🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
انتـصـــاراتــنـا فـــي رمـــضـــــان
للشيخ/ سليمان بن حمـد العــودة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
أهداف وعناصر الخطبة :
1/ انتصاراتنا في رمضان ليست عسكرية فقط 2/ انتصار الصائم على الشهوات 3/ الانتصار على مكر الشيطان 4/ من انتصاراتنا العسكرية 5/ يوم بدر يوم الفرقان 6/ القوة المادية ليست وحدها ميزان المعركة 7/ موقف مشرف لصحابي جليل
الخطبـــة.الاولـــى.cc
إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعدُ:
أيها الصائم: ماذا تعرفُ من انتصاراتنا في رمضان؟! وما نوع هذه الانتصارات؟! وماذا بقي لنا من عبرة؟! وما هي الانتصارات المتجددةُ في رمضان؟!
إخوَّة الإسلام: وإذا كان رمضان شهر التقوى والصيام، وشهر الصبر وتلاوة القرآن، وشهر النفقة والإحسان، إلى غير ذلك من مزايا وفضائل شهر الصيام، فرمضان كذلك شهرُ الانتصار.
وانتصاراتنا في رمضان في أكثر من مجال، لا تحد بزمان ولا يخص بها أجيال دون أجيال، وليست قصرًا على الانتصارات العسكرية، بل ثمة انتصارات من نوع آخر؛ ففي شهر رمضان ينتصر الصائم على دواعي الشهوة -وإن كانت مباحة-؛ إذ تصوم البطون عن الأكل والشراب، وإن كانت حلالاً، وتصوم الفروجُ عن الشهوة وإن كانت غير ملومةٍ مع الأزواج أو ما ملكت الأيمان، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وينتصر الصائم على الشهوة المحرمة كشرب الدخان، أو ما يدخل في بابه -بل وأعظم-، كالمخدرات والمسكرات ونحوها، فثمة نفرٌ من المسلمين بُلوا بهذه الأدواء المهلكة، لكنهم في شهر الصيام يهجرونها -ولو على الأقل في نهار رمضان- وهم خليقون بهجرها على الدوام، وعسى الله أن يجعل من شهر الصيام فرصةً لهم على التوبة النصوح والانتصار على دواعي الشهوة التي تورث الذلة والمهانة.
أيها الصائمون: والصائم الموفق والحافظ لصيامه ينتصر على شهوة النظر المحرمة، وشهوة السمع الآثمة، هذا في السمع والبصر، وفي اللسان ينتصر الصائم الحافظ لصيامه على آفات اللسان من الغيبة والنميمة، واللغو وقول الزور، والفحش والآثام ورديء الكلام.
عباد الله: وينتصر الصائمون الموفقون على دواعي الشهوة الخفية من حبِّ الرياء والسمعة، والصيام يدرب على الإخلاص، وبالصيام يقوى جانب المراقبة لله؛ إذ لا رقيب على الصائم إلا الله في صيامه وحفظ أمانته، ومن هنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
إخوة الإيمان: وينتصر جماهيرُ من المسلمين في رمضان على مكر الشيطان وتوهينه وإغوائه في التكاسل عن الصلاة جماعةً مع المسلمين، وفي شهود صلاة الفجر التي طالما أضاعوها أو أخروها عن وقتها.
وفي رمضان تكتظُّ المساجدُ بالمصلين، وعسى الله أن يجعل من رمضان فرصةً ليراجع المفرطون أنفسهم، ويتوبوا إلى بارئهم، ويشكروه على نعمة الصحة والأمن والفراغ، ويخرجوا من دائرة الخُلوف الذين قال الله فيهم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) [مريم: 59، 60].
وها هو باب التوبة يُفتح على مصراعيه -يا أخا الإسلام-، فلا يضيق بك البابُ وإن كان واسعًا.
كما ينتصر الصائمون على الشح والأثرة والبخل والأنانية، ففي رمضان تكثر الصدقاتُ والإحسانُ للفقراء والمحتاجين، ويحسّ المسلمون في رمضان أكثر من غيره بحوائج إخوانهم المسلمين هنا وهناك، فيصلونهم ويحسنون إليهم، والمؤملُ والمرتجى أن يمتد هذا الإحسان والإنفاق بعد رمضان.
أيها المسلمون: وحين نَعدُّ انتصاراتنا المعنوية في رمضان، فإن كلَّ طاعةٍ يُتقرب بها إلى الله في رمضان هي انتصارٌ للحق وانتصارٌ لأصحاب الحق، وإن
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
انتـصـــاراتــنـا فـــي رمـــضـــــان
للشيخ/ سليمان بن حمـد العــودة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
أهداف وعناصر الخطبة :
1/ انتصاراتنا في رمضان ليست عسكرية فقط 2/ انتصار الصائم على الشهوات 3/ الانتصار على مكر الشيطان 4/ من انتصاراتنا العسكرية 5/ يوم بدر يوم الفرقان 6/ القوة المادية ليست وحدها ميزان المعركة 7/ موقف مشرف لصحابي جليل
الخطبـــة.الاولـــى.cc
إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعدُ:
أيها الصائم: ماذا تعرفُ من انتصاراتنا في رمضان؟! وما نوع هذه الانتصارات؟! وماذا بقي لنا من عبرة؟! وما هي الانتصارات المتجددةُ في رمضان؟!
إخوَّة الإسلام: وإذا كان رمضان شهر التقوى والصيام، وشهر الصبر وتلاوة القرآن، وشهر النفقة والإحسان، إلى غير ذلك من مزايا وفضائل شهر الصيام، فرمضان كذلك شهرُ الانتصار.
وانتصاراتنا في رمضان في أكثر من مجال، لا تحد بزمان ولا يخص بها أجيال دون أجيال، وليست قصرًا على الانتصارات العسكرية، بل ثمة انتصارات من نوع آخر؛ ففي شهر رمضان ينتصر الصائم على دواعي الشهوة -وإن كانت مباحة-؛ إذ تصوم البطون عن الأكل والشراب، وإن كانت حلالاً، وتصوم الفروجُ عن الشهوة وإن كانت غير ملومةٍ مع الأزواج أو ما ملكت الأيمان، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وينتصر الصائم على الشهوة المحرمة كشرب الدخان، أو ما يدخل في بابه -بل وأعظم-، كالمخدرات والمسكرات ونحوها، فثمة نفرٌ من المسلمين بُلوا بهذه الأدواء المهلكة، لكنهم في شهر الصيام يهجرونها -ولو على الأقل في نهار رمضان- وهم خليقون بهجرها على الدوام، وعسى الله أن يجعل من شهر الصيام فرصةً لهم على التوبة النصوح والانتصار على دواعي الشهوة التي تورث الذلة والمهانة.
أيها الصائمون: والصائم الموفق والحافظ لصيامه ينتصر على شهوة النظر المحرمة، وشهوة السمع الآثمة، هذا في السمع والبصر، وفي اللسان ينتصر الصائم الحافظ لصيامه على آفات اللسان من الغيبة والنميمة، واللغو وقول الزور، والفحش والآثام ورديء الكلام.
عباد الله: وينتصر الصائمون الموفقون على دواعي الشهوة الخفية من حبِّ الرياء والسمعة، والصيام يدرب على الإخلاص، وبالصيام يقوى جانب المراقبة لله؛ إذ لا رقيب على الصائم إلا الله في صيامه وحفظ أمانته، ومن هنا قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
إخوة الإيمان: وينتصر جماهيرُ من المسلمين في رمضان على مكر الشيطان وتوهينه وإغوائه في التكاسل عن الصلاة جماعةً مع المسلمين، وفي شهود صلاة الفجر التي طالما أضاعوها أو أخروها عن وقتها.
وفي رمضان تكتظُّ المساجدُ بالمصلين، وعسى الله أن يجعل من رمضان فرصةً ليراجع المفرطون أنفسهم، ويتوبوا إلى بارئهم، ويشكروه على نعمة الصحة والأمن والفراغ، ويخرجوا من دائرة الخُلوف الذين قال الله فيهم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) [مريم: 59، 60].
وها هو باب التوبة يُفتح على مصراعيه -يا أخا الإسلام-، فلا يضيق بك البابُ وإن كان واسعًا.
كما ينتصر الصائمون على الشح والأثرة والبخل والأنانية، ففي رمضان تكثر الصدقاتُ والإحسانُ للفقراء والمحتاجين، ويحسّ المسلمون في رمضان أكثر من غيره بحوائج إخوانهم المسلمين هنا وهناك، فيصلونهم ويحسنون إليهم، والمؤملُ والمرتجى أن يمتد هذا الإحسان والإنفاق بعد رمضان.
أيها المسلمون: وحين نَعدُّ انتصاراتنا المعنوية في رمضان، فإن كلَّ طاعةٍ يُتقرب بها إلى الله في رمضان هي انتصارٌ للحق وانتصارٌ لأصحاب الحق، وإن
كلَّ تائب يعودُ إلى رشده في رمضان، ويلتزم صراط الله المستقيم، هو انتصار للحق، وهو معدودٌ في انتصاراتنا في رمضان، وإن كلَّ كسب يتحقق للإسلام ودعوةٍ مثمرةٍ لغير المسلمين للدخول في الإسلام تنشط في رمضان هي انتصارٌ للحق وهي في دائرة انتصاراتنا في رمضان، وفوق هذا وذاك فنحن قادرون على تحقيق مزيد من الانتصارات في رمضان حين نتحرك ونجتهد ونُخلص ولا نكلّ ولا نمل.
أيها المسلمون: وإذا كانت هذه وأمثالها كثير من انتصاراتنا السلمية في شهر رمضان، فلنا انتصاراتٌ عسكريةٌ في رمضان، هلل الكون لها، واستبشر لها جندُ الله وكبر، وأرغمت أنوفُ الكافرين، وخمدت شوكة الباطل والمبطلين، وسأكتفي اليوم بوقفة يسيرة عند نموذج واحدٍ من هذه الانتصارات.
أجل، إن يوم الفرقان كان في رمضان، وكانت وقعةُ بدرٍ ملحمةً عظمى انتصر فيها الحقُّ على الباطل رغم فارق العدد والعدة، وشاء الله أن تقع المعركة على غير ميعاد، بل والمسلمون لها كارهون، ويودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، ولكن الله كان يريد المعركة: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 7، 8].
وتعلَّم المسلمون من معركة بدر: أن القوة المادية ليست وحدها ميزان المعركة، كيف لا والمؤمنون يقرؤون في كتاب ربهم أنهم إذا صدقوا وأخلصوا وأعدوا ما استطاعوا من قوة نصرهم الله على عدوهم، وعذب الله الكافرين بأيديهم، وتأملوا دقة التعبير في قوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14].
لقد كانت معركة بدرٍ الرمضانية فرقانًا كما سماها الله بين الحق والباطل وبين التوحيد والشرك، وبين عهد الضعف والأمر بالصبر والانتظار وكف الأيدي، وبين عهد القوة والجهاد في سبيل الله، والذي استمر في الفتوح على أيدي المسلمين، حتى وإن انتقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى.
وكانت بدرُ فرقانًا في موازين عوامل النصر والهزيمة، فقد خرجت قريش تجر أثواب الكبر والخيلاء بطرًا ورئاءَ الناس ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط، وما هي إلا لحظات حتى تطامنت الكبرياء، وأرغمت أنوفُ الملأ من قريش ما بين قتيل وأسيرٍ.
وحين نتجاوز ما حصل لأبي جهل ومن لقي مثل مصيره من صناديد قريش من أصحاب القليب، ونلتفت إلى الأسرى -وفيهم كبراء وملأٌ من قريش- نقف كذلك على نوع من دروس بدر في نُصرة الحقِّ ولو بعد حين، وفي قصة سهيل بن عمرو بن عبد شمس ما يؤكد ذلك، فقد وقع سُهيلٌ ممثلُ قريشٍ في صلح الحديبية في الأسر في معركة بدر، وقد كان أحد أشراف مكة، وخطيب قريش المشهور، وكان لخُطبه أثرٌ كبيرٌ في محاربة المسلمين، وحين تقرر إطلاق سراحه من الأسر بعد دفع الفداء عنه، تقدم الفاروق عمر -رضي الله عنه- إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: انزع ثنيتي سهيل حتى يدلعَ لسانه فلا يقومُ عليك خطيبًا في موضع أبدًا، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وقال لعمر: "دعه، فعسى أن يقومَ مقامًا تحمده".
ومضت الأيامُ سراعًا، وأسلمُ فيما بعد سهيلٌ، وصدقت رؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحين ارتد من ارتد من العرب بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لسهيل موقفٌ يُحمد عليه، فقد بلغه أن بعضَ أهل مكةَ همَّ بالردَّة، وكان سهيل سيدًا مطاعًا فيهم، فوقف خطيبًا وقال: "يا أهل مكة: لا تكونوا آخر الناس إسلامًا وأولهم ارتدادًا، والله من رابنا من أمره شيءٌ ضربنا عنقه كائنًا من كان".
قال ابن حجر: "وخطبهم بنحو ما خطب الصديقُ أهل المدينة".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أيها المسلمون: ليس الحديثُ عن معركة بدرٍ بالتفصيل، وإلا لطال الكلام، وفي المعركة دروسٌ وعبرٌ تستحق الوقفة والنظر، ولكنني في هذا المقام أكتفي بعرض موقفٍ آخر في صف المسلمين، بعد أن عَرضتُ لموقفٍ في صف المشركين، وهو مؤشرٌ على صدق المسلمين في الجهاد، وتنافسهم على الشهادة في سبيل الله.
فهذا سعدُ بن خيثمة بن الحارث، وأبوه خيثمة -رضي الله عنه- اختلفا أيُّهما يخرجُ مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمعركة، وأيهما يبقى مع النساء؛ إذ لابد لأحدهما أن يقيم، فقال الأب -وهو شيخ كبير- لابنه مستخدمًا حقَّ الأبوة: آثرني بالخروج وأقم أنت مع النساء، فأبى الولدُ سعدُ، لا عصيانًا ولا عقوقًا، ولكن رغبةً فيما عند الله، وقال: لو كان ذلك غير الجنة آثرتُك به، وإني لأرجو الشهادة في وجهي هذا.
واشتدَّ الخلافُ بينهما، كلٌّ يريد الخروج لبدر، فلم يجدا حلاً إلا أن يستهما، فخرج السهمُ لسعد الابن، فخرج فاستشهد يوم بدر.
تأملوا في هذه الصورة، وقارنوا بينها وبين واحدٍ م
أيها المسلمون: وإذا كانت هذه وأمثالها كثير من انتصاراتنا السلمية في شهر رمضان، فلنا انتصاراتٌ عسكريةٌ في رمضان، هلل الكون لها، واستبشر لها جندُ الله وكبر، وأرغمت أنوفُ الكافرين، وخمدت شوكة الباطل والمبطلين، وسأكتفي اليوم بوقفة يسيرة عند نموذج واحدٍ من هذه الانتصارات.
أجل، إن يوم الفرقان كان في رمضان، وكانت وقعةُ بدرٍ ملحمةً عظمى انتصر فيها الحقُّ على الباطل رغم فارق العدد والعدة، وشاء الله أن تقع المعركة على غير ميعاد، بل والمسلمون لها كارهون، ويودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، ولكن الله كان يريد المعركة: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 7، 8].
وتعلَّم المسلمون من معركة بدر: أن القوة المادية ليست وحدها ميزان المعركة، كيف لا والمؤمنون يقرؤون في كتاب ربهم أنهم إذا صدقوا وأخلصوا وأعدوا ما استطاعوا من قوة نصرهم الله على عدوهم، وعذب الله الكافرين بأيديهم، وتأملوا دقة التعبير في قوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14].
لقد كانت معركة بدرٍ الرمضانية فرقانًا كما سماها الله بين الحق والباطل وبين التوحيد والشرك، وبين عهد الضعف والأمر بالصبر والانتظار وكف الأيدي، وبين عهد القوة والجهاد في سبيل الله، والذي استمر في الفتوح على أيدي المسلمين، حتى وإن انتقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى.
وكانت بدرُ فرقانًا في موازين عوامل النصر والهزيمة، فقد خرجت قريش تجر أثواب الكبر والخيلاء بطرًا ورئاءَ الناس ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط، وما هي إلا لحظات حتى تطامنت الكبرياء، وأرغمت أنوفُ الملأ من قريش ما بين قتيل وأسيرٍ.
وحين نتجاوز ما حصل لأبي جهل ومن لقي مثل مصيره من صناديد قريش من أصحاب القليب، ونلتفت إلى الأسرى -وفيهم كبراء وملأٌ من قريش- نقف كذلك على نوع من دروس بدر في نُصرة الحقِّ ولو بعد حين، وفي قصة سهيل بن عمرو بن عبد شمس ما يؤكد ذلك، فقد وقع سُهيلٌ ممثلُ قريشٍ في صلح الحديبية في الأسر في معركة بدر، وقد كان أحد أشراف مكة، وخطيب قريش المشهور، وكان لخُطبه أثرٌ كبيرٌ في محاربة المسلمين، وحين تقرر إطلاق سراحه من الأسر بعد دفع الفداء عنه، تقدم الفاروق عمر -رضي الله عنه- إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: انزع ثنيتي سهيل حتى يدلعَ لسانه فلا يقومُ عليك خطيبًا في موضع أبدًا، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وقال لعمر: "دعه، فعسى أن يقومَ مقامًا تحمده".
ومضت الأيامُ سراعًا، وأسلمُ فيما بعد سهيلٌ، وصدقت رؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحين ارتد من ارتد من العرب بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لسهيل موقفٌ يُحمد عليه، فقد بلغه أن بعضَ أهل مكةَ همَّ بالردَّة، وكان سهيل سيدًا مطاعًا فيهم، فوقف خطيبًا وقال: "يا أهل مكة: لا تكونوا آخر الناس إسلامًا وأولهم ارتدادًا، والله من رابنا من أمره شيءٌ ضربنا عنقه كائنًا من كان".
قال ابن حجر: "وخطبهم بنحو ما خطب الصديقُ أهل المدينة".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أيها المسلمون: ليس الحديثُ عن معركة بدرٍ بالتفصيل، وإلا لطال الكلام، وفي المعركة دروسٌ وعبرٌ تستحق الوقفة والنظر، ولكنني في هذا المقام أكتفي بعرض موقفٍ آخر في صف المسلمين، بعد أن عَرضتُ لموقفٍ في صف المشركين، وهو مؤشرٌ على صدق المسلمين في الجهاد، وتنافسهم على الشهادة في سبيل الله.
فهذا سعدُ بن خيثمة بن الحارث، وأبوه خيثمة -رضي الله عنه- اختلفا أيُّهما يخرجُ مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمعركة، وأيهما يبقى مع النساء؛ إذ لابد لأحدهما أن يقيم، فقال الأب -وهو شيخ كبير- لابنه مستخدمًا حقَّ الأبوة: آثرني بالخروج وأقم أنت مع النساء، فأبى الولدُ سعدُ، لا عصيانًا ولا عقوقًا، ولكن رغبةً فيما عند الله، وقال: لو كان ذلك غير الجنة آثرتُك به، وإني لأرجو الشهادة في وجهي هذا.
واشتدَّ الخلافُ بينهما، كلٌّ يريد الخروج لبدر، فلم يجدا حلاً إلا أن يستهما، فخرج السهمُ لسعد الابن، فخرج فاستشهد يوم بدر.
تأملوا في هذه الصورة، وقارنوا بينها وبين واحدٍ م
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــــــذكــــــــــــرى فـي دروس
غـــــــــزوة بـــــــدر الـــكـــــــــبرى
للشيح/ سـامي بن خـالد الحـمـــود
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
أهداف وعناصر الخطبة :
1/ ملابسات ملحمة بدر 2/ أحداث الغزوة الكبرى 3/ درس في منجية الشورى في الإسلام 4/ دروس مستفادة من غزوة بدر 5/ الاجتهاد في الطاعة في العشر الأواخر
الخطبـــة.الاولـــى.cc
عباد الله: ملحمة من ملاحم التاريخ، وحادثة فرّق الله بها بين الحق والباطل، كانت هذه الملحمة قبلَ أكثرَ من ألفٍ وأربعِمائةِ سنة، وفي شهر رمضان، شهرِ الجهاد والفتوحات، فبين الصيام والجهاد علاقة وثيقة، وصلة عميقة، فالصيام مجاهدة للنفس والشهوات والشيطان، والجهاد مغالبة لأعداء الرحمن.
بدأت الأحداث بعد مضي ليالٍ من رمضان في السنة الثانية بعد الهجرة، حيث بلغ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- خبرُ قافلةٍ تجاريةٍ قادمة من الشام إلى مكة، يقودها أبو سفيان وفيها أموال قريش، فندب -صلى الله عليه وسلم- المسلمين أن يخرجوا لاعتراضها لعل الله يكتُبها لهم، ويعوضُهم بعض ما أخذت منهم قريش عندما هاجروا من مكة.
خرج رسول الله بنفسه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، وكانت راية المهاجرين مع مصعب بن عمير وعلي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن معاذ، ولم يكن معهم سوى سبعين بعيرًا وفرسين، فكان الرجلان والثلاثة يتناوبون على ركوب البعير الواحد بما فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعند أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي زميلَي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فإذا كان عقبة -يعني نوبة- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المشي قالا: اركب -يا رسول الله- حتى نمشي عنك، فيقول: "ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما".
وبلغ أبا سفيان خروجُ المسلمين لملاقاة القافلة، فبعث رجلاً اسمه ضَمْضَم الغفاري إلى مكة يستصرخ قريشًا أن ينفروا لحماية تجارتهم، فنهضوا مسرعين، وخرجوا من ديارهم كما قال -عز وجل-: (بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال: 47].
ثم إن أبا سفيان انحرف إلى ساحل البحر فنجت القافلة، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنما خرجتم لتحرِّزوا تجارتكم، فأتاهم خبرُه فهمّوا بالرجوع، فانبعث أشقاهم أبو جهل فقال: والله لا نرجع حتى نقدَمَ بدرًا فنقيمَ فيها، نطعمُ من حضرنا، ونسقي الخمر، وتعزفُ علينا القِيَان، يعني المغنيات، وتسمعُ بنا العرب، فلا تزال تهابنا أبدًا وتخافنا.
ولما بلغ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- خبرُ خروج قريش استشار أصحابه، فتكلم أبو بكر ثم عمر ثم المقداد فأحسنوا، ثم استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس مرة أخرى، فعلم الأنصار أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما يعنيهم، فقال سعد بن معاذ: كأنك تُعرض بنا يا رسول الله، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًّا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فامض بنا حيث شئت، وصِل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منها كان أحبَ إلينا مما تركت، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البَرْك من غمدان -أقصى الجزيرة- لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ثم تكلم المقداد بمثل ذلك، فأشرق وجه الرسول بما سمع منهم وقال: "سيروا وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم".
وسار النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون إلى بدر، حتى نزلوا في أدنى ماء من بدر، فقال الحُبابُ: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟! قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فقال الحُباب: يا رسول الله: فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم منزلة، ونغوّر ما وراءه من الماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أشرت بالرأي"، وأخذ برأي الحباب.
وفي هذا الموقف درس في منهج الإسلام في الشورى والرأي، فما كان أمرًا لازمًا من الله فلا مجال للتقدم عليه أو التأخر عنه، وإنما الواجب إزاءه التنفيذ والالتزام. وأما ما كان من باب الرأي وتدبير أمور الدنيا وتقدير المصلحة فهو باب الاجتهاد بالعقل والاستشارة في الرأي.
وبينما المسلمون في بدر إذ لاح لهم جيش قريش، وكانوا قرابة الألف مدججين بالسلاح، معهم مائةُ فرس، وستمائةِ درع، وجمالٌ كثيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها، تجادل وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني"، وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع، ورفع يديه حتى سقط رداؤه وهو يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهل الإسلام لا تُعبَدْ في الأرض"، فالتزمه أبو بكر من ورائه وقال: حسبك مناشدتُك ربك يا رسول الله، أبشر، فو
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــــــذكــــــــــــرى فـي دروس
غـــــــــزوة بـــــــدر الـــكـــــــــبرى
للشيح/ سـامي بن خـالد الحـمـــود
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
أهداف وعناصر الخطبة :
1/ ملابسات ملحمة بدر 2/ أحداث الغزوة الكبرى 3/ درس في منجية الشورى في الإسلام 4/ دروس مستفادة من غزوة بدر 5/ الاجتهاد في الطاعة في العشر الأواخر
الخطبـــة.الاولـــى.cc
عباد الله: ملحمة من ملاحم التاريخ، وحادثة فرّق الله بها بين الحق والباطل، كانت هذه الملحمة قبلَ أكثرَ من ألفٍ وأربعِمائةِ سنة، وفي شهر رمضان، شهرِ الجهاد والفتوحات، فبين الصيام والجهاد علاقة وثيقة، وصلة عميقة، فالصيام مجاهدة للنفس والشهوات والشيطان، والجهاد مغالبة لأعداء الرحمن.
بدأت الأحداث بعد مضي ليالٍ من رمضان في السنة الثانية بعد الهجرة، حيث بلغ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- خبرُ قافلةٍ تجاريةٍ قادمة من الشام إلى مكة، يقودها أبو سفيان وفيها أموال قريش، فندب -صلى الله عليه وسلم- المسلمين أن يخرجوا لاعتراضها لعل الله يكتُبها لهم، ويعوضُهم بعض ما أخذت منهم قريش عندما هاجروا من مكة.
خرج رسول الله بنفسه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، وكانت راية المهاجرين مع مصعب بن عمير وعلي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن معاذ، ولم يكن معهم سوى سبعين بعيرًا وفرسين، فكان الرجلان والثلاثة يتناوبون على ركوب البعير الواحد بما فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعند أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي زميلَي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فإذا كان عقبة -يعني نوبة- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المشي قالا: اركب -يا رسول الله- حتى نمشي عنك، فيقول: "ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما".
وبلغ أبا سفيان خروجُ المسلمين لملاقاة القافلة، فبعث رجلاً اسمه ضَمْضَم الغفاري إلى مكة يستصرخ قريشًا أن ينفروا لحماية تجارتهم، فنهضوا مسرعين، وخرجوا من ديارهم كما قال -عز وجل-: (بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال: 47].
ثم إن أبا سفيان انحرف إلى ساحل البحر فنجت القافلة، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنما خرجتم لتحرِّزوا تجارتكم، فأتاهم خبرُه فهمّوا بالرجوع، فانبعث أشقاهم أبو جهل فقال: والله لا نرجع حتى نقدَمَ بدرًا فنقيمَ فيها، نطعمُ من حضرنا، ونسقي الخمر، وتعزفُ علينا القِيَان، يعني المغنيات، وتسمعُ بنا العرب، فلا تزال تهابنا أبدًا وتخافنا.
ولما بلغ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- خبرُ خروج قريش استشار أصحابه، فتكلم أبو بكر ثم عمر ثم المقداد فأحسنوا، ثم استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس مرة أخرى، فعلم الأنصار أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما يعنيهم، فقال سعد بن معاذ: كأنك تُعرض بنا يا رسول الله، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًّا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فامض بنا حيث شئت، وصِل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منها كان أحبَ إلينا مما تركت، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البَرْك من غمدان -أقصى الجزيرة- لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ثم تكلم المقداد بمثل ذلك، فأشرق وجه الرسول بما سمع منهم وقال: "سيروا وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم".
وسار النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون إلى بدر، حتى نزلوا في أدنى ماء من بدر، فقال الحُبابُ: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟! قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فقال الحُباب: يا رسول الله: فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم منزلة، ونغوّر ما وراءه من الماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أشرت بالرأي"، وأخذ برأي الحباب.
وفي هذا الموقف درس في منهج الإسلام في الشورى والرأي، فما كان أمرًا لازمًا من الله فلا مجال للتقدم عليه أو التأخر عنه، وإنما الواجب إزاءه التنفيذ والالتزام. وأما ما كان من باب الرأي وتدبير أمور الدنيا وتقدير المصلحة فهو باب الاجتهاد بالعقل والاستشارة في الرأي.
وبينما المسلمون في بدر إذ لاح لهم جيش قريش، وكانوا قرابة الألف مدججين بالسلاح، معهم مائةُ فرس، وستمائةِ درع، وجمالٌ كثيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها، تجادل وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني"، وقام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع، ورفع يديه حتى سقط رداؤه وهو يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهل الإسلام لا تُعبَدْ في الأرض"، فالتزمه أبو بكر من ورائه وقال: حسبك مناشدتُك ربك يا رسول الله، أبشر، فو
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: أيام معدودة وتنسلخ العشرون الأُوَلُ من شهر رمضان، وتدخل العشر الأواخر منه، العشر المباركة، التي هي أعظم أيام رمضان فضلاً، وأرفعُها قدرًا، وأكثرُها أجرًا، تصفو فيها الأوقات للذيذ المناجاة، وتسكب فيها العبرات بكاءً على السيئات، فكم فيها لله من عتيق من النار، وكم فيها من أسير للذنوب وصله الله بعد الجفاء، وكتب له السعادة بعد طول شقاء، إنها الفرصة التي إذا ضاعت فلن تنفع بعدها الحسرات، والأعمار بيد الله: (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان: 34].
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله". فلا ينبغي لك أخي أن تفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسك وأهلك. وما هي إلا ليالٍ معدودة لعلك تدرك فيها نفحةً من نفحات الرحمن، تكون بها سعادتك في الدنيا والآخرة.
إنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الكبيرة أن تجد فئامًا من المحرومين في هذه العشر، رجال دَأبهم سهر في الاستراحات، ومشاهدة للمحرمات، وتسكع في الطرقات، ونساء شغلهن التردد على الأسواق لحاجة وغير حاجة، والانشغال بالتوافه من الأمور.
فاغتنموا -عباد الله-
شريف الأوقات، وبادروا بالأعمال الصالحات، واعملوا وأحسنوا وأبشروا، إن الله لا يضيع أجر المحسنين.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل
محمد كما صليت على إبراهيم...
الحمد لله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: أيام معدودة وتنسلخ العشرون الأُوَلُ من شهر رمضان، وتدخل العشر الأواخر منه، العشر المباركة، التي هي أعظم أيام رمضان فضلاً، وأرفعُها قدرًا، وأكثرُها أجرًا، تصفو فيها الأوقات للذيذ المناجاة، وتسكب فيها العبرات بكاءً على السيئات، فكم فيها لله من عتيق من النار، وكم فيها من أسير للذنوب وصله الله بعد الجفاء، وكتب له السعادة بعد طول شقاء، إنها الفرصة التي إذا ضاعت فلن تنفع بعدها الحسرات، والأعمار بيد الله: (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان: 34].
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله". فلا ينبغي لك أخي أن تفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسك وأهلك. وما هي إلا ليالٍ معدودة لعلك تدرك فيها نفحةً من نفحات الرحمن، تكون بها سعادتك في الدنيا والآخرة.
إنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الكبيرة أن تجد فئامًا من المحرومين في هذه العشر، رجال دَأبهم سهر في الاستراحات، ومشاهدة للمحرمات، وتسكع في الطرقات، ونساء شغلهن التردد على الأسواق لحاجة وغير حاجة، والانشغال بالتوافه من الأمور.
فاغتنموا -عباد الله-
شريف الأوقات، وبادروا بالأعمال الصالحات، واعملوا وأحسنوا وأبشروا، إن الله لا يضيع أجر المحسنين.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل
محمد كما صليت على إبراهيم...
عاش بالله ولله ومع الله.
بهذه العقيدة الصحيحة ربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فتسابقوا للجهاد، وواجهوا أعداء الله بثبات وإيمان، وحرصوا على الموت حرص غيرهم على الحياة، فنصر الله بهم الدين، وجعلهم أحياءً في الدارين، فهم أحياءٌ فوق الأرض بالعزةٍ والتمكين، وهم أحياءٌ تحت الأرض عند ربهم يرزقون.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة عزّها في الجهاد، متى ما رفعت راية الجهاد كانت عاقبتها النصر والعزة والتمكين، ومتى ما استكانت ورضيت بالقعود وتركت الجهاد ضربت بالذلة، وتسلط عليها أعداؤها.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر وصححه الألباني.
وإذا عرفنا فضل الجهاد والاستشهاد، فإن الجهاد لا بد له من إعداد واستعداد.
إن غزوة بدر لم تكن مقطوعة الصلة بما سبقها من تربية طويلة بمكة ثم بالمدينة، حتى إذا قويت شوكة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوي عود أصحابه شرع الله لهم الجهاد.
ليس الجهاد بأعمال طائشة، يقوم بها بعض المتهورين، دون علم راسخ، ونظر في المصالح والمفاسد.
ولهذا قرّر أهل العلم أن الأمة متى ما ضعفت أو كانت المصلحة في ترك الجهاد، فإن الأمة تؤخّر الجهاد أعني جهاد الطلب، ويبقى جهاد الدفع واجبًا بقدر الاستطاعة إذا دهم العدو بلاد المسلمين.
في هذه الغزوة تجلّت صور الحب الحقيقي لله ورسوله، والاستجابة لله وللرسول، وبرزت صفحات من البطولة والتضحية.
كان الصحابة يتسابقون إلى ساحات الجهاد، ويتنافسون على القتال في سبيل الله ونيل الشهادة، بل كان لصغار الصحابة نصيب من هذه البطولات، فهذا عمير بن أبي وقاص أخو سعد، حضر غزوة بدر وعمره ستة عشر عامًا، وكان قبل المعركة يتخفى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يراه فيردَّه بسبب صغره، وسرعان ما اكتشف هذا البطل الصغير، فيؤتى به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رآه صغيرًا ردّه عن المشاركة في المعركة، فتولى وهو يبكى، فلمّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكاءه وإصراره أجازه، فدخل المعركة، فقاتل حتى قتل، رضي الله عنهم أجمعين.
عبـاد ليل إذا جن الظـلام بهم
كم عابدٍ دمـعه بالـخد أجراه
وأسد غاب إذا لاح الجهـاد بهم
هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرًا
يشيدون لنـا مـجدًا أضعـناه
درس في نصر الله تعالى لأوليائه، حيث استجاب الله دعاء رسوله وأصحابه، ونصر حزبه، وأنجز وعده، مع وجود الفارق في العدد والعدة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران: 123]، لقد أراد الله سبحانه أن يعرف المسلمون على مدى التاريخ أن النصر سنةٌ من سنن الله، وهو سبحانه إنما ينصر من ينصره، فليس النصر بالعدد والعدة فقط، وإنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [آل عمران: 126].
ونحن اليوم قبل أن نقول: أين نصر الله؟! نقول: أين المسلمون؟!
ومـا فتئ الزمان يدور حتى
مضـى بالمجـد قوم آخرونَ
وآلَمني وآلـم كـلَّ حـر
سؤال الدهر: أين المسلمونَ؟!
أين المسلمون، واليهود يدنسون المسجد الأقصى وينتهكون الحرمات في الأرض المباركة؟! أين المسلمون وديار الإسلام تضيع الواحدة تلو الأخرى؟!
لقد أصبح المسلمون اليوم مع كثرتهم غثاءً كغثاء السيل، كما أخبر عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا أراد المسلمون نصر الله فلينصروا الله بالتمسك بدينه أولاً، ثم بالأخذ بأسباب النصر من قوةٍ وعُدة: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 4، 5].
يا قدس مهما الليل طال*** فلن يـدوم الاحتلال
الكفر ولّى لـن يعـود*** ولست في هذا مغال
الفجـر آتٍ لا مـحال *** والظـلام إلى زوال
لاحت تباشـير الصباح *** وجاء دورك يا بلال
ومن دروس هذه الغزوة، أن رابطة الدين وعقيدة الولاء والبراء أعظم من كل العلاقات والقرابات والأنساب.
ها هو عبد الرحمن بن أبي بكر بعدما أسلم، يقول لأبيه أبي بكر -رضي الله عنه-: لو رأيتني وأنا أُعرِض عنك في بدر حتى لا أقتلَك، فقال أبو بكر: أما إني لو رأيتك وقتئذٍ لقتلتك. ويقابل أبو عبيدة -رضي الله عنه- أباه في المعركة فيقتلَه. ويمر مصعب بن عمير بعد نهاية المعركة ورجل من الأنصار يأسِرُ أخاه أبا عزيز، فيقول مصعب: شدَّ وثاقه فإن أمَّه ذاتُ مال، فيقول أخوه: أهذه وصاتك بي؟! فيقول مصعب: هو -أي: الأنصاري- أخي دونك.
إنها صور فريدة، تمثل التطبيق الواقعي لمبدأ الولاء والبراء، فالرابطة الحقيقة هي رابطة الدين والعقيدة، فلا نسبَ ولا صهر، ولا أهلَ ولا قرابة، ولا وطنَ ولا جنس، ولا عصبةَ ولا قومية، حين تقف هذه الوشائج دون ما أراد الله، وإنما الحب والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين. أولئك حزب الله، ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هو الغالبون.
بهذه العقيدة الصحيحة ربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فتسابقوا للجهاد، وواجهوا أعداء الله بثبات وإيمان، وحرصوا على الموت حرص غيرهم على الحياة، فنصر الله بهم الدين، وجعلهم أحياءً في الدارين، فهم أحياءٌ فوق الأرض بالعزةٍ والتمكين، وهم أحياءٌ تحت الأرض عند ربهم يرزقون.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة عزّها في الجهاد، متى ما رفعت راية الجهاد كانت عاقبتها النصر والعزة والتمكين، ومتى ما استكانت ورضيت بالقعود وتركت الجهاد ضربت بالذلة، وتسلط عليها أعداؤها.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر وصححه الألباني.
وإذا عرفنا فضل الجهاد والاستشهاد، فإن الجهاد لا بد له من إعداد واستعداد.
إن غزوة بدر لم تكن مقطوعة الصلة بما سبقها من تربية طويلة بمكة ثم بالمدينة، حتى إذا قويت شوكة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوي عود أصحابه شرع الله لهم الجهاد.
ليس الجهاد بأعمال طائشة، يقوم بها بعض المتهورين، دون علم راسخ، ونظر في المصالح والمفاسد.
ولهذا قرّر أهل العلم أن الأمة متى ما ضعفت أو كانت المصلحة في ترك الجهاد، فإن الأمة تؤخّر الجهاد أعني جهاد الطلب، ويبقى جهاد الدفع واجبًا بقدر الاستطاعة إذا دهم العدو بلاد المسلمين.
في هذه الغزوة تجلّت صور الحب الحقيقي لله ورسوله، والاستجابة لله وللرسول، وبرزت صفحات من البطولة والتضحية.
كان الصحابة يتسابقون إلى ساحات الجهاد، ويتنافسون على القتال في سبيل الله ونيل الشهادة، بل كان لصغار الصحابة نصيب من هذه البطولات، فهذا عمير بن أبي وقاص أخو سعد، حضر غزوة بدر وعمره ستة عشر عامًا، وكان قبل المعركة يتخفى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يراه فيردَّه بسبب صغره، وسرعان ما اكتشف هذا البطل الصغير، فيؤتى به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رآه صغيرًا ردّه عن المشاركة في المعركة، فتولى وهو يبكى، فلمّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكاءه وإصراره أجازه، فدخل المعركة، فقاتل حتى قتل، رضي الله عنهم أجمعين.
عبـاد ليل إذا جن الظـلام بهم
كم عابدٍ دمـعه بالـخد أجراه
وأسد غاب إذا لاح الجهـاد بهم
هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرًا
يشيدون لنـا مـجدًا أضعـناه
درس في نصر الله تعالى لأوليائه، حيث استجاب الله دعاء رسوله وأصحابه، ونصر حزبه، وأنجز وعده، مع وجود الفارق في العدد والعدة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران: 123]، لقد أراد الله سبحانه أن يعرف المسلمون على مدى التاريخ أن النصر سنةٌ من سنن الله، وهو سبحانه إنما ينصر من ينصره، فليس النصر بالعدد والعدة فقط، وإنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [آل عمران: 126].
ونحن اليوم قبل أن نقول: أين نصر الله؟! نقول: أين المسلمون؟!
ومـا فتئ الزمان يدور حتى
مضـى بالمجـد قوم آخرونَ
وآلَمني وآلـم كـلَّ حـر
سؤال الدهر: أين المسلمونَ؟!
أين المسلمون، واليهود يدنسون المسجد الأقصى وينتهكون الحرمات في الأرض المباركة؟! أين المسلمون وديار الإسلام تضيع الواحدة تلو الأخرى؟!
لقد أصبح المسلمون اليوم مع كثرتهم غثاءً كغثاء السيل، كما أخبر عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا أراد المسلمون نصر الله فلينصروا الله بالتمسك بدينه أولاً، ثم بالأخذ بأسباب النصر من قوةٍ وعُدة: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 4، 5].
يا قدس مهما الليل طال*** فلن يـدوم الاحتلال
الكفر ولّى لـن يعـود*** ولست في هذا مغال
الفجـر آتٍ لا مـحال *** والظـلام إلى زوال
لاحت تباشـير الصباح *** وجاء دورك يا بلال
ومن دروس هذه الغزوة، أن رابطة الدين وعقيدة الولاء والبراء أعظم من كل العلاقات والقرابات والأنساب.
ها هو عبد الرحمن بن أبي بكر بعدما أسلم، يقول لأبيه أبي بكر -رضي الله عنه-: لو رأيتني وأنا أُعرِض عنك في بدر حتى لا أقتلَك، فقال أبو بكر: أما إني لو رأيتك وقتئذٍ لقتلتك. ويقابل أبو عبيدة -رضي الله عنه- أباه في المعركة فيقتلَه. ويمر مصعب بن عمير بعد نهاية المعركة ورجل من الأنصار يأسِرُ أخاه أبا عزيز، فيقول مصعب: شدَّ وثاقه فإن أمَّه ذاتُ مال، فيقول أخوه: أهذه وصاتك بي؟! فيقول مصعب: هو -أي: الأنصاري- أخي دونك.
إنها صور فريدة، تمثل التطبيق الواقعي لمبدأ الولاء والبراء، فالرابطة الحقيقة هي رابطة الدين والعقيدة، فلا نسبَ ولا صهر، ولا أهلَ ولا قرابة، ولا وطنَ ولا جنس، ولا عصبةَ ولا قومية، حين تقف هذه الوشائج دون ما أراد الله، وإنما الحب والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين. أولئك حزب الله، ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هو الغالبون.
الذي نفسي بيده لينجزن الله ما وعدك.
ودنت ساعة الصفر، وبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- يسوّي الصفوف بقدح كان في يده، فإذا بسواد بن غَزِيّة مائل عن الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال: "استوِ يا سواد"، فقال: يا رسول الله: أوجعتني فقدني -يعني يريد القصاص-، فكشف -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه سواد وأخذ يقبل بطنه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما حملك على هذا؟!"، قال: يا رسول الله: قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخرُ العهد بك أن يمس جلدي جلدَك. فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقبل القتال، خرج ثلاثة من خيرة فرسان قريش للمبارزة، كلهم من أسرة واحدة، عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فخرج لهم عبد الله بن رواحة وعوف ومعوذ ابنا عفراء، وكانوا من الأنصار فامتنع فرسان قريش من مبارزتهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة وقم يا علي. فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، واختلف عبيدة وعتبة حتى قطعت رجل عبيدة، ثم حمل حمزة وعلي على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة معهم.
ثم بدأ القتال العام، وشرع النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرّض أصحابه على القتال فقال: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض"، فقال عُميْر بن الحُمَام: يا رسول الله: أجنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم"، قال: بخ بخ، فقال رسول الله: "ما يحملك على قولك: بخ بخ؟!"، قال: لا والله -يا رسول الله- إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنك من أهلها"، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، فقذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل وهو يقول:
ركضًا إلى الله بغيـر زادِ
إلا التُّقى وعَمَلُُ المَعَاِد
والصبرُ في الله على الجهاد
وكلُّ زادٍ عُرضَةُ النفادِ
غيرُ التُّقى والبرِّ والرشادِ
هكذا كان أولئك الأبطال ينظرون إلى الحياة، فهي ممر لا مقر، وكل نعيمها زائل لا محالة، ولن يبقى ولن يدوم إلا نعيم الجنان.
واشتد القتال، وحمي النزال، وأزهقت النفوس، وتطايرت الرؤوس، وثبّت الله المؤمنين، وأمدّهم بالملائكة منزَلين ومسوِّمين ومردِفين.
وأغفى النبي -صلى الله عليه وسلم- إغفاءة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع -أي الغبار-.
وكان رأس الرجل من الكفار يطير لا يدري من ضربه، وكانت يده تطير لا يدري من ضربها.
وقاتل عُكّاشَةُ بن مِحْصَن يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاه جِذْلاً من حطب، فقال: "قاتل بهذه يا عُكاشة"، فلما أخذه من رسول الله هزَّهُ فعاد سيفًا في يده طويل القامة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، ولم يزل يقاتل بهذا السيف حتى قُتل في حروب الردة وهو عنده.
وأما قائد جيش الكفر أبو جهل، فقد التفت حوله عصابة من المشركين، وقالوا: أبو الحكم لا يُخلَص إليه. ولكن هيهات.
قال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: إني لواقف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عماه: أتعرف أبا جهل؟! فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟! قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضًا مثلها، فلم ألبث أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان، هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه. ثم احتز رأسه ابن مسعود وجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فكبر وحمد الله وقال: "هذا فرعون هذه الأمة".
وانجلت المعركة عن نصر عظيم للمسلمين، وانهزمت جموع الكفار وولّت الدبر، مصداقاً لقول الله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر: 45]، وقُتِل منهم سبعون، معظمهم من صناديدِهم وأشرافِهم، وعلى رأسهم أبو جهل، وأُسِر منهم سبعون، وفرّ الباقون يجرون أذيال الهزيمة إلى مكة، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً -رضي الله عنهم-، منهم حارثة بن سُراقة، كان قد رُمي بسهم وهو يشرب من الحوض، فأصاب نحره فمات، وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن أم حارثة قالت: يا رسول الله: أخبرني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، فقال رسول الله: "يا أم حارثة: إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى".
أيها الأحبة: وفي هذه الغزوة العظيمة دروس كثيرة، أولها:
درس في فضل الجهاد في سبيل الله، الجهاد ذروة سنام الدين، وسبيل عز المؤمنين، وهو أفضل عملٍ يتقرب به العبد لربه بعد الإيمان به، ففي الصحيحين عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أي العمل أفضل؟! قال: "الإيمان بالله، والجهاد في سبيله".
إن منزلة الجهاد منزلة عظيمة لا يصل إليها إلا مَن عظمت الآخرة في نفسه، وهانت الدنيا عنده، ورسخت محبة الله في سويداء قلبه، ف
ودنت ساعة الصفر، وبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- يسوّي الصفوف بقدح كان في يده، فإذا بسواد بن غَزِيّة مائل عن الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال: "استوِ يا سواد"، فقال: يا رسول الله: أوجعتني فقدني -يعني يريد القصاص-، فكشف -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه سواد وأخذ يقبل بطنه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما حملك على هذا؟!"، قال: يا رسول الله: قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخرُ العهد بك أن يمس جلدي جلدَك. فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقبل القتال، خرج ثلاثة من خيرة فرسان قريش للمبارزة، كلهم من أسرة واحدة، عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فخرج لهم عبد الله بن رواحة وعوف ومعوذ ابنا عفراء، وكانوا من الأنصار فامتنع فرسان قريش من مبارزتهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة وقم يا علي. فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، واختلف عبيدة وعتبة حتى قطعت رجل عبيدة، ثم حمل حمزة وعلي على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة معهم.
ثم بدأ القتال العام، وشرع النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرّض أصحابه على القتال فقال: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض"، فقال عُميْر بن الحُمَام: يا رسول الله: أجنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم"، قال: بخ بخ، فقال رسول الله: "ما يحملك على قولك: بخ بخ؟!"، قال: لا والله -يا رسول الله- إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنك من أهلها"، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، فقذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل وهو يقول:
ركضًا إلى الله بغيـر زادِ
إلا التُّقى وعَمَلُُ المَعَاِد
والصبرُ في الله على الجهاد
وكلُّ زادٍ عُرضَةُ النفادِ
غيرُ التُّقى والبرِّ والرشادِ
هكذا كان أولئك الأبطال ينظرون إلى الحياة، فهي ممر لا مقر، وكل نعيمها زائل لا محالة، ولن يبقى ولن يدوم إلا نعيم الجنان.
واشتد القتال، وحمي النزال، وأزهقت النفوس، وتطايرت الرؤوس، وثبّت الله المؤمنين، وأمدّهم بالملائكة منزَلين ومسوِّمين ومردِفين.
وأغفى النبي -صلى الله عليه وسلم- إغفاءة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع -أي الغبار-.
وكان رأس الرجل من الكفار يطير لا يدري من ضربه، وكانت يده تطير لا يدري من ضربها.
وقاتل عُكّاشَةُ بن مِحْصَن يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاه جِذْلاً من حطب، فقال: "قاتل بهذه يا عُكاشة"، فلما أخذه من رسول الله هزَّهُ فعاد سيفًا في يده طويل القامة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، ولم يزل يقاتل بهذا السيف حتى قُتل في حروب الردة وهو عنده.
وأما قائد جيش الكفر أبو جهل، فقد التفت حوله عصابة من المشركين، وقالوا: أبو الحكم لا يُخلَص إليه. ولكن هيهات.
قال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: إني لواقف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عماه: أتعرف أبا جهل؟! فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟! قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضًا مثلها، فلم ألبث أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان، هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه. ثم احتز رأسه ابن مسعود وجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فكبر وحمد الله وقال: "هذا فرعون هذه الأمة".
وانجلت المعركة عن نصر عظيم للمسلمين، وانهزمت جموع الكفار وولّت الدبر، مصداقاً لقول الله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر: 45]، وقُتِل منهم سبعون، معظمهم من صناديدِهم وأشرافِهم، وعلى رأسهم أبو جهل، وأُسِر منهم سبعون، وفرّ الباقون يجرون أذيال الهزيمة إلى مكة، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً -رضي الله عنهم-، منهم حارثة بن سُراقة، كان قد رُمي بسهم وهو يشرب من الحوض، فأصاب نحره فمات، وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن أم حارثة قالت: يا رسول الله: أخبرني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، فقال رسول الله: "يا أم حارثة: إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى".
أيها الأحبة: وفي هذه الغزوة العظيمة دروس كثيرة، أولها:
درس في فضل الجهاد في سبيل الله، الجهاد ذروة سنام الدين، وسبيل عز المؤمنين، وهو أفضل عملٍ يتقرب به العبد لربه بعد الإيمان به، ففي الصحيحين عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أي العمل أفضل؟! قال: "الإيمان بالله، والجهاد في سبيله".
إن منزلة الجهاد منزلة عظيمة لا يصل إليها إلا مَن عظمت الآخرة في نفسه، وهانت الدنيا عنده، ورسخت محبة الله في سويداء قلبه، ف
دروس.وخـواطــر.رمـضــانيـة.cc
الــــقـــــــــــرآن فــــي رمـــضــــــــــــــان
======================
اخــوانــي الــكــــرام :
من المعلوم أن رمضان شهر ..
له خصوصية بالقرآن. قال الله تعالى: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان))(البقرة:185).
فقد أنزل الله القرآن في هذا الشهر، و في ليلة منه هي ليلة القدر، لذا كان لهذا الشهر مزية بهذا القرآن.
وكان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان يدارسه القرآن.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن"(سبق تخريجه).
فكونه يخص ليالي رمضان بمدارسته، دليل على أهمية قراءة القرآن في رمضان.
ومعلوم أن الكثير من الناس يغفلون عن قراءة القرآن في غير رمضان، فنجدهم طوال السنة لا يكاد أحدهم يختم القرآن إلا ختمة واحدة، أو ختمتين، أو ربما نصف ختمة في أحد عشر شهراً. فإذا جاء رمضان أقبل عليه و أتم تلاوته.
ونحن نقول: إنه على أجر، و له خير كبير، و لكن ينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛ لأن الله تعالى ذمّ الذين يهجرونه، قال تعالى: ((و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً))(الفرقان).
* و من هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً.
* و من هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، و لم يتعقله.
* و من هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، و لا يعمل بتعاليمه.
وأما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله و خاصته.
ويجب على المسلم أن يكون مهتماً بالقرآن، و يكون من الذين يتلونه حق تلاوته، و من الذين يحللون حلاله و يحرمون حرامه، و يعملون بمحكمه، و يؤمنون بمتشابهه و يقفون عند عجائبه، و يعتبرون بأمثاله، و يعتبرون بقصصه و ما فيه، و يطبقون تعاليمه؛ لأن القرآن أنزل لأجل أن يعمل به و يطبق، و إن كانت تلاوته تعتبر عملاً و فيها أجر.
و فضائل التلاوة كثيرة و مشهورة، و لو لم يكن منها إلا قول النبي صلى الله عليه و سلم: "من قرأ حرفاً من القرآن فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، و لكن ألف حرف، و لام حرف، و ميم حرف"(أخرجه الترمذي برقم 2910من حديث عبدالله بن مسعود مرفوعاً). فجعل في قراءة آلم ثلاثين حسنة.
وفضائل التلاوة كثيرة لا تخفى على مسلم، و في ليالي رمضان و أيامه تشتد الهمة له. كان بعض القراء الذين أدركناهم يقرؤون في كل ليلة ثلاثة أجزاء من القرآن على وجه الاجتماع؛ يجتمعون في بيت، أو مسجد، أو أي مكان، فيقرؤون في كل عشرة أيام مرة. و بعضهم يقرأ القرآن و يختمه وحده.
و قد أدركت من يختم القرآن كل يوم مرة أو يختم كل يومين مرة فقد يسره الله و سهله عليهم، و أشربت به قلوبهم، و صدق الله القائل: ((و لقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر))(سورة القمر:17). و قال: ((فإنما يسَّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون))(الدخان:58).
فمن أحب أن يكون من أهل الذكر فعليه أن يكون من الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته، و يقرأه في المسجد، و يقرأه في بيته، و يقرأه في مقر عمله، لا يغفل عن القرآن، و لا يخص شهر رمضان بذلك فقط.
فإذا قرأت القرآن فاجتهد فيه؛ كأن تختمه مثلاً كل خمسة أيام، أو في كل ثلاثة أيام، و الأفضل للإنسان أن يجعل له حزباً يومياً يقرأه بعد العشاء أو بعد الفجر أو بعد العصر، و هكذا. لابد أن تبقى معك آثار هذا القرآن بقية السنة و يحبب إليك كلام الله، فتجد له لذة، و حلاوة، و طلاوة، و هنا لن تمل من استماعه، كما لن تمل من تلاوته.
هذه سمات و صفات المؤمن الذي يجب أن يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى و خاصته.
أما قراءة القرآن في الصلاة، فقد ذكرنا أن السلف كانوا يقرؤون في الليل فرادى و مجتمعين قراءة كثيرة. فقد ذكروا أن الإمام الشافعي -رحمه الله- كان يختم في الليل ختمة، و في النهار ختمة، في غير الصلاة؛ لأنه يقرأ في الصلاة زيادة على ذلك.
و قد يستكثر بعض الناس ذلك و يستبعدونه، و أقول: إن هذا ليس ببعيد، فقد أدركت أناساً يقرؤون من أول النهار إلى أذان صلاة الجمعة أربعين جزءاً في مجلس واحد. يقرأ، ثم يعود فيقرأ، يختم القرآن ثم يعود فيختم ثلث القرآن، فليس من المستبعد أن يختم الشافعي في النهار ختمة، و في الليل ختمة.
ولا يستغرب ذلك أيضاً على الذين سهل القرآن في قلوبهم، وعلى ألسنتهم، فلا يستبعده إلا من لم يعرف قدر القرآن، أو لم يذق حلاوته في قلبه .
وعلى الإنسان إذا قرأ القرآن أن يتدبَّره، والكفار كذلك مأمورون بذلك حتى يعترفوا أنه من عند الله، وأنه لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، و لاضطربت أوامره و نواهيه، فلما كان محكماً متقناً، لم يقع فيه أي مخالفة، و لا أي اضطرابات كان ذلك آية عظيمة، و معجزة باهرة.
فهذا هو القصد من هذه الآية، ولكن لا ينافي ذلك بأننا مأمورون أن نتدبر كل ما قرأنا كما أمر
الــــقـــــــــــرآن فــــي رمـــضــــــــــــــان
======================
اخــوانــي الــكــــرام :
من المعلوم أن رمضان شهر ..
له خصوصية بالقرآن. قال الله تعالى: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان))(البقرة:185).
فقد أنزل الله القرآن في هذا الشهر، و في ليلة منه هي ليلة القدر، لذا كان لهذا الشهر مزية بهذا القرآن.
وكان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان يدارسه القرآن.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن"(سبق تخريجه).
فكونه يخص ليالي رمضان بمدارسته، دليل على أهمية قراءة القرآن في رمضان.
ومعلوم أن الكثير من الناس يغفلون عن قراءة القرآن في غير رمضان، فنجدهم طوال السنة لا يكاد أحدهم يختم القرآن إلا ختمة واحدة، أو ختمتين، أو ربما نصف ختمة في أحد عشر شهراً. فإذا جاء رمضان أقبل عليه و أتم تلاوته.
ونحن نقول: إنه على أجر، و له خير كبير، و لكن ينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛ لأن الله تعالى ذمّ الذين يهجرونه، قال تعالى: ((و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً))(الفرقان).
* و من هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً.
* و من هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، و لم يتعقله.
* و من هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، و لا يعمل بتعاليمه.
وأما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله و خاصته.
ويجب على المسلم أن يكون مهتماً بالقرآن، و يكون من الذين يتلونه حق تلاوته، و من الذين يحللون حلاله و يحرمون حرامه، و يعملون بمحكمه، و يؤمنون بمتشابهه و يقفون عند عجائبه، و يعتبرون بأمثاله، و يعتبرون بقصصه و ما فيه، و يطبقون تعاليمه؛ لأن القرآن أنزل لأجل أن يعمل به و يطبق، و إن كانت تلاوته تعتبر عملاً و فيها أجر.
و فضائل التلاوة كثيرة و مشهورة، و لو لم يكن منها إلا قول النبي صلى الله عليه و سلم: "من قرأ حرفاً من القرآن فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، و لكن ألف حرف، و لام حرف، و ميم حرف"(أخرجه الترمذي برقم 2910من حديث عبدالله بن مسعود مرفوعاً). فجعل في قراءة آلم ثلاثين حسنة.
وفضائل التلاوة كثيرة لا تخفى على مسلم، و في ليالي رمضان و أيامه تشتد الهمة له. كان بعض القراء الذين أدركناهم يقرؤون في كل ليلة ثلاثة أجزاء من القرآن على وجه الاجتماع؛ يجتمعون في بيت، أو مسجد، أو أي مكان، فيقرؤون في كل عشرة أيام مرة. و بعضهم يقرأ القرآن و يختمه وحده.
و قد أدركت من يختم القرآن كل يوم مرة أو يختم كل يومين مرة فقد يسره الله و سهله عليهم، و أشربت به قلوبهم، و صدق الله القائل: ((و لقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر))(سورة القمر:17). و قال: ((فإنما يسَّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون))(الدخان:58).
فمن أحب أن يكون من أهل الذكر فعليه أن يكون من الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته، و يقرأه في المسجد، و يقرأه في بيته، و يقرأه في مقر عمله، لا يغفل عن القرآن، و لا يخص شهر رمضان بذلك فقط.
فإذا قرأت القرآن فاجتهد فيه؛ كأن تختمه مثلاً كل خمسة أيام، أو في كل ثلاثة أيام، و الأفضل للإنسان أن يجعل له حزباً يومياً يقرأه بعد العشاء أو بعد الفجر أو بعد العصر، و هكذا. لابد أن تبقى معك آثار هذا القرآن بقية السنة و يحبب إليك كلام الله، فتجد له لذة، و حلاوة، و طلاوة، و هنا لن تمل من استماعه، كما لن تمل من تلاوته.
هذه سمات و صفات المؤمن الذي يجب أن يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى و خاصته.
أما قراءة القرآن في الصلاة، فقد ذكرنا أن السلف كانوا يقرؤون في الليل فرادى و مجتمعين قراءة كثيرة. فقد ذكروا أن الإمام الشافعي -رحمه الله- كان يختم في الليل ختمة، و في النهار ختمة، في غير الصلاة؛ لأنه يقرأ في الصلاة زيادة على ذلك.
و قد يستكثر بعض الناس ذلك و يستبعدونه، و أقول: إن هذا ليس ببعيد، فقد أدركت أناساً يقرؤون من أول النهار إلى أذان صلاة الجمعة أربعين جزءاً في مجلس واحد. يقرأ، ثم يعود فيقرأ، يختم القرآن ثم يعود فيختم ثلث القرآن، فليس من المستبعد أن يختم الشافعي في النهار ختمة، و في الليل ختمة.
ولا يستغرب ذلك أيضاً على الذين سهل القرآن في قلوبهم، وعلى ألسنتهم، فلا يستبعده إلا من لم يعرف قدر القرآن، أو لم يذق حلاوته في قلبه .
وعلى الإنسان إذا قرأ القرآن أن يتدبَّره، والكفار كذلك مأمورون بذلك حتى يعترفوا أنه من عند الله، وأنه لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، و لاضطربت أوامره و نواهيه، فلما كان محكماً متقناً، لم يقع فيه أي مخالفة، و لا أي اضطرابات كان ذلك آية عظيمة، و معجزة باهرة.
فهذا هو القصد من هذه الآية، ولكن لا ينافي ذلك بأننا مأمورون أن نتدبر كل ما قرأنا كما أمر
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح ⛅
❆ الثلاثاء ❆
١١/ رمـضـ⑨ــان/ ١٤٣٨هـ
06/ يــونـيــ⑥ــــو/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
لا يكن آخر عهدك بالدعاء إجابته فقط:
{قال(قد أجيبت دعوتكما)(فاستقيما)}
إجابة الدعاء نعمة تستوجب الشكر
وأعظم الشكر الاستقامة على دين الله !..♡#رمـضـ🌙ــان
صبــ⛅ــاح الاستقامة...@
❆ الثلاثاء ❆
١١/ رمـضـ⑨ــان/ ١٤٣٨هـ
06/ يــونـيــ⑥ــــو/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
لا يكن آخر عهدك بالدعاء إجابته فقط:
{قال(قد أجيبت دعوتكما)(فاستقيما)}
إجابة الدعاء نعمة تستوجب الشكر
وأعظم الشكر الاستقامة على دين الله !..♡#رمـضـ🌙ــان
صبــ⛅ــاح الاستقامة...@
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
رمضـان شهـر الكـرم والجــود
للشيــخ/ السيــد مــراد ســلامــة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: فضل الجود والكرم.
العنصر الثاني: جود الله تعالى على عباده في رمضان.
العنصر الثالث: جود النبي العدنان صلى الله عليه وسلم في رمضان.
العنصر الرابع: نماذج مِن السَّلف في الكَرَم والجُود.
العنصر الخامس: الواجب علينا في هذه الأيام.
الخطبــة.الأولــى.cc
الحمد لله المجيب لكل سائل، التائب على العباد فليس بينه وبين العباد حائل.
جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم لامحالة زائل.
حذر الناس من الشيطان وللشيطان منافذ وحبائل.
فمن أسلم وجهه لله فذاك الكيّسُ العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال الغافل.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشريك وعن الشبيه وعن المشاكل.
من للعباد غيره؟ ومن يدبر الأمر؟ ومن يعدل المائل؟ من يشفي المريض؟ من يرعى الجنين في بطن الحوامل؟
من يجيب المضطر إذا دعاه؟ ومن استعصت على قدرته المسائل؟
من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل؟
لبِسْتُ ثَوبَ الرَّجَا وَالنَّاسُ قَدْ رَقَدُوا
وَقُمْتُ أَشْكُو إِلَى مَولَايَ مَا أَجِدُ!
وَقُلْتُ: يَا عُدَّتِي فِي كُلِّ نائبَةٍ
وَمنْ عَلَيْهِ لِكَشْفِ الضُّرِّ أعْتَمِدُ!
أَشْكُو إِلَيْك أُمُورًا أَنْتَ تَعْلَمُهَا
مَا لِي عَلَى حِمْلهَا صَبْرٌ وَلَا جَلَدُ!
وَقَدْ مَدَدتُّ يَدِيْ بِالضُّرِّ مُبْتَهِلًا
إِلَيْكَ يَا خَيرَ مَنْ مُدَّتْ إِلَيْهِ يَدُ!
فَلَا تَرُدَّنَّهَا يَا رَبِّ! خَائِبَةً
بَحْرُ جُودِكَ يَرْوِي كُلَّ مَنْ يَرِدُ!
ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..
إلهي لا تعذبني فإني
مقر بالذي قد كان مني
ومالي حيلة إلا رجائي
وعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم منزلة لي في البرايا
وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها
عضضت أناملي وقرعت سني
يظن الناس بي خيراً وإني
لشر الناس إن لم تعف عني
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 69، 70].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثاتها بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمة الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم حدثنا اليوم عن "فيض الودود في بيان أن رمضان شهر الكرم والجود" فهيا عباد الله لنتعرف على تلك المنزلة ولنرى فيض الله تعالى على عباده في شهر رمضان فبحار جوده زاخرة.
العنصر الأول: فضل الجود والكرم
• اعلموا عباد الله أن ثواب الجود والإنفاق عظيم، وقد رغَّبنا الله فيه في أكثر من موضع من القرآن الكريم، قال الله - تعالى -: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272].
وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].
• الكرم بركة للمال، عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً [متفق عليه].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نَقَصَ مال من صدقة -أو ما نقصتْ صدقة من مال -وما زاد اللهُ عبدا بعفْو إِلا عزّا، وما تواضَعَ عبد لِلهِ إِلا رَفَعَهُ اللهُ". أخرجه مسلم، والترمذي.
أخي المسلم: لكل هذه الفضائل فإن المسلم يحب أن يكون كريمًا، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: قال رسول الله: "لا حَسَد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار". [البخاري].
العنصر الثاني: جود الله تعالى على عباده في رمضان:
الله تعالى هو الجواد الذي ي
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
رمضـان شهـر الكـرم والجــود
للشيــخ/ السيــد مــراد ســلامــة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: فضل الجود والكرم.
العنصر الثاني: جود الله تعالى على عباده في رمضان.
العنصر الثالث: جود النبي العدنان صلى الله عليه وسلم في رمضان.
العنصر الرابع: نماذج مِن السَّلف في الكَرَم والجُود.
العنصر الخامس: الواجب علينا في هذه الأيام.
الخطبــة.الأولــى.cc
الحمد لله المجيب لكل سائل، التائب على العباد فليس بينه وبين العباد حائل.
جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم لامحالة زائل.
حذر الناس من الشيطان وللشيطان منافذ وحبائل.
فمن أسلم وجهه لله فذاك الكيّسُ العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال الغافل.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشريك وعن الشبيه وعن المشاكل.
من للعباد غيره؟ ومن يدبر الأمر؟ ومن يعدل المائل؟ من يشفي المريض؟ من يرعى الجنين في بطن الحوامل؟
من يجيب المضطر إذا دعاه؟ ومن استعصت على قدرته المسائل؟
من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل؟
لبِسْتُ ثَوبَ الرَّجَا وَالنَّاسُ قَدْ رَقَدُوا
وَقُمْتُ أَشْكُو إِلَى مَولَايَ مَا أَجِدُ!
وَقُلْتُ: يَا عُدَّتِي فِي كُلِّ نائبَةٍ
وَمنْ عَلَيْهِ لِكَشْفِ الضُّرِّ أعْتَمِدُ!
أَشْكُو إِلَيْك أُمُورًا أَنْتَ تَعْلَمُهَا
مَا لِي عَلَى حِمْلهَا صَبْرٌ وَلَا جَلَدُ!
وَقَدْ مَدَدتُّ يَدِيْ بِالضُّرِّ مُبْتَهِلًا
إِلَيْكَ يَا خَيرَ مَنْ مُدَّتْ إِلَيْهِ يَدُ!
فَلَا تَرُدَّنَّهَا يَا رَبِّ! خَائِبَةً
بَحْرُ جُودِكَ يَرْوِي كُلَّ مَنْ يَرِدُ!
ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..
إلهي لا تعذبني فإني
مقر بالذي قد كان مني
ومالي حيلة إلا رجائي
وعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم منزلة لي في البرايا
وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها
عضضت أناملي وقرعت سني
يظن الناس بي خيراً وإني
لشر الناس إن لم تعف عني
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 69، 70].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثاتها بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمة الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم حدثنا اليوم عن "فيض الودود في بيان أن رمضان شهر الكرم والجود" فهيا عباد الله لنتعرف على تلك المنزلة ولنرى فيض الله تعالى على عباده في شهر رمضان فبحار جوده زاخرة.
العنصر الأول: فضل الجود والكرم
• اعلموا عباد الله أن ثواب الجود والإنفاق عظيم، وقد رغَّبنا الله فيه في أكثر من موضع من القرآن الكريم، قال الله - تعالى -: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272].
وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].
• الكرم بركة للمال، عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً [متفق عليه].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نَقَصَ مال من صدقة -أو ما نقصتْ صدقة من مال -وما زاد اللهُ عبدا بعفْو إِلا عزّا، وما تواضَعَ عبد لِلهِ إِلا رَفَعَهُ اللهُ". أخرجه مسلم، والترمذي.
أخي المسلم: لكل هذه الفضائل فإن المسلم يحب أن يكون كريمًا، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: قال رسول الله: "لا حَسَد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار". [البخاري].
العنصر الثاني: جود الله تعالى على عباده في رمضان:
الله تعالى هو الجواد الذي ي
جود على عباده في هذا الشهر الكريم وغيره بصنوف الخير والعطايا.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: الجواد: يعني أنه - تعالى - الجواد المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات، وملأها من فضله، وكرمه، ونعمه المتنوعة، وخص بجوده السائلين بلسان المقال أو لسال الحال، من بَرّ، وفاجر، ومسلم، وكافر. وقال في موضع آخر: الجواد الذي عم بجوده أهل السماء والأرض، فما بالعباد من نعمة فمنه، وهو الذي إذا مسهم الضر فإليه يرجعون، وبه يتضرعون، فلا يخلو مخلوق من إحسانه طرفة عين، ولكن يتفاوت العباد في إفاضة الجود عليهم بحسب ما منَّ الله به عليهم من الأسباب المقتضية لجوده، وكرمه، وأعظمها تكميل عبودية الله الظاهرة والباطنة، العلمية والعملية، القولية والفعلية، والمالية، وتحقيقها باتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالحركات والسكنات.
أيها الأحباب:
وشهر الصيام شهر تظهر فيه معالم فضله وعطائه - جل جلاله - على عباده؛ ففيه يفتح الله لعباده من أبواب العفو والصفح والتوبة والمغفرة ما لا يكون في غيره، ويهيئ لهم من الأسباب ما يعينهم على ذلك في هذا الشهر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" رواه الترمذي وصححه الألباني. يفعل ذلك كله - سبحانه وبحمده - تهيئة لجوٍ مناسب للعبادة يعين المسلم على أدائها.
وجعل صلى الله عليه وسلم الصيامَ وقايةً من دخولِ النار فقَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ" رواه أحمد.
• ومن جوده - سبحانه - أنه جعل الصيام يشفع للصائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْته الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْته النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيَشْفَعَانِ" رواه أحمد وغيره، وقال الألباني: حسن صحيح.
• ومن جوده - سبحانه - على الصائم في هذا الشهر وغيره أن الصائم إذا خُتم له بالصيام بأن كان آخر أعماله أو مات صائماً دخل الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَ دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه أحمد وصححه الألباني. ومن جوده - سبحانه - في هذا الشهر أَنَّ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، و"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" متفق عليهما، و"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري، و"مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا ينقصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" رواه الترمذي وصححه الألباني.
• أيها الآباء:
ومن أعظم الجود أن يجود الله على عبيده بالعتق من النار عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ" رواه الترمذي وصححه الألباني.
فيا أيها الأحباب قد فتح لكم الباب وهيئة لكم أسباب المغفرة والرحمة فلا تبخلوا على أنفسكم ولا تحرموها من جود الله تعالى عليكم: عن مالك بن الحويرث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ" رواه ابن حبان وقال الألباني حسن صحيح.
• ومن جوده - تعالى - عليكم في هذا أن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فانه يصب على أهله العطاء صبا عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
• ومن أعظم جوده - سبحانه - على عباده في هذا الشهر أن جعل فيه ليلة عظيمة قال عنها في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [سورة القدر].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يُبَشِّرُهُمْ: " قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ
قال الشيخ السعدي رحمه الله: الجواد: يعني أنه - تعالى - الجواد المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات، وملأها من فضله، وكرمه، ونعمه المتنوعة، وخص بجوده السائلين بلسان المقال أو لسال الحال، من بَرّ، وفاجر، ومسلم، وكافر. وقال في موضع آخر: الجواد الذي عم بجوده أهل السماء والأرض، فما بالعباد من نعمة فمنه، وهو الذي إذا مسهم الضر فإليه يرجعون، وبه يتضرعون، فلا يخلو مخلوق من إحسانه طرفة عين، ولكن يتفاوت العباد في إفاضة الجود عليهم بحسب ما منَّ الله به عليهم من الأسباب المقتضية لجوده، وكرمه، وأعظمها تكميل عبودية الله الظاهرة والباطنة، العلمية والعملية، القولية والفعلية، والمالية، وتحقيقها باتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالحركات والسكنات.
أيها الأحباب:
وشهر الصيام شهر تظهر فيه معالم فضله وعطائه - جل جلاله - على عباده؛ ففيه يفتح الله لعباده من أبواب العفو والصفح والتوبة والمغفرة ما لا يكون في غيره، ويهيئ لهم من الأسباب ما يعينهم على ذلك في هذا الشهر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" رواه الترمذي وصححه الألباني. يفعل ذلك كله - سبحانه وبحمده - تهيئة لجوٍ مناسب للعبادة يعين المسلم على أدائها.
وجعل صلى الله عليه وسلم الصيامَ وقايةً من دخولِ النار فقَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ" رواه أحمد.
• ومن جوده - سبحانه - أنه جعل الصيام يشفع للصائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْته الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْته النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيَشْفَعَانِ" رواه أحمد وغيره، وقال الألباني: حسن صحيح.
• ومن جوده - سبحانه - على الصائم في هذا الشهر وغيره أن الصائم إذا خُتم له بالصيام بأن كان آخر أعماله أو مات صائماً دخل الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَ دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه أحمد وصححه الألباني. ومن جوده - سبحانه - في هذا الشهر أَنَّ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، و"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" متفق عليهما، و"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري، و"مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا ينقصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" رواه الترمذي وصححه الألباني.
• أيها الآباء:
ومن أعظم الجود أن يجود الله على عبيده بالعتق من النار عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ" رواه الترمذي وصححه الألباني.
فيا أيها الأحباب قد فتح لكم الباب وهيئة لكم أسباب المغفرة والرحمة فلا تبخلوا على أنفسكم ولا تحرموها من جود الله تعالى عليكم: عن مالك بن الحويرث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ" رواه ابن حبان وقال الألباني حسن صحيح.
• ومن جوده - تعالى - عليكم في هذا أن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فانه يصب على أهله العطاء صبا عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
• ومن أعظم جوده - سبحانه - على عباده في هذا الشهر أن جعل فيه ليلة عظيمة قال عنها في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [سورة القدر].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يُبَشِّرُهُمْ: " قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ
اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَيُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مِنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " شعب الإيمان
العنصر الثالث: جود النبي العدنان صلى الله عليه وسلم في رمضان:
أما جود النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن سمت روحه و نهلت من معين جود الجواد -جل جلاله- فلا بد أن يتصف بصفاته و هي الجود فقد كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - من أجود الناس فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " أخرجه البخاري ومسلم.
ما قال لاء إلا في تشهده ♦♦♦ لولا التشهد كانت لاؤه نعم
وإنما كان جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصةً أكثر لثلاثة أسباب:
السبب الأول: لمناسبة رمضان، فإنَّ رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات،
وترفع فيه الدرجات، فيتقرب فيه العبيد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات.
السبب الثاني: كثرة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة في الحث على الإنفاق في سبيل الله،
والتقلل من الدنيا والزهد فيها والإقبال على الآخرة، فيكون في ذلك تحريك لقلب الإنسان
لأن ينفق في سبيل الله، وحري بكل من يقرأ القرآن أن يكثر من الصدقة في سبيل الله.
السبب الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل في كل ليلة،
ولقاؤه لجبريل من باب مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان وتحث على الطاعة،
فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان.
• صور مِن كرم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجوده:
لقد مثَّل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة في الجُود والكَرَم، فكان أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير مِن الرِّيح المرسلة.
(وقد بلغ صلوات الله عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقة بعظيم فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم).
أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنما بين جبَلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلِمُوا، فإن محمدا يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجلُ لَيُسْلِمُ ما يُرِيد إلا الدنيا، فما يلبثُ إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها". أخرجه مسلم.
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن لي مثل أحد ذهبا ما سرني أن يأتي على ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين ". أخرجه البخاري.
(إنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، يقدِّم بهذا النَّموذج المثالي للقدوة الحسنة، لاسيَّما حينما نلاحظ أنَّه كان في عطاءاته الفعليَّة، مطبِّقًا لهذه الصُّورة القوليَّة التي قالها، فقد كانت سعادته ومسرَّته عظيمتين حينما كان يبذل كلَّ ما عنده مِن مال.
ثمَّ إنَّه يربِّي المسلمين بقوله وعمله على خُلُق حبِّ العطاء، إذ يريهم مِن نفسه أجمل صورة للعطاء وأكملها).
• وعن جبير بن مطعمٍ، أنَّه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه النَّاس، مقبلًا مِن حنينٍ، عَلِقَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سَمُرَةٍ، فَخطِفَتْ رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العِضَاهِ نَعَمًا، لقسمته بينكم، ثمَّ لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا)). رواه البخاري.
(( مَقْفَلَهُ )) أيْ: حَال رُجُوعِه. وَ(( السَّمُرَةُ )): شَجَرَةٌ. وَ(( العِضَاهُ )): شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.
فما أعظم كرمه وجوده وسخاء نفسه، صلى الله عليه وسلم، وما هذه الصِّفة الحميدة إلَّا جزءٌ مِن مجموع الصِّفات التي اتصف بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فلا أبلغ ممَّا وصفه القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
صور من جود وكرم الصَّحابة - رضي الله عنهم أجمعين:
أما من تربى في مدرسة العطاء ممن وصفهم رب الأرض و السماء بقوله ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحش
العنصر الثالث: جود النبي العدنان صلى الله عليه وسلم في رمضان:
أما جود النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن سمت روحه و نهلت من معين جود الجواد -جل جلاله- فلا بد أن يتصف بصفاته و هي الجود فقد كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - من أجود الناس فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " أخرجه البخاري ومسلم.
ما قال لاء إلا في تشهده ♦♦♦ لولا التشهد كانت لاؤه نعم
وإنما كان جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصةً أكثر لثلاثة أسباب:
السبب الأول: لمناسبة رمضان، فإنَّ رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات،
وترفع فيه الدرجات، فيتقرب فيه العبيد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات.
السبب الثاني: كثرة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة في الحث على الإنفاق في سبيل الله،
والتقلل من الدنيا والزهد فيها والإقبال على الآخرة، فيكون في ذلك تحريك لقلب الإنسان
لأن ينفق في سبيل الله، وحري بكل من يقرأ القرآن أن يكثر من الصدقة في سبيل الله.
السبب الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل في كل ليلة،
ولقاؤه لجبريل من باب مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان وتحث على الطاعة،
فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان.
• صور مِن كرم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجوده:
لقد مثَّل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة في الجُود والكَرَم، فكان أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير مِن الرِّيح المرسلة.
(وقد بلغ صلوات الله عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقة بعظيم فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم).
أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنما بين جبَلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلِمُوا، فإن محمدا يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجلُ لَيُسْلِمُ ما يُرِيد إلا الدنيا، فما يلبثُ إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها". أخرجه مسلم.
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن لي مثل أحد ذهبا ما سرني أن يأتي على ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين ". أخرجه البخاري.
(إنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، يقدِّم بهذا النَّموذج المثالي للقدوة الحسنة، لاسيَّما حينما نلاحظ أنَّه كان في عطاءاته الفعليَّة، مطبِّقًا لهذه الصُّورة القوليَّة التي قالها، فقد كانت سعادته ومسرَّته عظيمتين حينما كان يبذل كلَّ ما عنده مِن مال.
ثمَّ إنَّه يربِّي المسلمين بقوله وعمله على خُلُق حبِّ العطاء، إذ يريهم مِن نفسه أجمل صورة للعطاء وأكملها).
• وعن جبير بن مطعمٍ، أنَّه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه النَّاس، مقبلًا مِن حنينٍ، عَلِقَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سَمُرَةٍ، فَخطِفَتْ رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العِضَاهِ نَعَمًا، لقسمته بينكم، ثمَّ لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا)). رواه البخاري.
(( مَقْفَلَهُ )) أيْ: حَال رُجُوعِه. وَ(( السَّمُرَةُ )): شَجَرَةٌ. وَ(( العِضَاهُ )): شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.
فما أعظم كرمه وجوده وسخاء نفسه، صلى الله عليه وسلم، وما هذه الصِّفة الحميدة إلَّا جزءٌ مِن مجموع الصِّفات التي اتصف بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فلا أبلغ ممَّا وصفه القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
صور من جود وكرم الصَّحابة - رضي الله عنهم أجمعين:
أما من تربى في مدرسة العطاء ممن وصفهم رب الأرض و السماء بقوله ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحش
ر: 9].
فهذا من قال فيه ربه - عز و جل- ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 17 - 21].
إنه صديق هذه الأمة وفاروقها عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب، يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: يا أبا بكرٍ ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا)). رواه أبو داود.
أمة الإسلام لن تنالوا البر و لن تنالوا الجنة إلا بالبذل و العطاء كما كان حال سلفكم أكثر أنصاريٍّ بالمدينة مالًا، وكان أحبَّ أمواله إليه بيرحى ، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب مِن ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنسٌ: فلمَّا نزلت هذه الآية: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] قام أبو طَلْحَة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله يقول في كتابه: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بيرحى، وإنَّها صدقةٌ لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخٍ ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، قد سمعتُ ما قلتَ فيها، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقسمها أبو طَلْحَة في أقاربه وبني عمِّه.
• (وقيل: مَرِض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانه، فقيل له: إنَّهم يستحيون ممَّا لك عليهم مِن الدَّيْن، فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان مِن الزِّيارة، ثمَّ أمر مناديًا فنادى: مَن كان عليه لقيس بن سعد حقٌّ فهو منه بريء، قال فانكسرت درجته بالعشي لكثرة مَن زاره وعاده).
• وقال عطاء: (ما رأيت مجلسًا قطُّ أَكْرَم مِن مجلس ابن عبَّاس، أكثر فقهًا، وأعظم جَفْنَةً، إنَّ أصحاب القرآن عنده، وأصحاب النَّحو عنده، وأصحاب الشِّعر، وأصحاب الفقه، يسألونه كلُّهم، يصدرهم في وادٍ واسعٍ).
• ذُكر أنَّ عبيد الله بن العبَّاس أتاه سائل وهو لا يعرفه، فقال له: تصدَّق عليَّ بشيءٍ، فإنِّي نُبِّـئت أنَّ عبيد الله بن العبَّاس أعطى سائلًا ألف درهم واعتذر إليه، فقال: وأين أنا مِن عبيد الله فقال: أين أنت منه في الحسب أم في الكَرَم؟ قال: فيهما جميعًا، قال: أمَّا الحسب في الرَّجل فمروءته وفعله، وإذا شئت فعلتَ، وإذا فعلت كنت حسيبًا. فأعطاه ألفي درهم واعتذر إليه مِن ضيق نفقته. فقال له السَّائل: إن لم تكن عبيد الله بن العبَّاس فأنت خير منه، وإن كنت إيَّاه فأنت اليوم خير منك أمس، فأعطاه ألفًا أخرى، فقال له السَّائل: هذه هزَّة كريم حسيب).
• وقال الأصمعيُّ: (حدَّثنا ابن عمران قاضي المدينة، أنَّ طَلْحَة كان يقال له: طَلْحَة الخير، وطَلْحَة الفيَّاض، وطَلْحَة الطَّلَحَات، وأنَّه فدى عشرة مِن أسارى بدر وجاء يمشي بينهم، وأنَّه سُئل برحم، فقال: ما سُئِلت بهذه الرَّحم قبل اليوم، وقد بعت حائطًا لي بتسعمائة ألف درهم وأنا فيه بالخيار، فإن شئت ارتجعته وأعطيتكه، وإن شئت أعطيتك ثمنه).
• وقال المدائني: (إنَّما سمِّي طَلْحَة بن عبيد الله الخزاعي: طَلْحَة الطَّلَحَات، لأنَّه اشترى مائة غلام وأعتقهم وزوَّجهم، فكلُّ مولود له سمَّاه طلحة).
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبــة.الثانيــة.cc
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
العنصر الرابع: نماذج مِن السَّلف في الكَرَم والجُود:
ولقد تشبه الخلف بأخلاق السلف وحالهم:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
• قال محمَّد بن صبيحٍ: (لما قدم أبو الزِّناد الكوفة على الصَّدقات، كلَّم رجلٌ حمَّاد بن أبي سليمان في رجلٍ يكلِّم له أبا الزِّناد، يستعين في بعض أعماله، فقال حمَّاد: كم يؤمِّل صاحبك مِن أبي الزِّناد أن يصيب معه؟ قال: ألف درهمٍ، قال: فقد أمرت له بخمسة آلاف درهمٍ، ولا يبذل وجهي إليه، قال: جزاك الله خيرًا، فهذا أكثر ممَّا أمَّل ورجا. قال عثمان: وقال ابن السَّمَّاك: فكلَّمه آخر في ابنه أن يحوِّله مِن كتابٍ إلى كتاب، فقال للذي يكلِّمه: إنَّما نعطي المعلِّم ثلاثين كلَّ شهرٍ، وقد أجريناها لصاحبك مائة، دع الغلام مكانه).
• (وكان أبو مرثد أحد الكُرَماء، فمدحه بعض الشُّعراء، فقال للشَّاعر: والله ما عندي ما أعطيك، ولكن قدِّمني إلى القاضي وادَّع عليَّ بعشرة آلاف درهم حتى
فهذا من قال فيه ربه - عز و جل- ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 17 - 21].
إنه صديق هذه الأمة وفاروقها عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب، يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: يا أبا بكرٍ ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا)). رواه أبو داود.
أمة الإسلام لن تنالوا البر و لن تنالوا الجنة إلا بالبذل و العطاء كما كان حال سلفكم أكثر أنصاريٍّ بالمدينة مالًا، وكان أحبَّ أمواله إليه بيرحى ، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب مِن ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنسٌ: فلمَّا نزلت هذه الآية: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] قام أبو طَلْحَة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله يقول في كتابه: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بيرحى، وإنَّها صدقةٌ لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخٍ ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، قد سمعتُ ما قلتَ فيها، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقسمها أبو طَلْحَة في أقاربه وبني عمِّه.
• (وقيل: مَرِض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانه، فقيل له: إنَّهم يستحيون ممَّا لك عليهم مِن الدَّيْن، فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان مِن الزِّيارة، ثمَّ أمر مناديًا فنادى: مَن كان عليه لقيس بن سعد حقٌّ فهو منه بريء، قال فانكسرت درجته بالعشي لكثرة مَن زاره وعاده).
• وقال عطاء: (ما رأيت مجلسًا قطُّ أَكْرَم مِن مجلس ابن عبَّاس، أكثر فقهًا، وأعظم جَفْنَةً، إنَّ أصحاب القرآن عنده، وأصحاب النَّحو عنده، وأصحاب الشِّعر، وأصحاب الفقه، يسألونه كلُّهم، يصدرهم في وادٍ واسعٍ).
• ذُكر أنَّ عبيد الله بن العبَّاس أتاه سائل وهو لا يعرفه، فقال له: تصدَّق عليَّ بشيءٍ، فإنِّي نُبِّـئت أنَّ عبيد الله بن العبَّاس أعطى سائلًا ألف درهم واعتذر إليه، فقال: وأين أنا مِن عبيد الله فقال: أين أنت منه في الحسب أم في الكَرَم؟ قال: فيهما جميعًا، قال: أمَّا الحسب في الرَّجل فمروءته وفعله، وإذا شئت فعلتَ، وإذا فعلت كنت حسيبًا. فأعطاه ألفي درهم واعتذر إليه مِن ضيق نفقته. فقال له السَّائل: إن لم تكن عبيد الله بن العبَّاس فأنت خير منه، وإن كنت إيَّاه فأنت اليوم خير منك أمس، فأعطاه ألفًا أخرى، فقال له السَّائل: هذه هزَّة كريم حسيب).
• وقال الأصمعيُّ: (حدَّثنا ابن عمران قاضي المدينة، أنَّ طَلْحَة كان يقال له: طَلْحَة الخير، وطَلْحَة الفيَّاض، وطَلْحَة الطَّلَحَات، وأنَّه فدى عشرة مِن أسارى بدر وجاء يمشي بينهم، وأنَّه سُئل برحم، فقال: ما سُئِلت بهذه الرَّحم قبل اليوم، وقد بعت حائطًا لي بتسعمائة ألف درهم وأنا فيه بالخيار، فإن شئت ارتجعته وأعطيتكه، وإن شئت أعطيتك ثمنه).
• وقال المدائني: (إنَّما سمِّي طَلْحَة بن عبيد الله الخزاعي: طَلْحَة الطَّلَحَات، لأنَّه اشترى مائة غلام وأعتقهم وزوَّجهم، فكلُّ مولود له سمَّاه طلحة).
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبــة.الثانيــة.cc
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
العنصر الرابع: نماذج مِن السَّلف في الكَرَم والجُود:
ولقد تشبه الخلف بأخلاق السلف وحالهم:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
• قال محمَّد بن صبيحٍ: (لما قدم أبو الزِّناد الكوفة على الصَّدقات، كلَّم رجلٌ حمَّاد بن أبي سليمان في رجلٍ يكلِّم له أبا الزِّناد، يستعين في بعض أعماله، فقال حمَّاد: كم يؤمِّل صاحبك مِن أبي الزِّناد أن يصيب معه؟ قال: ألف درهمٍ، قال: فقد أمرت له بخمسة آلاف درهمٍ، ولا يبذل وجهي إليه، قال: جزاك الله خيرًا، فهذا أكثر ممَّا أمَّل ورجا. قال عثمان: وقال ابن السَّمَّاك: فكلَّمه آخر في ابنه أن يحوِّله مِن كتابٍ إلى كتاب، فقال للذي يكلِّمه: إنَّما نعطي المعلِّم ثلاثين كلَّ شهرٍ، وقد أجريناها لصاحبك مائة، دع الغلام مكانه).
• (وكان أبو مرثد أحد الكُرَماء، فمدحه بعض الشُّعراء، فقال للشَّاعر: والله ما عندي ما أعطيك، ولكن قدِّمني إلى القاضي وادَّع عليَّ بعشرة آلاف درهم حتى
أقرَّ لك بها، ثمَّ احبسني، فإنَّ أهلي لا يتركوني محبوسًا. ففعل ذلك، فلم يُمْس حتى دفع إليه عشرة آلاف درهم، وأُخْرج أبو مرثد مِن الحبس).
• وقال حمَّاد بن أبي حنيفة: (لم يكن بالكوفة أسخى على طعامٍ ومالٍ مِن حماَّد بن أبي سليمان، ومِن بعده خلف بن حوشبٍ).
• و(كان مورقٌ يتَّجر، فيصيب المال، فلا يأتي عليه جمعةٌ وعنده منه شيءٌ، وكان يأتي الأخ، فيعطيه الأربعمائة والخمسمائة، ويقول: ضعها لنا عندك. ثمَّ يلقاه بعد، فيقول: شأنك بها، لا حاجة لي فيها).
• وقال عبد الله بن الوسيم الجمَّال: (أتينا عمران بن موسى بن طَلْحَة ابن عبيد الله نسأله في دينٍ على رجلٍ مِن أصحابنا، فأمر بالموائد فنُصِبَت، ثمَّ قال: لا، حتى تصيبوا مِن طعامنا، فيجب علينا حقُّكم وذمامكم، قال: فأصبنا مِن طعامه، فأمر لنا بعشرة آلاف درهمٍ في قضاء دينه، وخمسة آلاف درهمٍ نفقةً لعياله).
• و(كان هشام بن حسَّان إذا ذكر يزيد بن المهلَّب يقول: إن كادت السُّفن لتجري في جوده).
• و(كان ناسٌ مِن أهل المدينة يعيشون لا يدرون مِن أين كان معاشهم، فلمَّا مات علي بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يُؤْتَون باللَّيل.
• وقال أبو السَّوَّار العدويُّ: (كان رجالٌ مِن بني عدي يصلُّون في هذا المسجد، ما أفطر أحدٌ منهم على طعامٍ قطُّ وحده، إن وجد مَن يأكل معه أكل، وإلَّا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع النَّاس، وأكل النَّاس معه).
• و(كان يقال للفضل بن يحيى: حاتم الإسلام... وكان يقال: حدِّث عن البحر ولا حرج، وعن الفضل ولا حرج)
العنصر الخامس: الواجب علينا في هذه الأيام:
أمة الإسلام: الواجب علينا أن نطبق ما سمعنا و أن نترجمه ترجمة حرفية فورية إلى أرض الواقع فنبحث عن الفقراء و المساكين و نسأل عن اليتامى و الأرامل لنخفف عنهم لوعة الفقر و البأساء فلن ننال ما عند الله من نعيم و لن نرافق سيد الأولين إلا بمواساة هؤلاء عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة هكذا و أشار بالسبابة و الوسطى "رواه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "السَّاعي على الأرْمَلَةِ، والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله - وأحْسِبُهُ قال - وكالقائم لا يفْتُرُ، وكالصائم لا يُفْطِرُ".
وفي رواية عن صفوان بن سُلَيم، يَرْفَعُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصومُ النهار، ويقوم الليل". أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.
============================
ــــــــــــــــ
• وقال حمَّاد بن أبي حنيفة: (لم يكن بالكوفة أسخى على طعامٍ ومالٍ مِن حماَّد بن أبي سليمان، ومِن بعده خلف بن حوشبٍ).
• و(كان مورقٌ يتَّجر، فيصيب المال، فلا يأتي عليه جمعةٌ وعنده منه شيءٌ، وكان يأتي الأخ، فيعطيه الأربعمائة والخمسمائة، ويقول: ضعها لنا عندك. ثمَّ يلقاه بعد، فيقول: شأنك بها، لا حاجة لي فيها).
• وقال عبد الله بن الوسيم الجمَّال: (أتينا عمران بن موسى بن طَلْحَة ابن عبيد الله نسأله في دينٍ على رجلٍ مِن أصحابنا، فأمر بالموائد فنُصِبَت، ثمَّ قال: لا، حتى تصيبوا مِن طعامنا، فيجب علينا حقُّكم وذمامكم، قال: فأصبنا مِن طعامه، فأمر لنا بعشرة آلاف درهمٍ في قضاء دينه، وخمسة آلاف درهمٍ نفقةً لعياله).
• و(كان هشام بن حسَّان إذا ذكر يزيد بن المهلَّب يقول: إن كادت السُّفن لتجري في جوده).
• و(كان ناسٌ مِن أهل المدينة يعيشون لا يدرون مِن أين كان معاشهم، فلمَّا مات علي بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يُؤْتَون باللَّيل.
• وقال أبو السَّوَّار العدويُّ: (كان رجالٌ مِن بني عدي يصلُّون في هذا المسجد، ما أفطر أحدٌ منهم على طعامٍ قطُّ وحده، إن وجد مَن يأكل معه أكل، وإلَّا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع النَّاس، وأكل النَّاس معه).
• و(كان يقال للفضل بن يحيى: حاتم الإسلام... وكان يقال: حدِّث عن البحر ولا حرج، وعن الفضل ولا حرج)
العنصر الخامس: الواجب علينا في هذه الأيام:
أمة الإسلام: الواجب علينا أن نطبق ما سمعنا و أن نترجمه ترجمة حرفية فورية إلى أرض الواقع فنبحث عن الفقراء و المساكين و نسأل عن اليتامى و الأرامل لنخفف عنهم لوعة الفقر و البأساء فلن ننال ما عند الله من نعيم و لن نرافق سيد الأولين إلا بمواساة هؤلاء عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة هكذا و أشار بالسبابة و الوسطى "رواه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "السَّاعي على الأرْمَلَةِ، والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله - وأحْسِبُهُ قال - وكالقائم لا يفْتُرُ، وكالصائم لا يُفْطِرُ".
وفي رواية عن صفوان بن سُلَيم، يَرْفَعُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصومُ النهار، ويقوم الليل". أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.
============================
ــــــــــــــــ
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
عـــزة المسلمــين في رمضــان
للـــدكتـــور/ محــمـــد ويـــلالــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
لا شك أن القرآن الكريم كتاب هداية واستقامة، لم يَقصره الله تعالى على أمة دون أمة، ولا على جنس دون جنس، بل هو للناس جميعاً. قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]. وقال النبي: "أُعطيت خمساً لم يعطَهن أحد قبلي"، وذكر منها: "وكَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ" متفق عليه.
فالبشر لا يمكن أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، ولا أن يضبطوا علاقاتهم بمجرد عقولهم، وتشريع القوانين البشرية الاجتهادية الخاضعة لأهوائهم، وإلا ولجوا باب الجهل بدل العلم، والضلالة بدل الهداية، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]. وذكر عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن في التوراة وصفا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنه "لَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا" البخاري.
فكانت العزة عنوان هذا الدين لا تفارقه، لأنه الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وأمرهم بأن يموتوا عليه. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
وإذا كانت طبيعة كثير من البشر تأبى تقبل الحق بلا معاندة ولا مكابرة، فإن سنة الله في هدايتهم ماضية. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" الصحيحة.
ولذلك سمى الله تعالى نبيه "سراجا منيرا"، وهذا يقتضي - كما قال العلامة السعدي -:"أن الخلق كانوا في ظلمة عظيمة.. حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم، فأضاء اللّه به تلك الظلمات". نعم، تلك الظلمات التي ترجمها الشاعر بقوله:
والأرض مملوءة جورًا مُسخّرةٌ
لكل طاغية في الخَلْق محتكمِ
مُسَيْطِرُ الفُرْسِ يَبغي في رعيتهِ
وقيصرُ الروم من كِبْر أَصَمُّ عَمِ
يُعذِّبان عباد الله في شُبَهٍ
ويذبحان كما ضحَّيتَ بالغنمِ
والخَلقُ يفتك أقواهم بأضعفهم
كالليث بالبَهْمِ أو كالحوت بالبَلَم
ولتحقيق وعد الله بنشر دينه، وتحقيق عزة عباده، كان لا بد من الدخول في الصراع - أحيانا - بين الكفر والإيمان، مواجهة للمعتدين، وزجرا للظالمين، ونشرا لشريعة رب العالمين. ولذلك كان رمضان شهر العزة والثبات، شهر الدفاع عن الحرمات، شهر مدافعة المكائد والاحتيالات.
ففي الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، تم فتح مكة، الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾. وهو يوم ضُرب فيه أعظم مثال تاريخي في التسامح والتواضع وخفض الجناح، والتعالي عن نوازع الانتقام، ودواخل الاحتقاد؛ فبعد عشرين سنة من محاربة قريش للمسلمين، يُظفِر الله - تعالى - نبيه بهم، فكانوا ينتظرون أن ينزل بهم - صلى الله عليه وسلم - أشد العقاب، وأقسى الانتقام، حتى إذا قال سعد بن عبادة: "اليومَ يومُ المَلْحَمَةِ، اليومَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ"، رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلا: "كَذَب سعدٌ، ولكن هذا يومٌ يُعَظِّمُ اللهُ فيه الكَعْبَةَ، ويَوْمٌ تُكْسَى فيه الكَعْبَةُ" البخاري.
وفي رمضان تم القضاء على المجوسية في موقعة القادسية، بين المسلمين الذين كان عددهم 30 ألفا، والمجوس الذين كان عددهم 120 ألفا، بعد أن نقضوا عهد الذمة مع المسلمين، فأعز الله كلمة التوحيد، وجعل عباد النار في الأذلين.
وفي رمضان، وقعت معركة حطين، التي استرد المسلمون فيها بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي، وانتصروا على الصليبيين، الذين قاتلوا المسلمين قرنين من الزمان، وظلت القدس ما يقارب 92 عامًا لا يرفع فيها أذان. ومع أن هؤلاء الصليبيين قتلوا أكثر من 70 ألفا من أهالي القدس من رجال، وكهول، ونساء، وأطفال، إلا أن صلاح الدين عاملهم بتسامح كبير، إذ لم يطالبهم إلا بالخروج من القدس، ودفع جزية رمزية للقادر عليها.
وفي رمضان انتصر المسلمون على التتار الذين اكتسحوا العالم، وأرعبوا الخلائق، وجابوا الأرض طو
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
عـــزة المسلمــين في رمضــان
للـــدكتـــور/ محــمـــد ويـــلالــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
لا شك أن القرآن الكريم كتاب هداية واستقامة، لم يَقصره الله تعالى على أمة دون أمة، ولا على جنس دون جنس، بل هو للناس جميعاً. قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]. وقال النبي: "أُعطيت خمساً لم يعطَهن أحد قبلي"، وذكر منها: "وكَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ" متفق عليه.
فالبشر لا يمكن أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، ولا أن يضبطوا علاقاتهم بمجرد عقولهم، وتشريع القوانين البشرية الاجتهادية الخاضعة لأهوائهم، وإلا ولجوا باب الجهل بدل العلم، والضلالة بدل الهداية، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]. وذكر عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن في التوراة وصفا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنه "لَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا" البخاري.
فكانت العزة عنوان هذا الدين لا تفارقه، لأنه الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وأمرهم بأن يموتوا عليه. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
وإذا كانت طبيعة كثير من البشر تأبى تقبل الحق بلا معاندة ولا مكابرة، فإن سنة الله في هدايتهم ماضية. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" الصحيحة.
ولذلك سمى الله تعالى نبيه "سراجا منيرا"، وهذا يقتضي - كما قال العلامة السعدي -:"أن الخلق كانوا في ظلمة عظيمة.. حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم، فأضاء اللّه به تلك الظلمات". نعم، تلك الظلمات التي ترجمها الشاعر بقوله:
والأرض مملوءة جورًا مُسخّرةٌ
لكل طاغية في الخَلْق محتكمِ
مُسَيْطِرُ الفُرْسِ يَبغي في رعيتهِ
وقيصرُ الروم من كِبْر أَصَمُّ عَمِ
يُعذِّبان عباد الله في شُبَهٍ
ويذبحان كما ضحَّيتَ بالغنمِ
والخَلقُ يفتك أقواهم بأضعفهم
كالليث بالبَهْمِ أو كالحوت بالبَلَم
ولتحقيق وعد الله بنشر دينه، وتحقيق عزة عباده، كان لا بد من الدخول في الصراع - أحيانا - بين الكفر والإيمان، مواجهة للمعتدين، وزجرا للظالمين، ونشرا لشريعة رب العالمين. ولذلك كان رمضان شهر العزة والثبات، شهر الدفاع عن الحرمات، شهر مدافعة المكائد والاحتيالات.
ففي الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، تم فتح مكة، الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾. وهو يوم ضُرب فيه أعظم مثال تاريخي في التسامح والتواضع وخفض الجناح، والتعالي عن نوازع الانتقام، ودواخل الاحتقاد؛ فبعد عشرين سنة من محاربة قريش للمسلمين، يُظفِر الله - تعالى - نبيه بهم، فكانوا ينتظرون أن ينزل بهم - صلى الله عليه وسلم - أشد العقاب، وأقسى الانتقام، حتى إذا قال سعد بن عبادة: "اليومَ يومُ المَلْحَمَةِ، اليومَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ"، رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلا: "كَذَب سعدٌ، ولكن هذا يومٌ يُعَظِّمُ اللهُ فيه الكَعْبَةَ، ويَوْمٌ تُكْسَى فيه الكَعْبَةُ" البخاري.
وفي رمضان تم القضاء على المجوسية في موقعة القادسية، بين المسلمين الذين كان عددهم 30 ألفا، والمجوس الذين كان عددهم 120 ألفا، بعد أن نقضوا عهد الذمة مع المسلمين، فأعز الله كلمة التوحيد، وجعل عباد النار في الأذلين.
وفي رمضان، وقعت معركة حطين، التي استرد المسلمون فيها بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي، وانتصروا على الصليبيين، الذين قاتلوا المسلمين قرنين من الزمان، وظلت القدس ما يقارب 92 عامًا لا يرفع فيها أذان. ومع أن هؤلاء الصليبيين قتلوا أكثر من 70 ألفا من أهالي القدس من رجال، وكهول، ونساء، وأطفال، إلا أن صلاح الدين عاملهم بتسامح كبير، إذ لم يطالبهم إلا بالخروج من القدس، ودفع جزية رمزية للقادر عليها.
وفي رمضان انتصر المسلمون على التتار الذين اكتسحوا العالم، وأرعبوا الخلائق، وجابوا الأرض طو
لا وعرضا، حتى وقف لهم الملك المظفر "سيف الدين قطز" في معركة "عين جالوت" يوم الجمعة، الخامسِ والعشرين.
وفي رمضان تم حصار القسطنطينية التي استعمرها النصارى أكثر من ألف سنة، أعقبه فتح عظيم، عدَّهُ المؤرخون الأوروبيون ومَن تابعهم نهايةَ العصور الوسطى، وبدايةَ العصور الحديثة، وكان ذلك على يد القائد محمد الفاتح، الذي كان عمره 22 سنة، بعد أن أدهش الأوروبيين بابتكار فكرة جر السفن بين الجبال ثلاثة أميال حتى أوصلها للبحر. يقول أحد المؤرخين البيزنطيين متعجبا: "ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار، وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الإسكندر الأكبر".
مَلَكْنَا هَذِهِ الدُّنْيَا قُرُونا
وَأَخْضَعَهَا جُدُودٌ خَالِدُونَا
وَسَطَّرْنَا صَحَائِفَ مِنْ ضِيَاءٍ
فَمَا نَسِيَ الزَّمَانُ وَلَا نَسِينَا
وفي رمضان فتحت الأندلس على يد طارق بن زياد.
وفي رمضان انتصر يوسف بن تاشفين على الفونسو في معركة الزلاقة.
وفي رمضان استجاب المعتصم العباسي لصرخة المرأة التي لطمها أحد الروم، فنادت: "وامعتصماه"، فأرسل جيشا لاستنقاذها لا يُعرف أوله من آخره، وكان ذلك سببا في فتح "عمورية". نعم، تلك الصرخة التي وقف المؤرخون عندها وقفة إجلال، بعد أن صارت صرخات النساء في زماننا متعددة الألوان، مختلفة الأصناف، أرادوها دمية في أيدي اللاهين، لا يرون فيها إلا جانب اللهو والمتعة، فجعلوهن إماء لهم وخادمات، وسلعا تدر عليهم الأرباح العريضة. صرخات وأنات تطرق الآذان، ولا تكاد تجد منا نخوة المعتصم.
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
وفي السابع عشر من رمضان، وفي يوم جمعة، وقعت معركة "بدر"، التي خرج فيها المشركون - كما قال تعالى - ﴿ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ﴾ [الأنفال: 47] برئاسة أبي جهل، الذي أقسم - بكل كبرياء وصلَف - أن يكسر شوكة الإسلام قائلا: "والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيمَ بها ثلاثا، فننحرَ الجزور، ونَطعمَ الطعام، ونُسقَى الخمر، وتعزفَ لنا القيان، وتسمعَ بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا". فكان أن أيد الله تعالى عباده الصادقين بجنود من الملائكة. "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ".
كم نسخٍ من أبي جهل في هذا الزمان، يحاربون الإسلام، ويدعون إلى أنظمة لائكية مفصولة عن جذورها، بعيدة عن دينها، تابعة لغيرها، منهم من ينادي بحصر الدين في زاوية المساجد، وفصله عن شؤون الحياة، ومنهم من يرى التوحيد سفاهة، والصلاة لعبا، والصيام تجويعا، والحج وثنية، وتحريم الخمر عبثا، ومنع الشذوذ فضولا، والزنا متعة، وأكل الربا تجارة، والأعياد الدينية طقوسا، وطاعة الأبوين وأولي الأمر تقديسا واستذلالا، وطاعة الزوجة لزوجها عبودية، وعقد الزواج تفاهة، واجتماع الأسرة تقاليد.. وهكذا لم يتركوا من حسنات ديننا شيئا إلا سفهوه واستنقصوه، واستهزؤوا بأصحابه، ليعيشوا هم حياة الحرية المطلقة، وإرسال العنان للشهوات والملذات.
لم تكن هذه الفتوحات استعمارا يقصد إذلال أهل الأرض، واستنزاف خيراتهم، ولم تكن حروب دمار شامل تأتي على الأخضر واليابس. بل إن مما لا ينقضي منه العجب، أن مجموع غزوات وبعوث النبي - صلى الله عليه وسلم -، في رمضان وخارج رمضان، أسفرت عن مقتل 386 شخص فقط: 203 من المشركين، و183 من المسلمين. وكان دخول المسلمين هذه البلدان يصحبه نور الهداية، تهتز له جنبات الأرجاء، وتتراقص له الأمداء، فيزدهر معه الاقتصاد، وينتشر الأمن والاطمئنان. بينما حروب هذا الزمان، لا يحكمها إلا فكر الاستعمار، وحب السيطرة والإذلال. فلا عجب أن تدور في مطلع القرن 21 معارك نظامية في 18 حربا حول العالم، وأن تحصد آلة الحرب في 100 عام السابقة (من 1907 إلى 2007) أزيد من 250 مليون شخص، بحثا عن عزة موهومة، جعلوا قصاراها في إغناء الغني، وإذلال الفقير: 225 فردا من أبناء شمال الأرض، يملكون ما يساوى ملكية مليارين ونصف من أبناء الجنوب، و20% من أبناء الحضارة الغربية، يستهلكون 86% من الإنتاج العالمي، في الوقت الذي يموت فيه 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض، ويعيش فيه أكثر من مليار شخص على المياه الملوثة. فما أبعد ما بين العزتين.
وفي رمضان تم حصار القسطنطينية التي استعمرها النصارى أكثر من ألف سنة، أعقبه فتح عظيم، عدَّهُ المؤرخون الأوروبيون ومَن تابعهم نهايةَ العصور الوسطى، وبدايةَ العصور الحديثة، وكان ذلك على يد القائد محمد الفاتح، الذي كان عمره 22 سنة، بعد أن أدهش الأوروبيين بابتكار فكرة جر السفن بين الجبال ثلاثة أميال حتى أوصلها للبحر. يقول أحد المؤرخين البيزنطيين متعجبا: "ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار، وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الإسكندر الأكبر".
مَلَكْنَا هَذِهِ الدُّنْيَا قُرُونا
وَأَخْضَعَهَا جُدُودٌ خَالِدُونَا
وَسَطَّرْنَا صَحَائِفَ مِنْ ضِيَاءٍ
فَمَا نَسِيَ الزَّمَانُ وَلَا نَسِينَا
وفي رمضان فتحت الأندلس على يد طارق بن زياد.
وفي رمضان انتصر يوسف بن تاشفين على الفونسو في معركة الزلاقة.
وفي رمضان استجاب المعتصم العباسي لصرخة المرأة التي لطمها أحد الروم، فنادت: "وامعتصماه"، فأرسل جيشا لاستنقاذها لا يُعرف أوله من آخره، وكان ذلك سببا في فتح "عمورية". نعم، تلك الصرخة التي وقف المؤرخون عندها وقفة إجلال، بعد أن صارت صرخات النساء في زماننا متعددة الألوان، مختلفة الأصناف، أرادوها دمية في أيدي اللاهين، لا يرون فيها إلا جانب اللهو والمتعة، فجعلوهن إماء لهم وخادمات، وسلعا تدر عليهم الأرباح العريضة. صرخات وأنات تطرق الآذان، ولا تكاد تجد منا نخوة المعتصم.
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
وفي السابع عشر من رمضان، وفي يوم جمعة، وقعت معركة "بدر"، التي خرج فيها المشركون - كما قال تعالى - ﴿ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ﴾ [الأنفال: 47] برئاسة أبي جهل، الذي أقسم - بكل كبرياء وصلَف - أن يكسر شوكة الإسلام قائلا: "والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيمَ بها ثلاثا، فننحرَ الجزور، ونَطعمَ الطعام، ونُسقَى الخمر، وتعزفَ لنا القيان، وتسمعَ بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا". فكان أن أيد الله تعالى عباده الصادقين بجنود من الملائكة. "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ".
كم نسخٍ من أبي جهل في هذا الزمان، يحاربون الإسلام، ويدعون إلى أنظمة لائكية مفصولة عن جذورها، بعيدة عن دينها، تابعة لغيرها، منهم من ينادي بحصر الدين في زاوية المساجد، وفصله عن شؤون الحياة، ومنهم من يرى التوحيد سفاهة، والصلاة لعبا، والصيام تجويعا، والحج وثنية، وتحريم الخمر عبثا، ومنع الشذوذ فضولا، والزنا متعة، وأكل الربا تجارة، والأعياد الدينية طقوسا، وطاعة الأبوين وأولي الأمر تقديسا واستذلالا، وطاعة الزوجة لزوجها عبودية، وعقد الزواج تفاهة، واجتماع الأسرة تقاليد.. وهكذا لم يتركوا من حسنات ديننا شيئا إلا سفهوه واستنقصوه، واستهزؤوا بأصحابه، ليعيشوا هم حياة الحرية المطلقة، وإرسال العنان للشهوات والملذات.
لم تكن هذه الفتوحات استعمارا يقصد إذلال أهل الأرض، واستنزاف خيراتهم، ولم تكن حروب دمار شامل تأتي على الأخضر واليابس. بل إن مما لا ينقضي منه العجب، أن مجموع غزوات وبعوث النبي - صلى الله عليه وسلم -، في رمضان وخارج رمضان، أسفرت عن مقتل 386 شخص فقط: 203 من المشركين، و183 من المسلمين. وكان دخول المسلمين هذه البلدان يصحبه نور الهداية، تهتز له جنبات الأرجاء، وتتراقص له الأمداء، فيزدهر معه الاقتصاد، وينتشر الأمن والاطمئنان. بينما حروب هذا الزمان، لا يحكمها إلا فكر الاستعمار، وحب السيطرة والإذلال. فلا عجب أن تدور في مطلع القرن 21 معارك نظامية في 18 حربا حول العالم، وأن تحصد آلة الحرب في 100 عام السابقة (من 1907 إلى 2007) أزيد من 250 مليون شخص، بحثا عن عزة موهومة، جعلوا قصاراها في إغناء الغني، وإذلال الفقير: 225 فردا من أبناء شمال الأرض، يملكون ما يساوى ملكية مليارين ونصف من أبناء الجنوب، و20% من أبناء الحضارة الغربية، يستهلكون 86% من الإنتاج العالمي، في الوقت الذي يموت فيه 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع والمرض، ويعيش فيه أكثر من مليار شخص على المياه الملوثة. فما أبعد ما بين العزتين.
🎤
خطبـة.جمعـة.بعنـوان.cc
خـلـــق الرحـــمـــــة والــتراحــــم
للشيخ/ ياسر عبدالله محمد الحوري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علماً، ورحمته وسعت كل شيء، ورحمة ربك خير مما يجمعون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأحرص الناس على هداية أمته، وجاء في صفته: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، الذين كانوا رحمة مهداة من الله لأممهم، أنقذ الله بهم من شاء من الغواية إلى الهدى، ومن دركات الجحيم إلى درجات الجنان، ومن يضلل الله فما له من هاد، وارض اللهم عن آل محمد المؤمنين وعن صحابته أجمعين و التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون الرحماء:
نعيش في هذا اليوم مع خلق عظيم، ووصف كريم، وله في الإسلام شأن عظيم، فقد عظّمه الله في كتابه، أُوتيه السعداء، وحُرمه الأشقياء، نعيش مع خلق أكده الإسلام وأمر المسلمين التحلي به، ما أشد افتقار الناس إليه، إنه خلق الرحمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيصلى الله عليه وسلمقال: ((إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفرس لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، وأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة)) البخاري وغيره.
والرحمة صفة من صفات ربنا فلله الصفات العلى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 9].الرحمة صفة كمال وجلال ربنا جلَّ وعلا، قال جل وعلا: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156] فلا يعلم مداها إلى هو: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133].
أيها الأحبة الكرام في الله:
إن لهذه الرحمة آثار عظيمة، فمن رحمة الله أن خلق الخلق: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 128]، ومن رحمته جلَّ وعلا خلق الإنسان في أحسن تقويم: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، ﴿ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 8]، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].
ومن رحمته أنه تكفل برزق جميع عباده ناطقهم وحيوانهم، قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وقال جلَّ جلاله: ﴿ وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].
ومن رحمته مبعث محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمةً للعالمين: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
ومن رحمته مغفرته للذنوب وقبول توبة التائبين، قال تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 12] ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].
معاشر المسلمين:
إن هذه الرحمة لعظمها وأهميتها طلبها الأنبياء من الله، ورفعوا أكف الضراعة بأن يرحمهم الله، وهم الذين بذلوا وقتهم للدين، ولنصرة الحق، ولتبليغ دين الله، وهم أكثر الناس عبادة وخشية لله سبحانه، ومع هذا طلبوا من الله الرحمة والمغفرة، قال تعالى عن الأبوين آدم وحواء أنهما: ﴿ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، وقال عن نوح أنه قال: ﴿ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47].
وقال موسى عليه السلام: ﴿ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس: 86]، وقال سليمان عليه السلام: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وقال الله لنبيه - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 118].
فيا ترى من يستحق رحمة الله؟!
يستحق رحمة الله سبحانه وتعالى من امتثل لأمر الله ورسوله، وجعل بينه وبين عذاب الله وقاية، ق
خطبـة.جمعـة.بعنـوان.cc
خـلـــق الرحـــمـــــة والــتراحــــم
للشيخ/ ياسر عبدالله محمد الحوري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علماً، ورحمته وسعت كل شيء، ورحمة ربك خير مما يجمعون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأحرص الناس على هداية أمته، وجاء في صفته: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، الذين كانوا رحمة مهداة من الله لأممهم، أنقذ الله بهم من شاء من الغواية إلى الهدى، ومن دركات الجحيم إلى درجات الجنان، ومن يضلل الله فما له من هاد، وارض اللهم عن آل محمد المؤمنين وعن صحابته أجمعين و التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون الرحماء:
نعيش في هذا اليوم مع خلق عظيم، ووصف كريم، وله في الإسلام شأن عظيم، فقد عظّمه الله في كتابه، أُوتيه السعداء، وحُرمه الأشقياء، نعيش مع خلق أكده الإسلام وأمر المسلمين التحلي به، ما أشد افتقار الناس إليه، إنه خلق الرحمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيصلى الله عليه وسلمقال: ((إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفرس لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، وأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة)) البخاري وغيره.
والرحمة صفة من صفات ربنا فلله الصفات العلى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 9].الرحمة صفة كمال وجلال ربنا جلَّ وعلا، قال جل وعلا: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156] فلا يعلم مداها إلى هو: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133].
أيها الأحبة الكرام في الله:
إن لهذه الرحمة آثار عظيمة، فمن رحمة الله أن خلق الخلق: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 128]، ومن رحمته جلَّ وعلا خلق الإنسان في أحسن تقويم: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، ﴿ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 8]، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].
ومن رحمته أنه تكفل برزق جميع عباده ناطقهم وحيوانهم، قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وقال جلَّ جلاله: ﴿ وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].
ومن رحمته مبعث محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمةً للعالمين: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
ومن رحمته مغفرته للذنوب وقبول توبة التائبين، قال تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 12] ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].
معاشر المسلمين:
إن هذه الرحمة لعظمها وأهميتها طلبها الأنبياء من الله، ورفعوا أكف الضراعة بأن يرحمهم الله، وهم الذين بذلوا وقتهم للدين، ولنصرة الحق، ولتبليغ دين الله، وهم أكثر الناس عبادة وخشية لله سبحانه، ومع هذا طلبوا من الله الرحمة والمغفرة، قال تعالى عن الأبوين آدم وحواء أنهما: ﴿ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، وقال عن نوح أنه قال: ﴿ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47].
وقال موسى عليه السلام: ﴿ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس: 86]، وقال سليمان عليه السلام: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وقال الله لنبيه - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 118].
فيا ترى من يستحق رحمة الله؟!
يستحق رحمة الله سبحانه وتعالى من امتثل لأمر الله ورسوله، وجعل بينه وبين عذاب الله وقاية، ق
ال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].
رحمة الله تمنح لمن استغفر ربه وأناب، قال تعالى: ﴿ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]، رحمة الله سبحانه وتعالى لا ينالها إلا من كان في قلبه رحمة لإخوانه المسلمين، والمستضعفين، رحمة الله تتنزل على المتراحمين فيما بينهم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد: "ومن لا يغفر لا يُغفر له"، إن نزع الرحمة من علامة الشقاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". حديث حسن أخرجه الترمذي وأبو داود.
وفي الحديث الصحيح:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد السهر والحمى" متفق عليه.
وإن النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لن يناله إلا من امتلأت قلوبهم بالحب والتراحم ولين الجانب، قال - صلى الله عليه وسلم -: "أهلُ الجنّة ثلاثة: إِمام عادِل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين وبكلِّ ذِي قربى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف".رواه مسلم.
الرحمة تزف لمن كان رحيما بوالديه بارا بهما، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء: 23- 24]، أحسن إليهما بالقول الطيب، وأحسن إليهما بالخدمة، وأحسن إليهما بالنفقة، وواسهما واعرف لهما قدرهما وحقهما لتسعد في حياتك بحياة طيبة مطمئنة وقلب مرتاح وذرية صالحة يبرون بك إن شاء الله.
يا من تشكوا قسوة في قلبك، ارحم اليتيم، وامسح على رأسه، ارحمه رحمةً تأديبيةً وإحسانًا ورفقًا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الجنةِ كَهَاتَيْنِ"، ارحم هذا المسكين اليتيم، وارحم فقده لأبيه فراعه وأدبه وأحسن إليه تفز بالخير: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [النساء: 9]، احفظ ماله من الضياع إن كنت ولياً له، واحذر التعدي عليه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء: 10].
الرحمة تمنح لمن وصل رحمه وواسى محتاجهم، وتحمل الأخطاء والمساوئ منهم فإن الرحم معلقة بالعرش يقول الله: "مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".
الرحمة يستحقها من رحم المعسر العاجز عن قضاء دينه، من رحمه وخفف عنه، من رحمه فأنظره، من رحمه فتصدق عليه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
والإسلام حثّ على رحمة الصغير والكبير والضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي- عليه الصلاة والسلام - قال: ((ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر)) [رواه أحمد والترمذي].
أيها المشتاق لرحمة الله سبحانه، ارحم المنكوب والمكروب والمهموم والمعسر فرّج كربته ويسّر أمره: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً يومِ الْقِيَامَةِ"، ارحم الصغير والكبير، ارحم الكبير والصغير: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ حَقَّ كَبِيرِنَا".
إن ما يحصل لإخواننا في حلب حرب إبادة بما تحويه الكلمة من من معنى، حلب تحترق فهل من مغيث؟!! أين الأمة المسلمة؟ أما آن للعقلاء من هذه الأمة أين يكشفوا الغمة عن إخوانهم، وإلا فوالله إن العاقبة وخيمة إذا خذلنا إخواننا في حلب وغيرها.
هل نزعت الرحمة من المسلمين وهم ينظرون إلى المذابح بالليل والنهار من قبل طاغية الشام؟! أما آن للأمة أن تفيق من نومها قبل أن يحل عليها ما حل لإخواننا في حلب وغيرها من الدول المستضعفة، امرأة دخلت النار في هرة حبستها، فكيف بمن يحاصر شعباً بأكمله!! فكيف بمن له القدرة أن ينصرهم ثم لا يقف بجوارهم! كيف سيكون حاله إذا وقف وحيداً ذليلاً بين يديي الله؟! نخشى أن يخ
رحمة الله تمنح لمن استغفر ربه وأناب، قال تعالى: ﴿ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]، رحمة الله سبحانه وتعالى لا ينالها إلا من كان في قلبه رحمة لإخوانه المسلمين، والمستضعفين، رحمة الله تتنزل على المتراحمين فيما بينهم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد: "ومن لا يغفر لا يُغفر له"، إن نزع الرحمة من علامة الشقاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". حديث حسن أخرجه الترمذي وأبو داود.
وفي الحديث الصحيح:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد السهر والحمى" متفق عليه.
وإن النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لن يناله إلا من امتلأت قلوبهم بالحب والتراحم ولين الجانب، قال - صلى الله عليه وسلم -: "أهلُ الجنّة ثلاثة: إِمام عادِل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين وبكلِّ ذِي قربى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف".رواه مسلم.
الرحمة تزف لمن كان رحيما بوالديه بارا بهما، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء: 23- 24]، أحسن إليهما بالقول الطيب، وأحسن إليهما بالخدمة، وأحسن إليهما بالنفقة، وواسهما واعرف لهما قدرهما وحقهما لتسعد في حياتك بحياة طيبة مطمئنة وقلب مرتاح وذرية صالحة يبرون بك إن شاء الله.
يا من تشكوا قسوة في قلبك، ارحم اليتيم، وامسح على رأسه، ارحمه رحمةً تأديبيةً وإحسانًا ورفقًا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الجنةِ كَهَاتَيْنِ"، ارحم هذا المسكين اليتيم، وارحم فقده لأبيه فراعه وأدبه وأحسن إليه تفز بالخير: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [النساء: 9]، احفظ ماله من الضياع إن كنت ولياً له، واحذر التعدي عليه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء: 10].
الرحمة تمنح لمن وصل رحمه وواسى محتاجهم، وتحمل الأخطاء والمساوئ منهم فإن الرحم معلقة بالعرش يقول الله: "مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".
الرحمة يستحقها من رحم المعسر العاجز عن قضاء دينه، من رحمه وخفف عنه، من رحمه فأنظره، من رحمه فتصدق عليه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
والإسلام حثّ على رحمة الصغير والكبير والضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي- عليه الصلاة والسلام - قال: ((ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر)) [رواه أحمد والترمذي].
أيها المشتاق لرحمة الله سبحانه، ارحم المنكوب والمكروب والمهموم والمعسر فرّج كربته ويسّر أمره: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً يومِ الْقِيَامَةِ"، ارحم الصغير والكبير، ارحم الكبير والصغير: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ حَقَّ كَبِيرِنَا".
إن ما يحصل لإخواننا في حلب حرب إبادة بما تحويه الكلمة من من معنى، حلب تحترق فهل من مغيث؟!! أين الأمة المسلمة؟ أما آن للعقلاء من هذه الأمة أين يكشفوا الغمة عن إخوانهم، وإلا فوالله إن العاقبة وخيمة إذا خذلنا إخواننا في حلب وغيرها.
هل نزعت الرحمة من المسلمين وهم ينظرون إلى المذابح بالليل والنهار من قبل طاغية الشام؟! أما آن للأمة أن تفيق من نومها قبل أن يحل عليها ما حل لإخواننا في حلب وغيرها من الدول المستضعفة، امرأة دخلت النار في هرة حبستها، فكيف بمن يحاصر شعباً بأكمله!! فكيف بمن له القدرة أن ينصرهم ثم لا يقف بجوارهم! كيف سيكون حاله إذا وقف وحيداً ذليلاً بين يديي الله؟! نخشى أن يخ
ذلنا الله إذا خذلناهم، نخاف أن تنزل علينا عقوبة من السماء، روى أحمد وأبو داود عن جابر وأبي طلحة قال – عليه الصلاة والسلام-: ((ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)) ولأحمد من حديث سهل بن حنيف ((من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على نصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة)).
نسأل الله أن ينزل رحماته على إخواننا المستضعفين في كل مكان.
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا.
أمـــا بعـــد: فيا أيها المؤمنون:
من مواقف رحمته صلى الله عليه وسلم:
رحمته بالصغار:
عن أنس رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله على إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف: وأنت رسول الله؟ فقال : (يا ابن عوف إنها رحمة) ، ثم قال : (إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) رواه البخاري ومسلم.
بل كان صلى الله عليه وسلم يُقعد أسامة على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ويقول : (اللهم ارحمهما فإني ارحمهما).
دخل الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه، فرأ النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن أو الحسين، فقال له: أو تقبلون أولادكم، إن لي عشرة من الولد، ما قبلت أحدا منهم قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك)
رحمته بالضعفاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا: ماتت، فقال: (أفلا كنتم آذنتموني،... دلوني على قبرها) فدلوه فصلى عليها. رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت) صحيح البخاري.
وعن أبي مسعود البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: (كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا (اعلم أبا مسعود) لله أقدر عليك منك عليه فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال :أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار) صحيح مسلم.
رحمته بالبهائم:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) رواه أبوداود.
رحمته بالكفار:
قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) رواه البخاري ومسلم.
خلاصة القول:
يا أصحاب القلوب الرحيمة، أين نحن من هذا الخلق وما هو نصيبه من حياتنا، فهل نحن رحماء مع آبائنا وأمهاتنا؟ والله عز وجل يقول: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء:24]، وأين نحن من رحمة أبنائنا وبناتنا وأزواجنا والنبي صلى الله عليه وسل يقول: ( من لا يرحم لا يرحم ) وأين نحن من رحمة الضعفاء والمساكين من خدم وفقراء وغيرهم والله عزوجل يقول: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [سورة الضحى:9-10] , وأين نحن من التراحم فيما بيننا والله عزوجل يقول: ﴿ رحماء بينهم ﴾ .
قال أبو القاسم ابن عساكر:
بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ مغتنمًا
ولا تكنْ مِن قليلِ العرفِ محتشما
واشكرْ لمولاك ما أولاك من نعمٍ
فالشكرُ يستوجبُ الإفضالَ والكرما
وارحمْ بقلبِك خلقَ الله وارعَهُم
فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رَحِما
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه......
======================
نسأل الله أن ينزل رحماته على إخواننا المستضعفين في كل مكان.
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا.
أمـــا بعـــد: فيا أيها المؤمنون:
من مواقف رحمته صلى الله عليه وسلم:
رحمته بالصغار:
عن أنس رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله على إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف: وأنت رسول الله؟ فقال : (يا ابن عوف إنها رحمة) ، ثم قال : (إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) رواه البخاري ومسلم.
بل كان صلى الله عليه وسلم يُقعد أسامة على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ويقول : (اللهم ارحمهما فإني ارحمهما).
دخل الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه، فرأ النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن أو الحسين، فقال له: أو تقبلون أولادكم، إن لي عشرة من الولد، ما قبلت أحدا منهم قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك)
رحمته بالضعفاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا: ماتت، فقال: (أفلا كنتم آذنتموني،... دلوني على قبرها) فدلوه فصلى عليها. رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت) صحيح البخاري.
وعن أبي مسعود البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: (كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا (اعلم أبا مسعود) لله أقدر عليك منك عليه فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال :أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار) صحيح مسلم.
رحمته بالبهائم:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) رواه أبوداود.
رحمته بالكفار:
قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) رواه البخاري ومسلم.
خلاصة القول:
يا أصحاب القلوب الرحيمة، أين نحن من هذا الخلق وما هو نصيبه من حياتنا، فهل نحن رحماء مع آبائنا وأمهاتنا؟ والله عز وجل يقول: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء:24]، وأين نحن من رحمة أبنائنا وبناتنا وأزواجنا والنبي صلى الله عليه وسل يقول: ( من لا يرحم لا يرحم ) وأين نحن من رحمة الضعفاء والمساكين من خدم وفقراء وغيرهم والله عزوجل يقول: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [سورة الضحى:9-10] , وأين نحن من التراحم فيما بيننا والله عزوجل يقول: ﴿ رحماء بينهم ﴾ .
قال أبو القاسم ابن عساكر:
بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ مغتنمًا
ولا تكنْ مِن قليلِ العرفِ محتشما
واشكرْ لمولاك ما أولاك من نعمٍ
فالشكرُ يستوجبُ الإفضالَ والكرما
وارحمْ بقلبِك خلقَ الله وارعَهُم
فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رَحِما
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه......
======================
دروس.وخـواطــر.رمـضــانيـة.cc
فـــضــــــــل قـــيـــــــــام الـــلــــــيـــــــــل
=======================
الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبــعــــد :
فإنّ قيام الليل مشروع (مسنون)
وقد ذكر الله تعالى الذين يُصلُّون صلاةَ الليل فقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان:64]. وقال تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ السجدة: 16،17] .
ولذا أيها المسلم اجتهد في رمضان
في قــيام اللــيل، وذلك كــما يلــي :
1- اعلم أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد سنّ لنا قيام شهر رمضان، وفي حديث عائشة لزوج النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ) رواه الشيخان .
2- وليكن قيامك ( صلاة الليل في رمضان، التراويح) إنّما تقومه إيماناً بالله وبما أعدّه من الثواب لمن قام رمضان، واحتساباً (طلباًً لثواب الله)، ولا يكن الدافع لك إلى القيام في رمضان رياء أو سمعة، أو مال، أو لطلب رياضة المفاصل أو نحو ذلك، فان قمت رمضان إيماناً واحتساباً تحقَّق لك ما قال عليه الصلاة والسلام حيث قال : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه الشيخان.
3- وليس لقيام رمضان ( التراويح ) عدد معين محدود لا بد منه، فإذا صلّيت - أيها المسلم- مع الإمام فاستمرَّ معه حتى ينصرف ؛ ليُكتب لك قيام ليلة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) .
4- لكن الأفضل لك - أيها المسلم-
أن تصلي التراويح مع الإمام الذي يُصلي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، ويُطيلها ويخشعُ فيها، وكذلك إمام المسجد لو يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ويٌطيل فيها فهذا هو الأكمل والأفضل، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنّها سُئلت : كيف كانت صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان ؟ فقالت : ( مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه الشيخان . وفي حديث ابن عباسٍ رضي الله عنه أنّه قال : ( كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ ) رواه البخاري .
5- والأولى لإمام المسجد الذي يصلي بالناس التراويح أن يسلّم بهم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة ؛ حتى لا يشُقَّ عليهم، أو يقع عندهم شيء من التشويش، وفي حديث عائشة لقالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ ) رواه الشيخان . وقال ع في صلاة الليل : ( مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ) رواه الشيخان.
وللمصلي أن يسرد وتره خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً، ولكن إذا صلّى تسعاً جلس في الثامنة، فيتشهد ثم يقوم فيصلي التاسعة ويتشهد ويدعو ويسلم، ولكنّ السرد إنّما يكون للمصلي إذا صلّى وحده أو بجماعةٍ اختاروا ذلك .
6- والأفضل إطالة الصلاة (صلاة التراويح) أو غيرها من قيام الليل، فعن السائب بن يزيد س قال : ( أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ) رواه مالك (صحيح). وقال عليه الصلاة والسلام : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ ) رواه مسلم .
ليحذر الذي يصلي بالناس من السرعة التي تذهب بالخشوع والطمأنينة ! وليقم الإمام ببعض التدبُّر، فإذا مرّ بآيةٍ فيها سؤال سأل الله، أو تسبيح سبّح الله، كما فعل عليه الصلاة والسلام .
7- يجوز للنساء الحضور لصلاة ال
فـــضــــــــل قـــيـــــــــام الـــلــــــيـــــــــل
=======================
الحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبــعــــد :
فإنّ قيام الليل مشروع (مسنون)
وقد ذكر الله تعالى الذين يُصلُّون صلاةَ الليل فقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان:64]. وقال تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ السجدة: 16،17] .
ولذا أيها المسلم اجتهد في رمضان
في قــيام اللــيل، وذلك كــما يلــي :
1- اعلم أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد سنّ لنا قيام شهر رمضان، وفي حديث عائشة لزوج النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ) رواه الشيخان .
2- وليكن قيامك ( صلاة الليل في رمضان، التراويح) إنّما تقومه إيماناً بالله وبما أعدّه من الثواب لمن قام رمضان، واحتساباً (طلباًً لثواب الله)، ولا يكن الدافع لك إلى القيام في رمضان رياء أو سمعة، أو مال، أو لطلب رياضة المفاصل أو نحو ذلك، فان قمت رمضان إيماناً واحتساباً تحقَّق لك ما قال عليه الصلاة والسلام حيث قال : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه الشيخان.
3- وليس لقيام رمضان ( التراويح ) عدد معين محدود لا بد منه، فإذا صلّيت - أيها المسلم- مع الإمام فاستمرَّ معه حتى ينصرف ؛ ليُكتب لك قيام ليلة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) .
4- لكن الأفضل لك - أيها المسلم-
أن تصلي التراويح مع الإمام الذي يُصلي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، ويُطيلها ويخشعُ فيها، وكذلك إمام المسجد لو يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ويٌطيل فيها فهذا هو الأكمل والأفضل، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنّها سُئلت : كيف كانت صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان ؟ فقالت : ( مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه الشيخان . وفي حديث ابن عباسٍ رضي الله عنه أنّه قال : ( كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ ) رواه البخاري .
5- والأولى لإمام المسجد الذي يصلي بالناس التراويح أن يسلّم بهم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة ؛ حتى لا يشُقَّ عليهم، أو يقع عندهم شيء من التشويش، وفي حديث عائشة لقالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ ) رواه الشيخان . وقال ع في صلاة الليل : ( مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى ) رواه الشيخان.
وللمصلي أن يسرد وتره خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً، ولكن إذا صلّى تسعاً جلس في الثامنة، فيتشهد ثم يقوم فيصلي التاسعة ويتشهد ويدعو ويسلم، ولكنّ السرد إنّما يكون للمصلي إذا صلّى وحده أو بجماعةٍ اختاروا ذلك .
6- والأفضل إطالة الصلاة (صلاة التراويح) أو غيرها من قيام الليل، فعن السائب بن يزيد س قال : ( أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ) رواه مالك (صحيح). وقال عليه الصلاة والسلام : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ ) رواه مسلم .
ليحذر الذي يصلي بالناس من السرعة التي تذهب بالخشوع والطمأنينة ! وليقم الإمام ببعض التدبُّر، فإذا مرّ بآيةٍ فيها سؤال سأل الله، أو تسبيح سبّح الله، كما فعل عليه الصلاة والسلام .
7- يجوز للنساء الحضور لصلاة ال