عليه وسلم -:((الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ، والماء، والنار))؛ رواه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات.
وقال: ((وإماطة الأذى عن الطرق صدقة)).
وقال: ((أعطوا الطريق حقه)).
وقال: ((اتَّقوا اللاعِنَينِ؛ الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلِّهم)).

حب الوطن في الإسلام:
هو محبة الفرد لوطنه وبلده، وتقوية الرابطة بين أبناء الوطن الواحد، وقيامه بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، ووفاؤه بها.
وحب الوطن في الإسلام: لا يعني: العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، وفي الحديث: ((مَن قُتل تحت راية عُمِّيَّة، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلتُه جاهليةٌ)).

حب الوطن في الإسلام: لا يعني: اتِّباعَ القومِ أنَّى ساروا، ونصرَهم على كل حال؛ بل يعني: العدلَ والإنصاف.
وعن عبَّاد بن كثير الشامي، عن امرأةٍ منهم يقال لها: فسيلة، قالت سمعت أبي يقول: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقلت: يا رسول الله، أمِنَ العصبيةِ أن يحب الرجلُ قومَه؟ قال: ((لا، ولكن من العصبية أن يُعِينَ الرجلُ قومَه على الظلم))؛ رواه أحمد وابن ماجه.

وحب الوطن في الإسلام: لا يعني: الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلومًا، ولا نغيث ملهوفًا، ولا نعين مكروبًا، ما دام أنه ليس في حدود الوطن، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى))؛ متفق عليه.

إن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره، لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء؛ بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى.
فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فِي بَلَدٍ عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي
إن المسلم يحب وطنه، ويعمل كل خير لبلده،
ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه.

وإن المسلم يعمل للأمة، ويحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ويدافع عنها، ويسعى لوحدتها.
وإن المسلم يقدِّم الأقرب فالأقرب، ولا ينسى من هو بعيد.
وكل مسلم على ثغر، فلْيحذر أن يُؤتى وطنُه، أو تؤتى أُمتُه مِن قِبَله.

بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمي
يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي

اللهم احفظ بلاد المسلمين آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.

الخطبـــــة.الثانيـــــة.cc
ومن حنين الإنسان إلى بلده
أنه إذا غاب عنها وقدم عليه شخص منها سأله عنها، يتلمس أخبارها، فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يسأل أُصيل الغفاري عن مكة لما قدم عليه المدينة، فقد أخرج الأزرقي في “أخبار مكة” عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له: يا أصيل! كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيتضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له: (يا أصيل! كيف عهدت مكة؟) قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، فقال: (حسبك يا أصيل لا تحزنا).
وأخرجه باختصار أبو الفتح الأزدي في كتابه “المخزون في علم الحديث”، وابن ماكولا في “الإكمال”، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها).

وهذا كليم الله موسى عليه السلام حنّ إلى وطنه بعد أن خرج منها مجبراً قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ). (القصص : 29 ).
قال ابن العربي في “أحكام القرآن”:
“قال علماؤنا لما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغرار وتركب الأخطار وتعلل الخواطر ويقول لما طالت المدة لعله قد نسيت التهمة وبليت القصة“.

وحب الوطن يجعل الإنسان يدفع عنه العدو إذا هاجمه أو أخرجه العدو منه، والله سبحانه يحكي عن المؤمنين فيقول الله تعالى:
(قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا). (البقرة : 246 ).
ومما أنشده رفيق بن جابر وهو من شعراء الأندلس في تنبيه الغير من الكلام في أوطان من ينزل عندهم، وأنهم لا يقبلون في أوطانهم قدحاً:
لا تعاد الناس في أوطانهم
قلَّما يُرعى غريب الوطن

فبهذه الآيات والأحاديث والآثار؛ يُعلم أن منها أن “حب الوطن” أمراً طبيعياً ومشرعاً أيضاً.

ويؤكد مشروعيته ما أخرجه البخاري أن بلالاً قال: “اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كمَا أخْرَجُونَا مِنْ أرْضِنَا إلَى أرْضِ الوَباءِ“.
قال ابن حجر في “الفتح”:
” وقوله: “كما أخرجونا” أي: أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا”.
فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على بلال ذلك، بل دعا الله أن يحبب إليهم المدينة فقال صلى الله عليه وسلم: (أللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدُّ).

وكان بلال ينشد ويقول:
ألاَ لَيْتَ شَعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلٌ
وهَلْ أرِدَنْ يَوْما مِياهَ مَجَنَّةٍ
وهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ

ومما يدل على مشروعية حب الوطن كما قرره الأئمة الأعلام على ما أخرجه البخاري، وأحمد وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها” قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: “حركها من حبها”.
وقوله: “أوضع نافته”: يقال: وضع البعير، أي: أسرع في مشيه، و أوضعه راكبه، أي: حمله على السير السريع.
قال ابن حجر في “الفتح”، والعيني في”عمد القارئ:
“وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه”.
قال القارئ في قوله:
(حركها من حبها)؛ أي” حرك دابته بسبب حب المدينة، وهذا التعليق وصله الإمام أحمد”.

وفي الحديث عند أحمد بسند صحيح عن علي رضي الله عنه قال: “لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها، فاجتويناها، وأصابنا بها وعك وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخبر عن بدر ..”
قال ابن عبد البر في “الاستذكار”:
“وفيه بيان ما عليه أكثر الناس من حنينهم إلى أوطانهم وتلهفهم على فراق بلدانهم التي كان مولدهم بها ومنشأهم فيها”.
“فاجتويناها”: أي؛ أصابنا الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها.
“يتخبر”: أي؛ يتعرف، إذا سأل عن الأخبار ليعرفها.

ومما جاء عن السلف وحنينهم إلى أوطانهم، ما أخرجه أبو نعيم في “الحلية”، أن إبراهيم بن أدهم قال: “ما قاسيت فيما تركت شيئا أشد علي من مفارقة الأوطان“.
وقال ابن بطوطة: “…فع
ند ذلك قصدت القدوم على حضرته … مع ما شاقني من تذكر الأوطان، والحنين للأهل والخلان، والمحبة إلى بلادي التي لها الفضل عندي على البلدان“.
وأنشد:
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وأول أرض مس جلدي ترابها

وقال الارفعي القزويني في “أخبار قزوين”: ولو لا نزوع النفس إلى مسقط الرأس ودائرة الميلاد لم ينزل (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) وقد صدق ابن الرومي حيث قال:
وحبب أوطان الرجال إليهم
مأرب قضاها الفؤاد هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهود الصبي فيها فحنوا لذالكا

وجاءت أشعار السلف في التعبير عن حبهم لأوطانهم، وشغفهم وحنينهم إليها تترا، فهذا أبو بكر العلاف أنشد يقول:
كما تُؤلف الأرض التي لم يكن بها
هواء ولا ماء سوى انها وطن

وأنشد علي بن محمد التنوخي:
ما كنت أول مشتاق إلى وطن
بكى وحن إلى أحبابه وصبا

وأنشد أبو الفرج محمد بن عبد الواحد الدارمي البغدادي:
ولي وطن لا يرى مثله
يقر بذلك لي من عرف

وذكر أبو الطيب الوشاء قال أنشدت لموسى بن عبد الملك وكان حاجاً فلما قفل وصار بالثعلبية قال:
أيقنت لي وطن أحب ** بجمع شمل واتفاق

وهذه ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد زوج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنشأت تقول وقد حنت إلى وطنها:
خشونة عيشتي في البدو أشهى
إلى نفسي من العيش الطريف
فما أبغي سوى وطني بديلا
فحسبي ذاك من وطن شريف

وفي الختام، نسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً لما فيه الخير والسداد، والهداية والرشاد، والحمد لله رب العباد .
=======================
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
فضائل الصحابة وواجبنا تجاههم
للـــشيـــخ/ أحــــمــــد أبــــو عــــيــــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين واشهد أن محمداً عبد الله ورسوله. وبعد:
عناصر الخطبة:
أولاً: تعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ.
ثانياً: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة.
ثالثاً: فضائل الصحابة رضوان الله عليهم.
رابعاً: واجبنا نحو الصحابة.
خامساً: حكم من سب الصحابة أو آذاهم.
سادساً: نماذج من سير الصحابة وفضلهم.

الموضوع:
أولاً: تعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ:
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَر: وَأَصَحّ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِك أَنَّ الصَّحَابِيّ: مَنْ لَقيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنَاً بِهِ، وَمَاتَ عَلَى الإسْلامِ.

فَيَدْخُل فِيمَنْ لَقِيَهُ: مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ أَوْ قَصُرَتْ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَرْو، وَمَنْ غَزَا مَعَهُ أَوْ لَمْ يَغْز، ومَنْ رَآهُ رُؤْيَةً وَلَوْ لَمْ يُجَالِسهُ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ لِعَارِضٍ كَالْعَمَى([الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 4 - دار الكتب العلمية)]).

ثانياً: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة:
قال الشيخ عبد المحسن العباد:
ومذهب أهل السّنّة والجماعة فيهم وسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وسط بين المُفْرطين الغالين الذين يرفعون من يُعَظَّمون منهم إلى ما لا يليق إلَّا بالله أو برسله، وبين المُفرِّطين الجافين الذين ينتقصونهم ويسبونهم؛ فهم وسط بين الغلاة والجفاة؛ يحبون الصحابة جميعاً وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، فلا يرفعونهم إلى ما لا يستحقون، ولا يقصرون بهم عما يليق بهم؛ فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم، وقلوبهم عامرة بحبهم.

وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون، إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا معصومين، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم ولهم من الله المغفرة والرضوان.

وعدالة الصحابة عند أهل السنة من مسائل العقيدة القطعية، أو مما هو معلوم من الدين بالضرورة واعتقاد عدالةِ الصحابة وفضلهم هو مذهبُ أهلِ السنة والجماعة، وذلك لما أثنى اللهُ تعالى عليهم في كتابه، ونطقت به السنَّةُ النبويةُ في مدحهم، وتواتر هذه النصوص في كثير من السياقات مما يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى حباهم من الفضائل، وخصهم من كريم الخصال، ما نالوا به ذلك الشرف العالي، وتلك المنزلة الرفيعة عنده؛ وكما أن الله تعالى يختار لرسالته المحل اللائق بها من قلوب عباده، فإنه سبحانه يختار لوراثة النبوة من يقوم بشكر هذه النعمة، ويليق لهذه الكرامة؛ كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]

ويقول ابن مسعود رضي الله عنه:
" إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ " انتهى.
رواه أحمد في "المسند" (1/ 379) وقال المحققون: إسناده حسن.

ثالثا: فضائل الصحابة رضوان الله عليهم:
1 - هم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ [النمل: 59] قال: أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم طهارة القلوب، وصدق الإيمان قال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].

قال ابن كثير " فعلم ما في قلوبهم: أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة.

2 - أثنى الله عليهم وذكر بعض صفاتهم:
قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29].

قال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن محمد صلوات الله عليه، أنه رسوله حقا بلا شك ولا ريب، فقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، وهذا مبتدأ وخبر، وهو مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، كما قال تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّ
َةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]، وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيمًا بَرًّا بالأخيار، غضوبًا عبوسًا في وجه الكافر، ضحوكًا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾ [التوبة: 123]، وقال النبي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجَسَدِ بالحمَّى والسَّهَر"، وقال: "المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشُدُّ بعضُهُ بعضًا" وشبَّك بين أصابعه، وكلا الحديثين في الصحيح.

وقوله: ﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29]؛ وصفهم بكثرة العمل، وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل، والاحتساب عند الله جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله، وهو سَعَة الرزق عليهم، ورضاه تعالى عنهم، وهو أكبر من الأول، كما قال: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72]. وقوله: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]؛ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ﴾ [الفتح: 29] يعني: السَّمْتُ الحَسَن. وقال مجاهد وغير واحد: يعني: الخشوع والتواضع.

3 - رضي الله عنهم وغفر لهم وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار:
قال تعالى ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

قال ابن تيمية: (فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان. ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان) الصارم المسلول: 572. ومن اتباعهم بإحسان الترضي عنهم والاستغفار لهم.

وقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر: ((وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) صحيح البخاري.

وعن أنس قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق وينقلون التراب وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا و يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجيبهم: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة). متفق عليه.

4 - زكى الله عز وجل ظاهرهم وباطنهم:
فمن تزكية ظواهرهم وصفهم بأعظم الأخلاق الحميدة، ومنها قال تعالي ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، ﴿ وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8].

﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].

أما بواطنهم، فأمر اختص به الله عز وجل، وهو وحده العليم بذات الصدور. فقد أخبرنا عز وجل بصدق بواطنهم وصلاح نياتهم، فقال على سبيل المثال:
﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: 18].

﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ [الحشر: 9]، ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29].

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ [التوبة: 117].

فقد تاب عليهم سبحانه وتعالى؛ لما علم صدق نياتهم وصدق توبتهم. والتوبة عمل قلبي محض كما هو معلوم... وهكذا.

5 - هم الصادقون حقا بشهادة الله لهم:
قال الله جلَّ وعلا: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر:8]، هكذا وصفهم الله: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر:8] من هم؟ المهاجرين، ثمَّ قال عن الأنصار:﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ ﴾ [الحشر: 9] يعني المدينة ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ [الحشر: 9] يح
بون المهاجرين ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]؛ هذا ثناءٌ على من ومن؟ على المهاجرين والأنصار من الصحابة.

6 - لا يستطيع احد أن يبلغ درجتهم عند الله مهما فعل:
عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ". متفق عليه.

وقد قال تعالى ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ﴾ [الحديد: 10].

وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة، وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته - صلى الله عليه وسلم -، وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة، والتودد، والخشوع، والتواضع، والإيثار، والجهاد في الله حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل، ولا ينال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

7 - لهم الحظَّ الوافر والنَّصيب الكامل من الأجر:
من دعوةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى له من سامع ". رواه الترمذي وابن ماجه وقال الألباني حسن صحيح.

8 - خير القرون على الإطلاق:
عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم بعد ذلك تسبق أيمانهم شهاداتهم أو شهاداتهم أيمانهم " أخرجه البخاري ومسلم.

وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون؛ لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه، وواسوه بأموالهم وأنفسهم، وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام.

9 - أمان لأهل الأرض بوجودهم:
وعن أبي بردة عن أبيه قال: رفع - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء. فقال: " النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ". رواه مسلم. وهو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض.

رابعا: واجبنا نحو الصحابة:
1 - وجوب إكرامهم:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم) مشكاة المصابيح: 3/ 1695.

2 - اتباع هديهم:
عن العرباض بن سارية قل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"...أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و أن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة". قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2549 في صحيح الجامع.

وما أحسن ما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة؛ أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم " رواه ابن عبد البر في الجامع، رقم (1810).

3 - وجوب حبهم وعدم بغضهم:
عن البراء بن عازب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم أو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق من أحبهم فأحبه الله ومن أبغضهم فأبغضه الله فقلنا له: أنت سمعته من البراء فقال إياي حدث (صحيح سنن ابن ماجة 163: أخرجه البخاري).

4 - الدعاء لهم:
قال الله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب":إنَّ مِنْ شأن مَنْ جاء مِنْ بعد المهاجرين والأنصار، أن يذكر السابقين، وهم المهاجرون والأنصار، بالدعاء والرحمة، فمن لم يكن كذلك، بل ذكَرَهم بسوء، كان خارجًا من جملة أقسام المؤمنين بحسب نص هذه الآية.

5 - سَلامة الصَّدر:
أن تكونَ قلوبُنا سليمةً تُجاه الصحابة، ليس فيها غِلٌّ، ليس فيها حِقدٌ، ليس فيها ضَغِينَةٌ، ليس فيها بَغْضَاء ليس فيها عَدَاوةٌ، وإنَّما فيها المحبَّةُ، فيها الإحسان، فيها الرِّفق، فيها المودَّة، فيها اللين، هذا نأخذه من قوله: ﴿
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحشر: 10] يعني اجعلْ قلوبَنا سليمةً تجاه مَن سَبَقنا بالإيمان، وهُم إخوانُنا، بل هُم خيرُ إخوانِنا رضيَ الله عنهُم وأرضاهُم.

6 - سلامة اللِّسان:
ليس فيه سب، ليس فيه طعن، ليس فيه بذاء، ليس فيه فحش، وإنما قلبٌ نظيفٌ، ولسانٌ نقيٌّ تُجاه الصَّحابة الكرامِ وأرضاهم.

7 - عدم الخوض فيما صدر بين الصحابة من خلاف فالله اعلم به:
أحد السَّلف سُئِل عن هذا الأمر فقال: «تلك فتنة طهَّرَ الله منها سيوفَنا، فَلْنُطَّهِّر منها ألسنَتَنا».

وقال تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:134].

لنَفْرِض أنَّ أحدَ الصَّحابة أخطَأ فهل الله عزَّ وجلَّ يحاسبك يوم القيامة أنتَ على هَذا الخطأ؟ ﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:134] فلماذَا تُقحِم نفسَك في هذا الَّذي شجَر بين الصَّحابة وأنتَ لستَ حسيبًا عليهم ولا رقيبًا، وأمرٌ آخَر وهُو في غاية الأهمِّيَّة: هذَا الخَطأ الَّذي لنفرضُ أنَّه وُجِدَ عند بعض الصَّحابة ما شأنه في ميزان الإسلام؟ يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: « إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ».متفق عليه.

8 - الدفاع عنهم:
فيجب الدفاع عن عنهم من كل من يتحدث في حقهم بالباطل فهم عدول كما شهد لهم الله بذلك وهم كالنجوم وهم الثقات الذين نقلوا لنا القران والسنة النبوية فالقدح فيهم كالقدح في القران والسنة.

وان لم يكن لك علم لتدافع عنهم فإياك أن تجلس أو تستمع لمن يخوضون فيهم كما قال تعالى ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ [الأنعام: 68].

خامسا: حكم من سب الصحابة أو آذاهم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)صحيح الجامع قال ابن عمر -رضي الله عنهما- " لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمره ".

وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - " إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بسوء فاتهمه على الإسلام " وقال - رحمه الله تعالى - " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع ".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - " ويمسكون عما شجر من الصحابة، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه، ونقص، وغُيِّرَ عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون؛ إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون...، ولهم من السوابق، والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم... ثم القَدْر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم، ومحاسنهم من الإيمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم، وأكرمها على الله " ا.هـ.

وقد اختلف أهل العلم في حكم سابِّ الصَّحابة - رضوان الله عليهم - على قولين:
القول الأَوَّل: تكفير من سبّ الصَّحابة أو انتقصهم أو عابهم في عدالتهم، وهو حلال الدم إلاّ أن يتوب من ذلك. وإلى هذا القول ذهب بعض الصَّحابة كعبد الرَّحمن ابن أبزى، وبعض التَّابعين كالأوزاعي وابن عيينة والفريابي والمروزي وغيرهم. انظر: الشَّرح والإبانة لابن بطّة ص160 - 162، الصَّارم المسلول ص570.

القول الثّاني: أن سابّ الصَّحابة لا يكفر، بل يُفسَّق ويُضلَّل ويؤدَّب ويُعزَّر. انظر:
الصَّارم المسلول ص568، الشِّفاء للقاضي عياض 2/ 307 - 308 - 309.

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
في حكم سب الصحابة في الشرع فعلى ثلاثة أقسام‏:‏
الأول‏:‏ أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق‏.‏

الثاني‏:‏ أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال‏.‏

الثالث‏:‏ أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل، فلا يكفر
ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب ‏«الصارم المسلول‏»‏ ونقل عن أحمد في ص 573 قوله‏:‏ ‏«لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك أدّب، فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع‏»‌‏.‏

وقال القاضي رحمه الله: (دخل هارون الرشيد المسجد، فركع ثم أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى مجلس مالك فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال مالك: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قال لمالك: هل لمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الفيء حق؟ قال: لا ولا كرامة، قال: من أين قلت ذلك؟ قال: قال الله: ﴿ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح:29]، فمن عابهم فهو كافر، ولا حق للكافر في الفيء، واحتج مرة أخرى بقوله تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ﴾ [الحشر:8]، قال: فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه وأنصاره، ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر:10]، فما عدا هؤلاء فلا حق لهم فيه). [ترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك، ج2 ص: 64].

سادسا: نماذج من سير الصحابة وفضلهم:
1 - مشهد بين يدي معركة بدر الكبرى:
في شرح النووي على مسلم رحمهما الله تعالى:
عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ.

فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!.وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَ عَلْنَا.

قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا.

قال العلماء: فَلَمَّا عَرَضَ الْخُرُوج لِعِيرِ أَبِي سُفْيَان، أَرَادَ أَنْ يَعْلَم أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَجَابُوهُ أَحْسَنَ جَوَاب بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّة، فِي هَذِهِ الْمَرَّة وَغَيْرهَا.

2 - في صلح الحديبية:
في صحيح البخاري، عن قصة صلح الحديبية، لمّا قدم عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ مفاوضا للنبيّ صلى الله عليه وسلم من طرف قريش وحلفائها:... ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ، قَالَ:فَوَالله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ،وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ،وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ،وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ،فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَالله لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَالله إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُحَمَّدًا.....

3 - أبو بكر:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم اليوم صائما؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة. رواه مسلم.

4 - صهيب بن سنان الرومي:
حينما أراد صهيب الهجرة من مكة إلى المدينة تبعته قريش لتمنعه، فنزل عن راحلته ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي. فقالوا «نعم»، ففعل.

ووصل صهيب إلى المدينة وكان خبره مع قريش قد وصل إلى المدينة قبل وصوله، فقد جاء أمين الوحي جبريل عليه السلام وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل صهيب مع قريش وتخليه عن ثروته، ونزلت الآية الكريمة: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207].

ولما دخل صهيب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم هشَّ له وبشَّ وقال: "رَبحَ البيعُ يا أبا يحيى... رَبحَ البيعُ"، وكررها ثل
اثاً، فعلت الفرحة وجه صهيب وقال: والله ما سبقني إليك أحدٌ يا رسول الله، وما أخبرك به إلا جبريل، وتلقاه الصحابة وهنأوه بما أنزل فيه وهم يقولون: "ربح البيع يا صهيب"، فقال لهم: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم.

وكان صهيب قد أصابه الرمد خلال طريقه من مكة إلى المدينة، وكان يتضور جوعًا، فلما وصل قباء وجد بها النبي محمد مع أبي بكر وعمر فأقبل يأكل التمر فقال النبي صلى الله عليه آله وسلم ممازحًا له: "تأكل الرطب وأنت رمد"، فقال صهيب: إنما آكله بشق عيني الصحيحة. فتبسم النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

5 - عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه:
عن أم بكر: "أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضا له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار فقسم في فقراء بني زهرة وفي ذي الحاجة من الناس وفي أمهات المؤمنين قال المسور فدخلت على عائشة بنصيبها من ذلك فقالت من أرسل بهذا قلت عبد الرحمن بن عوف فقالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحنأ عليكن بعدي إلا الصابرون سقى الله بن عوف من سلسبيل الجنة" فضائل الصحابة - احمد بن حنبل.

6 - ما أجمل قول القحطاني حين قال:
أكرم بفاطمة البتول وبعلها
وبمن هما لمحمد سبطان
غصنان أصلهما بروضة أحمد
لله در الأصل والغصنان
أكرم بطلحة والزبير وسعدهم
وسعيدهم وبعابد الرحمن
وأبي عبيدة ذي الديانة والتقى
وامدح جماعة بيعة الرضوان
قل خير قول في صحابة أحمد
وامدح جميع الآل والنسوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى
بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم
وكلاهما في الحشر مرحومان
والله يوم الحشر ينزع كل ما
تحوي صدورهم من الأضغان
والويل للركب الذين سعوا إلى
عثمان فاجتمعوا على العصيان
ويل لمن قتل الحسين فإنه
قد باء من مولاه بالخسران
واحفظ لأهل البيت واجب حقهم
واعرف عليا أيما عرفان
لا تنتقصه ولا تزد في قدره
فعليه تصلى النار طائفتان
إحداهما لا ترتضيه خليفة
وتنصه الأخرى آلها ثاني
والعن زنادقة الجهالة إنهم
أعناقهم غلت إلى الأذقان
جحدوا الشرائع والنبوة واقتدوا
بفساد ملة صاحب الإيوان
لا تركنن إلى الروافض إنهم
شتموا الصحابة دون ما برهان
لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد
وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة
ألقى بها ربي إذا أحياني

وأخيرا مهما ظللنا نعد فضائل الصحابة فلن نستطيع فيكفيه فضلا ما وصفهم به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا
محمــــد وعلى آله وصحبه اجمعــين .
=======================
🌾خطبة جمعة بعنوان
الإسلام والأمن
إعداد/حفظ الله عثمان
إخوة الإسلام
أذكرنفسي وإياكم بنعمة جليلة ومنة كبيرة ،هذه النعمة هي مطلب كل أمة وغاية كل دولة،من أجلهاجندت الجنود ورصدت الأموال ،وفي سبيلهاقامت الصراعات والحروب ،إنهانعمة الأمن ،وماأدراك مانعمة الأمن؟ففي ظلال الأمن يأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ،وفي ظلال الأمن يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون في سبيله ،وفي رحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة في النفوس ويسودهاالهدوء وترفرف عليهاالسعادة وتؤدى الواجبات باطمئنان من غير خوف ولاهضم ولاحرمان
معاشرالمسلمين:
الديارالتي تفقدالأمن صحراء قاحلة وإن كانت ذات جنات وارفة الظلال،وإن البلادالتي تنعم بالأمن تهدأ فيهاالنفوس وتطمئن فيهاالقلوب وإن كانت قاحلة جرداء
ولوانفرط عقدالأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر
الهرج.
إخوة الإيمان:
لقداهتم الإسلام بالأمن وبالغ في الإهتمام ،ولونظرناوتأملنافي القرءان لوجدناعشرات الآيات تتحدث عن الأمن وأهميته
فالأمن مقدم على الرزق
فالناس لايحصلون على رزقهم ولايجدون عملا يقتاتون منه وأولادهم إلافي ظل الأمن، ولذالك لمادعاإبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق أهل مكة من الثمرات ،طلب منه الأمن أولا
( وَإِذْقَالَ إبْرَاهِيمٔ رَبِّ اجْعَلْ هَذَابَلدًا ءَامِناًوَّارْزٔق أَهْلَهٔ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ ءَامَنَ مِنْهٔمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر)البقرة ١٢٦
ودعاإبراهيم ربه أن يجنبه عبادة الأصنام ولكنه دعاأولاوطلب من ربه الأمن
إذ أنه لايمكن أن تعبدالله وحده وأنت خائف
( وَإِذْقَالَ إِبْرَاهِيمٔ رَبِّ اجْعَلْ هَذَالْبَلَدَ ءَامِنًاوَاجْنٔبْنِي وَبَنِيَّ أْن نَّعْبٔدَالأَصْنَامَ)ابراهيم ٣٥
ذكرالله عباده بنعمة عظيمة فقدأبعدعنهم الخوف وآواهم (وَاذْكٔرٔوا إِذْأَنْتٔم قَلِيلٌ مٔسْتَضْعَفٔونَ فِي الأَرْضِ تَخَافٔونَ أَن يَتَخَطَّفَكٔمٔ النَّاسٔ فآوَاكٔمْ وَأَيَّدَكٔم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكٔم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكٔمْ تَشْكٔرٔونَ) الانفال ٢٦
نعمة الأمن تشكل مع العافية والرزق الملك الحقيقي في الدنيا،فعن عبدالله بن محصن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:من أصبح منكم آمنافي سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنماحيزت له الدنيا بحذافيرها)رواه الترمذي وابن ماجة بسندحسن
إخوة الايمان
لماأمرالله قريشابعبادته ذكرهم بنعمة الأمن التي أنعم بهاعليهم (فَلْيَعْبٔدٔوا رَبَّ هَذَالْبَيْتِ ٣الَّذِي أَطْعَمَهٔم مِنْ جٔوعٍ وَ ءَامَنَهٔم مِن خَوفٍ)قريش ٤،٣أمرالله اهل بلده الحرام ان يروا نعمه عليهم وماذالك الامن خلال نعمة الامن(أولم يرو أناجعلناحرماءامناويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون)العنكبوت٦٧ وحين رفض اهل مكة الدعوة وربطواذالك بخوفهم من أن يتخطفهم الناس قال الله لهم(أولم نمكن لهم حرماءامنايجبى إليه ثمرات كل شيئ رزقامن لدناولكن أكثرهم لايعلمون)القصص٥٧
والعبادات بمافيهاالصلاة لاتؤدهابتمامهاوكمالهاإلافي ظل الأمن قال تعالى:
( حَافِظٔواعَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْؤسْطَى وَقٔومٔوالِلَّهِ قَانِتِينَ ٢٣٨ فَإِنْ خِفْتٔمْ فَرِجَالًا أَوْرٔكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتٔمْ فَاذْكٔرٔوا اللَّهَ كَمَاعَلَّمَكٔم مَالَمْ تَكٔونٔوا تَعْلَمٔونَ)البقرة ٢٣٩،٢٣٨
وقال تعالى:(وإذاكنت فيهم فأقمت لهم الصلوٰة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذاسجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودالذين كفرو لوتغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولاجناح عليكم إن كان بكم أذى من مطرأوكنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعدللكافرين عذابامهينا
فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماوقعودا وعلى جنوبكم فإذا طمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباموقوتا) النساء١٠٣،١٠٢
أي فإذا أمنتم فأدوا الصلاة بكمالهاوصفتهاالتامة
ومن شروط الحج الأمن ،فإذاوجدالمسلم نفقة الحج ولم يكن الطريق اليه ءامنافلايجب عليه الحج
قال تعالى:(فَإذَا أَمِنْتٔمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعٔمْرةَ إِلَى الْحَجِّ فَمااسْتَيْسَرَمِنَ الْهَدْيِ)البقرة١٩٦
ولماأخبرالله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم سيدخلون المسجدالحرام ويؤدون نسكهم بعدماصدهم المشركون عنه قرن ذالك بالأمن قال تعالى( لَقَدْصَدَقَ اللَّهٔ رَسٔولَهٔ الرّٔؤْيابِالْحَقِّ لَتَدْخٔلٔنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَاَمَ إِن شَاءَ اللَّهٔ ءَامِنِين مٔحَلِّقينَ رٔءٔوسَكٔم وَمٔقصِّرين لاتَخافون)الفتح٢٧
وانتشارالدعوة الاسلامية يكون في وقت الامن اكثرمن غيره قال تعالى عن موسى عليه السلام( فماءامن لموسى إلاذرِّيَّة من قومه على خوف من فرعون وملإىهم أن يفتنهم)يونس٨٣
ولكن لماأغرق الله فرعون ودمرماكان يصنع وقومه دخل كثيرمن الناس في دين الله ففي حديث السبعين الفاالذين يدخلون الجنة بلاحساب ولاعذاب لمارأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه سوادا
عظيماقال:ورأيت سواداكثيرا سدالافق فرجوت أن تكون أمتي فقيل هذا موسى وقومه )رواه البخاري ومسلم
وانظروا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لماخرج الى الحديبية كان معه الف وخمسمائة من اصحابه فلماانعقدالصلح وكان من بنوده وقف الحرب عشرسنوات يأمن فيهاالناس دخل كثيرمنهم في دين الله،فبعدعامين وبضعة أشهرخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة عشرة آلاف من المسلمين
*نعمة الامن اعظم من نعمة الصحة قال الرازي رحمه الله:سئل بعض العلماء ،الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال:الامن افضل. والدليل عليه أن شاة لوانكسرت رجلهافإنهاتصح بعدزمان ثم إنهاتقبل على الرعي والاكل، ولوأنهارٔبطت في موضع وربط بالقرب منهاذئب فإنهاتمسك عن العلف ولاتتناوله إلى أن تموت وذالك يدل على أن الضررالحاصل من الخوف أشدمن الضررالحاصل من ألم الجسد
وممايدل على أهميته أن يوسف عليه السلام حين دخل عليه ابواه وإخوته بشرهم بأنهم سيعيشون بأمن واطمئنان(فلمادخلوا على يوسف ءاوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرإن شاءالله ءامنين) يوسف٩٩
وممايدل على أهمية الأمن أن الله أكرم أولياءه في داركرامته بالامن(ادخلوهابسلام ءامنين)الحجر٤٦
وقال تعالى(يدعون فيهابكل فاكهة ءامنين)الدخان٥٥
وقال تعالى(إلامن ءامن وعمل صالحافأولٰئك لهم جزآء الضعف بماعملوا وهم في الغرفات ءامنون)سبأ٣٧
ولماضرب الله مثلالقرية ظالمة كفرأهلهابنعمة الله سلب منهم الامن والبسهم الخوف قال تعالى(وضرب الله مثلاقرية كانت ءامنة مطمئنة يأتيهارزقهارغدامن كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقهاالله لباس الجوع والخوف بماكانوا يصنعون)النحل١٢٢
قال القرطبي رحمه الله سماه الله لباسالأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوب اللون وسوءالحال ماهم كاللباس
ايهاالمسلمون
الاسلام دين الامن ولايمكن ان يتحقق الامن للناس الاإذادانوابهذا الدين العظيم فقدحرم الاسلام قتل النفس وسرقة المال واكله بالباطل ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخويف المسلمين وترويعهم فقال صلى الله عليه وسلم:والله لايؤمن والله لايؤمن والله لايؤمن قيل من يارسول الله؟قال :الذي لايأمن جارٔه بوائقَه)رواه البخاري ومسلم
ولعن من أشارإلى أخيه المسلم بالسلاح وحرم عليناالجنة حنى نؤمن ويحب بعضنابعضاوأخبربأن ذالك يتحقق بإفشاءالسلام الذي يأمن الناس معه ويحب بعضهم بعضا
وهو من شعائرالاسلام العظيمة وهاهوعليه الصلاة والسلام يبين لناكيف يكون الاسلام ويصف لناالمسلم الحق فيقول بأبي هووأمي صلى الله عليه وسلم(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)البخاري ومسلم
وعندالنسائي (والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)وقال في حق الكافرين(من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحهاليوجدمن مسيرةاربعين عاما)رواه البخاري
وقال:ألامن ظلم معاهدا أوانتقصه اوكلفه فوق طاقته واخذمنه شيئابغيرطيب نفس فأناحجيجه يوم القيامة)رواه ابوداود
ايهاالمسلون
إذاكان الاسلام قدأمن المعاهدين فكيف بأمن المسلمين
اعلموا أن ترويع المسلمين من كبائرالذنوب
وقدعدذالك ابن حجرالهيثمي في كتابه الكبائروالشيخ محمدبن عبدالوهاب في الكبائر
عن عبدالرحمن بن ابي ليلى قال:حدثنااصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم كانوايسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم ،فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لايحل لمسلم أن يروع مسلما)رواه ابوداود واحمدوصححه الالباني
وعندالترمذي بسندحسن وابوداودوأحمدقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لايأخذأحدكم عصاأخيه لاعباأوجادا فمن أخذعصاأخيه فليردهاإليه)وفي رواية لايحل لمسلم ان ياخذمتاع اخيه لاعبااوجادا
وماذالك الا لأن أخذالمتاع فيه ترويع للمسلمين
كمايفعل من يأخذ فلوس اخيه المسلم أوجواله فيفزعه ثم يقول كنت أمزح
وهذالايجوزفي ديننا
وقال صلى الله عليه وسلم:من أشارإلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة حتى يدعهاوإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه البخاري
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إذامرأحدكم في مساجدناأوأسواقناومعه نبل فليمسك على نصالهاأوقال:فليقبض بكفه خشية أن يصيب أحدامن المسلمين منهابشيئ) وفي الصحيحين عن جابررضي الله عنه أن رجلامرفي المسجدبأسهم قدأبدى نصولهافأمرأن يأخذبنصولهالايخدش مسلما)وفي البخاري عن ابي بريدة عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من مرفي شيئ من مساجدناأوأسواقنابنبل فليأخذعلى نصالهالايعقربكفه مسلما)
وهذايدل على حرمة ترويع المسلمين وعلى أن تكون المساجدوالأسواق فى منأى عن السلاح لان فيهايجتمع المسلون
فماذانقول اليوم وقداصبحت مساجدالمسلمين وأسواقهم تمتلئ بمن يحملون السلاح ويروعون المسلمين
ماذانقول والمسلم اليوم لايأمن في بيته ولافي مسجده ولافي سوقه
ماذانقول والمسلحون يملؤن المساجدوالاسواق
بل اصبحت محلاللاشتباكات
وكثيرمنهاثكنات عسكرية مليشاوية
وإذاكان النهي عن دخول المساجدوالاسواق بالنبل وغيره من السلاح القديم
فمن باب أولى ألاندخل المساجدوالاسواق بالاسلحة النارية
وهذا يكون أ
شدإثما والعياذبالله
بل وتعدى ذالك إلى أن من كان مرابطافي الثغورثم ارادزيارة اهله ومربسوق اومسجد فليخفي ذالك اوليسلك طريقايوصله الى بيته لايكون طريقالتجمعات الناس كي لايروعهم
إخوتاه الواحدمنااليوم الامن رحم الله لولقيته في الشارع وقلت له هياالى المسجد
لقال لك دعني اذهب الى البيت لاتجهز وتقول له انت جاهز سيقول لك اناجاهزلكني سأذهب للسلاح
وهكذا لايدخل السوق الابالسلاح ولايمزح الابالسلاح ولايطلب شيئاماالابالسلاح
فيطلق النارعلى ابسط الأشياء فيروع الاطفال والنساء ،وكم قدحصلت من جرائم قتل كان سببهاالمزاح بالسلاح
عبادالله وإن أعظم مايجب على الناس أن يسعوا لتحقيقه الامن من عذاب الله(أفمن يلقى في النارخيرأم من يأتي ءامنايوم القيامة )فصلت ٤٠
قلت ماسمعتم وأستغفرالله لي ولكم فاستغفروه انه هوالغفورالرحيم
الخطبةالثانية
ايهاالمسلمون سمعناالكثيرمن الآيات والاحاديث التي تدل على أهمية الأمن وكيف ينظرالاسلام اليه
فديننادين امن وسلام ،بل إن الهدف الرئيسي للاسلام هونشرالأمن بكل معانيه وحفظه في ربوع الارض
فأين يوجدالامن وكيف نحافظ عليه
إذاتخلى أبناءالمجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحاطت بهم المخاوف وانتشرت الجرائم بينهم وادْلهمّ ظلام الخوف والقلق
نعمة الامن لاتوجدإلابوجودمقوماتهاولاتدوم الابدوام اسبابهاوالتي من أعظمهاتوحيدالله والإيمان به فالمؤمنون هم الذين يستحقون الامن(الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولٰئك لهم الأمن وهم مهتدون)الانعام٨٢
فلكي نجدالامن لابدلنامن تحقيق الايمان (وعدالله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كمااستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعدخوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا)النور٥٥
وحتى نحافظ على الأمن فلابدمن تربية الأمة على طاعة الله والإستقامة على شرعه والبعدعن معصيته سبحانه
فالنفوس المطيعة لاتحتاج الى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردعهاعن الجرائم ،لأن رقابة الله والوازع الإيماني في قلب المؤمن يقظ لايغادره في جميع الأحوال
وممايحافظ على الأمن التمسك بالكتاب والسنة والتحصن بالعلم الشرعي لان العلم عصمة من الفتن والعلم الشرعي أساس في رسوخ الامن والاطمئنان
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين(وإذاظهرالعلم في بلد أومحلة قل الشرفي أهلهاوإذاخفي العلم هناك ظهرالشروالفساد)
وممايحافظ على الامن ياعبادالله الدعاء
فالدعاءعبادة من الوسائل التي تحفظ الامن وقدكان من دعاءالنبي صلى الله عليه وسلم عندرؤيةالهلال(اللهم اهله علينابالامن والايمان والسلامة والاسلام)رواه الترمذي
وعن ابن عمر رضي الله عنهماقال:لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاءالدعوات حين يمسي ويصبح اللهم اني اسالك العافية في الدنياوالاخرة اللهم اني اسالك العفووالعافية في ديني ودنياي واهلي ومالي اللهم استرعوراتي وءامن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي واعوذبعظمتك ان أٔغتال من تحتي)رواه ابوداود
وممايحفظ الامن الاستقامة على طاعة الله(إن الذين قالواربناالله ثم استقاموا فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون)الاحقاف١٣
إذا الإيمان ضاع فلاأمان
ولادنيالمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغيردين
فقدجعل الفناءلهاقرينا
والامن من عذاب الله يكون بالسيرعلى دروب الخيروالاكثارمن الحسنات (من جآء بالحسنة فله خيرمنهاوهم من فزع يومئذءامنون)النمل٨٩
معشرشباب المسلمين
إن من الواجب عليناأن نتجنب العاطفة الهوجاء وردودالافعال المتهورة ،متسلحين بالعلم والحلم والصبر،مشتغلين ببناءالنفس ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة،وألانقحم أنفسنافي أمورلاتحمدعقباهاولانعلم شرعيتهاوجدواها
ولابدأن يحذرالشباب الغيورمن تعجل الامور أوالحكم على المواقف والاحداث دون الرجوع الى العلماء الراسخين الصادقين
إن الامورإذا الأحداث دبرها
دون الشيوخ ترى في بعضهاخلل
معشرالشباب:لوحة الامن الجميلة نرسمهانحن يأيديناونصنعهابأنفسنابعد
توفيق الله سبحانه حينما نستقيم على دينناونؤدي صلاتناونبروالديناونصل رحمناونوقركبيرناونرحم ضعيفناونعرف لعالمناحقه
لوحة الامن نصنعهاحينمانتعامل مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيدا عن الاهواء والعواطف والرغبات الشخصية
لوحة الامن نصنعهاحين نحفظ حدودالله ونتقي محارم الله ونشكرنعم الله (وإذتأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنك ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)ابراهيم٧
نحافظ على الامن بالعدل في كل جوانب الحياة
فالراعي مع رعيته والاب مع اهله وزوجاته واولاده والمعلم مع طلابه والرئيس مع مرؤوسيه وصاحب العمل مع عمال ومتى تحقق العدل دام الامن بإذن الله
(حكمت فعدلت فأمنت فنمت ياعمر)عبارة قالهامندوب الفرس حين لقي أميرالمؤمنين عمررضي الله عنه نائماتحت شجرة
نحافظ على الامن بتهيئة المحاضن التربويةللشباب والناشئة ودعم كل المؤسسات العاملة في ترببة الناشئة من حق تعليم القرءان،.ونحافظ على الامن بمعالجة اسباب انحراف الابناء بسبب ماتعيشه بعض البيوت من فقرأو
2025/07/07 17:43:27
Back to Top
HTML Embed Code: