Telegram Web Link
*💧إنه الموت هادم اللذات💧*
مذكرا بالعبر التي يأخذها المسلم من انقضاء الأشهر والأعوام

*📝خطبة جمعة لشيخنا الفاضل: #وهبان_بن_مرشد_المودعي حفظه الله تعالى*

*🕌ألقيت بـ #دار_الحديث_للعلوم_الشرعية_بمسجد_ذي_النورين بمدينة ذمار 🇾🇪*

*🗓بتاريخ 2محرم 1439هجرية*

🗂 التصنيفات: #الحياة_الآخرة_ومايتلق_بها #خطب_المواعظ
📖──━━━╔╗┈──|📱|📝ˊˎ-↴

إنَّ الْحَمْدَلَلَهِ نَحْمَدُهُ تَعَالَى وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَةً لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

*﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:١٠٢].*
*﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إن اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:١].*
*﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:٧٠-٧١]*

أَمَّا بَعْدَهُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضُلَاةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَنَا وَإِيَّاكُمْ وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا مِنْ الْبِدَعِ وَمِنْ الضَّلَالَاتِ، وَمِنْ النَّارِ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ - هَا هِيَ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ تَسْتَقْبِلُ عَامًا جَدِيدًا، وَتَسْتَقْبِلُ وَقْتًا جَدِيدًا، بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْعَامِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ ٱنْصَرَمَ عَنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَامٌّ بِلَيَالِيهِ وَبِأَيَّامِهِ وَبِسَاعَاتِهِ وَشُهُورِهِ، وَصَارَ النَّاسُ يَسْتَقْبِلُونَ هَذَا الْعَامَ. وَهُوَ عَامٌّ ١٤٣٩، وَأَلِفٌ لِلْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَإِنِّي أَمَامَ هَذَا الْأَمْرِ، أَحْبَبْتُ أَنْ أَقِفَ مَعَ إِخْوَانِي وَقْفَةً ٱمَامَ انْصِرَامِ هَذَا الْعَامِ، وَٱمَامَ ذَهَابِ هَذَا الْعَامِ، وَهَا هُوَ هَذَا الْيَوْمُ يُعْتَبَرُ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا، وَالِآمْسُ وَقَبْلَ الْآمِسِ يُعْتَبَرُ مِنَ السَّنِّهِ الَّتِي اِنْصَرَمَتْ وَمَا ٱشْبَهَ مُرُورَ السَّنَةِ الَأولَى بِمُرُورِ عُمَرَي بْنِ آدَمَ وَانْتِهَاءِ عُمُرِهِ، فَأَحْبَبْتُ أنْ ٱقْفُ مَعَ إخْوَانِي هَذِهِ الْوَقْفَةَ، وَهِيَ أنْ يَعْلَمُ الْعَبْدَ وَأنْ يَتَذَكَّرُ الْعَبْدُ أنْ مُرُورَ السَّنَةِ بِمَا فِيهَا مِنْ الَأيَامِ وَاللَّيَالِي يُعْتَبَرُ كَأَنَّ عُمْرَهُ قَدْ إنْتَهَى وَذَهَبَ ، وَكَأَنَّهُ الْيَوْمُ صَارَ إِلَى الْقَبْرِ، مِنْ عَالِمٍ إِلَى عَالِمٍ،
مِنْ عَالِمٍ الدُّنْيَا إلى عَالَمِ الْآخِرَةِ، فَأَيْنَ مَنْ يَتَّعِظُ مَعَاشِرَ الْإخِوَةِ؟

لَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: قَالَ إنْ مُرُورًا اللَّيَالِي وَالِإيَامَ، وَإنَ مُرُورُ السَّاعَاتِ تَذْكُرُ الْعَبْدَ بِسُرْعَةِ أجْلِهِ وَاقْتِرَابِ مَوْعِدِهِ إلى اللَّهِ.

مَعَاشِرُ الْمُسْلِمِينَ: إنْ الْمَوْتِ الَّذِي كَتَبَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ، وَإِنَّ الْأَجَلَ الَّذِي حَتْم لِكُلِّ عَبْدٍ وَلِكُلِّ نَفْسٍ مُكَوَّنَةٌ ، يَنْبَغِي لَنَا الِاسْتِعْدَادُ لَهُ بِمَا يُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ، وَبِمَا يُسْعِدُنَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، وَبِمَا يَنْفَعُ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِالتَّزَوُّدِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ وَسَعَادَتُهُ وَفَلَاحُهُ ،

وَقَدْ دَعَى اللَّهُ الْعِبَادَ كُلَّهُمُ إلى الِاسْتِعْدَادِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ ، وَقَبْلَ أنْ يُحْمَلُ الْعِبَادُ عَلَى أعْنَاقِهِمْ إلى اللَّهِ، وَقَبْلَ أنْ يَخْرُجُوا مِنْ الدُّنْيَا لَا يَمْتَلِكُونَ مِنْهَا شَيْئًا ، إلًّا مَا قَدَّمُوهُ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ إلى اللَّهِ ، وَاَلَّذِي يُسْعِدُهُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ.
قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ:
﴿ وَٱتَّقُوا۟ یَوۡمࣰا تُرۡجَعُونَ فِیهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ ﴾[البقرة : ٢٨١]

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدࣲۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ﴾[الحشر : ١٨]

وَهَكَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:﴿ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَ ٰ⁠لُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ [ ٩ ]وَأَنفِقُوا۟ مِن مَّا رَزَقۡنَـٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنِیۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ [ ١٠ ]وَلَن یُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَاۤءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ﴾[المنافقون : ١١]

وَهَكَذَا ايْضًا : دَعَى رَبُّنَا عِبَادَهُ إلَى أنْ يَسْتَعِدُّوا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَإلَى أنْ يَتَزَوَّدُوا مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ لِأَجْسَادِهِمْ، وَقَبْلَ أنْ يُفَارِقُوا الْحَيَاةَ، وَقَبْلَ أنْ يَنْتَقِلُوا إلى اللَّهِ، يَتَمَنَّى الْعَبْدُ فِيهَا الرُّجُوعَ، ، وَأَنَّى لَهُ أَنْ يُعْطَى أُمْنِيَتَهُ، وَأَنَّى لَهُ أَنْ يُعْطَى مَطَالِبَهُ، وَقَدْ عَمَّرَ مَا عَمَرَ مِنْ الْأَوْقَاتِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿ كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰۖ وَإِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ ﴾[الأنبياء : ٣٥]

وَهَكَذَا قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: مُذَكِّرًا عِبَادَهُ إِلَى أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِلِقَاءِ اللَّهِ ﴿ وَجَاۤءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَ ٰ⁠لِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِیدُ ﴾
[ق : ١٩]

وَهَكَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَهُوَ يَحْكِي حَالَةَ عِبَادِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ، وَقَسَم النَّاسُ عِنْدَ الْمَوْتِ إلَى أقْسَامٍ: ﴿ فَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ ۝﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾[الواقعة : ٨٩] ...هَذَا قِسْمٌ مِمَّنْ يُنْزِلُ عَلَيْهِمْ الْمَوْتُ،

﴿وَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ۝فَسَلَـٰمࣱ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ ﴾[الواقعة : ٩١] وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي؛

وَهَكَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِینَ ٱلضَّاۤلِّینَ۝ فَنُزُلࣱ مِّنۡ حَمِیمࣲ۝ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴾[الواقعة : ٩٤]

فَقَسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّاسَ عِنْدَ الْمَوْتِ إلى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثِهِ؛ وَهَذِهِ حَالَةُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي فَعَلَ الْوَاجِبَ وَالْمُسْتَحَبُّ، وَتَرْكَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، (فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ) وَالْمُرَادُ هَاهُنَا إِخْبَارٌ مِنْ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- أَنَّ رُوحَهُ فِي خَيْرٍ (وَرَيْحَانٍ) أَيْ مُسْتَرِيحٌ مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا وَعِنَائِهَا إِلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ،

وَهَكَذَا، قَسْمَ الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ الَّذِينَ فَعَلُوا الْوَاجِبَاتِ، وَتَرَكُوا الْمُحَرَّمَاتِ ..
الْقِسْمَ الثَّالِثَ: وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ، وَهَؤُلَاءِ مَنْ اجْتَرَأُوا عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الْمُنْكَرَاتِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَنَزَلَ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةِ جَحِيمٍ

مَعَاشِرُ الْمُسْلِمِينَ: مَنْ عَمَّرَهُ اللَّهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، وَمَنْ تَعَمَّرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَقْتًا، أَرَادَهُ اللَّهُ لَهُ... فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مُنْذُ أَنْ صَارَ بَالِغًا مُكَلَّفٌ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَمَأْمُورٌ بِالْوَاجِبَاتِ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَمِنْ هَاهُنَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُسَجَّلٌ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، إِنْ خُيِّرَا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرَا فَشَرَ .

فَالْمَوْتُ مَعَاشِرُ الْمُسْلِمِينَ - يَنْتَظِرُهُ كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ،
هَلْ أنْتَظَرَ أنًّا؟!
وَهَلْ يَنْتَظِرُ الْآبَاءُ؟!
وَهَلْ تُنْتَظَرُ الِأمْهَاتُ؟!
وَهَلْ يَنْتَظِرُ أرْبَابُ الْأمْوَالِ؟!
وَهَلْ يَنْتَظِرُ الْحُكَّامَ وَالرُّؤَسَاءُ وَالْوَلَاهُ؟!
وَهَلْ يَنْتَظِرُ الضُّعَفَاءَ وَالْمَسَاكِينَ؟!
وَهَلْ تَنْتَظِرُ النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ؟!
هَلْ يَنْتَظِرُ الْكُلُّ إلَا نُزُولَ الْمَوْتِ؟
وَهَلْ يَنْتَظِرُ الْعَالِمُ كُلُّهُ إِلَّا حَتْمَ الْأَجَلِ عَلَى الْأَرْوَاحِ؟!
﴿ وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرࣲ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِی۟ن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَـٰلِدُونَ ﴾[الأنبياء : ٣٤]

الْمَـوْتَ ! مَـا مِنْــهُ مَـلَاذٌ وَمَهْــرَبٌ !! لَوْ يَذْهَبُ الْعَبْدُ أَيْنَمَا ذَهَبَ فَلَا بُدَّ لَهُ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِهِ أَنْ يَسْقُطَ أسْمُهُ، وَأَنْ يَسْتَبْدِلَ بَدَلَ الِاسْمِ لَفْظَ جِنَازَةٍ أَوْ مَيِّتٍ.

لَوْ يَذْهَبُ الْعَبْدُ أَيْنَمَا ذَهَبَ، لَوْ يَبْحَثُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ الْأَذْكِيَاءِ ، وَالْأَطِبَّاءُ الْحُذَّاقُ لِيَفُكُّوا عَنْهُ الْمَوْتَ ، لَمَّا اسْتَطَاعُوا، ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُهُمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشِيدِهِ﴾

مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ... وَمَاتَ الْأَتْقِيَاءُ وَالْأَبْرَارُ، وَبِالْمُقَابِلِ مَاتَ الْفُجَّارُ وَالْكُفَّارُ، وَالْكُلُّ عِنْدَ اللَّهِ يُجَازَى،
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرٍا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تَرْجِعُونَ،﴾ لَا تَظُنَّ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَكَ لِمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمُنْكِحٍ وَنَوْمٍ ،

بَلْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَكَ ﴿ وَمَا خَلَقْتَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لَيَعْبُدُونَ ﴾ لَا تَظُنُّ أَنَّكَ الذَّكِيُّ فِي مَطْلَبِ رِزْقِكَ، حَتَّى تَغفُلَ عَنْ الْآخِرَةِ. وَلَا تُطَالِبَ فِي أُمُورِ حَيَاتِكَ، حَتَّى تَغِفل عَنْ الْمَوْتِ، ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى.﴾
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، لَنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
﴿مَا أُرِيدَ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقِهِ، وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونَ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾

خُلِقَتْ لِلْعَمَلِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ لِلْيَوْمِ الْحَقِيقِيِّ، أَمَّا الدُّنْيَا فَهِيَ دُنْيَا فَانِيَةٌ يَعِيشُهَا الْأَغْنِيَاءُ، وَيَعِيشُهَا الْفُقَرَاءُ، وَيَعِيشُهَا الْحُكَّامُ، وَيَعِيشُهَا الْمَحْكُومُونَ، وَفِي نِهَايَةِ الْأَجَلِ أَكْفَانٌ وَتَغْسِيلٌ وَانْتِقَالٌ إِلَى حُفْرَةٍ
تَنْقَلُكُ مِنْ عَالَمِ الْأُنْسِ إِلَى عَالَمِ الْوَحْدَةِ،
وَتَنْقُلِكَ مِنْ عَالَمِ الْإِجْتِمَاعِ إِلَى عَالَمِ الْإِنْفِرَادِ.
فَالسَّعِيدُ مَنْ اسْتَعَدَّ لِلِقَاءِ اللَّهِ بِمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ،

أُمَّةُ الْإِسْلَامِ - إِنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا مَهْمَا عَاشَ الْعَبْدُ فِيهَا، مَهْمَا عَاشَ الْعَبْدَ وَإِسْتَمَرَّ فِي مَعِيشَتِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ يَوْمٍ مَحْتُومٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًاً مَذْكُورًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعِشْ سَاعَاتٍ وَايَامَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعِشْ هَذِهِ السَّنَوَاتِ الَّتِي مَرَّتْ بِهِ ، إنَّهَا آجَالٌ مَحْتُومَةٌ، هِيَ أُمَّةُ الْإِسْلَامِ، فَأَيْنَ مَنْ يَسْتَعِدُّ لِلِقَاءِ اللَّهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ؟

قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿كَلَّاۤ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِیَ۝ وَقِیلَ مَنۡۜ رَاقࣲ۝ وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ۝ وَٱلۡتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ۝ إِلَىٰ رَبِّكَ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡمَسَاقُ ﴾[القيامة : ٣٠]

فَالْكُلُّ سَيُسَاقُ إِلَى اللَّهِ، وَالْكُلُّ سَيَنْتَقِلُ إِلَى اللَّهِ

شَبَابُ الْإِسْلَامِ - أَيُّهَا الْآبَاءُ - أَيُّهَا التُّجَّارُ - أَيُّهَا الْمَسْؤُولُونَ - أَيُّهَا الْمُوَظَّفُونَ وَالْمُدَرِّسُونَ - أَيُّهَا الْعُمَّالُ -! الْكُلُّ يَنْتَظِرُ الْأَجَلَ الَّذِي سَيَنْتَقِلُ بِهِ إِلَى اللَّهِ،

فَمَاذَا أَعْدَدْنَا لِلْمَوْتِ؟
مَاذَا أَعْتَدْنَا لِغَبَرَاتٍ وَسَكَرَاتٍ؟!
مَاذَا أَعْتَدْنَا لِيَوْمٍ؟! تَنْقَلِعُ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَتَسِيلُ فِيهِ الدُّمُوعُ، وَيَصِيحُ فِيهِ الْأَبْنَاءُ، وَتُبْكي فِيهِ النِّسَاءُ وَالزَّوْجَاتُ، وَيَصْرُخُ فِيهِ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، فَقْدًا لِلْأَحِبَّةِ؟
أَيْنَ سَارُوا ؟! إِلَى اللَّهِ الْمَرْجِعِ وَالْمَآبُ !! فَقْدًا لِمَنْ فَارَقُوا هَذِهِ الْحَيَاةَ، وَصَارُوا إِلَى ظُلُمَاتِ الْقَبِيرِ هُنَاكَ وَفَارَقُوا،

فَالْمُسْتَعِدُّ لِلِقَاءِ اللَّهِ، وَالْفَائِزُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مَنْ أَخَذَ بِرَكْبِ قَلْبِهِ، وَسَارَ فِيهِ إِلَى عَالِمِ الْآخِرَةِ،
لَيْسَ السَّعِيدُ مَنْ تَكَبَّرَ فِي الدُّنْيَا وَاَللَّهِ،
وَلَيْسَ السَّعِيدُ مَنْ طَغَى فِي الدُّنْيَا وَاَللَّهِ،
وَلَيْسَ السَّعِيدُ مِنْ ظُلْمٍ وَبَغًى !! إِنَّ السَّعِيدَ مَنْ عَمَلَ أَعْمَالًا تُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ. فَهُوَ عَمَّا قَرِيبٌ سَيُحْمَلُ عَلَى الْأَعْنَاقِ إِلَى اللَّهِ، وَسَيَنْتَقِلُ فِي عَالَمِهِ إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ، ﴿ تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰاۚ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ ﴾[القصص : ٨٣]

أَيْنَ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ؟
أَيْنَ الْإِخْوَانُ وَالْأَحْفَادُ؟
أَيْنَ الْأَقْرِبَاءُ وَالْأَصْحَابُ؟
أَيْنَ مَنْ فَارَقُونَا إِلَى اللَّهِ؟
زَوَوْا الْمَقَابِرَ تَنْظُرُوا فِيهَا أَحْوَالًا وَأُمُورٌ سَارُوا تَحْتَ التُّرَابِ.
كَمْ مِنْ رَجُلٍ دَاسَ الدُّنْيَا بِقَدَمِهِ وَسارَ صَاحِبَ لِسَانٍ وَبَلَاغَةٍ وَسارَ فِي مَعَاشِهِ وَأَمْرِهِ مَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ حَتَّى قِيلَ إِنَّ فُلَانٌ إِنْتَقِلَ إِلَى اللَّهِ، !! وَإِنَّ فُلَانٌ سَارَ إِلَى اللَّهِ. هَلُمُّوا لِتَحْضُرُوا جِنَازَتَهُ. وَأَكْرَمَ مَا يُقَدِّمُهُ لَكَ الْأَحْبَابُ وَالْأَصْدِقَاءُ. إِنَّهُ الدُّعَاءُ لَكَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، إِنْ أَرَادُوا ذَلِكَ، أَوْ أَكْرَمَ مَا يُقَدِّمُوهُ، لَكَ أَنْ يُهِلُّوا عَلَيْكَ التُّرْبَةَ، وَيَنْصَرِفُوا

مَعَاشِرُ الْمُسْلِمِينَ - إِنَّنَا نَشْعُرُ فِي وَقْتِنَا هَذَا، أَنَّ بَعْضَنَا وَلِلْأَسَفِ، كَأَنَّهُ سَارَ فِي نِسْيَانٍ لِلْمَوْتِ، وَكَأَنَّ بَيْنَهُو وَبَيْنَ الْمَوْتِ أَمَدًا بَعِيدًا وَمَسَافَاتٍ طَوِيلَةً وَأَيَّامٍ عَدِيدَةٌ، وَشُهُورٌ مَدِيدَةٍ، وَسَنَوَاتٌ بَعِيدَةٌ، ﴿ وَمَا تَدۡرِی نَفۡسࣱ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدࣰاۖ وَمَا تَدۡرِی نَفۡسُۢ بِأَیِّ أَرۡضࣲ تَمُوتُۚ ﴾

إِنَّهُ الْمَوْتُ - يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ - لَا تَغْفُلُوا عَنْ الْمَوْتِ بِاللَّهْثِ وَرَاءَ الدُّنْيَا،
لَا تَغْفُلُوا عَنْ الْمَوْتِ بِاَللَّهِف وَرَاءَ الْمُشْتَهَيَاتِ وَالْمِلَذَّاتِ... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي سَيَقْطَعُ عَنْكَ الْحَيَاهُ... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي سَيُفَرَّقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَالِ... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي سَيُفَرَّقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَوْلَادِ،... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي سَيُفَرَّقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التُّجَّارِ... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي سَيْفَرق بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْوَظَائِفِ ... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي سَيُفَرَّقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَحْبَابِ.... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي سَيُفَرَّقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَصْحَابِ... إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَ الصِّدِّيقِ وَصَدِيقِهِ، وَالْحَبِيبِ وَخَلِيلِهِ، إِنَّهُ هَادِمُ اللَّذَّاتِ..


لَرُبَّمَا صَدِيقَ مَعَ صَدِيقِهِ، تَآخِيًا مِنْ الطُّفُولَةِ، وَصَارَ فِي صَدَاقَةٍ حَمِيلَةٍ، وَفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ، ذَاكَ مَاتَ فِي دَوْلَةٍ، وَذَاكَ فِي دَوْلَةٍ... فَرْقَ الْمَوْتِ بَيْنَهُمْ...حَتَّى فِي قُرْبِ الْقُبُورِ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْعَبْدَ بِحَاجَةٍ إِلَى التَّزَوُّدِ إِلَى عَلَامِ الْغُيُوبِ بِمَا يَقْرَبُهُ إِلَيْهِ، وَبِمَا يُسْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

شَبَابُ الْإِسْلَامِ - مَا لَنَا نَرَى شَبَابَنَا غَفَلُوا عَنْ الذِّكْرِ الْمَوْتَ، وَسَارُوا وَرَاءَ الْمَهِيَّاتِ وَالْمُشْتَهَيَاتِ.
مَا لَنَا نَرَى أَبْنَاءَ الْإِسْلَامِ وَشَبَابَ الْإِسْلَامِ وَحَمَاةَ الدِّينِ، وَحُرَّاسَ الْعَقِيدَةِ، غَفَلُوا عَنْ الْإِسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ. الدُّنْيَا أَشْغَلْتُكُمْ عَنْ الْمَوْتِ آأَوْضَاعًاً وَأَرْهَانُ مُؤْلِمِهِ شَغَلْتُهُمْ عَنْ الْمَوْتِ وَعَنْ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ وَالْعَمَلِ لِلْمَوْتِ آأَوْضَاعًاً وَارْزَاقًا جُعَلَتِ الْوَاحِدَ مِنَّا يَغْفُلُ عَنِ الْمَوْتِ ﴿ تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰاۚ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ ﴾[القصص : ٨٣]

لَقَدْ مَاتَ الِإنْبِيَاءُ، وَكَانَ الْفَقْرُ يَعْلُوهُمْ، فَهَاهُو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُوتُ وَلَا يَجِدُ فِي بَيْتِهِ إِلَّا حَفْنَةً مِنْ الشَّعِيرِ،

هَا هُمْ الصَّحَابَةُ الْأَجِلَّاءُ دَاسُوا الدُّنْيَا بِأَقْدَامِهِمْ، وَسَارُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، فَخُذُوا الرَّكْبَ الْأَوَّلَ، وَامْشُوا عَلَى نَهْجِهِ وَطَرِيقَتِهِ، وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَاءِ اللَّهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَهْمَا افْتَقَرْتَ فَإِنَّ أَمَامَكَ
جَنَّةٌ اعْمَلْ لَهَا، وَمَهْمَا عَانَيْتُ. وَكَابَدْتْ فِي الْحَيَاةِ، فَتَذَكَّرْ ؛ ﴿ وَنَزَعۡنَا مَا فِی صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَ ٰ⁠نًا عَلَىٰ سُرُرࣲ مُّتَقَـٰبِلِینَ ﴾[الحجر : ٤٧]

وَمَهْمَا عَانَيْتُ وَكابَتْ فِي أَمْرِكَ وَحَيَاتِكَ
، ﴿ وَسِیقَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰ⁠بُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِینَ ﴾[الزمر : ٧٣]


فَالِاسْتِعْدَادُ - يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ - ، وَالْيَقَظَةُ وَالِانْتِبَاهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَفَوَاتِ الْأَوَانِ
. أَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

....الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ...

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ النُّجَبَاءِ، وَمَنْ اقتفى أَثَرُهُمْ، وَاسْتَنَى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،

أَمَّا بَعْدَ مَعَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ كَمَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هرِيرَةَ:« اسْتَكْثَرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ»

مَا أَجَلُهَا مِنْ عِبَارَةِ، وَمَا أَقْوَاهَا مِنْ كَلِمَةِ، كَيْفَ لَا، وَقَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
اسْتَكْثَرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ، فَقَدْ سَمَّاهُ هَادِمٌ لَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ هَادِمٌ لِلذَّاتِ وَالْمُشْتَهَيَاتِ، وَهَادِمٌ لِلْحَيَاةِ الرَّغْدَةِ الْكَبِيرَةِ،

فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ عَائِشٍ فِي أجْلِ حَيَاةٍ مُنْبَسِطٍ فِي الْمَالِ، مُتَيَسِّرٌ فِي الْحَالِ بَيْنَ اوِّلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَاخَوَانِهِ... فَجْأَةً هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ،
لَا يَنْظُرُ إلى يَتِيمٍ فِي صِغَرِهِ،
وَلَا يَنْظُرُ إلى شَيْبَةٍ فِي كِبَرِهِ،
وَلَا يَنْظُرُ إلى شَبَابٍ فِي عُنْفَانِ شَبَابِهِ،
وَلَا يَنْظُرُ إلى امْرَأَةٍ مُنْتَظَرَةٍ لِحَيَاةٍ زَوْجِيَّةٍ، إنْمَا يُحْجُمُ بِقَدْرِ الِأوجْلِ ، ﴿ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ لَا یَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةࣰ وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ ﴾[الأعراف : ٣٤]

يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ - هَا هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَمُرُّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَيَقُولُ: « مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ،
فَيَقُولُ: صَحَابَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟ فَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ الْعَبْدَ الْفَاجِرَ؛ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْخَلَائِقُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ النَّاسُ،» لِأَنَّهُ ذَهَبَ حُجْرَةً عَثْرَةً مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ، « وَأَمَّا الْعَبْدُ التَّقِيُّ الْبِرَّ: الَّذِي أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ بِالطَّاعَاتِ وَاَلَّذِي أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ بِالْوَاجِبَاتِ، فَيَسْتَرِيحُ مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا وَهَمِّهَا وَنَكَدِهَا، .»

أَيْنَ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ؟
كَمْ سَتَعِيشُ أَيُّهَا الشَّابُّ؟
وَكَمْ سَتَتَعَمَّرُ أَيُّهَا الْأَبُ؟
وَكَمْ سَنَتَعَمَّرُ جَمِيعًا؟

يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ - هَلْ عَاشَ الْعَبْدُ أَيَّامًا وَشُهُورًا وَسَاعَاتٍ ، وَظَنَّ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَنْ يَأْتِيَهُ الْأَجَلُ، وَحَقَّقَ لَهُ مَا أَرَادَ؟!
الْجَوَابَ: لَا وَأَلْفَ لَا.
كَمْ مِنْ رَجُلٍ طُمُوحَاتُهُ بَعِيدَةٌ.
كَمْ مِنْ رَجُلٍ نَظَرَاتِهِ بَعِيدَةٌ، وَتَفْكِيرَاتُهُ مَدِيدَةٌ ، هَجَمَ الْمَوْتُ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْنِيَاتِهِ... وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْنِيَاتِهِ الَّتِي كَانَ يَطْوِي لَهَا اللَّيَالِيَ، وَيُفَكِّرُ لَهَا السَّاعَاتِ، بَلْ لَرُبَّمَا فَكَّرَ لِسَنَوَاتِ مُسْتَقْبِلِيهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ أَيَّامٌ قَلَائِلَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ سَاعَاتٌ وَلَحَظَاتٌ،

فَأَيْنَ مَنْ يَسْتَعِدُّونَ لِلِقَاءِ؟
اللَّهُ - يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ - إِنَّهُ الْمَوْتُ الَّذِي يَجْعَلُ الْعَبْدَ كَمَا كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ:" إِذَا نَسِيتُ الْمَوْتَ لَخَرِبَ قَلْبِي."،

هَؤُلَاءِ عَاشُوا مَعَ اللَّهِ ،
وَاَللَّهِ لَوْ تَذَكَّرَ شَبَابُنَا الْمَوْتَ حَقًّا وَتَذَكَّرَ مُجْتَمَعُنَا الْمَوْتَ حَقًّا لَكَانَتْ أَحْوَالُنَا فِي خَيْرٍ ..
هَلْ تَذْكُرُ الْمَوْتَ مَنْ يَقْطَعُ الصَّلَوَاتِ، ؟!
هَلْ تَذْكُرُ الْمَوْتَ مَنْ يُؤْذِي الْجِيرَانَ؟!
هَلْ تَذْكُرُ الْمَوْتَ مَنْ يَتَعَامَلُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ؟!
هَلْ تَذْكُرُ الْمَوْتَ مَنْ يَتَعَامَلُ بِنَهْبِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى؟!
هَلْ تَذْكُرُ الْمَوْتَ مَنْ يَتَعَامَلُ بِمَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْمِيرَاثِ؟!
هَلْ تَذْكُرُ الْمَوْتَ مَنْ يَظْلِمُونَ النَّاسَ بِإِلْقَاءِ السِّحْرِ وَالتَّنْجِيمِ لَهُمْ؟!
هَلْ تَذْكُرُ الْمَوْتَ مَنْ يَظْلِمُونَ الْخَلْقَ؟!

لَوْ تَذَكَّرَ هَؤُلَاءِ الْمَوْتَ. لَمَا أَقْبَلُوا عَلَى الْمُنْكَرَاتِ وَالْمَعَاصي، فَلْيَكُنْ فِي حُسْبَانِكَ الْمَوْتُ، وَلَا تَعِشْ عِيشَةٌ بَعِيدَةٌ عَنْ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ،

﴿ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ﴾[المؤمنون : ٩٩]

هَذِهِ أَمْنِيَّةٌ فِي الْكِبَارِ، وَأَمْنِيَّةِ التُّجَّارِ، وَأَمْنِيَّةُ الشَّبَابِ، وَأَمْنِيَّةِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَأَمْنِيَّةُ أَهْلِ الصَّلَاحِ، أَنَّهُ إِذَا عَايَنَ الْمَوْتَ تَمَنَّى لَوْ تَزَوَّدَ مِنْ الْعَمَلِ.

وَأَنَا لَكَ أَنْ تَعُودَ، وَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُكَ الَّتِي كُتِبْتَ لَكَ، وَسَاعَاتُكَ الَّتِي مَشَتْ عَلَيْكَ.

أَمَّا أَمْوَالُكَ فَيَقْتَسِمُهَا الْأَوْلَادُ، وَيَقْتَسِمُهَا أَهْلُ الْمِيرَاثِ، ...وَتَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا بِالْكُفْن الْأَبْيَضِ... لَا تَمْتَلِكُ فِيهِ خَيْطًا، وَلَا  تَمْتَلِكُ فِيهِ جُيُوبًا، وَلَا تَمْتَلِكُ فِيهِ أَكْمَامًا... تَخْرِجُ حَافِي الْقَدَمَيْنِ، تُخْرِجُ حَافَ الْقَدَمَيْنِ. لِبَاسٌ يَلْبَسُهُ الْأَغْنِيَاءُ.. وَلِبَاسٌ يَلْبَسُهُ الْفُقَرَاءُ، وَهُوَ الْأَكْفَانُ..

هَلْ تُذَكِّرُنَا هَذِهِ الْحَالَ؟ - يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ- وَهَلْ اسْتَعْدَيْنَا لِمِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ؟! أَكْرَمَ مَا يَفْعَلُهُ لَكَ أَنْ يُقَالَ طَيِّبُوا لَهُ كَفَنَهُ، لِأَنَّهُ سَيَذْهَبُ إِلَى قَبْرِهِ.

هَذِهِ أَحْوَالٌ لَا نَنْسَاهَا، وَسَاعَاتٌ لَنْ تَمْضِيَ عَنَّا، وَأَيَّامٌ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهَا، وَحُمِلَتْ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ وَسَارَ الْجَمِيعُ إِلَى اللَّهِ.

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. لِمَا مَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« إِذَا حُمِلَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ،» أَيُّهَا الرَّجُلُ، أَيُّهَا الْأَبُ، أَيُّهَا الشَّابُّ، وَاَللَّهُ سَيَأْتِي الْيَوْمُ الَّذِي لَا مَحَالَةَ مِنْهُ مِنْ الْمَوْتِ، وَلَا مَحَالَةَ فِيهِ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ، فَتَخَيَّلَ إِذَا حُمِلَتْ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ ، اقْدَامًا خَالِيَةً عَنْ الْحَرَكَةِ،
لِسَانٌ خَالِي عَنْ الْكَلَامِ،
أَمَّا الْعَيْنَانِ فَأَغْمَضَتَا.
أَيْنَ الْعَيْنُ الَّتِي شَاهَدَتْ الْمُسَلْسَلَاتِ الْمَاجِنَةَ؟
أَيْنَ الْعَيْنُ الَّتِي شَاهَدَتْ الْمُسَلْسَلَ الْمُنْكَرَةَ؟
أَيْنَ الْعَيْنُ الَّتِي تَطَلَّعَتْ إِلَى بَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ؟
أَصْبَحَتْ مُغْمِضَةً، شَاخِصَةً، لَا تَمْتَلِكُوا حَرَكَتًا وَلَا شَيْءَ؟
أَيْنَ السَّمْعُ الَّذِي سَمِعَ الْحَرَامَ؟
أَيْنَ الَّذِي سَمِعَ الْأَغَانِيَ؟
أَيْنَ الَّذِي سَمِعَ الْمَزَامِيرَ؟
أَيْنَ هَذَا اللِّسَانُ الَّذِي سَبَّ وَشَتَمَ وَلَعن وَكَذَبَ؟
أَيْنَ هَذِهِ الْيَدُ الَّتِي كَتَبَتْ الْبَصَائِرَ الْمُزَوَّرَةَ؟
أَيْنَ الَّتِي كُتِبَتْ وَوَقَعَتْ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ، وَوَقَعَتْ عَلَى الظُّلْمِ  وَالْإِعْتِدَاءِ؟
أَيْنَ هَذِهِ الْيَدُ الَّتِي سَفَكَتْ الدِّمَاءَ؟

أَصْبَحَتْ لَا حَرَكَةَ لَهَا، وَلَا سُكُونَ يُلْقَى عَلَيْهَا الْكَفَنُ، وَيَكُونُ غَيْرُهَا، هُوَ الَّذِي يَضُمُّهَا !
أَيْنَ هَذِهِ الرَّجُلُ الَّتِي مَشَتْ؟! لَرُبَّمَا مَشَتْ إِلَى الْمُنْكَرَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ! هَلْ نَسِينَا هَذِهِ الْحَالَ يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ؟!

اسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ، فَسَيَأْتِي الْيَوْمُ الَّذِي نَحْمِلُ فِيهِ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: « فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ : قَدَّمُونِي قَدِّمُونِي » هَذَا هُوا نِدَاءَ الصَّالِحِينَ لِرَبُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ اتُّهِمَ وَسَبَّ وَشَتَمَ وَلَعَنَ ، هَا هُوَ يُنَادِي عَلَى الْأَعْنَاقِ ، قَدَّمُونِي قَدَّمُونِي، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ قَطَعَ الصَّلَاةَ سَبَّ الْمُسْلِمِينَ أَذَى الْأَرْحَامِ، تَعَامَلَ بِالْمُنْكَرَاتِ، قَالَ: فَيُنَادِي يَا وَيْلَاهُ ياوَيَلَاهُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهِ؟»
هل تَذَكَّرْنَا هَذَا النِّدَاءَ؟
لَوْ نَادَيْتُ أَنَا - أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ - أَوْ نَادَيْتَ أَنْتَ أَيُّهَا الْأَخُ وَأَنْتَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ بِهَذَا النِّدَاءِ، يَا وَيْلِي إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي؟! مَنْ يَقُومُوا بِأَنْقَاذِكَ ، مَنْ يَفُكُّوا عَنْكَ مَنْ يَكُونُوا مَعَكَ؟ مَنْ يُرْسِلُ الْيكَ رَحِمَاتِهِ؟! النَّاسَ خَلْفَكَ يُشِيعُونَكَ لَا يَعْلَمُونَ

مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَاسْتَعِدُّوا - يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ - إِنَّ مُرُورَ الْأَيَّامِ إِنَّهَا مِنْ أَيَّامِنَا،
وَإِنَّ مُرُورَ السَّاعَاتِ إِنَّهَا مِنْ سَاعَاتِنَا،
فَلَا نَغْفُلُ عَنْ الْمَوْتِ، لِنَعُدَّ إِلَى اللَّهِ. يَكْفِينَا غَفْلَةٌ - يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ - آبَاءٌ فِي غَفْلِهِ، شَبَابٌ فِي غَفْلِهِ، نِسَاءٌ فِي غَفْلَةٍ، مُجْتَمَعٍ فِي غَفْلَةٍ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ،

فَلْنَسْتَيْقِظْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، إِنْ أَرَدْنَا الْخَيْرَ لِأَنْفُسِنَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ أَرَدْنَا السَّعَادَةَ لِأَرْوَاحِنَا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَاَللَّهُ اللَّهَ بِالِاسْتِعْدَادِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ،

وَاَللَّهُ لَنْ يَنْفَعَكَ قَرِيبٌ.
وَلَنْ يَنْفَعَكَ صِدِّيقٌ ،
إِلَّا بِقَدْرِ مَا لَدَيْكَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، أَوْ مَا قَدَّمَهُ لَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ مِمَّا يُرْجَى لَهُ النَّفْعُ لَكَ بَعْدَ مَمَاتِكَ،
فَأَيْنَا لَازِلْنَا فِي خَيْرٍ - يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ - كَمْ مِنْ رَجُلٍ فِي عِزِّ حَيَاتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَهُوَ فِي غَفْلَةٍ عَنْ الْمَوْتِ،
فَالْمَوْتُ - يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ - يَنْتَظِرُهُ الْجَمِيعُ،
كَمْ مِنْ رَجُلٍ جَائِة لَهُ نَوْبَةٌ قَلْبِيَّةٌ،؟!
وَكَمْ مِنْ  رَجُلٍ أُصِيبَ بِحَادِثٍ،؟!
وَكَانَ يَتَوَقَّعُ أَنَّهُ سَيَتَعَمَّرُ وَيَعِيشُ،
وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ ابْتَدَعَ بِهِ الْمَرَضَ، وَسَارَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَانْتَقَلَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، فَأَيْنَ الِاسْتِعْدَادُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ؟!

فَاَللَّهُ اللَّهُ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِلِقَاءِ اللَّهِ، أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَنْ يُوَفِّقَنَا وَالْحَاضِرِينَ إِلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، أَدْمِرْ أَعْدَائِكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ،
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ،
اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ،
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِعَزِّكَ يَا عَزِيزُ، وَبِقُوَّتِكَ يَا قَوِي، أَلَا تُنَزِّلَ عَلَيْنَا الْمَوْتُ إِلَّا وَقَدْ قَبِلْتَ تَوْبَتَنَا وَإِنَابَتَنَا،
اللَّهُمَّ اقْبَلْ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ. وَرُجُوعَ الْمُنِيبِينَ. وَإِخْلَاصِي الْمُخْلِصِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْأَعْمَالَ لَكَ خَالِصَةً، وَالْأَقْوَالُ بَيْنَ يَدَيْكَ مُوَفَّقَةٌ. إِنَّكَ سَمِعَ الدُّعَاءَ. اللَّهُمَّ كُنْ لبِلَادَنَا حَافِظًا. اللَّهُمَّ إِرْفَعْ عَنْ بِلَادِنَا.الْحُرُوبِ .
اللَّهُمَّ إِرْفَعْ عَنْ بِلَادِنَا الْكَرْبَ وَالضَّيِّقَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْ بِلَادِنَا الْغَلَاءَ،
اللَّهُمَّ أَبْدِلْ الْبِلَادَ امْنًا. اللَّهُمَّ أَبْدِلْ الْبِلَادَ قُوَّةً وَعَزَا.
اللَّهُمَّ أَجْمَعْ الْكَلِمَةَ عَلَى الْخَيْرِ، وَوَحْدَ الصَّفِّ  عَلَى السَّدَادِ، وَاجْمَعْ عِبَادَكَ عَلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالسَّدَادُ، وَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ نَسْتَغْفِرُكَ وَنُتُوبُ إلْيَكَ وَصَلِّيَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

وَأَقِمِ الصَّلَاهُ

📲 *انشروا هذا العلم*
* قال ابن الجوزي رحمه الله : " من أحب أن ﻻ ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم "{ التذكرة (٥٥) }*
*وقال ابن المبارك رحمه الله: " لا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم" { تهذيب الكمال(٢٠/١٦) }*
*اسأل الله ان ينفع بها الإسلام والمسلمين*
•┈•┈•⊰✿⊱•┈•┈•-
🎙 *خطبة جمعة مفرغة* 🎙

*استقبال العام* *الجديد*

*للإشتراك في* *ملتقى الخطباء*

🎙 **خطبة بعنوان:*
*استقبال العام الجديد* بعنوان:( )*
(( *اغتنام الأوقات* *بالباقيات الصالحات* ))

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد ه ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ الله الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }[الأحزاب:70-71]
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله: "إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام : 134]"
فإننا في هذه الأيام نستقبل عاما هجريا جديدا ونودع عاما آخر, فكيف سنستقبل هذا العام؟ وما ذا قدمنا في العام المنصرم؟ أما العام الجديد فيتدارك بالتوبة والاستعداد بالأعمال الصالحة، وأما العام الذي مضى فلا يتدارك إلا بالتوبة والاستغفار والندم على ما فات من التقصير.


فأيام الناس على ثلاثة أقسام: يوم مضى ,ويوم حاضر, ويوم آت .
فأما اليوم الماضي فكما تقدم يتدارك بالتوبة والاستغفار مما تقدم من الذنوب, والدعاء بأن يتقبل الله صالح الأعمال، وأما اليوم الحاضر فيستعد له بالطاعات من ذكر الله وشكره وحسن عبادته، وأما اليوم الآت - ولعلك لا تدركه - فتستعد له بالنية الصالحة وذلك أن تصلح ما بينك وبين الله سبحانه وتعالى مستقبلا.
فقد روى البخاري ومسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ الله تعالى : «إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ» الحديث. وهذا لما يستقبل من الزمان.
وفي الصحيحين عن عمربن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ مانوى "الحديث
أيها الناس إننا نشاهد في هذه الأيام تقارباً في الزمان ومرور الأيام والشهور والأعوام سريعا ,وهذا مؤذن بقرب قيام الساعة ,كيف لا؟! ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث جابر رضي الله عنه « بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ». وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .
فبعثته صلى الله عليه وسلم أول علامات الساعة فإذا كان هذا قبل أربعة عشر قرنا فكيف بزماننا ؟ فالساعة قريبة ولا شك قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر}[القمر:1]
وقال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُون * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُون * لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُون } [الأنبياء:1-3]
قال المفسر ابن كثير رحمه الله: هَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ الله، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، أَيْ: لَا يَعْمَلُونَ لَهَا، وَلَا يَسْتَعِدُّونَ مِنْ أَجْلِهَا. اهـ
ومن علامتها سرعة الأيام وقلة البركة فيها ,فقد روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ».
وقوله كالجمعة أي: كالأسبوع ,وقوله كالضرمة بالنار أي: كاحتراق السعفة.
ومن علامات قرب قيام الساعة كثرة الفتن ورفع العلم وكثرة القتل ففي الصحيحين عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ».
والشح هو البخل.
الشاهدمن هذا, كيف نستقبل ما بقي من أعمارنا في هذا الزمان؟ ونحن سائرون إلى الله ومسافرون إلى الدار الآخرة وكل يوم ونحن نقترب من الآخرة ونبتعد من الدنيا .
عباد الله: أعمالنا قليلة وأعمارنا قصيرة وآجالنا قريبة وآمالنا طويلة وأسفارنا بعيدة...
فما المخرج؟ ليس لنا إلا مخرج واحد ألا وهو العودة إلى الله سبحانه وتعالى واغتنام ما بقي من أعمارنا في طاعة الله وشكره وحسن عبادته وذكره,ومحاسبة أنفسنا على مافرطنا ومداركة ذلك بالتوبة النصوح.
فاغتنموا هذه اللحظات والساعات وما بقي من الأيام والسنوات بطاعة رب الأرض والسماوات والابتعاد عن المعاصي والبدع والمحدثات ,فإن الدنيا أيام قلائل لا تساوي شيئا أمام الآخرة, فإن المفرطين يأتون يوم القيامة يقسمون الأيمان المؤكدة بأنهم ما لبثوا في هذه الدنيا إلا الساعات المعدودة كما قال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُون}[الروم:55]
وقال سبحانه: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِين * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّين * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُون }[المؤمنون:112-114]
أي وإن لبثتم فيها مئات السنين ـ على تقدير ذلك ـ فهي قليلة بمقابل الآخرة وكما قيل: الدنيا ساعة فاجعلها طاعة.
وقال سبحانه: { وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون} [الحج:47]
قال ابن كثير: أي: هو تعالى لا يَعجَل، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حكمه، لعلمه بأنه على الانتقام قادر، وأنه لا يفوته شيء، وإن أجَّلَ وأنظَر وأملى؛ ولهذا قال بعد هذا: { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ }اهـ .
وقال تعالى: {تَعْرُجُ الملاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا }[المعارج:4-6]
فهذا اليوم هو يوم القيامة ـ على الصحيح ـ بدلالة سياق الآيات, ومقداره خمسون ألف سنة.
فكل هذه الآيات تدل على طول الآخرة وقصر الدنيا وحقارتها ,فاجعل أملك بالآخرة ولا تجعله بالدنيا فإن الدنيا قصيرة وعمر الإنسان فيها أقصر, فاجعل هذا العمر القصير ذخرا للعمر الطويل الذي لا نهاية له ,فقد روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ".
فانظر واعقل ,فإن عمر الإنسان في الدنيا مابين الستين إلى السبعين ,لكنه في الآخرة مخلد في الجنة أو النار,فمن عمل قليلا أجر كثيرا ومن فرط في القليل خسر الخسران المبين نسأل الله العافية والسلامة.
ومع كون العمر قصيرا لكن بإمكان العبد أن يتذكر فيه ويعبد الله ويغتنمه بالباقيات الصالحات ليفوز بجنةٍ عرضها الأرض والسموات .
قال الله تعالى: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ }[فاطر:37]
فمن ضيع عمره في اللهو واللعب فلا عذر له ,لا سيما من بلغ الستين من عمره وهو لا يزال في لهوه وغفلته.
فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ الله إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً» أي :زال عنه العذر فلا عذر له إن لقي الله بعيدا عن طاعته وقد أمده بهذا العمر .
وهكذا كل مكلف يلقى الله بعيدا عن دينه فلا عذر له وإن كان شابا لكن يتأكد في حق الشيخ الكبير أكثر, فطوبى لمن قضى عمره في طاعة الرحمن, وخاب وخسر من ضيع وقته في اللهو واللعب والعصيان.
قال ابن القيم رحمه الله: من لم يجعل وقته كله لله فالموت خيره له من الحياة. اهـ
وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: الفوت أشد من الموت.اهـ
مصداق ذلك ما ثبت عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ". رواه الترمذي وأحمد رحمهما الله تعالى.
فيا أيها الإنسان إنه لن تتحرك قدمك يوم القيامة إلى الجنة ولا إلى النار والعياذ بالله إلا بعد أن تسأل عن أربعة أسئلة وهي: عمرك وشبابك ومالك وعملك.
فقد روى الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ، فِيمَا أَبْلَاهُ»وفي رواية:" وعن شبابه فيما أبلاه"
والشباب داخل في العمر وهو من باب عطف الخاص على العام, وهذا يدل على أهمية الشباب ولأنه جوهرة العمر ولهذا فإن الشاب الصالح العابد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال::" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ».
الشاهد "وشاب نشأ في عبادة الله"فاغتنم شبابك في طاعة الله أيها المسلم قبل الهرم وقبل أن تضعف عن العمل فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُون}[يس:68]
أي نضعف حواسه وقدرته فلا يستطيع التزود من الأعمال الصالحة التي لا يقوم بها إلا الشباب كالصيام والقيام والجهاد والحج ونحو ذلك.
واغتنم وقتك قبل الندم والحسرات فإن المغبون هو الذي يضيع وقته وفراغه فيما يسخط الله و في غير مرضات الله و في اللهو واللعب .
ففي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ "
والغبن هو الندم والحسرة كرجل غبن في سلعة باعها بثمن بخس فأصيب بالغبن, أو اشترى سلعة بأضعاف ثمنها فلما تبين له قيمتها الحقيقة غُبن وأصيب بالحسرة والندامة, فهذا في سلعة دنيوية, فكيف بأغلى سلعة على الإطلاق وهي جنة عرضها السماوات والأرض؟!
قال تعالى:" يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التغابن : 9]
" أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ". ثبت هذاعن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فاغتنم فراغك في طاعة الله واعلم أن الفراغ أقسام ثلاثة: فراغ القلب وفراغ اللسان وفراغ الجوارح , فلا تَدع لسانك فارغا من ذكر الله تعالى ,ولا تدع قلبك فارغا من حب الله تعالى وخشيته والإنابة إليه ,ولا تَدع جوارحك فارغة من طاعة الله تعالى والتقرب إليه بالأعمال الصالحة، فاجعل حياتك كلها لله فإن الله تعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين }[الأنعام:162-163] .
قال الحسن البصري رحمه الله: من استعمل فراغه بطاعة الله فهو المغبوط ومن استعمله في معصية الله فهو المغبون. اهـ بمعناه.
والمغبوط: هو الرجل الذي أنعم الله عليه بنعمة فغبطه الناس, أي: يتمنون أن يكون لهم مثل هذه النعمة دون تمني زوالها كحديث: " لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ " متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
فيا أيها الناس إن الوقت ثمين ونعمة سنحاسب عليه وسنندم ونغبن إن فرطنا فيه ولم نغتنمه بذكر الله وطاعته وطاعة رسوله والصلاة عليه , فقد روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا الله فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ".
وروى أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ، وَمَنْ قَامَ مَقَامًا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ» ومعنى ترة: أي :خسارة ونقص أو تبعة وحسرة.
وفي الحديث إشارة إلى اغتنام الأوقات حال القيام والقعود والسير والاضطجاع.
ولهذا امتدح الله أولي الألباب بأنهم يغتنمون أوقاتهم حال قيامهم وقعودهم ورقودهم وفي جميع أحوالهم فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ } [آل عمران:190-191] .
وإن أهل الجنة يوم القيامة ليتحسرون على الأوقات التي لم يغتنموها وإن دخلوا الجنة,
فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ".
ولأهمية الأوقات وعظمتها أقسم الله بها في كثير من الآيات والله عظيم ,له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته العظيمة الدالة على عظمته فأقسم بالأوقات لعظمتها ولما اشتملت عليه من العبادات العظيمة المشروعة فيها فأقسم بالفجر والليالي العشر فقال: {وَالْفَجْر * وَلَيَالٍ عَشْر } [الفجر:1-2] والفجر يشتمل على صلاة الفجر والليالي العشر هي أيام عشر ذي الحجة ومن المعلوم أن الأعمال الصالحة فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله، وأقسم الله بالضحى المشتمل على سبحة الضحى، وأقسم بالليل المشتمل على قيام الليل فقال سبحانه: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } [الضُّحى:1-2] وفال سبحانه:"وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" [الليل : 1]ثم بين فقال سبحانه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزَّمل:6]
ومعنى ناشئة الليل:أي :صلاة الليل.
وأقسم الله بالعصر المشتمل على صلاة العصر فقال سبحانه: {وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر }[العصر:1] .وقد ذكر بعض المفسرين أن المقصود بالعصر في هذه السورة هو: صلاة العصر.
وذكر كثير من المفسرين أن المراد بالعصر في هذه السورة: الزمان ,قال السعدي رحمه الله : أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم.اهـ.
فيجب على المسلم أن يعظم هذه الأوقات كما عظمها الله تعالى وأن يغتنمها بطاعة الله سبحانه وتعالى .
فقد روى الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ». أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء تعقبها, فاغتنم الشباب قبل الهرم والشيخوخة ,فإنها إذا جاءت ضعف العبد عن العمل .
واغتنم الصحة قبل المرض فإنك إن مرضت عجزت عن بعض الأعمال .
واغتنم الغنى بالصدقات والانفاق في أبواب الخير فإنه إذا جاء الفقر لا تجد ما تنفق منه,. واغتنم الفراغ قبل أن تشغل بشيء من أمور الدنيا ,فإنك إن شغلت لا تستطيع التفرغ للعبادات وطلب العلم وغير ذلك .
قال عمر الفاروق ر ضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا.اهـ. أي: قبل أن تشغلوا بالسيادة والرعاية وغير ذلك .
واغتنم الحياة قبل الموت فإنه إذا جاء الموت انقطع عملك وطويت صحيفة ديوانك فلا سبيل إلى العمل والرجوع إلى الدنيا لعمل الصالحات ,كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الموْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}[المؤمنون:99].
اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد اللهم اعمر أوقاتنا بذكرك وشكرك وحسن عبادتك ووفقنا لكل خير.














الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, وأصلي وأسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وإخوانه.
أما بعد:
فيا أيها الناس إنه لا بد من محاسبة الأنفس ولومها على تقصيرها فالمؤمن اللبيب والرجل العاقل هو الذي يحاسب نفسه قبل أن يحاسب , فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن ,فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ,فإن أهل الدنيا من أهل الأموال و التجارات يحاسبون أنفسهم على تقصيرهم في باب المكاسب ويندمون إذا حصل فيها نقص غاية الندم , ويخصصون أوقاتا للحساب كل يوم من ليلٍ أو نهار , بل ويجعلون في رأس كل سنة حصرا لتجاراتهم لمعرفة ماذا قدموا وماذا أخروا وماذا كسبوا وكم خسروا ليتداركوا ما فاتهم ويعوضوا ما خسروا ,أليس من باب أولى أن يحاسب العبد نفسه على تجارة الآخرة التي فيها الفوز السرمدي والنجاة من العذاب الأبدي ؟فلماذا ما يجعل العبد لنفسه ساعة كل يوم يحاسب نفسه فيها ماذا قدم وماذا أخر؟فإن عمل خيرا سأل الله الإخلاص والقبول وإن عمل شرا استغفر وتاب وأصلح ما أفسد .
فإنه ما من عبد إلا وسيحاسب على الصغير والكبير وعلى النقير والقطمير فالمؤمن يحاسب الحساب اليسير والكافر يحاسب الحساب العسير قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِه * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق:7-12]
فأين لوم النفس على تقصيرها وتدارك ما فات بإصلاح العمل؟,فإن كل نفس تأتي يوم القيامة تلوم صاحبها, والله سبحانه وتعالى أقسم بالنفس اللوامة لكثرة لومها لصاحبها يوم القيامة فإن كان صاحبها مقصرا تلومه على التقصير وإن كان صالحا تلومه على عدم الإكثار من الخير قال تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة } [القيامة: 1].
قال المفسر السعدي رحمه الله: وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة، سميت {لوامة} لكثرة ترددها وتلومها وعدم ثبوتها على حالة من أحوالها، ولأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما عملت ، بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه، من تفريط أو تقصير في حق من الحقوق. اهـ
وقال المفسر البغوي رحمه الله:أي: تَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَقُولُ لَوْ فَعَلْتُ وَلَوْ لَمْ أَفْعَلْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ إِلَّا وَهِيَ تَلُومُ نَفْسَهَا، إِنْ كَانَتْ عَمِلَتْ خَيْرًا قَالَتْ: هَلَّا ازْدَدْتُ، وَإِنْ عملت شرا قالت: لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ. قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ النَّفْسُ الْمُؤْمِنَةُ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ وَالله مَا تَرَاهُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ مَا أَرَدْتُ بِكَلَامِي مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَمْضِي قُدُمًا لَا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ ولا يعاتبها. قال مُقَاتِلٌ: هِيَ النَّفْسُ الْكَافِرَةُ تَلُومُ نَفْسَهَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا فَرَّطَتْ فِي أَمْرِ الله فِي الدُّنْيَا.اهـ
وقال المفسر ابن كثيررحمه الله بعد أن ذكر نحوا من هذه الأقوال: قَالَ ابْنُ جَرِير الطبريٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةُ المعْنَى، الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَنَّهَا الَّتِي تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ. هذه هي النفس اللوامة وبقي قسمان في الأنفس وهما النفس الامارة بالسوء والنفس المطمئنة ولا تعارض فإن نفس المؤمن مطمئنة ولوامة فأما النفس الأمارة بالسوء فهي التي تأمر صاحبها بالسوء والمعاصي.اهـ
وقال السعدي رحمه الله في قوله تعالى: { إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان. اهـ.
قال تعالى عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيم}[يوسف:53]
وأما النفس المطمئنة فهي النفس التي اطمأنت بربها وسكنت بحبه وصدَّقت بوعده وارتاحت بجانبه وآمنت بدينه وانقادت لشرعه ورضيت بأقداره وفازت بثوابه وجنته قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة }[الفجر:27-28].
قال المفسر ابن كثير رحمه الله: فَأَمَّا النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ الْمُطْمَئِنَّةُ وَهِيَ السَّاكِنَةُ الثَّابِتَةُ الدَّائِرَةُ مَعَ الْحَقِّ فَيُقَالُ لَهَا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} أَيْ: إِلَى جِوَارِهِ وَثَوَابِهِ وَمَا أَعَدَّ لِعِبَادِهِ فِي جَنَّتِهِ، {رَاضِيَةً} أَيْ: فِي نَفْسِهَا {مَرْضِيَّةً} أَيْ: قَدْ رَضِيَتْ عَنِ الله وَرَضِيَ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا، {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} أَيْ: فِي جُمْلَتِهِمْ، {وَادْخُلِي جَنَّتِي} وَهَذَا يُقَالُ لَهَا عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا، كَمَا أَنَّ الملَائِكَةَ يُبَشِّرُونَ الْمُؤْمِنَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ وَعِنْدَ قِيَامِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا.اهـ.
فيا أيها المسلون الحذر من ضياع الأوقات في اللهو واللعب والعصيان, فإن كثيرا من الناس قد ذبحوا أوقاتهم في المحادثات والقيل والقال وأكل القات وأمام المسلسلات والخوض في البدع والمحدثات وضيعوا أعمارهم في السياسة والتحليلات إلا ما رحم رب البريات وغفلوا عن اليوم الذي تنزل فيه عليهم السكرات وتتوالى عليهم الحسرات {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ }[إبراهيم:48] .
فهذه اللحظات والساعات والأيام التي تمر هي من عمرك يا أيها الإنسان ولن تعود إلى قيام الساعة فادخرها لذلك اليوم .
قال الحسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم إنما أنت أيام فكلما مر يوم فقد مر بعضك.
وقال رحمه الله: كل يوم يصبح ينادي: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد ولن أعود إلى يوم القيامة.اهـ .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم اقترب فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.اهـ
فابدأ عامك بخير واندم على ما فرطت فيما مضى واعدد نفسك من الموتى ,لعلك تموت من عامك هذا ,كم من إخوان لنا فارقناهم ,وقد عاشوا معنا العام الماضي ,وفي هذا العام صاروا من المفقودين,أين ذهبوا؟ وماذا حصل لهم؟إنه الموت فاجأهم, فقطع آمالهم,وانققضت آجالهم , "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ "الآية[سبأ : 54]
فياعباد الله :إن الأعوام والسنين تمر سريعا فهذا ينصرم وهذا يقترب حتى يشرف العبد على الدار الآخرة ويلاقي ربه فانتقلوا بخير مابحضرتكم, فيوشك أن تصلوا :" يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" [الانشقاق : 6]
فأعمالكم الصالحة هي رأس أموالكم ,وآخرتكم هي مستقبلكم الحقيقي فلا تغتروا بالدنيا ولا تنخدعوا بها.
قال تعالى :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" [فاطر : 5]
وقال تعالى :"وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت : 64] "لهي الحيوان "أي : الحياة الحقيقية.
وقال الشاعر:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناهـــا بخير طاب مسكنـه *** وإن بناها بشر خـــاب بانيــها

اللهم وفقنا لفعل الطاعات وترك ا لمنكرات والثبات على الدين حتى حتى الممات إنك قريب مجيب الدعوات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
*أروع قصيدة قيلت في تعظيم الله سبحانه وتعالى*إختلف الناس في هذه القصيدة*
*فمنهم من قال يجب أن تكتب بماء الذهب*

*ومنهم من قال يجب أن تكتب بدموع العيون* ..

*للشاعر السوداني* / *إبراهيم علي بدوي رحمه الله تعالى*
-----------------

■ بك أستجير ومن يجير سواكا
فأجر ضعيفا يحتمي بحماك

■ دنياي غرتني وعفوك غرني
ماحيلتي في هذه أو ذاكا

■ لو أن قلبي شك لم يك مؤمنا"
بكريم عفوك ماغوى وعصاكا

■ إن لم تكن عيني تراك فإنني
في كل شيء أستبين علا‌كا

■ رباه ها أنا ذا خلصت من الهوى
واستقبل القلب الخلي هواكا

■ وتركت أنسي بالحياة ولهوها
ولقيت كل الأ‌نس في نجواكا

■ ونسيت حبي واعتزلت أحبتي
ونسيت نفسي خوف أن أنساكا

■ ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى
يارب حلوا ً قبل أن أهواكا

■ أنا كنت ياربي أسير غشاوة"
رانت على قلبي فضَل سناكا

■ واليوم ياربي مسحت غشاوتي
وبدأت بالقلب البصير أراكا

■ ياغافر الذنب العظيم وقابلا‌"
للتوب قلبا" تائبا" ناجاكا

■ أترده وترد صادق توبتي
حاشاك ترفض تائبا" حاشاك

■ يارب جئتك نادما ً أبكي على
ما قدمته يداي لا‌ أتباكى

■ أنا لست أخشى من لقاء جهنم
وعذابها لكنني أخشاك

■ يارب عدت إلى رحابك تائباً
مستسلما" مستمسكاً بعراكا

■ مالي وأبواب الملوك وأنت من
خلق الملوك وقسم الأ‌ملا‌كا

■ وبحثت عن سر السعادة جاهداً
فوجدت هذا السر في تقواكا

■ فليرض عني الناس أو فليسخطوا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
🌹 اسعد الله اوقاتكم 🌹
2024/09/21 03:27:44
Back to Top
HTML Embed Code: