Telegram Web Link
هُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103].

أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شح أنفسنا، إنه سميع مجيب.

أقول ما تسمعون....




الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين؛ أنعم على عباده بهذا الدين العظيم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس:99] نحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وجِدُّوا فيما بقي من شهركم المبارك؛ فعن قريب يفارقكم بما استودعتم فيه من أعمالكم؛ لتجدوا ذلك أمامكم بعد موتكم (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ) [آل عمران:30].

أيها الناس: اعتاد كثير من المسلمين إخراج زكاتهم في رمضان؛ تحريا لفضيلة الشهر، وفضيلة التلبس بالصيام؛ رجاءَ أن يقبلَ اللهُ تعالى زكواتهم، ولكن كثيرا منهم لا يُوفقون في إيصال الزكاة لمستحقيها بسبب التفريط أو الجهل.

وفي المسلمين عشرات الألوف من الأثرياء، وفيهم ملايين الفقراء، ولو ردَّ الأغنياء زكاة أموالهم على المستحقين لما بقي في المسلمين فقير، ولكن بعض الأثرياء يُقصرِّون في إخراج زكاتهم، فلا يخرجونها كلية، أو يخرجون بعضها؛ استعظاما لها، ولم يستعظموا أموالهم، وما الزكاة منها إلا جزءًا واحدا من أربعين جزءًا (قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس:17].

وكثير من الأثرياء يخرجون زكاتهم ولكنها لا تقع في أيدي مستحقيها؛ وذلك لأن كثيرا من الأغنياء قد اعتادوا صرف زكواتهم منذ سنوات لأُسَرٍ كانت محتاجة لفقرها أو فقد عائلها، ولكن الله تعالى قد فتح عليهم أبواب رزقه، فعمل أبناؤهم وبناتهم، وسُدَّت حاجاتهم، وهم لا زالوا يتقبلون الزكاة؛ جهلا بأنهم لا يستحقونها، أو ظنا أنها هبة أو هدية ممن يعطيهم إياها، أو جشعا وطمعا.

وبعض الأغنياء يدفعون زكاتهم إلى أقرب سائل، ولا يتحرون فيها أهلها الذين اختصهم الله تعالى بها، وسبب ذلك الثقة المفرطة، وإتقان كثير من المتسولين صنعتهم، باصطناعِ الفقر والحاجة، وتَقَمُّصِ أحوالِ ذوي العاهات والأمراض، مع فصاحةِ لسانٍ في اختلاق الأكاذيب، وإنشاء القصص التي يُحركون بها قلوب الناس، ويستدرون بها عواطفهم، وبعضهم قد يكون محتاجا في البداية، ولكنه اعتاد على السؤال، ووجد أن هذا الباب أسهل الأبواب للكسب والارتزاق.

وبكل حال فإن من يسألون سيجدون من يعطيهم، فينبغي للمسلم أن لا يحفلَ بهم كثيرا، ولا يغامرَ بزكاته في أيديهم وهو لا يتيقنُ صدقهم، والنبي عليه الصلاة والسلام قد أرشدنا في هذه المسألة فقال عليه الصلاة والسلام: "ليس الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ولا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ إنما الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ، اقرؤوا إن شِئْتُمْ :لَا يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافًا" رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومن كان وصيا على الزكاة فيجب عليه أن يتحرى فيها أهلها، ويجتهد في ذلك، ولا يجامل أحدا فيها لقرابة أو زمالة أو معرفة أو غير ذلك؛ لأن الأغنياء ما وكَّلوه بصدقاتهم إلا لثقتهم فيه، فيجب أن يردعه دينه عن تحمل ذلك وهو ليس بأهل له؛ لقلة معرفته، أو كثرة مشاغله، فإن تحملَّه فليكن على قدر المسؤولية فيه، ولا يفرط في حق الفقراء، فيحرمهم منه، ويدفعه إلى غيرهم.

قال نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام : "اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ) رواه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه وقال: حديث حسن صحيح.

وصلوا وسلموا على نبيكم.
🎤
خطبة.عيد.الفطر.المبارك.cc
وكان حـــقا عليـنا نصـــر المؤمنـين
للــدكتــــور/ احــــمـــــــد فـــــريـــــــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أهداف وعناصر الخطبة :
1- بيان نعم الله تعالى ووجوب شكرها.
2- توجيهات ووصايا تتعلق بالعيد.
3- توديع رمضان.
4- وعد الله المؤمنين بالنصر.
5- من أنواع النصر: نصر العز والتمكين - قهر الأعداء - انتصار العقيدة والإيمان - الثبات على الدين - نصر الحجة والبيان.
6- انتصار المسلمون على الروم وعلى اليهود.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أما بعد: قال الله - عز وجل -: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

فالله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ما صام المسلمون شهر رمضان، الله أكبر ما أحيوا ليله بالقيام، الله أكبر ما أخرجوا زكاة فطرهم طيبة بها نفوسهم، الله أكبر ما اجتمعوا في عيد الفطر يشكرون الله على ما هداهم للإسلام.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

ويا شهر رمضان غير مودع ودّعناك، وغير مقليّ فارقناك، كان نهارك صدقة وصياماً، وليلك قراءة وقياماً، فعليك منا تحية وسلاماً.

سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضى وزمان
لئن فنيت أيامك الغر بغتة
فما الحزن من قلبي عليك بفان

عباد الله:
وعد الله - عز وجل - المؤمنين بالنصر فقال عز وجل: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وهذا النصر - عباد الله - ليس مقصوراً على نصر التمكين ولكن النصر له صور مختلفة، فلا بد للمؤمنين من نوع من أنواع هذا النصر.

فمن أنواع النصر الذي وعد الله به المؤمنين: نصر العزة، والتمكين في الأرض، وجعل الدولة للإسلام، والجولة للإسلام، كما نصر الله - عز وجل - داود وسليمان - عليهما السلام -، قال تعالى: ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 251] وقال عز وجل: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) [الأنبياء: 79]. فجمع الله - عز وجل - لهذين النبيين الكريمين بين النبوة والحكم والملك العظيم، وكما نصر الله - عز وجل - نبيه محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم-، فما فارق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الدنيا حتى أقرّ الله - عز وجل - عينه بالنصر المبين، والعز والتمكين، بل جعل الله - عز وجل - النصر ودخول الناس في دين الله أفواجاً علامة قرب أجل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]، فما فارق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الدنيا حتى حكم الإسلام جزيرة العرب، ثم فتح تلامذته من بعده البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حتى استنار أكثر المعروف من الأرض بدعوة الإسلام، وسالت دماء الصحابة في الأقطار والأمصار، يرفعون راية الإسلام، وينشرون دين النبي - عليه الصلاة والسلام -، حتى وقف عقبة بن عامر على شاطئ الأطلنطي وقال: "والله يا بحر لو أعلم أن وراءك أرضا تفتح في سبيل الله لخضتك بفرسي هذا" وما كان يعلم أن وراءه الأمريكتين. وهذا الخليفة المسلم هارون الرشيد نظر إلى السحابة في السماء وقال لها: "أمطري حيث تشائين فسوف يأتيني خراجك".

انتصر الإسلام - عباد الله - لما وجد الرجال الذين يقومون به ويضحون من أجله، والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173]، فإذا كنا جنداً لله - عز وجل - فلا بد أن ينصرنا الله - عز وجل.

ومن أنواع النصر كذلك - عباد الله -: أن يهلك الله - عز وجل - الكافرين والمكذبين، وينجي رسله وعباده المؤمنين. قال - عز وجل - حاكياً عن نوح -عليه السلام-: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 10 - 15]، وكما نصر الله - عز وجل - هوداً وصالحاً ولوطاً وشعيباً -عليهم الصلاة والسلام-، أهلك الله - عز وجل - الكافرين والمكذبين، وأنجى رسله وعباده المؤمنين.

النوع الثالث - عباد الله - من النصر: وهو نصر العقيدة والإيمان، وهو أن يثبت المؤمنون على إيمانهم، وأن يضحوا بأبدانهم حماية لأديانهم، وأن يؤثروا أن تخرج أرواحهم ولا يخرج الإيمان من قلوبهم، فهذا نصر للعقيدة ونصر للإيمان، ألم تعلموا - عباد الله - خبر الغلام في قصة أصحاب الأخدود، حين عجز الملك عن قتله فقال له: إن
ك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به – وانظر إلى عزة الإسلام وهو يقول للملك: "ما آمرك به" - قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك، قد آمن الناس.

فانظروا - عباد الله - كيف ضحى بحياته من أجل الدعوة، فعلى الدعاة إلى الله - عز وجل - أن لا يبخلوا بشيء في سبيل نشر دعوتهم، ولو أنفقوا حياتهم ثمناً لإيمان الناس، فقد مضى الغلام إلى ربه، إلى رحمته وجنته، وآمن الناس بدعوته، عند ذلك أمر الملك بحفر الأخاديد في أفواه السكك وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم.

ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق. وسجل الله - عز وجل - لنا في كتابه الخالد خاتمة القصة، وعاقبة الفريقين في الآخرة فقال عز وجل: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 4 - 11].

قافلة الإيمان تسير يتقدمها الأنبياء الكرام والصديقون والشهداء، ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23] ما جفت الأرض من دماء الشهداء في عصر من العصور.

وهذا كاتب إسلامي بذل حياته كلها من أجل أن يبين أن الحكم من أمور العقيدة، والتحاكم إلى غير شرع الله، والحكم بغير حكمه كفر بالله - عز وجل -: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف: 40]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

وبعد أن حكم عليه بالإعدام، وقبل أن ينفذ فيه الحكم الظالم، كتب هذه الأبيات، وكتب الله - عز وجل - لها الحياة، وخرجت من خلف القضبان.

أخي أنت حر وراء السدود
أخي أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما
فماذا يضيرك كيد العبيد
أخي ستبيد جيوش الظلام
ويشرق في الكون فجر جديد
أخي إن نمت نلق أحبابنا
فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا
فطوبى لنا في ديار الخلود
أخي إن ذرفت علي الدموع
وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع
وسيروا بها نحو مجد تليد

فرحمة الله على صاحب الظلال.

نوع رابع - عباد الله - من أنواع انتصار المؤمنين: وهو أن يحمي الله - عز وجل - عباده المؤمنين من كيد الكافرين، كما قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]، وكما قال عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]. وجاء في السيرة المباركة كيف عصمه الله - عز وجل - من الرجل الذي رفع عليه السيف وقال: من يعصمك مني؟ فقال: "الله" فارتجف الرجل وسقط السيف من يده، وقصة الشاة المسمومة التي أنطقها الله - عز وجل - وأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها مسمومة، وقصة إجلاء بني النضير، ونزول جبريل وميكائيل يوم أحد يدافعان عن شخص النبي.

هل سمعتم - عباد الله - عن يوم الرجيع، هل تعرفون - عباد الله - عاصم بن ثابت؟، بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية وأمر عليهم عاصم بن ثابت - وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه - فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهي إلى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد - أي مكان مرتفع - وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق، إن نزلتم إلينا لا نقتل منكم رجلاً. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر ب
النبل، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء.

وكان عاصم بن ثابت قد عاهد الله أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً، فكان عمر يقول لما بلغه خبره: "يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته".

فكان عاصم - رضي الله عنه - مدافعاً أول النهار عن دين الله، ودافع الله - عز وجل - عن جسده آخر النهار، فلم يمسه مشرك، فإن قال قائل: لماذا لم يمنعهم الله - عز وجل - من قتله كما منعهم من الوصول إلى جسده بعد مقتله؟ فالجواب: إن الله - عز وجل - يحب أن يرى صدق الصادقين، يحب أن يرى عباده المؤمنين وهم يبذلون أنفسهم لله - عز وجل - فينزلهم الله - عز وجل - منازل الكرامة، ويزيدهم من فضله، فالله - عز وجل - أراد أن يشرفه بدرجة الشهادة فلم يمنعهم من قتله، ثم حمى الله - عز وجل - جسده من أن يمسه مشرك.

نوع خامس: من النصر الذي ينصر الله - عز وجل - به عباده المؤمنين وهو نصر الحجة كما قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾ [الأنعام: 83]، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

فهذا الظهور أدناه أنه ظهور حجة وبيان، وقد يكون معه ظهور السلطان فهذه أنواع من النصر تدخل في وعد الله - عز وجل -: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، ولكن النصر الذي بشرنا الله - عز وجل - به، وبشرنا به رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو النصر الأول، وهو نصر التمكين والظهور قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها". وأتت الأحاديث الصحيحة بأن المسلمين لهم لقاء حتمي مع الروم وهم النصارى.

عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق -والأعماق ودابق موضعان بالشام قرب حلب- فيخرج إليهم جيش بالمدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلوهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية". وعن يسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا: يا عبد الله بن مسعود: جاءت الساعة، قال: فقعد وكان متكئا فقال: "إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفئ هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا، فيفئ هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتتلون مقتلة، إما قال: لا يرى مثلها وإما قال: لم ير مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخرّ ميتاً، فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقاسم".

كما أتت الأحاديث الصحيحة كذلك بأن المسلمين سوف يقاتلون اليهود. عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"، وقوله: "يا مسلم" يدل على أن المسلمين في هذا الوقت يعملون بدين الله، لا ينتسبون إلى الإسلام ظلماً وزوراً.

فنصر الله - عز وجل - قادم، ودولة الإسلام قادمة، وجولة الإسلام آتية، رغم أنف المنافقين والعلمانيين والكافرين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين وأعلى راية الحق والدين.

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فرد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

اللهم أبرم لهذه الأمة أ
مر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

وصلى اللهم وسلم وبارك على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
وداعــــــــــــاً رمـــضـــــــــــــــــان
للشيخ/ عبدالرحمــن السـديس
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الاستمرار على العبادة حتى الموت

الحمد لله الذي أتم إحسانه على عباده المؤمنين، وأفاض من رحماته على المذنبين، أحمده سبحانه وأشكره على جوده وفضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخِرين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:
أيها المسلمون: اتقوا لله ربكم، وأطيعوه في سركم وعلنكم، وراقبوه في جميع زمنكم، واشكروه أن وفقكم لإكمال شهر الصيام، فلقد مضى وانقضى، وهو شاهد للمحسنين بإحسانهم، وعلى العاصين بعصيانهم، اللهم اجعله شاهداً لنا وشفيعاً، ولا تجعله حجة علينا يا رب العالمين!

عباد الله: ودَّع المسلمون شهر رمضان المبارك، بعد أن صاموا نهاره، وقاموا ما تيسر من ليله، وأقبلوا على تلاوة كتاب الله، ولازموا فعل الخيرات، وعمل الصالحات قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30] .

إنه إنْ ودَّع المسلمون أيامَ هذا الشهر الكريم، فينبغي ألا يودِّعوا ما أودَعوا فيه من الأعمال الصالحة؛ وذلك يكون باستشعار آثار الصيام على الفرد وعلى الأمة.

فالتقوى! تلكم الكلمة الجامعة التي ختم الله بها آية الأمر بالصيام، يجب ألا يُغفَل عنها بعد انقضاء شهر الصيام، وأن تبقى شعاراً لأعمال الأفراد والأمم، إن ما يعطيه الصيام من دروس في الصبر والتضحية والوحدة والمواساة، والتضامن والإخاء والألفة والمودة، والعطف وغيرها، يجب أن يستمر عليها المسلمون، وأن تُرى متمثلةً في حياة الأمة الإسلامية، وما تدنَّى واقعُ الأمة إلا لَمَّا جعلت للطاعة وقتاً وللمعصية أوقاتاً، وللخير والفضيلة زمناً، وللشر والرذيلة أزماناً، عند ذاك -يا عباد الله- لم تعمل مناسبات الخير ومواسم الرحمة والبر عملها في قلوب الناس، ولم تُجْدِ في حل مشكلات الأمة، والإصلاح من حالها، والرفع من مستواها.

إخوة الإسلام: إن استقامة المسلم على عبادة الله ليس لها غاية إلا الموت، فلا تخصَّص بزمان ولا مكان، ولا مرحلة من العُمُر، قال الحسن البصري رحمه الله: لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت، ثم قرأ قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] .

فاحذروا -إخوة الإسلام- الرجوع إلى المعاصي بعد رمضان، فالإله الذي يُصام له ويُعبَد في رمضان هو الإله في جميع الأزمان، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فإذا انسلخ هجروا المساجد، واعتزلوا المصاحف، وأعرضوا عن طاعة الله عزَّ وجلَّ، وأقبلوا على معاصيه.

أيها المسلمون: اتقوا الله ولا تهدموا ما بنيتم في شهر رمضان من الأعمال الصالحة، فإن من علامة قبول الحسنة: إتباعها بالحسنة، ومن أمارات ردها: إتباعها بالسيئة.

عداوة الشيطان
واعلموا -عباد الله- أن عدوكم الشيطان كان مصفداً مهاناً في شهر رمضان، لا يخلُص إلى ما كان يخلُص إليه من قبل، واليوم وقد رحل رمضان، وأُطْلِق سراح هذا العدو، فإنه يصدُّكم عن طاعة ربكم، ويفتنُكم عن دينكم، ويفسدُ ما صلح من أحوالكم، ولقد أخذ بثأره -أعاذنا الله منه- فأغوى أقواماً وأضلهم عن الصراط المستقيم، فأضاعوا بعد رمضان الجُمَع والجماعات، وهجروا كتاب الله، وشغلوا أوقاتهم بالشر والرذيلة في تجمعات فاتنة، وسهرات ماجنة، وأسفار مريبة إلى بقاع لا تؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.

فاحذروا -عباد الله- عدوَّكم وأعوانَه من شياطين الجن والإنس، وجاهدوه وقاوموه في السَّنَة كلها، بل في العُمُر كله.

صيام ست من شوال
أيها المسلمون: إن من نعم الله على عباده أن والى عليهم العبادات، وتابعَ عليهم الطاعات من الفرائض والنوافل، فإن انتهى صوم الفريضة بشهر رمضان فصوم التطوع بابه مفتوح ومجاله واسع.

ومما يخص هذا الشهر: صيام ستة أيام بعده، فقد جاء في السنة بترغيب الناس في ذلك، وبيان الثواب العظيم فيه، قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ) أخرجه الإمام مسلم وغيره عن أبي أيوب رضي الله عنه.

وذلك لأن صيام شهر رمضان عن صيام عشرة شهور في الأجر، وصيام ستة أيام من شوال عن صيام شهرين، فبذلك يحصل لمن صامها أجر صيام الدهر كله، ولا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها في الشهر، ولا بأس أن يصوم سنة ويترك أخرى، فالأمر لا يعدو كونه سُنَّة.

أيها المسلمون: لا تفوتوا على أنفسكم هذه الفضيلة، فلا يدري أحدُنا هل يدركه عام آخر أو لا، وكلنا بحاجة ماسة إلى سد ما نقص من صيامنا بصيام التطوع.

اللهم وفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وبارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وقنا برحمتك عذاب الجحيم، وثبتنا على الصراط المستقيم.

أقول قو
لي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
دعوة إلى ترك المعاصي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

أما بعــد:
أيها المسلمون: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، وتوبوا إليه واستغفروه، واشكروه على آلائه، واستقيموا على طاعته في جميع الأزمان، وتذكروا -رحمكم الله- بانقضاءِ شهرِ رمضان، ومرورِ الليالي والأيامِ بلوغَ آجالِكم، وتصرُّمَ أعمارِكم، وقدومَكم على ربِّكم يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:39-40] .

فاتقوا الله أيها المسلمون! واتقوا الله يا من عزمتم على المعاصي بعد رمضان، فربُّ الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب ولها مشاهد، وإن العودة إلى ارتكاب المحرمات وترك الواجبات بعد رمضان جحود بنعمة الله سبحانه؛ حيث وفق للطاعة، وإكمال عدة الصيام، ومَن عَزَمَ على العودة إلى المعاصي فذلك دليل على ضعف الإيمان، وأمارة على رد عمله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] .

واعلموا -عباد الله- أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبي الرحمة والهدى كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] .

اللهم صلِّ وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واستعمل على المسلمين في كل زمان ومكان خيارهم، يا أرحم الراحمين!

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدِهِم سبل الرشاد، يا أرحم الراحمين!

اللهم جنبهم الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُذَل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا رب العالمين!

اللهم أيد بالحق إمامنا، اللهم أعزه بالإسلام، اللهم اجعل عمله في رضاك يا أرحم الراحمين!

اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير إذا ذكر وتعينه عليه، وتحذره من الشر، يا أرحم الراحمين!

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم.

اللهم وفق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى العودة السابقة إلى دينك القويم، يا رب العالمين!

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكـروا الله يذكركـم، واشكـروه على نعمـه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

============================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
ليــلة القـــــدر وزكـــاة الفطـــر
للشيخ/ عبــدالعــزيـز آل الشيـخ
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- وجوب شكر الله تعالى على التوفيق للعمل الصالح. 2- ضرورة الخشية من زوال هذه النعمة. 3- فضل السبع البواقي من رمضان. 4- فضل ليلة القدر. 5- الحث على التوبة والرجوع إلى الله تعالى. 6- زكاة الفطر.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أما بعد: فيا أيها الناس
اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله، إن المؤمن إذا وُفِّق لعملٍ صالح فعَمِله يتأكّد في حقِّه أن يستشعرَ فضلَ الله عليه، وكرمَ الله وجودَه عليه، إذ هداه ووفَّقه لأن عمِل هذا العملَ الصالح، ولولا توفيقُ الله لك ـ أيها المسلم ـ ما عملتَ خيرًا، وتذكَّر آيتين في كتاب الله:
يقول الله جل وعلا: وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإيمَـٰنَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلرشِدُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً [الحجرات:7، 8]، إذًا فهذا العملُ الصالح الذي شرح الله صدرَك فقبِلت هذا الحق، وعملتَ بهذا الخير، واستقمتَ على الهدى فضلاً ونعمة من الله عليك، فاحمدِ الله على فضله ونعمته.

ثم تذكَّر قول الله جل وعلا: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَـٰمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَـٰنِ إِنُ كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ [الحجرات:17]، فالمنة من الله علينا، والفضلُ من الله علينا، فلربنا الفضلُ وله الثناء الحسن، لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما أثنى عليه عباده.
ثم تذكَّر قولَ الله تعالى: وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:83].

أيها المسلم، شرح الله صدرَك للإسلام، فقبلتَ الإسلام، وعملتَ بأركان الإسلام، فتصوَّر عظيمَ هذه النعمة، وأنها نعمةٌ كبرى ومنة عظمى، لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ [آل عمران:164].

وقارِن بين حالِ من هداه الله وشرحَ صدره لقبول الحق، وحالِ من أزاغ الله قلبَه، وحالَ بينه ويبن الهدى، فلم يقبل هدَى الله الذي بعث به نبيَّه ، كرِه قلبُه الحقَّ، واستثقلته نفسُه، وضاق به صدرُه، فلم يقبل الحقَّ ولم يعمل به ولم يُرده، بل كان موقفُه الإعراضَ والتكذيب والصدودَ والعياذ بالله، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَٱلأنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ[الأعراف:179].

إذًا فليكن ديدنك دائمًا ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ [الأعراف:43]، أجل لولا هدايةُ الله لضللتَ، ولولا توفيق الله لك لهلكتَ، ولولا عونُ الله لك لتسلّط عليك الشيطان، فصدَّك عن طريق الله المستقيم.
أخي المسلم، ثم إ ذا عرفتَ ذلك، فينبغي أيضًا أمور، أولاً أن تخافَ على هذه النعمة، وأن تخشى عليها أن يعرضَ لها ما يسلبُها منك، فكن خائفًا على دينك، خائفًا على أعمالك الصالحة أن تُؤتى من قبل نفسك، عُجبٌ بعلمك، غرورٌ وتكبّر بعملك، وإدلال على الله، وهذه من أسباب الهلكة والعياذ بالله.

ثم تذكَّر قولَ الله لنبيّه: وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ [الإسراء:74، 75]، وقوله له: وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء [النساء:113].

أخي المسلم، ثم اعلم أنَّ سلفنا الصالحَ أئمةَ العلم والهدى إذا وُفِّقوا للأعمال الصالحة، فعملوها إخلاصًا ومتابعة، فإنهم لا يأمنون على أنفسهم، لا ـ والله ـ سوءَ ظنٍّ بربّهم، حاشا وكلا، فهم على ثقةٍ من ربهم، أنَّ الله لا يضيع عملَ العاملين، فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ [آل عمران:195]، لكن يخشون أن يؤتَوا من قبَل أنفسهم، من ضعفٍ في الإخلاص، وعدم مبالاة بالعمل، ولذا قال الله في حقِّهم: وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ [المؤمنون:60] .

أحسَنوا العملَ، وأخلصوا في العمل، ثم خافوا على هذا العمل أن يأتيَه ما يكدِّر صفوَه، أو ينزعه والعياذ بالله، في حديث ابن مسعود: ((إن أحدَكم ليعمل بعمل أهل
الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبِق عليه الكتاب، فيعملُ بعمل أهل النّار فيدخلها، وإن أحدَكم ليعمل بعمَل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينَه إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))[1]، فالأعمال بالخواتيم، فسلوا الله خاتمةً حميدة، سلوه التوفيقَ والهداية، سلوه الثباتَ على الحق والاستقامةَ على الطريق المستقيم. قلوبنا ـ معشر العباد ـ بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبُها كيف شاء، إذا أراد أن يقلّب قلبَ عبد قلبه، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ [آل عمران:8].

معشر المسلمين، هذه الجمعة الرابعة من شهر رمضان، هذه الليالي والأيام المباركة، هذه السبع البواقي من شهر رمضان، هذه الليالي يُرجى أن يكونَ في ظلِّ لياليها ليلة القدر، تلك الليلةُ التي عظَّم الله شأنَها، ورفع ذكرَها، ونوَّه بها في كتابه العزيز، تلك الليلةُ العظيمة التي جعل الله العملَ الصالحَ فيها خيرًا من العمل في ألفِ شهرٍ سواها ليس فيها ليلةُ القدر، هذه الليلةُ المباركة التي رفع الله ذكرَها وشرَّفها وعظَّمها، وجعلها ليلةَ تقديرٍ للآجال والأرزاق والأعمال، حكمةً من الربّ، وربُّك حكيم عليم.

بيَّن الله فضلَها في موضعين من كتابه العزيز فقال جل جلاله: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [الدخان:3-6].

إنها ليلةٌ مباركة، وأعظمُ بركتِها على الأمة ابتداءُ نزول هذا القرآن العظيم الذي أنزله الله في ليلة القدر في شهر رمضان، شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ [البقرة:185].

إنها ليلةٌ يُعطى فيها الملائكةُ الموكَّلون بأمر العباد ما سيكون في مثلها إلى العام القادم، يعطَون عن أمِّ الكتاب ما سيكون من الأرزاق والآجال، من الأمور التي قدَّرها الله وقضاها على كمال حكمته ورحمته وعلمه وعدله، وربك حكيم عليم.

إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ[سورة القدر].

تنزَّل الملائكةُ وهم عبادٌ مكرَمون مطيعون لربهم، لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:27]، يُسَبّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، ينزِلون إلى الأرض، وإنما ينزلون بالخير والرحمة والبركة، وإمامُهم جبريل عليه السلام، وهذه الليلة ليلةُ سلامٍ لكثرة ما يُعتِق الله فيها من النار، وكثرةِ ما تنال هذه الأمةُ من بركاتِ هذه الليلة وفضائلها.

نبينا اعتكفَ العشرَ الوسطى من رمضان، فلما أُخبر أنَّها في العشر الأخيرة اعتكف العشر الأخيرة من رمضان تحريًا والتماسًا لهذه الليلة[2].

هي ليلة عظيمةٌ مباركة، ذاتُ شرف وفضلٍ وقيمة عظيمة، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه، من حُرم خيرَ هذه الليلة فقد حُرم الخيرَ الكثير.

أيها المسلمون، ليالي بقيَّة هذا الشهر ليالٍ مباركة، ليالٍ فيها إجابةُ الدعاء، ليالٍ فيها الخير الكثير، ليالٍ مباركة.

فيا أيها المسلم، إياك أن تفوتك تلك الفضائل، ارفع أكفّ الضراعة لربِّك، فربّك حكيم عليم، وربّك غفور رحيم، مهما بلغت ذنوبُنا، مهما كثُرت أوزارنا، مهما تعدَّد خطؤنا، مهما انغمسنا فيما انغسمنا من الإجرام، إلا أن ربَّنا غفور رحيم، إلا أن ربَّنا توابٌ لمن تاب إليه، إلا أن ربَّنا من كمال جودِه وفضله يحبّ من عباده أن يتوبوا إليه، يحبّ منهم أن يُقبلوا إليه، يحبّ منهم أن يستغفِروه، يحبُّ منهم أن يعتذروا من خطئهم وزللهم، وربك أرحم الراحمين. ((كتب في كتاب موضوعٍ عند العرش: إنَّ رحمتي سبقَت غضبي))[3]، يدعوكم لأن تسألوه، فتح بابَه للسائلين، وتعرَّف بكمال جودِه للطالبين، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].

سلُوا الله العفوَ والعافية، سلوا اللهَ الثباتَ على الحق، سلوا اللهَ الاستقامةَ على الأعمال الصالحة، سلوا اللهَ لآبائكم وأمهاتِكم المغفرةَ والرضوان، سلوا اللهَ لذرياتكم الصلاحَ والهداية، سلوا الله لمجتمعكم التوفيقَ والسداد، ولولاتِكم العونَ والتأييد على كل خير، سلوا اللهَ أن يحفظَ عليكم إسلامَكم، ويح
غالب [أنه] لا يستطيع، ولا ينبغي للناس التهاونُ بهذه الشعيرة، بل ينبغي إيصالُها لمستحقيها قبل صلاة العيد اتباعًا لسنة نبينا ، ولا بدَّ أن يقبضَها الفقير بيده، أو يضعَ وكيلاً عنه ليستلمَها من الغني، هذه هي السنَّة، ويُخرج الإنسان عن نفسه وعمَّن يلزمه أن ينفقَ عليه، هذه سنَّة رسول الله .

أسأل الله لي ولكم قبولَ العمل،
والتوفيقَ لما يحبّه ويرضاه.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على محمد ، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...


[1] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503)، ومسلم في الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (984) بنحوه.
[2] رواه الشافعي في الأم: كتاب الزكاة، باب الفطر (4/228)، والدارقطني في السنن، كتاب زكاة الفطر (2/141)، والبيهقي في الكبرى: كتاب الزكاة، باب: إخراج الزكاة عن نفسه وغيره (4/161) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه، قال الدارقطني: "رفعه القاسم، وليس بالقوي، والصواب موقوف"، وقال البيهقي: "إسناده غير قوي"، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/184): "فيه ضعف وإرسال"، وضعفه الصنعاني في السبل (2/138).
[3] رواه ابن أبي شيبة: كتاب الزكاة، باب: في صدقة الفطر عما في البطن (2/432) والإمام أحمد في المسائل رواية ابنه عبد الله (644)، وفيه انقطاع؛ لذا ضعفه الألباني في الإرواء (3/331). وأخرج ابن أبي شيبة (2/398): كتاب الزكاة، باب: من قال: صدقة الفطر صاع من شعير، وعبد الرزاق: كتاب الزكاة، باب: هل يزكي على الحبل؟ (5788)، عن أبي قلابة قال: كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى على الحبل في بطن أمه.
[4] أخرجه أحمد (4/126)، وأبو داود في السنة، باب: لزوم السنة (4607)، والترمذي في العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (2676)، وابن ماجه في المقدمة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين (44) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (5)، والحاكم (1/95)، وأبو نعيم كما نقله ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/109)، والألباني في صحيح أبي داود (3851).
[5] أخرجه أبو داود في الزكاة، باب: زكاة الفطر (1609)، وابن ماجه في الزكاة، باب: صدقة الفطر (1927)، وصححه الحاكم (1/409)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1420).
[6] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة قبل العيد (1510)، ومسلم في الزكاة (1985) بنحوه.
[7] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503)، ومسلم في الزكاة، باب: الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة (986) بنحوه.
[8] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة قبل العيد (1510) بنحوه.
============================
فظَ عليكم نعمَه عليكم، فلا إله إلا الله، ما أعظمَ فضلَه، وما أعظمَ كرمَه، وما أعظمَ جودَه لمن قويَ إيمانه وعظم يقينه.

أسأل الله أن يختم لي ولكم بخاتمة خَير، وأن يختم لنا رمضانَ بالحسنى، وأن يجعلَنا فيه من الموفَّقين للعمل الصالح، إنَّه على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


[1] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3332)، ومسلم في القدر (2643).
[2] أخرجه البخاري في الأذان (813)، ومسلم في الصيام (1167) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بمعناه.
[3] أخرجه البخاري في التوحيد (7422، 7453، 7454)، ومسلم في التوبة (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله، قد شرع لكم نبيّكم في نهايةِ شهركم هذا صدقةَ الفطر، شرع لكم زكاةَ الفطر، فرضها عليكم نبيّكم ، وما فرضه عليكم نبيّكم فهو في حكم ما فرضَ الله عليكم، فإن طاعة الرسول طاعةٌ لله، وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر:7]، مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ [النساء:80].

فرضها رسولُ الله على جميع المسلمين على اختلاف طبقاتِهم، وعلى اختلافِ أسنانهم، فرضها على الذكرِ والأنثى، فرضها على الحرِّ والعبد، فرضها على الصغير والكبير من المسلمين، فرضها على من وجد صاعًا زائدًا عن قُوتِ يومه وليلته يومَ العيد، فإن من لم يجِد شيئًا فإنَّ الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعَها، قال عبد الله بن عمر: فرض رسول الله زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على الذكر والحرّ والعبد والأنثى والصغير والكبير من المسلمين[1].

فيؤدِّيها الإنسان عن نفسه، ويؤدِّيها عمَّن تلزمه نفقتُه من زوجة وولد وخادم، فإنَّ ذلك واجبٌ عليه، وفي الحديث الآخر: ((أدُّوا زكاة الفطر عمن تمونون))[2].
واستحبَّ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إخراجَها عن الجنين[3]، وهو من الخلفاء الراشدين وسنته يعمل بها، ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي))[4].

إن لهذه الصدقة حِكمًا ومصالحَ، فهذه الصدقةُ شكرٌ لله على نعمته بإتمام الصيام والقيام، وأنْ أعاد عليك هذا العامَ وأنت في صحة وسلامة وعافية في بدنك، وهي أيضًا طُهرة للصائم عما عسى أن يكون حصل منه من لغو أو رفث، وهي أيضًا طُعمة للمساكين لكي يغنيَهم ذلك عن السؤال في يوم العيد، فيكون العيد عيدًا للجميع، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله زكاةَ الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات[5].

أيها المسلم، وجنسُ ما يُخرج منه طعام الآدميين الخاص، لأن النبي فرضها صاعًا من تمر أو صاعًا من طعام، وكان طعامُهم يومئذ ما بين التمر والشعير والأقط والزبيب، كما قال أبو سعيد رضي الله عنه: وكان طعامنا الأقط والزبيب والتمر والشعير[6]. فهي في طعام الآدمي، وأفضلُها ما كان أنفعَ للآدميين.

ولا يجوز أن يعاوض عنها بقيمتها؛ لأن هذا خلافُ ما فرضه النبي ، وخلافُ عمل الخلفاء الراشدين وأصحاب محمد والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

والواجبُ صاعٌ من هذه الأنواع الأربعة من البرّ من الشعير من الأرز من الأقط من الزبيب، فالمقدار الواجب إخراجُه صاع، وهذا الصاع يُحتاط فيه، فالأولى أن يكون مقدار الصاع ثلاث كيلوات، أي: ثلاثة آلاف غرام، فإن هذا أكملُ وأحوط أن يخرجَ المسلم عن الصاع مقدار ثلاث كيلو، فيكون في ذلك احتياط وإبراءٌ للذمة.

وهذه الصدقةُ لها وقتان: وقتُ فضيلة ووقت جواز، فالمستحبّ فيها لمن تمكَّن أن يخرجَها يومَ العيد قبل الصلاة لمن استطاع وقدر على ذلك، قال عبد الله بن عمر: أمر النبي أن تؤدَّى زكاة الفطر قبل الصلاة[7]، وقال أبو سعيد: كنا نخرجها يومَ الفطر على عهد النبي [8]، واستنبطها بعضُهم من كتاب الله في قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ فَصَلَّىٰ [الأعلى:14، 15]، قال: يقدِّم المسلم صدقتَه بين يدَي صلاته، فرأى أن الصدقةَ صدقةُ الفطر، وأن الصلاةَ صلاةُ العيد.

ويجوز أن تخرجَها قبل العيد بيومين أو يوم، يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، وأن تختار لها النوعَ الجيد فإنَّ الله يقول: وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ [البقرة:267]، وأن تخصَّ بها الفقراء المحتاجين، وأن تصلَ إليهم قبلَ صلاة العيد، فلا يجوز التهاونُ بذلك والاستخفاف بها، وإياك أن تفرّطَ أو تهملَ فيها، أو تدفعها لمن تظنّه يوصلها إلى أهلها، وال
🎤
خطبـة.جمعة.بعنـوان.cc
آخـــــر جمعــة من رمــضـــــــان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، وأشهد ألا إله إلا الله ذو الفضل والإحسان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وسلم تسليمًا كثيرًا...وبعـــد :

فيا عباد الله: إنَّ بلوغ رمضان لنعمةٌ عظمى ومِنحةٌ كبرى، لا يقْدُرُها حق قدرِها إلا الموفَّقون، فلقد كنّا بالأمس القريبِ نتشوق للقائه، ثم- ولله الحمد - تنعمنا ببهائه، وعشنا في نفحاته لحظات مرَّت مرور الطيف، ولمعت لمعان البرق.

فخرج المسلم منها بصفحة مشرِقة بيضاء ناصعةٍ، مفعمَة بفضائل الخصال، مبرأةً من سيئات الأعمال، قد استلهم الصائم الصادق المحتسب من مدرسة رمضان قوَّةَ الإرادة والعزيمة على كل خير، وتقوى الله في كل حين، تقويمًا للسلوك، وتزكية للنفوس، وتنقيةً للسرائر، وإصلاحًا للضمائر، وتمسُّكًا بالخيرات والفضائل، وبُعدًا عن القبائح والرذائل؛ فغدا الصوم لنفسه حصنًا حصينًا من الذنوب والمآثم، وحمى مباحًا للمحاسن والمكارم، فصفتْ روحه، ورقَّ قلبه، وصلحتْ نفسه، وتهذَّبتْ أخلاقه.

هذا في الدنيا أما في الأخرى فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيَشْفَعَانِ))؛ رواه أحمد وصححه الألباني.

أما من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، فأمضى ليالي رمضان المباركة في لهو ومعصية، ونهاره في نوم وغفلة، لم يرعَ للشهر حرمته، وتجرأ على الحرمات، فليبكِ لعظيم حسراته، وليسعَ لاستدراك ما فاته؛ لئلا يكون ممن قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: ((أَتَانِي جِبْرَائِيلُ - عليه السلام - فقال: يَا مُحَمَّدُ، رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللهُ قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ آمِينَ...)).

فهنيئًا لمن أحسن استقباله ... هنيئًا لمن أكرم وفادته .. هنيئًا لمن قام ليله وصام نهاره .. هنيئًا لمن أقبل فيه على الله بقلبه وجوارحه .. هنيئًا لمن تقرب إلى الله فيه بأعمال صالحة .. وكفَّ النفس عن سيئات قبيحة..

هنيئًا لمن تاب الله عليه، ورضي عنه، وأعتقه الله من النار في رمضان، وآهٍ على شخص أدرك رمضان ولم يغفر الله له!!.. وا حسرتاه على أناسٍ دخل رمضان وخرج، وهم في غيهم يسرحون! .. وخلف الشهوات يلهثون! .. وفي القربات مفرطين ومقصرين!!

أفلا يحق لنا أن نبكي على فراق شهرنا الكريم ولياليه الزاهرة، وساعاته العاطرة.. التي ولَّتْ مدبرة، وتتابعت مسرعة، فكانت سجلاَّتٍ مطويَّة، وخزائن مغلقة، حافظةٌ لما أودعناها، شاهدةً لنا أوعلينا، لا يُدرَى من الرابح فيها فيُهنَّا، ولا الخاسر منا فيُعزَّى .. حتى ينادي الله بنا يوم القيامة: (( يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ))؛ رواه مسلم.

فها هو رمضان آذن بوداع، والعيد على إقبال بإسراع.
يَا رَاحِلاً وَجَمِيلُ الصَّبْرِ يَتْبَعُهُ هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ
مَا أَنْصَفَتْكَ دُمُوعِي وَهْيَ دَامِيَةٌ وَلاَ وَفَى لَكَ قَلْبِي وَهْوَ يَحْتَرِقُ
فيا من صفَتْ له الأوقات في شهر الخيرات، وعمَّر ساعاته بالصالحات، وزكَّى نفسه بالطاعات، وفاضت عينُه بالعبرات، قد زال عنه تعب القيام وجوع الصيام وثبت له الأجر والثواب - إن شاء الله تعالى -، احمد الله! واذكر نعمة ربك القائل: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21].

واجتهد فيما بقي من حياتك، ولا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا عَبْدَاللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ)). فأنت لا تدري هل قبل الله عملك أو ردَّه عليك؟

روى الترمذي عن عبدالرحمن بن سعيد أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: {وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60].

فقلتُ: "أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟" قال: (( لاَ يَا بْنَتِ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينِ يَصُومُونَ وَيُصَلُّون وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ)).

قال ابن عمر - رضي الله عنه -: "لو أعلم أن الله تقبل مني ركعتين؛ لتمنيت الموت بعدها قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ال
لهُ مِنَ المُتَّقِينَ} [المائدة:27].

وقال عبدالعزيز بن أبي رواد: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ أُيقبل منهم أم لا؟" وقال ابن رجب: "كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟!"

إخواني: إنه وإن انْقَضَى شهرُ رمضانَ فإن عمل المؤمنِ لا ينقضِي قبْلَ الموت، قال الله - عزَّ وجلَّ -:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلّم -: ((إِذَا مَاتَ العَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ)) فلم يَجْعلْ لانقطاع العملِ غايةً إلا الموت.

ولقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم عن السفاسف؛ فلا تراهم إلا صوامين قوامين، باكين عابدين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة، تشي بعلو همتهم في التوبة والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات، وهاك طرفًا من عباراتهم وعباداتهم، التي تدل على تشميرهم وعزيمتهم وهمتهم:

قال الحسن: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره."، وقال وهيب بن الورد: "إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل."، وقال الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان التركستاني: "ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه."

وكان أبو مسلم الخولاني يقول: "أيظن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستأثروا به دوننا؟! كلا والله .. لَنُزاحمَنَّهم عليه زحامًا؛ حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً."

قال عمر بن الخطاب: "إن لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض."

فيا عجبًا لإنسان عاقل يعود إلى مرارة المعصية بعد أن ذاق حلاوة الطاعة!!
شَارِطِ النَّفْسَ وَرَاقِبْ لاَ تَكُنْ مِثْلَ البَهَائِمْ
ثُمَّ حَاسِبْهَا وَعَاتِبْ وَعَلَى هَذَا فَلاَزِمْ
ثُمَّ جَاهِدْهَا وَعَاقِبْ هَكَذَا فِعْلُ الأَكَارِمْ
لَمْ يَزَالُوا فِي سِجَالٍ لِلنُّفُوسِ مُحَارِبِينَا
فَازَ مَنْ قَامَ اللَّيَالِي بِصَلاَةِ الخَاشِعِينَا

فلئِن انقضى صيامُ شهرِ رمضانَ فإن المؤمنَ لن ينقطعَ من عبادةِ الصيام والقيام والصدقة والذكر وتلاوة القرآن؛ فصيامَ ستًّا من شوالٍ بعد رمضانَ كصيام الدهرِ.. وكذلك صيام ثلاثةِ أيام من كلِّ شهرٍ؛ فقافلة العمَل الصالح التي لا تتوقَّف رحالها، ولا تتصرم حبالها، فطاعة الله هي الطريق إلى رضاه، و الاستكثار من العبادة يحوِّلُ الأشقياءَ إلى سعداءَ، وتجلب محبة الله لعبده والدفاعِ عنه إذا أصابه من غير الله مكروه.

والمداومة على الأعمال الصالحة تُطهِّر القلوبَ، وتزكّي الأنفسَ، وتُهذب الأرواحَ، وتُريح الأبدانَ، وتُسعدُ العبدَ في الدنيا والآخرة.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
يا مَن كنت تصوم وتقوم في وقت واحد مع سائر المسلمين في سائر أنحاء الدنيا، إياك أن تتخلّى عن الإحساس بانتمائك إلى هذه الأمّة الواحدة، وتذكر تلك الطفلة اليتيمة.. والأرملة الكسيرة.. والشيخ العاجز.. وشاركهم في مآسيهم بدعوة صادقة أو صدقة جارية، واجعل فرحة هذا العيد المبارك تعم أرجاء عالمنا الإسلامي لاأريد منك أن تحزن يوم الفرح، ولاتحرم نفسك طيبات ما أحلَّ الله.

لكن كما أدخلت السرور على أهلك ونفسك بالجديد من اللباس والتوسعة في المال، فهلا سعيت لإدخال السرور على أسرٍ أخرى، قد كبلتهم الديون، وأسرتهم الحاجات، لم يبوحوا بسرهم إلا لله.. ولو أسرة واحدة ، فها هي طرق الخير مشرعة أبوابها، فهلموا إليها .. وما تقدموا لأنفسكم تجدوه عند الله. ولذلك شرع الله الحكيم العليم زكاة الفطر؛ طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين فتؤدَّى قبل الخروج لصلاة العيد، ومَن أداها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج، ويجوز توكيل من يؤديها قبل ذلك، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد.

ومن السنة التكبير من غروبِ الشمس ليلة العيدِ إلى صلاةِ العيدِ لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] وصِفتُهُ أنْ يقولَ: الله أكبر الله أكبر لا إِله إِلاَّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ويُسَنُّ جهرُ الرجالِ به في المساجدِ والأسواقِ والبيوتِ؛ إعلانًا بتعظيم الله وإظهارًا لعبادتِه وشكرِه، ويُسِرُّ به النساءُ. فما أجملَ حالَ الناسِ، وهُمْ يكبِّرون الله تعظيمًا وإجلاَلاً في كلِّ مكانٍ عندَ انتهاء شهرِ صومِهم! يملئون الآفاق تكبيرًا وتحميدًا وتهليلاً، يرجون رحمةَ اللهِ ويخافون عذابَه.

كذلك من تمام ذكر الله - عزَّ وجلَّ - حضور صلاةَ العيدِ فقد أمَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلّم - بها أمَّتَه؛ حتى النساءَ لقول أم عطية - رضي الله عنها -: "أمرنا رسول الله - صلى الله علي
ه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين".

ويسن أن يأتي لمصلى العيد من طريق ويرجع من آخر، وأن يأكل تمرات حين يخرج لصلاة العيد، ويَحرُم صوم يوم العيد، وتخصيص ليلته بقيام بدعة، فلم يصح في إحياء ليلة العيد حديث..

============================ =================
🎤دعاء ختم القرآن
للشيخ/ خالد القحطاني
~~~~~~~~~~~~~

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يعِزُّ من عاديت، ولا يذِلُّ من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجى منك إلا إليك.

اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام، وعلمتنا الحكمة والقرآن، ولك الحمد على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، ولك الحمد على تتابع إحسانك، وترادف امتنانك، ولك على الحمد على ما يسرته من صيام شهر رمضان وقيامه، وتلاوة كتابك العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] .

اللهم وكما جعلتنا به من المصدقين، فاجعلنا به معتبرين، وإلى لذيذ خطابه مستمعين، ولأوامره ونواهيه خاضعين.

اللهم وأوجب لنا به الشرف والمزيد، وألحقنا بكُلِّ بَرٍّ سعيد، ووفقنا لعمل الصالح الرشيد.

اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا ودليلنا إلى جناتك جنات النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم اجعلنا لأوامره ونواهيه خاضعين، وعند ختمه من الفائزين، ولثوابه حائزين، ولك في جميع شهورنا ذاكرين، وإليك في جميع أمورنا راجين.

اللهم اجعلنا من الذين حفظوا للقرآن حرمته لَمَّا حفظوه، وعظَّموا منزلته لَمَّا سمعوه، وتأدبوا بآدابه لَمَّا حضروه، والتزموا حُكمه وما فارقوه، وأرادوا بتلاوته وجهك الكريم والدار الآخرة، فقبلت منهم ذلك وأوردتهم المنازل الفاخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم هب لنا رعايةَ حقِّه، وحفظَ آياته، وعملاً بمُحكمه، وإيماناً بمتشابهه، وهدىً في تدبره، وتفكراً في أمثاله، ومعجزةً وتبصراً في أمور حُكمه. اللهم ألبسنا به الحلل، وأسكنا به الظلل، وأسبغ علينا به النعم، وادفع عنا به النقم، واجعلنا به عند الجزاء من الفائزين، وعند النعماء من الشاكرين، وعند البلاء من الصابرين، ولا تجعلنا ممن استهوته الشياطين فشغلته بالدنيا عن الدين، فأصبح من النادمين، وفي الآخرة من الخاسرين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم ذكِّرنا منه ما نُسِّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته على الوجه الذي يرضيك عنا، برحمتك يا أرحم الراحمين!

يا ذا العرش المجيد، نسألك أن تطهر بالتوبة النصوح فساد قلوبنا، وأن تجمع قلوبنا على خشيتك، وأن تهدينا إلى أقرب الطرق إليك.

اللهم هب لنا في هذه الساعة من مواهبك الجسام ما يكون وسيلةً إلى حلول دار السلام.

اللهم بارك في أسماعنا، وأبصارنا. اللهم استر عوراتنا، وآمِن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

يا من خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، واستدل على حكمته بصنعته أولو الألباب، ولانت لقدرته الشدائد الصلاب، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ [غافر:3] ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ [الرعد:30] .

اللهم اجعل القرآن العظيم لقلوبنا ضياءًَ، ولأسقامنا دواءً، ولأبصارنا جلاءً، ولذنوبنا ممحِّصاً، وعن النار مخلِّصاً، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت! ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نَفَّسته، ولا عيباً إلا سترته، ولا غماً إلا كشفته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا خذلته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا عارياً إلا كسوته، ولا عقيماً إلا رزقته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا سوءاً إلا أزلته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا يسرتها لنا وأعنتنا على قضائها، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، وعين لا تدمع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يستجاب لها.

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضَلَع الدَّين، وغلبة الرجال.

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك, والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، ونسألك الفوز بالجنة، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة، والنجاة من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم واجعلنا
في هذا الشهر الكريم من عتقائك من النار. اللهم اعتق رقابنا من النار، وحرم أجسادنا على النار، ولا تشو خلقنا بالنار، فإن أجسادنا على النار لا تقوى، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم وكما وفقتنا لصيام هذا الشهر الكريم وقيامه، اللهم فاقبل صيامنا وقيامنا، ولا تردها يوم القيامة في وجوهنا يوم الحسرة والندامة، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء:88] إلا من أتاك بقلب سليم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

ربنا لا تصرف وجهك عنا يوم القيامة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واجعلهم شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك، قابليها، وأتمها علينا وعليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين والمسلمات الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائك، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا. اللهم اجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا، وأفسح فيها ضيق ملاحدنا، وارحم في موقف العرض عليك ذُلَّ مقامنا، وثبت على الصراط أقدامنا، ونجنا من كُرَب يوم القيامة، وبيِّض وجوهنا إذا اسودَّت وجوه العصاة يوم الحسرة والندامة. اللهم بيِّض وجوهنا يوم تسودُّ وجوه العصاة. اللهم بيِّض وجوهنا إذا اسودَّت وجوه العصاة يوم الحسرة والندامة.

إلهنا، زلت بنا الأقدام، وغرقنا في لجج المعاصي والآثام، وإنا مقرون بالإساءة على أنفسنا، نرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين، وهانحن ببابك واقفون، ومن عذابك خائفون، ولثوابك مؤمِّلون، وقد تعرضنا لعفوك وثوابك، فارحم خضوعنا. اللهم ارحم خضوعنا. اللهم اجبر قلوبنا. اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وعافنا واعف عنا وسامحنا، وتجاوز عن سيئاتنا، وأبدل سيئاتنا حسنات، فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم يا حي يا قيوم، يا من بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، نسألك أن تجيرنا من النار، وأن تجعلنا من عبادك الأبرار، وأن تسكننا الجنة مع عبادك المصطفَين الأخيار.

اللهم يا حي يا قيوم، يا لطيف يا غفار! نسألك أن تغفر لنا، ولوالدينا، ولجميع المسلمين. اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولجميع المسلمين.

اللهم إنا قد تولينا صوم شهر رمضان وقيامه على تقصير منا، وقد أدينا فيه من حقك قليلاً من كثير، وقد لجأنا ببابك سائلين، ولمعروفك طالبين، فلا تردنا خائبين. اللهم إنا لجأنا ببابك سائلين، ولمعروفك طالبين، فلا تردنا خائبين، ولا من رحمتك آيسين، نحن الفقراء إليك، الأسرى بين يديك، إليك تعرضنا، ولمعروفك سألنا، ولبابك قرعنا، وليس لنا رب سواك فندعوه. اللهم فارحم خضوعنا، واجبر قلوبنا، واقبل صيامنا.

اللهم اقبل صيامنا وقيامنا، واقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأسعدنا بطاعتك للاستعداد لما أمامنا، واجعل عملنا مقبولاً، اللهم وارزقنا فيه الإخلاص. اللهم واجعل عملنا مقبولاً، وسعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً.

اللهم اجعل شهرنا شاهداً لنا بأداء فرضك، ولا تجعلنا ممن تعب واجتهد ولم يرضِك. اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثله فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمَّنا جميعاً برحمتك وغفرانك، واجعل الموعد بحبوحة الجنة.

اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً.

اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعزُّ فيه أهل طاعتك، ويذلُّ فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من الهيئات والمتطوعين. اللهم وارفع مقامهم. اللهم وقوِّهم. اللهم وارفع درجاتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم دمر المنافقين والعلمانيين والشيوعيين والبعثيين والرافضة والكافرين، الذين يصدون عن سبيلك، ويبدلون دينك، ويعادون أولياءك الموحدين. اللهم خالف بين كلمتهم، وشتت بين قلوبهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، وأدِرْ عليهم دائرة السوء، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ونسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

======================
أحكام.مختصرة.في.زكاة.الفطر.cc
~~~~~~~~~~~~~~~~~

🔹️ما حكم صدقة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
زكاة الفطر فرض على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو عبد .
الفتاوى (14/ 197)

🔹ماذا تكون زكاة الفطر ؟
🔸قال ابن باز:
تخرج صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط ويلحق بهذه الأنواع في أصح أقوال العلماء كل ما يتقوت به الناس في بلادهم كالأرز والذرة والدخن ونحوها.

🔹متى وقت إخراج زكاة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
إخراجها في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين وليلة العيد ، وصباح العيد قبل الصلاة .
الفتاوى (14/32-33)

🔹️سبب إخراج زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بالفطر من رمضان وإكماله. الفتاوى (١٨-٢٥٧).

🔹️من تصرف له زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
ليس لها إلا مصرف واحد وهم الفقراء. الفتاوى الفتاوى (18/259)

🔹️حكم توكيل الأولاد أو غيرهم في إخراج زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
يجوز للإنسان أن يوكل أولاده أن يدفعوا عنه زكاة الفطر في وقتها، ولو كان في وقتها ببلد آخر للشغل. الفتاوى (18/262)

🔹هل يجوز للفقير أن يوكل شخصاً آخر في قبض زكاة الفطر ؟
🔸قال العثيمين:
ج : يجوز ذلك . الفتاوى (18/268)

🔹️هل من قول معين يقال عند إخراج زكاة الفطر؟
🔸لا نعلم دعاء معينا يقال عند إخراجها. اللجنة الدائمة (9/387)

🔹️هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
لا يجوز إخراج القيمة في قول أكثر أهل العلم ؛ لكونها خلاف ما نص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم
الفتاوى (14/ 32)
🔸قال ابن عثيمين:
إخراجها نقداً فلا يجزئ؛ لأنها فرضت من الطعام. الفتاوى (18/265)

🔹️هل يلزم في زكاة الفطر النصاب؟
🔸قال ابن باز:
ج :ليس لها نصاب بل يجب على المسلم إخراجها عن نفسه وأهل بيته من أولاده وزوجاته ومماليكه إذا فضلت عن قوته وقوتهم يومه وليلته.
الفتاوى (14/ 197)

🔹️كم مقدار زكاة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
الواجب في ذلك صاع واحد من قوت البلد ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو على سبيل التقريب.
الفتاوى (14/ 203)

🔹️هل يجوز إخراج زكاة الفطر في غير بلد المزكي ؟
🔸قال ابن باز:
السنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي وعدم نقلها إلى بلد آخر لإغناء فقراء بلده وسد حاجتهم.
الفتاوى (14/ 213)

🔹️أين تُخرج زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
زكاة الفطر تدفع في المكان الذي يأتيك الفطر وأنت فيه، ولو كان بعيداً عن بلدك.

🔹هل تدفع زكاة الفطر عن الجنين؟
🔸قال العثيمين:
زكاة الفطر لا تدفع عن الحمل في البطن على سبيل الوجوب، وإنما تدفع على سبيل الاستحباب.
(18/263)

🔹هل يجوز إعطاء زكاة الفطر للعمال من غير المسلمين؟
🔸قال العثيمين : لا يجوز إعطاؤها إلا للفقير من المسلم
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
وداعـــــــــــــا رمـــضــــــــــــــــــــان
للشيـــخ/ مــحــمـــــد الـجـــــــرافـــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أمـــا بعـــد: عـــباد الله :
كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رمضان بالفرح والسرور، والبشرى والحبور، ولم لا وهو شهر تجتمع فيه أعمال عظيمة وأجور لمن قام بها كثيرة، واليوم نودعه مرتحلاً عنا بما أودعناه فيه، شاهداً علينا بما قدمناه بين يديه، فهنيئاً لمن كان شاهداً له عند الله بالخير، شافعاً له بدخول الجنة والعتق من النار، وويل ثم ويل لمن كان شاهداً عليه بسوء عمله، شاكياً إلى ربه من تفريطه وتضييعه، قال صلى الله عليه وسلم: (.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..) رواه الترمذي وأحمد

عـــباد اللــه ..
ونحن نودع شهــرنا الكريم
هـــذه همـــسات الوداع تقــول :
أحسنوا وداع شهركم .. ضاعفوا الإجتهاد، أكثروا من الذكر ... أكثروا من تلاوة القرآن ... أكثروا من الصلاة، أكثروا من الصدقات .

همسات الوداع تقول: القبول القبول، فقد كان السلف رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله ، فإذا عملوا كانت قلوبهم وجلة خائفة من أن يرد عليهم عملهم، كانوا ما قال الله (يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون) .
ومن هم أهل القبول؟ إنهم الذين وصفهم الله (إنما يتقبل الله من المتقين) جعلنا الله وإياكم منهم .
ويا ليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المطرود منا فنعزيه .

فيا أيها المقبول هنيئاً لك بقبول الله وإحسانه، ورحمته وغفرانه، وثوابه ورضوانه .. ويا أيها المطرود بعصيانه، وغفلته وخسرانه، لقد عظمت مصيبتك بغضب الله وهوانه.

يا هذا .. متى يُغفَر لمن لا يُغفَر له في هذا الشهر؟ ومتى يقبل من رُد في ليلة القدر؟
فتب إلى ربك، واستدرك ما بقي من شهرك، وابك على خطيئتك، لعلك تلحق بركب المقبولين .

همسات الوداع تقول ...
لا تتركوني من دون القيام ... اتركوا لذيذ النوم، وجحيم الكسل، وانصبوا أقدامكم، وارفعوا هممكم، وادفِنوا فتوركم، وكونوا ممن قال الله فيهم: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا).

همسات الوداع تقول :
استغلوا ما بقي من شهركم ... فقد ذهب معظمه .. ولا يعلم أحدكم هل سيصوم هذا الشهر في أعوامه القادمة أم سيكون في حفرة مظلمة من فوقه تراب ومن تحته تراب وعن يمينه تراب وعن شماله تراب، ليس له أنيس ولا جليس إلا عمله الصالح .

عـــباد اللـــه :
هذه همسة الوداع الأخيرة تقول: جبر الله قلوبكم بفراق رمضان .. وتجاوز عن ما سلف وكان، من الذنوب والعصيان .
ترحلت يا شهــر الصــيام بصـــومنا
وقـــد كـــنت أنـــواراً بـــكل مـــــكـــان
لئن فنيت أيامــــــك الزهـــر بغـــتة
فما الحـــزن من قلبي عليـــك بفــان
عليك ســـلام الله كن شــــــاهداً لنا
بخـــير رعــــــاك اللـــه من رمضــــــان

همسات الوداع تقول : ارفعوا عنكم التنازع والخصام فإنه سببٌ في منع الخير وخفائه همسات الوداع تقول: إذا مد الله في أعماركم ، وأدركتم يوم عيدكم، فاشكروا الله بإكمال عدة شهركم .
كبروا ربكم، وأدوا زكاة فطركم، واخرجوا يوم عيدكم فرحين بفضل الله ورحمته .

إن القلب ليحزن، والعين لتدمع، ونحن نودع هذا الشهر الكريم، الذي فيه المساجد تعمر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر .

فيا شهرنا .. أتراك تعود بعدها إلينا؟ أو يدركنا الموت فلا تؤول إلينا؟
يا طلاب الجنة : بقي على الشهر القليل فاحرصوا على ما بقى يغفر لكم ما قد مضى، فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات ومن أراد الخاتمة المشرقة فليحرص على الجهود المحرق .

الناسُ بعد رمضـــانَ فريقان :
فائزونَ وخاسرونَ، فيا ليتَ شعري من هذا الفائزُ منَّا فنهنيَه ، ومن هذا الخاسـرُ فنعزيَه ؟!
أي شهر قد تولى يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه  
بدماء لو عقلنا
كيف لا نبكي لشهر ** مر بالغفلة عنا
ثم لا ندري أأنا قد قبلنا أم حرمنا ليت شعري من هو المحروم والمرحوم منا

الرحيلُ مُرٌّ على الفائزينَ ..
لأنَّهم فقدوا أياماً ممتِعَة، وليالٍ جميلَة .. نهارُها صدقةٌ وصيام وليلُها قراءةٌ وقيام نسيمُها الذِّكر والدُّعاء وطيبُها الدموعُ والبكاء
 شعروا بمرارةِ الفراقِ فأرسلوا العَبَرَاتِ والآهَات كيفَ لا وهو شهرُ الرَّحمَات وتكفيرِ السِّيئاتِ وإقالةُ العَثَرَات، كيفَ لا والدعاءُ فيه مسموعٌ و الضُرُّ مدفوعٌ والخيرُ مجموع ؟!
ها هو ذا رمضان يمضي ..
وقد شهدت لياليه أنين المذنبين، وقصص التائبين، وعبرات الخاشعين، وأخبار المنقطعين، وشهدت أسحاره استغفار المستغفرين، وشهد نهاره صوم الصائمين وتلاوة القارئين، وكرم المنفقين. إنهم يرجون عفو الله، علموا أنه عفو كريم يحب العفو فسألوه أن يعفو عنهم.
ورحلت
َ يا رمضان لتُخلف ذكرى جميلة تحكي قصة عابدٍ منطرح على الأعتاب..

قصة تائب ينتظر فتح الباب
قصة مكروب ينتظر فرجا قريبا.

قصة محزون يترقب يوما طروبا
رحلتَ أيها الشهر الحبيب، لتسطّر حرقة دمعة ونشيج بكاء، وثوران صدر يبحثُ عن متنفّس لألم.. رحلتَ وتركتنا.. ورحلت لياليكَ العطرة..
فيا شهر الصيام فدتك نفسي
تمـــهل بالرحـــيل والانتـــقال
فــلا أدري إذا مـــا الحـــول ولى
وجئت بقـــابل في خــير حال
أتلقـــاني مـــع الأحـــياء أحـــيا
أم انك تلقني في اللحـــد بالي

يا أهـــل الصـــيام والقـــيام :
غدا تنطفي المصابيح وتنقضي التراويح، غدا نترك العبادة ونرجع إلى العادة، غدا يتفلت كل شيطان ويُهجر القرآن.

أيها الراحل قريبا والمغادر سريعا هلا بلغت عنا أننا تائبون لعلنا نكون من الناجين
يـــا راحــــــلا بلـــغ إلـــهي أننـــي
قد تبت من ذنبي ومن عصياني
بلغه أني قد رجعـــت إلى التــقى
وتركت دنـــيا من هــواها يعـــاني
باللـــه يارمضــــــان اذكــــــرني إذا
نادى الإلـه من يستحـــق جـــناني

ها نحن نودع رمضان ..
ولم يبق منه إلاّ ساعات قلائل، نعم بالأمس القريب كان معنا، كنا نستنشق عطره، ونسعد في أفيائه، ونتقلب في ضروب نعمائه.

وبعد يومين أين هو شهر رمضان؟ ألم يكن منذ لحظات بين أيدينا؟ ألم يكن ملء أسماعنا وأبصارنا؟ ألم يكن هو حديث منابرنا، زينة منائرنا، بضاعة أسواقنا، مادة موائدنا، حياة مساجدنا، ؟ فأين حرق المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المتهجدين في أسحاره؟ أين خشوع المتهجدين في قيامهم؟ ورقة المتعبدين في صيامهم؟ أين أقدامٌ قد اصطفت فيه لمولاها؟ أين أعين جادت فيه بجاري دمعها؟ أين قلوب حلقت فيه بجناحين من خوف ورجاء؟ وسارعت إلى مرضاة ربها تلتمس النجاء؟ أين أيام كانت حياة للحياة؟ وليال كن قلائد في جيد الزمان؟ لقد تولت كما تولى غيرها، وتقضّت بما فيها ولم يبق إلا الندم والأسى.
تذكـــرت أيامـــاً مضـــت وليــالياً
خلت فجـــرت من ذكــرهن دموعُ
ألا هل لها يوماً من الدهــر عودة
وهل لي إلى يوم الوصال رجـــوعُ
وهل بعد إعراض الحبيب تواصلٌ
وهـــل لبـــدورٌ قـــد أفلــن طلـــوعُ؟

أيها المسلمـــون :
أما إنه يقبح بالمسلم أن يبني في رمضان صرح إيمانه، ويجمله ويزينه ثم إذا انقضى الشهر عاد فهدم ما بنى، وأفسد ما شيّد! {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [(92) سورة النحل] .

فبعد أن قمنا بغزل الأعمال الصالحة حتى صارت قطعة رائعة من الحسنات، فلا يجوز للعاقل أن ينقض ما غزله من الحسنات وينقض ما بناه في رمضان من الطاعات فيرجع مرة أخرى للسيئات .

عـــباد اللـــه :
رجل شديد وسخ الجسم والثياب تفوح منه رائحة النتن والتعفن الكبير، من رآه كرهه وفر منه، ذهب إلى نهر عذب فغسل جسمه وثيابه وتطيب بأجود أنواع المسك والطيب، فصار أحسن الناس هيئة، وأجملهم منظراً، وأطيبهم ريحاً، ولم يلبث إلا يسيراً حتى رمى نفسه في حمأة منتنة فتمرغ فيها، وعاد أقبح ما يكون منظراً، وأنتن ما يمكن ريحاً ...

ذلك مثل من ترك المعاصي في رمضان توبة منه إلى الرحمن، ولما أنقرض شهر رمضان عاد إلى معاصيه، وراجع ما كان يأتيه فتهاون بالصلاة، وغفل عن ذكر الله ...

وما أقبح الحور بعد الكور، وما أقبح أن يتدنس بذنوب المعاصي من قد تطهر منها، وما أشنع أن يرجع التائبون إلى حمأة الرذيلة، وأن يتلطخوا بأوحال المعصية بعد أن توضؤوا بنور الطاعة.

يا رجال التوبة لا ترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام، فالرضاع يصلح للأطفال لا للرجال، ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام، فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب، ومن ترك شيئاً لله لم يجد فقده.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على امام المرسلين وسيد المتقين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه اجمعين .

أما بعد - أيها المسلمون :
لقد علّمنا شهر رمضان أننا نستطيع أن نبكي من خشية الله، وأن نذرف الدمع بين يديه، وأن نجهش في صلاتنا بالبكاء، وعلّمنا أننا نستطيع أن نقوم الليل ونصوم النهار ونكثر من قراءة القرآن، وعلّمنا أننا نستطيع أن نديم المكث في المساجد، وعلّمنا أننا نستطيع أن نترك كثيراً من شهواتنا ورغباتنا.

لقد فضحنا هذا الشهر، وكشف كذب دعاوى الكثيرين ممن يزعم أنه لا يستطيع البكاء أو الصلاة أو قراءة القرآن أو البقاء في المسجد.
فهل نتعلم هذا الدرس؟ هل ندرك أننا نقدر على فعل الكثير عندما نريد فعله؟ هل نتذكر أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن في وسعنا أن نفعل الشيء الكثير؟.

أحسستنا يارمضان بالأمة الكبيرة المترامية الأطراف ،فنفطر جميعا ونصوم جميعا ونفرح جميعا،
علمتنا ترك المحرمات بل ترك الشبهات والورع، فتجد الناس يسألون عن حكم قطرة الدم وبلع الريق وأكل بقايا نتف الطعام وذرة الغبار إذا دخلت وغير ذلك من دقائق المسائل التي عودتنا فيها على ترك الشبهات حرصا على كمال الطاعة.

لله درك أيه الشهـــر الكــريم :
كم سُد
ت فيك من حاجة، كم كشفت من كربة، كم سدد من دين، كم من مريض شفي، كم رد من ضال، كم هدى من عاص كم أجيبت دعوة، كم فتح من باب، كم نزلت من رحمة، كم أعتق من النار
في صيام الشهـر طـِبُّ** ليس يدريه طبيبُ
فيـــه أســـرار يعيهـا صائــم حقًـــا أريــبُ
فيــه غيـث مـن صفاء
ترتــوي منـه القلـوبُ
فيــه لـلأرواح سـبح**دونــه الكــون الرحيـب
صـائم في درع تقـوى** تنجلي عنه الكروب

عـــباد اللـــه:
أذكركم بزكاة الفطـــر :
فقد شرعه الله طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وشكراً لله على توفيقه، وهي زكاة عن البدن، ووقت الإخراج يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد، والأفضل ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز .

وأيضاً أذكّركم بصلاة العيد..
فإنها من تمام ذكر الله، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(14، 15) سورة الأعلى]، قال بعض السلف: أي أدى الزكاة، {فصلى} قيل المراد به صلاة العيد، فاحرصوا رحمني وإياكم عليها فقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبها.

وأذكّركم أيضاً بصيام ستة أيام من شوال: فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم

وفي معـــاودة الصـــيام ..
بعد رمضان فوائد عديدة :

منها أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله، كما سبق الحديث.

ومنها أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص.

ومنها أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده.

ومنها أن صيام رمضان يوجب مغفرة الذنوب، والصائمون يوفون أجورهم يوم الفطر، فتكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائماً ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام...
رمضـــانُ مالك تلفـــظ ُ الأنفـــــاسا
أولـــمْ تكـــنْ في أُفْقــِنا نبـــراســــــا
لطفاً رويدَك بالقلـــوب فقد سَمَــتْ
و اســـتأنستْ بجــــــلالِك استئـناســـا
أتغــيبُ عن مُهَـــجٍ تجـــلّك بعــــــدما
أحـــيا بك اللـــه الكـــريـــمُ أُنـــاســـا
فلـــكـــلّ نفـــسٍ في وداعــــــك آهـــةٌ
و العـــينُ تدمـــعُ والحـــُشَاشَةُ تاســى
اسمـــع وداعَــــــك في نشـــيجِ مُشيـــِّع ٍ
ولَظـــى فــــــراقِك يُلهـــِبُ الإحـــساسا
قـــد كنتَ غـــيثاً للنفـــوس فأثمــرتْ
بـــرّاً و إشـــفـــاقـــاً .. و كـــنّ يِبـــاســـا ..
2024/09/28 07:31:45
Back to Top
HTML Embed Code: