Telegram Web Link
#مسائل_التفسير
س: ما الأقوال في قول الله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}؟ وهل هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب:
لا خلاف بين المفسرين أنّ الخطاب في قول الله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} للنبي صلى الله عليه وسلم.
لكن ينبغي أن تعلم قاعدة مهمة في التفسير، وهي أنّ الخطاب إذا كان لا يقتضي اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وسلم فللمؤمنين نصيب منه على قدر اتباعهم له صلى الله عليه وسلم.
فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ما لم يدل النص على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم به.
فقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فيه وعد للنبي صلى الله عليه وسلم؛ بأن يعطيه الله عز وجل فيرضى.
وقد حذف متعلق الإعطاء ولم يعيّن له ما يعطيه لفائدتين:
إحداهما: التشويق؛ فإنَّ النفس تتشوق وتتطلب معرفة ما تُوعد أن تعطاه، فإذا أُبهم المعطى كان في ذلك من زيادة التشويق ما لا يخفى.
والفائدة الثانية: التعظيم؛ فإنَّ عطايا الملوك إذا أبهموها ذهبت النفوس في تعظيمها كل مذهب؛ فما بالكم بعطية ملك الملوك؟!! وهي العطية التي ضمن لمن أعطيها أن يرضى؛ فينقطع تعلّق النفس عن طلب عطية أفضل منها، وتملأ القلب السكينة والرضا بما يعطيه الله عز وجل.
وأطلق وقت الإعطاء ولم يقيّد؛ فشمل ذلك العطاء في الدنيا والآخرة.
فأمّا العطاء في الآخرة فلا ريب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى المنازل، وأنه أعطي ما لم يعط الجنّ والإنس جميعاً من الفضل العظيم، والتكريم والتشريف.
ونصيب أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من العطاء الإلهي والتكريم والتشريف على قدر إحسان اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأمّا العطاء في الدنيا فأفضله وأطيبه ما وعد الله به المؤمنين من الحياة الطيبة، وانشراح الصدر، وأن يكون أمرهم كله لهم خير، وعاقبته في أمورهم كلها رشداً، فيزدادون خيراً إلى خير، كما قال الله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
ولا ريب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الأمة عملاً بهذه الآية، وأحسنهم نصيباً من الجزاء الموعود فيها.
وهذا الجزاء معلّق بشرطين يقع التفاضل الكبير فيهما، وهما: الإيمان والعمل الصالح.
فكلما كان المؤمن أكمل إيماناً وأحسن عملاً كان نصيبه من هذا الجزاء أعظم.
وقال الله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون}.
فشبّه كلمة التوحيد القائمة على أصل راسخ من الإيمان بالله تعالى بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت لا يتزعزع، وفرعها بالغ السموّ، تؤتي أكلها كلّ حين؛ فلا يحتاج المؤمن إلى انتظار ليجد ثمرة توحيده وإيمانه بالله؛ فثمرة التوحيد طيبة دائمة لا تنقطع؛ وكلما ازداد المرء إيماناً وتوكلاً على الله وذكراً له وجد من هذه الثمرات ما تطيب به حياته، ويندفع به عنه ما يكدر عليه من أذى الشيطان وإلقائه وتحزينه.
وقد دلّ التعقيب بحرف الفاء في قوله تعالى: {فترضى} على هذا المعنى؛ فهو عطاء سريع الأثر، قريب التحقق، لا يحتاج المؤمن فيه إلى انتظار وترقب، فهذا في الجزاء الدنيوي، وأما في الجزاء الأخروي فأسرع الناس وأحسنهم استجابة لله تعالى أحظاهم بالجزاء الحسن والتشريف والتكريم، والعطاء الإلهي العظيم؛ فهذه الآية نظير قول الله تعالى: {للذين استجابوا لربهم الحسنى} فإنَّ ثمرة الاستجابة غير مقيدة، وقد وقع الوعد على عمل يدخله التفاضل؛ فكلما كان المؤمن أحسن استجابة لله تعالى وأسرع كان نصيبه من الجزاء بالحسنى أعظم وأكمل، وذلك غير مقيد بوقت؛ بل منه ما هو جزاء في الدنيا، ومنه ما هو جزاء في الآخرة.

والمقصود أنّ الخطاب في هذه الآية وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو لأنه رأس هذه الأمة وأكرمها وأشرفها، وقد جعله الله أسوة للمؤمنين؛ فمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم كان له نصيب من هذا الجزاء بقدر اتباعه.
وهذا مدلول عليه بدلالة الشبه من دلالات مفهوم الموافقة، وقد تقدم شرحها والتمثيل لها في دورة "أصول تدبر القرآن".
والخلاصة أنّ أسعد المؤمنين بهذا العطاء أحسنهم اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم.
أعتذر عن مجلس اليوم
#مسائل_التفسير
س: في قول الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} لماذا ذكر الله {لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} ما الفرق لو قيل: أتاها أمرنا فقط؟ وما الفرق بين الليل والنهار إذا أتى الأمر؟

الجواب: ينبغي أن نتنبّه إلى أدب مهم من آداب السؤال عن مسائل التفسير، فإذا اختار الله عز وجل مفردة من المفردات في كتابه، أو أسلوباً من الأساليب على غيره؛ فينبغي أن نوقن بأن الله عزَّ وجل إنما اختار ذلك عن علمٍ وحكمة؛ فمن الأدب الواجب للسائل أن يكون سؤاله عن الحكمة؛ فيقول: ما الحكمة من كذا وكذا؟ أو يسأل سؤالاً بيانياً عن الغرض البياني من النص على كذا وكذا.
فيكون سؤاله متضمناً الإقرار بوجود حكمة وفائدة بيانية يجهلها، وذلك أحرى أن يوفّق لما يجد به جواب سؤاله، ويرفع عنه الإشكال.

وفيما يخصّ السؤال عن دلالة النص على ذكر الليل والنهار في قوله تعالى: {أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً} فالجواب عنه وعن أمثاله من الأسئلة مؤسس على قاعدة مهمّة في البيان القرآني، وفقهها مفيد جداً في تدبر القرآن، وهي أنّ الخطاب في القرآن على نوعين:
- خطاب للعقول بالتبصير.
- وخطاب للقلوب بالتأثير.
فالخطاب الذي للتبصير يكفي فيه ما يفي بغرض البيان، ويكثر في هذا النوع الإجمال والاختصار والحذف؛ لأن العقول تستنتج ذلك وتعرفه، وأصحاب القرائح الجيدة يعرفون كثيراً مما وراء منطوق الخطاب بدلالات المفهوم، ودلالات اللزوم من الاقتضاء والإيماء الجلي والخفي والإشارة وغير ذلك.
والخطاب الذي يراد من التأثير على القلوب يكثر فيه الإطناب والتنويع التكرار والنص على بعض التفصيل بمفردات وأساليب تؤثر على القلوب، وتذكّر ما قد يُغفل عنه.
والأمثال والتصوير تقع للنوعين ويُعرف الغرض بدلالة السياق.
فالتصوير بما يستدعي من المخاطب التصوّر أبلغ أثراً عل القلب من النصّ على الخبر ولو أكّد بمؤكدات لفظية.
فعلى سبيل المثال كان يكفي في كثير من الآيات التي فيها ذكر العذاب - لو أن الخطاب للعقول وحدها - أن ينصَّ على أن الكفار متوعدون بالعذاب؛ لأنّ العقول تدرك معنى العذاب، وتدرك معنى تأكيد وقوعه بالمؤكدات اللفظية؛ من مثل قوله تعالى: {إن اللذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد}
وقوله تعالى: {فلنذيقنّ اللذين كفروا عذاباً شديداً}
وقوله تعالى: {فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً}
وقوله تعالى: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين}
ونحو ذلك مما يتأكّد به أنّ الكفار متوعدون بعذاب شديد مهين، وقد عُلم أنّ الله تعالى قويّ شديد العقاب، فلا يقع ارتياب في حقيقة ذلك العذاب.
لكن تصوير العذاب بصور كثيرة ومتنوّعة يراد منه مخاطبة القلوب للتأثير عليها؛ فإنّ كثيراً من الناس يجد من التأثر بذلك ما لا يجده في الأخبار المؤكَّدة المجردة من التصوير والتمثيل، كما في قول الله عز وجل: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ}
وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ ‌مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢)}
وقوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ ‌قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠)}
وقوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (١١) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (١٢) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣)}
وقوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}
وقوله تعالى: {أَفَمَنْ ‌يَتَّقِي ‌بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
وقوله تعالى: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ ‌أَمْعَاءَهُمْ (١٥)}
وقوله تعالى: {يَوْمَ ‌تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}

فتجد القلوب توجل من هذا العذاب بمجرّد تصوّر وقوعه، وهذا من التأثير العظيم على القلوب، وهو أعظم تأثيراً عليها من الأخبار المجردة من ذلك ولو كانت مؤكدةً بمؤكدات لفظية.
ولذلك كان القول المحقق في تعريف البلاغة أنها بلوغ الخطاب غاية المقصد، وذلك يتحقق بالإيجاز في موضعه، وبالإطناب في موضعه، وقول بعضهم: "البلاغة الإيجاز" لا يصحّ بهذا الإطلاق إلا إذا أريد به حذف الحشو وما يعاب من التطويل والتكرار، وليس ما يقابل الإطناب.
ولو التزم القول بأنّ البلاغة الإيجاز لخرجت كثير من المدائح والمراثي والاعتذارات عن حدّ البلاغة لأن عمدتها على التفنن في الإطناب لغرض التأثير على القلوب.
إذا تبيّنت هذه المقدمة فإنّ النص على ذكر الليل والنهار في قول الله تعالى: {أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً} فيه النصّ على ما يثير ترقّب وقوع هذه العاقبة ليدرَك مثلها في عاقبة المغترين بالحياة الدنيا؛ فيبقى القلب متوقعاً وقوع هذه العاقبة في الليل وفي النهار.
وهذا نظير قول الله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ‌بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)}.
وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ ‌بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠)}
فإنه إذا أصبح لم يكن بمأمن من أخذة الله له في ساعة من ساعات نهاره، وإذا أمسى لم يكن بأمن من أن يأخذه الله في ساعة من ساعات ليله؛ فيبقى في حال ترقب من وقوع الوعيد في ليله ونهاره ولو كذّب به، وهذا المعنى لا يؤدى بغير النص على الليل والنهار.
- قال ابن عطية: (وتقسيمه {‌لَيْلًا ‌أَوْ ‌نَهاراً} تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت).
- وقال ابن عاشور: (وقوله: {‌ليلا ‌أو ‌نهارا} ترديد في الوقت لإثارة التوقع من إمكان زوال نضارة الحياة في جميع الأزمنة؛ لأنَّ الشيء الموقت بمعين من التوقيت يكون الناس في أمن من حلوله في غير ذلك الوقت).
#مسائل_السلوك | #مسائل_التفسير
س: سؤال عن الفرق بين الرين والغين والغيم؟

الجواب: هذه مراتب الحجب على القلب، وهي متفاوتة فأخفها الغين، وهو الحجاب المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة) رواه أحمد ومسلم من طريق ثابت البناني، عن أبي بردة، عن الأغرّ المزني رضي الله عنه.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والغين حجاب رقيق أرق من الغيم، فأخبر أنه يستغفر الله استغفارا يزيلُ الغينَ عن القلب فلا يصير نكتة سوداء).
- وقال ابن القيم: (الغين ألطف شيء وأرقّه). أي مما يغشى القلب.
فالغين حجاب رقيق، وهو حجاب الأنبياء والمقربين، وهو أرقّ الحجب التي على القلب.
وهذا الحجاب يعرض للأرواح ولا يُرى بالعين.
والحجب التي على القلوب على درجات فمن أشدّها الرَّين والختم والطَّبع والقفل، وهي الحجب التي تكون على القلوب القاسية والميتة.
ويعرض للقلوب الحية المؤمنة عوارض أخفّ منها مثل الغيم، والغين، وكلما كان القلب أكثر حياة وأصحّ كان تجليه أكثر.
- قال عبد الرحمن بن مغراء الدوسي قاضي الأردن في زمانه: حدثنا الأزهر بن عبد الله الأودي قال: حدثنا محمد بن عجلان، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب: يا أبا حسن! ربما شهدت وغبنا، وربما شهدنا وغبت، ثلاث أسألك عنهن، هل عندك منهن علم؟
قال علي: وما هن؟
قال: الرجل يحبّ الرجل ولم ير منه خيراً، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شراً.
قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الأرواحَ في الهواء جنودٌ مجندة تلتقي فتشامّ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
قال عمر: واحدة، والرجل يحدث الحديث إذ نسيه، إذ ذكره؟
فقال علي: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من القلوب قلبٌ إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علت عليه سحابة فأظلم، إذ تجلَّت عنه فأضاء، وبينا الرجل يحدّث إذ علته سحابة فنسي، إذ تجلّت عنه فذكر». وذكر بقية الحديث، رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في الحلية ومعرفة الصحابة، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فهكذا الغيم الذي يكون على القلب تحصل به غفلة عن الذكر ونسيان، وهذا من شأن الأرواح وليس من شأن الجسد، والقلب له اتصال بالروح واتصال بالجسد، ومن العلماء من ذكر أن الروح على مسلاخ الجسد لكن من غير جُرم تبصره العين.
وهذا ظاهر من أدلة عدة يتبيّن بها أن أعضاء الجسد لها ما يقابلها في الروح, ومن ذلك الحديث الذي في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وغيرهما من طريق أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإنَّ الأعضاء كلها تكفر اللسان؛ فتقول: "اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا")).
(تكفر اللسان) أي تحرج عليه، وتذمّمه، وتنقاد له.
فدلّ الحديث على أنّ أعضاء الجسد كلها تتكلم بكلام لا يسمعه الإنسان، والكلام من شأن الأرواح، فتبيّن بذلك أنّ كلّ عضو من الجسد له ما يقابله من الروج.
والقلب من حيث كونه عضوا جسديا محضاً ليس له قدرة على القيام بأعمال الإدراك والتصديق والإرادة والحب والبغض والتمني وغيرها من الأعمال التي هي من شأن الروح، وقد دلت النصوص على أن محل ذلك هو القلب.
فتبين بذلك أنها من شأن القلب الذي فيه روح، كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
ومن المعلوم المتقرر أن صلاح القلب إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، وهما قائمان على صحة الإدراك، وصلاح الإرادة.
فبصحة الإدراك يكون التصديق صحيحا موافقا للحق.
وبصلاح الإرادة تستقيم الجوارح على عمل الطاعات.
والإدراك والإرادة من شأن الروح لا من عمل الجسد.
- قال ابن القيم رحمه الله: (يطلق القلب على معنيين:
أحدهما: أمر حسي وهو العضو اللحمي الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر، وفي باطنه تجويف وفي التجويف دم أسود، وهو منبع الروح.
والثاني: أمر معنوي وهو لطيفة ربانية رحمانية روحانية، لها بهذا العضو تعلق واختصاص، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسانية) ا. هـ.
والمقصود أنّ الغيم والغين وغيرهما من الحجب التي على القلب هي مما يختصّ به الشقّ الروحي من الإنسان، وأثرها على أعمال الروح من العقل، والإدراك، والذكر، والنسيان، وغيرها.
وأخف هذه الحجب الغين، وهو أرقّ شيء وألطفه من تلك الحجب، وفي تقدير وقوعه حكمة من الله، وقد قيل في ذلك: أنّ القلوب لا تحتمل دوام استشعار الحقائق واستصحاب ذكرها، وذلك من لوازم الضعف البشري كما قال الله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفا}.
وأكثف منه الغيم، وهذا يقع لبعض المؤمنين.
أما الرين فهو أغلظ هذه الحجب, وأشدّها كثافة، وهو حجاب الكفار، وهو المذكور في قول الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي بسبب كثرة ذنوبهم وتتابعها.
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس السادس والثلاثون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 25 رجب 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: المجلس مفتوح.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
Audio
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس السادس والثلاثون
🔹
الثلاثاء 25 رجب 1445 هـ.
🔹مجلس مفتوح.
#مسائل_علوم_القرآن
س: كيف يوظف طالب العلم علم أصول الفقه في تفسير وتدبر القرآن؟

الجواب: أصول الفقه من العلوم المهمة، وفي بعض أبوابه ما يفيد دارس التفسير بأنواع من الدلالات التي يستخرج بها الأحكام والفوائد واللطائف القرآنية، ففيه عون على تدبّر القرآن.
من أهمّ أبوابه دلالات الألفاظ كدلالات المنطوق والمفهوم، وهي دلالات مهمة جداً، وكذلك أبواب المحكم والمتشابه، والمجمل والمبين، والنصّ والظاهر، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، وغيرها من الأبواب التي هي من مهمات ما ينبغي للمفسّر أن يكون على معرفة حسنة به حتى يضبط دراسته لمسائل التفسير وعلوم القرآن، ولا يخرج باجتهاد يخالف أصلاً من الأصول.
وقد عقدت لأكثر هذه المباحث دروساً في دورة أصول تدبر القرآن، حرصت فيها على جمع ما يحتاجه المفسّر من تلك الأبواب، وتقريبه، وشرحه بما يكفي بإذن الله من الأمثلة والتطبيقات، وفيها بيان وافٍ بإذن الله لما سألت عنه السائلة وفقها الله.
ولله الحمد.
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس السابع والثلاثون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 3 شعبان 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: التأصيل العلمي.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#أسانيد_التفسير
س: أعلم أنَّ الحديث الضعيف مردود؛ فما حكم الاستشهاد بالحديث الضعيف في التفسير؟
الجواب: أولا: ينبغي أن نعلم أن الضعف في الروايات على مرتبتين:
الأولى: ضعف يسير قابل للتقوية بتعدد الطرق ، وهو على أنواع فمنه ما يكون بسبب انقطاع يسير في الإسناد مع كون رجاله ثقات، أو بسبب ضعف ضبط بعض الرواة مع عدالته، أي: ليس متهما بالكذب, ولا فاحش الخطأ.
والمرتبة الثانية: الضعف الشديد، وهو الذي لا يقبل التقوية بتعدد الطرق التي بهذه المرتبة، وهي على أنواع؛ فمنها روايات الكذابين، والمتهمين بالكذب، ومتروكي الحديث لكثرة خطئهم.

فالأحاديث والآثار التي من المرتبة الأولى تقبل التقوية إذا تعددت الطرق، ولم يكن المتن منكراً، ولا معلا بعلة قادحة.
ولذلك كانت معتبرة لدى أهل العلم، والاعتبار أن تكتب ويُنظر في متابعاتها وشواهدها فتقوى بها إن وجدت.
وقد جرى عمل أكثر الأئمة على إيراد الأحاديث الضعيفة المعتبرة في كتب التفسير وغيرها، لأغراض منها:
- أنّها قابلة للتقوية مع خلوها غالباً من نكارة المتن.
- ولأن الناظر في تلك الكتب قد يقف على رواية أخرى أو شاهد يتقوى به هذا الحديث فيصلح للاحتجاج.
فأما قبل تقوّيه فهو ضعيف لا يحتجّ به، لكن يسوغ ذكره والاستئناس به من غير احتجاج إذا لم يكن في المتن نكارة، ولا علّة قادحة.
فأحاديث هذه المرتبة لا يُحتجّ بها، ولا تطّرح وتترك مطلقاً؛ بل هي موقوفة على الاعتبار والتمييز؛ فمنها ما يترقى إلى درجة الحسن والاحتجاج، ومنها ما يبقى في مرتبة الضعف.
ولذلك إذا وقفنا على حديث أو أثر ضعيف في الكتب المسندة فننظر أولاً إلى تصنيف مرتبة الضعف؛ فإذا كان الضعف شديداً تركناه وأعرضنا عنه، وإذا كان الضعف يسيراً قابلاً للتقوية نظرنا فيه من جهتين:
الأولى: من جهة المتن؛ فإذا كان غير منكر ولا معلّ بعلة قادحة فلا بأس بذكره والاستنئناس به.
أما إذا وقفنا على علة توجب ردّه كأن يخالف نصّاً أو إجماعاً أو يتبيّن فيه خطأ في المتن كتصحيف أو تحريف أو مخالفة لرواية الثقات فنحكم بردّ هذا الحديث.
وهذا ميزان لا يختص به ضعيف الإسناد، بل الأحاديث التي ظاهر إسنادها الصحة إذا وقفنا على علة لها في المتن توجب ردها فإنّا نردها ولو كان الإسناد ظاهره الصحة؛ لأن الثقات قد يخطئون، والعلة لا تدرك إلا بجمع الطرق، ونقد المتون، لكن هذا أمر لا يقبل فيه إلا كلام أهل المعرفة بالحديث وأصول دراسة الأسانيد.
والجهة الثانية: جهة الإسناد؛ فإذا وجدنا له طريقاً آخر أو شاهداً ينجبر به ارتفع عن مرتبة الضعيف واحتجّ به.

وتفصيل ذلك يدرس في علوم الحديث وأسانيد التفسير، لكن في التفسير جرى عمل أكثر الأئمة على الاستشهاد بالأحاديث والآثار التي لا تكون شديدة الضعف، وليس فيها نكارة توجب ردها.
لأنها وإن لم يحكم بصحتها من جهة الإسناد فهي لا تخرج عن كونها قولاً في التفسير أو مبينة لوجه من وجوهه؛ فتُجرى عليها أحكام نقد الأقوال في التفسير.
وشروط قبول القول في التفسير ثلاثة:
أولها: أن يكون المعنى في نفسه صحيحاً غير منكر.
وثانيها: صحة دلالة الآية عليه من جهة اللغة.
وثالثها: ألا يخالف نصاً ولا إجماعاً.
فإذا استوفى القول هذ الشروط فلا موجب لردّه؛ فيصح إيراده في التفسير، لكن إذا كان ذلك القول منسوباً إلى أحد من السلف بإسناد من تلك الأسانيد الضعيفة فلا نجزم بصحة نسبته إليه وإن قبلنا ذلك القول، لكن يسوغ أن يُنسب إليه بصيغة التمريض؛ فيقال: يُروى عن فلان، أو روي عنه كذا وكذا.
وتبيين حال الإسناد أولى نصحاً للطلاب والقراء الذين لا يميزون صيغة التمريض من غيرها.
فالأولى أن يقال: روي عن فلان ولا يصحّ عنه.
وبذلك تعرف خطأ من يضع حكماً واحداً لكل إسناد فيه ضعف يسير فيحكم عليه بالضعف أو الحسن؛ فهذا تعميم خاطئ.
#مسائل_الحديث
س: ما صحة زيادة: (غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال) التي وردت في حديث فتور الوحي؟

الجواب: هذا الأثر رواه البخاري في كتاب التعبير من صحيحه باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤى الصادقة؛ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
أورده عقب ذكر ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنه في خبر بدئ الوحي، ونزول جبريل عليه السلام بصدر سورة اقرأ، وذهاب خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل، وما قصَّه عليه، وعائشة لم تدرك تلك الواقعة، وإنما ولدت بعدها بنحو خمس سنين، فخبرها مرسل من مراسيل الصحابة، وهي مقبولة محتجّ بها باتفاق العلماء؛ لأن الصحابة ثقات عدول ويُحمل خبرهم على ما لم يدركوه على سماعهم إياه ممن أدركه.
ثم قال الزهري بعد قول عائشة: (ثم لم ينشب ورقة أن توفي) قال: (وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مراراً كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدَّى له جبريل فقال: يا محمد! إنَّك رسول الله حقاً؛ فيسكن لذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك).
فهذا الأثر من بلاغات الزهري، ليس بموصول، ولا يعدّ من شرط البخاري في صحيحه، فحكمه حكم البلاغات والمعلقات التي يوردها في صحيحه؛ يكون منها الصحيح والضعيف.
وهذا الأثر لم يتفرد به معمر عن الزهري كما أعلّه بعضهم، فقد تابعه يونس بن يزيد الأيلي كما في المستخرج لأبي عوانة.
وروى ابن سعد نحوه في الطبقات من حديث ابن عباس لكنّه من طريق الواقدي عن ابن أبي يحيى وهما متهمان بالكذب؛ فلا يعتدّ بروايتهما.
وقد اختلف أهل العلم في أثر الزهري هذا؛ فمنهم من احتجّ به لكونه في باب السير والمغازي، والزهري إمام في هذا الباب، وقد استشهد بهذا الأثر جماعة من أهل العلم في كتبهم.
ومنهم من ردّه لما عُرف من أنّ مراسيل الزهري من أوهى المراسيل.
واستعظم بعض أهل العلم أن يقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في استنكار هذا الأثر، واعترض عليه بما ورد في تحريم قتل النفس، وهذا الاعتراض ليس له وجه؛ لأنّ أكثر أحكام الشريعة لم تكن قد نزلت بعد
وكون النبي صلى الله عليه وسلم تضيق نفسه أو يجد حزنا لفترة الوحي وانقطاعه مدة أمر غير مستغرب، لكن مبلغ هذا الأثر أن يصل به إلى هذا العمل موقوف على صحة الخبر، ولا أعلم له إسناداً صحيحاً عن غير الزهري.
فالتوسط أن تُجعل عهدته على الزهري؛ ولا حرج من ذكره فهو صحيح الإسناد إليه، وقد ذكره إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري في صحيحه؛ وذكره الإمام أحمد في مسنده وغيرهم، لكن لا نجزم بوقوع ذلك من عدمه.
Audio
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس السابع والثلاثون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 3 شعبان 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: التأصيل العلمي.
اعتذار: نعتذر إليكم من رداءة تسجيل هذا المجلس وتقطع التسجيل في أوّله.
#منتقى_الفوائد | #مسائل_التفسير
من دلائل سعة معاني القرآن احتمال كثير من المفردات في صيغتها الصرفية لأوجه من المعاني، ومن ذلك: قول الله تعالى: {لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده} "تُضار" مشترك صرفي يقع على الفعل المضارع المبني لما لم يسمَّ فاعله، ويقع على الفعل المضارع المسمّى فاعله. فيصحّ إعراب "والدة" بأنها فاعل، وبأنها نائب عن الفاعل. فإذا أعربت فاعلاً فالمعنى أنه يحرم عليها أن تضارّ الوالد وأولياء المولود بولدها وإذا أعربت نائباً عن الفاعل فالمعنى أنه يحرم أن يَضارَّ أحدٌ الوالدةَ بولدها سواء أكان الوالد أو أولياؤه أو غيرهم؛ يحرم عليهم أن يضارّوا الوالدة بولدها.
وهذا الإعراب كما يجري على الوالدة فهو كذلك على المولود له، فتحرم مضارّته بولده كذلك، ويحرم عليه أن يضارّ هو بولده.
وبمثل هذا العدل قامت أحكام الشريعة.
فانظر كيف دلت هذه العبارة بألفاظ وجيزة على معانٍ واسعة.
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس الثامن والثلاثون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 10 شعبان 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
2024/10/01 09:31:37
Back to Top
HTML Embed Code: