Telegram Web Link
ملتقى الخطباء


رسالة لمن يصوم رمضان ويضيع الصلاة
خالد بن عبدالله الشايع


عناصر الخطبة
1/من ثمرات الصيام في تهذيب النفوس 2/خطورة ترك الصلاة 3/التحذير من النوم عن الصلوات المكتوبات 4/وجوب الحرص على الاستيقاظ للصلاة.
اقتباس
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا يقبل الله من عبد عملاً وهو تارك للصلاة، وإني لأستغرب ممن يصوم ولا يصلي، هل أنت تصوم لله؟ إن الذي أمر بالصيام هو الذي أمر بالصلاة، بل الصلاة أكبر قدرًا، وآكد فرضيةً، وأعظم عقوبةً في تركها، فنقول لمن لا يصلي: لا تتعب نفسك بالصيام، فلا صيام مقبول بلا صلاة، واحذر أن تموت كافرًا،...

الخطبة الأولى:



إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.



(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].



أما بعد فيا أيها الناس: إن الصيام يهذّب النفس، ويقودها إلى الطاعات، ويبعدها عن السيئات، والكلّ يلحظ ذلك جليًّا، إلا أن البعض من الناس هداهم الله، لا تنقاد نفوسهم للطاعة، ولا تبتعد عن السيئات، مع أن الشياطين في رمضان تسلسل، وداعي المعصية يضعف، ولكن نجد هؤلاء لا ينتهون عن منكر، ولا يسارعون في طاعة، وإذا فكرت في السبب، تبيّن لك أنهم لم يأتوا بالصيام على وجهه المطلوب، فهم فقط أمسكوا عن الأكل والشرب والجماع، ولكنهم في المعاصي غارقون، نهارهم نوم، وليلهم سهرات على المنكرات، لا يتورعون عن معصية لا في سماعهم ولا في كلامهم، ولا في كسبهم، فمثل هؤلاء كيف يؤثر فيهم رمضان؟ -والعياذ بالله-.



عباد الله: كل الذنوب تهون إلا ترك الصلاة، فالذنوب فيها الصغائر وفيها الكبائر، ولكن ترك الصلاة كفر -والعياذ بالله-، هل تعلمون أنه يوجد بيننا من يصوم ولا يصلي ولا حول ولا قوة إلا بالله، والبعض يصلي ولكن بعد خروج الوقت، فتراه ينام بعد طلوع الشمس ولا يستيقظ إلا مع أذان المغرب أو بعده، جيفة بالنهار، لا يعرف من الصوم إلا ترك الأكل والشرب، ولمثل هؤلاء أقول:



اتقوا الله -تعالى-، فترك الصلاة كفر، ومن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها من غير عذر كفر عند جمع من العلماء، قال عبد الله بن شقيق: "لم يكن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يعدون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة.



أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة".



فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا يقبل الله من عبد عملاً وهو تارك للصلاة، وإني لأستغرب ممن يصوم ولا يصلي، هل أنت تصوم لله؟



إن الذي أمر بالصيام هو الذي أمر بالصلاة، بل الصلاة أكبر قدرًا، وآكد فرضيةً، وأعظم عقوبةً في تركها، فنقول لمن لا يصلي: لا تتعب نفسك بالصيام، فلا صيام مقبول بلا صلاة، واحذر أن تموت كافرًا، فتكون من أهل النار خالدًا مخلدًا فيها، -والعياذ بالله-.



ونقول لمن يصلي ولكنه ينام عن الصلاة إن ذنبك عظيم، وأنت على وشك الكفر، فالصلاة لا تلاعب فيها ولا تهاون، هي الفارق بين العبد وبين الكفر كما صح به الحديث، فمن فرط في الصلاة فهو لما سواها أعظم تفريطا، فلا تجده في دنياه إلا مخذولا، معدوم التوفيق، ضائق الصدر، تعلوه الكآبة والذلة، والعياذ بالله.



معاشر المؤمنين: إن من أشنع السيئات وأعظم الموبقات النوم عن الصلوات المكتوبات، حتى أصبح أولئك المفرطون يستغرقون في نومهم، غير مبالين بصلاة تفوتهم أو صلاة يخرج وقتها، المهم أن يهنأ بنومه، لا يستشعرون ضرورة الاستيقاظ للصلاة، أضاعوا الصلاة واعتذروا بالنوم، لكن الاعتذار بالنوم لا يكون بالغياب عن الجامعة أو المدرسة، ولا بالغياب عن الوظيفة، ولا يفوت رحلة وسفراً.



أيها النائم عن الصلوات المكتوبات: ألا تخشى أن يحرمك الله لذة النوم أو يحرمك من النوم، فتعيش قلقاً لا تعرف معه للنوم لذة، ألا تخشى أن يصيبك من العذاب مثل ما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- من عذاب الذي ينام عن الصلاة المكتوبة؟ أيتحمل رأسك ضربة بحجر من ملك؟ فكيف بضربات؟!!
يا من ينامون عن الصلوات المكتوبة: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألستم تحبون الله؟ ألستم تطمعون بدخول الجنة؟ ألستم تؤملون تكفير السيئات؟ ألستم تريدون راحة في الدنيا والآخرة؟ إذًا فما بالكم بالنوم للصلوات مضيعون؟



اللهم اهدِ ضالّ المسلمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.





الخطبة الثانية:



أما بعد: فيا أيها الناس: إن النوم عن الصلاة جريمة عظيمة، وعاقبتها وخيمة، وعقوبتها أليمة، أخرج البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإن انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ ثم قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".



عباد الله: إن كنتم تتعجبون من هذه الرؤيا فرسولنا تعجب منها وقال: سبحان الله! ما هذان؟ رجل مضطجع، ومَلَك معه صخرة، يضرب بها رأس المضطجع، فما أشدها وآلمها من ضربة تشدخ وتهشم الرأس وتكسره تكسيراً، ثم تتدحرج الصخرة، فإذا ذهب الملك ليأتي بالصخرة ليضرب بها رأس المضطجع مرة أخرى، وجد رأسه عاد كما كان سليماً، فيضربه مرة أخرى، وهكذا ضربة بعد ضربة ومرة بعد مرة، في عذاب متكرر متوالي. أين يا مسلمون مكان هذا العذاب؟ إنه في البرزخ، في القبور.



تلكم هي عقوبة من يتعمد النوم عن الصلوات المكتوبة، أما من غلبة النوم مع بذل الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة وصدق في حرصه على الاستيقاظ فلا إثم عليه، ويصلي إذا استيقظ، كما أخرج مسلم في صحيحه قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس في النوم تفريط"؛ يعني لمن بذل السبب ولم يستيقظ.



يا عبد الله: يا من زيَّنت له نفسه النوم عن الصلاة، كم من الصلوات خسرت أجورها وفضائلها بسبب نومك؟!



ألا يدعوك إيمانك وحبّك لربك أن تقف مع نفسك وقفة محاسبة، وقفة مراجعة، وقفة تصحيح، وقفة تدارك، قبل أن تقول يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.



وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].



اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.



اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.



اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.



رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.



عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
رمضان الفرصة التي لا تعوض - الشيخ راكان المغربي

الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أما بعد: من المقولاتِ الشائعةِ بين الناس: "الدنيا فرص"؛ وفي ذلك إشارةٌ إلى أن كثيرا من مكاسبِ الدنيا إنما تنال بالفرص، فالبائعُ يغتنم فرصةَ إقبالَ الناس على بضاعتِه في بعضِ المواسم، فيكثفَ الجُهْدَ، ويزيدَ في الإنتاج، ليضاعفَ الربح، وتاجرُ الأسهمِ يغتنم فرصةَ ارتفاعَ مؤشراتِ السوق؛ ليشتريَ نصيبا أكبرَ ليزيدَ في مكتسباته، وهكذا ستجد أن أرباحَ الدنيا كثيرا ما تكون من نصيب من يحسنُ اقتناصَ الفرص، والمحرومُ من ضيعَ تلك الفرص، فأدبرَ وقت الإقبال، ونامَ وقت اليقظة.

وكما أن "الدنيا فرص"، فإن "الآخرةَ فرصٌ" أيضا، في الآخرة فرصٌ تزدادُ فيها الأرباح، وتَهُبُّ فيها الرحمات، وتتكاثرُ فيها الهبات، أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن فرصةٍ من أعظمِ فرصِ الآخرة، وموسمٍ من أعظم ِمواسمِ ازدهار الخيرات؛ إنه رمضان، ذلك الضيفُ المنتظر، والحبيبُ المرتقب، ذلك الضيف الذي سيَحُطُّ رحلَه عندنا بعد أيام، ليَقْدُمَ علينا ببركاتِه وغنائمِه.

عباد الله: بلوغُ رمضانَ هو أعظمُ فرصةٍ من فرصِ الآخرة؛ لأنه بمجرد أن يدخلَ فإن الله -سبحانه- سيأمرُ الأوامرَ ويهيئُ الأجواءَ التي تعيننا على الإقبال، وتزيد لنا من فرصِ الإقدام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ مردَةُ الجنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفتِحَت أبوابُ الجنَّةِ فلَم يُغلَقْ منها بابٌ وَنادى مُنادٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبل، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر، وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ".

تفتيحُ أبواب الجنان فرصة؛ لأن ذلك يعني أن الجنةَ قد تزينت للناظرين، فَفُتِّحت أبوابُها، وفاح عبيرُها، وازدهرت أسواقُها، واللهِ ما فتّح اللهُ لك أبوابَ الجنة إلا ليعينَك على الوصول إليها، ويسهلَ لك الطريقَ إليها.

فهل من مشمِّر إلى جنةِ الخلد، ودارِ السلام، ومحلِّ الرضوان؟ هل من عاملٍ يَجِدُّ في العملِ لنيلِ نعيمِها، والتلذذِ بمتعِها، وسماعِ ذلك النداءِ فيها؛ "إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا"، فَذلكَ قَوْلُهُ -عزَّ وجلَّ-: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الأعراف: 43]، هل من مغتنمٍ لهذه الفرصة؟ أدركْ فإن الفرصةَ قد لا تُعوض.

وتغليقُ أبواب النار فرصة؛ لأنه لو رُفعَ عنك الحجابُ لرأيت النارَ في رمضانَ تشكو قلةَ من يطرُقُ بابَها، وإدبارَ من اعتادَ سلوكَ طريقها، وتضاعفَ أعدادِ المعتقين منها، والله ما غلَّقَ اللهُ لك أبوابَ الجحيم إلا وهو يريد أن يصرفَك عن شرها، ويعتقَك من حرها، أما سمعتَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو يتحدثُ عن رمضان: "إنَّ للهِ -تعالى- عند كلِّ فطرٍ عُتَقاءَ من النارِ، وذلك في كلِّ ليلةٍ"؟، هل من مغتنمٍ لهذه الفرصة؟ أدركْ فإن الفرصةَ قد لا تُعوض.

وتصفيدُ مردةِ الجانِّ فرصة، فليتك ترى في رمضانَ قادةَ الشرِّ ورؤساءَ الغوايةِ في الأصفادِ مسلسلين، عابسةً وجوهُهم، مغتاظةً صدورُهم، يقبعون في الأسرِ يندبون هوانَهم وقلةَ حيلتِهم، يتحسرون على ضعفِ الشر، وقلةِ أهله، ويتحسرون على قوةِ الخير، وكثرةِ أهله.
أولئك المفسدون الذين كانوا يسرحون ويمرحون في إضلالِ الناس طُوالَ العام، قد أعانك الله عليهم في رمضان، فقهرهم وسلسلهم وكف عنك فسادَهم، فهل ستُفَوِّتُ هذه الفرصة؟! أدركْ فإن الفرصةَ قد لا تُعوض.

ونداءُ المنادي: "يا باغيَ الخيرِ أقبل، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر" فرصة؛ لأنك إن لم تسمعْه بأُذُنِك، فإنك ستجدُ صداه في قلبِك الباغي للخير، حين تلمسُ في قلبِك انشراحا للطاعات، وإسراعا في الخيرات، سترى أثرَ ذلك النداءَ فيك وفي من حولك، حين تمتلئُ المساجدُ لأداء الصلوات، وتلهجُ الألسنُ بالتلاوات، وتنهمرُ الأعينُ بالدَّمَعَات، وتجودُ الأيدي بالأُعْطِيات.

وفي إقبال الجموعِ إلى الخيرِ في رمضان معونةٌ لك على المشاركةِ في الطاعات، والمزاحمةِ على ميادينِ الخيرات، فإن المؤمنَ يتقوّى بإخوانه، وهذه فرصةٌ وأيّ فرصة؟ فأدركْ إن الفرصةَ قد لا تُعوّض.

رمضان فرصة؛ لأن فيه أعظمُ ليالي العُمُر، وأجلُّ ساعاتِ الدنيا، حين تَحِلُّ ليلةُ القدر ببركاتِها على العباد، فهي ليلةٌ واحدةٌ في أعدادِ الدنيا، وأكثرُ من ألفِ شهرٍ في ميزانِ الآخرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "للهِ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حرمَ خيرَها فقد حُرِم"، فإياك إياك أن تكون من المحرومين، فتُضيّعَ الفرصة، وتفوتَك الغنيمة.

رمضان فرصة؛ لأن أسبابَ المغفرة فيه متكاثرة، وطرقَها متعددة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"، ويقول: "مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"، ويقول: "مَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"، فيا من طالت شكواه من الذنوب، يا من لا يزالُ متأخرا عن الصعود.

اليومُ هو يومُك، رمضانُ هو فرصتُك لتغتسلَ من كلِّ الذنوب، ولتحطَّ عنك كلًّ الخطايا، ولتبدأَ صفحةً جديدةً في علاقتِك مع ربك، فهل من مغتنمٍ لهذه الفرصة؟ أدركْ فإن الفرصةَ قد لا تُعوّض.

رمضان فرصة؛ لأنه الشهرُ الوحيدُ الذي فيه تقيمُ ركنا من أركان دينك، فتقوي به بناءَ إسلامك، وترفعُ به رصيدَ حسناتك، وحين تؤدي ركنَ الصيام إيمانا بفرضيته، واحتسابا لثوابه، فإنك تغتنمُ أعظمَ فرصةً لتكونَ من المتقين الذين أُعدّت لهم الجنان، ووقاهم ربهم النيران، يقول -سبحانه-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]، ذلكم هو المكسبُ الحقيقي الذي ستغتنمه إذا انتهزتَ فرصةَ الصوم في شهر الصوم (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

حين ترى الماءَ الباردَ في وسطِ النهارِ الحارق، الكأسُ يلمع، والبطنُ تُقَرْقِر، والنفسُ تتمنى وتشتهي، فيأبى المؤمنُ إلا طاعةَ الله، وحرمانَ النفس من شهواتِها؛ ابتغاءَ رضوان الله، وهل التقوى إلا ذاك؟.

حين يراك اللهُ على هذه الحال، هل ستظن أن أحدا سيوفيَك أجرَك إلا هو؟ وهل تظنُّ أن الأضعافَ سيكون لها حدٌّ أو حصرٌ؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أَجْلِي".

فالذي يريده اللهُ منك ليس هو الجوعُ والعطشُ، وإنما الطاعةُ والتسليمُ وتحقيقُ التقوى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ"، فمن أولِ يومٍ تصومُ فيه، استحضرْ -أخي- عن هذا المعنى واعمل به؛ فإنه هو روحُ عبادة الصوم وجوهرُها، وإلا فقد ضيعتَ الفرصة، فما في الحقيقة صُمتَ، وإنما جعتَ وعطشتَ؛ "ورُبَّ صائِمٍ حَظُّهُ من صِيامِهِ الجوعُ والعَطَشُ"، كما قال -صلى الله عليه وسلم-. وقال مبينا حالَ الصائمِ الذي ينبغي: "فإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ".

فَهمُك واستحضارُك لهذا المعنى سيؤهلُك لتحقيقِ أعلى النتائج، وأرفعِ الدرجات، واغتنامِ أعظمِ الفرص في شهر رمضان، بالوصولِ إلى الغايةِ التي من أجلِها كتب الله الصيام علينا وعلى من قبلنا؛ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

فاللهم وفقنا لطاعتك، اللهم أمدنا بعونك وتسديدك، ربنا اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

-------------------------------------------------
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:

عباد الله: إذا انبهرتم بفضائلِ رمضان، واشتاقت له قلوبُكم، وعزمتم على أن تغترفوا من كنوزه، وتنالوا من بركاتِه، فهذه بعضُ الوصايا تعينُكم لاغتنام ما فيه من عظيمِ الفرص:

أولا: دوامُ استحضارِ العاقبةِ الحسنة، وعِظَمُ الرجاءِ في رحمةِ الله، بتذكرِ الثوابِ العظيمِ من اللهِ الكريم، فحين يستحضرُ الإنسانُ ثوابَ العمل، تهونُ عليه كلُّ مشقة، ويسهلُ عليه كلُّ صعب، فكلما قَعَدَتْ نفسُك عن العمل، فحَفِّزْها بتذكرِ عظيم الأجر.

ومما يعينك على ذلك تعلمُ العلم بالإكثار من القراءة عن فضائلِ رمضان، وسماعِ المواد الصوتية ومشاهدة المقاطعِ المرئيةِ النافعة التي تذكرك بفضائلِ الشهر وتبين لك حالَ الصالحين فيه؛ لتتحفزَ بذلك فتتبعَ هديَهم، وتقتديَ بسيرتِهم.

ثانيا: الدعاءُ الصادقُ بأن يوفقَك الله لطاعته، ويمدَّك بعونه وتسديده، فمن الذي يملك القلوبَ إلا الله؟ ومن الذي بيده هدايتُك إلا الله؟ فاطرق بابَه ليفتحَ لك، واطلب هداهُ ليهديَك، فواللهِ لولا اللهُ ما اهتدينا، ولا صمنا ولا تصدقنا ولا صلينا، ومن الأدعية النافعة في ذلك ما علمه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- صاحبَه معاذاً -رضي الله عنه- بأن يقول دبر كل صلاة: "اللهمَّ أعني على ذكرِك وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ".

ثالثا: الإقلاعُ عن السيئات، والتوبةُ من الذنوب؛ فإن الذنوبَ هي التي تحرمُك التوفيق، وتثقلك عن سرعة السيرِ إلى الله، فأدبرْ عن الذنوب وأقبلْ على الكريم، واعلم أنه كلما صفا القلبُ مما سوى الله وتعلقَ به كلما زاده الله إقبالا وقربا منه -سبحانه-، وفي الحديث القدسي يقول الله: "واللَّهِ لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن أحَدِكُمْ يَجِدُ ضالَّتَهُ بالفَلاةِ، ومَن تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، ومَن تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا، تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإذا أقْبَلَ إلَيَّ يَمْشِي، أقْبَلْتُ إلَيْهِ أُهَرْوِلُ".

رابعا: الجِدَّ الجِدَّ -معاشرَ المسلمين-، ففي رمضان ليس هناك وقتٌ للكسل، وليس هناك فسحةٌ للفتور، اللهُ قد فتح لك أبوابَ الخير، وعدد لك ميادينَ السباق، سابق في الصيام وأحسن فيه؛ "فإنَّه لا عِدلَ له" كما قال -صلى الله عليه وسلم-، سابق في الصلاة والقيام فإنه؛ "من قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ، كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ"، سابق في القرآن فإنه؛ "منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها".

سابق في بذل الصدقات للفقراءِ والمحتاجينِ وأصحاب الديون، وأجزل العطاءَ في إطعامِ الطعام وتفطيرِ الصائمين، وكن كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي "كان أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ"، وقد تيسرت -ولله الحمد- العديد من المنصات الرسمية والجمعيات الخيرية المصرحة الموثوقة التي توصل التبرعات إلى مستحقيها.

تلك هي بعض الخطوات التي إن سلكتها ستكون قد أحسنت اغتنام فرصة رمضان، ونلت من عظيم بركاته.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
غزوتا بدر والفتح والفرقان بين الحق والباطل - الشيخ عبدالعزيز أوتكوميت

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله.

نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رُسلك، وأنزلت علينا خيرَ كُتبك، وشَرعت لنا أفضلَ شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا.

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون: رمضان شهر الجد والاجتهاد، وشهر الفتوحات –لا كما يريد البعض أن يجعله شهر الكسل والخمول، وشهر التراجع في العمل والإنتاج–؛ فهو شهر العطاء، وشهر الانتصارات، ففي رمضان تم فتح الأندلس بقيادة البطل المسلم طارق بن زياد (92هـ)، وفيه وقعت معركة الزلاقة بين المرابطين والملك القشتالي ألفونسو السادس (479هـ)، وفيه وقعت عين جالوت بين جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز، وجيش المغول (658هـ)، وفيه وقع حرب رمضان بين الأمة العربية والكيان الصهيوني (1973م)، ومن تلكم الملاحم التي وقعت في رمضان غزوة بدر، وفتح مكة، وهذا موضوع خطبتنا اليوم.

عباد الله: غزوة بدر: وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية من الهجرة، في مكان يسمى بـ"بدر"، يبعد عن المدينة بنحو 160 كلم، والسبب في اعتراض قافلة لقريش عائدة من الشام؛ حيث ألفوا رحلة الصيف إلى هناك؛ كما قال -تعالى-: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ)[قريش: 1، 2]، فندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه للخروج، فخرجوا في نحو 314 رجلاً معهم فرسان وسبعون بعيرًا.

لكن أبا سفيان استطاع أن يعلم بخروج المسلمين، فسلك ناحية البحر الأحمر، وأرسل إلى قريش يستنفرهم، فخرجوا في نحو 1000 مقاتل، معهم 200 فرس، و700 بعير، وعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بخروجهم، فاستشار أصحابه للقائهم فكلهم وافقوا، فجمع الله بينهم من غير ميعاد؛ قال -تعالى-: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأنفال: 42].

عباد الله: كان من نتائج هذه الغزوة أنْ نَصَرَ الله المسلمين، واستشهد منهم أربعة عشر صحابيًّا، وقُتل من المشركين سبعون منهم، وأُسر سبعون؛ قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[آل عمران: 123].

وأما غزوة فتح مكة: فكانت في 18 رمضان من السنة الثامنة من الهجرة، ومن أسبابها نقض قريش للعهد المبرم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، حينما منعته قريش من أداء العمرة، وانتهى الأمر بصلح اتفقوا من خلاله على وضع الحرب على الناس عشر سنين.

لكنَّ قريش أعانت حلفاءها من بني بكر خفية، على خزاعة حلفاء المسلمين، فهاجموا عليهم، وقتلوا منهم نحو عشرين رجلاً، فكان هذا غدر وخيانة واضحة، فعزم النبي -صلى الله عليه وسلم- على فتح مكة؛ وقال: "اللهم خُذِ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها"(سيرة ابن هشام: 2 /397).

فما دروا حتى باغتهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتم الفتح المبين، وهدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الأصنام حوالي الكعبة، وكان عددها ثلاثمائة وستين؛ وهو يقول: "جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقًا، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد"(رواه البخاري: 4720).

وخطب خطبة الفتح وافتتحها بقوله: "الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"(تاريخ الإسلام للذهبي: 2/556)، وأقام في مكة تسعة عشر يومًا، وأصبحت شوكة المسلمين قوية، وارتفع نجم الإسلام، وأذل الله الشرك والمشركين.

فاللهم أبقِ راية الإسلام عالية، وأعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى.

أما بعد: فقد رأينا في الخطبة الأولى بعض ملاحم المسلمين التي وقعت في رمضان، ورأينا باختصار أهم تلكم الملاحم من سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- غزوتا بدر والفتح، وقد سمى الله غزوة بدر بيوم الفرقان؛ فقال -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ)[الأنفال: 41]، ويمكن أن نقيس عليها غزوة الفتح كذلك، فلماذا؟

غزوة بدر فرَّق الله بها بين الحق والباطل، وبين عهد الاستضعاف والصبر والمصابرة على أذى المشركين، وعهد القوة والانطلاق والدعوة إلى الله -تعالى- ونشر الحق، وهي عكس مقاصد المشركين لما أرسل إليهم أبا سفيان بالرجوع لنجاة القافلة، فقال أبو جهل: "والله لا نرجع حتى نرِدَ بدرًا، فنقيم عليه ثلاثًا، فننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان (الجواري)، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا بعدها"(سيرة ابن هشام: 1/619).

أرادوا العزة لأنفسهم بالإثم والعدوان، فأبى الله إلا أن تكون العزة لرسوله وللمؤمنين، وقبل الفتح كانت مكة دار كفر وباطل، وبعده صارت دار إسلام، فانقطعت الهجرة إلى المدينة بفتح مكة؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية"(رواه البخاري: 2783).

في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولكن جهاد ونية"، نستفيد أن رجوعنا للحق لا بد من السعي والجهاد لأجله، مجاهدة النفس وتزكيتها، وحينئذٍ تقوى على مجابهة الباطل، فالباطل له صولة وجولة، إذا خبا صوت الحق، ومن سنن الله المدافعة بين الحق والباطل.

إن أهل الحق لا ينتصرون على أهل الباطل بعدد ولا عدة، رغم أهمية الإعداد ولزومه؛ لقوله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)[الأنفال: 60]، وإنما المعول عليه بعد الإعداد رجاء معونة الله والتوكل عليه: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[آل عمران: 126]، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)[الأنفال: 17].

إن رجوع الناس إلى الحق في رمضان وغيره والبعد عن المعاصي، ما يحمل المؤمن على الفرح، ومن الذي يمنعه؟ ورب العباد يفرح بتوبة عبده المؤمن، غير أنه -أخي المؤمن- احرص على أن تكون توبتك خالصةً لله: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].

إن هذه الفتوح وغيرها من الفتوح التي ستأتي ستغير مجرى التاريخ، وتبين أن العاقبة للإسلام؛ قال -تعالى-: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[القصص: 83]، ويصدق فيها قول أبي تمام الشاعر في فتح عمورية:

فتح تفتح أبواب السماء له *** وتبرز الأرض في أثوابها القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت *** منك المنى حفلاً معسولة الحلب
أبقيت جد بني الإسلام في صعد *** والمشركين ودار الشرك في صبب

فاللهم أعز الاسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ومن أراد بالإسلام خيرًا فوفقه لكل خير، ومن أراد بالإسلام شرًّا، فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره في تدميره، واجعلنا ممن صام وقام رمضان إيمانًا واحتسابًا.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

-------------------------------------------------
رمضان بين مقاصد الشرع الحنيف وتيسير الكريم اللطيف - الشيخ عبدالله البرح

الخطبة الأولى:
معاشر المسلمين: ها نحن نضع رحالنا في شهر الخير والإحسان وشهر السباق إلى جنة المنان؛ فيا هناء المشمرين في طاعة الديان، ويا سعد من أقبل على خالقه ومولاه وتاب من ذنوبه وخطاياه؛ ويا تعاسة من لم يعرف لهذا الشهر قدره ولم يرجع إلى بارئه وربه -سبحانه-.

والعاقل من أدرك أن بلوغ هذا الشهر الفضيل نعمة تستوجب شكر الملك الجليل والتزود ليوم الرحيل؛ فما أحوجنا لحسن استقباله والعيش في ظلاله والمسارعة لاغتنام خيراته واستثمار أوقاته؛ فكم حرم هذه النعمة من الخلق؛ فبين من قضى نحبه قبل بلوغه، وبين من عجز عن صيامه والقيام فيه، وبين محروم شغلته ملهيات الدنيا الزائلة والانغماس بملذاتها الزائفة.

بُشْرَى العَوَالِمِ أَنْتَ يَا رَمَضَانُ *** هَتَفَتْ بِكَ الأَرْجَاءُ وَالأَكْوَانُ
لَكَ فِي السَّمَاءِ كَوَاكِبٌ وَضَّاءَةٌ *** وَلَكَ النُّفُوسُ المُؤْمِنَاتُ مَكَانُ
سَعِدَتْ بِلُقْيَاكَ الحَيَاةُ وَأَشْرَقَتْ *** وَانْهَلَّ مِنْكَ جَمَالُهَا الفَتَّانُ

أيها الصائمون: فرض الله صيام شهر رمضان على عباده المؤمنين كما فرضه على من قبلهم؛ كما في قوله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 183 - 184]؛ بل جعل صيامه أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام؛ ولا يصح إسلام العبد إلا بالإتيان به، وقد كان فرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة؛ فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد صام تسع رمضانات.

ومن جمال ويسر شريعة الإسلام؛ تدرجها في تشريع صيام شهر رمضان؛ فلم يفرض صيام شهر رمضان على درجة واحدة، بل مر ذلك بثلاث مراحل؛ كما جاء في حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "أحيل الصيام ثلاثة أحوال"(صححه الألباني).

ونقل عن ابن القيم الجوزية -رحمه الله-: "وكان للصوم رتب ثلاث: إحداها: إيجابه بوصف التخيير، والثاني: تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك بالمرتبة الثالثة وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة ".

ولعلنا نقف مع تفصيل يسير لمراحل تشريع الصيام؛ فالمرحلة الأولى: مرحلة التخيير بين صيام شهر رمضان، أو دفع فدية مكان كل يوم يفطر فيه يطعم مسكيناً، قال -تعالى-: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 184]؛ والمراد بقوله؛ (يطيقونه) في هذه المرحلة، أي؛ يقدر على الصيام ولم يصم.

والمرحلة الثانية من مراحل تشريع الصيام: مرحلة فرضية الصيام على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لكنه في هذه المرحلة أبيح للصائم المأكل والمشرب ما لم ينم؛ فإن نام حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى غروب شمس اليوم التالي، وكان في هذه المرحلة حرج شديد على المسلمين، كما روى الإمام البخاري -رحمه الله- من حديث الْبَرَاءِ بن عازب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأنزل الله -تعالى- قوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)[البقرة: 187]؛ فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)".

وأما المرحلة الثالثة من مراحل تشريع الصيام: ففرض صيام شهر رمضان المبارك على الحالة التي نحن عليها، ويدل على ذلك قول الحق -تبارك وتعالى-: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة: 185]، وقوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: 187].
عباد الله: تلكم هي مراحل فرضية الصيام؛ ولم يبق في عصرنا من المراحل السابقة؛ إلا ما أشارت إليه الآية الكريمة؛ حيث قال ربنا -سبحانه-: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة: 184]، وهذه الآية لم تنسخ؛ كما روى البخاري -رحمه الله-: "لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا"، والمراد بـــ (يطيقونه) في هذه المرحلة: أي يشق عليهم.

وذكر الإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله- في بيان مراد الشارع من التدرج في فرض الصيام؛ قوله: "لمّا كان -أي؛ الصّوم- غيرَ مألوفٍ لهم، ولا معتادٍ، والطِّباعُ تأباه؛ إذ هو هجرُ مألوفِها ومحبوبِها، ولم تذقْ بعدُ حلاوتَه وعواقبَه المحمودةَ، وما في طيِّه من المصالح والمنافع، فخُيِّرت بينه وبين الإطعام، وندبت إليه، فلمّا عرَفَت علّته وألِفَتْه، وعرفت ما تضمّنه من المصالح والفوائد، حُتِم عليها عيناً، ولم يقبل منها سواه، فكان التّخيير في وقته مصلحةً، وتعيينُ الصّوم في وقته مصلحة، فاقتضت الحكمة البالغة شرعَ كلِّ حكمٍ في وقته؛ لأنّ المصلحة فيه في ذلك الوقت".

إخوة الإيمان: ولم يكتف الإسلام بتدرجه في فرض هذه العبادة العظيمة؛ بل بين المقاصد العظيمة والحِكَم الجليلة من مشروعية فرض الصيام على من توفرت فيهم الشروط من الأنام؛ فمن حكم وأسرار الصيام:

تحقيق الصائم تقوى الله ربه وخالقه؛ كما جاء في ذلك في ختام آية الأمر بالصيام؛ فقال -جل في عليائه-: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].

كما أن من المقاصد: أن الصائم يتدرب في مدرسة هذه الفريضة على مراقبة الله وخشيته في الغيب والشهادة؛ فيقيم ما أمره الله ويترك ما نهاه عنه مولاه؛ لإدراكه بنظر الله إليه في سائر أحواله؛ فيعيش مستشعرا قول الرقيب -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

ومن مقاصد تشريع الصيام على الأنام: أن الصيام يربي الإنسان على التحلي بالصبر؛ حيث أن في هذه العبادة تربية للنفس للصبر على الطاعات والواجبات، وصبر عن هجر الذنوب والمحرمات؛ إضافة إلى ما يحصل ما للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن؛ (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].

ومن مقاصد تشريع الصيام: إظهار محاسن دين الإسلام ويسر أحكامه؛ فأجاز للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينًا إذا كانا يجدانه، لقول ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة: 184]، "إنها ليست بمنسوخة، هي للكبير الذي لا يستطع الصوم" (رواه البخاري)، وكذا مراعاته للمريض والمسافر فأجاز لهما الإفطار مع القضاء، قال -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 184].

وراعى الإسلام في عبودية الصيام حاجات الناس وما يلحق بهم من المشقة في منعها؛ ألا وهو إباحة إتيان النساء في ليالي رمضان؛ حيث قال -سبحانه-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: 187].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

عباد الله: ينبغي علينا أن نشكر الكريم اللطيف على نعمة شهر رمضان الشريف، وأن نجتهد في أداء واجبات عبودية الصيام وآدابها؛ فنعمر نهاره بالصيام وتلاوة القرآن وليله بالقيام والدعاء والتضرع، ونبتعد عما يجرح صيامه ويحول دون الغاية من تشريع هذه العبادة؛ ونكف ألسنتنا عن الزور والغيبة والنميمة والسب والشتم واللعان، ونكف أيدينا عن إيذاء الآخرين، ونحمي قلوبنا من آفاتها؛ من الحسد والغل والكبر وسائر أمراضه؛ فمن اجتهد في ذلك نال ثمار رمضان اليانعة وخيراته الباسقة وفضائله الوارفة التي أشار إليها إمام الأنبياء وأكرم الأتقياء -عليه الصلاة والسلام- وهو يبشر
بقدوم هذا الشهر الكريم: "قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"(رواه البخاري).

فاتقوا الله -أيها الأخيار- وأحسنوا في هذا الشهر الفضيل تفلحوا واغتنموا زمنه المبارك تسعدوا، واشكروا الله على ما أكرمكم به من التيسير فيما افترضه عليكم تنعموا.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

-------------------------------------------------
اللهم وفقنا في رمضان - الشيخ عبدالله البصري

الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مَن نِعمَةِ اللهِ عَلَينَا وَمَا أَكثَرَ نِعمَهُ، أَنْ أَصبَحنَا اليَومَ وَأَمسِ صَائِمِينَ، وَأَن قُمْنَا جُزءًا مِنَ اللَّيلَتَينِ المَاضِيتَينِ، وَمَا زَالَ أَمَامَنَا شَهرٌ سَنَصُومُ فِيهِ وَنَقُومُ، وَمَيدَانٌ مُمتَدٌّ سَنَتَنَافَسُ فِيهِ وَنَتَسَابَقُ، وَسُوقٌ رَابِحَةٌ وَمَوسِمُ خَيرٍ مُتَنَوِّعُ البِضَاعَةِ، يُقبِلُ المُوَفَّقُونَ مِنَّا فِيهِ عَلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَقبَلُ القَلِيلَ وَيَجزِي عَلَيهِ الكَثِيرَ، فَمَن مِثلُنَا فِيمَا نَحنُ فِيهِ؟!

أَكثَرُ العَالَمِ اليَومَ يَمُوجُ في كُفرٍ وَضَلالٍ، وَيَتَقَلَّبُ في فَسَادٍ وَانحِلالٍ، وَيُصبِحُ عَلَى مَصَائِبَ وَيُمسِي عَلَى مِثلِهَا، وَلا يَدرِي كَثِيرٌ مِمَّن فِيهِ إِلى أَينَ يَتَّجِهُونَ، أَمَّا نَحنُ فَنَعلَمُ بِمَا عَلَّمَنَا اللهُ، وَنَدرِي بِمَا وَفَّقَنَا لِمَاذَا خُلِقنَا؟! وَلأَيِّ شَيءٍ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ أُوجِدنَا؟! وَنَفقَهُ مَا هُوَ رَمَضَانُ وَمَا وَاجِبُنَا فِيهِ؟! وَمَا الَّذِي يُشرَعُ لَنَا لِيُقَرِّبَنَا مِن رَبِّنَا؟! قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ) [الذَّارِيَاتِ: 56]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183].

وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "بُنيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ وَصَومِ رَمَضَانَ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ)، وَعَن عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِنْ شَهِدتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَصَلَّيتُ الصَّلَوَاتِ الخَمسَ، وَأَدَّيتُ الزَّكَاةَ، وَصُمتُ رَمَضَانَ وَقُمتُهُ، فَمِمَّن أَنَا؟! قَالَ: "مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"(رَوَاهُ البَزَّارُ وَابنُ خُزَيمَةَ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَن صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ، وَمَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ، وَمَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ كُلُّ مَحرُومٌ"(رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ)، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدخُلُ مِنهُ الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ لا يَدخُلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيرُهُم، فَإِذَا دَخَلُوا أُغلِقَ فَلَم يَدخُلْ مِنهُ أَحَدٌ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ)، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الصَّلَوَاتُ الخَمسُ وَالجُمُعَةُ إِلى الجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلى رَمَضَانَ
مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَينَهُنَّ إِذَا اجتُنِبَتِ الكَبَائِر"(رَوَاهُ مُسلِمٌ)، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "الصِّيَامُ وَالقُرآنُ يَشفَعَانِ لِلعَبدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرآنُ: رَبِّ مَنَعتُهُ النُّومَ بِاللَّيلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فَيُشَفَّعَانِ"(رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ)، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَن فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثلُ أَجرِهِ، غَيرَ أَنَّهُ لا يَنقُصُ مِن أَجرِ الصَّائِمِ شَيءٌ"(رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

إِنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ وَأَمثَالَهَا، مِمَّا سَمِعتُمُوهُ وَمِمَّا سَتَسمَعُونَهُ في الأَيَّامِ القَادِمَةِ أَو يُنقَلُ إِلَيكُم في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَالإِعلامِ، إِنَّهَا لَمُشَجِّعَاتٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَمُحَفِّزَاتٌ عَلَى عَمَلِ الخَيرِ، وَمُرَغِّبَاتٌ في التَّسَابُقِ في أَوجُهِ البِرِّ، وَدَوَاعٍ إِلى العُلُوِّ بِالنُّفُوسِ وَالرُّقِيِّ بِالقُلُوبِ إِلى أَعلَى المَرَاقِي، وَلَكِنْ ... يَبقَى قَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ شَيءٌ مُهِمٌّ بَل هُوَ الأَهَمُّ وَالأَعظَمُ، ذَلِكُم هُوَ تَوفِيقُ اللهِ تَعَالى لِعَبدِهِ وَإِعَانَتُهُ وَتَسدِيدُهُ؛ فَلَيسَ الَّذِينَ تَرَونَهُم يَصُومُونَ وَيَقُومُونَ، وَيُبَكِّرُونَ إِلى المَسَاجِدِ وَيُصَلُّونَ مَعَ الجَمَاعَاتِ، وَيَقرَؤُونَ القُرآنَ وَيُرَتِّلُونَ الآيَاتِ، وَيَدعُونَ وَيَتَخَشَّعُونَ، وَيُنفِقُونَ أَموَالَهُم وَيُفَطِّرُونَ الصَّائِمِينَ وَيُكثِرُونَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، لَيسَ كُلُّ أُولَئِكَ بِأَذكَى النَّاسِ وَلا أَكثَرَهُم عِلمًا، وَلا أَغنَاهُم وَلا أَوفَرَهُم مَالاً، لَكِنَّهُم بِتَوفِيقِ اللهِ عَلِمُوا فَعَمِلُوا، وَسَمِعُوا فَاستَجَابُوا، وَاهتَدَوا فَزَادَهُمُ اللهُ هُدًى، وَذَاقُوا اللَّذَّةَ فَاستَقَامُوا، وَأَمَّا مَن عَدَاهُم مِمَّن قَد يَكُونُ أَذكَى مِنهُم وَأَكثَرَ عِلمًا وَأَوسَعَ ثَقَافَةً وَأَوفَرَ مَالاً، وَلَكِنَّهُ يَكتَفِي بِصِياَمٍ مَا هُوَ إِلاَّ إِمسَاكٌ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَتَجوِيعٌ لِلنَّفسِ وَإِلهَابٌ لِلكَبِدِ بِالعَطَشٍ، ثم هُوَ يَنَامُ عَنِ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَاتِ، وَلا يَشهَدُ الجَمَاعَاتِ، وَلا يَكَادُ يَقرَأُ حَرفًا مِن كِتَابِ اللهِ وَلا يُفَطِّرُ صَائِمًا وَلا يُنفِقُ نَفَقَةً لِوَجهِ اللهِ، إِنَّ هَؤُلاءِ أَعرَضُوا فَأَعرَضَ اللهُ عَنهُم، وَتَكَاسَلُوا وَتَثَاقَلُوا، فَكَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُم وَقِيلَ اقعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ.

نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، إِنَّ المُعَوَّلَ عَلَيهِ في كَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ وَأَعمَالِ الخَيرِ هُوَ البِدَايَةُ الجَادَّةُ وَالإِقبَالُ الصَّادِقُ، وَأَخذُ النَّفسِ بِالعَزِيمَةِ، وَأَطرُهَا عَلَى تَقدِيمِ الخَيرِ وَبَذلِ المَعرُوفِ، مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ وَسُؤَالِهِ الهِدَايَةَ وَالتَّوفِيقَ وَالرَّشَادَ وَالسَّدَادَ، وَالسَّيرِ إِلى الأَمَامِ وَعَدَمِ الالتِفَاتِ لِلخَلفِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالكِرَامِ الصَّالِحِينَ، وَالتَّرَفُّعِ عَن صِفَاتِ اللِّئَامِ وَالمُثَبِّطِينَ؛ فَسِلعَةُ اللهِ غَالِيَةٌ، وَلم يَكُنْ لِيَنَالَهَا وَيُمتَّعَ بها مُتَكَاسِلٌ مُتَلَفِّتٌ مُتَبَاطِئٌ، لا وَاللهِ، إِلاَّ مَن جَاهَدَ نَفسَهُ وَاحتَسَبَ، وَسَارَعَ وَسَابَقَ، وَنَافَسَ وَبَادَرَ، وَعَمِلَ بِصِدقٍ وَصَبرٍ وَصَابَرَ وَرَابَطَ، وَوَفَّقَهُ اللهُ قَبلَ ذَلِكَ وَزَكَّاهُ، وَحَبَّبَ إِلَيهِ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قَلبِهِ، وَوَقَاهُ شَرَّ نَفسِهِ وَشُحَّهَا وَهَوَاهَا، وَحَفِظَهُ مِنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النور: 21]، (وَاعلَمُوا أَنَّ فِيكُم رَسُولَ اللهِ لَو يُطِيعُكُم في كَثِيرٍ مِّنَ الأَمرِ لَعَنِتُّم وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[الحجرات7].

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَقبِلُوا عَلَى رَبِّكُم يَقبَلْكُم وَيُوَفِّقْكُم، وَقُولُوا كَمَا قَالَ شُعَيبٌ عَلَيهِ السَّلامُ: (وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ)[هود: 88]، وَإِيَّاكُم ثم إِيَّاكُم وَالتَّرَدُّدَ (فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ
بِالحُسنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى * وَكَذَّبَ بِالحُسنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى * وَمَا يُغني عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)[اللَّيْلِ: 5-11].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاذكُرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ، وَتَبَرَّؤُوا مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا)[الطلاق: 3].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: يَقُولُ نَبِيُّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ صَفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ فَلَم يُفتَحْ مِنهَا بَابٌ، وَفُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ فَلَم يُغلَقْ مِنهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيلَةٍ"(رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

مَا أَعظَمَ فَضلَ اللهِ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ مُرَبَّطَةٌ، وَأَبوَابُ النَّارِ مُغَلَّقَةٌ، وَأَبوَابُ الجَنَّةِ مُفَتَّحَةٌ، وَمُنَادِي الخَيرِ يُنَادِي في كُلِّ لَحظَةٍ، وَالمُسلِمُونَ مِن حَولِنَا يُنَوِّعُونَ العِبَادَاتِ وَيَأخُذُونَ مِن كُلِّ خَيرٍ بِطَرَفٍ، فَإِذَا لم تَنبَعِثْ مَعَ هَذَا نَفسُ أَحَدِنَا لِلخَيرِ وَيَنشَطْ لِطَلَبِ مَا عِندَ اللهِ مِنَ الأَجرِ وَيُسَابِقْ وَيُنَافِسْ؛ فَمَتى تَنبَعِثُ نَفسُهُ إِذَنْ وَمَتى يَنشَطُ، وَمَتى يُسَابِقُ وَيُنَافِسُ؟! نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخِذلانِ، وَمِن أَن يَكِلَنَا اللهُ إِلى أَنفُسِنَا.

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، وَخُذُوا أَنفُسَكُم بِالجِدِّ مِن أَوَّلِ الشَّهرِ، وَاحذَرُوا الكَسَلَ وَالتَّوَاني؛ فَمَا الشَّهرُ إِلاَّ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ، وَمَن صَبَرَ فَازَ وَظَفِرَ، وَمَن تَكَاسَلَ وَتَغَافَلَ وَسَوَّفَ وَمَاطَلَ، فَلَن تَتَوَقَّفَ الدُّنيَا لأَجلِهِ، وَلَن تَبكِيَ السَّمَاءُ وَالأَرضُ عَلَيهِ، بَل سَتَمضِي قَوَافِلُ العَابِدِينَ الحَامِدِينَ الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ، وَسَتَستَمِرُّ وَهُوَ وَاقِفٌ مَكَانَهُ، وَسَيَأتي قَومٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ (ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[المائدة: 54].

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

-------------------------------------------------
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*لـو تـكـلـــم رمـضــــان*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبة الأولى:*
الحمدلله رافع السماء بغير عمد..
الحمدلله باسط الأرض على ماء جمد..
الحمدلله خالق الخلق ومحصيهم عدد..
رازقهم جميعا سبحانه لا ينسى منهم أحد..
هو وحده عز كل ذليل..
ومؤنس كل وحيد..
وقريب غير بعيد..
وغالب غير مغلوب..
من تكلم سمع نطقه..
ومن سكت علم سره..
ومن عاش فعليه رزقه..
ومن مات فإليه منقلبه..

*وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له*

*طرقتُ بابَ الرجاء والناسُ قدْ رقدوا*
*وبتُّ أشكو إلى مولاي ما أجدُ*
*وقلتُ يا أملي في كل نائبةٍ*
*ومنْ عليهِ لكشفِ الضرِّ أعتمدُ*
*أشكو إليكَ أمورًا أنت تعلمها*
*مالي على حملها صبرٌ ولا جلَدُ*
*وقدْ مددتُ يدي بالذلِ مبتهلًا*
*إليك يا خيرَ من مُدّتْ إليه يد*
*فلا ترُدَّنها يا ربِّ خائبةً*
*فبحرُ جودك يروي كلَ من يردُ*

*وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقدوتنا وأستاذنا ومعلمنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، صلاة وسلاما دائمين متلازمين متكاملين إلى يوم الدين*

*بلغ العلا بكماله*
*كشف الدجى بجماله*
*حسنت جميع خصاله*
*صلوا عليه وآله*

إن الوصية أولا هي تقوى الله وطاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه، قال الله عزوجل:
*{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}*.

*معاشر المؤمنين:*
*لوتكلم رمضان:*
ماذا سيقول وبأي الكلمات سيبدأ؟!

*لو تكلم رمضان:*
هل استبشر أنه مرعلى أقوام مثلنا, أم أنه سيعاتب أكثرنا!!
أتراه قد أنس للقائنا, أم أنه ينتظر بفارغ الصبر فراقنا!!

*لوتكلم رمضان:*
لصرخ في الكون صرخات تهتز لها الجبال الراسيات؛ ولتلى على المسامع ... لا ... بل على القلوب آيات تنصت لها الأرض والسموات، ولقال:
*{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}*.

بل لقال:
*{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا}*.

صرخات ضج لها الفضاء، وخشعت لها الأرض والسماء من كلام رمضان، الذي كان يمر على أقوام قبلنا ورأى منهم ما رأى!!
ماذا رأى منهم؟!
رأى منهم الصيام..
لا أعني الجوع، ولكن أعني الصيــام..
رأى منهم القيام..
لا أعني وقوف الأجساد، بل أعني القيــام..

*لقال:*
رأيت القلوب فيّ يزداد خشوعها..
ورأيت عيونا تفيض لله رغبة ورهبة دموعها..
ولذكرنا بقول ربنا:
*{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}*.

*لو تكلم رمضان لقال:*
رأيت رجالا ونساء تفطرت قلوبهم وتاقت نفوسهم شوقا لي كشوقي إليهم..،
منهم كثير تحت الأرض ماتوا وأنا شاهد لهم يوم العرض الأكبر على الله، أنهم وفوا وأحسنوا..
صامت جوارحهم، يوم أسرفت بالمعاصي جوارح الجائعين..
لم تفتهم تكبيرة الإحرام، يوم نامت عن الصلوات أعين الجائعين الغافلين..

*لوتكلم رمضان لصاح بنا قائلا:*
باب الريان ليس للجائعين، وإنما للصائمين،
كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي لاينطق عن الهوى:
*{إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، لا يَدْخُلُ منه إلا الصَّائِمُونَ}* أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

فمن رأى لسانه على الغيبة تجرأ، وعلى الغزل والسباب والكذب تعدى، فليعلم أنه جائع، ولا والله ليس بصائم..

قال صلى الله عليه وسلم: *{مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ}* أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

*فلو سألنا رمضان:*
كيف نعرف ونحن عبيد لله جل جلاله، من هو صائم منا ومن هو جائع؟!

لوسألناه لأجابنا قائلا ؛ بل لأجاب كل قلب من قلوبنا:
هل جرأتك على المعصية قبل رمضان كجرأتك عليها الآن في رمضان!!
فإن كانت الأجابه بنعم..!!
فلا والله ما صمت، وإنما أنت جائع، ودليله قول الحق جل جلاله:
*{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ.....}*.
لعلكم ماذا؟!
*{لَـعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}*.

*لو تكلم رمضان لقال:*
هل تقرأون كلام الله يامسلمون؟!
بل أهم من ذالك هل تفهمون ماتقرأون؟!
لم يقل ربي عن الصيام جل في علاه:
{لعلكم تجوعون، ولا لعلكم تعطشون}،
بل صدع بها القرأن واضحة جلية أوضح من الشمس في وضح النهار *{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}*..
وإذا لم يتحقق لنا عباد الله مابعد لعلكم، فلنراجع ماقبلها، وما أحوجنا أن نراجع ما قبلها..
المعنى:
إذا مرت عليك ساعات رمضان، ومضت أيامه ولياليه، ولم يزدد فيها من الله خوفك، ولم يخشع فيها لله قلبك، ولم تخضع فيها لله جوارحك، بل ولم تغير مايغضب الله جل جلاله لما يرضيه، فاعلم أن اسمك في صحائف الجائعين، ولم تنظم في سلك الصائمين، ولم تذق ما ذاقه الصادقون، ولم تفهم قول الله جل في علاه: *{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}*.
فما أحوجنا أن نراجع صيامنا..

*لوتكلم رمضان لقال:*
كم من جائع يظن أنه صائم، *{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}*.
وكم من خاسر يحسب أنه فائز، *{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا...}*.
نعم يارب نبئنا...؟!
من هم...؟!
*{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}*.
والمصيبه ويحسبون أنهم مهتتدون.

*لوتكلم رمضان:*
لصرخ في وجهي وفي وجه كل مسلم ولقال:
إنما هي أياما معدودات، قالها رب الأرض والسموات، لم يقل شهور، ولم يقل أسابيع، بل قال: *{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}*.

نعم والله يبدأ رمضان فنبارك لبعضنا البعض، ثم نبارك مباشرة بالعشر الأواخر ثم ذهب رمضان ولم ندري، وكأنه ليلة أو ليلتان.

*لو تكلم رمضان لقال:*
رأيت محمدا عليه الصلاة والسلام وهو ينفق ماله في الليل والنهار، نسي نفسه ليرضى عنه الواحد القهار.
كان جوادا في شعبان، و في شوال، وفي رجب، ولكن إذا جاء رمضان يتغير هذا الجود، فكان أجود ما يكون في شهر رمضان، بل كان أجود بالخير من الريح المرسله، يريد أعلى الجنان..
*فماذا نريد أنا وأنت؟!!*

*وماذا سيقول عنا لوتكلم رمضان؟!*
لقد رأى رمضان محمدا عليه الصلاة والسلام وهو يقبل على مئزره، فيشد مئزره، ويوقظ أهله، ويحيي ليله بالقيام، ليرضى عنه ذو الجلال والأكرام..

*فـبالله عليك:*
كيف رآني ورآك رمضان؟!
فأين نكون في ليالي رمضان؟!

*لو تكلم لقال:*
يامن أشغله أهل الأرض بأسواقهم ومسابقاتهم ومسلسلاتهم..
هل رأيت من شغلو بمن في السماء جل جلاله..

*لو تكلم رمضان لقال:*
رأيت الشياطين تصفد، فماذا تغير في حياتي وحياتك؟!
يامن تعذرنا كلما عصينا وقلنا: الشيطان الشيطان..

*لو تكلم رمضان لقال:*
رأيت شياطين الإنس ترعد وتزبد، وبالضلالة تجتهد، لتجعل من أيام رمضان نوم عن الصلوات في النهار، وغفلة إلى وقت الأسحار..

*لو تكلم رمضان لقال:*
رأيت أبواب النيران تغلق ولم يبقى منها باب..
فماذا غير هذا في حياتنا وسلوكنا؟!!
*{فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}*.

*لوتكلم رمضان لقال:*
رأيت أقواما تركوا كتب الحديث والفقه، بل وكتب التوحيد والأحكام، ليتفرغوا لتدبر القرآن وقراءته..
*فما الذي أشغلني وإياك عن القرآن؟!*

*لو تكلم رمضان لقال في أذني وأذنك:*
يامن أردت الله أن يصلك، ويوسع لك في رزقك، وينسئ لك في آجلك، أين أنت من صلة الأرحام؟!!

*لو تكلم رمضان لقال:*
رأيت أقواما قبل عام، ولم أرهم هذا العام، هم تحت الثرى، منهم من سأكون حجة له، فهنيئا له، ومنهم من سأكون حجة عليه، ضيع عظيم الفرص في رمضان، وهيهات هيهات أن أعود له..

وأنت اليوم أخي الغالي فوق الثرى فافعل ماشئت فليس لك إلا ماقدمت..
*{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}*.

*لو تكلم رمضان لقال:*
*{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}*.
ولذكرنا بقوله تعالى:
*{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَنْ يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}*.

*لو تكلم رمضان لقال:*
رأيت من رفعت أسماؤهم من العتقاء ورأيت من أزدادوا شقاء فوق الشقا..
فمن أي الفريقين أنت؟!!
فلا تزكو أنفسكم هو أعلم بمن اتقى..

فتعال وانطرح إلى ربك جل جلاله وقل:
يارب أسألك أن لايسبقني إليك أحد..

يامن اعتاد لسانه لرفع الشكوى للبشر، هل ذقت طعمها، هل جربت لذتها وأنت ساجد تبث شكواك لرب البشر..

*لوتكلم رمضان:*
لهمس في أذن كل عاقل وعاقله، إذا كان خلوف فم الصائم، (أي الرائحة الكريهه التي تخرج من فم الصائم)؛ *{أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ}*.
فكيف إذاً بسجوده وركوعه؟!
فكيف إذاً بصيامه و قيامه؟!
فكيف بصدقته وإحسانه؟!
بل وكيف بتدبر آيات قرآنه؟!

*فلوتكلم رمضان:*
هل سيشهد لك بالخير والإحسان، وهل نحن من هؤلاء الذين قال عنهم ربهم جل في علاه:
*{إنهم كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}*.
هذه أعمالهم!!
فهل نحن مثلهم؟!
نعم، نحن لانهجع في الليالي إلاقليلا..
لكن في ماذا؟!
هل أسهرنا الذي أسهرهم؟!
هم بالأسحار يستغفرون، مع أنهم محسنون!!فما بالنا نحن المقصرون!!
أكثرنا أين؟!
في المقاهي ضائعون، أو في الأسواق يهيمون، أو بأعراض المسلمين يخوضون، أو على الفضائحيات عاكفون...

*لوتكلم رمضان لذكرنا بقول ربنا:*
*{أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}*.

*لو تكلم لصاح بنا قائلا:*
والله لستم سواء، ولأقسم برب العزه والجلال *{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}*.

*ولقال:*
رأيت أقواما يتقربون إلى الله العظيم راكعون ساجدون في أحب بقاع الله إلى الله (أعني في المساجد).
ورأيت أقواما يتيهون في أبغض بقاع الله إلى الله (أعني الأسواق).

*والله لو تكلم رمضان لقال لنا:*
*{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}*.

*لو تكلم رمضان لقال:*
أنا ضيف كريم؛ كنت أنتظر ستة أشهر يدعون حتى أحل عليهم ضيفا كريما..
بل إذا فارقتهم أخذوا يدعون الله جل جلاله أن يقبل منهم.

يقول عليه الصلاة والسلام:
*{جاءكمُ رمضانُ، شهر بركةٍ يغشاكُمُ اللهُ فيهِ، فيُنزِّلُ الرَّحمةَ، وَيحُطُّ الخطايَا، ويَستجيبُ فيه الدعاءَ، ينظرُ اللهُ إلى تَنَافُسِكمُ فيهِ، ويُباهِيْ بكمُ ملائِكتَهُ، فأرُوا اللهَ مِنْ أنفُسِكم خيرًا، فإِنَّ الشقيَّ من حُرِمَ فيه رحمةَ اللهِ}*.

*قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم*.


*الخطبة الثانية:*
الحمدلله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له ولي الصالحين،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المرسلين،
*{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَع الصَّادِقِينَ}*.

*عباد الله:*
رمضان ينادي بأعلى الأصوات:
*{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ...}* ؛ *{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ...}*..
فيظن أهل الإلتزام أنهم لايحتاجون لهذه الآيه، فيقول الحق جل جلاله:
*{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا...}*.
جميعا؟!!
حتى المتقون؟!!
نعم...!!!
*{جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ...}*.
ماقال أيها الفاسقون، أيها المنافقون، الضائعون، الضالون...
*{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ...}*.
لماذا يارب؟!
قال: *{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}*.

فيامن أجرم وزنا، وأعد له تنور من النار..
تعـــــال وأقبــل؛ فقد أغلقت أبواب النيران..
إن لم تتب في رمضان!!
فمتى ستتوب للرحيم الرحمن؟!!

,يامن تلطخ بالربا، وأعدت له أنهار من الدماء في النار..
تعـــال وأقبل؛ فأبواب النيران كلها غلقت..

هكذا يناديك رمضان:
يامن نبت جسده ولحمه ودمه ودم ولده وأهله من الحرام..
تعال وأقبل؛ فقد أغلقت أبواب النيران..
*{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ}*.

*أخي الحبيب:*
إحمد الله عزوجل أن بلغك شهر رمضان، فهاهو رمضان بين يديك، فأقبل على الله عزوجل، وتب وعد إلى ربك..
تعال في رمضان، وفي غير رمضان..
فإذا سجدت فقل: *{يــــارب}*.
قلها من قلبك..
يامن سهل عليك الشكوى، تعال واشكو إليه..
قل: *{يــــارب}*.

فوالله لن تصل أنت ولن أصل أنا ولن نصل جميعا لله عزوجل؛ لابخشوع، ولابلذة، ولابتقرب إلى الله، ولابدمعة خالصة لله، ولا بمنزلة رفيعة عند الله؛ إلا بالله عزوجل..

فهيا بنا جميعاً بلا استثناء نقولها خالصة لله عزوجل في سجودنا:
*{اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك}*.

هذا نداء من رمضان لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهوشهيد.

اللهم وفقنا لهداك، واجعل أعمالنا في رضاك..
اللهم لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك ونضل..

اللهم يارب الأرباب، يامن اختصصت أقواما في رمضان بأن جعلتهم من العتقاء من النار،
اللهم لاتحرمنا خير ماعندك بشر ماعندنا..

اللهم تقبل منا صيامنا، وقيامنا، وصلاتنا، وركوعنا، وسجودنا، وسائر أعمالنا، يا رب العالمين..

,اللهم اجعلنا جميعاً من أوليائك المقربين..
اللهم أقر أعيننا بصلاح نياتنا، ووالدينا، وأزواجنا، وذرياتنا، وإخواننا، والمسلمين..

اللهم اجعل رمضان وكل رمضان عزا ونصرا للإسلام والمسلمين يارب العالمين..

وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه عموما لقوله تبارك وتعالى:
*{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}*.

*عباد الله:*
*{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}*.
فاذكروا الله العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ..
*وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله*..

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولاتبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم*
========================
🎤
*خطبة.جمعة.بعنوان.cc*
*رمضـان دورة للصـادات السبـع*
*الـصـــوم - الـصــــلاة - الصــدقــة*
*الصدق - المصحف - الصحبة - الصبر*
*للـشيــخ/ مــحــمـــــد الــجــــرافــــي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبــة.الاولــى.cc*
الحمد لله الذي جعل رمضان مدرسة تربية وتدريب وتمرين، فيها يتربى المسلم على إخلاص العبادة لرب العالمين، ويتمرن على الإقبال على الأعمال الصالحة بجد المجتهدين، وبنشاط المتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، الذين هم في صيامهم من الصابرين، وفي صلواتهم من الخاشعين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الغر المحجلين، كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقان جبريل الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأكرمين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمــا بعــــد فيا أيها الاخوة المؤمنون
أوصيكم و نفسي بتقوى الله وطاعته...

ها نحن في هذا الأسبوع قد سجلنا أنفسنا في مدرسة رمضان، مدرسة نخضع فيها لدورات تكوينية طيلة شهر كامل، دورات مكتفة تتناول جوانب شتى في حياتنا، دورات نتدرب فيها على القيام بالأعمال الصالحة الخالصة، نتمرن فيها على الالتزام بالأخلاق الرفيعة؛ وكما تسأل -أخي المسلم- طفلك بعد رجوعه من المدرسة -وكلك حرص واهتمام بتحقيق نجاحه-: ماذا تعلمت اليوم في المدرسة؟ فكذلك يجب أن تسأل نفسك كل يوم من أيام رمضان:
ما عملت بصيامك، هل صيامك من النوع الممتاز أو من النوع المغشوش؟ هل حافظت على صلواتك أداء وتدبرا وخشوعا؟ هل تصدقت ببعض مالك صلة للأرحام وذوى الحاجات؟ كم من حزب قرأت في مصحفك قراءة حفظ وتدبر والتزام؟
من هم أصحابك في هذا الشهر، وهل استفدت فيه من مصاحبة الأخيار؟ ما مدى التزام لسانك بصدق الحديث؛ فإن صون الصيام في حفظ اللسان؟ هل التزمت بالصبر وأنت تصوم أطول أيام السنة، أم تسخط وتقلق لأتفه الأسباب؟
إنها الصادات السبعة التي ..
نتلقى عليها في رمضان التدريبات والتكوينات، كل كلمة منها تبدأ بحرف الصاد: الصيام، الصلاة، الصلة (أي الصدقة)، المصحف، الصحبة، الصدق، الصبر؛ جمعها من قال:
جاء الصيامُ وعنـــــــدي من لوازمه
ممَّا يُعين عليـــــه سبعُ صاداتِ
صَوْمٌ صلاةٌ وَصبرٌ مصحفٌ وكذاٌ
صِدْقُ تصدقه صحب سادات

فتعالوا بنا اليوم نقف بكم
عند هذه الصادات السبع باختصار

الصاد الأول: الصيام؛ هل كان صيامك من النوع الممتاز أو من النوع المغشوش؟ وما صام الصيام الممتاز من يسلط خائنة الأعين على الغاديات والرائحات، والعاريات في الشوارع والساحات، ما صام الصيام الممتاز من يطلق لسانه هاتكا به الأعراض والحرمات، ما صام الصيام الممتاز من بطنه مليئ بالمحرمات؛ فمجرد الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع وقوع الجوارح في الحرام إنما هو صيام مغشوش، مردود على صاحبه مخدوش؛ فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فيما روى ابن ماجه عن أبى هريرة: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر»، ويقول فيما روى ابن أبي شيبة: «ما صام من ضل يأكل لحوم الناس».

قال الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: "اعلم أنَّ الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص؛
1) فأمَّا صوم العموم فهو كفُّ
البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
2) وأمَّا صوم الخصوص فهو كفُّ السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
3) وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عمَّا سوى الله عزَّ وجلَّ بالكلية".

الصاد الثاني: الصلاة؛ فمن مظاهر مدرسة رمضان صَلاةُ التَّرَاوِيحِ ، نِصفُ سَاعَةٍ أَو تَزِيدُ قَلِيلاً ، يَقضِيهَا المُسلِمُ مَعَ إِخوَانِهِ صُفُوفًا وَرَاءَ إِمَامٍ وَاحِدٍ ، مُتَّجِهِينَ لِرَبٍّ وَاحِدٍ ، يَسعَونَ لِهَدَفٍ وَاحِدٍ ، يَستَمِعُونَ آيَاتِ المَثَاني، وَيَركَعُونَ وَيَسجُدُونَ وَيَقنُتُونَ ، وَيَدعُونَ وَيَبتَهِلُونَ وَيَستَغفِرُونَ ، في لَحَظَاتٍ إِيمَانِيَّةٍ عَامِرَةٍ ، تَعقُبُهَا فَرحَةٌ بِالطَّاعَةِ غَامِرَةٌ ، فَيَا سَعَادَةَ مَن رَكَعَ مَعَ الرَّاكِعِينَ وَقَامَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا مَعَ المُصَلِّينَ ، يَقِفُ دَقَائِقَ مَعدُودَةً فَيُكتَبُ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ كَامِلَةٍ ، وَقَد يُدرِكُ لَيلَةَ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، فَيَفُوزُ بِذَلِكَ فَوزًا عَظِيمًا بِعَمَلٍ يَسِيرٍ ، وَ" مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ "
ومن الأخطاء الشائعة أن كثيرا من الذين يلتزمون بالتراويح وهي سنة، يضيعون الظهر والعصر جماعة وهما من الفرائض، ما حافظ على الصلوات من ضيع فرائضها، والنوع الممتاز من الصلاة لا يتحقق إلا بتحقق العبادة بالقوى الثلاثة التي يتكون منها الإنسان:
1) عبادة القوة الجسمية بالحركات من القيام والركوع والسجود والجلوس، وكثير من الناس لا تتجاوز صلاته هذا المستوى.

2) ثم عبادة القوة العقلية بالتدبر والتفكر فيما يردد اللسان في الصلوات، من القرآن والأذكار والأدعية، وقليل من الناس من يستطيع الحصول على هذا المبتغى بالوصول إلى هذا المستوى.

3) ثم عبادة القوة الروحية بالخشوع الذي قال الله تعالى فيه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} وقال سبحانه: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.

وهذا هو المستوى الرفيع الذي لا يصل إليه بصلاته إلا الأتقياء الأنقياء الأصفياء الأوفياء.

مَا أَحرَى المُسلِمَ أَن يَحرِصَ عَلَى المَسَاجِدِ الكَثِيرَةِ الجَمَاعَةِ ، وَأَن يَحذَرَ مِن تَسَلُّطِ الشَّيطَانِ عَلَيهِ ، فَيَترُكَ صَلاةَ التَّرَاوِيحِ وَيَهَجُرَ السُّنَّةَ ، أَو يَتَقَاعَسَ وَيُصَلِّيَ في بَيتِهِ ، أَو يَنفَرِدَ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ لِيُؤَدُّوا صَلاةً بَارِدَةً ضَعِيفَةَ الخُشُوعِ لا يَذكُرُونَ اللهَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " صَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزكَى مِن صَلاتِهِ وَحدَهُ ، وَصَلاتُهُ مَعَ الرَّجُلَينِ أَزكَى مِن صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَانَ أَكثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلى اللهِ ـ تَعَالى ـ "رواه ابو داود والنسائي وحسنه الألباني

الصاد الثالث: المصحف؛ ونتساءل: ما هو برنامجنا في القرآن في هذا الشهر؟ وهل نحن مستعدون لحفظ ما تيسر منه؟ وكم من ختمة قد هيأنا أنفسنا لتحصيلها؟ اصطلحوا مع القرآن الكريم في ليالي رمضان، واصطحبوا مدارسته في هذا الشهر الكريم، وقد «كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن» كما في صحيح البخاري.

والمحافظة على ..
القرآن الكريم تتحقق بثلاثة أمور:
1) حسن الأداء حفظا وتلاوة.
2) حسن التدبر علما وفهما.
3) حسن التطبيق امتثالا وتحكيما.

هنيئاً لمن أشغله القرآن ليله ونهاره هنيئاً لمن عاش مع القرآن وتلذذ بالقرآن ونهل من معين القرآن وتأدب بآداب القرآن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ، وهذا شهر القرآن يا أمة القرآن ، والموفق من وفقه الله لتلاوة القرآن وتدبره آناء الليل وأطراف النهار .

الصاد الرابع: الصلة والمراد بها الصدقة في سبيل الله؛ لأن الإسلام لا يريد للمسلم ذلك الصيام الجاف، الخالي من معاني التكافل الاجتماعي؛ بل الهدف الأول للإسلام في الصيام، هو أن يجعل المسلم الغني يحس بمأساة الجائعين، وبحرمان المحرومين، دربه الله على ذلك ورباه في دروس يتلقاه بواسطة الصيام من صوت المعدة ونداء الأمعاء، دون خطبة بليغة ولا لسان فصيح، فلو لم يشرع الإسلام الصيام، ما أحس الأغنياء بعضة الجوع أبدا، من أين لهم ذلك وأشكال الطعام والشراب على موائدهم تترا، وهي طوع أمعائهم كل حين؟ ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة صدقة رمضان» رواه الترمذي؛ فالصيام بدون الإحساس بمأساة الغير صيام جاف، والصيام بدون الإحسان للغير صيام أجوف.

والصدقة المقبولة تبنى على أسس ثلاثة:
1) أساس قلبي؛ أي: مصدره القلب وهو الإخلاص؛ فلا يكون {كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمثله كمثل صفوان عليه تراب، فأصابه وابل فتركه صلدا}.
2) أساس قبلي؛ أي: قبل الصدقة، وهو الحلال؛ «إن طيب ولا يقبل إلا طيبا»، {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.
3) أساس بعدي؛ أي: بعد الصدقة، وهو عدم إبطالها بالمن والأذى؛ {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}.

الصاد الخامس: الصدق بأنواعه الثلاثة:
1) الصدق في القلب.
2) الصدق في الحديث.
3) الصدق في العمل.
ما صام الصيام الممتاز من ألف قلبه ولسانُه الكذب على النفس أو الكذب على الناس، فالصيام من غير الصدق في الحديث والصدق في العمل مغشوش مخدوش؛؛ فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

الصاد السادس: الصبر؛ والصيام يربي فينا الصبر بأنواعه الثلاثة:
1) الصبر على المشقة.
2) الصبر على الطاعة.
2024/06/29 18:54:13
Back to Top
HTML Embed Code: