#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس التاسع والخمسون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 7 ربيع الأول 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في تدبر القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 7 ربيع الأول 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في تدبر القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_الفقه | #الكتب_والطبعات
س: هل كتاب مختصر فقه العبادات للشيخ ابن عثيمين وافٍ وشامل لموضوع فقه العبادات؟
الجواب: هذا الكتاب أصله حلقات إذاعية سجلت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، أجاب فيها على مسائل مهمة في أبواب من العبادات، وجعل القسم الأول في مسائل مهمة في العقيدة، ذكر فيها مسائل في الحكمة من خلق الخلق، وأنواع التوحيد، ومراتب الدين الإسلام والإيمان والإحسان، وأجاب فيها على أسئلة منتخبة مما تكثر حاجة الناس إلى معرفته.
وهذه الحلقات الإذاعية نشرت في أشرطة كاسيت قديماً في اثني عشر شريطاً صوتياً، وكنت قد استمعت إليها قبل نحو ثلاثين سنة، وأسلوب الشيخ معروف بإحسان الجواب وتأصيله بالدليل ووجه الاستدلال، ولغته العلمية ميسرة وقريبة من أفهام العامة وطلاب العلم.
وهذه الحلقات سجلت صوتية لما تمس حاجة كثير من العامة إلى التلقي من أفواه العلماء بما يعرفون من أساليبهم، ولذلك لم يكن قصد الشيخ منها أن يكون الكتاب متناً علميا يُدرّس لطلاب العلم؛ لأنه انتخب المسائل انتخاباً، لم يمر على الأبواب مرورا شاملاً، بل كثير من الأبواب لم يذكر منها مسائل أصلا، فقد انتخب مسائل في العقيدة، ثم مسائل في أبواب الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج، وآداب زيارة المدينة وما يتعلق بذلك، مما تكثر حاجة الناس إلى بيانه من غير استيعاب.
واشتملت هذه الحلقات على نحو ثلاثمائة سؤال، وهذا الاختصار لم يمكن معه ذكر مسائل في أبواب مهمة مثل صلاة أهل الأعذار، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، وأحكام المساجد، وأحكام الجنائز، هذه كلها لم يذكر فيها مسائل.
فهذا الكتاب ينتفع به من وجهين:
الوجه الأول: من يريد أن يُلمَّ بالأجوبة على المسائل المهمة التي يكثر الاستفتاء فيها على المختار في الفتوى، وهذه فائدة جليلة بالنسبة لطلاب العلم.
والوجه الثاني: أن يستفيد من طريقة الشيخ في تحرير الأجوبة على تلك المسائل؛ فتعلّم طريقة الجواب لا تقلّ أهميّة عن الجواب نفسه.
والكتاب نافع أيضا للعامة، وسماعه صوتياً كما سجّل قد يكون أنفع لهم، ويكتسبون به علماً نافعاً يكفيهم في مسائل مهمّة في هذه الأبواب، وما يشكل عليهم بعد ذلك يمكنهم السؤال عنه.
والعامة لا يعنيهم كثيراً الشمول وتقصي المسائل في كل باب؛ لأنّ ذلك من حاجة طلاب العلم لغرض التفقه لا من حاجة العامة الذين يقصدون لما يسدّ حاجتهم من تصحيح العبادة ومعرفة الهدى في أهم أبواب الدين؛ فهذه الحلقات نافعة لهم، لو استمعوا إليها مسجلة وقد جُمعت في حلقات ونشرت على اليوتيوب، ولو تطوع أحدٌ لنشرها والتعريف بها فأرجو أن يكون عملاً صالحاً نافعاً، ولا سيما في تقطيعها على المسائل وبثّها في قنوات التواصل.
وهذا الكتاب يفيد طالب العلم أيضاً في مذاكرة ما درسه، فهو يدرس مسائل الفقه في المختصرات الفقهية التي تكون فيها شمولية للمسائل العلمية في كل باب؛ لأنَّ هذا ما يحتاجه طالب العلم للتأسيس والتأصيل في علوم الفقه، ثم يتعرف طرق أهل الفتوى في تحرير الأجوبة على مسائل العامة، وهذا يفيده في التأهل للإفتاء، فينتفع به في المذاكرة، وفي التدرب على الإجابة على الأسئلة.
س: هل كتاب مختصر فقه العبادات للشيخ ابن عثيمين وافٍ وشامل لموضوع فقه العبادات؟
الجواب: هذا الكتاب أصله حلقات إذاعية سجلت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، أجاب فيها على مسائل مهمة في أبواب من العبادات، وجعل القسم الأول في مسائل مهمة في العقيدة، ذكر فيها مسائل في الحكمة من خلق الخلق، وأنواع التوحيد، ومراتب الدين الإسلام والإيمان والإحسان، وأجاب فيها على أسئلة منتخبة مما تكثر حاجة الناس إلى معرفته.
وهذه الحلقات الإذاعية نشرت في أشرطة كاسيت قديماً في اثني عشر شريطاً صوتياً، وكنت قد استمعت إليها قبل نحو ثلاثين سنة، وأسلوب الشيخ معروف بإحسان الجواب وتأصيله بالدليل ووجه الاستدلال، ولغته العلمية ميسرة وقريبة من أفهام العامة وطلاب العلم.
وهذه الحلقات سجلت صوتية لما تمس حاجة كثير من العامة إلى التلقي من أفواه العلماء بما يعرفون من أساليبهم، ولذلك لم يكن قصد الشيخ منها أن يكون الكتاب متناً علميا يُدرّس لطلاب العلم؛ لأنه انتخب المسائل انتخاباً، لم يمر على الأبواب مرورا شاملاً، بل كثير من الأبواب لم يذكر منها مسائل أصلا، فقد انتخب مسائل في العقيدة، ثم مسائل في أبواب الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج، وآداب زيارة المدينة وما يتعلق بذلك، مما تكثر حاجة الناس إلى بيانه من غير استيعاب.
واشتملت هذه الحلقات على نحو ثلاثمائة سؤال، وهذا الاختصار لم يمكن معه ذكر مسائل في أبواب مهمة مثل صلاة أهل الأعذار، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، وأحكام المساجد، وأحكام الجنائز، هذه كلها لم يذكر فيها مسائل.
فهذا الكتاب ينتفع به من وجهين:
الوجه الأول: من يريد أن يُلمَّ بالأجوبة على المسائل المهمة التي يكثر الاستفتاء فيها على المختار في الفتوى، وهذه فائدة جليلة بالنسبة لطلاب العلم.
والوجه الثاني: أن يستفيد من طريقة الشيخ في تحرير الأجوبة على تلك المسائل؛ فتعلّم طريقة الجواب لا تقلّ أهميّة عن الجواب نفسه.
والكتاب نافع أيضا للعامة، وسماعه صوتياً كما سجّل قد يكون أنفع لهم، ويكتسبون به علماً نافعاً يكفيهم في مسائل مهمّة في هذه الأبواب، وما يشكل عليهم بعد ذلك يمكنهم السؤال عنه.
والعامة لا يعنيهم كثيراً الشمول وتقصي المسائل في كل باب؛ لأنّ ذلك من حاجة طلاب العلم لغرض التفقه لا من حاجة العامة الذين يقصدون لما يسدّ حاجتهم من تصحيح العبادة ومعرفة الهدى في أهم أبواب الدين؛ فهذه الحلقات نافعة لهم، لو استمعوا إليها مسجلة وقد جُمعت في حلقات ونشرت على اليوتيوب، ولو تطوع أحدٌ لنشرها والتعريف بها فأرجو أن يكون عملاً صالحاً نافعاً، ولا سيما في تقطيعها على المسائل وبثّها في قنوات التواصل.
وهذا الكتاب يفيد طالب العلم أيضاً في مذاكرة ما درسه، فهو يدرس مسائل الفقه في المختصرات الفقهية التي تكون فيها شمولية للمسائل العلمية في كل باب؛ لأنَّ هذا ما يحتاجه طالب العلم للتأسيس والتأصيل في علوم الفقه، ثم يتعرف طرق أهل الفتوى في تحرير الأجوبة على مسائل العامة، وهذا يفيده في التأهل للإفتاء، فينتفع به في المذاكرة، وفي التدرب على الإجابة على الأسئلة.
#مسائل_الفقه
س: ما هو بيع الغرر وما حقيقته وأصله؟
الجواب: بيع الغرر هو كل بيع فيه تغرير بالمشتري أو البائع، وذلك بأن يكون في المبيع جهالة، أو لا يقدر على تسليمه، أو كان فيه مخاطرة، أو قمار.
وقد صحّ من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر. رواه أحمد ومسلم وغيرهما.
وروي مثله عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.
والغرر علة لتحريم أنواع كثيرة من البيوع؛ وصوره كثيرة جداً لا تنحصر.
- قال النووي رحمه الله: (وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع).
وهو أصل متفق عليه عند عامّة أهل العلم، وأما رواه ابن أبي شيبة من طريق ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين أنه قال: (لا أعلم ببيع الغرر بأساً).
فمن أهل العلم من حمله على أنّ النصّ لم يبلغه، كما ذكر ذلك ابن بطّال وابن حجر العسقلاني، وأقرب من ذلك أنه هذه الرواية مختصرة من حكايته لمذهب شيخه شريح القاضي؛ فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عباد بن العوام، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن شريح أنه كان لا يرى بأساً ببيع الغرر إذا كان علمهما فيه سواء).
وهذا قول قديم لبعض التابعين في جواز بيع الغرر في حال كون علم البائع والمشتري فيه سواء؛ فلم يخف البائع على المشتري ولا المشتري على البائع ما يؤثر في المعرفة بالمبيع والقدرة عليه.
ومما يدلّ على صحة هذا المحمل ما رواه ابن أبي شيبة أيضاً من طريق أبي خالد الأحمر، عن أشعث، عن ابن سيرين والشعبي قالا: (لا يجوز بيعه حتى يعلم البيّع ما يعلم المشتري).
ولذلك جوّز بعضهم بيع العبد الابق إذا كان علمهما فيه سواء، وهذا يدلّ على أنّ الأثر المختصر المروي عن ابن سيرين له علة توجب رده، وأنه قد تبع مذهب شيخه شريح.
والمقصود أنّ بيع الغرر منهيٌّ عنه، ومتى تحقَّق وجود الغرر حُكم بفساد البيع، وهذا في الجملة، لكن يقع الخلاف في بعض التفصيلات.
- قال محمد بن زيد العبدي، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص). رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد.
وشهر بن حوشب ضعيف الحديث، لكن هذه الأمثلة مشهورة عند أهل العلم أنها من بيع الغرر.
- قال أبو بكر البيهقي: (وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهي عنه في الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
- وقال يحيى بن أبي كثير اليمامي: (إن من الغرر ضربة الغائص، وبيع الغرر العبد الآبق، وبيع البعير الشارد، وبيع الغرر ما في بطون الأنعام، وبيع الغرر تراب المعادن، وبيع الغرر ما في ضروع الأنعام، إلا بكيل).
فقوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع).
لأن ما في البطن غير مستقر فلو جاء شخص فقال: أشتري ما في بطن هذه الناقة بكذا وكذا فهذا لا يجوز؛ لأنه قد ينتج صحيحاً، وقد يكون به علة مؤثرة، وقد يموت في بطن أمه.
وكذلك قوله: (نهى عما في ضروعها إلا بكيل) لأنه لا يعلم مقداره إلا بالكيل.
وقوله: (وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض) فهذه كلها أمثلة على بيع الغرر وهي محرمة عند جمهور أهل العلم.
وقوله: (وعن ضربة الغائص)
أي: أن الغائص يخاطر ولا يدري ما يستخرج، فيقول: ما أستخرجه فهو لك بكذا وكذا، فهذا البيع لا يجوز لأنه قد يستخرج شيئاً تافهاً أو لا يستخرج شيئاً، وقد يستخرج شيئاً ثميناً.
وقد قال ابن المنذر رحمه الله كلمة جامعة في بيع الغرر، قال: (بيع الغرر يدخل في أبواب من البيوع، وذلك كلّ بيع عقده متبايعان بينهما على شيء مجهول عند البائع والمشتري أو عند أحدهما).
قال: (فمن ذلك بيع ما في بطون الحيوان من الأنعام والبهائم، وبيع الألبان في ضروع الأنعام، وبيع السمن في الألبان، وعصير العنب، وزيت هذا الزيتون). يعني عصير هذا العنب، وزيت هذا الزيتون، كأن ترى شجرة عنب وتقول أبيعك عصير هذا العنب من هذه الشجرة بكذا وكذا، فهذا لا يجوز بيعه إلا بكيل؛ فيصحّ أن تقول: أبيعك عصير العنب من هذه الشجرة اللتر بكذا وكذا؛ فهذا جائز لأنه بيع شيء معلوم، أما أن تقول: أبيعه لك عصير عنب هذه الشجرة بكذا وكذا من غير كيل فهذا لا يجوز.
(وكذلك بيع الحيتان في البحر وبيع الطير في السماء، من أنه لا يستقر ملكه على العبد الآبق والشارد، وكل شيء معدوم الشخص في وقت تبايعهما).
يعني لا يمكن معاينته ولا معرفته ولا القدرة على تسليمه؛ فهذا كله داخل في بيع الغرر.
س: ما هو بيع الغرر وما حقيقته وأصله؟
الجواب: بيع الغرر هو كل بيع فيه تغرير بالمشتري أو البائع، وذلك بأن يكون في المبيع جهالة، أو لا يقدر على تسليمه، أو كان فيه مخاطرة، أو قمار.
وقد صحّ من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر. رواه أحمد ومسلم وغيرهما.
وروي مثله عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.
والغرر علة لتحريم أنواع كثيرة من البيوع؛ وصوره كثيرة جداً لا تنحصر.
- قال النووي رحمه الله: (وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع).
وهو أصل متفق عليه عند عامّة أهل العلم، وأما رواه ابن أبي شيبة من طريق ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين أنه قال: (لا أعلم ببيع الغرر بأساً).
فمن أهل العلم من حمله على أنّ النصّ لم يبلغه، كما ذكر ذلك ابن بطّال وابن حجر العسقلاني، وأقرب من ذلك أنه هذه الرواية مختصرة من حكايته لمذهب شيخه شريح القاضي؛ فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عباد بن العوام، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن شريح أنه كان لا يرى بأساً ببيع الغرر إذا كان علمهما فيه سواء).
وهذا قول قديم لبعض التابعين في جواز بيع الغرر في حال كون علم البائع والمشتري فيه سواء؛ فلم يخف البائع على المشتري ولا المشتري على البائع ما يؤثر في المعرفة بالمبيع والقدرة عليه.
ومما يدلّ على صحة هذا المحمل ما رواه ابن أبي شيبة أيضاً من طريق أبي خالد الأحمر، عن أشعث، عن ابن سيرين والشعبي قالا: (لا يجوز بيعه حتى يعلم البيّع ما يعلم المشتري).
ولذلك جوّز بعضهم بيع العبد الابق إذا كان علمهما فيه سواء، وهذا يدلّ على أنّ الأثر المختصر المروي عن ابن سيرين له علة توجب رده، وأنه قد تبع مذهب شيخه شريح.
والمقصود أنّ بيع الغرر منهيٌّ عنه، ومتى تحقَّق وجود الغرر حُكم بفساد البيع، وهذا في الجملة، لكن يقع الخلاف في بعض التفصيلات.
- قال محمد بن زيد العبدي، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص). رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد.
وشهر بن حوشب ضعيف الحديث، لكن هذه الأمثلة مشهورة عند أهل العلم أنها من بيع الغرر.
- قال أبو بكر البيهقي: (وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهي عنه في الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
- وقال يحيى بن أبي كثير اليمامي: (إن من الغرر ضربة الغائص، وبيع الغرر العبد الآبق، وبيع البعير الشارد، وبيع الغرر ما في بطون الأنعام، وبيع الغرر تراب المعادن، وبيع الغرر ما في ضروع الأنعام، إلا بكيل).
فقوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع).
لأن ما في البطن غير مستقر فلو جاء شخص فقال: أشتري ما في بطن هذه الناقة بكذا وكذا فهذا لا يجوز؛ لأنه قد ينتج صحيحاً، وقد يكون به علة مؤثرة، وقد يموت في بطن أمه.
وكذلك قوله: (نهى عما في ضروعها إلا بكيل) لأنه لا يعلم مقداره إلا بالكيل.
وقوله: (وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض) فهذه كلها أمثلة على بيع الغرر وهي محرمة عند جمهور أهل العلم.
وقوله: (وعن ضربة الغائص)
أي: أن الغائص يخاطر ولا يدري ما يستخرج، فيقول: ما أستخرجه فهو لك بكذا وكذا، فهذا البيع لا يجوز لأنه قد يستخرج شيئاً تافهاً أو لا يستخرج شيئاً، وقد يستخرج شيئاً ثميناً.
وقد قال ابن المنذر رحمه الله كلمة جامعة في بيع الغرر، قال: (بيع الغرر يدخل في أبواب من البيوع، وذلك كلّ بيع عقده متبايعان بينهما على شيء مجهول عند البائع والمشتري أو عند أحدهما).
قال: (فمن ذلك بيع ما في بطون الحيوان من الأنعام والبهائم، وبيع الألبان في ضروع الأنعام، وبيع السمن في الألبان، وعصير العنب، وزيت هذا الزيتون). يعني عصير هذا العنب، وزيت هذا الزيتون، كأن ترى شجرة عنب وتقول أبيعك عصير هذا العنب من هذه الشجرة بكذا وكذا، فهذا لا يجوز بيعه إلا بكيل؛ فيصحّ أن تقول: أبيعك عصير العنب من هذه الشجرة اللتر بكذا وكذا؛ فهذا جائز لأنه بيع شيء معلوم، أما أن تقول: أبيعه لك عصير عنب هذه الشجرة بكذا وكذا من غير كيل فهذا لا يجوز.
(وكذلك بيع الحيتان في البحر وبيع الطير في السماء، من أنه لا يستقر ملكه على العبد الآبق والشارد، وكل شيء معدوم الشخص في وقت تبايعهما).
يعني لا يمكن معاينته ولا معرفته ولا القدرة على تسليمه؛ فهذا كله داخل في بيع الغرر.
وهكذا في كل بيع يكون فيه جهالة على البائع أو للمشتري، كأن يشتري دابة ضالة، فيقول: هي لي بكذا وكذا، فهذا لا يجوز لأنه لا يتحقق فيه استقرار الملك أصلاً، ولا يمكنه تسليم المبيع.
بخلاف بيع الدابة المعلومة في المرعى؛ فإنه يقدر على تسليمها.
واختلف في بيع البعير الشارد ممن يملك في العادة القدرة عليه؛ فقد صحّ عن ابن عمر أنه اشترى بعيراً شارداً.
والمقصود أنّ بيع الغرر محرّم عند عامة أهل العلم، لكن يقع الخلاف في بعض التطبيقات:
1: فبعض صور البيوع يُختلف هل فيها غرر أو ليس فيها غرر، ومن ذلك أنّ ابن حزم الظاهري ذهب إلى أنّ الغرر هو كلّ ما عُقد على جهل بمقدار المبيع، وصفاته حين العقد.
ولم يعتبر عدم القدرة على تسليم المبيع، بل لا يرى البائع مطالباً به، وإنما يرى أنّ الواجب عليه ألا يحول بين المشتري وبين ما باعه إياه؛ فلذلك جوّز كثيراً من صور الغرر المحرمة لدى جمهور أهل العلم.
2: وكذلك الاختلاف فيما كان تبعاً للمبيع بحيث لو أفرد بالبيع لكان فيه غرر لكن لكونه تابعاً للمبيع فيصح عند جمهور أهل العلم كبيع البقرة الحامل؛ فإن البيع وقع على الأصل، والحمل تبع.
3: وكذلك الاختلاف في مقدار اليسير من الغرر، وهذا يقع في بعض المسائل، ومتى تحقق أن الغرر يسير فيُتجاوز فيه، وقد حكى النووي وغيره الإجماع على ذلك؛ لأنه لا يكاد يوقف على حقيقة كل بيع، كالذي يبيع بيتاً قد يكون في أساساته شيءٌ من الخلل لا يعلمه البائع، ولا يتيسر التحقق منه، فيصح بيع البيت مع الغرر اليسير غير المؤثر.
وكذلك بيع البيض، وقد يكون بعضه فاسداً، وبيع كثير من الثمار المغيّبة في قشورها؛ فإنه إذا أريد التحقق من صلاحها بالكشف عنها فسدت، وفي المطالبة بكشفها مشقة بالغة؛ فيحتمل فيها الغرر اليسير.
والله تعالى أعلم.
بخلاف بيع الدابة المعلومة في المرعى؛ فإنه يقدر على تسليمها.
واختلف في بيع البعير الشارد ممن يملك في العادة القدرة عليه؛ فقد صحّ عن ابن عمر أنه اشترى بعيراً شارداً.
والمقصود أنّ بيع الغرر محرّم عند عامة أهل العلم، لكن يقع الخلاف في بعض التطبيقات:
1: فبعض صور البيوع يُختلف هل فيها غرر أو ليس فيها غرر، ومن ذلك أنّ ابن حزم الظاهري ذهب إلى أنّ الغرر هو كلّ ما عُقد على جهل بمقدار المبيع، وصفاته حين العقد.
ولم يعتبر عدم القدرة على تسليم المبيع، بل لا يرى البائع مطالباً به، وإنما يرى أنّ الواجب عليه ألا يحول بين المشتري وبين ما باعه إياه؛ فلذلك جوّز كثيراً من صور الغرر المحرمة لدى جمهور أهل العلم.
2: وكذلك الاختلاف فيما كان تبعاً للمبيع بحيث لو أفرد بالبيع لكان فيه غرر لكن لكونه تابعاً للمبيع فيصح عند جمهور أهل العلم كبيع البقرة الحامل؛ فإن البيع وقع على الأصل، والحمل تبع.
3: وكذلك الاختلاف في مقدار اليسير من الغرر، وهذا يقع في بعض المسائل، ومتى تحقق أن الغرر يسير فيُتجاوز فيه، وقد حكى النووي وغيره الإجماع على ذلك؛ لأنه لا يكاد يوقف على حقيقة كل بيع، كالذي يبيع بيتاً قد يكون في أساساته شيءٌ من الخلل لا يعلمه البائع، ولا يتيسر التحقق منه، فيصح بيع البيت مع الغرر اليسير غير المؤثر.
وكذلك بيع البيض، وقد يكون بعضه فاسداً، وبيع كثير من الثمار المغيّبة في قشورها؛ فإنه إذا أريد التحقق من صلاحها بالكشف عنها فسدت، وفي المطالبة بكشفها مشقة بالغة؛ فيحتمل فيها الغرر اليسير.
والله تعالى أعلم.
#مسائل_الفقه
س: من شروط وجوب الزكاة ملك النصاب ملكاً تاماً مستقراً بحيث يأمن صاحبه من التلف.
وسؤالي: ما أمثلة الأموال التي لا يأمن صاحبها التلف، ولا يعتبر ملك صاحبها ملكاً مستقراً؟
الجواب: الأموال غير المستقرة هي التي لا يتحقق لصاحبها المِلك التام؛ لكونها عرضة للانقطاع من ملكه، ولها أمثلة كثيرة:
1: منها: أجرة العقار قبل تمام المدة، فلو أنّ رجلاً أجّر منزلاً عليه خطر الانقضاء قبل تمام المدة، إما بالهدم أو وجود ما يتوقع معه انقطاع مدة الإيجار فهنا لا يستقر ملك المال ولو حصل عليه صاحبه مقدماً، فلا يستقرّ له امتلاكه لهذا المال حتى تنتهي مدة الإيجار، ثم يستأنف حساب الحول بعد استقرار الملك.
2: ومن الأمثلة أيضاً: السَّلَم فيما لم يقبض، فلو أنّ رجلاً أعطاك مبلغاً من المال سَلَما لبضاعة تؤديها له في وقت معلوم، وعلى صفة معلومة، فهذا المال لا يعتبر مِلكا مستقرا لك حتى تؤدّي إليه البضاعة الموصوفة فيستقر لك امتلاك المال؛ لأنّك لو أخللت بالصفة أو عجزت عن تسليم البضاعة في وقتها وفسخ العقد فأنت ملزم بإعادة المال إلى صاحبه، ولذلك لا تجب فيه الزكاة حتى يستقرّ امتلاك المال بتسليم ما اتّفق عليه وانقطاع الخيار فيه.
3: وكذلك حصة المضارب، فلو فرضنا أنّ رجلاً أعطاك مائة ألف ريال تضارب له فيه، فالمئة ألف وأرباحها تجب زكاتها على المالك، مالك المئة ألف، لكن المضارب الذي في يده هذا المبلغ لا يعدّ امتلاكه لحصته من الأرباح ملكاً مستقراً، حتى تنقضي مدة المضاربة، ويستقرّ له الربح؛ فيستأنف حساب الحول في ماله.
فلو أن المضارب ربح عشرين ألفاً، منها عشرة آلاف له، وعشرة آلاف لصاحب المال؛ فملك للعشرة آلاف لا يستقرّ له حتى تنقضي مدة المضاربة؛ فإنه من هذا الوقت، وقت الاستقرار يبدأ احتساب الحول لوجوب الزكاة فيه.
أما مالك رأس المال فتجب عليه زكاة المئة ألف وربحها؛ لأنَّ الربحَ تابعٌ لرأس المال، فينبغي أن يُفرق بين الأمرين.
لماذا لم تجب زكاة المئة ألف على المضارب؟
لأن ملكها لم يكن مستقراً له، فهو وقاية لرأس المال، فلو خسر في آخر شهر مبلغاً من المال، فإن هذه المائة ألف غير مستقرة، سيقي بها رأس المال، وربما يخسر حصته لجبر النقصان في رأس المال.
4: وكذلك العربون لا يعدّ ملكا مستقراً حتى يستقر البيع أو انقضاء العقد، على الراجح من قولي العلماء فيما إذا انفسخ عقد البيع، وقد قبض العربون هل يرد العربون أو لا يرد؟ فيه قولان للعلماء، والمشهور عند الحنابلة أن العربون يملكه قابضه إذا لم يتم البيع ولا يجب عليه ردّه، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي يجب ردّه.
والراجح أن العربون يُرد ما لم يقصد به المضارة ففيه تفصيل، أو كان قد تركه له عن طيب نفس.
والمقصود أنه ليس كل مال يصل إلى الشخص يكون ملكا مستقرا له، والأموال التي لا تعدّ ملكاً مستقراً لصاحبها لا زكاة فيها.
س: من شروط وجوب الزكاة ملك النصاب ملكاً تاماً مستقراً بحيث يأمن صاحبه من التلف.
وسؤالي: ما أمثلة الأموال التي لا يأمن صاحبها التلف، ولا يعتبر ملك صاحبها ملكاً مستقراً؟
الجواب: الأموال غير المستقرة هي التي لا يتحقق لصاحبها المِلك التام؛ لكونها عرضة للانقطاع من ملكه، ولها أمثلة كثيرة:
1: منها: أجرة العقار قبل تمام المدة، فلو أنّ رجلاً أجّر منزلاً عليه خطر الانقضاء قبل تمام المدة، إما بالهدم أو وجود ما يتوقع معه انقطاع مدة الإيجار فهنا لا يستقر ملك المال ولو حصل عليه صاحبه مقدماً، فلا يستقرّ له امتلاكه لهذا المال حتى تنتهي مدة الإيجار، ثم يستأنف حساب الحول بعد استقرار الملك.
2: ومن الأمثلة أيضاً: السَّلَم فيما لم يقبض، فلو أنّ رجلاً أعطاك مبلغاً من المال سَلَما لبضاعة تؤديها له في وقت معلوم، وعلى صفة معلومة، فهذا المال لا يعتبر مِلكا مستقرا لك حتى تؤدّي إليه البضاعة الموصوفة فيستقر لك امتلاك المال؛ لأنّك لو أخللت بالصفة أو عجزت عن تسليم البضاعة في وقتها وفسخ العقد فأنت ملزم بإعادة المال إلى صاحبه، ولذلك لا تجب فيه الزكاة حتى يستقرّ امتلاك المال بتسليم ما اتّفق عليه وانقطاع الخيار فيه.
3: وكذلك حصة المضارب، فلو فرضنا أنّ رجلاً أعطاك مائة ألف ريال تضارب له فيه، فالمئة ألف وأرباحها تجب زكاتها على المالك، مالك المئة ألف، لكن المضارب الذي في يده هذا المبلغ لا يعدّ امتلاكه لحصته من الأرباح ملكاً مستقراً، حتى تنقضي مدة المضاربة، ويستقرّ له الربح؛ فيستأنف حساب الحول في ماله.
فلو أن المضارب ربح عشرين ألفاً، منها عشرة آلاف له، وعشرة آلاف لصاحب المال؛ فملك للعشرة آلاف لا يستقرّ له حتى تنقضي مدة المضاربة؛ فإنه من هذا الوقت، وقت الاستقرار يبدأ احتساب الحول لوجوب الزكاة فيه.
أما مالك رأس المال فتجب عليه زكاة المئة ألف وربحها؛ لأنَّ الربحَ تابعٌ لرأس المال، فينبغي أن يُفرق بين الأمرين.
لماذا لم تجب زكاة المئة ألف على المضارب؟
لأن ملكها لم يكن مستقراً له، فهو وقاية لرأس المال، فلو خسر في آخر شهر مبلغاً من المال، فإن هذه المائة ألف غير مستقرة، سيقي بها رأس المال، وربما يخسر حصته لجبر النقصان في رأس المال.
4: وكذلك العربون لا يعدّ ملكا مستقراً حتى يستقر البيع أو انقضاء العقد، على الراجح من قولي العلماء فيما إذا انفسخ عقد البيع، وقد قبض العربون هل يرد العربون أو لا يرد؟ فيه قولان للعلماء، والمشهور عند الحنابلة أن العربون يملكه قابضه إذا لم يتم البيع ولا يجب عليه ردّه، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي يجب ردّه.
والراجح أن العربون يُرد ما لم يقصد به المضارة ففيه تفصيل، أو كان قد تركه له عن طيب نفس.
والمقصود أنه ليس كل مال يصل إلى الشخص يكون ملكا مستقرا له، والأموال التي لا تعدّ ملكاً مستقراً لصاحبها لا زكاة فيها.
أعتذر إليكم من عدم إقامة مجلس اليوم
ونلتقيكم في الأسبوع القادم إن شاء الله
ونلتقيكم في الأسبوع القادم إن شاء الله
#مسائل_التفسير
س: ذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} آثاراً تفيد أن الصحابة خُيروا بين قتل الأسرى يوم بدر وبين الفداء على أن يقتل منهم عدتهم في عام قادم، واختار الصحابة الثانية فهل صحت هذه الروايات؟
الجواب: هذا التخيير أصله في صحيح مسلم ، لكن ليس بهذه الصيغة، وروي فيه حديث عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه تعددت طرقه واختلفت رواياته، واختلف فيه المحدثون.
ففي صحيح مسلم من حديث عكرمة ابن عمار العجلي، قال: حدثني أبو زميل سماك الحنفي، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، فذكر خبر غزوة بدر، وما كان منها في حديث طويل، وفيه أن الصحابة رضي الله عنهم تعجلوا أخذ الأسرى، قبل أن يثخنوا في القتل، وهذا والله أعلم لما كانوا يعهدونه من قتال العرب بعضهم لبعض، والقتال مع الأنبياء له أحكام شرعها الله، وله سنن ماضية، وبعض هذه الأحكام خفيت على بعض الصحابة وقت المعركة، لذلك أنزل الله عز وجل قوله في عتاب الصحابة:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ} فهذه الآية إلى تتمتها والتي بعدها فيها عتاب للمسلمين، بتعجلهم أخذ الأسرى قبل الإثخان في القتل.
وفي الحديث الذي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر في الأسرى، لكن هذا بعد تقرر الأسر، وانتهاء المعركة، فأشار أبو بكر بأن يؤخذ منهم الفداء؛ لأنهم أهل وعشيرة، فيُتقوى بالفداء، ويُرجى للأسير إذا أطلق سراحه وأخذت الفدية منهم أن يتفكّر في الأمر لعلّ الله يهديه للإسلام، وكان رأي عمر بن الخطاب الحزم في ذلك، وأن يُقتل الأسرى في أرض المعركة، فيقتل كل قريب من المسلمين قريبه من الكفار؛ ليعلم الكفار أنه لا هوادة لدى المسلمين في أمر الإسلام، هذه خلاصة الرواية التي في صحيح مسلم، ثم إن هذه الاستشارة كانت اجتهاداً من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقرر في مجالس سابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيما ليس فيه نص شرعي، وهو إمام المجتهدين، فما أصاب فيه أُقر عليه، وما أخطأ فيه نزل الوحي بتصويبه، ولذلك فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ ابتداء أو إقراراً.
وذلك أنه إن أخطأ في اجتهاده فإنَّ الله عز وجلَّ لا يقرَّه على اجتهاد خطأ، بل ينزل الوحي بتصويبه وبيان حكم الله عزّ وجلّ.
ومن ذلك هذا المثال وأمثلة أخرى، منها أنه صلى الله عليه وسلم استغفر لبعض المنافقين، وصلى على عبد الله بن أبي بن سلول اجتهادا منه، ثم نُهي عن ذلك.
ومن ذلك إذنه لبعض المنافقين في التخلّف عن بعض الغزوات، فنزل قول الله عز وجل: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}.
وكذلك اجتهاده صلى الله عليه وسلم في التصدي لصناديد قريش ودعوتهم والإعراض عن عبد الله ابن أم مكتوم، فإنه عوتب في ذلك، في قول الله عز وجل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} وكان ذلك اجتهادا من النبي صلى الله عليه وسلم لكنه عوتب في ذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يجتهد، وقد يُقر على اجتهاده أو ينزل الوحي بتصويبه.
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أسرى بدر هوي ما رآه أبو بكر، وأخذ برأيه، وكان الصواب مع عمر، فعوتب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ونزل قول الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ثم أباح الله عز وجل للمؤمنين أخذ الغنائم، فقال: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وإباحة الغنائم كانت من خصائص هذه الأمة، فإنها لم تكن تحل لنبي من الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الذي في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى على أبي بكر وعمر من الغد قال: (فجئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة، شجرة قريبة).
وهذه أمور لها ارتباط بما يقدره الله عز وجل على عباده، فإنَّ أمر القدر إلى عز وجل، والقدر يكون منه خير ومنه شر، ومنه ابتلاء وفتنة، ومنه عافية وسعة، ولكل ذلك أسباب.
س: ذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} آثاراً تفيد أن الصحابة خُيروا بين قتل الأسرى يوم بدر وبين الفداء على أن يقتل منهم عدتهم في عام قادم، واختار الصحابة الثانية فهل صحت هذه الروايات؟
الجواب: هذا التخيير أصله في صحيح مسلم ، لكن ليس بهذه الصيغة، وروي فيه حديث عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه تعددت طرقه واختلفت رواياته، واختلف فيه المحدثون.
ففي صحيح مسلم من حديث عكرمة ابن عمار العجلي، قال: حدثني أبو زميل سماك الحنفي، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، فذكر خبر غزوة بدر، وما كان منها في حديث طويل، وفيه أن الصحابة رضي الله عنهم تعجلوا أخذ الأسرى، قبل أن يثخنوا في القتل، وهذا والله أعلم لما كانوا يعهدونه من قتال العرب بعضهم لبعض، والقتال مع الأنبياء له أحكام شرعها الله، وله سنن ماضية، وبعض هذه الأحكام خفيت على بعض الصحابة وقت المعركة، لذلك أنزل الله عز وجل قوله في عتاب الصحابة:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ} فهذه الآية إلى تتمتها والتي بعدها فيها عتاب للمسلمين، بتعجلهم أخذ الأسرى قبل الإثخان في القتل.
وفي الحديث الذي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر في الأسرى، لكن هذا بعد تقرر الأسر، وانتهاء المعركة، فأشار أبو بكر بأن يؤخذ منهم الفداء؛ لأنهم أهل وعشيرة، فيُتقوى بالفداء، ويُرجى للأسير إذا أطلق سراحه وأخذت الفدية منهم أن يتفكّر في الأمر لعلّ الله يهديه للإسلام، وكان رأي عمر بن الخطاب الحزم في ذلك، وأن يُقتل الأسرى في أرض المعركة، فيقتل كل قريب من المسلمين قريبه من الكفار؛ ليعلم الكفار أنه لا هوادة لدى المسلمين في أمر الإسلام، هذه خلاصة الرواية التي في صحيح مسلم، ثم إن هذه الاستشارة كانت اجتهاداً من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقرر في مجالس سابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيما ليس فيه نص شرعي، وهو إمام المجتهدين، فما أصاب فيه أُقر عليه، وما أخطأ فيه نزل الوحي بتصويبه، ولذلك فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ ابتداء أو إقراراً.
وذلك أنه إن أخطأ في اجتهاده فإنَّ الله عز وجلَّ لا يقرَّه على اجتهاد خطأ، بل ينزل الوحي بتصويبه وبيان حكم الله عزّ وجلّ.
ومن ذلك هذا المثال وأمثلة أخرى، منها أنه صلى الله عليه وسلم استغفر لبعض المنافقين، وصلى على عبد الله بن أبي بن سلول اجتهادا منه، ثم نُهي عن ذلك.
ومن ذلك إذنه لبعض المنافقين في التخلّف عن بعض الغزوات، فنزل قول الله عز وجل: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}.
وكذلك اجتهاده صلى الله عليه وسلم في التصدي لصناديد قريش ودعوتهم والإعراض عن عبد الله ابن أم مكتوم، فإنه عوتب في ذلك، في قول الله عز وجل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} وكان ذلك اجتهادا من النبي صلى الله عليه وسلم لكنه عوتب في ذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يجتهد، وقد يُقر على اجتهاده أو ينزل الوحي بتصويبه.
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أسرى بدر هوي ما رآه أبو بكر، وأخذ برأيه، وكان الصواب مع عمر، فعوتب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ونزل قول الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ثم أباح الله عز وجل للمؤمنين أخذ الغنائم، فقال: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وإباحة الغنائم كانت من خصائص هذه الأمة، فإنها لم تكن تحل لنبي من الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الذي في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى على أبي بكر وعمر من الغد قال: (فجئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة، شجرة قريبة).
وهذه أمور لها ارتباط بما يقدره الله عز وجل على عباده، فإنَّ أمر القدر إلى عز وجل، والقدر يكون منه خير ومنه شر، ومنه ابتلاء وفتنة، ومنه عافية وسعة، ولكل ذلك أسباب.
والله عز وجل عليم قدير، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة شديد الحذر من الأسباب التي قد يعذب بها أصحابه، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كثرة أصحابه يوم حنين وخاف عليهم العجب.
- قال ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه أيام حنين بشيء لم يكن يفعله قبل ذلك. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ نبياً كان فيمن كان قبلكم أعجبته أمته، فقال: لن يروم هؤلاء شيء، فأوحى الله إليه أن خيرهم بين إحدى ثلاث: إما أن أسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم، أو الجوع أو الموت)).
قال: فقالوا: أما القتل أو الجوع فلا طاقة لنا به، ولكن الموت.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فمات في ثلاثٍ سبعون ألفا)).
قال: فقال: ((فأنا أقول الآن: اللهم بك أحاول، وبك أصول، وبك أقاتل)). رواه أحمد، والبزار، والبيهقي في شعب الإيمان.
وهذا يدل على خطر العجب والاغترار بالقوة المادية، وأكثر ما تكون انتصارات المؤمنين إذا كانوا في انقطاع عن الأسباب المادية وتعلّق بالله عز وجل، وتوكل عليه، ليعلموا أنَّما النصر من عند الله، وأنّه لا قوّة لهم إلا بالله؛ فهذا التوكل والالتجاء مصدر قوتهم وسبب انتصاراتهم، وقد قال الله عز وجل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
فالمقصود من هذا أن التخيير الوارد أصله في صحيح مسلم، صحيح بهذه الصياغة، وورد في حديث له طرق متعددة عن علي بن أبي طالب مرفوعا وموقوفا، رواه جماعة عن سفيان الثوري عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (جاء جبريل يوم بدر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خيّر أصحابك في الأسارى، إن شاءوا في القتل وإن شاءوا في الفداء، على أن يقتل عاما مقبلا مثلهم منهم، فقالوا: الفداء، ويقتل منا).
وهذا الحديث رواه النسائي والترمذي وابن أبي شيبة وغيرهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد رجاله ثقات.
ورواه كذلك مرفوعا أزهر بن سعد السمان بلفظ مقارب، لكن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأسارى يوم بدر: (إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدتهم).
قال: فكان آخر السبعين ثابت بن قيس رضي الله عنه استشهد باليمامة، وهذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه البيهقي في السنن الكبرى والصغرى، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، فهذا الحديث فيه اختلاف عن الحديث السابق، فرواية سفيان الثوري فيها أن السبعون يُقتلون في العام المقبل، ورواية أزهر بن سعد السمان أنهم استشهدوا في أعوام متفرقة كان آخرهم ثابت بن قيس رضي الله عنه.
ابن علية روى هذا الحديث عن ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني مرسلاً، أي من غير أن يسند الحديث إلى علي بن أبي طالب، وعبيدة السلماني من كبار التابعين وفقهائهم ومن أصحاب ابن مسعود وعلي بن أبي طالب لكنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنه قال: في أسارى بدر: (إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم، قالوا: بل نأخذ الفداء فنستمتع به ويستشهد منا بعدتهم)، وهذا الحديث رواه ابن جرير، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أن المحدثين تكلموا في صحة هذا الحديث فقال البخاري: إن أكثر أهل الحديث رووا هذا الحديث عن ابن سيرين عن عبيدة مرسلا، والمرسل ضعيف لا يحتجّ به، ولذلك ضعف بعض أهل الحديث هذا التخيير بهذا النص، أما أصل التخيير أن يَقتلوا أو يفادوا هذا ثابت في صحيح مسلم كما تقدّم، لكن أن يقبلوا الفداء، ويستشهد منهم بعدتهم، هذا روي فيه حديث علي بن أبي طالب وقال البزار: هذا الحديث لا يُعلم عن غير علي.
ومن أهل الحديث من ذهب إلى تصحيحه، حتى قال الذهبي في تاريخ الإسلام: (هذا الحديث داخل في معجزاته صلى الله عليه وسلم، وأخباره عن حكم الله فيمن يستشهد فكان كما قال).
أي أن استشهاد السبعين وقع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ووقوع القدر قرينة من القرائن التي يصحح بها الخبر.
والمبحث الثاني: أنّ بعض طلاب العلم قد يستشكل قبول الصحابة أن يُقتل بعدتهم سبعين على أن يأخذوا الفداء.
والجواب عن هذا أن الاستشهاد أمنية عامة الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتمنون الشهادة بل ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يُقتل في سبيل الله، حيث قال : ((وودت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل)).
فإذا كان هذا ما يتمناه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يستنكر أن يتمنى الصحابة رضي الله عنهم أن يستشهد منهم بعدَّة من قتلوهم يوم بدر.
- قال ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه أيام حنين بشيء لم يكن يفعله قبل ذلك. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ نبياً كان فيمن كان قبلكم أعجبته أمته، فقال: لن يروم هؤلاء شيء، فأوحى الله إليه أن خيرهم بين إحدى ثلاث: إما أن أسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم، أو الجوع أو الموت)).
قال: فقالوا: أما القتل أو الجوع فلا طاقة لنا به، ولكن الموت.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فمات في ثلاثٍ سبعون ألفا)).
قال: فقال: ((فأنا أقول الآن: اللهم بك أحاول، وبك أصول، وبك أقاتل)). رواه أحمد، والبزار، والبيهقي في شعب الإيمان.
وهذا يدل على خطر العجب والاغترار بالقوة المادية، وأكثر ما تكون انتصارات المؤمنين إذا كانوا في انقطاع عن الأسباب المادية وتعلّق بالله عز وجل، وتوكل عليه، ليعلموا أنَّما النصر من عند الله، وأنّه لا قوّة لهم إلا بالله؛ فهذا التوكل والالتجاء مصدر قوتهم وسبب انتصاراتهم، وقد قال الله عز وجل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
فالمقصود من هذا أن التخيير الوارد أصله في صحيح مسلم، صحيح بهذه الصياغة، وورد في حديث له طرق متعددة عن علي بن أبي طالب مرفوعا وموقوفا، رواه جماعة عن سفيان الثوري عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (جاء جبريل يوم بدر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خيّر أصحابك في الأسارى، إن شاءوا في القتل وإن شاءوا في الفداء، على أن يقتل عاما مقبلا مثلهم منهم، فقالوا: الفداء، ويقتل منا).
وهذا الحديث رواه النسائي والترمذي وابن أبي شيبة وغيرهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد رجاله ثقات.
ورواه كذلك مرفوعا أزهر بن سعد السمان بلفظ مقارب، لكن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأسارى يوم بدر: (إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدتهم).
قال: فكان آخر السبعين ثابت بن قيس رضي الله عنه استشهد باليمامة، وهذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه البيهقي في السنن الكبرى والصغرى، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، فهذا الحديث فيه اختلاف عن الحديث السابق، فرواية سفيان الثوري فيها أن السبعون يُقتلون في العام المقبل، ورواية أزهر بن سعد السمان أنهم استشهدوا في أعوام متفرقة كان آخرهم ثابت بن قيس رضي الله عنه.
ابن علية روى هذا الحديث عن ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني مرسلاً، أي من غير أن يسند الحديث إلى علي بن أبي طالب، وعبيدة السلماني من كبار التابعين وفقهائهم ومن أصحاب ابن مسعود وعلي بن أبي طالب لكنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنه قال: في أسارى بدر: (إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم، قالوا: بل نأخذ الفداء فنستمتع به ويستشهد منا بعدتهم)، وهذا الحديث رواه ابن جرير، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أن المحدثين تكلموا في صحة هذا الحديث فقال البخاري: إن أكثر أهل الحديث رووا هذا الحديث عن ابن سيرين عن عبيدة مرسلا، والمرسل ضعيف لا يحتجّ به، ولذلك ضعف بعض أهل الحديث هذا التخيير بهذا النص، أما أصل التخيير أن يَقتلوا أو يفادوا هذا ثابت في صحيح مسلم كما تقدّم، لكن أن يقبلوا الفداء، ويستشهد منهم بعدتهم، هذا روي فيه حديث علي بن أبي طالب وقال البزار: هذا الحديث لا يُعلم عن غير علي.
ومن أهل الحديث من ذهب إلى تصحيحه، حتى قال الذهبي في تاريخ الإسلام: (هذا الحديث داخل في معجزاته صلى الله عليه وسلم، وأخباره عن حكم الله فيمن يستشهد فكان كما قال).
أي أن استشهاد السبعين وقع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ووقوع القدر قرينة من القرائن التي يصحح بها الخبر.
والمبحث الثاني: أنّ بعض طلاب العلم قد يستشكل قبول الصحابة أن يُقتل بعدتهم سبعين على أن يأخذوا الفداء.
والجواب عن هذا أن الاستشهاد أمنية عامة الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتمنون الشهادة بل ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يُقتل في سبيل الله، حيث قال : ((وودت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل)).
فإذا كان هذا ما يتمناه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يستنكر أن يتمنى الصحابة رضي الله عنهم أن يستشهد منهم بعدَّة من قتلوهم يوم بدر.
بل الظن بهم أن كلَّ واحد منهم كان يتمنى أن يكون من هؤلاء السبعين الذين يستشهدون، فيكون في أخذهم الفداء قوّة لهم على قتال المشركين يتقوون بهم؛ لأن غزوة بدر كانت بعد هجرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا في حال من القلة والفقر الشديد كما هو معلوم في أخبار السيرة؛ فإذا أتاهم الفداء حصل لهم من الأموال الكثيرة ما يتقوون به على حرب عدوّهم؛ لأن الفداء على قتل رجل ليس بالمال القليل، يؤخذ على الرجل الواحد مال كثير يفتدي به نفسه من القتل.
وقد روي أنّ أمية بن خلف لما رأى عبد الرحمن بن عوف في غزوة بدر وكانت بينهما صحبة في الجاهلية ناداه: هل لك في اللبن؟
يريد أنك إذا أسرتني وافتديتُ منك ستأخذ إبلاً كثيرة، فيها لبن كثير، وهو يرجو أن يأسره عبد الرحمن بن عوف لما بينهما من الصحبة في الجاهلية فلا يقتله ويقبل منه الفداء.
فالمقصود أن اختيارهم للفداء هذا تقدير منهم للمصلحة في التقوي على حرب عدوّهم، ولا يعارض تمنيهم للشهادة بأن يقتلوا في سبيل الله سبحانه وتعالى، فهذا لا إشكال فيه.
وكما ذكرت لكم أن حديث علي ابن أبي طالب مختلف فيه، من أهل العلم من يصححه، ومنهم من يعلّه بالإرسال، كما أعله البخاري بالإرسال، وعلى القولين لا إشكال في هذا الحديث.
- قال عبّاد ابن منصور الناجي قاضي البصرة في زمانه: سألت الحسن البصري عن قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا}، يعني ما المراد بالمصيبتين؟
قال: لما رأوا من قُتل منهم يوم أحد، قالوا: من أين هذا؟!! يعني كيف ابتلينا أن يُقتل منّا هذا العدد الكثير؟!! ما كان للكفار أن يقتلوا منا، فلما رأى الله ما قالوا من ذلك، قال الله: هم بالأسرى الذين أخذتموهم يوم بدر، فردهم الله بذلك، وعجَّل لهم ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة.
أي: أن هذا كان عقوبة لهم على تعجلهم أخذ الأسرى قبل الإثخان في القتل يوم بدر، وروي نحوه أيضا بإسناد صحيح عن قتادة من طريق يزيد بن زريع العيشي قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: في قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} قال: أصيبوا يوم أحد، قتل منهم سبعون يومئذ، وأصابوا مثليها يوم بدر، قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين.
وروي نحوه عن عكرمة، فالمقصود أن هذا الحديث عن علي ابن أبي طالب وإن كان فيه إرسال إلا أنه يتقوى بأمرين: بوقائع الأحوال بعد ذلك، وبأقوال المفسرين الذين فسروا الآية على ما يوافق هذا الأثر.
وقد روي أنّ أمية بن خلف لما رأى عبد الرحمن بن عوف في غزوة بدر وكانت بينهما صحبة في الجاهلية ناداه: هل لك في اللبن؟
يريد أنك إذا أسرتني وافتديتُ منك ستأخذ إبلاً كثيرة، فيها لبن كثير، وهو يرجو أن يأسره عبد الرحمن بن عوف لما بينهما من الصحبة في الجاهلية فلا يقتله ويقبل منه الفداء.
فالمقصود أن اختيارهم للفداء هذا تقدير منهم للمصلحة في التقوي على حرب عدوّهم، ولا يعارض تمنيهم للشهادة بأن يقتلوا في سبيل الله سبحانه وتعالى، فهذا لا إشكال فيه.
وكما ذكرت لكم أن حديث علي ابن أبي طالب مختلف فيه، من أهل العلم من يصححه، ومنهم من يعلّه بالإرسال، كما أعله البخاري بالإرسال، وعلى القولين لا إشكال في هذا الحديث.
- قال عبّاد ابن منصور الناجي قاضي البصرة في زمانه: سألت الحسن البصري عن قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا}، يعني ما المراد بالمصيبتين؟
قال: لما رأوا من قُتل منهم يوم أحد، قالوا: من أين هذا؟!! يعني كيف ابتلينا أن يُقتل منّا هذا العدد الكثير؟!! ما كان للكفار أن يقتلوا منا، فلما رأى الله ما قالوا من ذلك، قال الله: هم بالأسرى الذين أخذتموهم يوم بدر، فردهم الله بذلك، وعجَّل لهم ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة.
أي: أن هذا كان عقوبة لهم على تعجلهم أخذ الأسرى قبل الإثخان في القتل يوم بدر، وروي نحوه أيضا بإسناد صحيح عن قتادة من طريق يزيد بن زريع العيشي قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: في قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} قال: أصيبوا يوم أحد، قتل منهم سبعون يومئذ، وأصابوا مثليها يوم بدر، قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين.
وروي نحوه عن عكرمة، فالمقصود أن هذا الحديث عن علي ابن أبي طالب وإن كان فيه إرسال إلا أنه يتقوى بأمرين: بوقائع الأحوال بعد ذلك، وبأقوال المفسرين الذين فسروا الآية على ما يوافق هذا الأثر.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس الستون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 21 ربيع الأول 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في علوم القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 21 ربيع الأول 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في علوم القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
فضل_علم_التفسير_وآداب_أهله_23_ربيع_الأول_1446هـ.pdf
14.7 MB
كتاب "فضل علم التفسير وآداب أهله"
نسخة حديثة
٢٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ
نسخة حديثة
٢٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس الحادي والستون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 28 ربيع الأول 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 28 ربيع الأول 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.