Telegram Web Link
وعاصم بن ضمرة السلولي ثقة، وثقه عليّ ابن المديني وابن سعد والعجلي.
وقال أحمد: عاصم عندي حجة.
وقال النسائي: لا بأس به.
وقال البزار: صالح الحديث.
وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ فاحش الخطأ.
وقال الذهبي: حسن الحديث.
- وقال يحيى بن آدم: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق. قال: جاورنا عاصم بن ضمرة ثلاثين سنة، فما سَمِعتُهُ يحدث حديثاً إلا عن علي). رواه أحمد في العلل.
وحديثه هذا صححه إسحاق بن راهويه، وابن خزيمة واحتجا به، وحسنه الترمذي، وصححه النووي في المجموع، وأحمد شاكر، والألباني.
- قال الترمذي: (وروي عن عبد الله بن المبارك أنه كان يضعّف هذا الحديث، وإنما ضعفه عندنا - والله أعلم - لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضمرة عن علي، وهو ثقة عند بعض أهل العلم).
وأنكره أبو إسحاق الجوزجاني، وابن تيمية.
ومستند إنكارهم هو تفرد عاصم بن أبي ضمرة به عن عليّ، وتفرّد الثقة ليس بعلّة قادحة فكم من حديث صحيح يحتجّ به، وهو إنما يروى من وجه واحد.

- قال أبو إسحاق الجوزجاني: (فيا لَعباد الله أما كان ينبغي لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه يحكي هذه الركعات إذ هم معه في دهرهم، والحكاية عن عائشة رضي الله عنها في الاثنتي عشرة ركعة من السنة، وابن عمر عشر ركعات، والعامة من الأمة أو من شاء الله قد عرفوا ركعات السنة الاثنتي عشرة منها بالليل ومنها بالنهار).
وهذا الاعتراض من أبي إسحاق الجوزجاني أجاب عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب فقال: (تعصّب الجوزجاني على أصحاب عليّ معروف، ولا إنكار على عاصم فيما روى، هذه عائشة أخصّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لسائلها عن شيء من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم: سل عليا؛ فليس بعجب أن يروي الصحابي شيئاً يرويه غيره من الصحابة بخلافه، ولا سيما في التطوع)ا.هـ
ويضاف إلى ما ذكره ابن حجر أنّ عليّ بن أبي طالب كان من أخصّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به، وأعلمهم وأفقههم، وكان بيته بين بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينكر أن يعرف من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ما يخفى على كثير من أصحابه.


- وأما اعتراض المعترض بقول ابن القيم رحمه الله: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ينكر هذا الحديث ويدفعه جدا، ويقول: إنه موضوع، ويذكر عن أبي إسحاق الجوزجاني إنكاره).
فالجواب عنه من وجوه:
الوجه الأول: أن الحديث رجاله ثقات ليس فيهم متّهم، قد رواه أبو إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة السلولي، وهو من أصحاب عليّ بن أبي طالب عن عليّ جواباً على سؤال سألوه إيّاه.
وقد رواه عن أبي إسحاق جماعة من الأئمة منهم: الأعمش، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومعمر بن راشد، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، والجراح بن مليح والد وكيع، وأبو بكر بن عياش، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وأبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي، وأبو خيثمة زهير بن معاوية الكوفي، وغيرهم، وروايات هؤلاء مبثوثة في دواوين السنة.
فلا ريب أنّ أبا إسحاق السبيعي قد حدّث بهذا الحديث، وهو إمام موثق غير متّهم، وعاصم بن ضمرة ثقة غير متهم، وليس في المتن ما ينكر؛ فالقول بالوضع شديد، ولا يقبل إلا بحجة يسلَّم لها، والخطأ والاشتباه على فرد من أهل العلم جائز، وتخطئته مع حفظ مقامه في العلم والفضل أولى من تخطئة جماعة من الأئمة والنقاد.
الوجه الثاني: أنّ هذا الحديث قد صححه جماعة من الأئمة منهم إسحاق بن راهويه، وابن خزيمة، واحتجا به، وصححه النووي في المجموع.
بل نقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: (أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم في النهار هذا).
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا وكيع، عن أبيه، قال: وقال حبيب بن أبي ثابت لأبي إسحاق حين حدثه: (يا أبا إسحاق! يسوى حديثك هذا ملء مسجدك ذهباً).
الوجه الثالث: أنه لا يقبل الحكم بالوضع إلا أن يكون أحد الرواة متّهماً بالكذب، أو يكون الإسناد ظاهره الصحة وله إسناد آخر يتبيّن به وجود متّهم بالكذب عليه المحمل وأسقطه بعض الرواة في الأسانيد الأخر، وهذا مما لا يتصوّر وقوعه هنا.
فأبو إسحاق السبيعي قد ثبت تحديثه لجماعة بهذا الحديث، وهو غير متّهم على عاصم، وليس بينه وبينه عاصم في هذا الحديث أحد من الرواة، وعاصم قد صرّح بالسماع من عليّ؛ فالإسناد متصل، ولم يعثر على طريق فيه زيادة راوٍ بين إسحاق وعاصم، ولا بين عاصم وعليّ حتى تعصب به تهمة الوضع.

الوجه الرابع: أن الموضوع حديث آخر يروى عن عليّ في هذا الباب، رواه الطبراني في الأوسط من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي يصلون هذه الأربع ركعات قبل العصر حتى تمشي على الأرض مغفورا لها مغفرة حتماً»
وعبد الملك بن هارون متهم بوضع الحديث.
والاشتباه والخطأ وانتقال الذهن مما يقع لبعض أهل العلم.
الوجه الخامس: أنّ ابن تيمية وإن كان يضعّف هذا الحديث فهو لا ينكر مشروعية التطوع قبل العصر، بل يرى أنه مستحب، لكنه لا يعدّ ذلك من السنن الرواتب، وهذا موافق لقول أكثر أهل العلم أنهم لا يعدون الركعات الأربع قبل العصر من السنن الرواتب.
- قال ابن تيمية: (وثبت في الصحيح أن أصحابه كانوا يصلون بين أذان المغرب وإقامتها ركعتين وهو يراهم ولا ينهاهم؛ فإذا كان التطوع بين أذاني المغرب مشروعا فلأن يكون مشروعا بين أذاني العصر والعشاء بطريق الأولى؛ لأن السنة تعجيل المغرب باتفاق الأئمة؛ فدل ذلك على أنَّ الصلاة قبل العصر وقبل المغرب وقبل العشاء من التطوع المشروع، وليس هو من السنن الراتبة التي قدَّرها بقوله، ولا داوم عليها بفعله).
- وقول ابن تيمية رحمه الله في موضع آخر: (وأما قبل العصر فلم يقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر إلا وفيه ضعف، بل خطأ كحديث يروى عن علي أنه كان يصلي نحو ستة عشر ركعة منها قبل العصر وهو مطعون فيه ؛فإنَّ الذين اعتنوا بنقل تطوعاته كعائشة وابن عمر بينوا ما كان يصليه، وكذلك الصلاة قبل المغرب وقبل العشاء لم يكن يصليها).
فهذا النقل فيه أمران:
أحدهما: الحكم بتضعيف كلّ ما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من التطوّع قبل العصر.
والآخر: إعلال ذلك بالتفرد.
فأما الإعلال بالتفرد فقد سبق الجواب عليه.
وأما الحكم بتضعيف كل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من التطوع قبل العصر ففيه نظر.
نعم روي في ذلك أحاديث ضعيفة، وبعضها واهية جداً، وسأذكر طائفة منها، لكن صحّ فيه حديثان:
أحدهما: حديث عاصم بن ضمرة عن علي المتقدم.
والآخر: ما أخرجه ابن خزيمة من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق قال: حدثنا الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل العصر، لا يدعهما قالت: وكان يقول: «نعمت السورتان يقرأ بهما في ركعتين قبل الفجر قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون». وإسناده صحيح.
ومن أهل العلم من حمل الركعتين اللتين قبل العصر على أنهما الركعتان اللتان بعد صلاة الظهر، لكن ظاهر السياق يدل على أنها أرادت قبل صلاة العصر وليس قبل دخول وقت العصر، وهو نظير قولها: (قبل الظهر) و(قبل الفجر).

وحديث ابن عمر المتقدم في أول الجواب من قوله لا من فعله.
فهذان حديثان يحتجّ بمثلهما عن ابن عمر، وعن عائشة ، وفيهما التطوع قبل صلاة العصر، وهما ممن ينقل تطوّع النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثهما كالشاهد لحديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في التطوع قبل العصر؛ فهما موافقان له في هذا الجانب لا مخالفين له.


وأما الأحاديث الضعيفة المروية في التطوع قبل العصر فمنها:
1: وحديث يحيى بن سليم الطائفي قال: سمعت محمد بن سعيد المؤذن عن عبد الله بن عنبسة قال: سمعت أم حبيبة بنت أبي سفيان تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حافظ على أربع ركعات ‌قبل ‌العصر؛ بنى الله عز وجل له بيتاً في الجنة)). رواه أبو يعلى في مسنده.
2: وحديث حجاج بن نصير الفساطيطي قال: حدثنا اليمان بن المغيرة العبدي، عن عبد الكريم أبي أمية، أن مجاهدا أخبره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في أناس من أصحابه، فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأدركت آخر الحديث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار». رواه الطبراني، وحجاج بن نصير، وأبو حذيفة منكرا الحديث، وعبد الكريم ضعيف.
3: وحديث علي بن حمزة العتكي قال: حدثنا يزيد بن عبد الله الرازي، عن نافع بن مهران، عن عطاء بن أبي رباح، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار» ، قلت: يا رسول الله قد رأيتك تصلي وتدع، قال: «لست كأحدهم». رواه الطبراني، ونافع بن مهران مجهول.
4: حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب، وقد تقدم ذكره، وهو موضوع.
فهذه الأحاديث ضعيفة لا يحتجّ بها، لكنها لا تدفع حجية الأحاديث الصحيحة المروية في هذا الباب.

وقد اختلف أهل العلم في هذه الركعات الأربع قبل العصر فأكثر أهل العلم على عدم عدّها منها لأن أكثر الأحاديث المروية في السنن الرواتب لم تذكر فيها الركعات الأربع التي قبل العصر، ومن أشهر تلك الأحاديث حديث أم حبيبة، وحديث عائشة، وحديث ابن عمر، إلا رواية في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ورد فيها ذكر ركعتين قبل العصر لكنها على الظن من الراوي.
والخلاصة أنّ صلاة أربع ركعات قبل العصر سنة مستحبة لكنّها غير داخلة في الاثنتي عشرة ركعة المذكورة في أحاديث السنن الرواتب.
- قال ابن قدامة في المغني: (وقوله: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» ترغيب فيها، ولم يجعلها من السنن الرواتب).
- وقال الحافظ ابن رجب في فتح الباري: (وقد ورد في الأربع ‌قبل ‌العصر أحاديث متعددة، وفي الركعتين أيضاً، واختلفوا: هل يلتحق بالسنن الرواتب؟ والجمهور على انها لا تلتحق بها).
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس السابع والأربعون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 6 من ذي القعدة 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل علوم القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس الثامن والأربعون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 13 من ذي القعدة 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_علوم_القرآن | #مسائل_الرقى
س: مما ينتشر بين الناس وخصوصا بين النساء قراءة سورة البقرة لنيل مطلب دنيوي كالزواج والإنجاب وتفريج الهموم إلى آخره، وبعضهم يحدد تكرارها بعدد معين كأربعين مرة، أو مدة شهر في كل يوم، ويستدلون بحديث فضل سورة البقرة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا سورة البقرة فإنَّ أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة) رواه مسلم.
سؤالي ما حكم ذلك؟
وهل هي من البدع المحدثة؟ حيث إن الشارع لم يقيد قراءتها بعدد وكذلك قراءتها لأغراض دنيوية.

الجواب:
صحّ الترغيب في قراءة سورة البقرة وتعلّمها وأخذها كما أخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وصحّ في فضلها أحاديث منها الحديث المذكور في السؤال، وهو حديث أبي أمامة صُديّ بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة». رواه أحمد ومسلم من طريق عن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
وحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته، يقول: «تعلموا سورة البقرة، فإنَّ أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة» الحديث، رواه أحمد وابن أبي شيبة والدارمي وغيرهم.
فهذه ثلاثة ألفاظ وردت في الحديثين: القراءة، والتعلّم، والأخذ.
فالقراءة سبيل إلى التعلّم، والتعلّم سبيل إلى الأخذ.
واتفق الحديثان على تعليق البركة بالأخذ، لا بالقراءة المجرّدة، ولا بالتعلّم المجرد.
فدلّ الحديثان على أنّ للأخذ معنى أعظم منهما يدخلان فيه، ولا يستقصيانه، وبالأخذ تحصل البركة الموعودة في الحديث.
وإنما يُعرف المراد بالأخذ في الحديثين بمعرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أخذ القرآن عامة، وأخذهم سورة البقرة خاصة.
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كان الرجل منَّا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن). رواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.
- وقال جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا» رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن ماجة في سننه من طريق حماد بن نجيح، عن أبي عمران الجوني، عن جندب.
- وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن؛ فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل». رواه الطحاوي والحاكم، والبيهقي من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن ابن عمر.
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله: «حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آياتٍ فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا فعلمنا العلم والعمل». رواه الإمام أحمد، وابن سعد في الطبقات، وابن جرير في تفسيره من طرق عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي.
- وقال سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: كان أبو رفاعة العدوي يقول: (ما عزبت عني سورة البقرة منذ علَّمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت معها ما أخذت من القرآن، وما وجعت ظهري من قيام الليل قط). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه.

فهذه النصوص ونظائرها تدلّ على أنّ أخذ سورة من القرآن يشمل:
1: تلقيها بالإيمان والتسليم، وذلك يستلزم تصديق ما فيها من خبر، وامتثال أحكامها وهداياتها.
2: وتعلّم ألفاظها ومعانيها وهداياتها.
3: واتباع ما فيها من الهدى.
4: وتلاوتها والقيام بها.
وهذه الأمور يقع فيها التفاضل في الأخذ؛ فمنهم محسن، ومنهم مقصّر.
فمن أحسن أخذ هذه السورة كان حصول الأثر المترتب عليه أعظم، ومن قصّر في الأخذ لم يكن مستحقاً ثواب المحسنين في أخذها، ولم يحرم من بركة أخذها مطلقاً ما دام معه أصل الإيمان بها؛ بل له نصيب من البركة بقدر نصيبه من الأخذ الصحيح؛ فمستقلّ ومستكثر.
وكلَّ ما ينافي الأخذ الشرعي لسورة البقرة لا يتحقق به المطلوب، والنبي ﷺ قد أوتي جوامع الكلم فكان قليل لفظه يدلّ على كثير من المعاني.
- فمن لم يؤمن بهذه السورة، ولم يقبل ما فيها من الهدى لم يكن آخذاً لها.
- ومن هجر تلاوتها والقيام بها لم يكن آخذاً لها.
- ومن أعرض عن تدبرها والتفقه فيها لم يكن آخذاً لها.
- ومن عرف ما فيها من الهدى ولم يتبعه لم يكن آخذاً لها.

وقد جعل الله الإيمان شرطاً للانتفاع بالقرآن؛ فقال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى}
وإذا كان أصل الإيمان قائماً وأصل اتباع الهدى قائماً فللعبد نصيب من الانتفاع بالقرآن، لكن ينبغي أن نفرّق بين الأخذ الناقص والأخذ الصحيح الذي رغّب فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا ينبغي أن يُفهم اشتراط الأخذ التام الكامل فهذا القدر لا يكاد يبلغه إلا نبي أو صديق.

وسورة البقرة عظيمة القدر كثيرة الهدايات، قد تضمنت كثيراً من أحكام الدين في الاعتقاد، والعبادات والمعاملات والمواعظ والقصص والأمثال والآداب؛ فمن تفقه فيها، وعرف ما فيها من الهدى واتبعه فلا ريب أنه قد حصّل علماً غزيراً مباركاً، وارتقى مرتقى عالياً في التفقه في الدين.

- قال يزيد بن هارون الواسطي: أخبرنا حُميد، عن أنس قال: (كان الرجل إذا قرأ: البقرة وآل عمران جدَّ فينا). رواه أحمد، وأصله في الصحيحين.
و(جدّ فينا) أي: عظم شأنه، وارتفع قدره.
وذكر الإمام مالك في الموطّأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلَّمها.

وقد كان لمن أخذ سورة البقرة شأن عظيم عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم كانوا يعلمون ما فيها من العلم والهدى، ولذلك لمّا كان يوم حنين وتولّى من تولّى خصّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب سورة البقرة بالدعوة فعادوا عوداً سريعاً لعِظَم الأمانة التي تحمَّلوها بهذه السورة، ولأنهم أوثق أصحابه عنده.
ولذلك جعل الصحابة رضي الله عنهم شعارهم يوم اليمامة: "يا أصحاب سورة البقرة".

ومن الناس من يخطئ في فهم هذا الحديث الوارد في فضل سورة البقرة ويظنّ أنّ القراءة المجرّدة يتحقق بها حصول الجزاء الموعود، بل منهم من يتجاوز ذلك إلى قراءتها لأغراض دنيوية معيّنة كالزواج والوظيفة، ويظنّ أن المداومة على قراءتها بتلك النيّة المعيّنة موجب لتحققها.
بل بعضهم يغلب عليه تخصيص ذلك المقصد لقراءتها، وهذا فيه غفلة كبيرة عن مقصد الحديث، بل يخشى أن يدخل في باب من أبواب البدع؛ فإنّ هذا العمل لم يكن معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.

والأصل أن تكون قراءتها امتثالاً لأمر الله تعالى ورسوله، ورغبة في اتباع ما فيها من الهدى، ثمّ ما يحصل من ثواب دنيوي بعد ذلك فهو تبع، وثمرة من ثمرات اتّباع ما فيها من الهدى.

وما يحكى من قصص وعجائب في الرزق وتيسير الأمور لمن داوموا على قراءة سورة البقرة فبعضه قد يكون صحيحاً لأحد سببين:
الأول: حصول شفاء من مانعٍ كسحرٍ أو عين كان فيه تعويق للقارئ عن كثير من مصالحه.
والثاني: توفيقه لهدى عرفه بقراءة سورة البقرة فاتّبعه وكان له بركة عظيمة عليه في حياته.

والمداومة على قراءة سورة البقرة جائز مشروع، وقد صحّ فعله عن أبي رفاعة العدوي رضي الله عنه كما تقدّم، لكن تعيين أعداد معيّنة لقراءتها لا أصل له، وكذلك اشتراط قراءتها كاملة لا أصل له، بل يكفي قراءة ما تيسّر منها، وكلما كانت القراءة أحسن كانت أحبَّ إلى الله وأعظم أثراً، وذلك يتحقق بتعظيم النية والإخلاص، وإحسان اتّباع الهدى.
#مسائل_علوم_القرآن | #فضائل_السور_الآيات
س: حديث (‌من ‌قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)، وغيره من الأحاديث التي فيها تعليق الثواب بلفظ القراءة: من قرأ كذا فله كذا؛ هل يُشترط فيها التدبر والعمل؟ أو يكفي مجرد القراءة؟

الجواب:
النصوص التي ورد فيها تعليق الثواب على القراءة على صنفين:
الصنف الأول: ما يُذكر معه ما يدلّ على الأمر بالعمل واتباع الهدى كما في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)).
وقوله صلى الله عليه وسلم في البقرة وآل عمران: ((تحاجّان عن أصحابهما)).
وقوله في الحديث الآخر: ((تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة)) فهذا كله مما يدلّ دلالة بيّنة على العمل.
لأن الصحبة لها مقتضياتها؛ فلا يعدّ صاحباً للقرآن ولا لسورة منه من لم يأخذه بالإيمان وتعاهد التلاوة واتباع الهدى.

والصنف الثاني: ما يُذكر فيه لفظ القراءة مجرداً؛ كمثل الحديث المذكور في السؤال؛ فهذا نظير كثير من العبادات التي تُذكر ألفاظها في النصوص مجردة كالصلاة والإنفاق والذكر ونحوها، كلها محمولة على العمل الشرعي الذي اجتمع فيها شرطا قبول العمل من الإخلاص والمتابعة.
فإذا قيل: من قرأ كذا وكذا فله كذا وكذا؛ فالمراد به القراءة الصحيحة شرعاً، وهي القراءة التي يحبها الله تعالى ويرضاها ويثيب عليها، وليست كلّ قراءة.
بل هي القراءة التي يخلص فيها العبد لله تعالى ويتّبع فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم من غير غلوّ ولا تفريط.

ويجب أن يعرف طالب العلم في هذا الباب قاعدة عامة مهمة، وهي أنَّ الأعمالَ التي تذكر في النصوص في موضع مدح؛ فالمراد بها ما وقع منها على الوجه الشرعي الصحيح؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا سورة البقرة)، وكذلك الأحاديث التي فيها: من قرأ سورة كذا وكذا فله كذا وكذا؛ يُراد بها جميعاً القراءة الصحيحة في حكم الشرع، وهي القراءة المحبوبة لله عزّ وجلّ التي يترتب عليها الثواب والأثر.
والقراءة الصحيحة هي التي استوفت شرطي قبول العمل، وهما: الإخلاص والمتابعة؛ لأنَّ القراءة التي لا يكون فيها إخلاص لله تعالى مردودة غير مقبولة، كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}، وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}.
وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله علي وسلم عن ربّه جلّ وعلا أنه قال: [أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه] رواه مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالعمل الذي لا يراد به وجه الله عز وجل باطل، ولا يُعدّ في الميزان الشرعي عملاً صالحاً.
وكذلك العمل المبتدع وإن أراد به صاحبه وجه الله، لكنه أتى به على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). رواه مسلم من حديث سعد بن إبراهيم الزهري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها.
وفي الصحيحين من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجلٌ فصلى ثم جاء فسلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلامَ.
قال: ((ارجع فصلّ؛ فإنك ‌لم ‌تصل)).
فرجع الرجل فصلَّى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلَّم عليه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وعليك السلام))، ثم قال: ((ارجع فصلّ؛ فإنك ‌لم ‌تصل)) حتى فعل ذلك ثلاث مرات.
فقال الرجل: (والذي بعثك بالحق! ما أحسن غير هذا فعلّمني.
قال: ((إذا قمتَ إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئنّ راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئنَّ جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها).
وهذا الحديث المعروف عند أهل الحديث بحديث المسيء صلاته، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) دليل على أنّ من عمل عملاً ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو كمن لم يعمله.
فهو وإن كان قد أدّى فيما يراه الناظر صورة الصلاة، إلا أنها ليست الصلاة الصحيحة في الشرع التي يترتب عليها ثوابها وأثرها، ولذلك عُدَّ في ميزان الشريعة غير مصلٍّ.
وهو غير متّهم في قصده ونيته، وقد أقسم للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحسن غير هذا، فلم يكذّبه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعدَّه مصلياً، لأن صلاته وقعت على خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يصلّي؛ فمن اتّبع الهدى الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم إياه؛ فإنَّه حينئذ يعدّ مصلياً في ميزان الشريعة.
وكذلك يقال في سائر الأعمال إذا أدّاها الإنسان مستوفياً شرطي القبول من الإخلاص لله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ عمله يكون صالحاً صحيحاً، يُثاب عليه.
ولا يضيع عند الله عز وجل من هذه الأعمال شيءٌ مهما قلَّ العمل؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا }.
ووقعت {عملاً} نكرة في سياق النفي؛ فعمَّت كلَّ عمل حسنٍ مهما قلَّ؛ فإن الله عز وجل لا يضيعه، شريطة أن يكون العمل حسناً، ولا يكون حسناً حتى يستوفي شرطي القبول من الإخلاص والمتابعة.
وكذلك يقال في الأعمال الأخر، ففي قول الله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} هذا الإنفاق ورد في موضع مدح؛ فالمراد به الإنفاق الصحيح في ميزان الشريعة، وليس كلّ إنفاق.
وهذا ما يسمّيه بعض أهل العلم الحقيقة الشرعية.
فمن أخلَّ بشروط قبول العمل لم يكن عمله معتبراً، ولم يترتّب عليه أثره.

ولا ينبغي أنّ يظنّ اشتراط الكمال في الأعمال؛ فإنّ ذلك غير ممكن لما دلّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: « استقيموا ولن تحصوا ». رواه أحمد والدارمي وابن ماجة من طرق عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان رضي الله عنه.
وفي صحيح البخاري من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ».
وفي رواية من هذا الطريق: « سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا».
فالمسلمون يتفاضلون في إحسان القراءة وإحسان اتباع الهدى فمن كان معه أصل الإيمان وأصل اتباع الهدى حصل له أصل الانتفاع ثمّ كلما زاد زيد له.
وفي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما مرفوعاً: «إن العبد ليصلي الصلاة، ما يكتب له منها إلا ‌عشرها، ‌تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها نصفها». رواه أحمد، وأبو داوود، وغيرهما.
فالعمل الذي يؤديه المسلم محققاً فيه شرطي القبول من الإخلاص والمتابعة فهو عمل صالح، ثم يتفاضل المسلمون في إحسان الأعمال بتفاضلهم في مقاصد القراءة، واحتساب النية فيها وتعظيمها، وفي إحسان المتابعة، وعقل العمل.
ومن الناس من يعقد العزم على الامتثال بما يعرف من الهدى؛ ثم يقع في عمله تقصير؛ فهو بمنزلته في العلم والعمل.
وما دام العمل صالحاً فيرجى لصاحبه القبول وترتب الأثر عليه.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس التاسع والأربعون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 27 من ذي القعدة 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_الحديث | #فضائل_السور_والآيات
س: ما صحة الحديث الوارد في فضل سورة البقرة: (ما من عبد يقرأ بها في ركعة قبل أن يسجد ثم سأل الله شيئاً إلا أعطاه).
ج: هذه رواية في حديث أبي أمامة الباهلي مرفوعاً: (اقرؤوا سورة ‌البقرة، فإن أخْذَها بَرَكة، وتَرْكَها حَسْرَة، ولا تستطيعها البَطَلَةُ)).
وقد عزاها ابن الأثير في "جامع الأصول" لمسلم، وليست في النسخ المعروفة لصحيح مسلم، ولم نقف لها على إسناد؛ فلذلك لا تصحّ.
وقد قال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج أبو ذر في فضائله عن سعيد بن أبي هلال قال: (بلغني أنه ليس من عبد يقرأ البقرة وآل عمران في ركعة قبل أن يسجد ثم يسأل الله شيئا الا أعطاه).
ومع جهالة رجال الإسناد فهو بلاغ ضعيف، وسعيد بن أبي هلال (ت:135هـ) من طبقة تابعي التابعين.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس التاسع والأربعون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 27 من ذي القعدة 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_اللغة
س: في الأثر أن الإمام أحمد قيل له: وأي شيء تصحيح النية؟ [ في طلب العلم]
قال: (ينوي يتواضع فيه وينفي عنه الجهل).
لماذا لم يقل: ينوي أن يتواضع، وأيهما أصح؟
وهل هناك أمثلة أخرى من القرآن أو السنة أو كلام العرب ما هو مشابه لهذه الصيغة بأن يتتابع فعلان مضارعان بدون كلمة بينهما؟


الجواب:
توالي فعلين مضارعين من غير فصل يقع على أضرب في لسان العرب:
الضرب الأول: أن يكون أحدهما فعل الشرط والآخر جوابه، وهذا كثير شائع، ومنه قول الله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}.
والضرب الثاني: أن يكون أولهما من الأفعال الناسخة والآخر تفسيراً له، وهذا معروف مستعمل، ومنه قول الله تعالى: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون}، وفي قراءة الأعرج [أن تكونوا] بفتح همزة أن.
والضرب الثالث: أن يكون أولهما من أفعال المقاربة والشروع؛ وهذا أيضاً كثير شائع في لسان العرب، ومنه: قوله تعالى: {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} ، وقوله تعالى: {ولا يكاد يبين}
وقال جرير بن عطية:
ويبيت يشرب عند كل مقصص ... خضل الأنامل واكف المعصار
والضرب الرابع: أن يكون الثاني عطف بيان للأول، أو تفسيراً له؛ كأن تقول: يمشي يتهادَى؛ فالتهادي بيان لصفة المشي.
والضرب الخامس: أن يكون أولهما من أفعال القصد والإرادة، والآخر بيان له، ومنه ما يقع في الشرح كثيراً؛ من قولهم: يريد يفعل كذا.
فالكلمة المروية عن الإمام أحمد ( ينوي يتواضع فيه) هي من الضرب الرابع أو الخامس، وهي محتملة في اللغة، وإن كان الأفصح أن يقال: ينوي أن يتواضع.
وهذا الأثر مروي هكذا عن الإمام أحمد، وربما سقط الحرف من الكاتب أو من بعض النسخ، لكن إذا صح بهذا اللفظ فلا ينكر.
الحمد لله على ما منّ به علينا من إدراك عشر ذي الحجة، وهي أيام فاضلة مباركة العمل فيها أحب إلى الله من العمل فيما سواها
فينبغي لكل مؤمن أن يجتهد في عمارتها بإحسان أداء الفرائض، وبالذكر وتلاوة القرآن وفعل الخيرات، وليحذر من تضييع الأوقات الفاضلة في اللغو وما لا نفع فيه.

ومن الأحاديث الصحيحة في فضائل الذكر وجوامع الدعاء:
1. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرارٍ كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل). رواه مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه). رواه مسلم.
3. وأتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: (قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني «ويجمع أصابعه إلا الإبهام» فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك). رواه مسلم.
4. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال». رواه البخاري.
5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده). رواه البخاري.
6. وعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟) قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: (إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده). رواه مسلم.
7. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟»
قالت: نعم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته). رواه البخاري.
8. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر). رواه مسلم.
2024/09/27 04:29:15
Back to Top
HTML Embed Code: