#مسائل_التفسير
س: قال السعدي رحمه الله: ({وما} قلاكَ الله؛ أي: ما أبغضك منذ أحبَّك؛ فإنَّ نفي الضِّدِّ دليلٌ على ثبوت ضدِّه، والنفي المحض لا يكون مدحاً إلاَّ إذا تضمَّن ثبوت كمال).
هل من توضيح جزاك الله خيراً؟
الجواب:
القِلَى في اللغة هو البغض والهجر بعد المحبة؛ فإذا كان بين شخصين محبة وتآلف ثم هجر أحدهما الآخر بعد هذه المحبة وأبغضه ونفر منه أو هجره؛ فهو قالٍ لصاحبه، قد قلاه أي: هجره وأبغضه بعد تلك المحبة التي كانت بينهما.
والمضارع يقليه، وروي: يقلاه، والأول أفصح وأشهر.
قال ذو الإصبع العدواني:
لي ابن عمّ على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه ويقليني
أما من ليس بينهما محبة أصلاً؛ فلا يقال لأحدهما: إنه قد قلى الآخر.
إنما يكون القلى بعد محبة ثابتة، كما قال زهير بن أبي سًلمى لما هجرته أمّ أوفى:
لعمرك والخطوب مغيرات ... وفي طول المعاشرة التقالي
لقد باليتُ مظعنَ أمِّ أوفى ... ولكنْ أمّ أوفى لا تبالي
فأما إذ ظعنتِ فلا تقولي ... لذي صهرٍ: أُذِلتُ ولم تُذالي
أصبتُ بنيَّ منكِ ونلتِ مني ... من اللذاتِ والحُلَل الغوالي
وقال ابن الدمينة:
وإنى لأستحييك حتى كأنما … عليَّ بظهر الغيب منك رقيب
حِذار القِلَى والصرمِ منكِ وإننى … على العهد ما داومتِنى لصليب
وقال جميل بثينة:
فما أحدث النأي المفرّقُ بيننا ... سلوّا ولا طولُ اجتماعٍ تقاليا
فهذه الشواهد وغيرها تدلّ دلالة بيّنة على أنّ القلى إنما هو البغض بعد المحبة، وليس مجرّد البغض.
فقوله تعالى: {وما قلى} أي: ما أبغضك بعد محبته إياك.
وقوله تعالى: {وما قلى} ولم يقل: [وما قلاك]
فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: تناسب فواصل الآيات، {والضحى . والليل اذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى }
وتناسب الفواصل له أثر لفظي بتحسين الكلام وتجويده، وله أثر معنوي على المخاطب لا يُنكر.
والفائدة الثانية: عموم نفي القلى عن الله عزَّ وجل، وأنّ الله تعالى لا يقلي من أحبّه ملالةً ولا تبرماً، وهذا لا يختصّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كل من أحبهم الله عز وجل فإنَّ الله لا يقليهم ولا يبغضهم بعد ثبوت محبته إياهم.
وهذه صفه كمال لله تعالى لأنَّ الله عز وجل لا يبغض عبداً أحبَّه ملالةً ولا تبرماً كما يكون في محبة كثير من الناس بعضهم بعضاً؛ فإنّ من الناس مَن إذا أحبّ شخصاً مدّة من الزمن قلاه وهجره وتبرّم منه، ولو لم يكن من محبوبه ما يستحقّ به القلى والبغض، إلا أنه قد يملّ هو هذه المحبة ويتبرّم منها؛ فيجد نفوراً في نفسه ممن كان يحبّه.
أمّا الله عز وجلّ فإنّه يتنزه عن ذلك، وهذا فيه فائدة عظيمة الأثر للمؤمنين، بأنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّهم فإنّه لن يقليهم، ولن يملَّ محبتهم ويتبرم منها، كما يكون ذلك من بعض المخلوقين؛ فمحبة الله عز وجل لعباده المؤمنين محبة ثابتة دائمة، ولها لوازمها التي لا تتخلّف عنها، من المعية الخاصة، والنصرة، والحفظ، والتأييد.
كما قال الله تعالى: {وأنّ الله مع المؤمنين}، وقال تعالى: {الله وليّ الذين آمنوا} ، وقال تعالى: {إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا} وقال تعالى: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} ،
- قال الوزير ابن هبيرة فيما نقله عنه الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة: (وإنما قال: {وما قلى} ولم يقل: وما قلاك، لأن القِلَى بغضٌ بعد حبّ، وذلك لا يجوز على الله تعالى، والمعنى: وما قلى أحداً قط)ا.هـ.
والمقصود أنّ نفي القِلَى عن الله عزّ وجلّ صفة كمال لله تعالى، لأنه يستلزم ثبوت المحبة ودوامها، وتحقق آثارها ولوازمها.
والنفي المحض لا يُتمدح به؛ لأنه ليس بكمال، وإنما يُتمدّح بالنفي إذا أريد إثبات نقيضه من صفة الكمال.
فإذا قيل عن شخص: إنه غير بخيل؛ فإنّ ذلك مدح له بالكرم.
وإذا قيل: لا يفرّ عند اللقاء؛ فهذا لا يستريب فيه السامع أن المراد منه مدحه بالشجاعة والإقدام.
وإذا قيل: لا يخون ولا يكذب؛ فهذا مدح له بالأمانة والصدق.
والمدح بنفي الأضداد السيئة أسلوب معروف عند العرب، ومنه قول الشاعر:
فقل للخليفة إن جئته ... نصيحاً ولا خير في المتهم
إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبّه لها عمراً ثمّ نمْ
فتى لا ينام على دمنة ... ولا يشرب الماء إلا بدم
ومن هذا الباب قول الله تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} ، وقوله تعالى: {وما ربّك بظلام للعبيد} فيه إثبات عدل الله تعالى.
وقوله تعالى: {وما ربك بغافل عما تعملون}.
وقوله تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء}
وقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد}
ونحوها من الآيات التي فيها مدح لله عز وجلّ بصيغة النفي كلها دالة على ثبوت كمال أضدادها.
والمدح بالنفي أوقع في كثير من النفوس لاستلزامه ثبوت كمال الضد.
س: قال السعدي رحمه الله: ({وما} قلاكَ الله؛ أي: ما أبغضك منذ أحبَّك؛ فإنَّ نفي الضِّدِّ دليلٌ على ثبوت ضدِّه، والنفي المحض لا يكون مدحاً إلاَّ إذا تضمَّن ثبوت كمال).
هل من توضيح جزاك الله خيراً؟
الجواب:
القِلَى في اللغة هو البغض والهجر بعد المحبة؛ فإذا كان بين شخصين محبة وتآلف ثم هجر أحدهما الآخر بعد هذه المحبة وأبغضه ونفر منه أو هجره؛ فهو قالٍ لصاحبه، قد قلاه أي: هجره وأبغضه بعد تلك المحبة التي كانت بينهما.
والمضارع يقليه، وروي: يقلاه، والأول أفصح وأشهر.
قال ذو الإصبع العدواني:
لي ابن عمّ على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه ويقليني
أما من ليس بينهما محبة أصلاً؛ فلا يقال لأحدهما: إنه قد قلى الآخر.
إنما يكون القلى بعد محبة ثابتة، كما قال زهير بن أبي سًلمى لما هجرته أمّ أوفى:
لعمرك والخطوب مغيرات ... وفي طول المعاشرة التقالي
لقد باليتُ مظعنَ أمِّ أوفى ... ولكنْ أمّ أوفى لا تبالي
فأما إذ ظعنتِ فلا تقولي ... لذي صهرٍ: أُذِلتُ ولم تُذالي
أصبتُ بنيَّ منكِ ونلتِ مني ... من اللذاتِ والحُلَل الغوالي
وقال ابن الدمينة:
وإنى لأستحييك حتى كأنما … عليَّ بظهر الغيب منك رقيب
حِذار القِلَى والصرمِ منكِ وإننى … على العهد ما داومتِنى لصليب
وقال جميل بثينة:
فما أحدث النأي المفرّقُ بيننا ... سلوّا ولا طولُ اجتماعٍ تقاليا
فهذه الشواهد وغيرها تدلّ دلالة بيّنة على أنّ القلى إنما هو البغض بعد المحبة، وليس مجرّد البغض.
فقوله تعالى: {وما قلى} أي: ما أبغضك بعد محبته إياك.
وقوله تعالى: {وما قلى} ولم يقل: [وما قلاك]
فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: تناسب فواصل الآيات، {والضحى . والليل اذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى }
وتناسب الفواصل له أثر لفظي بتحسين الكلام وتجويده، وله أثر معنوي على المخاطب لا يُنكر.
والفائدة الثانية: عموم نفي القلى عن الله عزَّ وجل، وأنّ الله تعالى لا يقلي من أحبّه ملالةً ولا تبرماً، وهذا لا يختصّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كل من أحبهم الله عز وجل فإنَّ الله لا يقليهم ولا يبغضهم بعد ثبوت محبته إياهم.
وهذه صفه كمال لله تعالى لأنَّ الله عز وجل لا يبغض عبداً أحبَّه ملالةً ولا تبرماً كما يكون في محبة كثير من الناس بعضهم بعضاً؛ فإنّ من الناس مَن إذا أحبّ شخصاً مدّة من الزمن قلاه وهجره وتبرّم منه، ولو لم يكن من محبوبه ما يستحقّ به القلى والبغض، إلا أنه قد يملّ هو هذه المحبة ويتبرّم منها؛ فيجد نفوراً في نفسه ممن كان يحبّه.
أمّا الله عز وجلّ فإنّه يتنزه عن ذلك، وهذا فيه فائدة عظيمة الأثر للمؤمنين، بأنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّهم فإنّه لن يقليهم، ولن يملَّ محبتهم ويتبرم منها، كما يكون ذلك من بعض المخلوقين؛ فمحبة الله عز وجل لعباده المؤمنين محبة ثابتة دائمة، ولها لوازمها التي لا تتخلّف عنها، من المعية الخاصة، والنصرة، والحفظ، والتأييد.
كما قال الله تعالى: {وأنّ الله مع المؤمنين}، وقال تعالى: {الله وليّ الذين آمنوا} ، وقال تعالى: {إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا} وقال تعالى: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} ،
- قال الوزير ابن هبيرة فيما نقله عنه الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة: (وإنما قال: {وما قلى} ولم يقل: وما قلاك، لأن القِلَى بغضٌ بعد حبّ، وذلك لا يجوز على الله تعالى، والمعنى: وما قلى أحداً قط)ا.هـ.
والمقصود أنّ نفي القِلَى عن الله عزّ وجلّ صفة كمال لله تعالى، لأنه يستلزم ثبوت المحبة ودوامها، وتحقق آثارها ولوازمها.
والنفي المحض لا يُتمدح به؛ لأنه ليس بكمال، وإنما يُتمدّح بالنفي إذا أريد إثبات نقيضه من صفة الكمال.
فإذا قيل عن شخص: إنه غير بخيل؛ فإنّ ذلك مدح له بالكرم.
وإذا قيل: لا يفرّ عند اللقاء؛ فهذا لا يستريب فيه السامع أن المراد منه مدحه بالشجاعة والإقدام.
وإذا قيل: لا يخون ولا يكذب؛ فهذا مدح له بالأمانة والصدق.
والمدح بنفي الأضداد السيئة أسلوب معروف عند العرب، ومنه قول الشاعر:
فقل للخليفة إن جئته ... نصيحاً ولا خير في المتهم
إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبّه لها عمراً ثمّ نمْ
فتى لا ينام على دمنة ... ولا يشرب الماء إلا بدم
ومن هذا الباب قول الله تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} ، وقوله تعالى: {وما ربّك بظلام للعبيد} فيه إثبات عدل الله تعالى.
وقوله تعالى: {وما ربك بغافل عما تعملون}.
وقوله تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء}
وقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد}
ونحوها من الآيات التي فيها مدح لله عز وجلّ بصيغة النفي كلها دالة على ثبوت كمال أضدادها.
والمدح بالنفي أوقع في كثير من النفوس لاستلزامه ثبوت كمال الضد.
والمقصود أنّ نفي القِلَى عن الله تعالى صفة كمال لأنه يستلزم ثبات محبّته تعالى لأوليائه المؤمنين، ودوامها، وتحقق آثارها ومقتضياتها، وهذا له أثر عظيم في نفوس المؤمنين فيملأ قلوبهم سكينة ورضا بالله تعالى، ويقيناً بنصره وتأييده وصدق وعده ما داموا متّبعين لهداه.
وقول الله تعالى: {ما ودَّعك ربك وما قلى} يشمل نفي جميع احتمالات المفارقة والتخلي ويؤكّد ثبوت المحبة ودوامها، وثبوت لوازمها من النصرة والحفظ والتأييد.
فقوله تعالى: {ما ودّعك ربك} قرئ: [ما وَدَعك ربك] بالتخفيف، أي: ما تركك، ولا أسْلَمَك لأعدائك.
فالمضارع من هذا الفعل "يدع"، والماضي: "ودع".
وقراءة {ودّعك} بالتشديد تحتمل وجهين في التفسير:
أحدهما: أنها تأكيد لـ[ودعك] المخففة.
والآخر: من التوديع والمفارقة.
فاشتملت الآية على نفي القلى ونفي المفارقة ونفي إسلامه وتركه لأعدائه.
وكل هذه المنفيّات تدلّ على كمال أضدادها، وتبيّن عظمة محبّة الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وتأييده له، ونصرته إياه، ومعيته الخاصة له.
وقول الله تعالى: {ما ودَّعك ربك وما قلى} يشمل نفي جميع احتمالات المفارقة والتخلي ويؤكّد ثبوت المحبة ودوامها، وثبوت لوازمها من النصرة والحفظ والتأييد.
فقوله تعالى: {ما ودّعك ربك} قرئ: [ما وَدَعك ربك] بالتخفيف، أي: ما تركك، ولا أسْلَمَك لأعدائك.
فالمضارع من هذا الفعل "يدع"، والماضي: "ودع".
وقراءة {ودّعك} بالتشديد تحتمل وجهين في التفسير:
أحدهما: أنها تأكيد لـ[ودعك] المخففة.
والآخر: من التوديع والمفارقة.
فاشتملت الآية على نفي القلى ونفي المفارقة ونفي إسلامه وتركه لأعدائه.
وكل هذه المنفيّات تدلّ على كمال أضدادها، وتبيّن عظمة محبّة الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم وتأييده له، ونصرته إياه، ومعيته الخاصة له.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس السادس والعشرون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء ٢٣ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في الحديث.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔹موعد المجلس: الثلاثاء ٢٣ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في الحديث.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
##مسائل_التفسير
س3: ما الفرق بين بني آدم وأرواح بني آدم في تفسير المراد بالروح في سورة النبأ؟
الجواب: اختلف في المراد بـ(الروح) في قول الله عز وجل: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُون} على أقوال كثيرة منها ما تحتمله اللغة، ومنها ما رويت فيه آثار عن السلف.
والأقرب أنّ المراد هنا هو المراد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح)). رواه مسلم.
وهو يحتمل ثلاثة أوجه صحيحة:
أحدها: الروح اسم جنس فيعمّ جميع الأرواح؛ وهذا القول له مناسبة لأن اليوم المراد في قوله تعالى: {يوم يقوم الروح} هو اليوم الذي تنفخ فيه النفخة الثانية وهي نفخة القيام المذكورة في قول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)}، والنظر من شأن الأرواح؛ فلا يكون إلا بعد عودة الأرواح إلى الأجساد.
وإطلاق اسم الروح اسم على جميع الأرواح إطلاق لغوي صحيح، والتعريف فيه للجنس.
والثاني: الروح، هو المراد في قول الله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}، وهو الذي منه تنفخ الأرواح كما قال تعالى: {ونفخت فيه من روحي}، وقال تعالى: {فنفخنا فيها من روحنا}.
والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الوجه الأول اسم جنس يعمّ جميع الأرواح، والتعريف فيه للجنس، وهذا الوجه يعنى به الأصل الذي منه تنفخ الأروح، والتعريف فيه للعهد الذهني.
والثالث: الروح جبريل عليه السلام، وهو قول الضحاك وروي عن الشعبي، وهذا القول يستدلّ له بقول الله تعالى: {نزل به الروح الأمين}، ويكون التعريف فيه للعهد الذهني.
وقد روي في المراد بالروح أقوال أخر فيها نظر، ومنها ما هو واهي الإسناد:
أحدها: الروح هو القرآن، وهو قول زيد بن أسلم، واستدلّ له بقول الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا}.
ويستدلّ له أيضاً بقول الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، فيكون المراد بالروح في هذه الآية هو المراد به في سورة النبأ.
لكن يشكل عليه أنّه لا يصحّ إلا على اعتبار أن التعريف للعهد الذهني ويكون منصرفاً إليه، وهذا خلاف المعهود في الذهن عند الإطلاق، وذكر الروح في آيتي النحل والشورى جاء مفسّراً بـ"من" البيانية.
والثاني: الروح هم بنو آدم، وهذا قول قتادة، رواه عنه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر.
ولعل مراده أرواح بني آدم بعد عودتها إلى الأجساد.
والثالث: أرواح بني آدم تقوم مع الملائكة بين النفختين قبل أن تردّ إلى الأجساد، وهذا القول رواه ابن جرير من طريق العوفيين عن ابن عباس، ولا يصحّ عنه.
والرابع: الروح خلقٌ يشبهون الناس وليسوا بناس، وهو قول مجاهد، وأبي صالح مولى أم هانئ، هذا القول يُحتاج فيه إلى دليل صحيح؛ لأنه ليس مما يدرك بالاجتهاد.
والخامس: الروح ملك أعظم الملائكة خلقاً، وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ولا تصحّ نسبته إلى ابن عباس.
والسادس: الروح ملك في السماء الرابعة، وهو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة، وهذا القول رواه ابن جرير من طريق رواد بن الجراح العسقلاني، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود.
وأبو حمزة الأقرب أنه الثمالي ثابت بن أبي صفية وهو رافضي متروك الحديث.
س3: ما الفرق بين بني آدم وأرواح بني آدم في تفسير المراد بالروح في سورة النبأ؟
الجواب: اختلف في المراد بـ(الروح) في قول الله عز وجل: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُون} على أقوال كثيرة منها ما تحتمله اللغة، ومنها ما رويت فيه آثار عن السلف.
والأقرب أنّ المراد هنا هو المراد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح)). رواه مسلم.
وهو يحتمل ثلاثة أوجه صحيحة:
أحدها: الروح اسم جنس فيعمّ جميع الأرواح؛ وهذا القول له مناسبة لأن اليوم المراد في قوله تعالى: {يوم يقوم الروح} هو اليوم الذي تنفخ فيه النفخة الثانية وهي نفخة القيام المذكورة في قول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)}، والنظر من شأن الأرواح؛ فلا يكون إلا بعد عودة الأرواح إلى الأجساد.
وإطلاق اسم الروح اسم على جميع الأرواح إطلاق لغوي صحيح، والتعريف فيه للجنس.
والثاني: الروح، هو المراد في قول الله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}، وهو الذي منه تنفخ الأرواح كما قال تعالى: {ونفخت فيه من روحي}، وقال تعالى: {فنفخنا فيها من روحنا}.
والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الوجه الأول اسم جنس يعمّ جميع الأرواح، والتعريف فيه للجنس، وهذا الوجه يعنى به الأصل الذي منه تنفخ الأروح، والتعريف فيه للعهد الذهني.
والثالث: الروح جبريل عليه السلام، وهو قول الضحاك وروي عن الشعبي، وهذا القول يستدلّ له بقول الله تعالى: {نزل به الروح الأمين}، ويكون التعريف فيه للعهد الذهني.
وقد روي في المراد بالروح أقوال أخر فيها نظر، ومنها ما هو واهي الإسناد:
أحدها: الروح هو القرآن، وهو قول زيد بن أسلم، واستدلّ له بقول الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا}.
ويستدلّ له أيضاً بقول الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، فيكون المراد بالروح في هذه الآية هو المراد به في سورة النبأ.
لكن يشكل عليه أنّه لا يصحّ إلا على اعتبار أن التعريف للعهد الذهني ويكون منصرفاً إليه، وهذا خلاف المعهود في الذهن عند الإطلاق، وذكر الروح في آيتي النحل والشورى جاء مفسّراً بـ"من" البيانية.
والثاني: الروح هم بنو آدم، وهذا قول قتادة، رواه عنه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر.
ولعل مراده أرواح بني آدم بعد عودتها إلى الأجساد.
والثالث: أرواح بني آدم تقوم مع الملائكة بين النفختين قبل أن تردّ إلى الأجساد، وهذا القول رواه ابن جرير من طريق العوفيين عن ابن عباس، ولا يصحّ عنه.
والرابع: الروح خلقٌ يشبهون الناس وليسوا بناس، وهو قول مجاهد، وأبي صالح مولى أم هانئ، هذا القول يُحتاج فيه إلى دليل صحيح؛ لأنه ليس مما يدرك بالاجتهاد.
والخامس: الروح ملك أعظم الملائكة خلقاً، وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ولا تصحّ نسبته إلى ابن عباس.
والسادس: الروح ملك في السماء الرابعة، وهو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة، وهذا القول رواه ابن جرير من طريق رواد بن الجراح العسقلاني، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود.
وأبو حمزة الأقرب أنه الثمالي ثابت بن أبي صفية وهو رافضي متروك الحديث.
#مسائل_التفسير
سؤال خلاصته: في تفسير قول الله تعالى: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين}
اختلف في المراد بالحق؛ فقال السعدي: (لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا إمهال على من لم يتبعه وينقد له {وَمَا كَانُوا إِذًا} أي: حين تنزل الملائكة، إن لم يؤمنوا، ولن يؤمنوا بـ {مُنْظَرِينَ}).
فيفهم منه أنّ المراد بالحق هو العذاب، وقال ابن جرير وابن كثير: {بالحقّ}: بالرسالة والعذاب.
فأيّ القولين صحيح؟
الجواب: تفسير السعدي له وجه باعتبار السياق؛ فقوله تعالى: {وما كانوا إذا منظرين} دليل على أنّ تنزيلهم بالعذاب.
وتفسير ابن جرير له وجه باعتبار آخر، وهو أنّ الله تعالى لا ينزّل الملائكة إلا بالحق، ولا تنزل الملائكة استجابة لتعنّت الكفار وأهوائهم.
والقولان يتفقان ولا يختلفان.
وهذا نظير اختلاف القراءات في قوله تعالى: {ننزل} ففيها ثلاث قراءات:
الأولى: {نُنزّل} بالنون المضمومة في أولها، وهي رواية حفص عن عاصم، وقراءة حمزة والكسائي.
والقراءة الثانية: [تُنَزَّل] بالتاء المضمومة وفتح الزاي مشددة، وهي رواية أبي بكر بن عياش عن عاصم.
والقراءة الثالثة: [تَنزَّل] بالتاء المفتوحة، وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر.
فالقراءة الثالثة تدلّ على أنّ الملائكة تتنزّل مطيعة لأمر ربها.
والقراءة الثانية تدلّ على أنّها لا تتنزّل من تلقاء نفسها ابتداءً.
والقراءة الأولى تدلّ على أنّ الله تعالى هو الذي ينزّل الملائكة.
وقد روى ابن جرير عن مجاهد أنه قال في قول الله تعالى: {ما ننزّل الملائكة إلاّ بالحقّ} قال: (بالرّسالة والعذاب).
وابن كثير نقل قول مجاهد ولم يزد عليه.
والرسالة عامة في كلّ ما يُرسلون به، ويُنزلون لأجله؛ فنزولهم بالعذاب هو من جملة نزولهم بالرسالة.
لكن نصّ السعدي على العذاب هو لمناسبة السياق وظهور مقصد الآيات في ترهيبهم وتهديدهم.
قال الله عز وجل: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ}.
فقول الله عز وجل: {وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} هذا دليل على أن نزولهم في هذه الحالة هو نزول عذاب؛ فإنهم إذا رأوا الملائكة وهم مقيمين على كفرهم انتقلوا من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ولم يمهلوا بعد ذلك، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ } فإذا رأوا الملائكة وهم مقيمون على كفرهم كان نزول الملائكة عليهم عذاباً لهم، ولا ينظرون بعد ذلك, كما قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}.
فقولهم: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} خطاب يقتضي المواجهة؛ فنزول الملائكة في هذا السياق هو نزول عذاب.
ويمكن أن يحمل معنى {بالحق} أي: بالعذاب الذي يحق عليهم، ويكون هذا المعنى داخلاً في معنى قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}.
سؤال خلاصته: في تفسير قول الله تعالى: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين}
اختلف في المراد بالحق؛ فقال السعدي: (لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا إمهال على من لم يتبعه وينقد له {وَمَا كَانُوا إِذًا} أي: حين تنزل الملائكة، إن لم يؤمنوا، ولن يؤمنوا بـ {مُنْظَرِينَ}).
فيفهم منه أنّ المراد بالحق هو العذاب، وقال ابن جرير وابن كثير: {بالحقّ}: بالرسالة والعذاب.
فأيّ القولين صحيح؟
الجواب: تفسير السعدي له وجه باعتبار السياق؛ فقوله تعالى: {وما كانوا إذا منظرين} دليل على أنّ تنزيلهم بالعذاب.
وتفسير ابن جرير له وجه باعتبار آخر، وهو أنّ الله تعالى لا ينزّل الملائكة إلا بالحق، ولا تنزل الملائكة استجابة لتعنّت الكفار وأهوائهم.
والقولان يتفقان ولا يختلفان.
وهذا نظير اختلاف القراءات في قوله تعالى: {ننزل} ففيها ثلاث قراءات:
الأولى: {نُنزّل} بالنون المضمومة في أولها، وهي رواية حفص عن عاصم، وقراءة حمزة والكسائي.
والقراءة الثانية: [تُنَزَّل] بالتاء المضمومة وفتح الزاي مشددة، وهي رواية أبي بكر بن عياش عن عاصم.
والقراءة الثالثة: [تَنزَّل] بالتاء المفتوحة، وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر.
فالقراءة الثالثة تدلّ على أنّ الملائكة تتنزّل مطيعة لأمر ربها.
والقراءة الثانية تدلّ على أنّها لا تتنزّل من تلقاء نفسها ابتداءً.
والقراءة الأولى تدلّ على أنّ الله تعالى هو الذي ينزّل الملائكة.
وقد روى ابن جرير عن مجاهد أنه قال في قول الله تعالى: {ما ننزّل الملائكة إلاّ بالحقّ} قال: (بالرّسالة والعذاب).
وابن كثير نقل قول مجاهد ولم يزد عليه.
والرسالة عامة في كلّ ما يُرسلون به، ويُنزلون لأجله؛ فنزولهم بالعذاب هو من جملة نزولهم بالرسالة.
لكن نصّ السعدي على العذاب هو لمناسبة السياق وظهور مقصد الآيات في ترهيبهم وتهديدهم.
قال الله عز وجل: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ}.
فقول الله عز وجل: {وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} هذا دليل على أن نزولهم في هذه الحالة هو نزول عذاب؛ فإنهم إذا رأوا الملائكة وهم مقيمين على كفرهم انتقلوا من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ولم يمهلوا بعد ذلك، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ } فإذا رأوا الملائكة وهم مقيمون على كفرهم كان نزول الملائكة عليهم عذاباً لهم، ولا ينظرون بعد ذلك, كما قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}.
فقولهم: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} خطاب يقتضي المواجهة؛ فنزول الملائكة في هذا السياق هو نزول عذاب.
ويمكن أن يحمل معنى {بالحق} أي: بالعذاب الذي يحق عليهم، ويكون هذا المعنى داخلاً في معنى قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}.
وهذا لا ينافي وجود أغراض أخر لنزول الملائكة؛ فإنَّ الملائكة تنزل أيضا على المؤمنين في حال الموت، وتتنزل على بعض المؤمنين قبل ذلك في حياتهم كرامةً من الله عز وجل لهم.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}
فهذا تنزل الملائكة على المؤمنين عند الموت كما هو قول مجاهد رحمه الله.
ومن ذلك أن المؤمن إذا جاءه ملك الموت ليقبض روحه فإنه يرى ملائكة الرحمة على حال حسنة.
ويقع لبعض المؤمنين من الكرامات في الحياة الدنيا أنه قد يرى بعض الملائكة أو يسمع خطابهم، كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ} ومريم ليست نبية.
وكذلك كان بعض الصالحين من الصحابة وغيرهم من تسلم عليه الملائكة، منهم عمران بن الحصين رضي الله عنه؛ فقد صحّ عنه أنه قال لمطرّف بن عبد الله: (إنّه يُسلَّم عليّ).
وورد في السنة أن الملائكة كلمت بعض المؤمنين، لكن هذا يقع بغير اختيار منهم، أي أنّهم لا يستدعون ذلك ولا يدخل في قدرتهم متى شاءوا، إنما هي كرامة من الله عز وجل، كما أنّ الرؤيا لا يملك المرء أن يراها من قبل نفسه، وإنما يريه الله في المنام ما يشاء ومتى يشاء.
و يكون نزول الملائكة للابتلاء والاختبار وذلك من جُملة ما يُرسلون به، ومن ذلك ما في الحديث الصحيح حديث الأبرص والأقرع والأعمى، فقد نزل إليهم ملك فكلمهم وحاورهم وأعطاهم ما أعطاهم مما ابتلوا به.
وبعض الصحابة رأوا جبريل عليه السلام, لكن ليست على هيئته الملكية، رأوه على هيئة دحية الكلبي, وكان رجلاً من الصحابة يتمثل جبريل على خلقته؛ فمن الصحابة من رآه على حاله تلك، ومنهم عائشة رضي الله عنها.
والمقصود أن سياق الآية هو في رؤية الكفار للملائكة بعد سؤال الآيات والتعنّت الذي تعنّتوه؛ فنزول الملائكة بعد ذلك عليهم ليس خيراً لهم، بل هو شرّ لهم، كما فصّل الله عز وجل ذلك في سورة الفرقان؛ فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}, فهذا نزول الملائكة في الدنيا بالعذاب، ومنه نزول ملائكة العذاب لقبض أرواح الكفار كما تقدّم.
ويقع للملائكة نزول عظيم في يوم القيامة كما في قول الله عز وجل: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}
فهذا تنزل الملائكة على المؤمنين عند الموت كما هو قول مجاهد رحمه الله.
ومن ذلك أن المؤمن إذا جاءه ملك الموت ليقبض روحه فإنه يرى ملائكة الرحمة على حال حسنة.
ويقع لبعض المؤمنين من الكرامات في الحياة الدنيا أنه قد يرى بعض الملائكة أو يسمع خطابهم، كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ} ومريم ليست نبية.
وكذلك كان بعض الصالحين من الصحابة وغيرهم من تسلم عليه الملائكة، منهم عمران بن الحصين رضي الله عنه؛ فقد صحّ عنه أنه قال لمطرّف بن عبد الله: (إنّه يُسلَّم عليّ).
وورد في السنة أن الملائكة كلمت بعض المؤمنين، لكن هذا يقع بغير اختيار منهم، أي أنّهم لا يستدعون ذلك ولا يدخل في قدرتهم متى شاءوا، إنما هي كرامة من الله عز وجل، كما أنّ الرؤيا لا يملك المرء أن يراها من قبل نفسه، وإنما يريه الله في المنام ما يشاء ومتى يشاء.
و يكون نزول الملائكة للابتلاء والاختبار وذلك من جُملة ما يُرسلون به، ومن ذلك ما في الحديث الصحيح حديث الأبرص والأقرع والأعمى، فقد نزل إليهم ملك فكلمهم وحاورهم وأعطاهم ما أعطاهم مما ابتلوا به.
وبعض الصحابة رأوا جبريل عليه السلام, لكن ليست على هيئته الملكية، رأوه على هيئة دحية الكلبي, وكان رجلاً من الصحابة يتمثل جبريل على خلقته؛ فمن الصحابة من رآه على حاله تلك، ومنهم عائشة رضي الله عنها.
والمقصود أن سياق الآية هو في رؤية الكفار للملائكة بعد سؤال الآيات والتعنّت الذي تعنّتوه؛ فنزول الملائكة بعد ذلك عليهم ليس خيراً لهم، بل هو شرّ لهم، كما فصّل الله عز وجل ذلك في سورة الفرقان؛ فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}, فهذا نزول الملائكة في الدنيا بالعذاب، ومنه نزول ملائكة العذاب لقبض أرواح الكفار كما تقدّم.
ويقع للملائكة نزول عظيم في يوم القيامة كما في قول الله عز وجل: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}.
#مسائل_التفسير
س: ما الحكمة في قول الله عز وجل عن غزوة تبوك: {ساعة العسرة} ؟ مع أنَّ مسير الجيش ذهاباً وإياباً تتجاوز خمسين يوماً كلها عسيرة، لو قلنا: إنها من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل لشمل ذلك المنافقين الذين اتبعوه صلى الله عليه وسلم جزئياً ثم انسحبوا.
الجواب: للمفسرين أقوال في المراد بساعة العسرة أرجحها أنّها الساعة التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم لمّا دعاهم إلى الجهاد، لقول الله تعالى: {الذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم}.
فهي أعسر الساعات من جهة تلقّي الأمر على ما يعلمون من شدة الحال والإيمان به والتسليم له، وما بعدها أيسر منها على القلوب، لأنّ المؤمن المتّبع لهدى الله تعالى يجد من معونة الله تعالى وتأييده ومعيّته الخاصّة ما يهوّن عليه الصعاب.
وساعة العسرة وافقت حال جهد ومشقة عظيمة من جهة، وقرب إثمار النخيل بالمدينة فاجتمعت عليهم أنواع من الفتن:
أولها: شدّة الحرّ.
وثانيها: بعد المشقة وطول السفر، والسفر في الحرّ الشديد فيه مشقة لا تخفى.
وثالثها: قلة النفقة حتى روي أن الرجلين يقتسمان التمرة الواحدة، يشقّانها بينهما.
ورابعها: قلة الماء في الطريق حتى بلغ بهم الأمر أن تشاوروا في ذبح نواضحهم.
وخامسها: قلة الظهر أي: الرواحل التي تحملهم؛ فكان الرجلان والثلاثة يتعاقبون على بعير واحد.
وسادسها: قرب إثمار النخيل، وطيب الرطب، وهو أمرٌ يترقبونه من أشهر.
- قال سعيد بن بشير، عن قتادة قال(: هم الّذين اتّبعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك قبل الشّام في لَهَبان الحرّ على ما يعلم اللّه من الجهد، أصابهم فيها جهدٌ شديدٌ، حتّى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقّان التّمرة بينهما، وكان النّفر يتداولون التّمرة بينهم يمصّها أحدهم ثمّ يشرب عليها من الماء ثمّ يمصّها الآخر، فتاب اللّه عليهم، فأقفلهم من غزوهم). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
فكانت الساعة التي دُعوا فيها للجهاد ساعة عسرة عظيمة فمن اتّبع النبي صلى الله عليه وسلم فيها كان ما بعدها أيسر عليه لأنه اجتاز العقبة الأولى كما قال مالك بن دينار رحمه الله: (ما من أعمال البر شيء إلا ودونه عقيبة، فإن صبر صاحبها أفضت به إلى رَوح، وإن جزع رجع). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر.
وأنبّه إلى قاعدة مهمة في معاني ألفاظ القرآن، وهي أنّ ألفاظ العبادات إذا وردت ممدوحة في القرآن فالمراد بها المعنى الشرعي لها، ومن ذلك قوله تعالى هنا: {الذين اتبعوه} أي: اتبعوه اتباعاً صحيحاً يرضي الله عز وجل.
لأنّ لفظ الاتباع هنا ورد في سياق مدح، فعُلم أن المراد به الاتباع الذي يحبّه والله ويرضاه، ولا يكون الاتباع محبوباً لله عز وجل حتى يكون صحيحاً، والقصد فيه خالصاً لله تعالى، وهذا يُخرج اتباع المنافقين؛ فإن خروج بعضهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لم يكن عن اتّباع صحيح، ولم يكن خروجاً محبوباً لله عز وجل؛ فهم وإن كانوا في ظاهر الأمر في صورة الذين اتبعوه إلا أنّهم في حقيقة الأمر ليسوا ممن اتّبعه؛ فليس لهم نصيب من المدح والثناء في هذه الآية؛ لأنهم خالفوا أصل الاتباع.
وهذه قاعدة مهمة في كلّ عمل يرد في سياق المدح كما في قول الله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} لا يراد به مطلق الإنفاق، وإنما المراد الإنفاق الذي يحبّه الله ويرضاه، وهو الإنفاق الذي جمع شرطي القبول من الإخلاص والمتابعة.
وكذلك يقال في كل عبارة فيها ثناء على مَن عمل عملاً من أعمال البر؛ فالمراد به العمل الصحيح الذي يحبه الله عز وجل ويرضاه.
وتنبيه آخر وهو أنّ لفظ الساعة في قوله تعالى: {الذين اتبعوه في ساعة العسرة} لا يراد به ما تعارفنا عليه في هذا الزمان، وهي المدة المقدرة بستين دقيقة؛ لأنّ هذا التحديد لم يكن متعارفاً عليه وقت نزول الوحي.
بل الساعة هي القطعة من النهار من غير تحديد، وقد تساوي في وقتنا الحاضر ساعات عدة،
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة رضي الله عنهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار )).
وقد تطلق الساعة على ما قلّ من الزمن كما في الموطأ والمسند والصحيحين من حديث سمي، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح [في الساعة الأولى]، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».
س: ما الحكمة في قول الله عز وجل عن غزوة تبوك: {ساعة العسرة} ؟ مع أنَّ مسير الجيش ذهاباً وإياباً تتجاوز خمسين يوماً كلها عسيرة، لو قلنا: إنها من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل لشمل ذلك المنافقين الذين اتبعوه صلى الله عليه وسلم جزئياً ثم انسحبوا.
الجواب: للمفسرين أقوال في المراد بساعة العسرة أرجحها أنّها الساعة التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم لمّا دعاهم إلى الجهاد، لقول الله تعالى: {الذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم}.
فهي أعسر الساعات من جهة تلقّي الأمر على ما يعلمون من شدة الحال والإيمان به والتسليم له، وما بعدها أيسر منها على القلوب، لأنّ المؤمن المتّبع لهدى الله تعالى يجد من معونة الله تعالى وتأييده ومعيّته الخاصّة ما يهوّن عليه الصعاب.
وساعة العسرة وافقت حال جهد ومشقة عظيمة من جهة، وقرب إثمار النخيل بالمدينة فاجتمعت عليهم أنواع من الفتن:
أولها: شدّة الحرّ.
وثانيها: بعد المشقة وطول السفر، والسفر في الحرّ الشديد فيه مشقة لا تخفى.
وثالثها: قلة النفقة حتى روي أن الرجلين يقتسمان التمرة الواحدة، يشقّانها بينهما.
ورابعها: قلة الماء في الطريق حتى بلغ بهم الأمر أن تشاوروا في ذبح نواضحهم.
وخامسها: قلة الظهر أي: الرواحل التي تحملهم؛ فكان الرجلان والثلاثة يتعاقبون على بعير واحد.
وسادسها: قرب إثمار النخيل، وطيب الرطب، وهو أمرٌ يترقبونه من أشهر.
- قال سعيد بن بشير، عن قتادة قال(: هم الّذين اتّبعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك قبل الشّام في لَهَبان الحرّ على ما يعلم اللّه من الجهد، أصابهم فيها جهدٌ شديدٌ، حتّى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقّان التّمرة بينهما، وكان النّفر يتداولون التّمرة بينهم يمصّها أحدهم ثمّ يشرب عليها من الماء ثمّ يمصّها الآخر، فتاب اللّه عليهم، فأقفلهم من غزوهم). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
فكانت الساعة التي دُعوا فيها للجهاد ساعة عسرة عظيمة فمن اتّبع النبي صلى الله عليه وسلم فيها كان ما بعدها أيسر عليه لأنه اجتاز العقبة الأولى كما قال مالك بن دينار رحمه الله: (ما من أعمال البر شيء إلا ودونه عقيبة، فإن صبر صاحبها أفضت به إلى رَوح، وإن جزع رجع). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر.
وأنبّه إلى قاعدة مهمة في معاني ألفاظ القرآن، وهي أنّ ألفاظ العبادات إذا وردت ممدوحة في القرآن فالمراد بها المعنى الشرعي لها، ومن ذلك قوله تعالى هنا: {الذين اتبعوه} أي: اتبعوه اتباعاً صحيحاً يرضي الله عز وجل.
لأنّ لفظ الاتباع هنا ورد في سياق مدح، فعُلم أن المراد به الاتباع الذي يحبّه والله ويرضاه، ولا يكون الاتباع محبوباً لله عز وجل حتى يكون صحيحاً، والقصد فيه خالصاً لله تعالى، وهذا يُخرج اتباع المنافقين؛ فإن خروج بعضهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لم يكن عن اتّباع صحيح، ولم يكن خروجاً محبوباً لله عز وجل؛ فهم وإن كانوا في ظاهر الأمر في صورة الذين اتبعوه إلا أنّهم في حقيقة الأمر ليسوا ممن اتّبعه؛ فليس لهم نصيب من المدح والثناء في هذه الآية؛ لأنهم خالفوا أصل الاتباع.
وهذه قاعدة مهمة في كلّ عمل يرد في سياق المدح كما في قول الله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} لا يراد به مطلق الإنفاق، وإنما المراد الإنفاق الذي يحبّه الله ويرضاه، وهو الإنفاق الذي جمع شرطي القبول من الإخلاص والمتابعة.
وكذلك يقال في كل عبارة فيها ثناء على مَن عمل عملاً من أعمال البر؛ فالمراد به العمل الصحيح الذي يحبه الله عز وجل ويرضاه.
وتنبيه آخر وهو أنّ لفظ الساعة في قوله تعالى: {الذين اتبعوه في ساعة العسرة} لا يراد به ما تعارفنا عليه في هذا الزمان، وهي المدة المقدرة بستين دقيقة؛ لأنّ هذا التحديد لم يكن متعارفاً عليه وقت نزول الوحي.
بل الساعة هي القطعة من النهار من غير تحديد، وقد تساوي في وقتنا الحاضر ساعات عدة،
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة رضي الله عنهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار )).
وقد تطلق الساعة على ما قلّ من الزمن كما في الموطأ والمسند والصحيحين من حديث سمي، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح [في الساعة الأولى]، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».
#مسائل_التفسير
س: ما ترجيحكم لتفسير قول الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} هل الكلام عن آدم عليه السلام وزوجه أم عن ذريته؟
الجواب:
خلاصة الجواب أنه لم يصحّ في تفسير هذه الآية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثر عن أحد من أصحابه.
روي فيها أثر عن أبيّ بن كعب ضعيف جداً، وآثار عن ابن عباس واهية الإسناد.
وأما التابعون فرويت عنهم آثار في تفسيرها فمنها ما يصحّ ومنها ما لا يصحّ عنهم من جهة الإسناد، وقد كتبت رسالة في تفسير هذه الآية، وخلاصة ما صحّ عنهم أنهم اختلفوا في تفسيرها على قولين:
أحدهما: أن مرجع ضمائر التثنية إلى آدم وحواء، واعتمدوا فيه على خبر إسرائيلي تعددت روايته ووقع فيها اختلاف إلا أنها اجتمعت على أنّ آدم وحواء سميا ولدهما عبد الحارث.
روي ذلك عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، ورجحه ابن جرير.
والقول الآخر: أنَّ الشرك إنما كان في ذرية آدم ولم يقع من آدم وحواء شرك، وهذا قول الحسن البصري، ورجحه ابن القيم وابن كثير.
وهو القول الصواب ولا يحتمل السياق غيره، ومرجحاته كثيرة، وتخريجه من جهة اللغة على وجهين:
أحدهما: المراد بالنفس الواحدة وزوجها الذي جعل منها آدم وحواء؛ ثمّ استطرد من الشخص إلى النوع، وهذا قول ابن القيم رحمه الله في مواضع من كتبه، وقال به ابن كثير في البداية والنهاية.
- قال ابن القيم في روضة المحبين: (فالنَّفسُ الواحدةُ وزوجُها آدمُ وحوَّاء، واللَّذان جعلا له شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يُلتفت إلى غير ذلك مما قيل: إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولدٌ فأتاهما إبليس؛ فقال: إن أحببتما أن يعيش لكما ولدٌ؛ فسمِّياه عبد الحارث ففعلا، فإن الله سبحانه اجتباه وهداه، فلم يكن ليشرك به بعد ذلك)ا.هـ.
والوجه الآخر: المراد أصل النفس البشرية، وأنّ البشر قد خلقوا من نفسٍ واحدة ثمّ خُلق منها زوجها أي جعلت الزوجة من نفس جنس الزوج، ولم تُجعل من جنس آخر، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} وذكر السكن في الآيتين لأنه من شأن الأنفس، وهي الأرواح؛ فليس لآدم وحواء ذكر في آية الأعراف إلا لموافقة كونهما أصل البشر، ومقصد الآية التنبيه على أصل خلق الأنفس، فهي نظير ما في سورة المؤمنون من التنبيه على أصل خلق الأجساد كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)}
وآدم لم يُجعل نطفة، وإنما انتقل الحديث من بيان أصل خلق أبي البشر من طين، إلى أصل خلق ذريته بعد ذلك من نطفة.
فذكر الإنسان المخلوق من سلالة من طين وإن كان هو آدم عليه السلام إلا أنه ليس مقصوداً لذاته، وإنما لبيان أصل خلق أجساد الناس.
وفي سورة الأعراف ذكر أصل خلق الأنفس وهي الأرواح؛ بذكر النفس الأولى، وهي نفس آدم، ثم انتقل الحديث إلى خلق ذريته؛ فليس ذكر آدم وحواء مقصوداً لذاته في الآيتين.
بل هذه الآية نظير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً}
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}
فذِكْر النفس الواحدة وزوجها، وذِكْر الذَّكَر والأنثى وإن كانا آدم وحواء ليس لأجل أشخاصهما، وما كان منهما من عمل، وإنما مقصد الآية تذكير الناس بأصل خلقتهم، ثم كيف كانت بعد ذلك بتقدير الله تعالى وحده، وتعريفهم بمنّة الله تعالى عليهم، وما كان من كثير من الناس في مقابلة تلك النعم العظيمة.
وعلى هذا فقوله تعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} أي تغشَّى الذكرُ الأنثى، لا يقصد به ذكرٌ بعينه، ولا أنثى بعينها، ولا يُقصد به النفس الأولى.
س: ما ترجيحكم لتفسير قول الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} هل الكلام عن آدم عليه السلام وزوجه أم عن ذريته؟
الجواب:
خلاصة الجواب أنه لم يصحّ في تفسير هذه الآية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثر عن أحد من أصحابه.
روي فيها أثر عن أبيّ بن كعب ضعيف جداً، وآثار عن ابن عباس واهية الإسناد.
وأما التابعون فرويت عنهم آثار في تفسيرها فمنها ما يصحّ ومنها ما لا يصحّ عنهم من جهة الإسناد، وقد كتبت رسالة في تفسير هذه الآية، وخلاصة ما صحّ عنهم أنهم اختلفوا في تفسيرها على قولين:
أحدهما: أن مرجع ضمائر التثنية إلى آدم وحواء، واعتمدوا فيه على خبر إسرائيلي تعددت روايته ووقع فيها اختلاف إلا أنها اجتمعت على أنّ آدم وحواء سميا ولدهما عبد الحارث.
روي ذلك عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، ورجحه ابن جرير.
والقول الآخر: أنَّ الشرك إنما كان في ذرية آدم ولم يقع من آدم وحواء شرك، وهذا قول الحسن البصري، ورجحه ابن القيم وابن كثير.
وهو القول الصواب ولا يحتمل السياق غيره، ومرجحاته كثيرة، وتخريجه من جهة اللغة على وجهين:
أحدهما: المراد بالنفس الواحدة وزوجها الذي جعل منها آدم وحواء؛ ثمّ استطرد من الشخص إلى النوع، وهذا قول ابن القيم رحمه الله في مواضع من كتبه، وقال به ابن كثير في البداية والنهاية.
- قال ابن القيم في روضة المحبين: (فالنَّفسُ الواحدةُ وزوجُها آدمُ وحوَّاء، واللَّذان جعلا له شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يُلتفت إلى غير ذلك مما قيل: إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولدٌ فأتاهما إبليس؛ فقال: إن أحببتما أن يعيش لكما ولدٌ؛ فسمِّياه عبد الحارث ففعلا، فإن الله سبحانه اجتباه وهداه، فلم يكن ليشرك به بعد ذلك)ا.هـ.
والوجه الآخر: المراد أصل النفس البشرية، وأنّ البشر قد خلقوا من نفسٍ واحدة ثمّ خُلق منها زوجها أي جعلت الزوجة من نفس جنس الزوج، ولم تُجعل من جنس آخر، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} وذكر السكن في الآيتين لأنه من شأن الأنفس، وهي الأرواح؛ فليس لآدم وحواء ذكر في آية الأعراف إلا لموافقة كونهما أصل البشر، ومقصد الآية التنبيه على أصل خلق الأنفس، فهي نظير ما في سورة المؤمنون من التنبيه على أصل خلق الأجساد كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)}
وآدم لم يُجعل نطفة، وإنما انتقل الحديث من بيان أصل خلق أبي البشر من طين، إلى أصل خلق ذريته بعد ذلك من نطفة.
فذكر الإنسان المخلوق من سلالة من طين وإن كان هو آدم عليه السلام إلا أنه ليس مقصوداً لذاته، وإنما لبيان أصل خلق أجساد الناس.
وفي سورة الأعراف ذكر أصل خلق الأنفس وهي الأرواح؛ بذكر النفس الأولى، وهي نفس آدم، ثم انتقل الحديث إلى خلق ذريته؛ فليس ذكر آدم وحواء مقصوداً لذاته في الآيتين.
بل هذه الآية نظير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً}
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}
فذِكْر النفس الواحدة وزوجها، وذِكْر الذَّكَر والأنثى وإن كانا آدم وحواء ليس لأجل أشخاصهما، وما كان منهما من عمل، وإنما مقصد الآية تذكير الناس بأصل خلقتهم، ثم كيف كانت بعد ذلك بتقدير الله تعالى وحده، وتعريفهم بمنّة الله تعالى عليهم، وما كان من كثير من الناس في مقابلة تلك النعم العظيمة.
وعلى هذا فقوله تعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} أي تغشَّى الذكرُ الأنثى، لا يقصد به ذكرٌ بعينه، ولا أنثى بعينها، ولا يُقصد به النفس الأولى.
فإن قيل: لِـمَ لَـمْ يُعدل عن الإفراد إلى الجمع؟
قيل: الإفراد هو المتعيّن لبيان سنّة الله تعالى في خلق الذكر والأنثى وقيام الحياة الزوجية بينهما على تغشّي الذكر الأنثى ليولد لهما.
ولو أُتي بصيغة الجمع لفسد المعنى لاحتمال اللفظ لأن يتغشى الأنثى ذكورٌ عدة؛ فلا يصحّ أن يقال: فلما تغشى الذكور الإناث، ولا نحو هذه العبارات.
ولا يصحّ الإتيان بصيغة عموم؛ نحو: فلما تغشى كلَّ أنثى زوجها؛ لأنه يقتضي الإخبار بخلاف الحقيقة.
وقوله: {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} هذا هو شأن عامة النساء في الحمل بتقدير الله عزّ وجلّ.
وقوله: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩)}
وهذا شأن عامّ في كلّ زوجين يترقبان الولد يجدان في أنفسهما توجّها إلى الله تعالى بطلب صلاح الولد وسلامته.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} مرجع الضمير فيهما على الذكر والأنثى المتقدمين من غير تعيين لهما، كما هو الشأن في كثير من الآيات التي فيها ذكر لعامة ما يقع في الناس بنسبته إليهم من غير تعيين، والتثنية على اعتبار الجنسين، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)} ).
فالمراد جنس شياطين الإنس، وجنس شياطين الجن؛ فصحت التثنية باعتبار الصنفين، وإن كان كلّ صنفٍ يشتمل على أفراد كثيرين.
وقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} استعمل ضمير الجمع حملاً على المعنى باعتبار تعدد الأفراد واشتراكهم في هذه الصفة، بخلاف الغشيان الذي استعمل فيه ضمير الإفراد ليختص بالرجل وامرأته، واستعملت التثنية في دعاء كل أبوين لولدهما؛ فكان استعمال الضمائر على أحسن الوجوه لتخليص المعاني بعضها من بعض.
وقوله تعالى: {جعلا له شركاء} ولم يقل شريكاً، وهذا دليل على أن المراد المشركون من ذرية آدم ، وليس آدم وحواء.
وفي الآية قراءتان:
إحداهما: [شِرْكاً] بكسر الشين وإسكان الراء، وهي قراءة نافع ورواية أبي بكر بن عياش عن عاصم.
والأخرى: شُركاء، وهي قراءة بقية السبعة.
والقراءتان متفقتان على ردّ القول المبني على الخبر الإسرائيلي، فإنّ آدم وحواء لم يجعلا لإبليس شِركاً فيما آتاهما الله، ولا يقبل ردّ مَن ردّ هذه القراءة؛ فإنها قراءة سبعية متواترة.
وقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} ولم يقل: يُشركان، دليل آخر على أنّ المراد جماعة أشركوا بالله فيما آتاهم.
ثم قوله تعالى بعدها: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}
كلّه ظاهر في أنّ المراد به المشركون من ذرية آدم، وليس لآدم وحواء في هذا الخطاب شيء يُتعلّق به.
قيل: الإفراد هو المتعيّن لبيان سنّة الله تعالى في خلق الذكر والأنثى وقيام الحياة الزوجية بينهما على تغشّي الذكر الأنثى ليولد لهما.
ولو أُتي بصيغة الجمع لفسد المعنى لاحتمال اللفظ لأن يتغشى الأنثى ذكورٌ عدة؛ فلا يصحّ أن يقال: فلما تغشى الذكور الإناث، ولا نحو هذه العبارات.
ولا يصحّ الإتيان بصيغة عموم؛ نحو: فلما تغشى كلَّ أنثى زوجها؛ لأنه يقتضي الإخبار بخلاف الحقيقة.
وقوله: {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} هذا هو شأن عامة النساء في الحمل بتقدير الله عزّ وجلّ.
وقوله: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩)}
وهذا شأن عامّ في كلّ زوجين يترقبان الولد يجدان في أنفسهما توجّها إلى الله تعالى بطلب صلاح الولد وسلامته.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} مرجع الضمير فيهما على الذكر والأنثى المتقدمين من غير تعيين لهما، كما هو الشأن في كثير من الآيات التي فيها ذكر لعامة ما يقع في الناس بنسبته إليهم من غير تعيين، والتثنية على اعتبار الجنسين، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)} ).
فالمراد جنس شياطين الإنس، وجنس شياطين الجن؛ فصحت التثنية باعتبار الصنفين، وإن كان كلّ صنفٍ يشتمل على أفراد كثيرين.
وقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} استعمل ضمير الجمع حملاً على المعنى باعتبار تعدد الأفراد واشتراكهم في هذه الصفة، بخلاف الغشيان الذي استعمل فيه ضمير الإفراد ليختص بالرجل وامرأته، واستعملت التثنية في دعاء كل أبوين لولدهما؛ فكان استعمال الضمائر على أحسن الوجوه لتخليص المعاني بعضها من بعض.
وقوله تعالى: {جعلا له شركاء} ولم يقل شريكاً، وهذا دليل على أن المراد المشركون من ذرية آدم ، وليس آدم وحواء.
وفي الآية قراءتان:
إحداهما: [شِرْكاً] بكسر الشين وإسكان الراء، وهي قراءة نافع ورواية أبي بكر بن عياش عن عاصم.
والأخرى: شُركاء، وهي قراءة بقية السبعة.
والقراءتان متفقتان على ردّ القول المبني على الخبر الإسرائيلي، فإنّ آدم وحواء لم يجعلا لإبليس شِركاً فيما آتاهما الله، ولا يقبل ردّ مَن ردّ هذه القراءة؛ فإنها قراءة سبعية متواترة.
وقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} ولم يقل: يُشركان، دليل آخر على أنّ المراد جماعة أشركوا بالله فيما آتاهم.
ثم قوله تعالى بعدها: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}
كلّه ظاهر في أنّ المراد به المشركون من ذرية آدم، وليس لآدم وحواء في هذا الخطاب شيء يُتعلّق به.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس السابع والعشرون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء ٣٠ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في علوم القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔹موعد المجلس: الثلاثاء ٣٠ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في علوم القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_التفسير
س: ما معنى اللام في قوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى}؛ فقد قرأت في تفسير ابن عاشور أنها لام علة أو لام اختصاص، وأحتاج إلى التوضيح.
الجواب:
ابن عاشور رحمه الله ذكر الاحتمالات التي يحتملها السياق لمعنى اللام في قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}
فهي تحتمل معنيين صحيحين لا تعارض بينهما:
أحدهما: أن تكون لام علة.
والآخر: أن تكون لام اختصاص.
وكونها لام علة فيه وجهان:
الوجه الأول: أن يكون سبب امتحان قلوبهم هو ما كانوا عليه من التقوى، أي: امتحن الله قلوبهم، وابتلاهم لأجل ما اتصفوا به من التقوى، وذلك ليتبين الذين يثبتون على التقوى من الذين لا يثبتون عليها، وهذا نظير قول الله عز وجل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.
فالإيمان الأوّل الحاصل بالاستجابة يتبعه امتحان، وهو امتحان خاص غير الامتحان العام الذي يكون لعموم المكلفين: هل يستجيبون لداعي الإسلام أو لا يستجيبون؛ فإذا استجابوا امتحنوا امتحاناً آخر ليتبيّن من يثبت ممن لا يثبت؛ فهذا الوجه موافق لأدلة دل عليه القرآن، ودلت عليها السنة.
الوجه الثاني: {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ليرفعهم إلى مرتبة تحقيق التقوى؛ فإن ادعاء التقوى شيء، وتحقيق مرتبة التقوى شيء آخر.
وقول الإنسان بلسانه: آمنت، غير تحقيق مرتبة الإيمان بالبصيرة في الدين والثبات عليه والصبر على البلاء.
فما يحصل بعد الابتلاء من الثبات، وتحقيق الإيمان والتقوى، وظهور آثارهما على العبد هو الذي يكون للعبد به مقام صدق عند الله عز وجل.
فلام العلة تحتمل الوجهين، وهما وجهان صحيحان.
وأما لام الاختصاص فوجه المعنى فيها أن التقوى مرتبة عالية رفيعة، والذين يمتحن الله قلوبهم لهذه المرتبة قد اختصهم بمنّة عظيمة، فكأنهم مخصوصون بالامتحان الذي يرفعهم الله به للتقوى.
فيكون المعنى امتحن الله قلوبهم ليختصهم بفضله ويتمَّ عليهم نعمته بأن يؤتيهم التقوى، فيبلغوا مرتبة المتقين؛ فإنّ التقوى منّة من الله تعالى يؤتيها من يجتبيهم من عباده، كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}
ولذلك يُشرع للعبد أن يسأل الله تعالى التقوى؛ وقد كان من دعاء النبي صل ى الله عليه وسلم: « اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها». رواه أحمد ومسلم من حديث عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعاً.
- وروى أحمد حديث نافع بن عمر الجمحي، عن صالح بن سُعيد، عن عائشة رضي الله عنها أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: « رب أعطِ نفسي تقواها، زكّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: « اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى ».
فدلّت الآية والأحاديث على أنّ التقوى تُؤتى، وأنه يشرع للعبد أن يسأل الله عزَّ وجل أن يؤتيه التقوى.
وتحقيق التقوى هو أن يصدق على العبد أنه من عباد الله المتقين، وهذه مرتبة عظيمة لها آثار جليلة تتبعها:
- منها: معية الله عز وجل للمتقين، كما في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}, وهي معية خاصة, لها بركاتها وآثارها العظيمة.
- ومنها: تقبّل الأعمال، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
والوعود التي وعد الله عز وجل بها عباده المتقين عظيمة معلومة.
والمقصود أنّ لام الاختصاص يستفاد منها أنّ مرتبة التقوى مرتبة عظيمة، وأن من امتُن لها فقد اختصَّ بفضل عظيم.
وهذا نظير ما في قول الله عز وجل: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}, فأولئك كانوا أحق بالتقوى وكانوا أهلا للتقوى, فهم مخصوصون بها؛ فكان ذلك من تشريف الله عز وجل لهم.
س: ما معنى اللام في قوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى}؛ فقد قرأت في تفسير ابن عاشور أنها لام علة أو لام اختصاص، وأحتاج إلى التوضيح.
الجواب:
ابن عاشور رحمه الله ذكر الاحتمالات التي يحتملها السياق لمعنى اللام في قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}
فهي تحتمل معنيين صحيحين لا تعارض بينهما:
أحدهما: أن تكون لام علة.
والآخر: أن تكون لام اختصاص.
وكونها لام علة فيه وجهان:
الوجه الأول: أن يكون سبب امتحان قلوبهم هو ما كانوا عليه من التقوى، أي: امتحن الله قلوبهم، وابتلاهم لأجل ما اتصفوا به من التقوى، وذلك ليتبين الذين يثبتون على التقوى من الذين لا يثبتون عليها، وهذا نظير قول الله عز وجل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.
فالإيمان الأوّل الحاصل بالاستجابة يتبعه امتحان، وهو امتحان خاص غير الامتحان العام الذي يكون لعموم المكلفين: هل يستجيبون لداعي الإسلام أو لا يستجيبون؛ فإذا استجابوا امتحنوا امتحاناً آخر ليتبيّن من يثبت ممن لا يثبت؛ فهذا الوجه موافق لأدلة دل عليه القرآن، ودلت عليها السنة.
الوجه الثاني: {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ليرفعهم إلى مرتبة تحقيق التقوى؛ فإن ادعاء التقوى شيء، وتحقيق مرتبة التقوى شيء آخر.
وقول الإنسان بلسانه: آمنت، غير تحقيق مرتبة الإيمان بالبصيرة في الدين والثبات عليه والصبر على البلاء.
فما يحصل بعد الابتلاء من الثبات، وتحقيق الإيمان والتقوى، وظهور آثارهما على العبد هو الذي يكون للعبد به مقام صدق عند الله عز وجل.
فلام العلة تحتمل الوجهين، وهما وجهان صحيحان.
وأما لام الاختصاص فوجه المعنى فيها أن التقوى مرتبة عالية رفيعة، والذين يمتحن الله قلوبهم لهذه المرتبة قد اختصهم بمنّة عظيمة، فكأنهم مخصوصون بالامتحان الذي يرفعهم الله به للتقوى.
فيكون المعنى امتحن الله قلوبهم ليختصهم بفضله ويتمَّ عليهم نعمته بأن يؤتيهم التقوى، فيبلغوا مرتبة المتقين؛ فإنّ التقوى منّة من الله تعالى يؤتيها من يجتبيهم من عباده، كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}
ولذلك يُشرع للعبد أن يسأل الله تعالى التقوى؛ وقد كان من دعاء النبي صل ى الله عليه وسلم: « اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها». رواه أحمد ومسلم من حديث عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعاً.
- وروى أحمد حديث نافع بن عمر الجمحي، عن صالح بن سُعيد، عن عائشة رضي الله عنها أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: « رب أعطِ نفسي تقواها، زكّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: « اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى ».
فدلّت الآية والأحاديث على أنّ التقوى تُؤتى، وأنه يشرع للعبد أن يسأل الله عزَّ وجل أن يؤتيه التقوى.
وتحقيق التقوى هو أن يصدق على العبد أنه من عباد الله المتقين، وهذه مرتبة عظيمة لها آثار جليلة تتبعها:
- منها: معية الله عز وجل للمتقين، كما في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}, وهي معية خاصة, لها بركاتها وآثارها العظيمة.
- ومنها: تقبّل الأعمال، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
والوعود التي وعد الله عز وجل بها عباده المتقين عظيمة معلومة.
والمقصود أنّ لام الاختصاص يستفاد منها أنّ مرتبة التقوى مرتبة عظيمة، وأن من امتُن لها فقد اختصَّ بفضل عظيم.
وهذا نظير ما في قول الله عز وجل: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}, فأولئك كانوا أحق بالتقوى وكانوا أهلا للتقوى, فهم مخصوصون بها؛ فكان ذلك من تشريف الله عز وجل لهم.
عن إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له».
رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وغيرهم.
وفي رواية عند النسائي والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من الدنيا دعا به فرج عنه))
فقيل له: بلى
قال: ((دعاء ذي النون {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين})).
وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وغيرهم.
وفي رواية عند النسائي والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من الدنيا دعا به فرج عنه))
فقيل له: بلى
قال: ((دعاء ذي النون {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين})).
وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
#مسائل_التفسير
س: ما الراجح في معنى المسحَّرين في قول الله تعالى: {قالوا إنما أنت من المسحّرين} ؟
الجواب: للسلف أقوال في معنى "المسحّرين" يُمكن إرجاعها إلى أصلين في الاشتقاق:
- فقال مجاهد: من المسحورين.
- وقال قتادة: من الساحرين.
والقولان يجمعهما اشتقاق المسحّرين من السِّحْر الذي هو عمل الشياطين.
فقول مجاهد توجيهه أنّ المسحَّر هو المسحور مرة بعد مرة، كما قيل في المُرزَّأ هو الذي يُرزأ مرة بعد مرة، والمغلَّب الذي يُغلب مرة بعد مرة؛ فلا يُغالب إلا غُلب.
قال عمرو بن كلثوم:
فإنْ نَغلِب فغلابون قِدْما … وإنْ نُغلب فغير مُغَلَّبينا
وأما قول قتادة فله توجيهان:
أحدهما: أنّ المُسحَّر هو الذي عُلّم السِّحْرَ حتى صار ساحراً؛ فهو وإن كان اسم مفعول إلا أنّه يؤول إلى معنى اسم الفاعل كما في "مُسلَّم" يؤول معناه إلى "سالم"، و"مخلَّد" يؤول معناه إلى "خالد".
والآخر: أن المسحَّر هو المتَّهم بالسحر؛ كالمكذَّب المتَّهم بالكذب، و"المبخَّل" الموصوف بالبخل.
وفي تفسير الآية أقوال أخر يجمعها اشتقاق "المسحرين" من السَّحْرِ بمعنى الصرف، فالمسحَّر هو المصروف عن شأنه وما ينفعه، ومنه قوله تعالى: {فأنّى تُسحرون} أي "تُصرفون" في قول جمهور المفسّرين، وقال لبيد بن ربيعة:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسَحَّر
عبيد لِحَيَّيْ حميرٍ إن تملَّكوا ... وتظلمنا عُمَّالُ كسرى وقيصرِ
نحلُّ بلاداً كلّها حُلَّ قبلَنا ... ونرجو الفلاحَ بعد عادٍ وحِمْيَرِ
يقول: نحن أمّة ضعيفة مستضعفة كالعصافير في ضعفها واشتغالها بطلب المأكل والمشرب حتى استذلّتنا الأمم الأخرى كملوك حِمير من الجنوب، والمناذرة الذي هم وكلاء كسرى على من يليهم من العرب من جهة المشرق، والغساسنة الذين هم وكلاء قيصر على من يليهم من العرب من جهة الشمال.
يقول: فلم نهتدِ لما ننجو به من هذا الذلّ، ولم نفق من سكرتنا بطلب المأكل والمشرب، وغفلنا عن مصيرنا وقد علمنا هلاك الأمم قبلنا؛ فكأنّنا مسحَّرون أي: مصروفون عن شأننا وسبيل عزّتنا، مقيمون على ضعفنا واشتغالنا بما نُلهى به مما لا ينفع.
وهذا من شعر لبيد في الجاهلية، وقال لبيد أيضاً:
وإنا قد يُرى ما نحن فيه ... ونُسحر بالشراب وبالطعام
كما سُحرت به إرم وعاد ... فأضحوا مثل أحلام النيام
وقال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
أرانا موضِعين لأمرِ غيبٍ ... وَنُسْحَرُ بالطعامِ وَبالشرابِ
عَصافيرٌ وَذُبَّانٌ وَدُودٌ ... وأجْرأُ مِنْ مُجَلِّحَةِ الذِّئابِ
يقول: نحن في ضعفنا وقعودنا عن طلب العزّة كالمخلوقات الضعيفة من العصافير والذبّان والدود، وفي الشرّ والمآثم وقطيعة الأرحام أجرأ من الذئاب الضارية.
والمقصود من هذه الشواهد أنّ "المسحَّر" هو المصروف عن شأنه وما ينفعه، المشتغل بما يُلهى به عما يراد له.
والتعبير بالتسحير فيه معنى زائد عن مجرّد الصرف؛ فهو صرف مصحوب بأمرين:
1: غفلة عما أمامه من كيد يراد به أو عاقبة لم يستعدّ لها.
2: واشتغال بما لا ينفع، وهذا المشتغَلُ به قد يُذكر وقد يُحذف احتقاراً له أو لعدم فائدة ذكره.
ومن هذا الاشتقاق سمّي السِّحْر سحراً؛ لأنّ المسحور مصروف عما ينفعه ويصلح شأنه مشتغل بما لا ينفعه.
قال أبو منصور الأزهري: (والسحر سمي سحرا: لأنه صرف الشيء عن جهته، فكأن الساحر لما أرى الباطل في صورة الحق، وخيل الشيء على غير حقيقته، فقد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه)ا.هـ.
وتقرير معنى الآية على هذا - والله تعالى أعلم - أنّهم أرادوا بقولهم: {إنما أنت من المسحَّرين} أي من المصروفين عن شأنهم وما ينفعهم، المتعلّلين بما زُيّن لهم مما التهوا به وشغلهم.
وفيه تكذيب بالرسالة، واتهام رسولهم بأنّ ما يدعوا إليه إنما هو لهوٌ تعلّل به فخُدع به وصرفه عما يرونه من صلاح الشأن الذي يزعمون أنهم يبصرون فيه سبيل الرشاد، وأنّ رسولهم مُسحَّرٌ عنه، ولتأكيد هذا المعنى قالوا: {ما أنت إلا بشر مثلنا} وفي الموضع الآخر: {وما أنت إلا بشر مثلنا}.
وبذلك يظهر أن لفظ "المسحَّرين" ينتظم الأقوال الصحيحة المذكورة في تفسيره؛ فكلٌّ قد عبّر ببعض المعنى.
ولا يبعد أن يكون في المعنيّين بالخطاب طوائف قالت كلّ طائفة بقول؛ فأتت هذه المفردة جامعة لتلك الأقوال كلها، وهذا قدر معجز من بيان القرآن.
س: ما الراجح في معنى المسحَّرين في قول الله تعالى: {قالوا إنما أنت من المسحّرين} ؟
الجواب: للسلف أقوال في معنى "المسحّرين" يُمكن إرجاعها إلى أصلين في الاشتقاق:
- فقال مجاهد: من المسحورين.
- وقال قتادة: من الساحرين.
والقولان يجمعهما اشتقاق المسحّرين من السِّحْر الذي هو عمل الشياطين.
فقول مجاهد توجيهه أنّ المسحَّر هو المسحور مرة بعد مرة، كما قيل في المُرزَّأ هو الذي يُرزأ مرة بعد مرة، والمغلَّب الذي يُغلب مرة بعد مرة؛ فلا يُغالب إلا غُلب.
قال عمرو بن كلثوم:
فإنْ نَغلِب فغلابون قِدْما … وإنْ نُغلب فغير مُغَلَّبينا
وأما قول قتادة فله توجيهان:
أحدهما: أنّ المُسحَّر هو الذي عُلّم السِّحْرَ حتى صار ساحراً؛ فهو وإن كان اسم مفعول إلا أنّه يؤول إلى معنى اسم الفاعل كما في "مُسلَّم" يؤول معناه إلى "سالم"، و"مخلَّد" يؤول معناه إلى "خالد".
والآخر: أن المسحَّر هو المتَّهم بالسحر؛ كالمكذَّب المتَّهم بالكذب، و"المبخَّل" الموصوف بالبخل.
وفي تفسير الآية أقوال أخر يجمعها اشتقاق "المسحرين" من السَّحْرِ بمعنى الصرف، فالمسحَّر هو المصروف عن شأنه وما ينفعه، ومنه قوله تعالى: {فأنّى تُسحرون} أي "تُصرفون" في قول جمهور المفسّرين، وقال لبيد بن ربيعة:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسَحَّر
عبيد لِحَيَّيْ حميرٍ إن تملَّكوا ... وتظلمنا عُمَّالُ كسرى وقيصرِ
نحلُّ بلاداً كلّها حُلَّ قبلَنا ... ونرجو الفلاحَ بعد عادٍ وحِمْيَرِ
يقول: نحن أمّة ضعيفة مستضعفة كالعصافير في ضعفها واشتغالها بطلب المأكل والمشرب حتى استذلّتنا الأمم الأخرى كملوك حِمير من الجنوب، والمناذرة الذي هم وكلاء كسرى على من يليهم من العرب من جهة المشرق، والغساسنة الذين هم وكلاء قيصر على من يليهم من العرب من جهة الشمال.
يقول: فلم نهتدِ لما ننجو به من هذا الذلّ، ولم نفق من سكرتنا بطلب المأكل والمشرب، وغفلنا عن مصيرنا وقد علمنا هلاك الأمم قبلنا؛ فكأنّنا مسحَّرون أي: مصروفون عن شأننا وسبيل عزّتنا، مقيمون على ضعفنا واشتغالنا بما نُلهى به مما لا ينفع.
وهذا من شعر لبيد في الجاهلية، وقال لبيد أيضاً:
وإنا قد يُرى ما نحن فيه ... ونُسحر بالشراب وبالطعام
كما سُحرت به إرم وعاد ... فأضحوا مثل أحلام النيام
وقال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
أرانا موضِعين لأمرِ غيبٍ ... وَنُسْحَرُ بالطعامِ وَبالشرابِ
عَصافيرٌ وَذُبَّانٌ وَدُودٌ ... وأجْرأُ مِنْ مُجَلِّحَةِ الذِّئابِ
يقول: نحن في ضعفنا وقعودنا عن طلب العزّة كالمخلوقات الضعيفة من العصافير والذبّان والدود، وفي الشرّ والمآثم وقطيعة الأرحام أجرأ من الذئاب الضارية.
والمقصود من هذه الشواهد أنّ "المسحَّر" هو المصروف عن شأنه وما ينفعه، المشتغل بما يُلهى به عما يراد له.
والتعبير بالتسحير فيه معنى زائد عن مجرّد الصرف؛ فهو صرف مصحوب بأمرين:
1: غفلة عما أمامه من كيد يراد به أو عاقبة لم يستعدّ لها.
2: واشتغال بما لا ينفع، وهذا المشتغَلُ به قد يُذكر وقد يُحذف احتقاراً له أو لعدم فائدة ذكره.
ومن هذا الاشتقاق سمّي السِّحْر سحراً؛ لأنّ المسحور مصروف عما ينفعه ويصلح شأنه مشتغل بما لا ينفعه.
قال أبو منصور الأزهري: (والسحر سمي سحرا: لأنه صرف الشيء عن جهته، فكأن الساحر لما أرى الباطل في صورة الحق، وخيل الشيء على غير حقيقته، فقد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه)ا.هـ.
وتقرير معنى الآية على هذا - والله تعالى أعلم - أنّهم أرادوا بقولهم: {إنما أنت من المسحَّرين} أي من المصروفين عن شأنهم وما ينفعهم، المتعلّلين بما زُيّن لهم مما التهوا به وشغلهم.
وفيه تكذيب بالرسالة، واتهام رسولهم بأنّ ما يدعوا إليه إنما هو لهوٌ تعلّل به فخُدع به وصرفه عما يرونه من صلاح الشأن الذي يزعمون أنهم يبصرون فيه سبيل الرشاد، وأنّ رسولهم مُسحَّرٌ عنه، ولتأكيد هذا المعنى قالوا: {ما أنت إلا بشر مثلنا} وفي الموضع الآخر: {وما أنت إلا بشر مثلنا}.
وبذلك يظهر أن لفظ "المسحَّرين" ينتظم الأقوال الصحيحة المذكورة في تفسيره؛ فكلٌّ قد عبّر ببعض المعنى.
ولا يبعد أن يكون في المعنيّين بالخطاب طوائف قالت كلّ طائفة بقول؛ فأتت هذه المفردة جامعة لتلك الأقوال كلها، وهذا قدر معجز من بيان القرآن.