Telegram Web Link
قال بلال : (إن أرجى عمل عملته أنني ما توضأت وضوءاً أو تطهرت طهوراً إلا وصليت لله عز وجل ركعتين)، وفي لفظ الصحيحين: (إلا وصليت لله بهذا الطهور -أو بذلك الطهور- ما كتب لي أن أصلي) إذا توضأ أو تطهر في ساعة من ليل أو نهار قام يصلي بهذا الطهور أو بهذا الوضوء ما كتب الله عز وجل له أن يصلي. إنه الحرص والمداومة على الأعمال الصالحات التي ترضي رب الأرض والسموات جل وعلا.

4 ـ طهارة القلب: ـ من علامات القبول أن يتخلص القلب من أمراضه وأدرانه فيعود إلى حب الله تعالى وتقديم مرضاته على مرضاة غيره- وإيثار أوامره على أوامر من سواه، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يترك الحسد والبغضاء والكراهية، وأن يوقن أن الأمور كلها بيد الله تعالى فيطمئن ويرضى، ويوقن أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليُخطئه، وبالجملة يرضى بالله وبقضائه ويحسن الظن بربه.

وأن يشعر المرء بتغيير في سلوكه بعد الطاعة فلابد أن تغير الطاعة في حياتنا وتنقلنا من حال إلي حال. وفي القصة القصيرة التي رواها الإمام مسلم في صحيحة برهان مبين على مبلغ أثر الإيمان، ذلك أن رجلاً كان ضيفاً على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أمر له بثانية فشرب حلابها ثم بثالثة فرابعة … حتى شرب حلاب سبع شياه، وبات الرجل، وتفتح قلبه للإسلام، فأصبح مسلماً، معلناً إيمانه بالله ورسوله، وأمر الرسول له في الصباح بشاة فشرب حلابها ثم أخرى لم يستتمه، وهنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم كلمته المأثورة: “إن المؤمن ليشرب في معي واحد والكافر ليشرب في سبعة أمعاء”. فيما بين يوم وليلة استحال الرجل من شره ممعن في الشبع، حريص على ملء بطنه، إلى رجل قاصد عفيف قنوع، ماذا تغير فيه؟.. تغير فيه قلبه، كان كافراً فأصبح مؤمناً، وهل هناك أسرع أثراً من الإيمان؟

5 ـ تذكر الآخرة: ـ من علامات القبول نظر القلب إلى الآخرة، وتذكر موقفه بين يدى الله تعالى وسؤاله إياه عما قدم فيخاف من السؤال، فيُحاسب نفسه على الصغيرة والكبيرة، ولقد سأل الفضيل بن عياض رجلاً يوماً وقال له: كم مضى من عمرك؟ قال: ستون سنة، قال: سبحان الله منذ ستين سنة وأنت فى طريقك إلى الله! قربت أن تصل، واعلم أنك مسئول فأعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: وماذا أصنع، قال: أحسِن فيما بقى يغفر لك ما مضى وإن أسأت فيما بقى أخذت بما بقى وبما مضى.

6 ـ إخلاص العمل لله: ـ ومن علامات القبول أن يخلص العبدُ أعماله لله فلا يجعل للخلق فيها نصيباً، لأن الخلق في الحقيقة ما هم إلا تراب فوق تراب – قيل لأحد الصالحين- هيا نشهد جنازة فقال: اصبر حتى أرى نيتى، فلينظر الإنسان منا نيته وقصده وماذا يريدُ من العمل، وقد وعظ رجلٌ أمام الحسن البصرى فقال له الحسن يا هذا لم أستفد من موعظتك، فقد يكون مرض قلبي وقد يكون لعدم إخلاصك.

7 ـ الوجل من عدم قبول العمل:ـ فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، قال عز وجل ـ (وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]، وقال تعالى ـ: (إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7] ،والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات).

فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه لا يركن إلى جهده، ولا يدل بها على ربه، بل يزدري أعماله، ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.

وحال المؤمن استصغار العمل وعدم العجب والغرور به ، إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة ,فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة. ومما يعين على استصغار العمل:معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير. وحال المؤمن الرجاء في الله أن يقبل العمل- مع الخوف وهذا يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه .
وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال: ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)( البقرة:127).

وقد عرف عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ، ورضوا عنه ـ أنهم كانوا مع استقامتهم ، ووقوفهم عند حدود الله يتهمون أنفسهم ، ويشعرون دوماً بالتقصير انطلاقاً من قول سبحانه : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {53})(يوسف : 53) .وقد أثر عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال (لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة) ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة … الحديث)( الحديث أورده ابن أبي شيبة في : المصنف : كتاب الزهد : باب كلام أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ 13/309 رقم 16441 من حديث معاوية بن قرة ، عن أبي الدرداء موقوفاً بهذا اللفظ ). وهذا عمر – رضي الله عنه – يقول لحذيفة : (( هل أنا منهم ؟ – يعني من المنافقين – أَوَ سمّاني لكَ رسول الله ؟ )) وكان محمد بن واسع يقول : (( لو كان يوجد للذنوب ريح ، ما قدرتم أن تدنوا مني من نتن ريحي )) . وكان يقول : (( إنما هو عفو الله أو النار )) – وكان الربيع بن خثيم يبكي حتى يبل لحيته ويقول : (( أدركنا أقواماً كنا في جنبهم لصوصاً )) وكان أبو مسلم الخولاني يعلق السوط في مسجده ويقول : (( أنا أولى بالسياط من الدواب )) و عن سهل بن أسلم قال : كان بكر بن عبد الله المزني إذا رأى شيخاً قال : (( هذا خيرٌ مني ،عَبَدَ الله قبلي ، وإذا رأى شاباً قال : هذا خيرٌ مني ارتكبتُ من الذنوب أكثر مما ارتكب َ ) قال الفضيل بن عياض عن نفسه : (( كيف ترى حال من كثرت ذنوبه ، وضعف عمله ، وفنى عمره ، ولم يتزود لمعاده ، ولم يتأهب للموت ، ولم يتزين للموت ، وتزيّن للدنيا ، هيه ، وقعد يحدث – يعني نفسه – واجتمعوا حولك يكتبون عنك ، بخ فقد تفرغّت للحديث . ثم قال : هاه – وتنفس طويلاً – ويحك أنت تحسن تحدّث؟؟ أو أنت أهلٌ أن يحمل عنك ؟ استحي يا أحمق بين الحمقان ! لولا قلة حيائك وصفاقة وجهك ما جلست تحدث وأنت أنت ، أما تعرف نفسك ؟ أما تذكر ما كنت ؟ وكيف كنت ؟ أما لو عرفوك ما جلسوا إليك ولا كتبوا عنك ،
ولا سمعوا منك شيئاً أبدا )) .
وذُكر عند مخلد بن الحسين خُلق من أخلاق الصالحين فقال :ـ لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
أسأل الله جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار .
======================
ماذا بعد رمضان؟ (الخطبة الأولى في شوال)
ماذا بعد رمضان؟
(الخطبة الأولى في شوال)
عناصر الخطبة:

العنصر الأول: أقسام الناس بعد رمضان.

العنصر الثاني: كثرة الدعاء لقبول صيام وسائر الأعمال.

العنصر الثالث: استصحاب روح مضان.

الخطبة الأولى

أمة الإسلام: كل عام أنتم بخير و تقبل الله منا و منكم الصيام و القيام و صالح الاعمال فقد ودعنا شهر رمضان الكريم ودعناه باللوعة وبالأنين حالنا كما قال الشاعر:

دَعِ البُكاءَ عَلَى الأَطْلالِ وَالدَّار

واذْكُرْ لِمَنْ بَانَ مِنْ خِلِّ وَمِنْ جَارِ

واذْرِ الدُّمُوعَ نَحِيْبًا وَابْكِ مِن أَسَفٍ

عَلَى فِرَاقِ لَيْالٍ ذَاتِ أَنْوَارِ

عَلَى لَيْالٍ لِشَهْرِ الصَّوْمِ مَا جُعِلَتْ

إِلا لِتَمْحِيْصِ آثَامٍ وَأَوْزَارِ

يَا لائِمي في البُكَاءِ زِدْنِي بِهِ كَلَفًا

وَاسْمَعْ غَرِيْبَ أَحَادِيثِي وَأَخْبَارِي

مَا كَانَ أَحْسَنَنَا وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ

مِنَّا المُصَلِّي وَمِنَّا القَانِتُ القَارِي

وانقسم الناس في نهايته بين فائز وبين خاسر فائز فاز بمغفرة الخطايا والذنوب:

• فائز فاز بالعتق من النار

• فائز فاز بليلة القدر

• فائز بالتقوى

• وخاسر خسر نفسه وشهره.

خاسر نالته دعوة جبريل عليه السلام وتامين النبي – صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْضُرُوا الْمِنْبَرَ " فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: " آمِينَ "، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: " آمِينَ "، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: " آمِينَ "، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ قَالَ: فَقُلْنَا له يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامِ عَرْضَ لِي فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَقُلْتُ: آمِينَ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ - أَظُنُّهُ قَالَ - فَقُلْتُ: آمِينَ ".

ترحل الشهر والهفاه وانهدما

واختص بالفوز بالجنات من خدما

وأصبح الغافل المسكين منكسرا

مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرم

من فاته الزرع في وقت البذار فما

تراه يحصد إلا الهم والندما

طوبى لمن كانت التقوى بضاعته

في شهره وبحبل الله معتصما

العنصر الثاني: كثرة الدعاء لقبول صيام وسائر الأعمال:

إخوة الإسلام: أخي المسلم: من منا يحمل هم قبول الطاعات بعد هذه الأيام مَن مِنا أشغله هذا الهاجس؟

من منا أشغله هاجس هل قبلت أعماله أم لا؟

من منا لسانه يلهج بالدعاء أن يقبل الله منه رمضان؟! إننا نقرأ ونسمع أن سلفنا الصالح كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يقبل الله منهم رمضان، ونحن لم يمض على رحيله سوى أيام فهل دعونا أم لا؟

أم أننا نسينا رمضان وغفلنا عنه وكأننا أزحنا حملاً ثقيلاً كان جاثماً على صدورنا؟! نعم.

رحل رمضان، لكن ماذا استفدنا من رمضان؟ وأين آثاره على نفوسنا وسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا؟ هكذا حال الصالحين العاملين، فهم في رمضان صيام وقيام، وتقلب في أعمال البر والإحسان، وبعد رمضان محاسبة للنفس، وتقدير للربح والخسران، وخوف من عدم قبول الأعمال، لذا فألسنتهم تلهج بالدعاء والإلحاح بأن يقبل الله منهم رمضان.

• قال الحسن البصري: [[المؤمن يحسن ويخاف، والمنافق يسيء ويأمن ]].

وكان الصالحون يتصدقون ويصلون ويصومون وهم خائفون من الذنوب، والمنافقون يغدرون ويفجرون وهم آمنون.

*وفي الصحيح أن ابن مسعود قال: [[المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق أو الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه فقال به هكذا (وأومأ بيده) (أخرجه البخاري)

• ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60] أي والذين يعطون العطاء، وهم وجلون خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط روى الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: يا رسول اللّه، الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف اللّه عزّ وجلّ؟ قال: "لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصدّيق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف اللّه عزّ وجلّ".

حال السلف:
والذي يتأمل أحوال السلف الصالح في وداع رمضان والخشية على الأعمال ليرى قلوبا وجلة و أعينا باكية بكى عامر بن عبد الله حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك، وقد كنت وكنت؟ فقال: "إني أسمع الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"، ويقول أبو الدرداء: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها؛ إن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.

وقال عطاء: "الحذرُ الاتقاءُ على العمل ألا يكون لله".

وقال ابن دينار: "الخوفُ على العمل ألا يُتقبَّل أشدُّ من العمل".

فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لو أعلم لو أن لي صلاة مقبولة لاتكلت، فمن بر والديه فإن الله يتقبل عمله] قال الله تعالى في كتابه فيمن بر والديه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ [الأحقاف:16] فجمع لمن بر والديه بين هاتين الثمرتين قبول العمل وتكفير الخطيئة، فيقبل عمل الإنسان وتكفر خطيئته.

العنصر الثالث علامات قبول الأعمال:

أحباب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الله تعالى جعل لكل عمل من الأعمال جزاء وجعل له علامة للقبول أو الرد.

فيكف تتعرف أخي المسلم على عملك هل قبله مولاك أم رد عليك؟

نسأل الله تعالى القبول.

لقد ذكر لنا أهل المعرفة والقبول علامات القبول وهي كما يلي:

علامات قبول العمل:

(1) الحسنة بعد الحسنة:

فإتيان المسلمون بعد رمضان بالطاعات، والقُربات والمحافظة عليها دليل على رضى الله عن العبد، وإذا رضى الله عن العبد وفقه إلى عمل الطاعة وترك المعصية.

قال الحسن البصري: "إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية، وقد قال الحسن: "يا ابن آدم إن لم تكن في زيادة فأنت في نقصان".

(2) حب الصالحين وبغض أهل المعاصي:

من علامات قبول الطاعة أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي ،و لقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله)).

أخي الحبيب:

قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت ،ولله در عطاء الله السكندري حين قال :(إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك).

والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله -سبحانه وتعالى- لا شريك له، ممتثلين قوله، صلى الله عليه وسلم " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله، فقد استكمل الإيمان " رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره..

(3) كثرة الاستغفار:

المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد بالاستغفار، فإنه مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ، فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [البقرة:199].

وبعد الصلاة علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله ثلاثاً ، وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم يختمون ذلك بالاستغفار في الأسحار قال تعالى:

﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، وأوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقول ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19].

وأمره أيضاً أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال:

﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾.

فكان يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) رواه البخاري.

(4) المداومة على الأعمال الصالحة:

كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة-رضي الله عنها -قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم.

و أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه.

وبشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري ، و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها. وقال صلى الله عليه وسلم :( ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه). أخرجه النسائي.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:

العنصر الرابع استصحاب روح مضان:

• روح رمضان: روح الهمة العالية في المحافظة على الفرائض والواجبات:

فليس لعمل المؤمن أجل دون الموت قال الله تعالى ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].

عن علقمة قال قلت لعائشة: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخص من الأيام شيئا؟ قالت: لا. كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيق. رواه البخاري

• روح رمضان: روح الأخلاق الكريمة فلا سب ولا هجر ولا خصومة ولا حسد:

عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء".

فالمسلم لا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح.

" صحيح البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه ، وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته ، كهولا كانوا أو شبانا ، فقال عيينة لابن أخيه : يا بن أخي ، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه ، فاستأذن ، فأذن له عمر ، فلما دخل قال : هي (وهي كلمة تهديد ، وفي نخة : هيه وإيه ، بمعنى : زدني.) يا ابن الخطاب، فو الله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل ، فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله تعالى.

وعن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: تحلم على من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك. وتعطى من حرمك؟ وتصل من قطعك ".

قال عصام بن المصطلق: "دخلت المدينة فرأيت الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- فأعجبني سمته وحسن روائه، فأثار منّي الحسد ما كان يجنّه صدري لأبيه من البغض، فقلت: أنت ابن أبي طالب، قال: نعم، فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليّ نظرة عاطف رءوف، ثمّ قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم بسم الله الرّحمن الرّحيم ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] فقرأ إلى قوله تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ، ثمّ قال لي: خفّض عليك، استغفر الله لي ولك، إنّك لو استعنتنا أعنّاك، ولو استرفدتنا أرفدناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، فتوسّم فيّ النّدم على ما فرط منّي فقال: ﴿ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92] أمن أهل الشّام أنت؟ قلت: نعم. فقال: "شنشنة أعرفها من أخزم" حيّاك الله وبيّاك، وعافاك، وآداك "آداك بمعنى أعانك وقواك" ؛ انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك، تجدنا عند أفضل ظنّك، إن شاء الله، قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ووددت أنّها ساخت بي، ثمّ تسلّلت منه لواذا، وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منه ومن أبيه" "تفسير القرطبي".

• روح رمضان روح الكرم و البذل و العطاء:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 103، 104].

عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه" ، قال: "ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر. وأحدّثكم حديثا فاحفظوه" ، قال: "إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة، يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو نيّته. فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل.
وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيّته فوزرهما فيه سواء" ) الترمذي.

قال مالك ابن دينار- رحمهم الله تعالى -: "المؤمن كريم في كلّ حالة لا يحبّ أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه، قال: ثمّ يبكي مالك وهو يقول: وهو مع ذلك غنيّ القلب لا يملك من الدّنيا شيئا، إن أزلّته عن دينه لم يزلّ، وإن خدعته عن ماله انخدع، لا يرى الدّنيا من الآخرة عوضا، ولا يرى البخل من الجود حظّا، منكسر القلب ذو هموم قد تفرّد بها، مكتئب حزين ليس له في فرح الدّنيا نصيب، إن أتاه منها شيء فرّقه وإن زوي عنه كلّ شيء فيها لم يطلبه ويبكي ويقول: هذا والله الكرم، هذا والله الكرم".

روح رمضان: روح العفة عما حرم الله تعالى:

• العفة عن النظر وسماع ما حرم الله تعالى

• العفة عن الرشوة وأكل السحت

• العفة عن اكل أموال اليتامى

• العفة عن الوقوع في أعراض المسلمين

• العفة عن التبرج والسفور.

فقد رأينا العفة تمشي على الأرض متمثلة في أخلاق الصائمين و الصائمات.

فلماء لا نستصحب روح رمضان في حياتنا اليومية.

تمام العفة:

لا يكون الإنسان تامّ العفّة حتّى يكون عفيف اليد واللّسان والسّمع والبصر

• فمن عدمها في اللّسان السّخرية، والتّجسّس والغيبة والهمز والنّميمة والتّنابز بالألقاب

• ومن عدمها في البصر: مدّ العين إلى المحارم وزينة الحياة الدّنيا المولّدة للشّهوات الرّديئة،

• ومن عدمها في السّمع: الإصغاء إلى المسموعات القبيحة.

وعماد عفّة الجوارح كلّها ألا يطلقها صاحبها في شيء ممّا يختصّ بكلّ واحد منها إلّا فيما يسوّغه العقل والشّرع دون الشّهوة والهوى

قال سفيان الثّوريّ - رحمه الله تعالى -لأصحابه وقد خرجوا يوم عيد: "إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا عفّة أبصارنا".

عفة عن المال العام: لمّا فتح المسلمون القادسيّة أخذوا الغنائم ودفعوها إلى عمر. فقال: "إنّ قوما أدّوا هذا لأمناء، فقالوا له: عففت فعفّوا ولو رتعت يا أمير المؤمنين لرتعت أمّتك".

روح مضان: روح الجماعة والاتحاد.

فقد كان رمضان أداة لحمة بين أفراد المجتمع بين الفقراء والأغنياء، بين الأصحاء والمرضى.

فقد جمع رمضان بين أفراد المجتمع تحت مظلة الطاعة فكنت تراهم في الصلوات وتراهم في الجمع وتراهم على موائد رمضان وتراهم وهم اخوه متحابين.

حقا عباد الله لقد تحقق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك التشبيه الرائع لوحد الأمة ففي الصحيحين وغيرهما من حديث النعمان بن بشير " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

ولمسلم "المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله" وفي الصحيحين من حديث أبي موسى: "المؤمن للمؤمن كالبنيان" وفي لفظ "كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه".

عن ابن عباس أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئبا حزينا؟

قال: نعم يا ابن عم رسول الله؟ لفلان على حق ولاء؟ وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه!!

قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك ؟! "

قال: إن أحببت: قال: فانتعل ابن عباس

ثم خرج من المسجد؟

فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟

قال: لا ولكنى سمعت صاحب هذا القبر – صلى الله عليه وسلم - والعهد به قريب ودمعت عيناه يقول " من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين؟

" فهكذا كونوا يا عباد الله إخوانًا ولا تتفرق بكم السبل عن الطرق المثلى عن الطريق المنجية عن الطريق الموصلة إلى الله والدار الآخرة فإن الشيطان له غرض في بني آدم لكن لما آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب رضي بالتحريش بين المسلمين فشن الغارة عليهم وأتاهم من كل طريق فمن اعتصم بحبل الله وجاهد العدو كان على سبيل نجاة، ومن اتبع هواه ولم يلتفت إلى ما أمره به مولاه كان الهلاك إليه أقرب من حبل الوريد. فيا عباد الله اتقوا الله وراقبوه واعتصموا بحبله جميعًا ولا تفرقوا ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26]

الدعاء...
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة بعنوان ماذا استفدت من رمضان ؟

إعداد وجمع منصور علي عبدالسلام محمد تقبل الله منه ومنكم صالح الأعمال.




الحمد لله رب العالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين

أسندت ضعفي إلى ربي فقّواني و من سواه يعين المُتعب العاني
فوضت أمـري لـه ربي فألهمـني رشدي و حررني من قـيد أحـزاني
يا رب لي حاجة في النفـس تعلَمها و أنت أعــلـم يا ربـي بأشجـاني استر عيوبي و أبدل عيشتي رغـدا و ڪن معـيناً لأحبـابي و خـلاني
تولنا و اهدنا واڪتــــــب لنا فرجا و إن زللتُ فـزد يا رب إيمـاني


وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وخليلنا وشفيعنا وقدوتنا وأسوتنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خير خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به كل غمة .

النبي المصطفى المجتبى المختار عليه صلوات ربي الملك العزيز الغفار .

بلـــــــغ العلى بكماله كشف الدُجى بجماله
عظمت جميع خصاله صــــــلوا عليه وآله

وما أعددتُ للأخرى كثيراً ولكنّي ملأتُ القلبَ حُبّـــا
أحبُّ مُحمّداً حُبّـاً وحسبي ‏بأنّ المرءَ مع مَن قدْ أحبّـا


اللهم صل وسلم وبارك ومجد وعظم وأكرِم وترحم على سيدنا محمد رسول الله وآله الطاهرين وصحابته أجمعين .

وصيتي لنفسي وإياكم بتقوى الله ، فاتقوا الله وخافوه وراقبوه ولنعلم جميعا علم يقين أننا جميعا ومن دون استثناء يوما ما بين يدَي ربنا موقوفون ، وعلى أعمالنا محاسبون ، وعلى تفريطنا نادمون ، وعلى تقصيرنا نادمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

اللهم ارفع حجاب الغفلة عن قلوبنا ، وارفع الشرود من أذهاننا ، وارفع السأم والملل والضجر من نفوسنا ، وارفع النعاس وقت الخطبة من أعيننا ، واجعلنا جميعا مع الذكرى ممن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون:
فسنقف في هذا اليوم المبارك، وفي هذه اللحظات المباركات التي نسأل الله عز وجل أن يبارك فيها وفي قائلها وسامعها إنه جواد بر رحيم، سنقف مع موضوع:
(ماذا استفدت من رمضان؟) :

ونقاط خطبة هذا اليوم هي:

أولاً : - ( ولعلكم تشكرون ) .

ثانيا: -(( لعلكم تتقون )) هل تحقق عندك الهدف الرئيسي من الصيام وهو التقوى ؟
وما التقوى التي يريدها الله عز وجل منا ؟ هل تقوى الخالق أم تقوى المخلوق ؟ وما نوع التقوى الذي عندنا ؟

ثالثاً : - التوبة إلى الله التي تُبْتَها في رمضان ، هل كانت احتراما لرمضان ، أم كانت احتراما لرب رمضان ؟

رابعا : - ماذا لو كنتَ قد قصرتَ في رمضان الذي مضى عليك ؟

*أولاً : - ( ولعلكم تشكرون ) .*
آخر آية الصيام قوله تعالى : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } .
فما علاقة الشكر مع إكمال عدة رمضان ؟
ولعل في قوله تعالى : { ولعلكم تشكرون } بمعنى ( كي ) أي فرض الله الصيام كي تكملوا العدة وكي تكبروا الله على هدايته لكم وكي تشكروه ( 1 )

فلماذا الشكر أتى آخر نهاية الصيام ؟ وما هو الشكر المطلوب منا بعد الصيام ؟
فأولا : هل من الشكر العودة إلى المعاصي بعد رمضان ؟
وثانياً : هل من الشكر فعل المحبطات للأعمال بعد رمضان ؟

شكر نعمة التوفيق للعبادة في رمضان يحتاج منك أن تحافظ على عبادتك ولا تحبطها وتبطلها بعد رمضان .


فما هي الأعمال التي تحبط العبادة بعد فِعْلها ؟

الأعمال التي تحبط العبادة بعد فعلها هي :

أولاً : العمل بالمعاصي بعد فعل الطاعات لما روى البخاري أن ابن عباس فسر قوله تعالى : { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت } البقرة، حيث قال ابن عباس في تفسيرها : ضُرِبَتْ مثلاً لعمل ، قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل ، ثم بُعث له الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله )) .

وروى الطبراني وابن ماجة عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ألْفَيَنَّ ، أي : لا أريد أن أجد " أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة ، فيجعلها الله هباء منثوراً . قالوا : يا رسول الله صِفْهم لنا ، لكي لا نكون منهم ، ونحن لا نعلم قال : أما إنهم من إخوانكم ، ولكنهم أقوام إذا خَلوا بمحارم الله انتهكوها ))

ولو سألت سؤالاً عن حكم الذي يتوب من هذه المعاصي المحبطة للأعمال ؟
والجواب على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجة والبيهقي : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) ومقتضى هذا الحديث أن التائب بعد الذنب لا تحبط أعماله .
ثانياً : - الظلم : ومن الأعمال المحبطة للعبادة بعد فعلها هو الظلم ، حيث تُجعل حسنات الظالم في ميزان المظلوم لما رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره من حديث أبي هريرة عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل تدرون من المفلس ؟ قالوا : قالوا : المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له و لا متاع ، قال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصيام و صلاة و زكاة ، و يأتي قد شتم عرض هذا ، و قذف هذا ، و أكل مال هذا ، فيقعد فيَقتص هذا من حسناته و هذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من الخطايا ، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار )) وروى الحديث كذلك الإمام مسلم عن قتيبة بن سعيد . .


ثالثاً : الغيبة ، ومن الأعمال المحبطة للعبادة بعد فعلها : الغيبة فقد رُوي عن الحسن البصري وقد بلغه أن رجلاً اغتابه ، فبعث إليه طبقا من رُطب ، وقال له : بلَغَنا أنك أهديْتَ إليَّ حسناتك فأردت أن أكافئك بهذا ، فاعذرني فإني لا أقدر أن أُكافئك بها على التمام ( 2 ) .
وهذا مصداق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحلها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم ، إنما يؤخذ من حسناته ،فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته ))

وعن ابن المبارك رحمه الله قال : لو كنت مغتابا أحداً لاغتبتُ والدَيَّ لأنهما أحق بحسناتي ( 3 ) .


وثالثاً : عندما قال الله تعالى في آخر آية الصيام : { ولعلكم تشكرون }
فهل من الشكر قطع الصلة مع الله بعد رمضان حتى تصير بعده من الغافلين عنه


{ ولعلكم تشكرون } على نعمة الاتصال بالله ، الاتصال بالله الذي وفقكم له ، فليحرص كل منا أن يكون له ساعة وصل مع الله – ذكر ، أو دعاء ، أو مناجاة ، أو تفكر ، أو ربط النعم بالمنعم عز وجل ، أو استشعار مراقبة الله – وذلك بشكل يومي حتى ننعم بدوام الاتصال بالله جلَّ وعلا من دون انقطاع بعد رمضان .


ورابعا : عندما قال الله تعالى في آخر آية الصيام : { ولعلكم تشكرون }
فلماذا الشكر يتوجب علينا بعد إكمال عدة رمضان ؟
والسبب في ذلك حتى لا نغترَّ ونُعجب بما فعلنا في رمضان من عبادة وطاعة وفعل خير ، فالله وحده هو الذي وفقنا وأعاننا على ذلك ، فلْنَشكر الله كثيرا على هذا التوفيق والإعانة ، فالله هو من يسر وسهل لنا فعل الطاعات في رمضان وغيره ، ولذا قال في نهاية آية الصيام : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعكم تشكرون } .فله الحمد ربي وله الشكر على توفيقه وتيسيره .





*ثانياً : - ما معنى التقوى ؟:* -في قوله تعالى : (( لعلكم تتقون)) هل تحقق عندك الهدف الرئيسي من الصيام وهو التقوى؟
وما التقوى التي يريدها الله عز وجل منا ؟ هل تقوى الخالق أم تقوى المخلوق ؟ وما نوع التقوى الذي عندنا ؟


تقوى الله – باختصار - معناها اجتناب وتَوَقِّي وتَرْك ما يغضب الله خوفا من الله ،لا خوفا من خلقه .
ولو تصفحنا نوع التقوى الذي عندنا لوجدنا تقوى من نوع مختلف غير التي يريدها الله منا .

وللنظر إلى واقعنا وواقع الكثيرين إلا من رحم ربك .
فنحن عندما نترك الانحرافات ، هل نتركها خوفا من الله ، أم خوفا من الفضيحة ؟


لماذا قد تجد من لا يصلي وبنفس الوقت يأمر أهله بالعفاف والحجاب ؟ هل خوفا من الله ، أم خوفا من الافتضاح بين الناس ، وخوفا على سمعة أهله بين الناس ؟


لماذا يخاف الكثيرون من قتل النفس التي حرم الله ؟
هل خوفا من قول الله عز وجل : { ومن يقتلْ مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنمُ خالداً فيها وغَضِبَ الله عليه ولَعَنَهُ وأعَدَّ له عذابا عظيما } ؟
أم أنهم يتركون القتل خوفا من قصاص أسرة المقتول ، أو خوفا من التشرد والبعد عن بلاده وهو هارب من أسرة المقتول ، أم لأنه ليس لديه القوة المحامية له ، ولو كان لديه لَقتَل ولا يبالي ؟ وقس عليها الكثير من الأعمال التي سنتحدث عنها في خطبة آتية إن شاء الله .


أيها الإخوة المؤمنون :
إن الغاية من الصيام هي التقوى ، أي أن نمارس التقوى في رمضان حتى نخرج منه وقد تعودنا على تقوى الله فعندما قال الله عز وجل : { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } أي : لعلكم تتقون وتخافون الله في ترككم للمساوئ والمخازي والمنكرات.
فلنُعَوِّدْ أنفسنا وقلوبنا الخوف من الله ، فإذا تعودَتْ قلوبنا تقوى الله والخوف منه سيزيل الله من قلوبنا الخوف من غيره ، وسيرقينا الله إلى مرتبة من قال فيهم كما في سورة المائدة : { يحبهم ويحبونه } وذكر من صفاتهم : { ولا يخافون لومة لائم } أي : لا يخافون ملامة أحد من الناس لأنهم يخافون أن يلومهم الله وحده فأخرج الله من قلوبهم الخوف من ملامة الناس .
إن من صفات خير البرية كما قال الله عنهم : { جزاؤهم عند ربهم جنات عدْن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه } الله راضٍ عنهم وهم راضون عن الله .
ما صفاتهم ؟ قال الله : { ذلك لمن خشي ربه } ولم يقل ذلك لمن خشي الافتضاح بين الناس ، أو خشي ملامةَ الناس وكلامهم .
فالهَم الأول للمؤمن هو إرضاء الله { رضي الله عنهم ورضوا عنه } .
ولله درُّ الشاعر المؤمن حين قال يخاطب ربه :
رضاك خير من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فليس في النفس آمال تحققــــها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها


وبقية الكلام عن التقوى نؤجله إلى الجمعة التالية إن شاء الله .


وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات ، فاستغفروه ثم توبوا إليه .
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة .




*الخطبة الثانية*
الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
وصيتي لنفسي وإياكم يا عباد الله بتقوى الله وطاعته ، فاتقوا الله وخافوه راقبوه .

أما بعد :

فلا زلنا مع موضوع : ( ماذا أثر فيك رمضان ؟ )


والنقطة الثالثة في الموضوع هي :
*التوبة إلى الله التي تبتَها في رمضان ، هل كانت احتراما لرمضان ، أم كانت احتراما لرب رمضان ؟*

كثيرون هم أولئك الذين يتوبون إلى الله في رمضان ، أو يقللون من اللعائن والشتائم والجرائم في رمضان .

وكثير من الناس مَنْ مَثلُهُم كمثل السمبوسة لا تظهر إلا من رمضان إلى رمضان ولا توجد في شهر آخر ، فكذلك هم لا تجدهم يلتزمون بالمساجد وبالصلاة وبالسنن وتلاوة القرآن إلا في رمضان ، ولكن بمجرد وصول ليلة العيد ربما قد يتساهلون حتى في الفرائض ويتركون السنن ويَضِيعُون من المساجد ومن تلاوة القرآن كما تضيع السمبوسة من الموائد في غير رمضان ، { ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون }، حيث يعودون إلى الشتائم واللعائن والغيبة والنميمة والآثام التي كانوا قد تركوها في رمضان .

فيقال لهؤلاء : هل توبتُكم في رمضان ، هي احترام لرمضان ، أم أنها احترام لرب رمضان ؟
هل توبتكم في رمضان ، هي اصطلاح مع رمضان ، أم أنها اصطلاح مع رب رمضان ؟
ينبغي أن تكون توبتنا احتراما وتعظيما لله تعالى رب رمضان ، فهو رب رمضان ورب الشهور كلها .
{ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا } فهل من التوبة النصوح أن نتوب فقط في رمضان فقط ، ولا نفكر في توبة في بقية العام ؟

أيها الأخ المؤمن :
لماذا الانقطاع المفاجئ عن العبادات بعد رمضان ؟

لقد تعودتَ دعاء الله في رمضان وخاصة في صلاة التهجد ، فهل معناه أن الله لا يستجيب إلا في رمضان ؟ أليس الله مجيب الدعاء في كل زمان ومكان ؟

لقد تعودت في رمضان على الخير وعلى الإقبال على الله وعلى المساجد في رمضان ، فهل معنى أن ذلك في غير رمضان غير موجود ؟

لقد تعودت على تلاوة كتاب الله في رمضان ، فهل كتاب الله لا يقرأ إلا في رمضان ؟ أليس هجران كتاب الله اشتكى منه الرسول إلى ربه كما قال الله : { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } ؟ فلماذا نهجره سائر العام ؟

لقد تعودت في رمضان على الخشوع في الصلاة وخاصة في التهجد فهل معنى هذا أن الخشوع لا يكون إلا في التهجد ؟ أليس الخشوع في الفرائض أولى سواءً كان رمضان أو في غيره ؟

لقد تعودت في رمضان على قيام الليل المتمثل في صلاة التراويح وصلاة التهجد ، فهل ستترك قيام الليل بعد رمضان ؟

يقول أهل العلم : (علامة قبول الطاعة أن توصل بطاعة بعدها ، و علامة ردها أن توصل بمعصية . ما أحسن الحسنة بعد الحسنة و أقبح السيئة بعد الحسنة . ذنب بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها . النكسة أصعب من المرض الأول . ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة) ( 4)

وكثير من المرات نسمع أن الصحابة والصالحون كانوا يودعون رمضان ستة أشهر ، ما معنى هذا التوديع ؟ هل كانوا يقولون : ( مُوَدَّع مودع يا رمضان ) ؟
ليس المراد ذلك ، ولكن المراد أنهم كانوا يخرجون متأثرين بعد رمضان في إقبالهم على الله ، وخرجوا وعندهم النشاط على طاعة الله ، هذه الطاعة التي قد تعودوا عليها في رمضان خرجوا وهم ممارسون لها بعده .

ما معنى أن رمضان محطة لبقية العام ؟
أليست السيارة التي تمشي في الخط الطويل تَخْزِن البنزين لكي تمشي به سائر الخط ؟

هل معنى أن رمضان محطة أنه بمجرد إقبال ليلة العيد ننسى طاعة الله ، ونعود إلى التقصير الذي كنا نقصره قبل رمضان ؟
ففي سنن الترمذي وغيرها من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ورغم أنف امرئ دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له )) .
من معاني انسلاخ رمضان قبل أن يغفر له أن رمضان دخل عليه وخرج عنه ولم يؤثر فيه .
*رابعا : - ماذا لو كنت قد قصرتَ في رمضان ؟*

الكثيرون منا من يقصر في رمضان إما بالتشاغل عن الطاعة ، أو بالتكاسل وتأخير بعض الصلوات ،وإما بعدم اهتمامه بالقرآن في رمضان شهر القرآن ، أو باقتراف بعض المعاصي ، أو بغير ذلك من أنواع التقصير في رمضان ، ويستمر على هذه الحال من يوم إلى يوم حتى يتفاجأ بأن شهر رمضان قد انقضى ، فربما يندم على ما فرط في رمضان .

فلمثل هذا يقال له :
إذا أنت قد قصرت في رمضان فاندم على مافاتك فيه من الخير ، فالندم هو الطريق الأول للتوبة ثم اعقد النية بالتوبة من الآن ، وانْوِ من أعماق قلبك أن الله عز وجل لو مكنك من العمر إلى رمضان الآتي فلن تقصر فيه كما قد قصرت في رمضان الذي قد مضى ، فلعل التواب الرحيم أن ينظر إلى تأسُّفِ قلبك على ما فرطت فيتوب عليك ويوفقك فيما يستقبلك من قابل الأيام .

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه عموما بقول الله عز وجل : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك سيدنا ونبيِّنا وحبيبنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.


الدعاء

المراجع :
( 1 ) ( تفسير الطبري ) .
( 2 ) من وصايا الرسول لطه عفيفي المجلد الأول .
( 3 ) المستطرف في كل فن مستظرف .
( 4 ) لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي .
بالإضافة إلى القرآن الكريم وبعض كتب السنة النبوية كما أُشير إليه في موضعه .
خطبه بعنوان
مبطلات الأعمال
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ واَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
( يَاأَيُّهَا النَاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الذى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) .
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) .
أما بعد فان أصدقَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهدى هدى محمدٍ صـلى الله عليه وسلم وشرَ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ،
اما بعد:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57 - 61].
روى الترمذي في سننه من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قَالَتْ عَائِشَةُ: هُمُ الَّذِيْنَ يَشْرَبُوْنَ الْخَمْرَ، وَيَسْرِقُوْنَ؟ قَالَ: «لاَ يَا بِنْتَ الْصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِيْنَ يَصُوْمُوْنَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُوْنَ، وَهُمْ يَخَافُوْنَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يُسَارِعُوْنَ فِي الْخَيْرَاتِ» .
ولقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع اجتهادهم في الأعمال الصالحة، يخشون أن تحبط أعمالهم وألا تقبل منهم، لرسوخ علمهم وعميق إيمانهم، قَالَ أَبُوْ الْدَّرْدَاءِ: لأَنْ أَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّيْ رَكْعَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، لأَنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي ملَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاثِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقُوْلُ: إِنَّهُ عَلَى إِيْمَانِ جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ عليهما السلام.
ومبطلات الأعمال كثيرة، منها ما يبطل جميع الأعمال مثل الشرك والردة والنفاق الأكبر، ومنها ما يبطل العمل نفسه كالمن بالصدقة وغير ذلك، وسوف أقتصر على ذكر خمسة أمور وعسى أن يكون فيها تنبيه على ما سواها:
من مبطلات الاعمال:
الشرك: فإنّه محبط لجميع الأعمال، قال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
روى الترمذي في سننه من حديث أَبِيْ سَعْدِ بْنِ أَبِيْ فَضَالَةَ الأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: «إِذَا جَمَعَ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيْهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلهِ أَحَدٌ فَليَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ «.
ومن مبطلات الاعمال:
الرياء وهو على قسمين:
الأول: أن يقصد بعمله غير وجه الله، فهذا شرك أكبر محبط لجميع الأعمال، ويسميه بعض أهل العلم: شرك النية والإِرادة والقصد، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 - 16].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَهْلَ الرِّيَاءِ يُعْطَوْنَ بِحَسَنَاتِهِمْ فِيْ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لاَ يُظْلَمُوْنَ نَقِيرًا، يَقُوْلُ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا التِمَاسَ الدُّنْيَا صَوْمًا، أَوْ صَلاَةً، أَوْ تَهَجُّدًا بِاللَّيْلِ، لاَ يَعْمَلُهُ إِلاَّ التِمَاسَ الدُّنْيَا، يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: أُوَفِّيهِ الَّذِيْ التَمَسَ فِيْ الدُّنْيَا مِنَ المَثَابَةِ وَحَبِطَ عَمَلُهُ الَّذِيْ كَانَ يَعْمَلُهُ لالتِمَاسِ الدُّنْيَا وَهُوَ فِيْ الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيْنَ .
ومن مبطلات الاعمال:
القسم الثاني من الرياء: أن يعمل العمل يقصد به وجه الله ثم يطرأ عليه الرياء بعد الدخول فيه، فهذا شرك أصغر.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث مَحْمُوْدِ بْنِ لَبِيْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ» قَالُوْا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُوْلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوْا إِلَى الَّذِيْنَ كُنْتُمْ تُرَاؤُوْنَ فِيْ الدُّنْيَا، فَانْظُرُوْا هَل تَجِدُوْنَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟!» .
وروى ابن خزيمة في صحيحه من حديث محمود بن لبيد قال: خرج النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:» أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ: يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ» .
وقد يتهاون بعض الناس بهذا النوع بتسميته شركًا أصغر، وهو إنما سمي أصغر بالنسبة للشرك الأكبر، وإلا فهو أكبر من جميع الكبائر، ولذلك قال العلماء.
1 - إن الشرك الأصغر إذا دخل عملاً فسد ذلك العمل وحبط.
2 - إن الشرك الأصغر لا يغفر لصاحبه، وليس فاعله تحت المشيئة، كصاحب الكبيرة، بل يُعذب بقدره، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116].
فالواجب على المؤمن أن يحذر من الشرك بجميع أنواعه، وأن يخشى على نفسه منه، فقد خاف إبراهيم عليه السلام من الشرك وهو إمام الموحدين، فقال لربه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه السلام .
ومن مبطلات الاعمال:
المن والأذى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264].
وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى} [البقرة: 262].
قال الشاعر:
أَفْسَدتَ بالمَنِّ ماأَسْدَيت من حَسَنٍ ... ليسَ الكَرِيمُ إذ أسَدَى بمنان
روى مسلم في صحيحه من حديث أَبِيْ ذَرٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثٍ مَرَّاتٍ. قَالَ أَبُوْ ذَرٍّ: خَابُوْا وَخَسِرُوَا، مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: «المُسْبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ «.
ومن مبطلات الاعمال:
ترك صلاة العصر، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الوُسْطَى} [البقرة: 238].
روى البخاري في صحيحه من حديث بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ «
ومن مبطلات الاعمال: التألي على الله، روى أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده والبغوي في شرح السنة من حديث ضمضم بن جوس اليمامي قال: دخلت مسجد المدينة فناداني شيخ، فقال: يا يمامي تعال، وما أعرفه، فقال: لا تقولن لرجل: والله لا يغفر الله لك أبدًا، ولا يدخلك الله الجنة أبدًا، فقلت: ومن أنت - يرحمك الله -؟ قال: أبو هريرة، قال: فقلت: إن هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله إذا غضب أو لزوجته، قال: فإنِّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِيْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ مُتَحَابَّيْنِ، أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدٌ فِي العِبَادَةِ، وَالآخَرُ كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: مُذْنِبٌ، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَقْصِرْ أَقْصِرْ عَمَّا أَنْتَ فِيْهِ، قَالَ: فَيَقُوْلُ: خَلِّنِي وَرَبِّي، قَالَ: حَتَّى وَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيْنَا رَقِيْبًا، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ أَبَدًا، وَلاَ يُدْخِلُكَ اللهُ الجَنَّةَ أَبَدًا،
قَالَ: فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمَا مَلَكًا فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ فَقَالَ لِلمُذْنِبِ: ادْخُلِ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِيْ، وَقَالَ لِلآخَرِ: أَتَسْتَطِيْعُ أَنْ تَحْظُرَ عَلَى عَبْدِيَ رَحْمَتِي؟! فَقَالَ: لاَ يَا رَبِّ، قَالَ: اذْهَبُوْا بِهِ إِلَى النَّارِ» قَالَ أَبُوْ هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: وَالَّذِي نَفْسِيْ بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبةالثانية
الحمدلله رب العالمين ولي الصالحين ولاعدوان إلا على الظالمين واشهد ان لا إله إلاالله واشهد ان محمدا رسول الله
أما بعــد:
أيها المسلمون: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، وتوبوا إليه واستغفروه، واشكروه على آلائه، واستقيموا على طاعته في جميع الأزمان،
ومن مبطلات الاعمال: الردة
قال تعالى( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )البقرة (217)
وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )المائدة (54)
يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين، وأنه من يرتد عن دينه فلن يضر الله شيئا، وإنما يضر نفسه.
ومن مبطلات الاعمال :النفاق
قال تعالى:( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ )
التوبة (101)
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏}‏ أيضًا منافقون ‏{‏مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ‏}‏ أي‏:‏ تمرنوا عليه، واستمروا وازدادوا فيه طغيانا‏.‏
‏{‏لَا تَعْلَمُهُمْ‏}‏ بأعيانهم فتعاقبهم، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم، لما للّه في ذلك من الحكمة الباهرة‏.‏
‏{‏نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏ يحتمل أن التثنية على بابها، وأن عذابهم عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة‏.‏
ففي الدنيا ما ينالهم من الهم والحزن ، والكراهة لما يصيب المؤمنين من الفتح والنصر، وفي الآخرة عذاب النار وبئس القرار‏.‏
ويحتمل أن المراد سنغلظ عليهم العذاب، ونضاعفه عليهم ونكرره‏.‏
واعمال المنافقين لاتنفعهم يوم القيامة بسبب نفاقهم قال تعالى:
( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِره من قبله العذاب)
ومن مبطلات الاعمال :النفاق
قال تعالى:( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ )
التوبة (101)
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏}‏ أيضًا منافقون ‏{‏مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ‏}‏ أي‏:‏ تمرنوا عليه، واستمروا وازدادوا فيه طغيانا‏.‏
‏{‏لَا تَعْلَمُهُمْ‏}‏ بأعيانهم فتعاقبهم، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم، لما للّه في ذلك من الحكمة الباهرة‏.‏
‏{‏نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏ يحتمل أن التثنية على بابها، وأن عذابهم عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة‏.‏
ففي الدنيا ما ينالهم من الهم والحزن ، والكراهة لما يصيب المؤمنين من الفتح والنصر، وفي الآخرة عذاب النار وبئس القرار‏.‏
ويحتمل أن المراد سنغلظ عليهم العذاب، ونضاعفه عليهم ونكرره‏.‏
واعمال المنافقين لاتنفعهم يوم القيامة بسبب نفاقهم قال تعالى:
( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ )الحديد (13)
فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين، قالوا للمؤمنين: { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } أي: أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به، لننجو من العذاب، فـ { قِيلَ } لهم: { ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } أي: إن كان ذلك ممكنا، والحال أن ذلك غير ممكن، بل هو من المحالات، { فَضُرِبَ } بين المؤمنين والمنافقين { بِسُورٍ } أي: حائط منيع، وحصن حصين، { لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } وهو الذي يلي المؤمنين { وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } وهو الذي يلي المنافقين، فينادي المنافقون المؤمنين،( يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ )الحديد (14)
فيقولون لهم تضرعا وترحما: { أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ } في الدنيا نقول: { لا إله إلا الله } ونصلي ونصوم ونجاهد، ونعمل مثل عملكم؟ { قَالُوا بَلَى } كنتم معنا في الدنيا، وعملتم [في الظاهر] مثل عملنا، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين، من غير إيمان ولا نية [صادقة] صالحة، بل { فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ } أي: شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا، { وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ } الباطلة، حيث تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، وأنتم غير موقنين، { حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ } أي: حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة.
{ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره.فمبطلات الاعمال تذهب سدى قال تعالى:
( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا )
الفرقان (23){ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ } أي: أعمالهم التي رجوا أن تكون خيرا لهم وتعبوا فيها، { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } أي باطلا مضمحلا قد خسروه وحرموا أجره وعوقبوا عليه وذلك لفقده الإيمان وصدوره عن مكذب لله ورسله، فالعمل الذي يقبله الله، ما صدر عن المؤمن المخلص المصدق للرسل المتبع لهم فيه.
وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبي الرحمة والهدى كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] .اللهم صل على نبينا محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، !
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدِهِم سبل الرشاد يا أرحم الراحمين!
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 11 ذو القعدة 1443هـ الموافق 10 يونيو 2022 م
الخطبة الأولى :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ، وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له النور الهادي أضاء الوجود بنوره وهدى القلوب بقدرته خلق فسوى وقدر فهدى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) وأشهد أن محمد عبده ورسله من بعثه الله هاديا ومبشرا ونذيرا وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والاهتداء بهديه والاستضاءة بنوره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) أما بعد فإن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا هي نعمة الدين والإسلام والإيمان والقرآن تلك النعمة التي أنار الله بها الدروب وأحيا بها القلوب وفرج بها الكروب وأسعد بها النفوس قال تعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ذلك لأن مصدر هذا الدين من الله عز وجل الذي من أسمائه النور الهادي قال تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
والقرآن الذي أنزله لهداية العباد نور وهداية قال تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) وقال (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
والنبي صلى الله عليه وسلم حامل هذا القرآن والداعي إلى الحق والخير نور قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) ، وجميع الأنبياء يمثلون مصدر إشعاع للبشرية قد جاؤوا بالنور الذي يبدد الظلمات قال تعالى عن موسى عليه السلام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) وقال (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ)
والعبادات من صلاة وصيام وغيرها من مجالات التعبد نور للقلوب والنفوس والأرواح وصلاح للسلوك فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» رواه مسلم
وبالمقابل أيها المؤمنون الكرام فإن مناهج الكفر والفسق والضلالات والخرافات والجهالات والغوايات والمعاصي والأهواء كلها ظلمات وعمى وتيه وشقاء وبذلك وصفها العليم الحكيم (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، وقال (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) ، والمقارنة بين منهج الحق وطريق الباطل كالمقارنة بين الحياة والموت وبين الظلمات والنور وبين الظل والحرور قال تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ)
نعم إخوة الإسلام لقد امتن الله علينا بهذا الدين الذي أخرجنا به من الظلمات إلى النور ومن الكفر والضلال إلى الإيمان قال تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ، وبين بأن الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع الشرائع إخراج البشرية من ظلمات الأهواء والاستعباد والاستبداد والغواية إلى نور الدين وضياء العدل والحرية والكرامة قال تعالى (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، وقال (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ، وقال (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
أيها الإخوة المؤمنون إننا مدعوون ومطالبون شرعا بأن نشعل أنوار الهداية في كل جوانب حياتنا في أوضاعنا الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، في علاقة الآباء مع الأبناء ، وفي علاقة الجيران ، وفي علاقة الحاكم بالمحكوم ، وفي علاقة الرجل بالمرأة .
نضيء الحياة بالعلم والمعرفة تعلما وتعليما ونشرا وعملا ، نخدم كل العلوم النافعة الدينية والدنيوية لنمحو بذلك ظلمات الجهل والخرافة ولنقيم حياتنا وحضارتنا وعمراننا وصناعاتنا على نور العلم والمعرفة
إن العدل والحكم بما أنزل الله نور ، وتحكيم القوانين الوضعية والأعراف الجاهلية والتقاليد الخاطئة ظلمات وجور وخراب ودمار.
الأخوة والمحبة واجتماع القلوب ووحدة الصف نور ، والشقاق والنفاق والتنازع ظلمات وتيه وضعف وهزيمة . الاجتماع على طاعة الله وأداء الصلوات والتعاون على البر والتقوى والأعمال الصالحة نور والمعاصي وضياع الفرائض ظلمات .
والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نور على نور . والتخلي عن الجهاد والتكاسل عن ذلك معصية وغضب وخذلان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور . والإيمان بالله وتوحيده والإخلاص في عبادته نور والشرك بالله والكفر به والصد عن سبيله والنفاق ظلمات . وذكر الله نور والغفلة عن الله والإعراض عنه واتباع الهوى ظلمات. نشر الخرافة والدجل والكهنوت والكذب على الله ظلمات ، والظلم والبغي والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل ظلمات ، والفرقة والشقاق والقطيعة والتدابر والتعاون على الإثم والعدوان ظلمات.
الكفر والضلال والطاغوت الذي يتخذه أعداء الدين سواء أكان هذا الطاغوت دجالا أو مستبدا، أو شرعا باطلا وفي أي عصر كان ظلمات فمن اختار لنفسه طريق الجهل والضلال والعبودية وآثر حياة التبعية والفجور والبغي والظلم، فقد اختار أن يسلم زمام أمره لهؤلاء الدجالين والمستبدين والفجار يخرجونه من النور إلى الظلمات...
وإنها لظلمات متراكبة متعددة بعضها فوق بعض .( وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) .
ومن اختار طريق الإيمان والهداية والحرية والكرامة فقد سلك طريق النور والسلام وإنهم لعلى نور وهدى  فلهم البشرى(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو
الْأَلْبَابِ)
وكل من يدعو الناس إلى الإيمان والهدى والخير والحرية والمساواة لا يدعو لنفسه ليكون السيد المطاع والناس له عبيد أتباع ولو بلغ ما بلغ من المكانة والعلم والصلاح كما قال تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ، وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) فالأنبياء دعاة الحرية والكرامة، يدعون الناس ليخرجوهم من الظلمات إلى النور ،النور الذي يشرق على قلوبهم وعقولهم فيحررهم من الأغلال والآصار، إذا استجابوا للنبي الكريم وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، قال تعالى :( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه ...
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فلقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وسلف هذه الأمة مشروع إخراج البشرية من الظلمات إلى النور ومن العمى إلى الهدى ومن الجهل إلى العلم ومن الظلم والاستبداد إلى الحرية فتحرر الناس من سطوة الأنظمة الجائرة وسلطة الكنائس الضالة ولم تنعم البشرية في عصر من العصور مثلما نعمت في ظل الدولة الإسلامية التي بلغ سلطانها وأشرقت أنوارها من شرق الصين إلى جنوب فرنسا . وحين أهمل المسلمون هذا الواجب بعد ذلك وضعفوا عن حماية هذا الدين ونشر دعوته عادت الظلمات لتضرب اطنابها على العالم من جديد وطمع أعداء الحضارة الإسلامية في إطفاء شعلة الحق والهداية عبر الحملات الصليبية العسكرية والغزو الفكري المنظم ولكنهم خابوا وخسروا وسيظلون مهزومين على الدوام أمام نور الله وهداه الذي قضت إرادته أن يتمه وأن ينصره وصدق الله القائل (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
إن من أهم واجبات العلماء والدعاة اليوم والدول والهيئات الإسلامية أن تهتم بنشر هذا الدين والتربية على قيمه وبيان خصائصه وفضائله وأن يحملوا بجد واقتدار وثقة مسؤولية الإنقاذ لهذه البشرية الحائرة مما هي فيه من انحراف فكري وفساد أخلاقي وسلوكي ، لا سيما وقد تعددت وسائل الإعلام وسهل استخدامها وأصبح العالم غرفة صغيرة يسهل في طياتها النقاش والحوار
عباد الله إن من أكثر الفرق محاربة للدين والقرآن والإسلام محاولة إطفاء نوره وإخراج المسلمين من النور إلى الظلمات هي عصابة الحوثي الفارسية الإيرانية الحوثية الضالة المضلة يصدق عليهم قول الله (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ، ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) ، وهذه نماذج من ظلمات الحوثي التي يفرضها على أبنائنا قسرا بالتضليل والترهيب والإكراه ليخرجهم من نور القرآن الذي يتربون فيه على بر الوالدين والأقارب والأرحام إلى ظلمات الجهل والإرهاب الذي يقتل فيه الولد أباه وأمه وأخاه وأقاربه ولا يبالي وكم تكررت هذه الحوادث
ظلمات تعظيم سادتهم ورموزهم واعتقاد العصمة فيهم والتبرك بهم ، ظلمات محاربة القرآن والسنة ، ظلمات التمكين للعدوان الفارسي الغاشم في يمن الإيمان والحكمة ، ظلمات محاربة القرآن ومدارسه والمساجد وروادها ومنع عبادة الله في بيوت الله ، ظلمات تغيير مناهج التعليم وحشوها بالأفكار الطائفية المتطرفة ، ظلمات تدمير الاقتصاد وإفقار المجتمع ، ظلمات الظلم والعدوان ومصادرة بيوت المواطنين وممتلكاتهم ، ظلمات فرض الجبايات على الناس باسم الخمس أو دعم الجبهات أو غيرها ، الظلم ظلمات والاستبداد والقهر ظلمات ومصادرة حرية الناس ظلمات ومصادرة حق الشعب في انتخاب من يحكمه ومحاسبة من يقوم بأمره ظلمات ، إلغاء الشورى ظلمات ، ادعاء أن الحكم حق لهم بالوصية ظلمات ، القتل والخراب والدمار الذي أحدثوه في البلاد ظلمات ، تشريد وتهجير المجتمع اليمني من بيوتهم ليعيشوا تحت الخيام وفي العراء ظلمات
إن على العلماء والدعاة والمعلمين والمعلمات والآباء والأمهات أن يتحملوا مسؤولية حماية الجيل الحاضر من كل عوامل الفتك بهذا الجيل فكرا وسلوكا لا سيما وقد ارتفعت بعض أصوات  الإلحاد والكفر والمجاهرة بالفسوق والعصيان والتي تعمل جاهدة لتضل  الناس وتخرجهم من النور إلى الظلمات .
وهنا ننبه ونؤكد على الدور العظيم الذي يجب أن يقوم به الآباء والأمهات والمعلمون والمعلمات وأساتذة الجامعات في حفظ الهوية العربية الإسلامية لأبناء المسلمين عموما واليمنيين خصوصا ، والأجيال اليوم تتعرض لحملات مسخ وتغيير عقيدة وهوية تتولى كبره ووزره  جماعات الحوثي الإرهابية الإيرانية......
ونؤكد على أن من الواجبات الآنية دعم الجيش والأمن ماديا ومعنويا وبشريا والشد على أيديهم ليظلوا في يقظة دائمة وجاهزية عالية حتى لا يجد العدو منهم غفلة فينفذ منها ، ومن واجبنا الدفع بالأبناء للمراكز الصيفية لاستثمار أوقاتهم وحفظ أخلاقهم وتنمية قدراتهم ومواهبهم ، وإقامة الانشطة الأسرية التي تكمل دور المراكز الصيفية ، ومن واجبنا الدعم المالي لهذه المعركة في صورتها العسكرية والفكرية فنجاهد بأموالنا كما هو المعتاد في واجبنا الأسبوعي موقنين بنصر الله وتأييده ثم الدعاء والصلاة على النبي ... وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم.

خطبة: *ما تعرض له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من إساءات على مَرِّ التاريخ.* ذي القعدة/ 1443هـ.



جمع وإعداد منصور علي عبد السلام محمد وفقه الله وإياكم لصالح الأعمال وتقبل منه ومنكم.


الحمد لله ذي القُدرة القاهرةْ، والآياتِ الباهرةْ، والْآلَاءِ الظاهرةْ، والنِّعَمِ المُتَظَاهرةْ، حَمْدًا يُؤْذِنُ بمزيدِ نِعَمِهْ، ويكون حِصْنًا مانعًا مِن نِقَمِهْ، القائل سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} التوبة (61). والقائل سبحانه {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة (32).

وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، شهادةً أثقل بها عند الجزاء الميزان، يوم وقوفي بين يدي الله الملك الديان.

أنا مَنْ أنا؟

قريحُ القلبِ من وجَعِ الذنوبِ ... نحيلُ الجِسْمِ يشهَـقُ بالنحيبِ
أضَــــرَّ بجسمِهِ سَهَرُ الليالي ... فصارَ الجِسْمُ منْــهُ كالقضيبِ
وغيَّــرَ لونَهُ خَــــــوفٌ شديدٌ ... لِما يلقاهُ من طُـــولِ الكُـروبِ
ينادي بالتضــــــرُّعِ يا إلهي ... أقِلني عَثْرتي واسْتُر عُيُــوبي
فزِعتُ إلى الخلائِقِ مستغيثًا ... فلم أَرَ في الخلائقِ من مُجيبِ
وأنتَ تُجيبُ من يدعُوكَ ربِّي ... وتكشِفُ ضُرَّ عبدِكَ يا حبيبي
ودائي باطــــــنٌ ولَديْك طِبٌّ ... فمَــنْ لي مثلُ طِبِّك يا طَبيبي

وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وحبيبنا وخليلنا وشفيعنا وقدوتنا وأسوتنا محمدًا رسول الله الذي كان لظلامنا بإذن الله ضياء، ولأبصارنا جلاء، جاءنا على حين فتْرة من الرُّسلْ، وانْطِمَاسٍ من السُّبُلْ، فَجَلَى المُبْهَمَاتْ، وكَشَفَ الغَيَاهِبَ والظُّلماتْ، وجاء من عند ربِّهِ بكتابٍ مُعْجِزِ الآياتْ، واضحِ البيناتْ.

مُحَمَّــــدٌ صَفـــوَةُ البـــاري وَرَحمَتُهُ وَبُغيَةُ اللَهِ مِــن خَلـقٍ وَمِـــن نَسَــــمِ
وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ مَتى الوُرودُ وَجِبريـلُ الأَمينُ ظَمِي
فَــــاقَ البُــــــدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَمْ بِالخُلقِ والخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضَــــى لا تَمُرُّ بِهِمْ إِلّا عَلى صَنَـــمٍ قَـــد هـــامَ في صَنَمِ
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَــوراً مُسَخَّــــرَةٌ لِكُــــلِّ طــاغِيَــةٍ في الخَـــلقِ مُحتَكِمِ
اللهم فصلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وصَحابته الأخيار، والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

وصيتي لنفسي وإياكم يا عباد الله بتقوى الله، فاتقوا الله وخافوه وراقبوه، ولْنعلمْ جميعا علم يقين أننا جميعا بين يَدَيْ ربنا موقوفون، وعلى أعمالنا محاسبون، وعلى تفريطنا نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

اللهم ارْفَعْ حِجابَ الغَفلةِ عن قلوبِنا، وارْفَع الشُّرُودَ مِن أَذْهَانِنا، وارْفَع النُّعَاسَ وَقْتَ الخُطبةِ مِن أَعْيُنِنَا، واجعلنا جميعا مع الذكرى مِمَّنْ كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد:

أما بعد: فيا معاشر الإخوة المؤمنون:
موضوع خطبتنا في هذا اليوم المبارك حول ما تعرض له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من إساءات ومؤامرات على مَرِّ التاريخ، وكيف يعصمه ويحفظه الله منها؟

فإنَّ ما يتعرض له رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من إساءات من قِبَلِ عُبَّادِ الأوثان والأبقار والأرجاس والأنجاس ليس بجديدٍ كما يجري في هذه الأيام وغيرها، ولكنه قديمٌ بقِدَمِ الحقد الذي يسكن قلوب هؤلاء الكافرين على خير الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم.

إنَّ الله سبحانه وتعالى قال مخاطبًا نبيَّه وحبيبَه صلى الله عليه وسلم: { والله يعْصِمُك من الناس}، وقال: { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقال: { إنَّا كفيناكَ المُسْتَهْزِئين}.
وهذا من المعجزات.
فقد قال الإمام المفسر البغوي في قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}: أي: يكفيك شر اليهود والنصارى.. وقد كُفِيَ بإجلاء بني النظير وقتْل بني قريظة وضرْب الجزية على اليهود والنصارى، وهذا إخبار من الله عن الغيب فيكون معجزًا دالاً على صدقه حيث وقع طبق ما أخبر بأَنْ كفى الله نبيَّه من شرور الكائدين له.

فمن الأحداث والمكائد التي حِيكَتْ ضدَّ النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه:


*ما كان في مرحلة طفولته.*
وذلك عندما سافر النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في تجارة له إلى الشام، فلما كانوا في الطريق دعاهم بَحيرى الراهب. فلما عرَفَ الراهب بَحيرَى بأن محمداً هو النبي الذي يجدونه في كتابهم بنَعتِهِ وصفاته، التفت بَحيرَى إلى أبي طالبٍ وقال له: ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إلَى بَلَدِهِ، وَاحْذَرْ عَلَيْهِ يهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، أي: سيقتلونه، ثم قال له: فَإِنَّهُ كَائِنٌ لَابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ، فَأَسْرِعْ بِهِ إلَى بِلَادِهِ.
فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ سَرِيعًا حَتَّى أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشَّامِ.
ثم قال ابن هشام في سيرته: أنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وهم زُرَيْرٌ وَتَمَّامٌ وَدَرِيسٌ، ، قَدْ كَانُوا رَأَوْا من رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا رَآهُ بَحِيرَى فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرَادُوهُ فَرَدَّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَى، وَذَكَّرَهُمْ اللَّهَ، أي: خَوَّفهم بالله، وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِ النبيِّ وَصِفَتِهِ، وَأَنَّهُمْ إنْ أَجْمَعُوا لِمَا أَرَادُوا بِهِ لَمْ يَخْلُصُوا إلَيْهِ، أي: لن يقدروا عليه؛ لأنَّ الله سيحفظه منهم.
وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ بَحيرى حَتَّى عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ، وَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا عَنْهُ. (1).


ومن هذه المكائد التي كادها أعداؤه فحفظه الله وعصمه. *ما تعرَّض له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في مكة من تكذيب وإساءات* ومن شتمٍ وقذْفٍ له بأشنع ما يمتلكونه من سوء البضاعة، وفي النهاية توصلوا إلى المؤامرة الخسيسة الكبرى التي يقول الله عنها: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30).


ومن هذه المكائد التي كادها أعداؤه فحفظه الله وعصمه.

*ما كان سببَا لغزوة بني النظير.*

وذلك أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِكَ الْقَتِيلَيْنِ بحسب الاتفاقية التي جرَتْ بين المسلمين وبين اليهود بالتعاون فيما بين الطرفين إذا حدث حادثٌ على أيِّ طرفٍ فعلى الطرف الآخر أن يعين الطرف الأول.
فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم، قَالُوا نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، نُعِينُكَ عَلَى مَا أَحْبَبْتَ، مِمَّا اسْتَعَنْتَ بِنَا عَلَيْهِ. ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ، فَقَالُوا: إنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ، أي: أنهم رأوها فرصةً للغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم- وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ.
فقال اليهود لبعضهم البعض: مَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً، فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟
فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ، أَحَدُهُمْ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
ولكنَّ الله كشَف نيَّتَهم الخبيثة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ.
ثم أَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى انْتَهَوْا إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ مِنْ الْغَدْرِ بِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّهَيُّؤِ لِحَرْبِهِمْ، وَالسَّيْرِ إلَيْهِمْ.

ومن هذه المكائد التي كادها أعداؤه فحفظه الله وعصمه.

*تعرضه للسُّم في الطعام.*

وذلك في شهر المحرم من السنة السابعة من الهجرة" .. أَرْسَلَتْ إحدى اليهوديات واسْمُها زينب بنت الحارث ذراعَ شاةٍ مشْويةٍ إلى النّبي صلى الله عليه وسلم ووضعتْ فيها السمَّ فلما وضَعَتْهُ بين يَدَيِ النبي صلى الله عليه وسلم أكَلَ لقمة ثمّ لَفَظَها "أي أخرجها"، وقال: "إنَّ هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة" .. وكان معه بِشْرُ بن البراء .. فأكل بِشْرٌ من اللحم قبل أن يخبر النبي عليه الصلاة والسلام بوجود السم، فمات بِشْرٌ متأثراً بالسم.
2024/09/22 15:27:16
Back to Top
HTML Embed Code: