Telegram Web Link
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
عـــزة المسلمــين في رمضــان
للـــدكتـــور/ محــمـــد ويـــلالــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

لا شك أن القرآن الكريم كتاب هداية واستقامة، لم يَقصره الله تعالى على أمة دون أمة، ولا على جنس دون جنس، بل هو للناس جميعاً. قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]. وقال النبي: "أُعطيت خمساً لم يعطَهن أحد قبلي"، وذكر منها: "وكَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ" متفق عليه.

فالبشر لا يمكن أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، ولا أن يضبطوا علاقاتهم بمجرد عقولهم، وتشريع القوانين البشرية الاجتهادية الخاضعة لأهوائهم، وإلا ولجوا باب الجهل بدل العلم، والضلالة بدل الهداية، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]. وذكر عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن في التوراة وصفا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنه "لَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا" البخاري.

فكانت العزة عنوان هذا الدين لا تفارقه، لأنه الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وأمرهم بأن يموتوا عليه. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

وإذا كانت طبيعة كثير من البشر تأبى تقبل الحق بلا معاندة ولا مكابرة، فإن سنة الله في هدايتهم ماضية. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" الصحيحة.

ولذلك سمى الله تعالى نبيه "سراجا منيرا"، وهذا يقتضي - كما قال العلامة السعدي -:"أن الخلق كانوا في ظلمة عظيمة.. حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم، فأضاء اللّه به تلك الظلمات". نعم، تلك الظلمات التي ترجمها الشاعر بقوله:
والأرض مملوءة جورًا مُسخّرةٌ
لكل طاغية في الخَلْق محتكمِ
مُسَيْطِرُ الفُرْسِ يَبغي في رعيتهِ
وقيصرُ الروم من كِبْر أَصَمُّ عَمِ
يُعذِّبان عباد الله في شُبَهٍ
ويذبحان كما ضحَّيتَ بالغنمِ
والخَلقُ يفتك أقواهم بأضعفهم
كالليث بالبَهْمِ أو كالحوت بالبَلَم

ولتحقيق وعد الله بنشر دينه، وتحقيق عزة عباده، كان لا بد من الدخول في الصراع - أحيانا - بين الكفر والإيمان، مواجهة للمعتدين، وزجرا للظالمين، ونشرا لشريعة رب العالمين. ولذلك كان رمضان شهر العزة والثبات، شهر الدفاع عن الحرمات، شهر مدافعة المكائد والاحتيالات.

ففي الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، تم فتح مكة، الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾. وهو يوم ضُرب فيه أعظم مثال تاريخي في التسامح والتواضع وخفض الجناح، والتعالي عن نوازع الانتقام، ودواخل الاحتقاد؛ فبعد عشرين سنة من محاربة قريش للمسلمين، يُظفِر الله - تعالى - نبيه بهم، فكانوا ينتظرون أن ينزل بهم - صلى الله عليه وسلم - أشد العقاب، وأقسى الانتقام، حتى إذا قال سعد بن عبادة: "اليومَ يومُ المَلْحَمَةِ، اليومَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ"، رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلا: "كَذَب سعدٌ، ولكن هذا يومٌ يُعَظِّمُ اللهُ فيه الكَعْبَةَ، ويَوْمٌ تُكْسَى فيه الكَعْبَةُ" البخاري.

وفي رمضان تم القضاء على المجوسية في موقعة القادسية، بين المسلمين الذين كان عددهم 30 ألفا، والمجوس الذين كان عددهم 120 ألفا، بعد أن نقضوا عهد الذمة مع المسلمين، فأعز الله كلمة التوحيد، وجعل عباد النار في الأذلين.

وفي رمضان، وقعت معركة حطين، التي استرد المسلمون فيها بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي، وانتصروا على الصليبيين، الذين قاتلوا المسلمين قرنين من الزمان، وظلت القدس ما يقارب 92 عامًا لا يرفع فيها أذان. ومع أن هؤلاء الصليبيين قتلوا أكثر من 70 ألفا من أهالي القدس من رجال، وكهول، ونساء، وأطفال، إلا أن صلاح الدين عاملهم بتسامح كبير، إذ لم يطالبهم إلا بالخروج من القدس، ودفع جزية رمزية للقادر عليها.

وفي رمضان انتصر المسلمون على التتار الذين اكتسحوا العالم، وأرعبوا الخلائق، وجابوا الأرض طو
لا وعرضا، حتى وقف لهم الملك المظفر "سيف الدين قطز" في معركة "عين جالوت" يوم الجمعة، الخامسِ والعشرين.

وفي رمضان تم حصار القسطنطينية التي استعمرها النصارى أكثر من ألف سنة، أعقبه فتح عظيم، عدَّهُ المؤرخون الأوروبيون ومَن تابعهم نهايةَ العصور الوسطى، وبدايةَ العصور الحديثة، وكان ذلك على يد القائد محمد الفاتح، الذي كان عمره 22 سنة، بعد أن أدهش الأوروبيين بابتكار فكرة جر السفن بين الجبال ثلاثة أميال حتى أوصلها للبحر. يقول أحد المؤرخين البيزنطيين متعجبا: "ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار، وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الإسكندر الأكبر".
مَلَكْنَا هَذِهِ الدُّنْيَا قُرُونا
وَأَخْضَعَهَا جُدُودٌ خَالِدُونَا
وَسَطَّرْنَا صَحَائِفَ مِنْ ضِيَاءٍ
فَمَا نَسِيَ الزَّمَانُ وَلَا نَسِينَا

وفي رمضان فتحت الأندلس على يد طارق بن زياد.
وفي رمضان انتصر يوسف بن تاشفين على الفونسو في معركة الزلاقة.

وفي رمضان استجاب المعتصم العباسي لصرخة المرأة التي لطمها أحد الروم، فنادت: "وامعتصماه"، فأرسل جيشا لاستنقاذها لا يُعرف أوله من آخره، وكان ذلك سببا في فتح "عمورية". نعم، تلك الصرخة التي وقف المؤرخون عندها وقفة إجلال، بعد أن صارت صرخات النساء في زماننا متعددة الألوان، مختلفة الأصناف، أرادوها دمية في أيدي اللاهين، لا يرون فيها إلا جانب اللهو والمتعة، فجعلوهن إماء لهم وخادمات، وسلعا تدر عليهم الأرباح العريضة. صرخات وأنات تطرق الآذان، ولا تكاد تجد منا نخوة المعتصم.
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم

وفي السابع عشر من رمضان، وفي يوم جمعة، وقعت معركة "بدر"، التي خرج فيها المشركون - كما قال تعالى - ﴿ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ﴾ [الأنفال: 47] برئاسة أبي جهل، الذي أقسم - بكل كبرياء وصلَف - أن يكسر شوكة الإسلام قائلا: "والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيمَ بها ثلاثا، فننحرَ الجزور، ونَطعمَ الطعام، ونُسقَى الخمر، وتعزفَ لنا القيان، وتسمعَ بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا". فكان أن أيد الله تعالى عباده الصادقين بجنود من الملائكة. "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ".

كم نسخٍ من أبي جهل في هذا الزمان، يحاربون الإسلام، ويدعون إلى أنظمة لائكية مفصولة عن جذورها، بعيدة عن دينها، تابعة لغيرها، منهم من ينادي بحصر الدين في زاوية المساجد، وفصله عن شؤون الحياة، ومنهم من يرى التوحيد سفاهة، والصلاة لعبا، والصيام تجويعا، والحج وثنية، وتحريم الخمر عبثا، ومنع الشذوذ فضولا، والزنا متعة، وأكل الربا تجارة، والأعياد الدينية طقوسا، وطاعة الأبوين وأولي الأمر تقديسا واستذلالا، وطاعة الزوجة لزوجها عبودية، وعقد الزواج تفاهة، واجتماع الأسرة تقاليد.. وهكذا لم يتركوا من حسنات ديننا شيئا إلا سفهوه واستنقصوه، واستهزؤوا بأصحابه، ليعيشوا هم حياة الحرية المطلقة، وإرسال العنان للشهوات والملذات.

لم تكن هذه الفتوحات استعمارا يقصد إذلال أهل الأرض، واستنزاف خيراتهم، ولم تكن حروب دمار شامل تأتي على الأخضر واليابس. بل إن مما لا ينقضي منه العجب، أن مجموع غزوات وبعوث النبي - صلى الله عليه وسلم -، في رمضان وخارج رمضان، أسفرت عن مقتل 386 شخص فقط: 203 من المشركين، و183 من المسلمين. وكان دخول المسلمين هذه البلدان يصحبه نور الهداية، تهتز له جنبات الأرجاء، وتتراقص له الأمداء، فيزدهر معه الاقتصاد، وينتشر الأمن والاطمئنان. بينما حروب هذا الزمان، لا يحكمها إلا فكر الاستعمار، وحب السيطرة والإذلال. فلا عجب أن تدور في مطلع القرن 21 معارك نظامية في 18 حربا حول العالم، وأن تحصد آلة الحرب في 100 عام السابقة (من 1907 إلى 2007) أزيد من 250 مليون شخص، بحثا عن عزة موهومة، جعلوا قصاراها في إغناء الغني، وإذلال الفقير: 225 فردا من أبناء شمال الأرض، يملكون ما يساوى ملكية مليارين ونصف من أبناء الجنوب، و20% من أبناء الحضارة الغربية، يستهلكون 86% من الإنتاج العالمي، في الوقت الذي يموت فيه 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض، ويعيش فيه أكثر من مليار شخص على المياه الملوثة. فما أبعد ما بين العزتين.
🎤
خطبـة.جمعـة.بعنـوان.cc
خـلـــق الرحـــمـــــة والــتراحــــم
للشيخ/ ياسر عبدالله محمد الحوري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علماً، ورحمته وسعت كل شيء، ورحمة ربك خير مما يجمعون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأحرص الناس على هداية أمته، وجاء في صفته: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، الذين كانوا رحمة مهداة من الله لأممهم، أنقذ الله بهم من شاء من الغواية إلى الهدى، ومن دركات الجحيم إلى درجات الجنان، ومن يضلل الله فما له من هاد، وارض اللهم عن آل محمد المؤمنين وعن صحابته أجمعين و التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها المؤمنون الرحماء:
نعيش في هذا اليوم مع خلق عظيم، ووصف كريم، وله في الإسلام شأن عظيم، فقد عظّمه الله في كتابه، أُوتيه السعداء، وحُرمه الأشقياء، نعيش مع خلق أكده الإسلام وأمر المسلمين التحلي به، ما أشد افتقار الناس إليه، إنه خلق الرحمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيصلى الله عليه وسلمقال: ((إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفرس لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، وأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة)) البخاري وغيره.

والرحمة صفة من صفات ربنا فلله الصفات العلى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 9].الرحمة صفة كمال وجلال ربنا جلَّ وعلا، قال جل وعلا: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156] فلا يعلم مداها إلى هو: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133].

أيها الأحبة الكرام في الله:
إن لهذه الرحمة آثار عظيمة، فمن رحمة الله أن خلق الخلق: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 128]، ومن رحمته جلَّ وعلا خلق الإنسان في أحسن تقويم: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، ﴿ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 8]، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].

ومن رحمته أنه تكفل برزق جميع عباده ناطقهم وحيوانهم، قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وقال جلَّ جلاله: ﴿ وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].

ومن رحمته مبعث محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمةً للعالمين: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

ومن رحمته مغفرته للذنوب وقبول توبة التائبين، قال تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 12] ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].

معاشر المسلمين:
إن هذه الرحمة لعظمها وأهميتها طلبها الأنبياء من الله، ورفعوا أكف الضراعة بأن يرحمهم الله، وهم الذين بذلوا وقتهم للدين، ولنصرة الحق، ولتبليغ دين الله، وهم أكثر الناس عبادة وخشية لله سبحانه، ومع هذا طلبوا من الله الرحمة والمغفرة، قال تعالى عن الأبوين آدم وحواء أنهما: ﴿ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، وقال عن نوح أنه قال: ﴿ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47].

وقال موسى عليه السلام: ﴿ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس: 86]، وقال سليمان عليه السلام: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وقال الله لنبيه - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 118].

فيا ترى من يستحق رحمة الله؟!
يستحق رحمة الله سبحانه وتعالى من امتثل لأمر الله ورسوله، وجعل بينه وبين عذاب الله وقاية، ق
ال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].

رحمة الله تمنح لمن استغفر ربه وأناب، قال تعالى: ﴿ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]، رحمة الله سبحانه وتعالى لا ينالها إلا من كان في قلبه رحمة لإخوانه المسلمين، والمستضعفين، رحمة الله تتنزل على المتراحمين فيما بينهم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد: "ومن لا يغفر لا يُغفر له"، إن نزع الرحمة من علامة الشقاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". حديث حسن أخرجه الترمذي وأبو داود.

وفي الحديث الصحيح:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد السهر والحمى" متفق عليه.

وإن النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لن يناله إلا من امتلأت قلوبهم بالحب والتراحم ولين الجانب، قال - صلى الله عليه وسلم -: "أهلُ الجنّة ثلاثة: إِمام عادِل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين وبكلِّ ذِي قربى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف".رواه مسلم.

الرحمة تزف لمن كان رحيما بوالديه بارا بهما، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء: 23- 24]، أحسن إليهما بالقول الطيب، وأحسن إليهما بالخدمة، وأحسن إليهما بالنفقة، وواسهما واعرف لهما قدرهما وحقهما لتسعد في حياتك بحياة طيبة مطمئنة وقلب مرتاح وذرية صالحة يبرون بك إن شاء الله.
يا من تشكوا قسوة في قلبك، ارحم اليتيم، وامسح على رأسه، ارحمه رحمةً تأديبيةً وإحسانًا ورفقًا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الجنةِ كَهَاتَيْنِ"، ارحم هذا المسكين اليتيم، وارحم فقده لأبيه فراعه وأدبه وأحسن إليه تفز بالخير: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [النساء: 9]، احفظ ماله من الضياع إن كنت ولياً له، واحذر التعدي عليه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء: 10].

الرحمة تمنح لمن وصل رحمه وواسى محتاجهم، وتحمل الأخطاء والمساوئ منهم فإن الرحم معلقة بالعرش يقول الله: "مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".

الرحمة يستحقها من رحم المعسر العاجز عن قضاء دينه، من رحمه وخفف عنه، من رحمه فأنظره، من رحمه فتصدق عليه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].

والإسلام حثّ على رحمة الصغير والكبير والضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي- عليه الصلاة والسلام - قال: ((ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر)) [رواه أحمد والترمذي].

أيها المشتاق لرحمة الله سبحانه، ارحم المنكوب والمكروب والمهموم والمعسر فرّج كربته ويسّر أمره: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً يومِ الْقِيَامَةِ"، ارحم الصغير والكبير، ارحم الكبير والصغير: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ حَقَّ كَبِيرِنَا".
إن ما يحصل لإخواننا في حلب حرب إبادة بما تحويه الكلمة من من معنى، حلب تحترق فهل من مغيث؟!! أين الأمة المسلمة؟ أما آن للعقلاء من هذه الأمة أين يكشفوا الغمة عن إخوانهم، وإلا فوالله إن العاقبة وخيمة إذا خذلنا إخواننا في حلب وغيرها.

هل نزعت الرحمة من المسلمين وهم ينظرون إلى المذابح بالليل والنهار من قبل طاغية الشام؟! أما آن للأمة أن تفيق من نومها قبل أن يحل عليها ما حل لإخواننا في حلب وغيرها من الدول المستضعفة، امرأة دخلت النار في هرة حبستها، فكيف بمن يحاصر شعباً بأكمله!! فكيف بمن له القدرة أن ينصرهم ثم لا يقف بجوارهم! كيف سيكون حاله إذا وقف وحيداً ذليلاً بين يديي الله؟! نخشى أن يخ
ذلنا الله إذا خذلناهم، نخاف أن تنزل علينا عقوبة من السماء، روى أحمد وأبو داود عن جابر وأبي طلحة قال – عليه الصلاة والسلام-: ((ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)) ولأحمد من حديث سهل بن حنيف ((من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على نصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة)).

نسأل الله أن ينزل رحماته على إخواننا المستضعفين في كل مكان.
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا.

أمـــا بعـــد: فيا أيها المؤمنون:
من مواقف رحمته صلى الله عليه وسلم:
رحمته بالصغار:
عن أنس رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله على إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف: وأنت رسول الله؟ فقال : (يا ابن عوف إنها رحمة) ، ثم قال : (إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) رواه البخاري ومسلم.

بل كان صلى الله عليه وسلم يُقعد أسامة على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ويقول : (اللهم ارحمهما فإني ارحمهما).

دخل الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه، فرأ النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن أو الحسين، فقال له: أو تقبلون أولادكم، إن لي عشرة من الولد، ما قبلت أحدا منهم قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك)

رحمته بالضعفاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا: ماتت، فقال: (أفلا كنتم آذنتموني،... دلوني على قبرها) فدلوه فصلى عليها. رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس رضي الله عنه قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت) صحيح البخاري.

وعن أبي مسعود البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: (كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا (اعلم أبا مسعود) لله أقدر عليك منك عليه فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال :أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار) صحيح مسلم.

رحمته بالبهائم:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) رواه أبوداود.

رحمته بالكفار:
قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) رواه البخاري ومسلم.

خلاصة القول:
يا أصحاب القلوب الرحيمة، أين نحن من هذا الخلق وما هو نصيبه من حياتنا، فهل نحن رحماء مع آبائنا وأمهاتنا؟ والله عز وجل يقول: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء:24]، وأين نحن من رحمة أبنائنا وبناتنا وأزواجنا والنبي صلى الله عليه وسل يقول: ( من لا يرحم لا يرحم ) وأين نحن من رحمة الضعفاء والمساكين من خدم وفقراء وغيرهم والله عزوجل يقول: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [سورة الضحى:9-10] , وأين نحن من التراحم فيما بيننا والله عزوجل يقول: ﴿ رحماء بينهم ﴾ .

قال أبو القاسم ابن عساكر:
بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ مغتنمًا
ولا تكنْ مِن قليلِ العرفِ محتشما
واشكرْ لمولاك ما أولاك من نعمٍ
فالشكرُ يستوجبُ الإفضالَ والكرما
وارحمْ بقلبِك خلقَ الله وارعَهُم
فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رَحِما
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه......

======================
دروس.وخـواطــر.رمـضــانيـة.cc
فـــضــــــــل قـــيـــــــــام الـــلــــــيـــــــــل
=======================

الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبــعــــد :

فإنّ قيام الليل مشروع (مسنون)
وقد ذكر الله تعالى الذين يُصلُّون صلاةَ الليل فقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان:64]. وقال تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ السجدة: 16،17] .

ولذا أيها المسلم اجتهد في رمضان
في قــيام اللــيل، وذلك كــما يلــي :

1- اعلم أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد سنّ لنا قيام شهر رمضان، وفي حديث عائشة لزوج النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ) رواه الشيخان .

2- وليكن قيامك ( صلاة الليل في رمضان، التراويح) إنّما تقومه إيماناً بالله وبما أعدّه من الثواب لمن قام رمضان، واحتساباً (طلباًً لثواب الله)، ولا يكن الدافع لك إلى القيام في رمضان رياء أو سمعة، أو مال، أو لطلب رياضة المفاصل أو نحو ذلك، فان قمت رمضان إيماناً واحتساباً تحقَّق لك ما قال عليه الصلاة والسلام حيث قال : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه الشيخان.

3- وليس لقيام رمضان ( التراويح ) عدد معين محدود لا بد منه، فإذا صلّيت - أيها المسلم- مع الإمام فاستمرَّ معه حتى ينصرف ؛ ليُكتب لك قيام ليلة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) .

4- لكن الأفضل لك - أيها المسلم-
أن تصلي التراويح مع الإمام الذي يُصلي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، ويُطيلها ويخشعُ فيها، وكذلك إمام المسجد لو يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ويٌطيل فيها فهذا هو الأكمل والأفضل، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنّها سُئلت : كيف كانت صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان ؟ فقالت : ( مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه الشيخان . وفي حديث ابن عباسٍ رضي الله عنه أنّه قال : ( كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ ) رواه البخاري .

5- والأولى لإمام المسجد الذي يصلي بالناس التراويح أن يسلّم بهم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة ؛ حتى لا يشُقَّ عليهم، أو يقع عندهم شيء من التشويش، وفي حديث عائشة لقالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ ) رواه الشيخان . وقال ع في صلاة الليل : ( مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ) رواه الشيخان.

وللمصلي أن يسرد وتره خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً، ولكن إذا صلّى تسعاً جلس في الثامنة، فيتشهد ثم يقوم فيصلي التاسعة ويتشهد ويدعو ويسلم، ولكنّ السرد إنّما يكون للمصلي إذا صلّى وحده أو بجماعةٍ اختاروا ذلك .

6- والأفضل إطالة الصلاة (صلاة التراويح) أو غيرها من قيام الليل، فعن السائب بن يزيد س قال : ( أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ) رواه مالك (صحيح). وقال عليه الصلاة والسلام : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ ) رواه مسلم .

ليحذر الذي يصلي بالناس من السرعة التي تذهب بالخشوع والطمأنينة ! وليقم الإمام ببعض التدبُّر، فإذا مرّ بآيةٍ فيها سؤال سأل الله، أو تسبيح سبّح الله، كما فعل عليه الصلاة والسلام .

7- يجوز للنساء الحضور لصلاة ال
تراويح في المساجد، إذا أُمِنَت الفتنة منهنّ أو بهنّ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ) رواه الشيخان .

ويشرع للنساء أن يبدأن بالصف المؤخَّر عكس الرجال، وأن ينصرفن عندما يسلم الإمام فوراً من انتهاء الصلاة، واللـه المـوفّـق

======================
🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋

🎤محاضرة🎤

📝رمضان شهر العزة والتمكين📝

🎯العناصر :-

1- رمضان شهر الجهاد.

2- ارتباط الصيام بالجهاد.

3- المعارك والغزوات التي حدثت في رمضان.

4- أمل بعد ألم.


🔰🔰🔰🔰🔰🔰🔰🔰

1-رمضان شهر الجهاد

ان الصيام مصدر قوة روحية تدفع الى العمل , واعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الخالق مما يمده بالروح الفّتِىّ والعزم القوى؛ لذلك كانت شهور رمضان أيام نصر حربي , وفوز نضالى , ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات اسلامية رائعة تبتدئ بمعركة بدر مرورا بمعارك كثيرة أشهرها فتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت حتى جاء نصر الله.
لذلك كان هذا الشهر يحفل على مد العصور بكبريات الوقائع الحربية الحاسمة في تاريخ الاسلام ؛ و من يتصفح كتب التاريخ، أو يقلب أوراقه تبرز أمامه صورة مشرقة لشهر عظيم، صورة غابت عن الأعين لفترة زادت عن المئة عام وأصبح من الصعب على العقل أن يتصورها بعد أن بعدت الشقة بينه وبين مثيلاتها منذ فترة طويلة. تلك هي الصورة المشرقة التي اتسمت بالعزة والكرامة والسؤدد والبسالة والانتصارات والفتوحات والتقوى والمغفرة . فالأمر لا يحتاج من الناظر إلى التدقيق والإمعان في كتب التاريخ حتى يصل إلى هذه الصورة المشرقة بل يكفيه التصفح السريع أو النظرة العاجلة ؛ ليدرك ما في هذا الشهر من الأحداث و البطولا ت التي نعلمها والتي لا نعلمها والتي تتسم بأنها أحداث عظيمة على قدر فضل شهر رمضان، فاذا قلنا أن رمضان شهر الجهاد فهو قول يحمل مصداقه التاريخي دون جدال .
ويأتي رمضان هذا العام والأمة تنزف في مواطن كثيرة، فهذا جرح سورية الغائر , وذاك جرح العراق النازف، وجرح ثالث في اليمن ، و رابع في بورما، وخامس في فلسطين ...
و ما يبرح أن ينزف جرح جديد حتى يلحق به جرح أخر، ولما كان غزو أفغانستان من قبل أمريكا ظهرت بعض الأصوات لتقول لأمريكا بأن رمضان قادم ويجب أن نراعي حرمته فلا نغزو المسلمين، قال بوش متبجحا إن الدولة الإسلامية كانت تخوض المعارك في شهر رمضان ــ وصدق وهو كذوب ـــ
وعلى وقع دماء اليوم التي ما زالت تسيل, نعود لأذكر بدماء زكية طاهرة سالت بالأمس, وآلت هذه السيول إلى العز والتمكين, ليكون هذا التذكير بإذن الله فيه النفع للمسلمين, وليس صحيحا أن حدوث تلك الانتصارات المدوية والتاريخية في شهر رمضان «مجرد صدفة»، كما يردد بعض المرجفين، فالصدفة لا وجود لها في تدابير خالق الكون الذي يقول عن نفسه: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ).

2-ارتباط الصيام بالجهاد

ارتبط شهر رمضان بالجهاد بشكل لافت للنظر، حتى آيات الصيام في سورة البقرة -بدايةً من قول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) [البقرة: 183] إلى آخر الآيات- تنتهي في ربع من القرآن، ثم يبتدئ ربع جديد، وثاني آية فيه تتحدَّث عن الجهاد والقتال، وهي آيات كثيرة تحضُّ على الجهاد، يقول ربنا عز وجل: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)[البقرة: 190-193].
آيات تحضُّ على الجهاد والقتال بشدَّة، والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس، إعداد للجسد، إعداد للأمة كلها..

العلاقة بين الصيام والجهاد وثيقة جدًّا؛ فالتاريخ الإسلامي يؤكد هذا الارتباط.


3-المعارك والغزوات التي حدثت في رمضان

*-غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة :

ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة خرج المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعترضوا قافلة لقريش يقودها أبو سفيان، ولكن أبا سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل واستنفر أهل مكة، فخرجوا لمحاربة المسلمين والتقى الجمعان في بدر في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة ، ونصر الله رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم فقد كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر وكان المشركون أكثر من ألف وأثمرت نتائج النصر ثماراً كثيرة، فقد ارتفعت معنويات المسلمين وعلت مكانتهم عند القبائل التي لم تسلم بعد، واهتزت قريش في أعماقها وخسرت كبار صناديدها وأعمدة الكفر فيها، وأخذت تعد للثأر والانتقام. وخلال سنة تحققت للمسلمين في المدينة عوامل أمن خارجية وداخلية فقبائل غطفان وسليم التي كانت تعد لمهاجمة المسلمين بلغها انتصار المسلمين في بدر وتحركهم بعد ذلك لضربها، فخافت وتركت ديارها وخلفت غنائم كثيرة للمسلمين، كم
ا أُجْلِيَ بنو قينقاع إحدى قبائل اليهود لكيدهم بالمسلمين وعدوانيتهم.
كانت تلك الغزوة فرقانا بين الحق والباطل، تلك الغزوة التي جعلت للمسلمين كيانا مهابا وجانبا مصونا .

وبعد هذه الغزوة أصبح للمسلمين كيان ماثل لأعين الكفار يحسبون له ألف حساب ولا يجرؤون على تجاهله،
بعد أن كانوا مستضعفين لا يكترث بهم بل ويستهان بهم ، أصبحوا بعدها قوة ضاربة يهابها الكفار، فكانت تلك الحادثة عرساً حقيقياً في رمضان وفرحاً صادقاً للمسلمين في شهر الفرقان.
لقد وُضِعَتْ قواعد بناء الأمة الإسلامية في غزوة بدر:

ففيها عرف المسلمون أن النصر من عند الله وليس بالعدد ولا العدة، فلا يصلح لأمة بعيدة عن ربها، وبعيدة عن دينها أن تنتصر؛ واقرأوا سورة الأنفال التي تتحدث عن غزوة بدر: ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال: 10].
كيف يمكن لجيش صغير قليل عدده، معه فَرَسَان وسبعون بعيراً، خرج بسلاح المسافر، أن يهزم جيشاً عظيماً معه مائة فارس، وسبعمائة بعير، خرج بسلاح الجيوش؟!!.
كيف يمكن لهذا العدد القليل في كل المقاييس المادية أن يغلب هذا العدد الكبير؟
هذا كله لم يكن إلا لأن الله هو الذي نصر المؤمنين، نصر الضعفاء القلَّة الأذلة؛ كما عبَّر -سبحانه- في كتابه الكريم، انتصروا بأسلحة غير تقليدية تمامًا، لم ينتصروا بأسلحة دمار شامل، أو صواريخ باليستية، أو أقمار صناعية، انتصروا بالمطر والنعاس، وبالرعب في قلوب الكافرين، وبالتوفيق في الرأي عند المؤمنين، وبضعف الرأي عند الكافرين، ونزلت الملائكة تحارب مع المؤمنين في بدر، وعلى رأسهم أفضلهم وأشرفهم جبريل -عليه السلام-: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال 12- 13)
كان هذا يوم أن كان المؤمنون أولياء لله لا للذين كفروا، عند ذلك كان الله مولاهم وناصرهم وألقى في قلوب أعدائهم الرعب، واسمع كلام الله عن هذا، قال رب العزة في سورة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ *بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ * )( آل عمران 149-151)
راجعوا غزوة بدر؛ ففيها زُرِعَ الأمل في نفوس المسلمين إلى يوم القيامة؛ ما دام الله معك فالنصر -لا شك- حليفك، قواعد وأسس وأصول وُضِعَتْ في غزوة بدر.
وقاعدة وحدة الصف وضعت أيضاً في بدر، قال ربنا سبحانه: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (الأنفال: 46).
فلا تتنازعوا يا قادة الفصائل فتفشلوا، لا تنازعوا فدماء الشهداء تستنهض هممكم، لا تنازعوا فآلاف الأسارى تنادي ضمائركم، لا تنازعوا فعشرات آلاف الأرامل والثكالى تنتظر شفاء صدورها من عدوكم على أيديكم، لا تنازعوا فملايين المهجرين تلهج ألسنتهم بالدعاء ينتظرون ساعة عرس نصركم، لا تنازعوا فالأمة كلها ترمق ساعة ظفركم، إنه نداء الله الخالد إلى قيام الساعة : (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ..)
(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )( الأنفال: 46)

فقاعدة الصبر وضعت في بدر وهي إلى قيام الساعة،
اصبروا أيها المجاهدون،
واصبروا أيها الناس وحنانيكم على مجاهديكم،
لا تستعجلوا النتائج، ولا ترموا أبنائكم من المجاهدين بالعمالة والخيانة من غير دليل، لا تكن ألسنتكم حدادٌ عليهم، واسوهم وأعينوهم وقدموا العون لهم بقدر ما تستطيعون، (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ..) (التوبة 91)

إياكم أيها الناس أن تكونوا من المعوقين والمخذلين فيحبط الله أعمالكم(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)( الأحزاب:19)
لا تكونوا من الم
ثبطين الظالمين الذين (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) التوبة 47
إن النصر لايكون إلا بالإخلاص لله، وابتغاء رفع راية لا إله إلا الله، وغير ذلك مصيره الفشل والخسران، وبالتالي مزيد من الشهداء والدمار والتهجير، وهذا ما تقرر في غزوة بدر وهو إلى قيام الساعة، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (الأنفال:46-47).

والتضحية بكل شيء؛ بالنفس والمال، بالوقت والجهد؛ ليتم النصر، هذه القاعدة وضعت أيضًا في بدر.
والإعداد قدر المستطاع لمواجهة الأعداء قاعدة وضعت في بدر، قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)(الأنفال:60)،
وطاعة القائد أس من أسس النصر وهذا أيضاً تقرر في بدر؛ ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (الأنفال:24)،.

كل قواعد بناء الأمة الإسلامية وُضعت في بدر، كل هذه القواعد نتعلمها في رمضان، نقترب من الله -سبحانه وتعالى- الذي بيده النصر في رمضان، نزيد من أواصر المودة والأخوة بين المسلمين، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تبني الأمة الإسلامية، تضحِّي بمالك وجهدك ووقتك في رمضان، تقوِّي صحتك وبدنك ولياقتك في رمضان.. وبإيجاز يكون الجهاد والإعداد له في رمضان.
وكم نخسر عندما نفقد هذه المعاني، ويمر الشهر علينا من غير أن نعرف قيمته في الجهاد في سبيل الله.

*-فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة :

في سنة 8هـ فكان الموعد مع حدث من أهم أحداث التاريخ، إنه فتح مكة، اللقاء الأخير والفيصل مع مشركي قريش؛ فقد خرج الرسول وجيش المؤمنين من المدينة المنورة قاصدًا مكة في العاشر من رمضان سنة 8هـ، وفتحها في الحادي والعشرين من رمضان.
والموقف في فتح مكة مختلف عن بدر؛ ففي غزوة بدر كان الخروج في رمضان على غير اختيار المؤمنين؛ لأن القافلة المشركة بقيادة أبي سفيان جاءت في ذلك التوقيت فخرجوا لها، لكن الخروج في فتح مكة كان بتخطيط وتدبير من رسول الله ومن المؤمنين، كان من الممكن أن يُؤَخِّروا الخروج ثلاثة أسابيع فقط ليخرجوا في شوال بعد انتهاء رمضان، كان من الممكن أن يقول بعضهم: نستفيد بالصيام والقيام وقراءة القرآن، ونُؤَخِّر الجهاد ثلاثة أسابيع فقط.. لكن كل هذا لم يحدث،
فرمضان شهر الجهاد، ليس فيه تعطيل للقتال، لا توجد به راحة للمؤمن،لم يؤخر رسول الله الجهاد بل أفطر وجاهد؛ لأن الجهاد متعين الآن، أما الصيام فيمكن قضاؤه بعد ذلك، ولكن الجهاد لا يُؤَخَّر؛ فهو ذروة سنام الإسلام.
إن أول صدام حقيقي مع مشركي قريش كان في رمضان في غزوة بدر، وآخر صدام مع المشركين كان -أيضًا- في رمضان في فتح مكة، فالأمر ليس صدفة؟! قال سبحانه: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (القمر:43)
ودخل الرسول الكريم وهدم صنم هبل، ومعه أكثر من ثلاثمائة وستين صنمًا بداخل الكعبة المشرفة، وهذه الأصنام ظلت داخل الكعبة سنين طويلة تعبد من دون الله، يختار أن تُدَمَّر وتكسر وتقع في شهر رمضان.
في الشهر نفسه بعث الرسول خالد بن الوليد ليهدم صنم العزى، فهدمها.

في الشهر نفسه بعث عمرو بن العاص ليهدم صنم سواع، فهدمه.

في الشهر نفسه بعث سعد بن زيد ليهدم صنم مناف، فهدمه.
إنه شهر إعزاز الإسلام، وتمكين الدين، ونصر المؤمنين، ورفع راية التوحيد،
رمضان شهر الإنقاذ والنجدة والنصر والعزة،
فلا يصح ألا يعلم المسلمون هذه المعاني،
ويظنون أنه شهر الأعمال الفنية الجديدة، والدورات الرياضية، والخيم الرمضانية،
ليس هذا هو رمضان الذي يريده ربنا سبحانه وتعالى.

*-فتح ( البُوَيْب) في السنة 13 هجرية :

أما في سنة 13هـ فحدث في منتهى الأهمية، إذ استطاع المسلمون في موقعة البويب بقيادة البطل الإسلامي الفذ المثنى بن الحارثة، وكان عدد المسلمين في هذه الموقعة 8 آلاف فقط، والفرس مائة ألف بقيادة (مهران) وهو من أعظم قُوَّاد الفرس، وتم اللقاء في الأسبوع الأخير من شهر رمضان سنة 13هـ، ودارت موقعة من أشدِّ مواقع المسلمين، أمر فيها المثنى جنوده أن يُفطروا؛ ليتقوَّوا على قتال عدوهم، اقتدى بفعل الرسول في فتح مكة، وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا، وأبلى المثنى وبقية الجيش بلاءً حسنًا، وتنزَّلت رحمات الله وبركاته على الجيش الصابر، فانتصر المسلمون انتصارًا رمضانيًّا هائلاً.
تُرى كم من الفرس قُتل في هذه الموقعة؟!
فني الجيش الفارسي بكامله في هذه الموقعة، تجاوز القتلى تسعين ألف فارسي من أصل مائة ألف، هزيمة مروعة للجيش الفارسي بعد شهر واحد من هزيمة المسلمين في موقعة الجسر. ولنفكر ونتدبَّر كيف لثمانية آلاف أن يهزموا أكثر من تسعين ألفًا، وفي عُدة أضعف من عدتهم، وفي عقر دارهم،
كيف يحدث هذا؟ لن تعرف تفسيرها أبدًا إلاَّ أن تقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17].
هذا هو التفسير الوحيد لهذه الموقعة، التي لا تُنْسَى في التاريخ الإسلامي.

*-فتح الأندلس:

ويتسلسل بنا التاريخ لنصل إلى رمضان سنة 91هـ، ليفتح المسلمون أولى صفحاتهم في سِفْر الأندلس الضخم، في رمضان سنة 91هـ تنزل الفرقة الاستكشافية المسلمة التي أرسلها موسى بن نصير -رحمه الله- بقيادة طريف بن مالك رحمه الله؛ لاستكشاف الأندلس.

وفي رمضان سنة 92هـ يلتقي المسلمون -وهم اثنا عشر ألف رجل- بقيادة طارق بن زياد رحمه الله بمائة ألف إسباني صليبي بقيادة رودريك، وتكون معركة هائلة داخل أرض الإسبان وفي عقر دارهم، والفارق هائل في العدد، ومع ذلك انتصر المسلمون فيها، وقد استمرت ثمانية أيام متصلة؛ ليبدأ المسلمون قصة طويلة في الأندلس استمرت أكثر من 800 سنة، هذا الانتصار الباهر كان في رمضان سنة 92هـ، وراجعوا ذلك في فتح الأندلس أو موقعة وادي برباط، فهي معجزة عسكرية بكل المقاييس، تغيَّر على إثرها كل تاريخ المنطقة في شمال إفريقيا وفي غرب أوربا، بل تاريخ أوربا كله.

أما عن جهاد صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- فحدث ولا حرج؛ إذ ما كان يُفَرِّق بين رمضان وبين أي شهر من شهور السنة، كل الشهور عنده جهاد، ليست هناك راحة،
فما أن انتهى من حطين وفتح بيت المقدس اتجه مباشرة إلى حصار صور في التاسع رمضان سنة 583هـ.
معارك متصلة في كل شهر إلى أن حرَّر -رحمه الله- صفد في رمضان سنة 584هـ، بعد سنة من حطين، وعندما كان بعض الوزراء يعرضون عليه تأجيل القتال بعد شهر الصوم، كان -رحمه الله- يرفض ويصر على الجهاد.

*-عين جالوت:

وفي الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ حدثت الموقعة التي هزَّت الأرض بكاملها موقعة عين جالوت، وفيها كان الانتصار الإسلامي الباهر بقيادة سيف الدين قطز -رحمه الله- على جحافل التتار، وكانت جيوش التتار تنتصر على جيوش المسلمين انتصارات متتالية بلا هزائم ولسنوات عديدة، مذابح من أبشع مذابح التاريخ، إبادة لكل ما هو حضاري، تدمير لكل شيء في البلاد الإسلامية، من أول يوم دخل فيه التتار في أرض المسلمين سنة 616هـ وإلى سنة 658هـ؛ 42 سنة متصلة وصل المسلمون فيها إلى أدنى درجات الذل والهوان،
ثم تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى في رمضان سنة 658هـ، وليس كأي انتصار؛
لقد فني جيش التتار بكامله.
إننا نلاحظ شيئًا عجيبًا جدًّا بعد هذه الرحلة التاريخية في رمضان!
فقد انتصر المسلمون تقريبًا على كل الفرق المعادية للإسلام في شهر رمضان، انتصرنا على المشركين في بدر وفتح مكة، انتصرنا على الفرس عُبَّاد النار في البُوَيْب، انتصرنا على الصليبيين في وادي برباط في الأندلس، وأيام صلاح الدين في فتح صفد، وانتصرنا على التتار في عين جالوت،
وفي رمضان سنة 31 هجرية كان فتح بلاد النوبة.
وفي رمضان سنة 114 هجرية كانت بلاط الشهداء.
وفي رمضان سنة 223 هجرية كان فتح عمورية.
وفي رمضان سنة 658 هجرية كان عين جالوت في فلسطين.
وفي رمضان سنة 702 هجرية كان فتح شقحب.
وفي رمضان سنة 829 هجرية كان فتح قبرص في عهد المماليك.
وبهذا نعلم مدى أهمية وارتباط شهر الصيام بالجهاد في سبيل الله، كيف لا ورمضان جهاد للنفس والروح والبدن، والجهاد في سبيل الله أيضا جهاد للنفس والروح والبدن والمال، فإذا ارتبطا ببعض كان ذلك أقوى للمؤمن وأكثر رفعا لمعنوياته وأشد تثبيتا سيما أن الوجهة واحدة وهي ابتغاء رضوان الله تعالى.

4-أمل بعد ألم:-

إن المجاهدين المخلصين في كل زمان ومكان قادرون - بتوفيق من الله - على صنع النصر من رماد الهزيمة، وبناء المصر والحضارة الراقية في خرائب العدوان، وزرع حدائق العلم والنور في ظلمات الجهل، إذا وجدوا مَن يُحسن قيادتهم، ويضرب لهم المثل والقدوة، ويتميز بالتضحية والشجاعة والإخلاص لله تعالى، ويُغلّب همَّ إعلاء كلمة هذا الدين على مصالحه الشخصية البالية الفانية، لكن إذا هانوا واستكانوا كانوا قصعة مستباحة لكل الأدعياء قبل الأعداء، واللهَ نسأل أن يردَّ هذه الأمة إلى دينها ردًّا جميلاً، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴
🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋

🎤خطبةجمعة🎤


📝رمضان شهر ميلاد الأمة📝

🎯عناصر الخطبة
1/ رمضان شهر انتصار السماء للأرض
2/ رمضان في ذاكرة الانتصارات
3/ رمضان المحطة الفارقة
4/ رمضان واستعادة الكرامة
5/ رمضان والانطلاق إلى العالمية
6/ رمضان وتحطيم الأساطير
7/ رمضان وصدق المعدن
8/ رمضان والانتصار على النفس



📜الخطبةالاولى:-

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:
أحبتي في الله أتباع محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-: كم لله -عز وجل- علينا من نعم ظاهرة وباطنة أسبغها علينا، وكم لله -عز وجل- من خير وفضل أفاض به علينا، واختص به أمة الإسلام دون غيرها من الأمم، ولم يعلم الناس ما عند الله -عز وجل- في شهر رمضان من الرحمات والبركات والخيرات ما فرط المفرطون وقصر المقصرون وغفل عن ذكره الغافلون، فالله -عز وجل- قد أودع شهر رمضان الكثير من الأسرار والكنوز، التي جعلت هذا الشهر المبارك شامة العام وتاج الشهور ودرة الزمان، فكما أن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن والصدقة والإطعام والعبادات الكثيرة، فإن شهر رمضان أيضًا هو شهر الانتصارات، شهر العزة والكرامة.

فربنا -عز وجل- جعل شهر رمضان شهر ميلاد الأمة الإسلامية، حين أضاء وحيُ السماء ظلمات الأرض، وبدد نور الهداية ظلمات الشرك والجاهلية والخرافة، فكان رمضان عهدًا جديدًا استقبلت به البشرية خير رسل الله وآخر رسالات السماء، فكان رمضان نقطة تحول في مسيرة البشرية بنزول القرآن؛ كان انتصارًا للنور على الظلام، والحق على الباطل، والتوحيد على الشرك، والطهارة والنقاء على الفحش والعهر.

أيها المسلمون: ومن فضائل هذا الشهر العظيم أن الله -عز وجل- قد جعله شهر النصر والحسم في مواقف كثيرة؛ فإن هذا الشهر قد وقعت فيه العديد من الأحداث العظام والمواقف الجسام التي مثلت تحولاً كبيرًا في حياة الأمة، فمعاني الانتصارات وأبجديات العزة وأصول الكرامة قد تجسدت في شهر رمضان الكريم.

فإلى القلب الذي يفكر خاشعًا بين يدي ملك السموات والأرض، وينفطر كمدًا على نكبات المسلمين، وإلى العين التي تسيل دمعًا من خشية الله، ودمًا على أحوال المسلمين ومآسيهم، وإلى الجوارح التي تصوم ابتغاء رضوان الله، وتشتاق أن تجاهد أعداء الإسلام؛ إلى هؤلاء جميعًا نهدي لهم هذه المشاهد والمواقف الكبرى في معاني الانتصار.

في شهر رمضان حقق المسلمون عدة انتصارات كانت بمثابة المحطة الفارقة والنقطة الفاصلة في حياة الأمة الإسلامية، وأولى هذه الانتصارات كانت يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم بدر، في العام الثاني من الهجرة، عندما التقت الفئة المؤمنة، جند الرحمن، بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، مع جند الشيطان، الفئة الكافرة، بقيادة فرعون الأمة أبي جهل، وقد تراءت الفئتان من أول صدام بين الحق والباطل والإيمان والكفران، ويتنزل نصر الله -عز وجل- على المؤمنين، ليكون أعظم انتصارات الإسلام.
ومن روعة الانتصار –أيها المسلمون- وعظمة المشهد أنزل الله -عز وجل- في الواقعة قرآنًا يتلى إلى يوم الدين في سورة الأنفال، التي نزلت معظم آياتها في شأن غزوة بدر، وقد سماها المولى -عز وجل- يوم الفرقان؛ لأنها كانت فرقانًا بين عهد الاستضعاف والقلى وتسلط الأعداء، إلى عهد القوة والانتشار والنصر على الأعداء، واستحق أهل بدر صك المغفرة والعتق من النيران الذي أصدره رب البرية على لسان رسول البشرية: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم...".

وفي رمضان من العام الثامن من الهجرة كانت محطة فارقة ونقطة فاصلة في حياة الأمة، عندما فتحت جيوش الصحابة بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة، وأعلنوا سقوط عاصمة الشرك والاستكبار الجاهلي، التي طالما استغل المشركون منزلتها وفضلها في التحريض ضد الإسلام والمسلمين، وأعلنوا تحرير بلد الله الحرام من أدران الشرك والأوثان، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الأمة اتحدت فيها بلاد الحرمين، الأصل والمهجر، وأعلن عن قيام الدولة الإسلامية على حدود جديدة.

أيها المسلمون عباد الله: عندما قاد المعتصم العباسي جيشًا جرارًا أوله من منابت الزيتون وآخره على أبواب عمورية، وذلك في رمضان سنة 223هـ، بعد أن تجبر طاغية الروم توفيل بن ميخائيل، واستغل انشغال المسلمون بقتال بابك الخرمي في فارس، وهجم بمائة ألف صليبي على حدود الدولة الإسلامية، وأوقع بأهل زبطرة في الأناضول مذبحة مروعة، فقتل الكبير والصغير، فجدع الأنوف وسمل العيون، واستاق الحرائر، حتى إن امرأة هاشمية صاحت بعد أن لطمها كلب رومي فقالت: "وامعتصماه"، وطارت الأخبار للخليفة المعتصم وهو في إيوان قصره، فلما طرقت الصرخة الحزينة مسامع الأسد الهصور "المعتصم العباسي" أسرع مهرولاً في قصره وهو يقول مثل الإعصار: "النفير النفير".

وقد خرج بكل م
ا لديه من جيوش، وأقسم ليهدمن أعز مدينة عند الرومان، وقد كتب وصيته ولبس كفنه وتحنط، وقسَّم ماله: ثلثًا لأهله، وثلثًا للمجاهدين، وثلثًا لمنافع المسلمين، ولم يهدأ له بال ولم يستقر له حال حتى أناخ بساحة عمورية بأكثر من مائة ألف مجاهد من ثلاث جهات، ودخل عمورية -وهي أشرف مدن النصارى، وهي العاصمة الدينية لهم- في السادس من رمضان سنة 223هـ، فهدمها بالكلية، وتركها قاعًا صفصفًا، وأدّب أعداء الأمة تأديبًا هائلاً، ارتدعوا به فترة طويلة، واستعادت الأمة كرامتها.

وكان رمضان منطلَقًا بالأمة إلى العالمية؛ حيث وثب فيه المسلمون وثبتهم الكبرى إلى قلب أوروبا، وقد خرجوا من حدود الجزيرة العربية إلى العالمية، حيث حملوا رايات التوحيد إلى قلب العالم النصراني والوثني، وذلك مبكرًا جدًّا عندما فتح المسلمون جزيرة رودوس سنة 53هـ، ثم وثب المسلمون أكبر وثباتهم وفتحوا الأندلس في معركة وادي لكة الشهيرة سنة 92 هـ، وأصبح غرب القارة الأوروبية مسلمًا يتردد الأذان في جنباته، ثم فتح المسلمون جزيرة صقلية سنة 212هـ، عندما قاد القائد الفقيه المحدث أسد بن الفرات جيوش المسلمين لمعركة سهل بلاطة في التاسع من رمضان سنة 212هـ؛ ليفتح أكبر جزر البحر المتوسط، ويصبح المسلمون على بعد خمسة أميال فقط من إيطاليا؛ حيث مقر النصرانية العالمية.
ثم واصل المسلمون انطلاقهم إلى العالمية لنشر التوحيد بين ربوع المعمورة، وفتح العثمانيون -بقيادة سليمان القانوني- بلجراد عاصمة الصرب في رمضان سنة 927هـ، وأصبحت بلجراد مدينة إسلامية، وانتشرت فيها المساجد، حتى بلغ تعدادها 250 مسجدًا قام الصرب بإحراقها جميعًا بعد سقوط الدولة العثمانية.

وفي رمضان 1094هـ وقف العثمانيون بمائتي ألف مقاتل على أبواب ?ينا -أشهر المدن الأوروبية وعاصمة الدولة الرومانية المقدسة- حتى كادوا أن يفتحوها.

أيها المسلمون: عندما انتصر المسلمون بقيادة سيف الدين قطز على جحافل التتار في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ وقضوا على أسطورة التتار الجيش الذي لا يهزم، وكانت تلك الأسطورة قد روعت الناس في كل مكان، حيث بلغ من شدة خوفهم ورعبهم من التتار أن الجندي التتري الواحد يدخل السرداب وفيه مائة رجل فيقتلهم جميعًا وحده بعد أن قتلهم الخوف والفزع من لقاء التتار.

كما حطم المسلمون في حرب أكتوبر سنة 1973م، العاشر من رمضان سنة 1393هـ أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وحطموا سور بارليف الذي قال عنه الصهاينة: إنه أحصن وأقوى أسوار العالم، وعرف الصهاينة مرارة الهزيمة، وأخذت شمطاء يهود جولدا مائير تصيح وتولول وتستغيث بالأمريكان: أدركونا فإسرائيل تنهار.

كما حطم المسلمون الأفغان أسطورة الجيش الروسي الذي كان يوصف بأنه أقوى جيوش العالم، وأجبره على الانسحاب وهو يجر أذيال الخيبة والهزيمة الثقيلة في رمضان سنة 1408هـ.

عباد الله: عندما ضرب المسلمون أروع الأمثلة في بيان صدق معدنهم وحقيقة إيمانهم عندما صمدوا وحققوا انتصارات رائعة هي بالمقاييس المادية شبه مستحيلة، يرفضها العقل، وتردها الحسابات الأرضية، فقد كشفوا عن صدق معدنهم في الثاني عشر من رمضان سنة 13هـ، عندما استطاع ثمانية آلاف مسلم بقيادة البطل المثنى بن حارثة أن ينتصروا على مائة وخمسين ألفًا من الفرس المتكبرين المغرورين في معركة البويب في غرب العراق.

وقد كشفوا عن صدق معدنهم في الثالث والعشرين من رمضان سنة 528هـ في معركة "إفراغة" في الأندلس، عندما انتصر أهل مدينة إفراغة في جنوب شرق الأندلس على جحافل الصليبين بقيادة ألفونسو المحارب، الذي جمع الرهبان والقساوسة وأقسم على الإنجيل أن لا يغادر أسوار إفراغة حتى يفتحها ويذبح أهلها جميعًا، ولكن قسمه صادف إرادة حديدية، وعزيمة فولاذية، وإيمانًا راسخًا، تطيش معه الجبال، وانتصر أهل إفراغة، وقتل ألفونسو المحارب تحت أسوار إفراغة.

وقد كشفوا عن صدق معدنهم أيضًا في معركة يلختير في رمضان سنة 1294هـ، عندما انتصر العثمانيون بقيادة أحمد مختار باشا -وكانوا أقل من خمسين ألف مقاتل-، انتصروا على الروس القياصرة -وكانوا أكثر من سبعمائة ألف مقاتل-، في واحدة من أساطير المعارك الدولية بين الروس والعثمانيين في أواخر القرن التاسع عشر ميلادي.

فالله نسأل في عليائه أن يعيد علينا أمثال هذه الانتصارات والكرامات العظمي، وأن يقر أعيننا برؤية نصر الأمة على أعدائها ومن خالفها. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


🔰🔰🔰🔰🔰🔰🔰🔰

📜 الخطبة الثانية:


الحمد لله وحده، وصلاة وسلامًا على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله وعلى من والاه، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى قيام الساعة.

أما بعد: هكذا رأينا -عباد الله- كيف كان شهر رمضان هو شهر الانتصارات الرائعة لأمة الإسلام، وهي الانتصارات التي ضربت أروع الأمثلة على صدق معدن المسلمين، وكيف أنهم قد انطلقوا خلال هذا الشهر المبارك إلى العالمية، ووثبوا بإسلامهم إلى قلب القارة الأوروبية، وحطموا كل الأساطير القديم
ة والحديثة عن أعداء الأمة، وحطموا معها الأوهام وكسروا حاجز الخوف.

ويبقى -عباد الله- أن نعرف أن كل واحد منا يستطيع أن يجعل لنفسه من شهر رمضان شهرًا للانتصارات، نعم، إذا كان جهاد أعداء الأمة قد حقق للمسلمين انتصارات رائعة في رمضان، فإن جهاد النفس وترويض الشهوات يحقق لكل واحد منا انتصارات رائعة في رمضان، لا تقل روعة عن انتصارات السلف؛ ذلك أن السلف لم يحققوا الانتصارات الرائعة في ميادين القتال وساحات الوغى، إلا بعد أن حققوا الانتصار أولاً على أنفسهم وهواهم وشهواتهم، كما قال الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

فلنجعل هذا الشهر شهر انتصار على الأحقاد والحسد والكراهية وفساد ذات البين، لنجعله شهر انتصار على قطيعة الأرحام والعجز والكسل والغفلة، لنجعله شهر انتصار على الشيطان ووساوسه وكيده، لنجعله شهر انتصار على الذنوب والمعاصي وتسويف التوبة، شهرًا للانتصار على خذلان المستضعفين وترك المظلومين.

عندها نصل إلى ما وصل إليه الأولون، ونحقق مثل انتصاراتهم وأمجادهم.

🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋

🎤خطبةجمعة🎤

📝انتصاراتنا في رمضان 📝

👳🏻سليمان بن حمد العودة


🎯عناصر الخطبة
1/ انتصاراتنا في رمضان ليست عسكرية فقط
2/ انتصار الصائم على الشهوات
3/ الانتصار على مكر الشيطان
4/ من انتصاراتنا العسكرية
5/ يوم بدر يوم الفرقان
6/ القوة المادية ليست وحدها ميزان المعركة
7/ موقف مشرف لصحابي جليل


📜الخطبةالاولى:-

إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أما بعدُ:

أيها الصائم: ماذا تعرفُ من انتصاراتنا في رمضان؟!
وما نوع هذه الانتصارات؟!
وماذا بقي لنا من عبرة؟!
وما هي الانتصارات المتجددةُ في رمضان؟!

إخوَّة الإسلام: وإذا كان رمضان شهر التقوى والصيام، وشهر الصبر وتلاوة القرآن، وشهر النفقة والإحسان، إلى غير ذلك من مزايا وفضائل شهر الصيام، فرمضان كذلك شهرُ الانتصار.

وانتصاراتنا في رمضان في أكثر من مجال، لا تحد بزمان ولا يخص بها أجيال دون أجيال، وليست قصرًا على الانتصارات العسكرية، بل ثمة انتصارات من نوع آخر؛ ففي شهر رمضان ينتصر الصائم على دواعي الشهوة -وإن كانت مباحة-؛ إذ تصوم البطون عن الأكل والشراب، وإن كانت حلالاً، وتصوم الفروجُ عن الشهوة وإن كانت غير ملومةٍ مع الأزواج أو ما ملكت الأيمان، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

وينتصر الصائم على الشهوة المحرمة كشرب الدخان، أو ما يدخل في بابه -بل وأعظم-، كالمخدرات والمسكرات ونحوها، فثمة نفرٌ من المسلمين بُلوا بهذه الأدواء المهلكة، لكنهم في شهر الصيام يهجرونها -ولو على الأقل في نهار رمضان- وهم خليقون بهجرها على الدوام، وعسى الله أن يجعل من شهر الصيام فرصةً لهم على التوبة النصوح والانتصار على دواعي الشهوة التي تورث الذلة والمهانة.

أيها الصائمون: والصائم الموفق والحافظ لصيامه ينتصر على شهوة النظر المحرمة، وشهوة السمع الآثمة، هذا في السمع والبصر، وفي اللسان ينتصر الصائم الحافظ لصيامه على آفات اللسان من الغيبة والنميمة، واللغو وقول الزور، والفحش والآثام ورديء الكلام.

عباد الله: وينتصر الصائمون الموفقون على دواعي الشهوة الخفية من حبِّ الرياء والسمعة، والصيام يدرب على الإخلاص، وبالصيام يقوى جانب المراقبة لله؛ إذ لا رقيب على الصائم إلا الله في صيامه وحفظ أمانته، ومن هنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

إخوة الإيمان: وينتصر جماهيرُ من المسلمين في رمضان على مكر الشيطان وتوهينه وإغوائه في التكاسل عن الصلاة جماعةً مع المسلمين، وفي شهود صلاة الفجر التي طالما أضاعوها أو أخروها عن وقتها.

وفي رمضان تكتظُّ المساجدُ بالمصلين، وعسى الله أن يجعل من رمضان فرصةً ليراجع المفرطون أنفسهم، ويتوبوا إلى بارئهم، ويشكروه على نعمة الصحة والأمن والفراغ، ويخرجوا من دائرة الخُلوف الذين قال الله فيهم:
: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) [مريم: 59، 60].

وها هو باب التوبة يُفتح على مصراعيه -يا أخا الإسلام-، فلا يضيق بك البابُ وإن كان واسعًا.

كما ينتصر الصائمون على الشح والأثرة والبخل والأنانية، ففي رمضان تكثر الصدقاتُ والإحسانُ للفقراء والمحتاجين، ويحسّ المسلمون في رمضان أكثر من غيره بحوائج إخوانهم المسلمين هنا وهناك، فيصلونهم ويحسنون إليهم، والمؤملُ والمرتجى أن يمتد هذا الإحسان والإنفاق بعد رمضان.

أيها المسلمون: وحين نَعدُّ انتصاراتنا المعنوية في رمضان، فإن كلَّ طاعةٍ يُتقرب بها إلى الله في رمضان هي انتصارٌ للحق وانتصارٌ لأصحاب الحق، وإن كلَّ تائب يعودُ إلى
عامات قريش -وهو أبو لهب- الذي خاف من الخروج لبدر رغم عداوته للرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ولم يحضر المعركة، وأناب عنه رجلاً بثلاثة آلاف دينار، ولكن الله قتله بآثار المعركة، فحين سمع بنتيجة المعركة وهزيمة المشركين كان الخبرُ قاسيًا عليه، فأصابته الحمى، ويُقال: إنه مات كمدًا وغيظًا.

وعمومًا ففي معركة بدر عدةُ معالم؛ من أهمها:

أن الظلم له نهاية، والمكر السيئ يحيق بأهله، ومن مقولة زعماء قريش: "لابد أن نَرِدَ بدرًا ونشرب الخمور وتعزف علينا القيان وتعلم العرب أنَّا نحن الناس". وبين هذه الكبرياء وصرعاهم في القليب عبرةً لمن اعتبر.

أن النصر مع الصبر، وحين يصدق المسلمون يمدهم الله بجند من عنده، ومن تأمل عوامل النصر الإلهية في بدر أدرك ذلك، فالنعاس والأمنة، الملائكة والتثبيت، نزول المطر المثبت للأقدام والمذهب لرجز الشيطان، تقليل المشركين في أعين المسلمين والعكس، (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) [الأنفال: 42].

أن الفارق الزمني بين العظمة والاستكبار والسقوط والاندثار قصير، وبين معركة بدر وفتح مكة ست سنوات، وهي قليلة في عمر الزمن واختلاف القوى.

ذلك هو الإسلام الحق، وتلك هي الجاهلية والباطل.


🕌🕌🕌🕌🕌🕌
رشده في رمضان، ويلتزم صراط الله المستقيم، هو انتصار للحق، وهو معدودٌ في انتصاراتنا في رمضان، وإن كلَّ كسب يتحقق للإسلام ودعوةٍ مثمرةٍ لغير المسلمين للدخول في الإسلام تنشط في رمضان هي انتصارٌ للحق وهي في دائرة انتصاراتنا في رمضان، وفوق هذا وذاك فنحن قادرون على تحقيق مزيد من الانتصارات في رمضان حين نتحرك ونجتهد ونُخلص ولا نكلّ ولا نمل.

أيها المسلمون: وإذا كانت هذه وأمثالها كثير من انتصاراتنا السلمية في شهر رمضان، فلنا انتصاراتٌ عسكريةٌ في رمضان، هلل الكون لها، واستبشر لها جندُ الله وكبر، وأرغمت أنوفُ الكافرين، وخمدت شوكة الباطل والمبطلين، وسأكتفي اليوم بوقفة يسيرة عند نموذج واحدٍ من هذه الانتصارات.

أجل، إن يوم الفرقان كان في رمضان، وكانت وقعةُ بدرٍ ملحمةً عظمى انتصر فيها الحقُّ على الباطل رغم فارق العدد والعدة، وشاء الله أن تقع المعركة على غير ميعاد، بل والمسلمون لها كارهون، ويودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، ولكن الله كان يريد المعركة: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 7، 8].

وتعلَّم المسلمون من معركة بدر: أن القوة المادية ليست وحدها ميزان المعركة، كيف لا والمؤمنون يقرؤون في كتاب ربهم أنهم إذا صدقوا وأخلصوا وأعدوا ما استطاعوا من قوة نصرهم الله على عدوهم، وعذب الله الكافرين بأيديهم، وتأملوا دقة التعبير في قوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14].

لقد كانت معركة بدرٍ الرمضانية فرقانًا كما سماها الله بين الحق والباطل وبين التوحيد والشرك، وبين عهد الضعف والأمر بالصبر والانتظار وكف الأيدي، وبين عهد القوة والجهاد في سبيل الله، والذي استمر في الفتوح على أيدي المسلمين، حتى وإن انتقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى.

وكانت بدرُ فرقانًا في موازين عوامل النصر والهزيمة، فقد خرجت قريش تجر أثواب الكبر والخيلاء بطرًا ورئاءَ الناس ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط، وما هي إلا لحظات حتى تطامنت الكبرياء، وأرغمت أنوفُ الملأ من قريش ما بين قتيل وأسيرٍ.

وحين نتجاوز ما حصل لأبي جهل ومن لقي مثل مصيره من صناديد قريش من أصحاب القليب، ونلتفت إلى الأسرى -وفيهم كبراء وملأٌ من قريش- نقف كذلك على نوع من دروس بدر في نُصرة الحقِّ ولو بعد حين، وفي قصة سهيل بن عمرو بن عبد شمس ما يؤكد ذلك، فقد وقع سُهيلٌ ممثلُ قريشٍ في صلح الحديبية في الأسر في معركة بدر، وقد كان أحد أشراف مكة، وخطيب قريش المشهور، وكان لخُطبه أثرٌ كبيرٌ في محاربة المسلمين، وحين تقرر إطلاق سراحه من الأسر بعد دفع الفداء عنه، تقدم الفاروق عمر -رضي الله عنه- إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: انزع ثنيتي سهيل حتى يدلعَ لسانه فلا يقومُ عليك خطيبًا في موضع أبدًا، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وقال لعمر: "دعه، فعسى أن يقومَ مقامًا تحمده".

ومضت الأيامُ سراعًا، وأسلمُ فيما بعد سهيلٌ، وصدقت رؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحين ارتد من ارتد من العرب بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لسهيل موقفٌ يُحمد عليه، فقد بلغه أن بعضَ أهل مكةَ همَّ بالردَّة، وكان سهيل سيدًا مطاعًا فيهم، فوقف خطيبًا وقال: "يا أهل مكة: لا تكونوا آخر الناس إسلامًا وأولهم ارتدادًا، والله من رابنا من أمره شيءٌ ضربنا عنقه كائنًا من كان".

قال ابن حجر: "وخطبهم بنحو ما خطب الصديقُ أهل المدينة".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

🌳🌳🌳🌳🌳🌳🌳🌳

📜 الخطبة الثانية:


الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أيها المسلمون: ليس الحديثُ عن معركة بدرٍ بالتفصيل، وإلا لطال الكلام، وفي المعركة دروسٌ وعبرٌ تستحق الوقفة والنظر، ولكنني في هذا المقام أكتفي بعرض موقفٍ آخر في صف المسلمين، بعد أن عَرضتُ لموقفٍ في صف المشركين، وهو مؤشرٌ على صدق المسلمين في الجهاد، وتنافسهم على الشهادة في سبيل الله.

فهذا سعدُ بن خيثمة بن الحارث، وأبوه خيثمة -رضي الله عنه- اختلفا أيُّهما يخرجُ مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمعركة، وأيهما يبقى مع النساء؛ إذ لابد لأحدهما أن يقيم، فقال الأب -وهو شيخ كبير- لابنه مستخدمًا حقَّ الأبوة: آثرني بالخروج وأقم أنت مع النساء، فأبى الولدُ سعدُ، لا عصيانًا ولا عقوقًا، ولكن رغبةً فيما عند الله، وقال: لو كان ذلك غير الجنة آثرتُك به، وإني لأرجو الشهادة في وجهي هذا.

واشتدَّ الخلافُ بينهما، كلٌّ يريد الخروج لبدر، فلم يجدا حلاً إلا أن يستهما، فخرج السهمُ لسعد الابن، فخرج فاستشهد يوم بدر.

تأملوا في هذه الصورة، وقارنوا بينها وبين واحدٍ من ز
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
وانـتـصـــف رمـــضـــــــــــــــان
للشيخ/ سامي بن خالد الحمود
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
أما بعد ، معاشر الصائمين ..
ما أسرع ما تمضي الأيام .. شهر رمضان ، ضيف كريم استقبلناه بالأمس ، وها هو اليوم قد انتصف، فهل فينا من قهر نفسه وانتصف؟ وهل فينا من قام فيه بما عرف؟ وتشوقت نفسه لنيل الشرف؟

لقد مضى من رمضان صدره، وانقضى منه شطره، واكتمل منه بدره، فاغتمنوا فرصة تمرُّ مرَّ السحاب، وادخلوا قبل أن يُغلق الباب .. فإنه يوشك الضيف أن يرتحل، وشهر الصوم أن ينتقل، فأحسنوا فيما بقي، يُغفَر لكم ما مضى، فإن أسأتم فيما بقي أُخذتم بما مضى وبما بقي .

رحل نصف رمضان ، وبين صفوفنا الصائم العابد، الباذل المنفق الجواد، نقي السريرة، طيب المعشر ، فهنيئاً لهؤلاء العاملين ما ادخروه عند رب العالمين .

رحل نصف رمضان ، وبين صفوفنا صائم عن الطعام والشراب، يبيت ليله يتسلى على أعراض المسلمين، وتقامر عينه شهوة محرمة يرصدها في ليل رمضان، يده امتدت إلى عاملٍ مسكين فأكلت ماله، أو حفنةِ ربا فأخذتها دون نظر إلى عاقبة ، أو تأمل في آخرة .

رحل نصف رمضان ، وبين صفوفنا من فاتته صلوات وجماعات، قد آثر النوم والراحة على كسب الطاعات .. وبين صفوفنا بخيلٌ شحيح، أسودُ السريرة، سيءُ المعشر، دخيلُ النية، فأحسن الله عزاء هؤلاء جميعاً في نصفهم الأول، وجبرهم في مصيبتهم، وأحسن الله لهم استقبال ما بقي لهم .

أيها المفرطون في شهر رمضان القائم، هل أنتم على يقين من العيش إلى رمضان قادم؟! فقوموا بحق شهركم، واتقوا الله في سرِّكم وجهركم، واعلموا أن عليكم ملكين يصحبانكم طول دهركم، ويكتبان كل أعمالكم، فلا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم.

إن أيام رمضان يجب أن تُعظَّم وتصان، وتُكرَّم ولا تُهان، فهل حبستم غرضكم فيها عن فضول الكلام والنظر؟! وكففتم جوارحكم عن اللهو والأشر؟! واستعددثم من الزاد ما يصلح للسفر؟! أم أنتم ممن تعرض في هذا الشهر للمساخط، وقارف المظالم والمساقط .
في صحيح ابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين))، فقال الصحابة: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين!!، فقال : ((إن جبريل عليه السلام أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، قلت: آمين)) [أخرجه ابن خزيمة وابن حبان]
كان قتادة رحمه الله يقول: كان يقال: من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له .

أيها الإخوة المؤمنون ، إننا مسؤولون عن هذه الأوقات من أعمارنا، في أي مصلحة قضيناها؟ أفي طاعة الله وذكره، وتلاوة كتابه وتعلم دينه، أم قضيناها في المقاهي وأمام القنوات ، أو في اللهو واللعب الذي لا يعود علينا بكبير فائدة، بل هو من أسباب البعد عن الله تعالى .

فلنستدرك باقي الشهر، فإنه أشرف أوقات الدهر، هذه أيام يحافظ عليها وتصان، هي كالتاج على رأس الزمان، ولنعلم أننا مسؤولون عما نضيعه من أوقات وأحيان .

أيها المؤمنون، إن شهر رمضان شهر العتق من النيران، شهر فكاك الرقاب من دار الشقاء والحرمان ، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لله عز وجل عند كل فطر عتقاء)) [أخرجه أحمد والطبراني وحسنه الألباني .. وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أحمد وصححه الألباني : ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة يعني في رمضان وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة .

فاجتهدوا – يا رعاكم الله – ما استطعتم في إعتاق رقابكم، وفكاك أبدانكم، وشراء أنفسكم من الله جل جلاله.
أيها المؤمنون، هذا أوان التوبة والاستغفار، والأوبة والانكسار .
متى يتوب ، من لم يتب في رمضان؟ ورغم أنف رجل أدرك رمضان فلم يغفر له .

إن رمضان فرصة للمذنبين.. فالشياطين مصفدة.. وشهوات النفس مقيدة .. والنفحات ممنوحة .. وأبواب الجنة مفتوحة.
قال ابن رجب: وما في هذه المواسم الفاضلة موسمٌ إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات . اهـ

وقد روى الطبراني وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده" .

الله أكبر .. هذه نفحات القدس قد تنزلت .. هذه نسمات الأنس قد هبت .. هذه بساتين الجنان قد تزينت .. وجدير بالمؤمن أن يشمر ويجتهد .. وحري بالغافل أن يعاجل ، وجدير بالمقصر أن يشمر . وأن يقصر عن التقصير في الشهر القصير .

عباد الله .. ونحن نرى الناس في هذه الأيام يتهافتون على استثمارات الدنيا ، من الأسهم والعقارات ، والمصالح والتجارات .. ما أح
رانا أن نستثمر رمضان بالأعمال الصالحة ، والتجارة الرابحة .. وإليكم بعض فرص الاستثمار الرابح .

فمن فرص الاستثمار الرابح في رمضان : بذل المعروف ، ومد يد العون للمحتاجين ، ورعاية الضعفاء والمعوزين .. فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما ، والحديث في الصحيحين .

ومن فرص الاستثمار الرابح : صلاة القيام ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه .. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة .. فهنيئاً للقائمين .

ومن فرص الاستثمار في رمضان : صلة الأرحام ، وتحقيق معالم التواصل المفقود في حياة الكثير منا

ومن فرص الاستثمار في رمضان : توسيع دائرة الأخلاق في التعامل مع الآخرين ، فإن دائرة الأخلاق من أوسع الدوائر التي يلج منها الصائم إلى رضوان الله تعالى ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره : ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن .

إن صاحب الأخلاق الفاضلة يزيده رمضان عطفاً على الآخرين ، واحتراماً لهم ، وتقديراً لظروفهم .. لا كما يفعله بعض الناس ممن تضيق أخلاقهم عند الصوم .
ومن فرص الاستثمار في رمضان : العمرة في رمضان ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما .

وقال صلى الله عليه وسلم لأم معقل رضي الله عنها: عمرة في رمضان تقضي حجة أو قال: كحجة معي .

ويمكن للمستثمر أن يوسّع دائرة الأجر بالمساهمة في معونة المحتاجين ليؤدوا العمرة .

ومن فرص الاستثمار في رمضان : تبنّي بعض الأعمال الدعوية والاجتماعية ، كتعليم كتاب الله تعالى ، وعمل المسابقات التربوية والاجتماعية للأسر أو الشباب ، وإقامة رحلات العمرة ، ونحو ذلك من الأعمال النافعة .

ومن فرص الاستثمار في رمضان : إحياء شعيرة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ، فإنها من السنن التي كان يحافظ عليها نبي الهدى صلى الله عليه وسلم .

ألا فانتهزوا رحمكم الله هذه الفرص العظيمة ، وما تقدوموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً ، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) .. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ، إنه هو الغفور الرحيم .


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه ..
عباد الله ، ومن فرص الاستثمار الرابح في رمضان : العناية بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتفسيراً .
رمضان شهر تلاوة القرآن، وتدبُّر آي الفرقان، بمدارسة معاني الألفاظ، والرجوع إلى أهل العلم من القراء والحفاظ .

لقد شرفكم الله تعالى وتبارك ، بهذا الكتاب المبارك، فتدبروا آياته، وتفكروا في بيِّناته، وقفوا عند عظاته، وإياكم والهذ والبذّ .
لقد كان السلف الكرام رحمهم الله يكثرون من ختم القرآن، فإذا جاء رمضان ازدادوا من ذلك لشرف الزمان، وكان جبريل عليه السلام يلقى رسول الله في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن . وفي آخر عام من حياة سيد الأنام ، عارضه جبريل القرآن مرتين على التمام .
وكان الأسود التابعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان كل ليلتين، وكان يختم في غير رمضان كل ست ليال.
وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة.

وكان الشافعي رحمه الله يختم في شهر رمضان ستين ختمة .
قال النووي: وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة .

قال الذهبي: قد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحواً من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، ولما حضرته الوفاة بكت أخته فقال: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.

عباد الله .. إن رمضان فرصة حقيقية للاستثمار الرابح مع الله ، واللبيب يدرك بصدق أن الفرص تلوح ، وقد لا تعود ، فاستثمروا رحمكم الله ما بقي من حياتكم .. وتزودوا لمعادكم قبل مماتكم .. (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ، وبشر المؤمنين) .
وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
شــفاعـة الصــيام والـقــرآن
للشيــخ/ أحــمــــد عــمــــــاري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــة.الاولــى.cc
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
مع نعمة أخرى من نِعم الله عز وجل العظيمة التي أنعم بها على عباده، وتفضل بها عليهم، تحفيزاً لهم على الاجتهاد في طاعته وعبادته، حتى يفوزوا بخيره وعطائه وكرمه. نعمة يحتاج إليها العباد يوم يتخلى القريب عن قريبه والحبيب عن حبيبه، ﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]. إنها الشفاعة، وما أدراكما الشفاعة؛ نعمة من نعم الله، وعطية من عطاياه، ينالها العبد بالصيام والقرآن، ونحن في شهر الصيام وشهر القرآن.

• مفهوم الشفاعة:
الشفاعة: أن ينضم إليك من أذن الله له في الشفاعة، ويقف بجانبك ناصراً لك، سائلاً عنك.
الشفاعة: أن يسأل مَنْ هو أهلٌ للشفاعة رَبّه سبحانه أن يتجاوزَ عن ذنوبك وجرائمك.
الشفاعة: طلب الشفيع من الله تعالى نفعَ محتاج، أو دفعَ ضرّ عنه.
ولا تكون الشفاعة يوم القيامة إلا بإذن الله ورضاه، قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]. وقال عز وجل: ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه: 109].

• حاجة الناس إلى الشفاعة يوم القيامة:
ما أحوج الناس إلى الشفاعة يوم القيامة؛ حين يقف كل واحد منا وحيدا فريدا، لا مال، ولا منصب، ولا جاه، ولا أبناء، ولا أصحاب، ولا أقارب... الكل مشغول بنفسه، والكل يقول: نفسي نفسي...

قال تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 33 - 37].

وقال عز وجل: ﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ [المعارج: 8 - 18]

من شدة الهول والفزع في ذلك اليوم لا يسأل الولد عن والده، ولا الوالد عن ولده، ولا القريب عن قريبه، ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101].

قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].

كلّ امرئ بما كسبَ رهين، ينظر ما قدمت يداه، وينتظر ما يُقضى به عليه، وهو واقف بين يدي الله يحاسبه على أعماله، ويُقرّه بذنوبه وآثامه.. ففي الصحيحين عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أشْأمَ مِنْهُ فلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تَمْرَةٍ».

ولِتقِفَ على حجم الهول الذي ينتظرك في ذلك اليوم، قِفْ مع حديث الشفاعة:
في الصحيحين عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بلحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يُجْمَعُ النَّاسُ؛ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفذهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقونَ وَلاَ يَحْتَمِلونَ، فيَقولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بآدَمَ. فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام، فَيَقُولونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَر، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَة فسَجَدُوا لَكَ، اشْفعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إلى مَا قَدْ بَلغَنَا؟ فيَقولُ آدَمُ: إِنَّ
2024/09/28 13:28:27
Back to Top
HTML Embed Code: