شر: 18]، ثم حذَّر الله جل وعلا من حال من خالفوا هذه الوصية، وارتكبوا ما نهى عنه، فقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19].
فيُحذر الله حال هؤلاء الذين نسوا الله، والمعنى:
نسوا طاعته، ونسوا ما أمرهم جل وعلا به، ونسيانهم هذا ليس من قبيل النسيان الذي لا يؤاخذ عليه الإنسان، لكنه نسيان التعمد، بمعنى أنهم أعرضوا وتنكَّبوا الصراط المستقيم عن عمد وقصد، وهذا حال المنافقين وأشباههم من اليهود والنصارى وأضرابهم!
ولذلك فإن الله جل وعلا جازاهم على هذا النسيان الذي تعمَّدوه وقصدوه، وأهملوا معهم أوامر الله ونواهيه، وذلك أنه سبحانه جازاهم بجنس ما عملوا، وهو أنه سبحانه نسيهم: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67].
والمعنى أنه عاملهم معاملة الناسي لهم؛ لأن الله جل وعلا كما وصف نفسه: ﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، لكنه عاملهم معاملة الناسي لهم الذي يكون معه حرمانهم من الخير، ومنعهم من التوفيق للهدى، ومنعهم من الرشد، ومن كل نعمة يُريدها الله بهم، وهذا من أعظم ما يكون من العقوبة للإنسان أنه يُجازى بأن يَنسى ما فيه الخير لنفسه، وأن يتجنَّب ما فيه حُسن العقبى له في الدنيا والآخرة، وهذه عقوبة عظيمة إذا بلَغت بالإنسان، فقد تُودِّعَ منه، وهذا يؤول بالإنسان إلى أن يكون مقتحمًا للسيئات؛ لأنه لو عظم شأنه أو علا قدره عند ربه، لحال الله بينه وبين المعاصي، ولكن الذي أهانه الله، فإنه لا يحول بينه وبين السيئات، بل إنه يقتحمها ولا يزال سادرًا في ضلاله وطغيانه، ولذا قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، وإهانة هؤلاء بأن يَقترفوا السيئات، وألا يُوفَّقوا للتوبة منها.
ولذلك ما عُوقِب عبد بمثل أن يعاقب بألا يحال بينه وبين السيئات، فلا يزال مقتحمًا لها، مُصرًّا عليها، حتى يلقى الله جل وعلا؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله جل وعلا: ﴿ نَسُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: نسوا ذكره سبحانه، فنَسِيهم؛ أي: عامَلهم معاملة مَن نسيهم؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ [الجاثية: 34]، وكما قال جل وعلا: ﴿ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ﴾ [السجدة: 14].
فهي عقوبة من الله جل وعلا من جنس ما كان منهم في الدنيا، لَما تَهاوَنوا بالأوامر وبالنواهي، وتعامَلوا معها تعاملًا خلاف ما أمر الله جل وعلا، فكانت العقوبة لهم في الدنيا على هذه الحال: ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [فصلت: 25]، وهم في الآخرة يبقون في العذاب لا يستجاب لتضرُّعهم، ولا يُجابون لنداءاتهم إلا إجابة التبكيت؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: 77]، إلى غير ذلك من نداءاتهم وهم في النار، ولا يجابون على ذلك إلا بما فيه تبكيتهم؛ كما قال سبحانه: ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108] عياذًا بالله من هذه الحال!
وهؤلاء الذين نسوا الله هم كما قال الله تعالى في شأنهم، وهم المنافقون ومَن أشبههم، ومن تشبهوا به من قبلهم من اليهود والنصارى الذين تناسوا أوامر الله، وارتكبوا نواهيه، وهذا يوجب على المؤمن أن يحاذر من أن يصل إلى هذه النتيجة، وهي أن الله سبحانه ينسيه نفسه، فلا يعرف ما ينبغي من الهدى، وما ينبغي له من السعي بعمل الطاعات واجتناب السيئات؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله في شأن العقوبات التي تحل بالعبد بسبب إصراره على المعاصي: إن المعصية تنسي العبد نفسه، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها، فإن قيل: كيف ينسى العبد نفسه؟ وإذا نسي نفسه فأي شيء يذكر؟ وما معنى نسيانه نفسه؟ قيل: نعم هو ينسى نفسه أعظم نسيان؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19].
فلما نسوا ربهم سبحانه، نسيهم وأنساهم أنفسهم؛ كما قال سبحانه: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾، فعاقب سبحانه وتعالى مَن نسيه عقوبتين؛ إحداهما أنه جل وعلا نسيه، والثانية أنه أنساه نفسه، ونسيانه جل وعلا للعبد إهماله وتركه، وتخلِّيه عنه وإضاعته، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم، وإما إنساؤه نفسه، فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها، وما يكون بسبب هذا النسيان من البلاء ما لا يخطر على البال.
أقول: لذلك يعجب المرء أن بعض الناس لا يزال مستمرًّا في معاصيه إلى آخر لحظة من حياته؛ حتى إن بعضهم يُذكَّر بالتوحيد والهداية في لحظات سكرات الموت، لكنه لا يستجيب، وهذا لأن الله نَسِيه، عياذًا بالله من كل ذلك!
ثم إن من نسيان الله لهم أنهم لا يزالون متعلقين بالدنيا، لا يلتفتون للآخرة، وهم مع ذلك في إذلال من الله جل وع
فيُحذر الله حال هؤلاء الذين نسوا الله، والمعنى:
نسوا طاعته، ونسوا ما أمرهم جل وعلا به، ونسيانهم هذا ليس من قبيل النسيان الذي لا يؤاخذ عليه الإنسان، لكنه نسيان التعمد، بمعنى أنهم أعرضوا وتنكَّبوا الصراط المستقيم عن عمد وقصد، وهذا حال المنافقين وأشباههم من اليهود والنصارى وأضرابهم!
ولذلك فإن الله جل وعلا جازاهم على هذا النسيان الذي تعمَّدوه وقصدوه، وأهملوا معهم أوامر الله ونواهيه، وذلك أنه سبحانه جازاهم بجنس ما عملوا، وهو أنه سبحانه نسيهم: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67].
والمعنى أنه عاملهم معاملة الناسي لهم؛ لأن الله جل وعلا كما وصف نفسه: ﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، لكنه عاملهم معاملة الناسي لهم الذي يكون معه حرمانهم من الخير، ومنعهم من التوفيق للهدى، ومنعهم من الرشد، ومن كل نعمة يُريدها الله بهم، وهذا من أعظم ما يكون من العقوبة للإنسان أنه يُجازى بأن يَنسى ما فيه الخير لنفسه، وأن يتجنَّب ما فيه حُسن العقبى له في الدنيا والآخرة، وهذه عقوبة عظيمة إذا بلَغت بالإنسان، فقد تُودِّعَ منه، وهذا يؤول بالإنسان إلى أن يكون مقتحمًا للسيئات؛ لأنه لو عظم شأنه أو علا قدره عند ربه، لحال الله بينه وبين المعاصي، ولكن الذي أهانه الله، فإنه لا يحول بينه وبين السيئات، بل إنه يقتحمها ولا يزال سادرًا في ضلاله وطغيانه، ولذا قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، وإهانة هؤلاء بأن يَقترفوا السيئات، وألا يُوفَّقوا للتوبة منها.
ولذلك ما عُوقِب عبد بمثل أن يعاقب بألا يحال بينه وبين السيئات، فلا يزال مقتحمًا لها، مُصرًّا عليها، حتى يلقى الله جل وعلا؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله جل وعلا: ﴿ نَسُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: نسوا ذكره سبحانه، فنَسِيهم؛ أي: عامَلهم معاملة مَن نسيهم؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ [الجاثية: 34]، وكما قال جل وعلا: ﴿ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ﴾ [السجدة: 14].
فهي عقوبة من الله جل وعلا من جنس ما كان منهم في الدنيا، لَما تَهاوَنوا بالأوامر وبالنواهي، وتعامَلوا معها تعاملًا خلاف ما أمر الله جل وعلا، فكانت العقوبة لهم في الدنيا على هذه الحال: ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [فصلت: 25]، وهم في الآخرة يبقون في العذاب لا يستجاب لتضرُّعهم، ولا يُجابون لنداءاتهم إلا إجابة التبكيت؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: 77]، إلى غير ذلك من نداءاتهم وهم في النار، ولا يجابون على ذلك إلا بما فيه تبكيتهم؛ كما قال سبحانه: ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108] عياذًا بالله من هذه الحال!
وهؤلاء الذين نسوا الله هم كما قال الله تعالى في شأنهم، وهم المنافقون ومَن أشبههم، ومن تشبهوا به من قبلهم من اليهود والنصارى الذين تناسوا أوامر الله، وارتكبوا نواهيه، وهذا يوجب على المؤمن أن يحاذر من أن يصل إلى هذه النتيجة، وهي أن الله سبحانه ينسيه نفسه، فلا يعرف ما ينبغي من الهدى، وما ينبغي له من السعي بعمل الطاعات واجتناب السيئات؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله في شأن العقوبات التي تحل بالعبد بسبب إصراره على المعاصي: إن المعصية تنسي العبد نفسه، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها، فإن قيل: كيف ينسى العبد نفسه؟ وإذا نسي نفسه فأي شيء يذكر؟ وما معنى نسيانه نفسه؟ قيل: نعم هو ينسى نفسه أعظم نسيان؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19].
فلما نسوا ربهم سبحانه، نسيهم وأنساهم أنفسهم؛ كما قال سبحانه: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾، فعاقب سبحانه وتعالى مَن نسيه عقوبتين؛ إحداهما أنه جل وعلا نسيه، والثانية أنه أنساه نفسه، ونسيانه جل وعلا للعبد إهماله وتركه، وتخلِّيه عنه وإضاعته، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم، وإما إنساؤه نفسه، فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها، وما يكون بسبب هذا النسيان من البلاء ما لا يخطر على البال.
أقول: لذلك يعجب المرء أن بعض الناس لا يزال مستمرًّا في معاصيه إلى آخر لحظة من حياته؛ حتى إن بعضهم يُذكَّر بالتوحيد والهداية في لحظات سكرات الموت، لكنه لا يستجيب، وهذا لأن الله نَسِيه، عياذًا بالله من كل ذلك!
ثم إن من نسيان الله لهم أنهم لا يزالون متعلقين بالدنيا، لا يلتفتون للآخرة، وهم مع ذلك في إذلال من الله جل وع
لا، ظاهر عليهم الذل؛ كما قال ربنا سبحانه في الآية الكريمة: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم ﴾ [الحج: 18].
قال الإمام الحسن البصري رحمه الله في شأن أهل المعاصي المُصرِّين عليها، المستعلنين بها: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البرادين، فإن ذل المعصية على وجوههم، أبى الله إلا أن يذل مَن عصاه.
والمعنى في كلامه رحمه الله أن أهل العصيان الذين أصرُّوا على الذنوب، وجاهروا بها مهما علوا في الدنيا، فهملجت بهم البرادين؛ يعني: كانت لهم المركوبات وكانت لهم الشارات العالية، وكانت لهم المفاخر الدنيوية، ثم إنهم مع كل ما يملكون ومع كل ما يتظاهرون به من الزينة - في اللباس والمراكب، وكثرة الأموال - فإن ذل المعصية لا يجاوز رقابهم، ولا يخفى عن وجوههم، لماذا؟ لأن الله سبحانه أبى إلا أن يذل من عصاه؛ كما دلت عليه الآية المتقدمة. فحَرِيٌّ بالمؤمن أيها الإخوة الكرام أن يكون مستعدًّا لنقلته عن هذه الحياة الدنيا؛ بإعداد العدة بالعمل الصالح، والانتهاء عن السيئات، وأن يحاسب نفسه، فهذا خير زاد يقدم به على رب العباد.
ألا وصلُّوا وسلِّمُوا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفِّق أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم انفع بهم العباد والبلاد، واجعلهم هداة مهتدين.
اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبْعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم احفظ وأيِّد، وثبِّت أقدام إخواننا المرابطين على حدودنا وعلى ثغور بلادنا.
اللهم احفظهم بحفظك، اللهم سدِّد آراءهم ورَمْيهم يا رب العالمين.
اللهم واحقِن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا المكروبين في فلسطين وسوريا، وفي ليبيا ومصر وفي العراق، وفي غيرها من البلاد يا رب العالمين.
اللهم إن بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام - من الفرقة والبأساء، والشدة واللأواء، وتسلُّط الأعداء - ما لا يخفى عليك، ولا نشكوه إلا إليك، ولا يَقدِّر على كشفه إلا أنت، فنسألك اللهم يا ذا الجلال والإكرام فرجًا عاجلاً لإخواننا المكروبين، اللهم عجِّل لهم الفرجَ.
اللهم انصر مَن نصَر دينك، اللهم أذل مَن حارَب دينك، وحارَب عبادك المؤمنين يا رب العالمين .
=======================
قال الإمام الحسن البصري رحمه الله في شأن أهل المعاصي المُصرِّين عليها، المستعلنين بها: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البرادين، فإن ذل المعصية على وجوههم، أبى الله إلا أن يذل مَن عصاه.
والمعنى في كلامه رحمه الله أن أهل العصيان الذين أصرُّوا على الذنوب، وجاهروا بها مهما علوا في الدنيا، فهملجت بهم البرادين؛ يعني: كانت لهم المركوبات وكانت لهم الشارات العالية، وكانت لهم المفاخر الدنيوية، ثم إنهم مع كل ما يملكون ومع كل ما يتظاهرون به من الزينة - في اللباس والمراكب، وكثرة الأموال - فإن ذل المعصية لا يجاوز رقابهم، ولا يخفى عن وجوههم، لماذا؟ لأن الله سبحانه أبى إلا أن يذل من عصاه؛ كما دلت عليه الآية المتقدمة. فحَرِيٌّ بالمؤمن أيها الإخوة الكرام أن يكون مستعدًّا لنقلته عن هذه الحياة الدنيا؛ بإعداد العدة بالعمل الصالح، والانتهاء عن السيئات، وأن يحاسب نفسه، فهذا خير زاد يقدم به على رب العباد.
ألا وصلُّوا وسلِّمُوا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفِّق أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم انفع بهم العباد والبلاد، واجعلهم هداة مهتدين.
اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبْعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم احفظ وأيِّد، وثبِّت أقدام إخواننا المرابطين على حدودنا وعلى ثغور بلادنا.
اللهم احفظهم بحفظك، اللهم سدِّد آراءهم ورَمْيهم يا رب العالمين.
اللهم واحقِن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا المكروبين في فلسطين وسوريا، وفي ليبيا ومصر وفي العراق، وفي غيرها من البلاد يا رب العالمين.
اللهم إن بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام - من الفرقة والبأساء، والشدة واللأواء، وتسلُّط الأعداء - ما لا يخفى عليك، ولا نشكوه إلا إليك، ولا يَقدِّر على كشفه إلا أنت، فنسألك اللهم يا ذا الجلال والإكرام فرجًا عاجلاً لإخواننا المكروبين، اللهم عجِّل لهم الفرجَ.
اللهم انصر مَن نصَر دينك، اللهم أذل مَن حارَب دينك، وحارَب عبادك المؤمنين يا رب العالمين .
=======================
🎤
محـــاضـــــرةقيمـــــةبعنــــــوان.tt
أسباب النصر والهزيمة في التاريخ الإسلامي
للـــشيـــــخ/ بــشـــــــــــــــر البـــشـــــــــــــــــــــــــر
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله وخيرته من خلقه، وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد،،،
فإن أسباب الانتصار والهزيمة
في التاريخ الإسلامي موضوع مهم ينبغي أن يعرفه المسلمون عموماً، والدعاة إلى الله خصوصاً، ينبغي أن يبحثوه ويتأملوه ليعرفوا أسباب النصر، فيعملوها، وينشروها، ويعرفوا أسباب الخذلان والهزيمة، فيجتنبوها، ويحاربوها، ويبعدوها.
ومن المعلوم عند كل مسلم أن الله وعدنا أن ينصر هذا الدين وأن يمكن لعباده المؤمنين، قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْاَشْهَادُ[51]}[سورة غافر] . وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...[55]}[سورة النور].
إذن: هذا وعد صادق لابد أن يتحقق.. وقد تحقق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في عهد خلفائه، ومرت السنون والقوة الإسلامية والتمكين لها في الأرض بين مد وجزر، فبعد القرون المفضلة أصبح التاريخ الإسلامي يمر بفترات هزيمة وبفترات انتصار، ولكن النصر كلمة واسعة عامة شاملة تشمل:
انتصار الداعية : حتى ولو قتل، فهناك من الدعاة من قتل، ومن عذب، ومن شرّد، ولكنه في النهاية نصره الله- أي نصر المنهج الذي عاش من أجله، حتى ولو قتل ذلك الداعية- وأقرب مثال لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي مات سجيناً، ثم إنه بعد عدة قرون ييسر الله من يقوم بنفس المباديء التي دعا إليها شيخ الإسلام، وهو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ويرفع لوائها، وينشرها في هذه الأرض، فليس النصر بالمعنى العام هو الظهور في الأرض فقط، إنما حديثنا يتركز حول الظهور على العدو والتمكين في الأرض .
الأمة الإسلامية اليوم تواجه واقعاً مأساوياً، نستطيع أن نلخصه في ثلاث نقاط:
1- هزيمة نفسية تنتاب كثيراً من أفراد الأمة: ومع الأسف حتى على مستويات كبيرة حتى وجد من ينادي بالانخراط في منظومة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد لنكون عجلة من عجلات هذا النظام، ويقوده ذلك الرجل الغربي الكافر .
2- تبعية في مجالات كثيرة: ومن أهمها التبعية الثقافية والفكرية، والاقتصادية، وتبعيات كثيرة .
3- الأمر الثالث الذي يتضح فيه واقع الأمة: الضعف والذلة والتفرق: فأصبحت الأمة المسلمة رغم كثرتها وامتداد ساحتها ورقعتها أصبحت أضعف الأمم، وأقل الأمم شأناً في هذا العصر، بينما الأمم الأخرى لا يمكن أن يحصل شيء في هذه الأرض إلا بعد أن يؤخذ رأيهم حتى البوذيين في الصين يؤخذ رأيهم، وأما الأمة المسلمة فإنه لا يؤخذ رأيها حتى في قضاياها هي ! وصدق فيها قول الشاعر:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم
ولا يستأمرون وهم شهود
إذن: لابد لهذه الأمة أن تعرف أسباب النصر والهزيمة، وأن تتلمس واقعها هذا، والأمور التي أدت إلى نزولها إلى هذا الحضيض، وأن تحاول أن تنتشل نفسها، وأن تخرج إلى ما أراد الله لها من قيادة هذه الدنيا، ومن سيادة العالم .
فنحاول أن نلخص أسباب النصر والهزيمة بدون استطراد وتوسع وإلا فهي تحتاج إلى مجلدات.
أسباب النصر والهزيمة:
أولاً: من أسباب النصر :
لعل أهم سبب من أسباب النصر لهذه الأمة هو:
1- الإيمان الصادق والعمل الصالح: يقول الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإذن لابد من إيمان صادق وعمل صالح : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} وهنا شرط مهم : {...يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...[55]}[سورة النور]. ثم قال في الآية التي بعدها مباشرة:{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[56]}[سورة النور]. فإذن: لابد من إيمان صادق، ومن عمل صالح.
ومن أهم ما يتمثل فيه هذا الإيمان:
أ- عبادة الله سبحانه وتعالى عبادة خالصة ليس فيها شرك .
ب- وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به، وفي كل ما نهى عنه، فما أمر به يفعل، وما نهى عنه يجتنب .
ج- التوكل على الله وحده، والاعتماد عليه سبحانه، والاستنصار به جل وعلا، ودعاؤه والاستغاثة به: كما كان نبينا يفعل، ومن يقرأ قصة غزوة بدر يجد ذلك واضحاً حيث قَالَ عُمَرُ بْنُ
محـــاضـــــرةقيمـــــةبعنــــــوان.tt
أسباب النصر والهزيمة في التاريخ الإسلامي
للـــشيـــــخ/ بــشـــــــــــــــر البـــشـــــــــــــــــــــــــر
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله وخيرته من خلقه، وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد،،،
فإن أسباب الانتصار والهزيمة
في التاريخ الإسلامي موضوع مهم ينبغي أن يعرفه المسلمون عموماً، والدعاة إلى الله خصوصاً، ينبغي أن يبحثوه ويتأملوه ليعرفوا أسباب النصر، فيعملوها، وينشروها، ويعرفوا أسباب الخذلان والهزيمة، فيجتنبوها، ويحاربوها، ويبعدوها.
ومن المعلوم عند كل مسلم أن الله وعدنا أن ينصر هذا الدين وأن يمكن لعباده المؤمنين، قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْاَشْهَادُ[51]}[سورة غافر] . وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...[55]}[سورة النور].
إذن: هذا وعد صادق لابد أن يتحقق.. وقد تحقق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في عهد خلفائه، ومرت السنون والقوة الإسلامية والتمكين لها في الأرض بين مد وجزر، فبعد القرون المفضلة أصبح التاريخ الإسلامي يمر بفترات هزيمة وبفترات انتصار، ولكن النصر كلمة واسعة عامة شاملة تشمل:
انتصار الداعية : حتى ولو قتل، فهناك من الدعاة من قتل، ومن عذب، ومن شرّد، ولكنه في النهاية نصره الله- أي نصر المنهج الذي عاش من أجله، حتى ولو قتل ذلك الداعية- وأقرب مثال لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي مات سجيناً، ثم إنه بعد عدة قرون ييسر الله من يقوم بنفس المباديء التي دعا إليها شيخ الإسلام، وهو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ويرفع لوائها، وينشرها في هذه الأرض، فليس النصر بالمعنى العام هو الظهور في الأرض فقط، إنما حديثنا يتركز حول الظهور على العدو والتمكين في الأرض .
الأمة الإسلامية اليوم تواجه واقعاً مأساوياً، نستطيع أن نلخصه في ثلاث نقاط:
1- هزيمة نفسية تنتاب كثيراً من أفراد الأمة: ومع الأسف حتى على مستويات كبيرة حتى وجد من ينادي بالانخراط في منظومة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد لنكون عجلة من عجلات هذا النظام، ويقوده ذلك الرجل الغربي الكافر .
2- تبعية في مجالات كثيرة: ومن أهمها التبعية الثقافية والفكرية، والاقتصادية، وتبعيات كثيرة .
3- الأمر الثالث الذي يتضح فيه واقع الأمة: الضعف والذلة والتفرق: فأصبحت الأمة المسلمة رغم كثرتها وامتداد ساحتها ورقعتها أصبحت أضعف الأمم، وأقل الأمم شأناً في هذا العصر، بينما الأمم الأخرى لا يمكن أن يحصل شيء في هذه الأرض إلا بعد أن يؤخذ رأيهم حتى البوذيين في الصين يؤخذ رأيهم، وأما الأمة المسلمة فإنه لا يؤخذ رأيها حتى في قضاياها هي ! وصدق فيها قول الشاعر:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم
ولا يستأمرون وهم شهود
إذن: لابد لهذه الأمة أن تعرف أسباب النصر والهزيمة، وأن تتلمس واقعها هذا، والأمور التي أدت إلى نزولها إلى هذا الحضيض، وأن تحاول أن تنتشل نفسها، وأن تخرج إلى ما أراد الله لها من قيادة هذه الدنيا، ومن سيادة العالم .
فنحاول أن نلخص أسباب النصر والهزيمة بدون استطراد وتوسع وإلا فهي تحتاج إلى مجلدات.
أسباب النصر والهزيمة:
أولاً: من أسباب النصر :
لعل أهم سبب من أسباب النصر لهذه الأمة هو:
1- الإيمان الصادق والعمل الصالح: يقول الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإذن لابد من إيمان صادق وعمل صالح : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} وهنا شرط مهم : {...يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...[55]}[سورة النور]. ثم قال في الآية التي بعدها مباشرة:{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[56]}[سورة النور]. فإذن: لابد من إيمان صادق، ومن عمل صالح.
ومن أهم ما يتمثل فيه هذا الإيمان:
أ- عبادة الله سبحانه وتعالى عبادة خالصة ليس فيها شرك .
ب- وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به، وفي كل ما نهى عنه، فما أمر به يفعل، وما نهى عنه يجتنب .
ج- التوكل على الله وحده، والاعتماد عليه سبحانه، والاستنصار به جل وعلا، ودعاؤه والاستغاثة به: كما كان نبينا يفعل، ومن يقرأ قصة غزوة بدر يجد ذلك واضحاً حيث قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: [اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ] فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ...إلخ الحديث.رواه مسلم.
د- الصبر والثبات: سواء كان ذلك في المعركة، أو قبل المعركة: صبر على الابتلاء، صبر على المحن، فلا يمكن أن يمكن لهذا الدين إلا بعد ابتلاءات ومحن، ثم إذا صُفي ونُقي جاء التمكين، وجاء النصر، فلابد من صبر وثبات كما قال جل وعلا:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا...[45]}[سورة الأنفال].
وكما قال سبحانه:{ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[66]}[سورة الأنفال].
هـ- ذكر الله كثيراً ...{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا...[45]}[سورة الأنفال] .
إذا قارنت هذا الأمر الإلهي الذي طبقه النبي وأصحابه والسلف الصالح من بعدهم، ثم قارنته بهذا العصر الذي نعيشه؛ وجدت أن أهل هذا العصر يدخلون المعركة، وهم يغنون، ويرقصون؛ فتكون النتيجة هزيمة ساحقة، وخيبة ماحقة .
2- ومن أسباب النصر: وحدة صف الأمة: أما إذا كانت مفرقة ومشتتة، فإن النصر لن يكون حليفها، ولذلك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لما أراد أن يستخلص بيت المقدس من أيدي الصليبيين أول أمر فعله أن قام بتوحيد أقوى بلدان المسلمين في ذلك الوقت، وهي: مصر والشام، فلما وحدها نهض لقتال الصليبيين، فوحدة الصف المسلم سبب من أسباب النصر والتمكين، وأما إذا كان المسلمون مفرقين فإن النصر منهم بعيد.
3- كذلك من أسباب النصر: وجود القيادة المؤمنة القوية: فالقيادة العلمية القوية وقيادة الدنيا إذا اجتمعتا تحقق النصر والتمكين، أما إذا وجدت القيادة العلمية، ولكن ليس معها قوة تحميها وتدافع عنها وتجاهد لنشرها فإنها لا تقوى ولا تنتصر.
4- إعداد العدة والأخذ بالأسباب: قال الله:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ...[60]}[سورة الأنفال]. كل شيء تستطيعونه من أسباب القوة، فأعدوه صغيراً كان أو كبيراً ما دمتم تستطيعونه عليكم أن تعدوه.{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الخيل تدخل في القوة، فلماذا خصها بالذكر؟ خصها بالذكر لحكمة وهي: أن نعتني بأهم أسباب القوة، فالخيل في عهد النبي هي أهم أسباب القوة، فما دمنا نستطيع أن نوجد أهم أسباب القوة فإن علينا أن نعتني بها، في غزوة بدر لم يكن مع النبي إلا فارس واحد، وقيل: اثنان، وأكثر الأقوال أنهم ثلاثة.ويقول الحافظ ابن حجر:لم يثبت أو لم يصح أنه وجد فارس إلا المقداد وحده .
فهذا هو قدر استطاعتهم، وكان مع قريش مائة فارس، والخيل في ذلك الوقت مثل الطائرات في زماننا هذا، فنحن مطالبون بأن نعد ما نستطيع ولسنا مطالبين بأن نعد ما لا نستطيع.
والنبي صلى الله عليه وسلم أعد أسباب القوة، وفعل الأسباب الموجودة في عصره، والتي استطاع أن يفعلها، فلبس الدرع يوم أحد، وحفر الخندق يوم الأحزاب، وأخذ السلاح وأعد الجنود، وأعد القادة ورباهم، وأعد الأموال فكان يعمل بالأسباب الممكنة في عصره. لكن ينبغي أن نعلم أن الاعتماد لا يكون على الأسباب إنما على الله القوي العزيز وحده.
وعلينا أن نعلم حقيقة مهمة وهي: أنه لم يلتق ولم يحصل يوم من الأيام أن كانت قوة المسلمين أقوى من قوة الكافرين، فالكافرون دائماً هم الأكثر، والكافرون دائماً هم الأقوى من ناحية العدة والعتاد، ولكن جانب الإيمان يرجح المسلمين على عدوهم ولذلك كان عمر رضي الله عنه إذا استبطأ النصر من قادته كتب لهم:'إنا لا نقاتل الناس بعدد ولا عدة إنما نقاتلهم بهذا الدين فلعلكم أحدثتم أمراً'. يذكرهم لعلكم أحدثتم شيئاً فراجعوا أنفسكم، هل أخللتم بشيء من أسباب النصر.
- سؤال: هل أمة الإسلام اليوم مطالبة بأن يكون لديها مثل ما لدى اليهود من السلاح؟ ومثل ما لدى اليهود من الخبرات ومثل ما لدى اليهود من التقدم العلمي والتكنولوجي؟
الجواب: لا، الأمة ليست مطالبة بهذا، الأمة مطالبة بأن تكون مؤمنة، وأن يكون صفها موحداً، وأن تك
د- الصبر والثبات: سواء كان ذلك في المعركة، أو قبل المعركة: صبر على الابتلاء، صبر على المحن، فلا يمكن أن يمكن لهذا الدين إلا بعد ابتلاءات ومحن، ثم إذا صُفي ونُقي جاء التمكين، وجاء النصر، فلابد من صبر وثبات كما قال جل وعلا:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا...[45]}[سورة الأنفال].
وكما قال سبحانه:{ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[66]}[سورة الأنفال].
هـ- ذكر الله كثيراً ...{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا...[45]}[سورة الأنفال] .
إذا قارنت هذا الأمر الإلهي الذي طبقه النبي وأصحابه والسلف الصالح من بعدهم، ثم قارنته بهذا العصر الذي نعيشه؛ وجدت أن أهل هذا العصر يدخلون المعركة، وهم يغنون، ويرقصون؛ فتكون النتيجة هزيمة ساحقة، وخيبة ماحقة .
2- ومن أسباب النصر: وحدة صف الأمة: أما إذا كانت مفرقة ومشتتة، فإن النصر لن يكون حليفها، ولذلك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لما أراد أن يستخلص بيت المقدس من أيدي الصليبيين أول أمر فعله أن قام بتوحيد أقوى بلدان المسلمين في ذلك الوقت، وهي: مصر والشام، فلما وحدها نهض لقتال الصليبيين، فوحدة الصف المسلم سبب من أسباب النصر والتمكين، وأما إذا كان المسلمون مفرقين فإن النصر منهم بعيد.
3- كذلك من أسباب النصر: وجود القيادة المؤمنة القوية: فالقيادة العلمية القوية وقيادة الدنيا إذا اجتمعتا تحقق النصر والتمكين، أما إذا وجدت القيادة العلمية، ولكن ليس معها قوة تحميها وتدافع عنها وتجاهد لنشرها فإنها لا تقوى ولا تنتصر.
4- إعداد العدة والأخذ بالأسباب: قال الله:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ...[60]}[سورة الأنفال]. كل شيء تستطيعونه من أسباب القوة، فأعدوه صغيراً كان أو كبيراً ما دمتم تستطيعونه عليكم أن تعدوه.{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الخيل تدخل في القوة، فلماذا خصها بالذكر؟ خصها بالذكر لحكمة وهي: أن نعتني بأهم أسباب القوة، فالخيل في عهد النبي هي أهم أسباب القوة، فما دمنا نستطيع أن نوجد أهم أسباب القوة فإن علينا أن نعتني بها، في غزوة بدر لم يكن مع النبي إلا فارس واحد، وقيل: اثنان، وأكثر الأقوال أنهم ثلاثة.ويقول الحافظ ابن حجر:لم يثبت أو لم يصح أنه وجد فارس إلا المقداد وحده .
فهذا هو قدر استطاعتهم، وكان مع قريش مائة فارس، والخيل في ذلك الوقت مثل الطائرات في زماننا هذا، فنحن مطالبون بأن نعد ما نستطيع ولسنا مطالبين بأن نعد ما لا نستطيع.
والنبي صلى الله عليه وسلم أعد أسباب القوة، وفعل الأسباب الموجودة في عصره، والتي استطاع أن يفعلها، فلبس الدرع يوم أحد، وحفر الخندق يوم الأحزاب، وأخذ السلاح وأعد الجنود، وأعد القادة ورباهم، وأعد الأموال فكان يعمل بالأسباب الممكنة في عصره. لكن ينبغي أن نعلم أن الاعتماد لا يكون على الأسباب إنما على الله القوي العزيز وحده.
وعلينا أن نعلم حقيقة مهمة وهي: أنه لم يلتق ولم يحصل يوم من الأيام أن كانت قوة المسلمين أقوى من قوة الكافرين، فالكافرون دائماً هم الأكثر، والكافرون دائماً هم الأقوى من ناحية العدة والعتاد، ولكن جانب الإيمان يرجح المسلمين على عدوهم ولذلك كان عمر رضي الله عنه إذا استبطأ النصر من قادته كتب لهم:'إنا لا نقاتل الناس بعدد ولا عدة إنما نقاتلهم بهذا الدين فلعلكم أحدثتم أمراً'. يذكرهم لعلكم أحدثتم شيئاً فراجعوا أنفسكم، هل أخللتم بشيء من أسباب النصر.
- سؤال: هل أمة الإسلام اليوم مطالبة بأن يكون لديها مثل ما لدى اليهود من السلاح؟ ومثل ما لدى اليهود من الخبرات ومثل ما لدى اليهود من التقدم العلمي والتكنولوجي؟
الجواب: لا، الأمة ليست مطالبة بهذا، الأمة مطالبة بأن تكون مؤمنة، وأن يكون صفها موحداً، وأن تك
ون قيادتها مؤمنة، ثم أن تُعِدَّ ما تستطيع من الأسباب، وتستعين بالله، وتجاهد في سبيله وسَتُنْصَرُ وتُمَكَّنُ.. هذا هو الشيء المطلوب، وهذا هو الذي يريح قلب المؤمن، ويدخل السرور على نفسه، فإننا لسنا مطالبين بأن نكون أقوى من الكفار، ولا حتى بأن نماثلهم، ولا حتى بأن نكون قربهم، بل علينا أن نعد ما نستطيعه، ثم نجاهد، وسينصرنا الله جل وعلا، وأفغانستان عبرة لمن اعتبر حيث لم يكونوا يحملوا إلا أسلحة قليلة ضعيفة بالنسبة لما كان في أيدي الشيوعيين الروس، ومع ذلك خذل الله الروس على أيدي أولئك الذين يسمون في القاموس الغربي بالبدائيين .
وفعل الأسباب وإعداد العدة
ينقسم لأمور كثيرة جداً لعل أهمها:
أ- إعداد الجندي المؤمن والقيادة المؤمنة: هذه هو أهمها وأولها، فتعد هذه القوة التي هي الجندي المؤمن والقيادة المؤمنة بالإيمان والعمل الصالح أولاً، وينقى الصف المؤمن من غير هؤلاء، ولذلك بمجرد أن تطالع كتب 'الفقه الإسلامي' تجدهم يقولون: وعلى القائد أن يمنع المخذل والمرجف من أن يسير مع الجيش؛ لأن هذا منافق لا يستطيع أن يواجه الكفار إذا حمي الوطيس.
فإذن: لابد من إعداد الجندي المؤمن الذي يذكر الله كثيراً، والذي يحافظ على طاعة ربه، ويجتنب ما نهاه الله عنه، والذي نصب عينيه أن يموت شهيداً ليدخل الجنة بفضل الله. كما قال عمير بن الحمام-لما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ] وكان بيده تمرات بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ] قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: [فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا] فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ- ربما لا تتجاوز خمس تمرات - إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم .
إذن إذا وجد مثل هذا النموذج الذي يقدم على الموت، فإنه سيوهب لنا النصر، وستوهب لنا الحياة، وسنحصل على الحسنيين .
ب- الأمر الآخر في إعداد العدة إعداد العدة العسكرية: بالعتاد.. بالأجهزة.. بما نستطيع من قوة فنعد ذلك ونجهزه، حتى لا يبقى سبب من أسباب النصر في استطاعتنا إلا وفعلناه، فإذا أعددنا تلك العدة، فإن القلوب تنام وهي مطمئنة مرتاحة .
ت- ومن العدة أيضاً: إعداد الأموال اللازمة: فإن الأموال الآن أصبحت عماد الجهاد، بل هي عماد الجهاد منذ عصر النبي، ولعل الجميع يتذكر أن عثمان بن عفان لما جهز جيش العسرة، فماذا كانت جائزته؟ كانت جائزته: [ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ] رواه الترمذي وأحمد. هذه جائزته لماذا؟ لأن المال هو عصب الجهاد، فلا بد أيضاً أن تعد الأمة الأموال اللازمة للجهاد في سبيل الله .
ث- ومن إعداد العدة: ألا يغفل المسلمون عن معرفة عدوهم وعن قدراته: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر عندما أخذ السقاة الذين جاءوا يستقون الماء لقريش ثم سألهم: كم عدد قريش؟ كم ينحرون من الجزر؟ كم معهم من الخيل؟ من معهم من صناديد قريش؟ معهم فلان وفلان،ينحرون من الجزر كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ الْقَوْمُ أَلْفٌ كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ ] رواه أحمد .
فَأَعَدَّ لذلك عدته، فهذا واجب من واجبات المسلمين، فلا يستهينوا بعدوهم، واحتقار العدو ليس من شأن المسلمين بل إننا نبحث عن مكامن القوة ومواطن الضعف فيه، ثم نستنصر بالله جل وعلا عليه، ومع ذلك علينا أن نتأمل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ] رواه البخاري ومسلم.أي أننا نسأل الله جل وعلا أن ينصرنا عليهم وأن يخذلهم، حتى ولو لم نلتق بهم ولم نقاتلهم .
5- من أهم أسباب النصر: الثقة بالله سبحانه وتعالى والثقة بوعده: وأنه سبحانه سيعلي هذا الدين وينصره ويمكن له في الأرض إن عاجلاً أو آجلاً، فإن حساب الزمن ليس عند الله شيء، فمن المعلوم أن اليوم عند الله يساوي ألف سنة مما نعد نحن، فلا ننظر بمنظار الأعمار البشرية، بل ننظر إلى المنهج الذي ينتصر ويبقى، وننظر إلى الزبد الذي يذهب جفاء في الأرض .
لابد أن نكون واثقين من أن الله سينصر هذا الدين مهما ضيق عليه، ومهما حورب دعاته، ومهما وقف في وجوههم، ومهما وضعت في طريقهم العراقيل؛ فإن النصر حليفهم إن عاجلاً أو آجلاً، فالحق يبتلى أولاً، ثم يمكن له وينصر .
وكم من الدعاة والمجاهدين والعلماء ابتلوا حتى ظن الناس أنهم قد هلكوا وفشلت دعوتهم، فإذا بهم تنقلب في طريقهم المحن إلى منح، ويضع الله لهم القبول في الأرض والتمكين والنصر .
6- من أ
وفعل الأسباب وإعداد العدة
ينقسم لأمور كثيرة جداً لعل أهمها:
أ- إعداد الجندي المؤمن والقيادة المؤمنة: هذه هو أهمها وأولها، فتعد هذه القوة التي هي الجندي المؤمن والقيادة المؤمنة بالإيمان والعمل الصالح أولاً، وينقى الصف المؤمن من غير هؤلاء، ولذلك بمجرد أن تطالع كتب 'الفقه الإسلامي' تجدهم يقولون: وعلى القائد أن يمنع المخذل والمرجف من أن يسير مع الجيش؛ لأن هذا منافق لا يستطيع أن يواجه الكفار إذا حمي الوطيس.
فإذن: لابد من إعداد الجندي المؤمن الذي يذكر الله كثيراً، والذي يحافظ على طاعة ربه، ويجتنب ما نهاه الله عنه، والذي نصب عينيه أن يموت شهيداً ليدخل الجنة بفضل الله. كما قال عمير بن الحمام-لما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ] وكان بيده تمرات بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ] قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: [فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا] فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ- ربما لا تتجاوز خمس تمرات - إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم .
إذن إذا وجد مثل هذا النموذج الذي يقدم على الموت، فإنه سيوهب لنا النصر، وستوهب لنا الحياة، وسنحصل على الحسنيين .
ب- الأمر الآخر في إعداد العدة إعداد العدة العسكرية: بالعتاد.. بالأجهزة.. بما نستطيع من قوة فنعد ذلك ونجهزه، حتى لا يبقى سبب من أسباب النصر في استطاعتنا إلا وفعلناه، فإذا أعددنا تلك العدة، فإن القلوب تنام وهي مطمئنة مرتاحة .
ت- ومن العدة أيضاً: إعداد الأموال اللازمة: فإن الأموال الآن أصبحت عماد الجهاد، بل هي عماد الجهاد منذ عصر النبي، ولعل الجميع يتذكر أن عثمان بن عفان لما جهز جيش العسرة، فماذا كانت جائزته؟ كانت جائزته: [ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ] رواه الترمذي وأحمد. هذه جائزته لماذا؟ لأن المال هو عصب الجهاد، فلا بد أيضاً أن تعد الأمة الأموال اللازمة للجهاد في سبيل الله .
ث- ومن إعداد العدة: ألا يغفل المسلمون عن معرفة عدوهم وعن قدراته: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر عندما أخذ السقاة الذين جاءوا يستقون الماء لقريش ثم سألهم: كم عدد قريش؟ كم ينحرون من الجزر؟ كم معهم من الخيل؟ من معهم من صناديد قريش؟ معهم فلان وفلان،ينحرون من الجزر كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ الْقَوْمُ أَلْفٌ كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ ] رواه أحمد .
فَأَعَدَّ لذلك عدته، فهذا واجب من واجبات المسلمين، فلا يستهينوا بعدوهم، واحتقار العدو ليس من شأن المسلمين بل إننا نبحث عن مكامن القوة ومواطن الضعف فيه، ثم نستنصر بالله جل وعلا عليه، ومع ذلك علينا أن نتأمل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ] رواه البخاري ومسلم.أي أننا نسأل الله جل وعلا أن ينصرنا عليهم وأن يخذلهم، حتى ولو لم نلتق بهم ولم نقاتلهم .
5- من أهم أسباب النصر: الثقة بالله سبحانه وتعالى والثقة بوعده: وأنه سبحانه سيعلي هذا الدين وينصره ويمكن له في الأرض إن عاجلاً أو آجلاً، فإن حساب الزمن ليس عند الله شيء، فمن المعلوم أن اليوم عند الله يساوي ألف سنة مما نعد نحن، فلا ننظر بمنظار الأعمار البشرية، بل ننظر إلى المنهج الذي ينتصر ويبقى، وننظر إلى الزبد الذي يذهب جفاء في الأرض .
لابد أن نكون واثقين من أن الله سينصر هذا الدين مهما ضيق عليه، ومهما حورب دعاته، ومهما وقف في وجوههم، ومهما وضعت في طريقهم العراقيل؛ فإن النصر حليفهم إن عاجلاً أو آجلاً، فالحق يبتلى أولاً، ثم يمكن له وينصر .
وكم من الدعاة والمجاهدين والعلماء ابتلوا حتى ظن الناس أنهم قد هلكوا وفشلت دعوتهم، فإذا بهم تنقلب في طريقهم المحن إلى منح، ويضع الله لهم القبول في الأرض والتمكين والنصر .
6- من أ
هم أسباب النصر التي ينبغي أن يعرفها المؤمنون حتى لا يصابوا بشيء من الإحباط: كون الأمة في مستوى النصر بإمكاناتها بقدراتها بعزائمها ونياتها:كيف ذلك؟
الأمة- أحياناً- قد تحارب ولكنها لا تكون في مستوى النصر، فيؤخر الله النصر قليلاً حتى يرتفع مستوى هذه الأمة وتصبح قادرة على تحمل أعباء النصر الذي سيمنحه الله إياها إذا جاء وقته، يقول الله سبحانه:{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[40]}[سورة الحج] من هم يا رب؟
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[41]}[سورة الحج] . {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ} إذن: ها هنا نيات وعزائم في القلوب لا يطلع عليها إلا علام الغيوب .
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} هذا مستقبل {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} ربما يوجد من الدعاة من لو مُكن في الأرض لترك بعض أمور الدعوة، وما أقام الصلاة وما آتى الزكاة، أو ربما يقوم بالصلاة ويؤدي الزكاة، ولكنه لا يقوم تمام القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ربما يتنازل بعض المحسوبين على الدعوة عن بعض الأمور الهامة، ربما يتحالف مع الشيوعيين، ربما يتحالف مع علمانيين من أجل مكاسب.. هذا لا يستحق النصر.
أيضًا: تكون الأمة في مستوى النصر بالإمكانات بالقدرات، فيكون لديها من يستطيعون إدارة البلدان المسلمة لو تيسر لها النصر، أو إدارة العالم لو تمكنت من فتح العالم كله، فإذا أصبحت الأمة في هذا المستوى، وتوفرت لها بقية الأسباب؛ فإن الله جل وعلا يمنحها النصر أمراً مؤكداً لا شك فيه ولا ريب .
7- أيضاً من أهم أسباب النصر: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذان الأمران سياجان حافظان لهذه الأمة، فالجهاد يحفظها من الخارج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحفظها من الداخل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحفظ السفينة من أن تُخرق ثم بعد ذلك تغرق، والجهاد يحفظ الأمة من أن تستذل، أو أن يهينها العدو، فما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا، قاعدة قالها أسلافنا رحمهم الله ،و رضي الله عن علي إذ قال:'ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا كتبت عليهم الذلة'.
الجهاد سبب العز، وسبب النصر: يقول سبحانه:{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[216]}[سورة البقرة] .
عندما تقرأ تفسير هذه الآيات للإمام القرطبي الذي عاش رحمه الله وقت سقوط الأندلس تحس بالحسرة والألم بين السطور والعبارات، يقول مامعناه :'{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} وهو القتال وسفك الدماء وبذل الأموال، {وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}: أي التمكين في الأرض والعز والنصر، { وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا} وهو الراحة والإخلاد إلى الأرض والطمأنينة في البيوت والديار، وهو شر لكم بالإذلال وانتهاك حرماتكم وأعراضكم، واستيلاء الكفار عليكم، واستئصالهم لكم' ثم قال عبارة مؤلمة محرقة:' ولما أصبح المسلمون في الأندلس على هذه الحال تسلط عليهم العدو فأخذوا ديارهم واحدة بعد الأخرى بلاد وأي بلاد '. يعني ما أحسنها من بلاد، ومع ذلك فرط فيها أهلها فضاعت.
ومن المعلوم عند كل عاقل أن الكفار لن يتركوا المسلمين ولو تركهم المسلمون، وهذه حقيقة شرعية وسنة إلهية أخبرنا الله بها في حيث قال:{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا...[217]}[سورة البقرة] .
يعني مهما فعلتم، ومهما تقربتم إلى هؤلاء الكفرة، فهم لا يزالون يقاتلونكم.. لن يتركوكم ترتاحون حتى ترتدوا عن هذا الدين وتتبعوا أهوائهم كما قال سبحانه:{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...[120]}[سورة البقرة] .
فإذن: هم لن يرضوا عنك إلا بهذا.. ولن يتركوك من القتال إلا بهذا وإذا كانوا لم يتركوك من القتال والقتال هو أشق شيء على النفوس، فسيحاربونك بغير القتال من باب أولى.. سيحاربونك بغزو ثقافي.. بغزو فكري.. عن طريق المرأة.. عن طريق الإعلام.. سيحاربونك لتهديم دينك، ولتضييع عقيدتك.. فكن أيها المسلم الموحد من الكافرين على حذر .
8- ثم أخيراً من أهم أسباب النصر: السلامة من أسباب الخذلان والهزيمة، ومنها:
أ –أهم أسباب الخذلان والهزيمة: هو الانحراف عن الصراط المستقيم: سواء كان هذا الانحراف انحرافاً عقدياً، أو انحرافاً عملياً، يعني سواء كانت المعاصي في باب الاعتقاد: بالإلحاد في أسماء الله وصفاته.. بالشرك الأكبر والشرك الأصغر، أو كان بالردة الكاملة باعتناق المذاهب الكافرة كالشيوعية، والقومية، والعلمانية، أو كان من باب ا
الأمة- أحياناً- قد تحارب ولكنها لا تكون في مستوى النصر، فيؤخر الله النصر قليلاً حتى يرتفع مستوى هذه الأمة وتصبح قادرة على تحمل أعباء النصر الذي سيمنحه الله إياها إذا جاء وقته، يقول الله سبحانه:{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[40]}[سورة الحج] من هم يا رب؟
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[41]}[سورة الحج] . {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ} إذن: ها هنا نيات وعزائم في القلوب لا يطلع عليها إلا علام الغيوب .
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} هذا مستقبل {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} ربما يوجد من الدعاة من لو مُكن في الأرض لترك بعض أمور الدعوة، وما أقام الصلاة وما آتى الزكاة، أو ربما يقوم بالصلاة ويؤدي الزكاة، ولكنه لا يقوم تمام القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ربما يتنازل بعض المحسوبين على الدعوة عن بعض الأمور الهامة، ربما يتحالف مع الشيوعيين، ربما يتحالف مع علمانيين من أجل مكاسب.. هذا لا يستحق النصر.
أيضًا: تكون الأمة في مستوى النصر بالإمكانات بالقدرات، فيكون لديها من يستطيعون إدارة البلدان المسلمة لو تيسر لها النصر، أو إدارة العالم لو تمكنت من فتح العالم كله، فإذا أصبحت الأمة في هذا المستوى، وتوفرت لها بقية الأسباب؛ فإن الله جل وعلا يمنحها النصر أمراً مؤكداً لا شك فيه ولا ريب .
7- أيضاً من أهم أسباب النصر: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذان الأمران سياجان حافظان لهذه الأمة، فالجهاد يحفظها من الخارج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحفظها من الداخل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحفظ السفينة من أن تُخرق ثم بعد ذلك تغرق، والجهاد يحفظ الأمة من أن تستذل، أو أن يهينها العدو، فما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا، قاعدة قالها أسلافنا رحمهم الله ،و رضي الله عن علي إذ قال:'ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا كتبت عليهم الذلة'.
الجهاد سبب العز، وسبب النصر: يقول سبحانه:{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[216]}[سورة البقرة] .
عندما تقرأ تفسير هذه الآيات للإمام القرطبي الذي عاش رحمه الله وقت سقوط الأندلس تحس بالحسرة والألم بين السطور والعبارات، يقول مامعناه :'{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} وهو القتال وسفك الدماء وبذل الأموال، {وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}: أي التمكين في الأرض والعز والنصر، { وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا} وهو الراحة والإخلاد إلى الأرض والطمأنينة في البيوت والديار، وهو شر لكم بالإذلال وانتهاك حرماتكم وأعراضكم، واستيلاء الكفار عليكم، واستئصالهم لكم' ثم قال عبارة مؤلمة محرقة:' ولما أصبح المسلمون في الأندلس على هذه الحال تسلط عليهم العدو فأخذوا ديارهم واحدة بعد الأخرى بلاد وأي بلاد '. يعني ما أحسنها من بلاد، ومع ذلك فرط فيها أهلها فضاعت.
ومن المعلوم عند كل عاقل أن الكفار لن يتركوا المسلمين ولو تركهم المسلمون، وهذه حقيقة شرعية وسنة إلهية أخبرنا الله بها في حيث قال:{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا...[217]}[سورة البقرة] .
يعني مهما فعلتم، ومهما تقربتم إلى هؤلاء الكفرة، فهم لا يزالون يقاتلونكم.. لن يتركوكم ترتاحون حتى ترتدوا عن هذا الدين وتتبعوا أهوائهم كما قال سبحانه:{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...[120]}[سورة البقرة] .
فإذن: هم لن يرضوا عنك إلا بهذا.. ولن يتركوك من القتال إلا بهذا وإذا كانوا لم يتركوك من القتال والقتال هو أشق شيء على النفوس، فسيحاربونك بغير القتال من باب أولى.. سيحاربونك بغزو ثقافي.. بغزو فكري.. عن طريق المرأة.. عن طريق الإعلام.. سيحاربونك لتهديم دينك، ولتضييع عقيدتك.. فكن أيها المسلم الموحد من الكافرين على حذر .
8- ثم أخيراً من أهم أسباب النصر: السلامة من أسباب الخذلان والهزيمة، ومنها:
أ –أهم أسباب الخذلان والهزيمة: هو الانحراف عن الصراط المستقيم: سواء كان هذا الانحراف انحرافاً عقدياً، أو انحرافاً عملياً، يعني سواء كانت المعاصي في باب الاعتقاد: بالإلحاد في أسماء الله وصفاته.. بالشرك الأكبر والشرك الأصغر، أو كان بالردة الكاملة باعتناق المذاهب الكافرة كالشيوعية، والقومية، والعلمانية، أو كان من باب ا
لأعمال أي المعاصي العملية.
والمتتبع للقرآن يجد أن هذا هو سبب هلاك الأمم:{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[40]}[سورة العنكبوت] .
فالأمم السابقة أخذت بسبب ذنوبها، وظلمها لأنفسها، والأدلة على هذا كثيرة، وما عليك إلا أن تقرأ كتاب ربك وستجد ذلك واضحاً، وعلى سبيل المثال: اقرأ قصة أصحاب سبأ، واقرأ قصة أصحاب السبت، واقرأ سبب إغراق قوم نوح، واقرأ سبب إهلاك قوم عاد وثمود وقوم لوط، وما حصل لقوم موسى، وما حصل لغيرهم من الأمم؛ فستجد الذنوب هي السبب في ذلك .
أولا: الانحراف العقدي وأثره: سنضرب على الانحراف في العقيدة مثلين هما شاهد حي على أن الأمة إذا انحرفت اعتقاديا،ً فإنها تضعف وتذل:
الشاهد الأول من القرن الرابع الهجري: فقد شهد مداً رافضياً شديداً، فقامت دول رافضية في شرق الجزيرة في البحرين والأحساء قامت دولة القرامطة، وفي بلاد فارس والعراق دولة بني بويه، وفي بلاد الشام الحمدانيون- أبو فراس الحمداني وجماعته كانوا رافضة- وفي بلاد المغرب قامت الدولة العبيدية الإسماعيلية القرمطية، والتي تسمى زوراً وبهتاناً بالدولة الفاطمية، ثم بعد ذلك انطلقت فأخذت مصر، ثم الحجاز. والقرامطة أهل البحرين وصلوا إلى الحجاز، وأخذوا في ذلك القرن الحجر الأسود وبقي عندهم اثنتان وعشرون سنة، ووصلوا إلى دمشق، ولم يبق من بلدان المسلمين سالماً من المد الرافضي إلا القليل، وأذكر لكم ما قاله الإمام ابن كثير رحمه الله في حوادث حصلت في ذلك الزمن ثم انظروا إلى تعليقاته رحمه الله على تلك الحوادث .
إنه مع قيام تلك الدول الضالة الرافضية تقدم النصارى من بلاد الروم، فأخذوا بعض بلاد المسلمين، وفعلوا من الجرائم البشعة ما تقشعر له الأبدان، يذكر الحافظ ابن كثير بعض هذه الحوادث، ثم يعلق عليها، فيقول في حوادث سنة 359 للهجرة:'وفيها دخلت الروم أنطاكية فقتلوا من أهلها الشيوخ والعجائز، وسبوا من أهلها الشيوخ والأطفال نحواً من عشرين ألفاً فإنا لله وإنا إليه راجعون' ثم يعلق على ذلك بقوله:'وكل هذا في ذمة ملوك الأرض أهل الرفض الذين قد استحوذوا على البلاد وأظهروا فيها الفساد قبحهم الله .
ثم يذكر أيضاً في حوادث سنة359 هـ أيضاً أن ملك الروم فعل أعظم من ذلك في طرابلس الشام، وفي السواحل الشامية وحمص وغيرها، يقول رحمه الله :'ومكث ملك الروم شهرين يأخذ ما أراد من البلاد ويأسر ما قدر عليه، ثم عاد إلى بلده ومعه من السبي نحو مائة ألف إنسان ما بين صبي وصبية وكان سبب عوده إلى بلاده كثرة الأمراض في جيشه واشتياقهم إلى أولادهم .
تصوروا عدو من أعداء المسلمين يأتي ويأخذ مائة ألف أسير من المسلمين ولا يرجع إلا بسبب الأمراض التي فتكت بجيشه ولم يحاربه أحد من ملوك الرافضة الذين كانوا ملوك الأرض في ذلك الوقت، تذكروا ما ذكرناه في أول الموضوع أن من أسباب النصر القيادة المؤمنة، ويعلق ابن كثير على ما كان يفعله الروافض في ذلك القرن من سب الصحابة، وما يفعلونه من البدع والضلالات، فيقول في حوادث سنة 351 هـ بعد أن ذكر غارات الروم وقتلهم ما لايحصى من المسلمين قال:' وفيها كتبت العامة من الروافض على أبواب المساجد لعنة الله علي معاوية بن أبي سفيان، وكتبوا أيضا:ً ولعن الله من غصب فاطمة حقها-يعنون أبا بكر رضي الله عنه-، ومن أخرج العباس من الشورى -يعنون عمر رضي الله عنه-ومن نفى أبا ذر-يعنون عثمان رضي الله عنه- 'يقول ابن كثير رحمه الله:' رضي الله عن الصحابة وعلى من لعنهم لعنة الله' . ثم تكلم قليلاً ثم قال:'ولما بلغ ذلك جميعه معز الدولة-يقصد ابن بويه وكان رافضياً- لم ينكره ولم يغيره قبحه الله وقبح شيعته من الروافض .
انظروا إلى تعليق ابن كثير وهو المراد في هذه المحاضرة يقول:'لا جرم أن الله لا ينصر هؤلاء وكذلك سيف الدولة ابن حمدان بحلب فيه تشيع وميل إلى الروافض لا جرم أن الله لا ينصر أمثال هؤلاء، بل يديل عليهم أعداءهم لمتابعتهم أهواءهم، وتقليدهم سادتهم وكبراءهم وآباءهم، وتركهم أنبياءهم وعلماءهم .
ولهذا لما ملك الفاطميون بلاد مصر والشام وكان فيهم الرفض وغيره استحوذ الإفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها حتى بيت المقدس ولم يبق مع المسلمين سوى حلب وحمص وحماة ودمشق، وجميع السواحل وغيرها مع الإفرنج والنواقيس النصرانية والطقوس الإنجيلية تضرب في شواهق الحصون والقلاع، وتكفر في أماكن الإيمان من المساجد وغيرها من شريف البقاع' - ثم بعد ذلك صور حال المسلمين-' والناس معهم في حصر عظيم وضيق من الدين وأهل هذه المدن-يقصد دمشق وحلب وحمص وحماة- التي في يد المسلمين في خوف شديد في ليلهم ونهارهم من الإفرنج فإنا لله وإنا إليه راجعون وكل ذلك من بعض عقوبات المعاصي والذنوب وإظهار سب خير الخلق بعد خير الأنبياء'.
هذا نتيجة الانح
والمتتبع للقرآن يجد أن هذا هو سبب هلاك الأمم:{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[40]}[سورة العنكبوت] .
فالأمم السابقة أخذت بسبب ذنوبها، وظلمها لأنفسها، والأدلة على هذا كثيرة، وما عليك إلا أن تقرأ كتاب ربك وستجد ذلك واضحاً، وعلى سبيل المثال: اقرأ قصة أصحاب سبأ، واقرأ قصة أصحاب السبت، واقرأ سبب إغراق قوم نوح، واقرأ سبب إهلاك قوم عاد وثمود وقوم لوط، وما حصل لقوم موسى، وما حصل لغيرهم من الأمم؛ فستجد الذنوب هي السبب في ذلك .
أولا: الانحراف العقدي وأثره: سنضرب على الانحراف في العقيدة مثلين هما شاهد حي على أن الأمة إذا انحرفت اعتقاديا،ً فإنها تضعف وتذل:
الشاهد الأول من القرن الرابع الهجري: فقد شهد مداً رافضياً شديداً، فقامت دول رافضية في شرق الجزيرة في البحرين والأحساء قامت دولة القرامطة، وفي بلاد فارس والعراق دولة بني بويه، وفي بلاد الشام الحمدانيون- أبو فراس الحمداني وجماعته كانوا رافضة- وفي بلاد المغرب قامت الدولة العبيدية الإسماعيلية القرمطية، والتي تسمى زوراً وبهتاناً بالدولة الفاطمية، ثم بعد ذلك انطلقت فأخذت مصر، ثم الحجاز. والقرامطة أهل البحرين وصلوا إلى الحجاز، وأخذوا في ذلك القرن الحجر الأسود وبقي عندهم اثنتان وعشرون سنة، ووصلوا إلى دمشق، ولم يبق من بلدان المسلمين سالماً من المد الرافضي إلا القليل، وأذكر لكم ما قاله الإمام ابن كثير رحمه الله في حوادث حصلت في ذلك الزمن ثم انظروا إلى تعليقاته رحمه الله على تلك الحوادث .
إنه مع قيام تلك الدول الضالة الرافضية تقدم النصارى من بلاد الروم، فأخذوا بعض بلاد المسلمين، وفعلوا من الجرائم البشعة ما تقشعر له الأبدان، يذكر الحافظ ابن كثير بعض هذه الحوادث، ثم يعلق عليها، فيقول في حوادث سنة 359 للهجرة:'وفيها دخلت الروم أنطاكية فقتلوا من أهلها الشيوخ والعجائز، وسبوا من أهلها الشيوخ والأطفال نحواً من عشرين ألفاً فإنا لله وإنا إليه راجعون' ثم يعلق على ذلك بقوله:'وكل هذا في ذمة ملوك الأرض أهل الرفض الذين قد استحوذوا على البلاد وأظهروا فيها الفساد قبحهم الله .
ثم يذكر أيضاً في حوادث سنة359 هـ أيضاً أن ملك الروم فعل أعظم من ذلك في طرابلس الشام، وفي السواحل الشامية وحمص وغيرها، يقول رحمه الله :'ومكث ملك الروم شهرين يأخذ ما أراد من البلاد ويأسر ما قدر عليه، ثم عاد إلى بلده ومعه من السبي نحو مائة ألف إنسان ما بين صبي وصبية وكان سبب عوده إلى بلاده كثرة الأمراض في جيشه واشتياقهم إلى أولادهم .
تصوروا عدو من أعداء المسلمين يأتي ويأخذ مائة ألف أسير من المسلمين ولا يرجع إلا بسبب الأمراض التي فتكت بجيشه ولم يحاربه أحد من ملوك الرافضة الذين كانوا ملوك الأرض في ذلك الوقت، تذكروا ما ذكرناه في أول الموضوع أن من أسباب النصر القيادة المؤمنة، ويعلق ابن كثير على ما كان يفعله الروافض في ذلك القرن من سب الصحابة، وما يفعلونه من البدع والضلالات، فيقول في حوادث سنة 351 هـ بعد أن ذكر غارات الروم وقتلهم ما لايحصى من المسلمين قال:' وفيها كتبت العامة من الروافض على أبواب المساجد لعنة الله علي معاوية بن أبي سفيان، وكتبوا أيضا:ً ولعن الله من غصب فاطمة حقها-يعنون أبا بكر رضي الله عنه-، ومن أخرج العباس من الشورى -يعنون عمر رضي الله عنه-ومن نفى أبا ذر-يعنون عثمان رضي الله عنه- 'يقول ابن كثير رحمه الله:' رضي الله عن الصحابة وعلى من لعنهم لعنة الله' . ثم تكلم قليلاً ثم قال:'ولما بلغ ذلك جميعه معز الدولة-يقصد ابن بويه وكان رافضياً- لم ينكره ولم يغيره قبحه الله وقبح شيعته من الروافض .
انظروا إلى تعليق ابن كثير وهو المراد في هذه المحاضرة يقول:'لا جرم أن الله لا ينصر هؤلاء وكذلك سيف الدولة ابن حمدان بحلب فيه تشيع وميل إلى الروافض لا جرم أن الله لا ينصر أمثال هؤلاء، بل يديل عليهم أعداءهم لمتابعتهم أهواءهم، وتقليدهم سادتهم وكبراءهم وآباءهم، وتركهم أنبياءهم وعلماءهم .
ولهذا لما ملك الفاطميون بلاد مصر والشام وكان فيهم الرفض وغيره استحوذ الإفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها حتى بيت المقدس ولم يبق مع المسلمين سوى حلب وحمص وحماة ودمشق، وجميع السواحل وغيرها مع الإفرنج والنواقيس النصرانية والطقوس الإنجيلية تضرب في شواهق الحصون والقلاع، وتكفر في أماكن الإيمان من المساجد وغيرها من شريف البقاع' - ثم بعد ذلك صور حال المسلمين-' والناس معهم في حصر عظيم وضيق من الدين وأهل هذه المدن-يقصد دمشق وحلب وحمص وحماة- التي في يد المسلمين في خوف شديد في ليلهم ونهارهم من الإفرنج فإنا لله وإنا إليه راجعون وكل ذلك من بعض عقوبات المعاصي والذنوب وإظهار سب خير الخلق بعد خير الأنبياء'.
هذا نتيجة الانح
راف العقائدي الذي استحوذ على هذه الأمة في القرن الرابع الهجري بل استحوذ على حكامها وقادتها في ذلك الوقت.
أما الشاهد الثاني، فأضربه لكم من عصرنا هذا: فقد هُزم العرب أمام اليهود رغم أنه لا تناسب بين العددين، ورغم ما كان يتشدق به طواغيت العصر في الشام، وفي مصر من أنهم سيلقون باليهود في البحر، وسيفعلون وسيفعلون، كان أولئك يرفعون لواء القومية، ولواء الاشتراكية، ويحاربون الإسلام وكان طاغوتهم الأكبر قد قتل سيد قطب رحمه الله قبل المعركة بسنة، ثم لما جاءت المعركة كانت إذاعاتهم ترفع النشيد الآتي تقول موجهة الخطاب لطائرات اليهود:
ميراج طيارك هرب خايف من نسر العرب
والميج علت واعتلت في الجو تتحدى القدر
هذا كانت تتغنى به إذاعة دمشق في ذلك الوقت، إذن كانت تلك الهزيمة الساحقة التي أخذ فيها ما تبقى من فلسطين، وأخذت أضعاف أرض فلسطين مثل سيناء والجولان كانت بسبب تلك القيادات الفاجرة المنحرفة التي تسلطت على رقاب المسلمين، وكانت سبب من أهم أسباب الخذلان والهزيمة .
ثانيًا: الانحراف في ناحية المعاصي العملية، وبالإمكان أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
1- معاصي تؤثر أثناء المعركة: كمعصية أمر القائد في أثناء المعركة مثل ما حصل في يوم أحد لما ترك الرماة الجبل، وخالفوا أمر النبي، فحصل ما حصل مما تعرفونه.
2- معاصي تؤثر من قبل المعركة: وهذه سنطيل في الحديث عنها، فنتركها إلى الأخير.
3- وهناك معاصي تؤدي إلى ضرب الذلة على الأمة المؤمنة ضرباً مؤبداً:وهذه المعاصي تؤثر تأثيراً مباشراً في هزيمة الأمة أمام أعدائها، وقد بينها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: [إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] حديث صحيح بمجموع طرقه، رواه أبوداود وأحمد.
والعينة نوع من أنواع الربا والربا قد انتشر الآن في بلدان المسلمين فحقت عليهم الذلة، [وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] يعني: الإخلاد إلى الدنيا والالتفات إليها.
[وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] من أسباب ضرب الذلة، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا]، ليس الذل على اليهود فقط، بل الذل يضرب أيضاً على هذه الأمة إذا عصت أمر ربها، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ] لا يرفعه إلى متى؟ ليس إلى أن يصبح عندكم مليون جندي، ولا أن يصبح عندكم ألف طائرة، ولا أن يصبح عندكم خمسة آلاف دبابة، لا.. وإنما [حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] فإذا رجعتم إلى دينكم يرفع الله عنكم الذلة، بهذا الشرط الوحيد، وهو أن ترجعوا إلى دينكم كله من أوله إلى آخره، لا تقولوا: هذه قشور وهذا لباب، ولا تقولوا: هذه سنن وهذه وهذه ، ولا تقولوا: هذه تفرق المسلمين إذا بحثت أمور العقائد بين السنة والروافض، أو بين السنة والأشعرية وغيرهم . بل تأخذ هذا الدين كاملاً كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، تأخذ به كاملاً نقياً صافياً.. فعند ذلك يمنح لك النصر، ويمنح لك الظفر على العدو .
ننتقل إلى المسألة الثانية:
وهي المعاصي التي توعد عليها بأنها سبب من أسباب الهزيمة فمن ذلك مايلي:
أ ] الظلم: الظلم ليس سببًا من أسباب الهزيمة فحسب، بل هو سبب من أسباب هلاك الأمم وسقوط الدول، وتغير الأحوال، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلمة استقرائية ماتعة يقول:' إن الدول تبقى مع العدل وإن كانت كافرة، وتسقط مع الظلم وإن كانت مسلمة'. [انظر:السياسة الشرعية] .
ب] ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو سبب من أسباب الهلاك ونزول العذاب، يقول الله:{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ[116]وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[117]}[سورة هود] .
إذا كان أهلها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يهلكهم الله، أما إذا تركوا ذلك، وانتشرت الرذائل، وأصبحت علانية، فليسوا مهددين بالهزيمة بل بأعظم من ذلك، وهو أن يهلكهم الله، ويحل بهم العذاب، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[105]}[سورة المائدة] .
وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ] رواه الترمذي وأبوداود وابن ما
أما الشاهد الثاني، فأضربه لكم من عصرنا هذا: فقد هُزم العرب أمام اليهود رغم أنه لا تناسب بين العددين، ورغم ما كان يتشدق به طواغيت العصر في الشام، وفي مصر من أنهم سيلقون باليهود في البحر، وسيفعلون وسيفعلون، كان أولئك يرفعون لواء القومية، ولواء الاشتراكية، ويحاربون الإسلام وكان طاغوتهم الأكبر قد قتل سيد قطب رحمه الله قبل المعركة بسنة، ثم لما جاءت المعركة كانت إذاعاتهم ترفع النشيد الآتي تقول موجهة الخطاب لطائرات اليهود:
ميراج طيارك هرب خايف من نسر العرب
والميج علت واعتلت في الجو تتحدى القدر
هذا كانت تتغنى به إذاعة دمشق في ذلك الوقت، إذن كانت تلك الهزيمة الساحقة التي أخذ فيها ما تبقى من فلسطين، وأخذت أضعاف أرض فلسطين مثل سيناء والجولان كانت بسبب تلك القيادات الفاجرة المنحرفة التي تسلطت على رقاب المسلمين، وكانت سبب من أهم أسباب الخذلان والهزيمة .
ثانيًا: الانحراف في ناحية المعاصي العملية، وبالإمكان أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
1- معاصي تؤثر أثناء المعركة: كمعصية أمر القائد في أثناء المعركة مثل ما حصل في يوم أحد لما ترك الرماة الجبل، وخالفوا أمر النبي، فحصل ما حصل مما تعرفونه.
2- معاصي تؤثر من قبل المعركة: وهذه سنطيل في الحديث عنها، فنتركها إلى الأخير.
3- وهناك معاصي تؤدي إلى ضرب الذلة على الأمة المؤمنة ضرباً مؤبداً:وهذه المعاصي تؤثر تأثيراً مباشراً في هزيمة الأمة أمام أعدائها، وقد بينها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: [إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] حديث صحيح بمجموع طرقه، رواه أبوداود وأحمد.
والعينة نوع من أنواع الربا والربا قد انتشر الآن في بلدان المسلمين فحقت عليهم الذلة، [وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] يعني: الإخلاد إلى الدنيا والالتفات إليها.
[وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] من أسباب ضرب الذلة، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا]، ليس الذل على اليهود فقط، بل الذل يضرب أيضاً على هذه الأمة إذا عصت أمر ربها، [سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ] لا يرفعه إلى متى؟ ليس إلى أن يصبح عندكم مليون جندي، ولا أن يصبح عندكم ألف طائرة، ولا أن يصبح عندكم خمسة آلاف دبابة، لا.. وإنما [حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] فإذا رجعتم إلى دينكم يرفع الله عنكم الذلة، بهذا الشرط الوحيد، وهو أن ترجعوا إلى دينكم كله من أوله إلى آخره، لا تقولوا: هذه قشور وهذا لباب، ولا تقولوا: هذه سنن وهذه وهذه ، ولا تقولوا: هذه تفرق المسلمين إذا بحثت أمور العقائد بين السنة والروافض، أو بين السنة والأشعرية وغيرهم . بل تأخذ هذا الدين كاملاً كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، تأخذ به كاملاً نقياً صافياً.. فعند ذلك يمنح لك النصر، ويمنح لك الظفر على العدو .
ننتقل إلى المسألة الثانية:
وهي المعاصي التي توعد عليها بأنها سبب من أسباب الهزيمة فمن ذلك مايلي:
أ ] الظلم: الظلم ليس سببًا من أسباب الهزيمة فحسب، بل هو سبب من أسباب هلاك الأمم وسقوط الدول، وتغير الأحوال، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلمة استقرائية ماتعة يقول:' إن الدول تبقى مع العدل وإن كانت كافرة، وتسقط مع الظلم وإن كانت مسلمة'. [انظر:السياسة الشرعية] .
ب] ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو سبب من أسباب الهلاك ونزول العذاب، يقول الله:{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ[116]وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[117]}[سورة هود] .
إذا كان أهلها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يهلكهم الله، أما إذا تركوا ذلك، وانتشرت الرذائل، وأصبحت علانية، فليسوا مهددين بالهزيمة بل بأعظم من ذلك، وهو أن يهلكهم الله، ويحل بهم العذاب، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ[105]}[سورة المائدة] .
وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ] رواه الترمذي وأبوداود وابن ما
جة وأحمد.
كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب من أسباب الاختلاف، وسبب من أسباب التفرق، وهذا من أهم أسباب الهزيمة.
ج] نقض عهد الله وعهد رسوله: فقد جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ... فذكرها، ومنها: [ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ] حديث صحيح رواه ابن ماجة وغيره . ومن المعلوم أن العدو لن يستطيع أن يأخذ بعض ما في أيدي المسلمين من الأموال، أو من الأراضي، أو من غيرها إلا بعد أن يهزم المسلمون، ويستذلوا.
د] الغلول: والغلول المراد به أخذ مال المسلمين بغير حق : جاء في الموطأ عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:' مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ...
ومن المعلوم أنه إذا ألقى الله الرعب في قلوب قوم فإنهم لن يواجهوا العدو وسيهزمون ويولون الأدبار هذا أمر لا شك فيه ..
هـ ] من المعاصي التي توعد الله عليها بأن أصحابها يهزمون ولا ينصرون، البطر والفخر والغرور والعجب: قال سبحانه:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[47]}[سورة الأنفال]. فهذا الرياء والبطر والكبر في الأرض، ثم الصد عن سبيل الله أي: الصد عن دينه حتى ولو عن جزئية من جزئيات الدين، الصد عنها منذر بوقوع الهزيمة كما دلت عليه هذه الآيات . وكذلك العجب قال الله:{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ[25]}[سورة التوبة] .
فلما أعجب الصحابة بأنفسهم وبكثرتهم، وقالوا: لن نغلب هذا اليوم من قلة؛ ما أغنت عنهم كثرتهم شيئاً، وبعض الروايات تقول: إن هوازن لم يتجاوزوا الثلاثة آلاف رجل . والصحابة كانوا عدة أضعاف لهوازن، ومع ذلك ولوا مدبرين لما أعجبوا بأنفسهم، ونسوا الاعتماد على ربهم عز وجل.
وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي: أنك عندما تقرأ في القرآن في أعقاب ذكر غزوات النبي؛ لا تجد أبداً أن الله يمدح المؤمنين، ويشيد ببطولاتهم، إنما يبين لهم أن هذا النصر الذي تحقق إنما هو فضل منه:{ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[126]}[سورة آل عمران]. { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[10]}[سورة الأنفال].
بل إنك تجد أن الله ينبه المؤمنين إلى أخطاء وقعت منهم، وهم منتصرون، فيقول لهم يوم بدر:{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ...[67]}[سورة الأنفال] .{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ...} ثم قال لهم بعد:{... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[1]}[سورة الأنفال] .
كأن هذا إشارة إلى أن اختلافكم في قسمة الغنائم والأنفال ليس بجيد، فاحذروا أن تخالفوا أمر الله وأمر رسوله.
فإذن: ما قال لهم لقد أحسنتم وفعلتم وفعلتم.. ما أشاد بهذه البطولات التي فعلها الصحابة يوم بدر، بل نبههم على أخطاء، وذكرهم بأن لا يعتمدوا على أنفسهم، وأن لا يعجبوا بأنفسهم، إنما النصر من عند الرب وحده لا شريك له. كذلك في أحد عندما تقرأ قصة أحد تجد أن الله نبههم على مكمن الخطأ وسبب ما حاق بهم وما حصل لهم .
فالله سبحانه ينبهنا على أن المسلم دائماً يجب أن يكون خاشعاً لله، معتمداً عليه، مستنصراً به، مخلصاً له، يعلم أن النصر من عنده ليس بعدد ولا بعدة .
السبب الثاني من أسباب الهزيمة:
ب ] الفرقة والاختلاف: تفرق المسلمين وتشتت أحوالهم سبب من أسباب الهزيمة الماحقة، يقول الله:{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46]}[سورة الأنفال].
وهذا الأمر بالإضافة إلى الأمر السابق وهو المعصية كان من أعظم أسباب سقوط الأندلس.
ج ] من أسباب الهزيمة في تاريخنا الإسلامي: موالاة الكافرين والمنافقين، وعدم الحذر منهم: لقد حذرنا الله من ذلك تحذيراً شديداً، وأبدأ وأعاد حتى قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق من أئمة الدعوة رحمه الله:'لم يرد في القرآن الكريم بعد الأمر بالتوحيد والنهي عن ضده أكثر من النهي عن موالاة الكافرين' . وفيآية واحد يتبين لنا حقيقة الكفار، يقول الله سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ
كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب من أسباب الاختلاف، وسبب من أسباب التفرق، وهذا من أهم أسباب الهزيمة.
ج] نقض عهد الله وعهد رسوله: فقد جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ... فذكرها، ومنها: [ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ] حديث صحيح رواه ابن ماجة وغيره . ومن المعلوم أن العدو لن يستطيع أن يأخذ بعض ما في أيدي المسلمين من الأموال، أو من الأراضي، أو من غيرها إلا بعد أن يهزم المسلمون، ويستذلوا.
د] الغلول: والغلول المراد به أخذ مال المسلمين بغير حق : جاء في الموطأ عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:' مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ...
ومن المعلوم أنه إذا ألقى الله الرعب في قلوب قوم فإنهم لن يواجهوا العدو وسيهزمون ويولون الأدبار هذا أمر لا شك فيه ..
هـ ] من المعاصي التي توعد الله عليها بأن أصحابها يهزمون ولا ينصرون، البطر والفخر والغرور والعجب: قال سبحانه:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[47]}[سورة الأنفال]. فهذا الرياء والبطر والكبر في الأرض، ثم الصد عن سبيل الله أي: الصد عن دينه حتى ولو عن جزئية من جزئيات الدين، الصد عنها منذر بوقوع الهزيمة كما دلت عليه هذه الآيات . وكذلك العجب قال الله:{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ[25]}[سورة التوبة] .
فلما أعجب الصحابة بأنفسهم وبكثرتهم، وقالوا: لن نغلب هذا اليوم من قلة؛ ما أغنت عنهم كثرتهم شيئاً، وبعض الروايات تقول: إن هوازن لم يتجاوزوا الثلاثة آلاف رجل . والصحابة كانوا عدة أضعاف لهوازن، ومع ذلك ولوا مدبرين لما أعجبوا بأنفسهم، ونسوا الاعتماد على ربهم عز وجل.
وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي: أنك عندما تقرأ في القرآن في أعقاب ذكر غزوات النبي؛ لا تجد أبداً أن الله يمدح المؤمنين، ويشيد ببطولاتهم، إنما يبين لهم أن هذا النصر الذي تحقق إنما هو فضل منه:{ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[126]}[سورة آل عمران]. { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[10]}[سورة الأنفال].
بل إنك تجد أن الله ينبه المؤمنين إلى أخطاء وقعت منهم، وهم منتصرون، فيقول لهم يوم بدر:{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ...[67]}[سورة الأنفال] .{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ...} ثم قال لهم بعد:{... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[1]}[سورة الأنفال] .
كأن هذا إشارة إلى أن اختلافكم في قسمة الغنائم والأنفال ليس بجيد، فاحذروا أن تخالفوا أمر الله وأمر رسوله.
فإذن: ما قال لهم لقد أحسنتم وفعلتم وفعلتم.. ما أشاد بهذه البطولات التي فعلها الصحابة يوم بدر، بل نبههم على أخطاء، وذكرهم بأن لا يعتمدوا على أنفسهم، وأن لا يعجبوا بأنفسهم، إنما النصر من عند الرب وحده لا شريك له. كذلك في أحد عندما تقرأ قصة أحد تجد أن الله نبههم على مكمن الخطأ وسبب ما حاق بهم وما حصل لهم .
فالله سبحانه ينبهنا على أن المسلم دائماً يجب أن يكون خاشعاً لله، معتمداً عليه، مستنصراً به، مخلصاً له، يعلم أن النصر من عنده ليس بعدد ولا بعدة .
السبب الثاني من أسباب الهزيمة:
ب ] الفرقة والاختلاف: تفرق المسلمين وتشتت أحوالهم سبب من أسباب الهزيمة الماحقة، يقول الله:{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46]}[سورة الأنفال].
وهذا الأمر بالإضافة إلى الأمر السابق وهو المعصية كان من أعظم أسباب سقوط الأندلس.
ج ] من أسباب الهزيمة في تاريخنا الإسلامي: موالاة الكافرين والمنافقين، وعدم الحذر منهم: لقد حذرنا الله من ذلك تحذيراً شديداً، وأبدأ وأعاد حتى قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق من أئمة الدعوة رحمه الله:'لم يرد في القرآن الكريم بعد الأمر بالتوحيد والنهي عن ضده أكثر من النهي عن موالاة الكافرين' . وفيآية واحد يتبين لنا حقيقة الكفار، يقول الله سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ
خَبَالًا } أي: لا يقصرون فيما يفسدكم. { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي: أحبوا ما يشق عليكم.{ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} فما استطاعوا إخفاءها. { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[118]}[سورة آل عمران] ولكن أين الذين يعقلون؟
لقد كان هذا هو السبب في هزيمة الدولة العباسية أمام التتار لما وثقت بالرافضي الخبيث ابن العلقمي وولته الوزارة، وكان ذلك الخبيث ممن مالأ التتار وكاتبهم من أجل أن تهدم الخلافة وتسقط الدولة، فكان ذلك وحصل له ما أراد، ولكن الله كان له بالمرصاد، فجازاه ملك التتار أن قتله، وقال له: أنت لا تستحق أن يثق فيك، فقتله شر قتلة، وما أكثر أمثال ابن العلقمي في هذه العصور .
قد يندس شياطين الإنس من المنافقين في صفوف المؤمنين، ولا يميزهم المؤمنون، فمن رحمة الله بالمؤمنين أن تتوالى الابتلاءات على المؤمنين، فتكشف حقيقة المنافقين، وتميز الصف المؤمن وتطهره من هؤلاء المندسين حتى يتميز الصف، ويصبح مؤمناً خالصاً، وما هذه الابتلاءات التي حصلت لإخواننا المجاهدين في أفغانستان سابقاً ولا حقاً إلا فيما نحسب من هذا الباب، ليميز الله الصفوف فتتساقط الأوراق المندسة التي لا يستطيع المؤمن أن يكشفها لتظاهرها بالإيمان.
د ] ومن أهم أسباب الهزيمة: ترك إعداد العدة والإخلاد إلى الدنيا وملذاتها والإغراق في اللهو وطلب الراحة مما يجعل الإنسان لا يستطيع أن يدخل المعركة، ولا أن يواجه العدو .
هذه بعض أسباب الهزيمة التي مرت في التاريخ الإسلامي، وهي ليست كلها، ولو تتبعت واستقرأها شخص من بطون كتب التاريخ لوجدها أضعاف ما ذكرنا أضعافاً كثيرة، ولكن حسبنا أن نذكر الأهم والأقل يدل على الأكثر .وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم .
======================
لقد كان هذا هو السبب في هزيمة الدولة العباسية أمام التتار لما وثقت بالرافضي الخبيث ابن العلقمي وولته الوزارة، وكان ذلك الخبيث ممن مالأ التتار وكاتبهم من أجل أن تهدم الخلافة وتسقط الدولة، فكان ذلك وحصل له ما أراد، ولكن الله كان له بالمرصاد، فجازاه ملك التتار أن قتله، وقال له: أنت لا تستحق أن يثق فيك، فقتله شر قتلة، وما أكثر أمثال ابن العلقمي في هذه العصور .
قد يندس شياطين الإنس من المنافقين في صفوف المؤمنين، ولا يميزهم المؤمنون، فمن رحمة الله بالمؤمنين أن تتوالى الابتلاءات على المؤمنين، فتكشف حقيقة المنافقين، وتميز الصف المؤمن وتطهره من هؤلاء المندسين حتى يتميز الصف، ويصبح مؤمناً خالصاً، وما هذه الابتلاءات التي حصلت لإخواننا المجاهدين في أفغانستان سابقاً ولا حقاً إلا فيما نحسب من هذا الباب، ليميز الله الصفوف فتتساقط الأوراق المندسة التي لا يستطيع المؤمن أن يكشفها لتظاهرها بالإيمان.
د ] ومن أهم أسباب الهزيمة: ترك إعداد العدة والإخلاد إلى الدنيا وملذاتها والإغراق في اللهو وطلب الراحة مما يجعل الإنسان لا يستطيع أن يدخل المعركة، ولا أن يواجه العدو .
هذه بعض أسباب الهزيمة التي مرت في التاريخ الإسلامي، وهي ليست كلها، ولو تتبعت واستقرأها شخص من بطون كتب التاريخ لوجدها أضعاف ما ذكرنا أضعافاً كثيرة، ولكن حسبنا أن نذكر الأهم والأقل يدل على الأكثر .وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم .
======================
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
ولـكــن ينـظــر إلى قـلــوبكـــم ... !
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ، وسببا للمزيد من فضله، جعل لكل شيء قدرا، ولكل قدر أجلا، ولكل أجل كتابا .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تزيد في اليقين، وتثقل الموازين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أمين وحيه، وخاتم رسله، وبشير رحمته، ونذير نقمته، بعثه بالنور المضي، والبرهان الجلي، فأظهر به الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبين به الأحكام المفصولة صلى الله عليه، وعلى آله مصابيح الدجى، وأصحابه ينابيع الهدى، وسلم تسليما كثيراً أما بعـــد : -
عبــــــاد الله : -
يقول الله سبحانه وتعالى { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(سورة القلم آية (17 – 33).
هذه قصة أصحاب الحديقة والبستان المثمر والمنظر البديع والخير الوفير ذكرها الله في القرآن ليعتبر المعتبرون فهل تساءل أحدنا لماذا عاجلهم الله بالعقوبة ؟ ولماذا أحرق حديقتهم ودمر زرعهم وأهلك أموالهم ؟ لقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن السبب هو أنهم أضمروا في قلوبهم الشر والبخل والخبث والمكر ومنع ما كان للفقراء والمساكين من حق ... فسبحان الله مجرد الإضمار في القلب والنية لعمل المنكر وفساد المقصد سبباً للهلاك فكيف بمن يفعل ذلك ويمارسه سلوكاً في واقع الحياة إن الإيمان والكفر لا يكون إلا في القلب والنية لا تخرج إلا من القلب والموعظة والتذكر والفهم والتدبر لا يكون إلا في القلب والسكينة والطمأنينة وراحة البال لا تنبع إلا في القلب والقسوة والغلظة والغفلة لا تكون إلا في القلب قال تعالى"(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179}
فإذا كان الأمر كذلك وأن القلوب عليها مدار السعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة وجب على كل مسلم أن يتعاهد قلبه بالإيمان والعمل الصالح وأن يصفية من أمراض القلوب كالنفاق والحقد والحسد و والكبر والبغض والكراهية والقسوة والخبث فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الصور والأجساد بل ينظر إلى القلوب والأعمال، ويُجازي عليها فلا تجعل محل نظر الله إليك هو أخبث الأماكن وأكثرها جرماً ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )( مسلم(2564) وقال تعالى({لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
فالإيمان والصدق وإتباع الحق لا يستدل عليه من الصور والهيئات ولكن الله يعلم أن مكانه القلب ... ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب } (رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه) وقال تعالى مبيناً أهمية القلب في حياة الإنسان وأنه محل سؤال الله يوم القيامة (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)[سورة الإسراء، الآية: 36].
عبـــاد الله : - لقد ربط الله تعالى النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:88، 89]. والقلب السليم هو القلب سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه وسلم من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم و سلم من الغل والحقد والحسد والكبر وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة و هو قلب يخشى الله في السر والع
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
ولـكــن ينـظــر إلى قـلــوبكـــم ... !
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ، وسببا للمزيد من فضله، جعل لكل شيء قدرا، ولكل قدر أجلا، ولكل أجل كتابا .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تزيد في اليقين، وتثقل الموازين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أمين وحيه، وخاتم رسله، وبشير رحمته، ونذير نقمته، بعثه بالنور المضي، والبرهان الجلي، فأظهر به الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبين به الأحكام المفصولة صلى الله عليه، وعلى آله مصابيح الدجى، وأصحابه ينابيع الهدى، وسلم تسليما كثيراً أما بعـــد : -
عبــــــاد الله : -
يقول الله سبحانه وتعالى { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(سورة القلم آية (17 – 33).
هذه قصة أصحاب الحديقة والبستان المثمر والمنظر البديع والخير الوفير ذكرها الله في القرآن ليعتبر المعتبرون فهل تساءل أحدنا لماذا عاجلهم الله بالعقوبة ؟ ولماذا أحرق حديقتهم ودمر زرعهم وأهلك أموالهم ؟ لقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن السبب هو أنهم أضمروا في قلوبهم الشر والبخل والخبث والمكر ومنع ما كان للفقراء والمساكين من حق ... فسبحان الله مجرد الإضمار في القلب والنية لعمل المنكر وفساد المقصد سبباً للهلاك فكيف بمن يفعل ذلك ويمارسه سلوكاً في واقع الحياة إن الإيمان والكفر لا يكون إلا في القلب والنية لا تخرج إلا من القلب والموعظة والتذكر والفهم والتدبر لا يكون إلا في القلب والسكينة والطمأنينة وراحة البال لا تنبع إلا في القلب والقسوة والغلظة والغفلة لا تكون إلا في القلب قال تعالى"(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179}
فإذا كان الأمر كذلك وأن القلوب عليها مدار السعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة وجب على كل مسلم أن يتعاهد قلبه بالإيمان والعمل الصالح وأن يصفية من أمراض القلوب كالنفاق والحقد والحسد و والكبر والبغض والكراهية والقسوة والخبث فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الصور والأجساد بل ينظر إلى القلوب والأعمال، ويُجازي عليها فلا تجعل محل نظر الله إليك هو أخبث الأماكن وأكثرها جرماً ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )( مسلم(2564) وقال تعالى({لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
فالإيمان والصدق وإتباع الحق لا يستدل عليه من الصور والهيئات ولكن الله يعلم أن مكانه القلب ... ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب } (رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه) وقال تعالى مبيناً أهمية القلب في حياة الإنسان وأنه محل سؤال الله يوم القيامة (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)[سورة الإسراء، الآية: 36].
عبـــاد الله : - لقد ربط الله تعالى النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:88، 89]. والقلب السليم هو القلب سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه وسلم من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم و سلم من الغل والحقد والحسد والكبر وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة و هو قلب يخشى الله في السر والع
لن ،كثير التوبة والإنابة إليه قال تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [سورة ق، الآية: 31]. ..
وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" (صحيح ابن ماجه للألباني(3416) ..
يا لروعة هذه القلوب كيف جعلت من أصحابها أفضل الخلق عند الله وعند رسوله بل وعند الناس جميعاً. ..
لقد كان أعظم هذه القلوب صفاءاً وأوسعها رحمة وليناً ورفقاً وحلماً هو قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربه(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) ..
وقلوب المؤمنين يجب أن تكون كذلك تتصف باللين والخشوع والرحمة والوجل لتنال رحمة الله وتوفيقه في الدنيا والآخرة قال تعالى(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [سورة الأنفال:2-4].
عبــــــاد الله : - لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في سلامة القلوب وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب، ...
كانوا رضي الله عنهم صفاً واحداً يعطف بعضهم على بعض ويرحم بعضهم بعضاً ويحب بعضهم بعضاً كما وصفهم جل وعلا بذلك حيث قال: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾( الحشر: 9) وكما قال جل ذكره في وصفهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَه أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾( الفتح: 29) .
وكان لسلامة قلوبهم منزلة كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم قال إياس بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي صلَى الله عليه وسلم ((كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة)) و قال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم.. لا يمكر لأخيه ولا يحقد عليه ولا يهجره ولا يتمنى أن ينزل أو يحل بداره شرٌ أو مكروه ولو كان بينهم خصومات أو اختلاف في وجهات النظر بل يتمنى له الخير يرجو بذلك ثواب الله ويطلب رضاه .. هــذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول : "إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".
إن رقة القلب وسلامة الصدر
نعمة من أجل النعم وأعظمها ، وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله فقد قال سبحانه { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ } (الزمر:22) ، وما رق قلب لله وانكسر إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات ، مشمراً إلى الطاعات ... اللهم ارزقنا قلوباً عامرة بالإيمان خالية من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق ..
قلت ما سمعتم واستغفر الله
لي ولكم فاستغفروه ....
الخطبـــــة.الثانيـــــة.cc
عبـــــــاد الله : إنه ينبغي لكل مسلم أن يتعاهد قلبه بالإيمان والأعمال الصالحة من صلاة وصيام وذكر وقراءة للقرآن وصدقة وبر ودعاء وكل عمل يقرب إلى الله وعليه كذلك أن يصفي قلبه من الأمراض التي تكون سبباً في هلاكه وموته كالحسد والغل والنفاق والشرك والبغضاء وسوء الظن وعليه أن يملئ قلبه بالحب والرحمة واللين والشفقة والعفو والتسامح وحب الخير لكل مسلم فمن فعل ذلك كتب الله سعادة الدنيا والآخرة لا ينالها إلا أصحاب هذه القلوب السليمة فقد وصف الله عباده المؤمنين أهل الجنة بقوله (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الحجر:47] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: نزعنا من صدورهم كل حسد وبُغض،..)
أيهـا المؤمنون / عبــاد الله :
إن قسوة القلوب وفسادها سبب لمشاكل الحياة فالعنف والشدة والغلظة على بعضنا البعض وغياب التراحم والتكافل وسوء الظن على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع سببه قسوة القلوب قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْ
وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" (صحيح ابن ماجه للألباني(3416) ..
يا لروعة هذه القلوب كيف جعلت من أصحابها أفضل الخلق عند الله وعند رسوله بل وعند الناس جميعاً. ..
لقد كان أعظم هذه القلوب صفاءاً وأوسعها رحمة وليناً ورفقاً وحلماً هو قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربه(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) ..
وقلوب المؤمنين يجب أن تكون كذلك تتصف باللين والخشوع والرحمة والوجل لتنال رحمة الله وتوفيقه في الدنيا والآخرة قال تعالى(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [سورة الأنفال:2-4].
عبــــــاد الله : - لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في سلامة القلوب وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب، ...
كانوا رضي الله عنهم صفاً واحداً يعطف بعضهم على بعض ويرحم بعضهم بعضاً ويحب بعضهم بعضاً كما وصفهم جل وعلا بذلك حيث قال: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾( الحشر: 9) وكما قال جل ذكره في وصفهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَه أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾( الفتح: 29) .
وكان لسلامة قلوبهم منزلة كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم قال إياس بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي صلَى الله عليه وسلم ((كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة)) و قال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم.. لا يمكر لأخيه ولا يحقد عليه ولا يهجره ولا يتمنى أن ينزل أو يحل بداره شرٌ أو مكروه ولو كان بينهم خصومات أو اختلاف في وجهات النظر بل يتمنى له الخير يرجو بذلك ثواب الله ويطلب رضاه .. هــذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول : "إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".
إن رقة القلب وسلامة الصدر
نعمة من أجل النعم وأعظمها ، وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله فقد قال سبحانه { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ } (الزمر:22) ، وما رق قلب لله وانكسر إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات ، مشمراً إلى الطاعات ... اللهم ارزقنا قلوباً عامرة بالإيمان خالية من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق ..
قلت ما سمعتم واستغفر الله
لي ولكم فاستغفروه ....
الخطبـــــة.الثانيـــــة.cc
عبـــــــاد الله : إنه ينبغي لكل مسلم أن يتعاهد قلبه بالإيمان والأعمال الصالحة من صلاة وصيام وذكر وقراءة للقرآن وصدقة وبر ودعاء وكل عمل يقرب إلى الله وعليه كذلك أن يصفي قلبه من الأمراض التي تكون سبباً في هلاكه وموته كالحسد والغل والنفاق والشرك والبغضاء وسوء الظن وعليه أن يملئ قلبه بالحب والرحمة واللين والشفقة والعفو والتسامح وحب الخير لكل مسلم فمن فعل ذلك كتب الله سعادة الدنيا والآخرة لا ينالها إلا أصحاب هذه القلوب السليمة فقد وصف الله عباده المؤمنين أهل الجنة بقوله (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الحجر:47] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: نزعنا من صدورهم كل حسد وبُغض،..)
أيهـا المؤمنون / عبــاد الله :
إن قسوة القلوب وفسادها سبب لمشاكل الحياة فالعنف والشدة والغلظة على بعضنا البعض وغياب التراحم والتكافل وسوء الظن على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع سببه قسوة القلوب قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْ
طَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:42-45].. وإنه قد آن الآوان لهذه القلوب أن تخشع وتلين وتعمر بالإيمان والتقوى فقد حذر سبحانه من الغرور والغفلة وطول الأمل فقال (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16] ..
وإن مما يرقق القلوب ويذهب عنها قسوتها النظر في أحوال الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين والمعوزين خاصة في مثل هذه الأيام ومساعدتهم وبذل المعروف وإدخال السرور عليهم فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه قسوة القلب فقال أدن اليتيم وامسح برأسه وأطعمه طعامك يلن قلبك وتقدر على حاجتك) ( رواه أبو الدرداء وأخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة / 2/509) ..
وعلينا أن نكثر من الدعاء ..( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10].. اللهم أصلح قلوبنا وزينها بالإيمان ونقها من الحقد والحسد والبغضاء برحمتك يا أرحم الراحمين .. اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين، واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين .. اللهم آمنا في أوطاننا واحقن دمائنا وتولى أمرنا واهدنا سبلنا واجعلنا من الراشدين ..
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56)
========================
وإن مما يرقق القلوب ويذهب عنها قسوتها النظر في أحوال الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين والمعوزين خاصة في مثل هذه الأيام ومساعدتهم وبذل المعروف وإدخال السرور عليهم فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه قسوة القلب فقال أدن اليتيم وامسح برأسه وأطعمه طعامك يلن قلبك وتقدر على حاجتك) ( رواه أبو الدرداء وأخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة / 2/509) ..
وعلينا أن نكثر من الدعاء ..( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10].. اللهم أصلح قلوبنا وزينها بالإيمان ونقها من الحقد والحسد والبغضاء برحمتك يا أرحم الراحمين .. اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين، واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين .. اللهم آمنا في أوطاننا واحقن دمائنا وتولى أمرنا واهدنا سبلنا واجعلنا من الراشدين ..
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56)
========================
فضائل الإحسان إلى الجار
-23-08-1433هـ.. الشيخ عبد العزيز ال الشيخ
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين، أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، لقد اعتنى الإسلام بتنظيم علاقة أفرد المجتمع المسلم، وأمر بكل ما يقوي هذه الرابطة، ونهى عن كل ما يفسدها أو يضعفها، ولذا اهتم الإسلام بالجوار ووضع للجار حقوقا، ألزم الجار المحافظة عليها وملازمتها لتبقى العلاقة قوية ووطيدة، ومن تلكم الحقوق الإحسان إلى الجار، والإحسان إلى الجار يكون بالقول والعمل، والإحسان خلق كريم، يهيأ القلوب للخير، ويورث الطمأنينة، ومتى شعر الجار بسلام من جاره، وأن جاره يحسن إليه أطمئن قلبه، وانشرح صدره وارتاح نفسه، وللإحسان للجار فضائل عديدة، فأولا: أخبر صلى الله عليه وسلم أن حسن الجوار علامة الإسلام، فيروى عنه صلى الله عليه وسلم قال: "كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا"، ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه علامة الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ"، ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه سبب لمحبة الله ورسوله، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن أحببتم محبة الله ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم، وصدقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم"، ومن فضائل الإحسان إلى الجار أن الإحسان سبب لعمارة الديار وطول الأعمار، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ في الآخِرَةِ"، ويقول: "وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ"، ومن فضائل حسن الجوار أنه سبب لدخول الجنة، سأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخل الجنة قال: "كن محسنا"، قال: متى أكون محسنا، قال: "إن أثنى عليك جيرانك فأنت محسن"، والإحسان إلى الجار ليس متبع معين ولا شيء خاص ولكنه عام من الأقوال الطيبة والأفعال الحسنة، ومن ذلكم أن الهدية للجار مشروعة، إذ أصل الهدية شرعة لإزالة الشحناء والعداوة وتقوية أواصل الحب بين أفراد المجتمع، كما جاء: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا"، ولهذا رغب بالهدية للجار وتعهد لذلك وإن قلت تلك الهدية، أو كان بالنظر قليلة لكنها تؤدي عملا طيبا، ولهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقلة الأشياء وشذافة العيش كانت الهدية لها وقع في النفوس وإن قلة تلك الهدية، يقول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ"، قد تكون يا أخي هذا أمر ليس بواقع لكنه في الحقيقة في زمنه صلى الله عليه وسلم وفي زمن الحاجة كان لذلك أثرا عظيما في تقوية أواصل المحبة، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ"، أي: وإن قل، ومن صور الإحسان إلى الجار التطبيقية التعاون والتنازل عن بعض الحقوق لأجل الجار، يقول صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَمْنَعَنَّ جَارَ جارهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِى أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ، ومن صور الإحسان إلى الجار صيانة عرضه، والمحافظة على شرفه، وستر عورته، وسد خلته، وعدم التطلع إلى عوراته بالبصر، واحترام ذلك دينا تدين الله به، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم أذى الجار إذا الأذى بالأصل محرم، إيذاء المسلمين عامة محرم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)، لكن الأذى للجار أشد وأشنع وقد رتب عليه الوعيد الشديد، فأولا نفي الإيمان يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِى جَارَهُ" أي: بأي نوع من أنواع الأذى، وأخبر صلى الله عليه وسلم إن إثم إيذاء الجار يزيد على إثم العموم، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عَنِ الزِّنَا، قَالُوا: الزنا حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: "لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارَهِ"، قَالَ: " عَنِ السَّرِقَةِ ما تقولون"، قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: "لأَنْ يَسْرِقَ ا
-23-08-1433هـ.. الشيخ عبد العزيز ال الشيخ
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين، أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، لقد اعتنى الإسلام بتنظيم علاقة أفرد المجتمع المسلم، وأمر بكل ما يقوي هذه الرابطة، ونهى عن كل ما يفسدها أو يضعفها، ولذا اهتم الإسلام بالجوار ووضع للجار حقوقا، ألزم الجار المحافظة عليها وملازمتها لتبقى العلاقة قوية ووطيدة، ومن تلكم الحقوق الإحسان إلى الجار، والإحسان إلى الجار يكون بالقول والعمل، والإحسان خلق كريم، يهيأ القلوب للخير، ويورث الطمأنينة، ومتى شعر الجار بسلام من جاره، وأن جاره يحسن إليه أطمئن قلبه، وانشرح صدره وارتاح نفسه، وللإحسان للجار فضائل عديدة، فأولا: أخبر صلى الله عليه وسلم أن حسن الجوار علامة الإسلام، فيروى عنه صلى الله عليه وسلم قال: "كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا"، ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه علامة الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ"، ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه سبب لمحبة الله ورسوله، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن أحببتم محبة الله ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم، وصدقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم"، ومن فضائل الإحسان إلى الجار أن الإحسان سبب لعمارة الديار وطول الأعمار، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ في الآخِرَةِ"، ويقول: "وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ"، ومن فضائل حسن الجوار أنه سبب لدخول الجنة، سأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخل الجنة قال: "كن محسنا"، قال: متى أكون محسنا، قال: "إن أثنى عليك جيرانك فأنت محسن"، والإحسان إلى الجار ليس متبع معين ولا شيء خاص ولكنه عام من الأقوال الطيبة والأفعال الحسنة، ومن ذلكم أن الهدية للجار مشروعة، إذ أصل الهدية شرعة لإزالة الشحناء والعداوة وتقوية أواصل الحب بين أفراد المجتمع، كما جاء: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا"، ولهذا رغب بالهدية للجار وتعهد لذلك وإن قلت تلك الهدية، أو كان بالنظر قليلة لكنها تؤدي عملا طيبا، ولهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقلة الأشياء وشذافة العيش كانت الهدية لها وقع في النفوس وإن قلة تلك الهدية، يقول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ"، قد تكون يا أخي هذا أمر ليس بواقع لكنه في الحقيقة في زمنه صلى الله عليه وسلم وفي زمن الحاجة كان لذلك أثرا عظيما في تقوية أواصل المحبة، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ"، أي: وإن قل، ومن صور الإحسان إلى الجار التطبيقية التعاون والتنازل عن بعض الحقوق لأجل الجار، يقول صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَمْنَعَنَّ جَارَ جارهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِى أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ، ومن صور الإحسان إلى الجار صيانة عرضه، والمحافظة على شرفه، وستر عورته، وسد خلته، وعدم التطلع إلى عوراته بالبصر، واحترام ذلك دينا تدين الله به، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم أذى الجار إذا الأذى بالأصل محرم، إيذاء المسلمين عامة محرم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)، لكن الأذى للجار أشد وأشنع وقد رتب عليه الوعيد الشديد، فأولا نفي الإيمان يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِى جَارَهُ" أي: بأي نوع من أنواع الأذى، وأخبر صلى الله عليه وسلم إن إثم إيذاء الجار يزيد على إثم العموم، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عَنِ الزِّنَا، قَالُوا: الزنا حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: "لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارَهِ"، قَالَ: " عَنِ السَّرِقَةِ ما تقولون"، قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: "لأَنْ يَسْرِقَ ا
لرَّجُلُ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ لَه مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ"، وقال عبدالله بن مسعود سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي ذنب أعظم، قال: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ قَالَ: "أَنْ تُزَانِىَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ"، ثُمَّ أي: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أذى الجار سبب لدخول النار، فقال أبو هريرة: ذكر للنبي صلى اله عليه وسلم امرأة ذكروا من صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِى جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا، قَالَ: "هِي فِي النَّار"، وذكروا له امرأة فذكروا مِنْ قِلَّةِ صَلاَتِهَا صِيَامِهَا إلا أَنَّهَا تَصَدَّقُ باِلأَثْوَارِ الأَقِطِ وَلاَ تُؤْذِى جِيرَانَهَا، قَالَ: "هِي فِي الْجَنَّةِ"، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن إيذاء الجار سبب للحرمان الجنة ووعيد عليه، فيقول صلى الله عليه سلم: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، ونفى الإيمان بقوله: "وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ"، قالوا مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُغدراته وخيانته"، وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن أول خصمين يقضى بينهما يوم القيامة الجاران، "فإن الجار يخاصم جاره إن هو آذاه أو امتنع من الإحسان إليه". أيها المسلم، وأذى الجيران يكون إما بالأقوال السيئة من قدح في عرضه، واستطالة عليه باللسان، أو سوء الظن به والتجسس عليه، أو مضايقته عند الدخول والخروج، أو إلقاء القاذورات والأشياء عند بابه، أو رفع صوت ما يؤذيه، أو يتخذ في داره ما يؤذي جاره كل هذا من أنواع الأذى الذي يأمر المسلم بالبعد عنه. أيها المسلم، هذه أخلاق الإسلام دعوة للفضائل والأخلاق القيمة، إن الإسلام عظم أمر الجوار، وكان العرب في جاهليتهم يعظمون الجار والجوار، ويفتخرون بثناء الجار عليهم ويظهرون من إكرام الجار الأمر العجيب، فجاء الإسلام بهذا الخلق الكريم، وجعل الفضائل العظيمة لمن أكرم الجار، والوعيد الشديد لمن أذى الجار، لأن هذه أخلاق الإسلام، ليكون المجتمع مجتمعا مترابطة متماسكا لبنات بعضها فوق بعض من صلة رحم، وإكرام جار، وأخلاق فاضلة هكذا المجتمع المسلم الذي أراده الله لنا، فلنكن على ثقة بديننا، وتمسكا بأخلاق إسلامنا، ولنمثل الإسلام في الأقوال والأعمال، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم
. الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، لأن كنا في زمن ضعف التمسك بكثير من أخلاق الدين بيننا، وأصبح كل منا همه نفسه وذووه، لا ينظر إلى من سوء ذلك إلا إن سنة محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن تستقر في قلب المسلم، وأن هذه السنن حقٌ وهدى يجب تطبيقها والعمل بها قدر الاستطاعة، وأن المسلم يحرص على أن يطبق هذه السنة قدر استطاعته لعلمه أن المتكلم بها لا (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، ولعلمه التام أن هذه الشريعة الإسلامية كاملة في عقيدتها ومبادئها ونظمها جاءت بما يحقق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة. أخي المسلم، جارك أمانة في عنقك، فاتقي الله فيه، أحسن جواره، عده إن مريض، أقرضه إن استقرض، عد عليه بالخير، أنصحه ووجه النصيحة له، زوره وتعاون معه، زوره وقت زيارته، وعده وزره في منزله، إن رأيت تقصير في الصلوات الخمس مع الجماعة فاحرص على نصيحته وتوجيه، وتحذيره من التكاسل عن الطاعات، إن رأيت عليه مخالفات في أخلاقه وسيرته، فبينك وبينه همسة في أذنه توجهه وتنصحه وتحذره من الجرائم والمصائب، إن رأيته فقيرا معوزا فأحسن إليه على قدر استطاعتك، وعد عليه بما ينفع، إن مرض فأعده في مرضه، وكون معه أخيه كأخيه، نصحاً وتوجيهاً وهدايةً ودعوة إلى الخير. أيها المسلم، إن كنت ممن أذى الجيران وأساء إليهم فتتدارك نفسك وأحسن إلى الجار وبدل الإحسان بالإساءة، وكن كما أمرك الله به عبد مسلم ترجوا تواب الله: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِ
. الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، لأن كنا في زمن ضعف التمسك بكثير من أخلاق الدين بيننا، وأصبح كل منا همه نفسه وذووه، لا ينظر إلى من سوء ذلك إلا إن سنة محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن تستقر في قلب المسلم، وأن هذه السنن حقٌ وهدى يجب تطبيقها والعمل بها قدر الاستطاعة، وأن المسلم يحرص على أن يطبق هذه السنة قدر استطاعته لعلمه أن المتكلم بها لا (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، ولعلمه التام أن هذه الشريعة الإسلامية كاملة في عقيدتها ومبادئها ونظمها جاءت بما يحقق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة. أخي المسلم، جارك أمانة في عنقك، فاتقي الله فيه، أحسن جواره، عده إن مريض، أقرضه إن استقرض، عد عليه بالخير، أنصحه ووجه النصيحة له، زوره وتعاون معه، زوره وقت زيارته، وعده وزره في منزله، إن رأيت تقصير في الصلوات الخمس مع الجماعة فاحرص على نصيحته وتوجيه، وتحذيره من التكاسل عن الطاعات، إن رأيت عليه مخالفات في أخلاقه وسيرته، فبينك وبينه همسة في أذنه توجهه وتنصحه وتحذره من الجرائم والمصائب، إن رأيته فقيرا معوزا فأحسن إليه على قدر استطاعتك، وعد عليه بما ينفع، إن مرض فأعده في مرضه، وكون معه أخيه كأخيه، نصحاً وتوجيهاً وهدايةً ودعوة إلى الخير. أيها المسلم، إن كنت ممن أذى الجيران وأساء إليهم فتتدارك نفسك وأحسن إلى الجار وبدل الإحسان بالإساءة، وكن كما أمرك الله به عبد مسلم ترجوا تواب الله: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِ
رِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ"، "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فلا يؤذي جيرانه". أخي المسلم، إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثلوا الإسلام في أقوالهم وأعمالهم، انتشر الإسلام على أيديهم، لا بالسيف المفرط على كل أحد ولا بالإزلال واحتقار الناس، ولكن رأى الآخرون منهم أخلاقا قيمة، وفضائل عظيمة، وصفات حميدة، ساسوا الناس بالعدل، وساسوهم بالخلق الكريم، والفضائل العظيمة، والعدل والإنصاف، فاعترفوا لهم بالفضل، ودخل الناس في دين الله أفواجا عن قناعة ورضا بهذا الدين، وبأخلاقه وقدوة بأولئك الرجال الأخيار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لما فتحوا البلاد العراقية والشامية والمصرية وساسوا الناس بالعدل والدين، ورأى الناس من أخلاقهم وزهدهم وورعهم وتقواهم، وأن أقوالهم تطابق أفعالهم، ولا تناقض بين القول والعمل؛ بل الأقوال والأعمال على حد سواء، قال قائلهم: لو كان هؤلاء زمن عيسى كانوا حواريه وأنصاره، لقد رأوا من ذلك الراعي الأول ما جعل القلوب تنقاد إلى هذه الشريعة، إذا فما بل نفرط في هذا لو أن المسلمين استغلوا وجود الوافدين غير المسلمين إلى بلادهم للدعوة إلى الله، وتبين أخلاق الإسلام وفضائل الإسلام ومحاسن الإسلام، وعاملوا الناس بالمعاملة الصادقة الخيرة التي دعا الإسلام لها، لرأيت إسلام الفئات والمئات من الناس، إن تقصير المسلمين أمر عظيم، تقصيرهم في دعوتهم إلى الله، وفي تخليهم عن بعض أخلاق دينهم مما جعل الناس يعرضون عنهم، فلو صدقنا الله في أقوالنا وأعمالنا ودعونا إلى الله ونشرنا أخلاق الإسلام؛ لكن بهذا سعداء، ولكن بهذا دعاة إلى الخير والصلاح. أيها المسلم، وسلف هذه الأمة مثلوا الإسلام صورة مشرقة حيه في دعوتهم إلى الله والتدشين بهذا الدين والدعوة إليه، والحافظ الذهبي رحمه الله المعروف بكتابته في تاريخ الأمة الإسلامية وما كتب في ذلك، ذكر في أحد مؤلفاته قصة طريفة غريبة ولكنها ليست غريبة على أهل الدين والصلاح، لما ترجم عباد الأمة سهل ... وذكر فضائله ومناقبه أشار في آخر الأمر إلى قضية واحدة، قال إن هذه الرجل سهل ... المعروف بالزهد والتقى والصلاح كان بجواره مجوسي وكان هذا المجوس مع ما هو عليه من الضلال في بذاءة وعدوان وظلم إلا أن هذا الرجل سهل بن عبدالله تحمل كل هذا الأذى، فكان هذا المجوسي يسلط كنيفه وقذراته على المكان الذي ينام في ذلك الرجل الصالح، فكان هذا الرجل الصالح يتلقى تلك القاذورات في وعاء خاص، فإذا جن الليل ونام الأهل خرج إلى مكان الكناسه وألقى تلك القاذورات ثم رجع ونام في فراشه، فلما مضى سنون على هذا العهد الطويل تحمل الأذى والصبر، وحضر الثلوثه قالوا أدعوا لجاري الرجل المجوسي، قالوا له: ما شئنك به، قال: أدعوه لأريده، فلما أتاه قال له يا فلان أترى هذا المكان الذي تراه كنت أتقبل أذاك عشرين عاما صابرا محتسبا، أخذه بالليل وألقيه ما يعلمه أحد حفاظا على كرامة الجار، ولولا أنه حضرني ما حضرني من قرب أجلي، وانتقالي من الدنيا، وخوفي أن أبنائي لا يتحملون ما أتحمل، ولا يصبرون على ما صبر عليه، لولا ذلك لم بلغتك، قال: يا شيخ وهل علمت بي، قال: علمت بذلك، قال: لماذا لم تعلمني، قال: خشية أن لا تقبل مني أو يطلع أحد من أهل بيتي على ذلك، قال: لماذا؟ قال: إن ربنا ونبينا أوصانا بالجار خيرا والإحسان إلى الجار، فأنا أحسنت إليك طاعة لله ثم طاعة لعبد الله ورسوله محمد، قال: يا شيخ افرد يدك فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، هكذا أخلاق الإسلام، وهكذا الصورة الحية لأولئك الراعي الأول الذين نشروا الإسلام بأقوالهم وأعمالهم وسيرتهم الفاضلة فرضي الله عنهم ورضوا عنه، فواجبنا جميعا الدعوة إلى الله، ونشر أخلاق الإسلام ومحاسنه بصدق وأمانة نطبقه على أنفسنا وواقعنا ومن تحت أيدينا؛ لنكن حي للإسلام في الأخلاق والأعمال، المؤسف له أن أبناء المسلمين عندهم انهزام في أنفسهم وتثاقل في نشر فضائل دينهم وهذا كله في الانهزامية التي لا خير فيها، وفواجب المسلم الدعوة إلى الله في كل مجال الحياة، أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحيه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم من المتبعين لهدي محمد صلى الله عليه وسلم إنه على كل شيء قدير.واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار. وصَلُّوا رحمكم الله على محمد بن عبدالله امتثالا لأمر ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن
التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين. اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللَّهمَّ انصر عبادك الموحدين، وأذل الطغاة الظالمين إنك على كل شيء قدير، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون
آداب الاختلاف:
يمكن أن نجمل آداب الاختلاف في النقاط التالية:
أولاً: التسامح: وهو ما يسمونه الروح الرياضية، وهو من معاني قولهم: “الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”، وهو شأن العلماء، فلقد قيل للإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، صاحب الإمام أبى حنيفة، رضي الله عنهما: “وجدنا فأرة في مرجل الحمام”، وذلك بعد أن اغتسل فقال: “هو طاهر عند أخينا الشافعي؛ لأنه بلغ أكثر من قلتين فلا يحمل الخبث”، وصلى الإمام الشافعي بمسجد الأعظمية في بغداد، فلم يقنت لصلاة الفجر، فلما قيل له في ذلك قال: “استحييت من صاحب هذا القبر أن أخالف مذهبه”، أي أبو حنيفة رضي الله عنهما.
ثانياً: التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات: فالمنافق إذا خاصم فجر، والمؤمن يخالف غيره، لكنه يوقّر الكبير ويرحم الصغير، ويعرف للعالم حرمته، ويحفظ حقوق الشيوخ، ويعرف مقامات الناس، وأوزان الرجال، وقيمتهم.
قال الله تعالى: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً” [النساء: 114].
ثالثاً: الحلم على المخالف في الرأي ومحبة الخير له: وهو مدعاة للوصول إلى الحقيقة التي هي هدف الجميع، فالغضب لا يأتي بخير، ولا يحل مُشكلاً، بل يُعقّد الأمور، وأن الإنسان يخالف في الرأي غيره، وليس من مقتضى ذلك أن يخاصمه ويشاجره، بل أن يأخذ بيده برفق إلى درجة يرى بها نور الحق فيسير خلفه، فالحكيم من أنقذ غيره بالحلم، وفي الحديث: “لا تغضب ولك الجنة”.
رابعاً: الاحترام المتبادل للأشخاص والأفكار: إن أهم ما يمّيز الخلاف العلمي أنه خلاف بين الأفكار لا بين الأشخاص، فالأشخاص المختلفون لهم حرمتهم ومكانتهم، وهم بلا ريب من أهل العلم والفضل، ولا يجوز تجاهلهم لمجرد خلاف شجر بيننا وبينهم، أو النيل من كرامتهم، فلا خلاف مطلقاً بين أشخاصنا وأشخاصهم، بل بين أفكارنا وأفكارهم، فنحن في نظر أنفسنا رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأيهم خطأ يحتمل الصواب، ما دام الخلاف في الفروع، وقد عظّم الأئمة الأربعة بعضهم بعضاً في حياتهم وبعد الوفاة، وكانوا القدوة المثلى في هذا الأدب الجم، وإن وُجد فليس القاعدة ولا الأصل، بل الاستثناء والشذوذ.
خامساً: الرجوع إلى الحق ولو مع الخصم: وهذه من سمات الصالحين، وإلا كانت مهاترات وجدلاً فارغاً لا طائل منه، فبهذا الإخلاص للعلم وللحقيقة المجردة عاشوا للحق وللحق وحده، فقد رُوي أن الإمام أبا حنيفة، رضي الله عنه وعن سائر الأئمة الأعلام، وكان في بدء أمره مُتكلماً نظاراً، رأى ولده حماداً يناظر في المسجد فنهاه، فقال له ولده: أما كنت تناظر؟! قال: “بلى، ولكن كُنّا كأن على رؤوسنا الطير من أن يخرج الباطل على لسان الخصم، بل كُنّا نود أن يخرج الحق على لسانه فنتبعه، فإذا كنتم كذلك فنعم”، وقال الإمام الشافعي، رحمه الله: “والله لوددت أن يظهر الله الحق ولو على لسان خصمي
يمكن أن نجمل آداب الاختلاف في النقاط التالية:
أولاً: التسامح: وهو ما يسمونه الروح الرياضية، وهو من معاني قولهم: “الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”، وهو شأن العلماء، فلقد قيل للإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، صاحب الإمام أبى حنيفة، رضي الله عنهما: “وجدنا فأرة في مرجل الحمام”، وذلك بعد أن اغتسل فقال: “هو طاهر عند أخينا الشافعي؛ لأنه بلغ أكثر من قلتين فلا يحمل الخبث”، وصلى الإمام الشافعي بمسجد الأعظمية في بغداد، فلم يقنت لصلاة الفجر، فلما قيل له في ذلك قال: “استحييت من صاحب هذا القبر أن أخالف مذهبه”، أي أبو حنيفة رضي الله عنهما.
ثانياً: التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات: فالمنافق إذا خاصم فجر، والمؤمن يخالف غيره، لكنه يوقّر الكبير ويرحم الصغير، ويعرف للعالم حرمته، ويحفظ حقوق الشيوخ، ويعرف مقامات الناس، وأوزان الرجال، وقيمتهم.
قال الله تعالى: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً” [النساء: 114].
ثالثاً: الحلم على المخالف في الرأي ومحبة الخير له: وهو مدعاة للوصول إلى الحقيقة التي هي هدف الجميع، فالغضب لا يأتي بخير، ولا يحل مُشكلاً، بل يُعقّد الأمور، وأن الإنسان يخالف في الرأي غيره، وليس من مقتضى ذلك أن يخاصمه ويشاجره، بل أن يأخذ بيده برفق إلى درجة يرى بها نور الحق فيسير خلفه، فالحكيم من أنقذ غيره بالحلم، وفي الحديث: “لا تغضب ولك الجنة”.
رابعاً: الاحترام المتبادل للأشخاص والأفكار: إن أهم ما يمّيز الخلاف العلمي أنه خلاف بين الأفكار لا بين الأشخاص، فالأشخاص المختلفون لهم حرمتهم ومكانتهم، وهم بلا ريب من أهل العلم والفضل، ولا يجوز تجاهلهم لمجرد خلاف شجر بيننا وبينهم، أو النيل من كرامتهم، فلا خلاف مطلقاً بين أشخاصنا وأشخاصهم، بل بين أفكارنا وأفكارهم، فنحن في نظر أنفسنا رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأيهم خطأ يحتمل الصواب، ما دام الخلاف في الفروع، وقد عظّم الأئمة الأربعة بعضهم بعضاً في حياتهم وبعد الوفاة، وكانوا القدوة المثلى في هذا الأدب الجم، وإن وُجد فليس القاعدة ولا الأصل، بل الاستثناء والشذوذ.
خامساً: الرجوع إلى الحق ولو مع الخصم: وهذه من سمات الصالحين، وإلا كانت مهاترات وجدلاً فارغاً لا طائل منه، فبهذا الإخلاص للعلم وللحقيقة المجردة عاشوا للحق وللحق وحده، فقد رُوي أن الإمام أبا حنيفة، رضي الله عنه وعن سائر الأئمة الأعلام، وكان في بدء أمره مُتكلماً نظاراً، رأى ولده حماداً يناظر في المسجد فنهاه، فقال له ولده: أما كنت تناظر؟! قال: “بلى، ولكن كُنّا كأن على رؤوسنا الطير من أن يخرج الباطل على لسان الخصم، بل كُنّا نود أن يخرج الحق على لسانه فنتبعه، فإذا كنتم كذلك فنعم”، وقال الإمام الشافعي، رحمه الله: “والله لوددت أن يظهر الله الحق ولو على لسان خصمي
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
{ ولا تكـونـوا كالـذين نســوا اللــه
فـــأ نـــســــــاهـــــــــــم أنـــفســـــــــهـــم }
للشيـخ/ خـالـد بن عبــدالرحمــن الشـايـع
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ في هذا القرآن العظيم من الخير والبر والهدى، ما يغترف منه أهل الإيمان، كلٌّ بحسب إقباله على هذا الكتاب العزيز، وتدبُّره لما حواه من الآيات البيِّنات والمواعظ الكريمات التي فيها الخير والهدى، وحسن العقبى في الآخرة والأولى.
ومن جملة ما جاء في هذا القرآن العظيم موعظة الله جل وعلا لعباده، وتذكيرهم بما يجب عليهم من تقواه جل وعلا، التقوى التي فيها الخير والهدى، وفيها الوصول إلى جنة عرضها السموات والأرض، ولذلك كثيرًا ما يذكر الله جل وعلا في كتابه ما يتعلق بالتقوى، يذكرها آمرًا عباده بها، ومحذرًا لهم من مخالفة مقتضى التقوى، ويرغبهم جل وعلا في شأن التقوى مبينًا لهم حسن عاقبتها وبركاتها، وثمراتها التي ينالها عباده المتقون في هذه الحياة الدنيا؛ تقدمةً للأُعطيات الكبرى في الدار الآخرة.
ومن المواعظ التي اشتملت على الأمر بالتقوى ما جاء في سورة الحشر من قول رب العزة سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].
فهذا خطاب من الله جل وعلا خاطَب به عباده المؤمنين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، وإنما توجه لهم هذا الخطاب ونُودوا بوصف الإيمان؛ لأن أهل الإيمان هم الذين يتعظون بالمواعظ، ويتذكرون بالذكرى بخلاف أهل الزيغ والكفر والطغيان، فإنهم لا يَأْبهون بمواعظ الله، ولا بتذكيره جل وعلا لهم، ولذا قال سبحانه ها هنا مخاطبًا عباده بهذا الوصف العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾؛ أي: يا من حزتم هذا الخير، فصدقتم وآمنتم بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًّا.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله جل وعلا يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فأرْعِ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تُنهى عنه.
إذا سمعت الله يناديك ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فأَرْعِ لها سمعك؛ يعني: استمع لها استماع المهتم الذي يكون متهيئًا للعمل بمقتضى هذا النداء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾، والتقوى التي أمر الله بها في هذا الموضع وغيره، هي كما قال العلماء: فعل الأوامر وترك النواهي.
ومن العلماء مَن يعرِّف ذلك فيقول: هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره وترك نواهيه.
وهي أيضًا بمعنى آخر قال به بعض العلماء: ألا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
فكل مكان أو زمان أُمرت أن تكون فيه فكنت، فأنت تقي، وكل زمان أو مكان نُهيت أن تكون فيه، فانتهيت ولم تكن، فأنت تقي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾.
ثم حثَّ الله جل وعلا على الغاية من التقوى والهدف المنشود الذي توصل له التقوى وهو ادِّكار وتذكُّر الحياة الآخرة: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾، والمعنى أن يحاسب الإنسان نفسه وأن يَزنها قبل أن يوزن؛ كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
فالحساب لا بد منه، فإن الله جل وعلا لتمام عدله وحكمته، جعل للعباد جميعًا يومًا يوقفون فيه، فينظر في أعمالهم، فيجزي الله الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا؛ قال الله جل وعلا: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
فمن رأفته سبحانه بعباده أن حذَّرهم من عقوبته، ووعدهم إن هم أطاعوا بأفضل العطاء، وإن مما يعين على الاستعداد والمحاسبة أن يكون عند الإنسان ميزان التقوى التي تضبط حياته كلها، وتنقله من ضيق هذه الحياة إلى سعادتها وبهجتها تقدمةً للسعادة الكبرى، وما أحسن ما قال جرير في وصف التقوى:
ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ
ولكنَّ التقيَّ هو السعيدُ
فتقوى الله خيرُ الزاد ذُخرًا
وعندَ اللهِ للأَتْقى مَزيدُ
في هذه الدنيا تتنوَّع ملاذ الناس بكل مجالاتها وأنواعها من أموال وشهوات، ورُتب ومراتب وغير ذلك، لكنها كلها والله لا تساوي شيئًا في جانب منز
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
{ ولا تكـونـوا كالـذين نســوا اللــه
فـــأ نـــســــــاهـــــــــــم أنـــفســـــــــهـــم }
للشيـخ/ خـالـد بن عبــدالرحمــن الشـايـع
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ في هذا القرآن العظيم من الخير والبر والهدى، ما يغترف منه أهل الإيمان، كلٌّ بحسب إقباله على هذا الكتاب العزيز، وتدبُّره لما حواه من الآيات البيِّنات والمواعظ الكريمات التي فيها الخير والهدى، وحسن العقبى في الآخرة والأولى.
ومن جملة ما جاء في هذا القرآن العظيم موعظة الله جل وعلا لعباده، وتذكيرهم بما يجب عليهم من تقواه جل وعلا، التقوى التي فيها الخير والهدى، وفيها الوصول إلى جنة عرضها السموات والأرض، ولذلك كثيرًا ما يذكر الله جل وعلا في كتابه ما يتعلق بالتقوى، يذكرها آمرًا عباده بها، ومحذرًا لهم من مخالفة مقتضى التقوى، ويرغبهم جل وعلا في شأن التقوى مبينًا لهم حسن عاقبتها وبركاتها، وثمراتها التي ينالها عباده المتقون في هذه الحياة الدنيا؛ تقدمةً للأُعطيات الكبرى في الدار الآخرة.
ومن المواعظ التي اشتملت على الأمر بالتقوى ما جاء في سورة الحشر من قول رب العزة سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].
فهذا خطاب من الله جل وعلا خاطَب به عباده المؤمنين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، وإنما توجه لهم هذا الخطاب ونُودوا بوصف الإيمان؛ لأن أهل الإيمان هم الذين يتعظون بالمواعظ، ويتذكرون بالذكرى بخلاف أهل الزيغ والكفر والطغيان، فإنهم لا يَأْبهون بمواعظ الله، ولا بتذكيره جل وعلا لهم، ولذا قال سبحانه ها هنا مخاطبًا عباده بهذا الوصف العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾؛ أي: يا من حزتم هذا الخير، فصدقتم وآمنتم بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًّا.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله جل وعلا يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فأرْعِ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تُنهى عنه.
إذا سمعت الله يناديك ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فأَرْعِ لها سمعك؛ يعني: استمع لها استماع المهتم الذي يكون متهيئًا للعمل بمقتضى هذا النداء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾، والتقوى التي أمر الله بها في هذا الموضع وغيره، هي كما قال العلماء: فعل الأوامر وترك النواهي.
ومن العلماء مَن يعرِّف ذلك فيقول: هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره وترك نواهيه.
وهي أيضًا بمعنى آخر قال به بعض العلماء: ألا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
فكل مكان أو زمان أُمرت أن تكون فيه فكنت، فأنت تقي، وكل زمان أو مكان نُهيت أن تكون فيه، فانتهيت ولم تكن، فأنت تقي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾.
ثم حثَّ الله جل وعلا على الغاية من التقوى والهدف المنشود الذي توصل له التقوى وهو ادِّكار وتذكُّر الحياة الآخرة: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾، والمعنى أن يحاسب الإنسان نفسه وأن يَزنها قبل أن يوزن؛ كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
فالحساب لا بد منه، فإن الله جل وعلا لتمام عدله وحكمته، جعل للعباد جميعًا يومًا يوقفون فيه، فينظر في أعمالهم، فيجزي الله الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا؛ قال الله جل وعلا: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
فمن رأفته سبحانه بعباده أن حذَّرهم من عقوبته، ووعدهم إن هم أطاعوا بأفضل العطاء، وإن مما يعين على الاستعداد والمحاسبة أن يكون عند الإنسان ميزان التقوى التي تضبط حياته كلها، وتنقله من ضيق هذه الحياة إلى سعادتها وبهجتها تقدمةً للسعادة الكبرى، وما أحسن ما قال جرير في وصف التقوى:
ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ
ولكنَّ التقيَّ هو السعيدُ
فتقوى الله خيرُ الزاد ذُخرًا
وعندَ اللهِ للأَتْقى مَزيدُ
في هذه الدنيا تتنوَّع ملاذ الناس بكل مجالاتها وأنواعها من أموال وشهوات، ورُتب ومراتب وغير ذلك، لكنها كلها والله لا تساوي شيئًا في جانب منز
لة التقوى التي من وصل إليها كان على منزلة عظيمة وقدر عظيم من السعادة، كيف لا وقد أصبح وليًّا من أولياء الله: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].
ثم تأمَّلوا رحِمكم الله أن الله جل وعلا قال في كتابه في هذه الآية: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [الحشر: 18]، وهذا أسلوب بديع يُدركه علماء البلاغة وعلماء التفسير، فقوله جل وعلا هنا: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ﴾ [الحشر: 18]، قال العلماء: هذه نكرة في سياق الأمر، فتفيد العموم، والمعنى أنه يجب على كل نفس أن تنظر في مرجعها ومعادها، فكل الأنفس مطلوب منها بل مأمورة أن تراجع وأن تحاسب؛ سواء كان الإنسان سابقًا للخيرات، أو كان مقصرًا في الطاعات؛ لأنه ما من ميِّت يموت إلا تمنَّى الرجعة للدنيا؛ إن كان محسنًا فيزداد، وإن كان مسيئًا فيستعتب ويتوب.
ثم إن الله سبحانه وتعالى وصف هذا اليوم، فقال: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾، وصفه بأنه غد، وهذا يفيد شدة قربه وتحقُّق مجيئه، لكن ما كان في الغد فهو قريب جدًّا، ولذلك قال سبحانه في مواضع من كتابه العزيز: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [القمر: 1]، مَن القائل؟ هو رب العزة أصدق القائلين جل وعلا، ومعنى ذلك أن قيام الساعة وقرب حلولها؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النحل: 77].
وإذا كانت هذه الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((بُعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى))، والمعنى أن ما مضى من الدنيا كقدر ما يُمثله الأصبع السبَّابة من الأصبع الوسطى، فإن الذي بقي هو يسير وقليل، ولذلك فإن العبد إذا تأمَّل مقولة النبي الكريم: ((بُعثت أنا والساعة كهاتين)) - وقد مضى ما يزيد على ألف وأربعمائة عام عليها - فإن الساعة هي كما قال الله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾، هذا بالنسبة للناس جميعًا، وأما بالنسبة لكل فرد، فإن من مات قامت قيامته، من دخل باب الموت وشرب من كأسه، فقد قامت قيامته، وابتدأ حسابه تمهيدًا للحساب الأكبر، ولذلك يسأل في قبره: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيُّك؟ هذه بداية الحساب، وهو أيضًا هذا الموضع وهذا البرزخ بداية للجزاء، فإن العبد في قبره؛ إما منعم على ما أحسن، وإما معاقب على ما أساء.
﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ فهذا الحساب واجب على كل عبد، ذلك أن الإنسان إذا لم يحاسب نفسه تمادَى في الطغيان، واستمرَّ في العصيان، لكن مَن أدام محاسبة نفسه - كما يحاسب الشريك شريكَه في التجارة - فإنه سيعلم هل هو مقصِّر أم هو مزداد!
ومن أعظم ما يُعين الإنسان على المحاسبة أنه إذا أراد أن يبيت عند نومه، ووضع رأسه على وساده، فليتأمل لو كانت هذه الليلة هي آخر ليلة له في حياته، فيا ترى هل سيكون حاله حال السادر الساهي الذي لا يهتم للأمر؟ كلا بل إن المومن ستحمله هذه المحاسبة على أن يعزم - إن استقبل يومًا جديدًا - على أن يصلح من حاله، ويسابق إلى الخير، ويعمل الخير، ويرد المظالم، ويتوب من السيئات، وإن كانت هي آخر ليلة في حياته، كانت على توبة وإنابة، وعلى عزم بفعل الخير.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، وتأمَّلوا كيف أن الله أعاد الأمر بالتقوى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، ومن أهل العلم من يقول: هي للتأكيد، ومنهم من يقول: إنها للتأسيس، بمعنى أنها أمر بنوع آخر من التقوى، فالأول أمر بفعل الواجبات، والثاني نهي عن السيئات والمنكرات، ومهما يكن من أمر، فإنه في هذا المقام جاء التأكيد على التقوى، كما تكرَّر تأكيدها في مواضع عديدة من هذا الكتاب العزيز، والله جل وعلا لا تَخفى عليه خافية: ﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، فكل عامل محصى عليه ما عمل، وكل مقصر محصى عليه تقصيره، كل ذلك ﴿ عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:
فهذا قول ربنا سبحانه موصيًا عباده: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الح
ثم تأمَّلوا رحِمكم الله أن الله جل وعلا قال في كتابه في هذه الآية: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [الحشر: 18]، وهذا أسلوب بديع يُدركه علماء البلاغة وعلماء التفسير، فقوله جل وعلا هنا: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ﴾ [الحشر: 18]، قال العلماء: هذه نكرة في سياق الأمر، فتفيد العموم، والمعنى أنه يجب على كل نفس أن تنظر في مرجعها ومعادها، فكل الأنفس مطلوب منها بل مأمورة أن تراجع وأن تحاسب؛ سواء كان الإنسان سابقًا للخيرات، أو كان مقصرًا في الطاعات؛ لأنه ما من ميِّت يموت إلا تمنَّى الرجعة للدنيا؛ إن كان محسنًا فيزداد، وإن كان مسيئًا فيستعتب ويتوب.
ثم إن الله سبحانه وتعالى وصف هذا اليوم، فقال: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾، وصفه بأنه غد، وهذا يفيد شدة قربه وتحقُّق مجيئه، لكن ما كان في الغد فهو قريب جدًّا، ولذلك قال سبحانه في مواضع من كتابه العزيز: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [القمر: 1]، مَن القائل؟ هو رب العزة أصدق القائلين جل وعلا، ومعنى ذلك أن قيام الساعة وقرب حلولها؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النحل: 77].
وإذا كانت هذه الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((بُعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى))، والمعنى أن ما مضى من الدنيا كقدر ما يُمثله الأصبع السبَّابة من الأصبع الوسطى، فإن الذي بقي هو يسير وقليل، ولذلك فإن العبد إذا تأمَّل مقولة النبي الكريم: ((بُعثت أنا والساعة كهاتين)) - وقد مضى ما يزيد على ألف وأربعمائة عام عليها - فإن الساعة هي كما قال الله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾، هذا بالنسبة للناس جميعًا، وأما بالنسبة لكل فرد، فإن من مات قامت قيامته، من دخل باب الموت وشرب من كأسه، فقد قامت قيامته، وابتدأ حسابه تمهيدًا للحساب الأكبر، ولذلك يسأل في قبره: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيُّك؟ هذه بداية الحساب، وهو أيضًا هذا الموضع وهذا البرزخ بداية للجزاء، فإن العبد في قبره؛ إما منعم على ما أحسن، وإما معاقب على ما أساء.
﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ فهذا الحساب واجب على كل عبد، ذلك أن الإنسان إذا لم يحاسب نفسه تمادَى في الطغيان، واستمرَّ في العصيان، لكن مَن أدام محاسبة نفسه - كما يحاسب الشريك شريكَه في التجارة - فإنه سيعلم هل هو مقصِّر أم هو مزداد!
ومن أعظم ما يُعين الإنسان على المحاسبة أنه إذا أراد أن يبيت عند نومه، ووضع رأسه على وساده، فليتأمل لو كانت هذه الليلة هي آخر ليلة له في حياته، فيا ترى هل سيكون حاله حال السادر الساهي الذي لا يهتم للأمر؟ كلا بل إن المومن ستحمله هذه المحاسبة على أن يعزم - إن استقبل يومًا جديدًا - على أن يصلح من حاله، ويسابق إلى الخير، ويعمل الخير، ويرد المظالم، ويتوب من السيئات، وإن كانت هي آخر ليلة في حياته، كانت على توبة وإنابة، وعلى عزم بفعل الخير.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، وتأمَّلوا كيف أن الله أعاد الأمر بالتقوى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، ومن أهل العلم من يقول: هي للتأكيد، ومنهم من يقول: إنها للتأسيس، بمعنى أنها أمر بنوع آخر من التقوى، فالأول أمر بفعل الواجبات، والثاني نهي عن السيئات والمنكرات، ومهما يكن من أمر، فإنه في هذا المقام جاء التأكيد على التقوى، كما تكرَّر تأكيدها في مواضع عديدة من هذا الكتاب العزيز، والله جل وعلا لا تَخفى عليه خافية: ﴿ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، فكل عامل محصى عليه ما عمل، وكل مقصر محصى عليه تقصيره، كل ذلك ﴿ عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:
فهذا قول ربنا سبحانه موصيًا عباده: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الح