Telegram Web Link
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس الثالث والعشرون
🔹موعد المجلس: الأربعاء
19 ربيع الأول 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مفتوح.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔺 تقرر تأجيل موعد المجلس هذا الأسبوع -استثناء- إلى يوم الأربعاء إن شاء الله.
#مسائل_أصول_التفسير
هذا الخبر رواه الثعلبي في الكشف والبيان وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله
وفي إسناده أبو القاسم الحبيبي متّهم بالكذب، وشيخه أبو جعفر الرازي ضعفه الدارقطني، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: أتى بخبر باطل هو آفته، وأبو نصر الرملي لا يُعرف.
والمتن منكَر، فالتفسير سنة متّبعة، وحاجة طلاب العلم إلى العلماء لا تنفك في زمن من الأزمان، وتفرّغ طالب العلم لكتاب الله قراءة وتفهّماً لا يغنيه عن سؤال أهل العلم، ولا التفقه عليهم، والدعوة إلى ذلك مخالفة لسبيل أهل العلم والإيمان.
#مسائل_التفسير
س: أشكلت عليّ جملة في تفسير ابن كثير لقول الله تعالى: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، قال: «حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه» أريد مزيد بيان وتوضيح إذا تكرمتم، زادكم الله من فضله.

الجواب:
أحكام الله عز وجل على ثلاثة أنواع:
1: أحكام شرعية، تتعلق بالأمر والنهي.
2: وأحكام قدرية، تتعلق بما يقدّره الله عز وجل ويقضيه على عباده.
3: وأحكام جزائية على أعمال العباد وأحوالهم في الدنيا والآخرة.
فالله عز وجل له الحكم بهذه الاعتبارات الثلاث كلها، والله عز وجل حكيم في أحكامه كلها، في أحكامه الشرعية، وفي أحكامه القدرية، وفي أحكامه الجزائية.
واسم الله الحكيم فُسِّر بثلاثة معانٍ كلها حق: حكيم بمعنى مُحكِم، وحكيم بمعنى حاكم، وحكيم بمعنى ذو الحكمة.

وأما النقض والإبرام؛ فمعنيان متقابلان؛
فالإبرام: هو إحكام الأمر إحكاماً شديداً، قال الله تعالى: {أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون}.
وأصل الإبرام عند العرب فتل خيطين فأكثر وإبرامها معاً لينتج منها حبلٌ قويّ مُبرم، يستعمل في جذب الدلاء المملوءة ماء ويستوثق من قوّته وإحكامه حتى يُنتفع به، والعرب تُسمّي الخيط الذي لا يُبرم معه خيط آخر سحيلاً، كما في قول زهير بن أبي سُلمى:
يميناً لنعم السيدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرَم
والنقض: هو إرجاعُ ما أُبرم إلى حاله قبل الإبرام.
ولما كثر عند العرب استعمال الإبرام والنقض في الأمور الحسية واستقرّ معناهما في الأذهان استعملا في الأمور المعنوية؛ فالأمر المُبرم هو المحكَم القويّ بعمَلِ من أبرمه.
والنقض: هو خلخلة الأمر المبرم وتمييز أجزائه بعضها عن بعض لينتقض إبرامه، ويعود كما كان قبل الإبرام.

إذا تبيّن ما تقدم فمعنى قول ابن كثير في وصف الله عزّ وجلّ بأنه حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه يشمل المعاني المتقدمة في أحكام الله عزّ وجلّ، واسمه الحكيم، وبيان آثارها في خلق الله تعالى وأمره.
فإذا أبرم الله أمراً لم يستطع الخلق كلّهم ولو اجتمعوا أن ينقضوه، وإذا نقض أمراً فليس في طاقة أحد من الخلق أن يفتله ويبرمه.
وهذه معان قد دلّت عليها آيات من القرآن الحكيم منها:
- قول الله تعالى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}.
- وقول الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}.
- وقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}
- وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)}
- وقوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}
#مسائل_التفسير | #مسائل_العقيدة
س: في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ...}
المخاطب حاطبٌ رضي الله عنه، - ذكر ذلك الأشقر رحمه الله في تفسير قوله تعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) قال: أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم- ؟
سمى الله صنيعه رضي الله عنه: ولاء (أولياء) مع أنه ذكر للرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأله؛ أنه مؤمن بالله ورسوله ما غير ولا بدل؟
وقال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: ...فإنَّ المَودَّةَ إذا حَصَلَتْ تَبِعَتْها النُّصْرةُ والْمُوالاةُ، فخَرَجَ العبْدُ مِن الإيمانِ وصارَ مِن جُملةِ أهْلِ الكُفْرانِ، وانفَصَلَ عن أهلِ الإيمانِ.
(فالمفهوم منه: أن الموالاة تخرج المرء من الإيمان وتدخله في الكفر)
لم أفهم..
إن كان المخاطب هو رضي الله عنه، فما معنى الولاء في الآية، وكيف يفهم ما ذكره السعدي رحمه الله ؟

الجواب:
الخطاب في قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} عامّ لكل المؤمنين، فيعمّ حاطباً رضي الله عنه وغيره من المؤمنين، والنهي عن الشيء لا يقتضي وقوعه، ولو وقع العبد في درجات منه أو في وسيلة من وسائله فلا يقتضي وقوعه فيه كله، ولا أن يُسمَّى باسم فاعله؛ فقول الله عز وجل: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} لا يقتضي أن من خوطب بهذا الخطاب قد وقع في الشرك.
وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}

ومن المعلوم المتقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الشرك بالله تعالى، بل هو إمام الموحدين، فنهي الله تعالى نبيّه عن الشرك لا يقتضي وقوعه فيه، لكنّه من أعظم التعليم لأمّته، وأنّ الشرك لا يُغفر لمن وقع فيه ولو كان أقرب مقرَّب.

فكذلك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} هذا نهي للمؤمنين عن اتخاذ أعداء الله أولياءً، ولا يقتضي ذلك وقوعه منهم.

وفائدة النهي التحذير من الوقوع في هذا المحظور العظيم ومن التهاون في وسائله.
واتخاذ أعداء الله أولياءً ناقض من نواقض الإسلام، بل هو من أظهر علامات النفاق الأكبر، وأبرز سمات المنافقين، كما قال الله عز وجل: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فعرّف المنافقين بأخصّ صفاتهم وأشهرها وأعظمها جرماً وشناعة.
وقد بيّن الله عزّ وجلّ أنّ هذه المعصية منافية للإيمان، وأنها مما يشتد به سخط الله عز وجل، كما قال الله تعالى في كفرة بني إسرائيل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} بسبب هذا التولي, {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وهذا دليل على منافاة هذه المعصية للإيمان.
فاتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين من صريح نواقض الإيمان.
لكن مما ينبغي التنبيه عليه أن ما يقع من بعض المسلمين من مظاهر موالاة الكفار على مرتبتين:
الأولى: الموالاة الصريحة، وهي التي يتحقق فيها معنى اتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، والموالاة الصريحة تقتضي المحبة والنصرة، وهذه هي التي تعدّ من نواقض الإسلام.
والمرتبة الثانية: ما يعبّر عنه بعض علماء الاعتقاد بقولهم: "نوع موالاة"، أي ليست موالاة صريحة، وإنما هي نوع موالاة، أي تشبه الموالاة، ويختلف حكمها باختلاف قصد صاحبها، وهو الذي وقع من حاطب؛ فحاطب لم يغير ولم يبدل، ولم يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، لكن ما صنعه كان خطاً وضلالاً عن سواء السبيل، إذ أسرّ إليهم بخبرٍ قدّر في نفسه أنه يحمي به أهله وذويه في مكة، ولا يضرّ المسلمين، ولم يرد به أن ينصر الكفار على المسلمين, ولا أن يتمنى ظهور الكفار على المسلمين، ولم يدل على عورات المسلمين، بل كان يجاهد مع المسلمين جهاداً صادقاً، ويقاتل معهم.
وهذا التقدير الذي قدّره خطأ شنيع، كاد أن يُقتلَ بسببه، وشفع له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان من أهل بدر؛ فثبت بذلك صدق إيمانه، وانتفت عنه ريبة النفاق؛ فلذلك عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ونزلت هذه الآية زاجرة عن مثل هذا الفعل، وإن لم يصل إلى درجة اتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، لكن لا ريب أن التهاون فيه وسيلة إلى اتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين؛ فكانت المناسبة ظاهرة في النهي عن اتخاذ أعداء الله عز وجل أولياء؛ فيفهم من هذا النهي للمؤمنين تحذيرهم من الوسائل والذرائع المفضية إلى اتخاذ أعداء الله عز وجل أولياء.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس الرابع والعشرون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 2 ربيع الثاني 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_التفسير | #مسائل_العقيدة

س: قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {الذي خلق الموت}: (واستدل بهذه الآية من قال : إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق).
ما معنى وجودي وهل هذه من استدلالات المتكلمين؟
جزيتم خيرًا
الجواب:
هذه المسألة من المسائل التي حدث فيها الخلاف بعد القرون الفاضلة، واختلف فيها على قولين:
القول الأول: الموت أمر وجودي، واستدلوا بقول الله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة}، وبأن الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش فيذبح بين الجنة والنار، كما في صحيح البخاري وجامع الترمذي من حديث الأعمش قال: حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟
فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟
فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيُذبَح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة} وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا {وهم لا يؤمنون} )).
قالوا: فخلق الموت إيجاده بعد العدم، وذبحه يوم القيامة دليل على أنه أمر وجودي.
وهذا القول يُنسب إلى جمهور أهل السنة في بعض كتب العقيدة، ولم أره محققا عن إمام من الأئمة المتقدمين.

والقول الثاني: الموت أمر عدمي، لأنه سلب للحياة، فوصْف الموتِ يتحقق بخروج الروح من الجسد، من غير أن تفنى الروح، ولا أن يفنى الجسد، ومَلَك الموت يتوفَّى الأنفس أي يقبضها، فقبضه الأرواح من الأجساد هو حقيقة موت الأجساد؛ لأنها بعد ذلك تبقى مسلوبة الحياة ولوازمها من الحركة والإحساس، وأما الروح فتنتقل من دار الحياة الدنيا إلى البرزخ ثم إلى الدار الآخرة.
ولم يرد في النصوص أنّ الأجساد يحلّ بها الموت، وإن كان يصحّ أن يطلق هذا اللفظ لغة باعتبار حلول آثاره.
فإنّ الموت له آثار على الجسد، كما أنّ لسلب النور آثار على المكان فتظلم أرجاؤه لذهاب النور.

وأجابوا عن الاستدلال بالآية؛ بأنّ الخلق هنا يراد به التقدير.
وأن ذبح الموت هو من باب تمثيل الأعراض أعياناً كما صحّ أن العمل الصالح يتمثّل رجلاً حسن الهيئة، والعمل السيء يتمثل رجلاً قبيح الهيئة، وأن الأعمال الصالحة تتمثّل أعياناً فتوزن في الميزان، وأنّ سورتي البقرة وآل عمران يتمثلان كأنهما سحابتان أو فرقان من طير صواف.
فتمثّل بعض الأعراض يوم القيامة أعياناً بقدرة الله تعالى لا يقتضي أنها كانت في الدنيا كذلك.

وأهل الكلام لهم قولان في هذه المسألة؛ فمنهم من ذهب إلى أنّ الموتَ عرَض، ومنهم من ذهب إلى أنه عَدَم عرض، لكن لهم في تقرير ذلك منهج مخالف لأهل السنة.

والخلاصة أنّ النزاع في كون الموت أمراً وجودياً أو عدمياً لم يكن معروفاً عند السلف، وإنما نشأ بعدهم.
وعلى أصول أهل السنة فالنزاع لفظي؛ لأنه إذا أريد بالموت آثار الموت فهي أمور وجودية، وإذا أريد حقيقة الموت فهو أمر عدمي لأنه سلب للحياة.
وأما الاستدلال بقول الله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} فالخلق يُطلق في اللغة على الإيجاد، وعلى التقدير، ومن الإطلاق الثاني قول الله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين}، وقد تقرر أنه لا خالق بمعنى الإيجاد من العدم إلا الله.

وأما تمثيل الموت كبشاً يوم القيامة؛ فحق لا مرية فيه، لكن لا يقتضي أنه كان كذلك في الحياة الدنيا، بل هو من باب تمثيل الأعراض أعياناً كما صحّ في أعمال العباد.
#مسائل_التفسير | #مسائل_العقيدة
س: ذكر ابن كثير في تفسيره قول الله تعالى: {فالمدبرات أمرا (5 )} أن جِبْرِيل عليه السلام موكل بالرياح و الجنود؛ كيف يكون ذلك والمعروف أنه موكل بالوحي؟
أرجو التوضيح

الجواب: رجعت إلى تفسير ابن كثير فلم أجده ذكر ذلك، لكن روى الثعلبي في تفسيره من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال: حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الرحمن بن سابط قال: يدبّر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم السلام ، فأما جبريل ‌فوكّل ‌بالرياح، وأما ميكائيل فوكّل بالقطر والنبات، وأمّا ملك الموت فوكّل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم).
وهذا الأثر رواه البيهقي أيضاً في شعب الإيمان، وابن مروان الدينوري في المجالسة، وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر في تفاسيرهما.
وعبد الرحمن بن سابط هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي القرشي المكّي، من كبار التابعين، ولأبيه وجدّه صحبة، وأبوه هو راوي الحديث المشهور: «من أصيب بمصيبةٍ ‌فليذكر ‌مصيبته ‌بي؛ فإنها أعظم المصائب».
وعبد الرحمن تابعي ثقة، لكنه ربما روى بعض الإسرائيليات، وهذا الخبر مرسل لا يصحّ، وقد خالف ما صحّ في الكتاب والسنة من أنّ جبريل عليه السلام هو الموكل بالوحي، قال الله تعالى: {وإنّه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين}.
وقال تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}.
وقال تعالى: {من كان عدوا ‌لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله}
وقال تعالى: {إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى}
وفي مسند الإمام أحمد والسنن الكبرى للنسائي من طريق بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم «نسألك عن أشياء، فإن أجبتنا فيها اتبعناك وصدقناك وآمنا بك» فذكر الحديث بطوله إلى أن قال:
قالوا: أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة، فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي فمن صاحبك؟ فإنه إنما بقيت هذه حتى نتابعك قال: «هو جبريل».
قالوا: ذلك الذي ينزل بالحرب وبالقتل! ذاك عدوّنا من الملائكة، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر، والرحمة تابعناك، فأنزل الله تعالى {من كان عدوا لجبريل} إلى آخر الآية {فإن الله عدو للكافرين}).

فالصحيح أنّ جبريل عليه السلام موكل بالوحي، وأما أثر عبد الرحمن بن سابط فضعيف الإسناد منكر المتن.
#مسائل_التفسير | #مسائل_اللغة

س: هل (لعل) في كلام الله تعالى باقية على أصلها أم يختلف معناها بحسب سياق الآيات؟
الجواب:
الأصل في "لعل" في كلام العرب أنها إذا استعملت في المحبوبات فهي للترجي، وإذا استعملت في المكروهات فهي للإشفاق.
لكنها قد تخرج عن هذا الأصل لأغراض بيانية؛ فقد تستعمل للتحذير، وللتهديد، وللاستبعاد.
وكلها يجمعها جامع ارتباط شيء بأثره حقيقة أو تنزّلاً، وأكثر ما يقع استعمال "لعل" فيما يتوقع حصوله، أو يغلب الظن حصوله مع ترجية المخاطب به.

فقولك للطالب: ذاكر لعلك تنجح؛ فيه بيان أن المذاكرة سببٌ للنجاح، لكنه قولٌ يحمل معنى ترجيته بالنجاح، أو ترجّي النجاح له.
وقريب من هذا المعنى من حيث بيان السببية قول توبة بن حمير:
وأشرف بالأرض اليفاع لعلني... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها
فهو يشرف بالأرض اليافعة المرتفعة لعله يرى نار ليلى، أو يراه بصيرها أي مندوبها الذي يبصر شخصه من بعيد، فهو يرجو ذلك لأنه من محبوباته وأغراضه التي يودّ تحققها.

وأكثر استعمالات "لعل" في الترجي لما يُتوقع حصوله من المحبوبات، حتى وإن كانت محبوبات عند أصحابها، وليست محبوبة على الحقيقة، لكن لما كانت عندهم من المحبوبات ومما يرجون حصوله وإن كان مستبعداً على الحقيقة ساغ استعمالها للترجي، كما في قول الله عز وجل: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فاتخاذهم للمصانع هو اتخاذ من يرجو الخلودَ في هذه الحياة بلسان الحال باعتبار الأفراد أو الأمم.
وكذلك في قول الله عز وجل: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} فهم اتخذوا هذه الآلهة يرجون نفعها ونصرها، وإن كانت لا تنصرهم على الحقيقة، لكن سوّغ استعمال الترجي هنا أنه باعتبار فاعل الفعل، وليس باعتبار حقيقة الفعل؛ فإن تلك الآلهة لا تنفع أحداً.

وقد تستعمل " لعل" في الإشفاق من وقوع المكروهات، وتقع مع ذلك في مخاطبة من تحبهم وتشفق عليهم وتنصح لهم، وتقع في مخاطبة من تتهددهم وتتوعدهم.
وقد وقعت في القرآن جامعة للمعنيين كما في قول الله عز وجل: {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب . يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق}
فقوله تعالى: {لعل الساعة قريب} ففيه معنى الترجية للمؤمنين وإن كانوا يشفقون منها، وفيه معنى التهديد والوعيد للكافرين.
ومما يُحمل على معنى الرحمة والتلطف بالمخاطب قول الله عز وجل: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ }؛ فهذا ليس لترجي أن يبخع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وإنما هو لطف من الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم وتحذير له من حصول هذا الأمر.
وكذلك في قول الله عز وجل: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
وقريب من هذا المعنى قول الله عز وجل: {فَلَعَلَّكَ ‌تَارِكُۢ بَعْضَ مَا يوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء وَكِيلٌ}
فهذا ليس ترجياً أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما يوحى إليه، وإنما هو تحذير للنبي صلى الله عليه وسلم من مخالفة هدى الله تعالى إذا طالبه المشركون بما يتعنّتون به، وفيه بيان ارتباط متابعة الكفار فيما طالبوا به بترك بعض ما أوحى الله عز وجل به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه إن تابعهم فيما سألوه تركَ بعض ما يوحى إليه.
وكذلك في قول الله عز وجل: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}, هذا ليس ترجياً لوقوع الفتنة، وإنما هو محمول عند اللّغويين على معنى الإشفاق من المكروهات، وهو من أبواب ورود "لعل".

وقريب من هذا المعنى قولُ رجلٍ من ولاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولاّه على مصرٍ من الأمصار؛ فقال بيتين في شرب الخمر على عادة شعراء العرب في الجاهلية وهو لم يشربها، لكنه كان شاعراً؛ فجاشت قريحته بهذين البيتين:
ألا هل أتى الحسناء أنَّ حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
لعلَّ أميرَ المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
فعزله عمر بن الخطاب لما بلغه هذان البيتان، وقال: (نعم والله يسوءني).
وقائل البيتين لا يرجو في حقيقة الأمر أن يبلغَ أميرَ المؤمنين عنه ما يسوءُه، وإنما هو إشفاق من استيائه.
وردت "لعل" في بعض الآيات محتملة للمعنيين: الترجي للمحبوبات، والتحذير أو الإشفاق من المكروهات.
وننبه إلى أنّنا عند الحديث عن الله عز وجل لا نقول: الإشفاق للمكروهات، إنما ينسب الإشفاق إلى المخلوقين في معاملة بعضهم بعضاً، أما من الله عز وجل فلا نصفه بالإشفاق لعدم وروده في النصوص، ولما يلزم من الإشفاق من معاني الضعف والتخوف، والله تعالى منزّه عن ذلك.
لكن يُحمل معنى "لعل" إذا أسند إلى الله في مثل هذه الإطلاقات على الرحمة، والبيان، والتحذير أو ما يؤدي هذه المعاني بما يليق بالله عز وجل ويناسب السياق.
والمقصود أن مما يجمع المعنيين قول الله عز وجل في سورة الطلاق: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}.
فإذا نظرنا إلى حال المتقين الذين اتقوا الله عز وجل، واتبعوا هداه فيما أمر به في هذه الآية، فـ"لعل" في حقهم رجاء أن يُحدث الله عز وجل لهم من أمره ما يكون لهم به عاقبة حسنة.
لكنها باعتبار حال المخالفين الذين يتعدون حدود الله عز وجل تحذير، دلّ على ذلك قول الله عزّ وجل: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}.
فالذي يتعدى حدود الله عز وجل لا يدري لعل الله يحدث له من الأمر ما تكون له به عاقبة سيئة.
فاحتملت "لعل" الوجهين في هذا الموضع.

وخلاصة ما تقدّم أنّ "لعل" أكثر ما تستعمل لترجي وقوع المحبوبات، وقد تستعمل للإشفاق من وقوع المكروهات أو التحذير من وقوعها.

لكنها قد تستعمل "لعل" فيما يستبعد حصوله لغرض بيانيّ، ومن ذلك قول حُطائط بن يعفر النهشلي، وهو أخو الأسود بن يعفر الشاعر المشهور، في أبيات يخاطب بها أمَّه وكانت تلومه على كثرة إنفاقه ماله وسخائه به قال فيها:
ذريني أكن للمال رباً ولا يكن .. ليَ المال رباً تحمدي غبّه غداً
أريني جواداً مات هزلاً لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلاً مخلداً
أي: إذا أريتيني جواداً مات هُزلاً أو أريتيني بخيلاً مخلداً فإنّ رأيي سيكون كرأيك فيما لمتينني فيه من إنفاق المال.
فقوله: أريني جواداً مات هُزلاً لعلني أرى ما ترين، وهو يستبعد وقوع هذا الأمر، لكن عبّر عنه بـ(لعل) لغرض بيانيّ، وهو مجاراة أمه في لومها وعتابها إياه وتنزّلاً لها في الخطاب؛ فكأنه يخرج قول أمه في عتابها مخرج ما ترجوه هي لإشفاقها عليه حتى تبيّن له صواب مذهبها، وهو يرى استبعاد ذلك في حقيقة الحال.

وقد تُستعمل "لعل" للتهديد كما في قول توبة بن حمير يخاطب زوجَ ليلى الأخيلية:
لعلك يا تيساً نزا في مريرةٍ .... معذبَ ليلى أن تراني أزورها
فهذا القول خرج مخرجَ التهديد، ونحن نورد البيت لأجل الشاهد اللغوي، وإلا فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن أن يحادثَ الرجل زوجة الرجل من غير إذنه.
والمقصود أن التنبيه إلى أن "لعل" وإن كان أصلها للترجي إلا أنها قد تخرج عن هذا الأصل إلى معانٍ أخر لأغراض بيانية.
نأتي إلى السؤال المهم: وهو قول السائلة: هل تُحمل "لعل" في كلام الله عزّ وجلّ على الترجي؟
سبب الإشكال هو أنه لا يصح أن يوصف الله عز وجل بالترجي الذي يوصف به المخلوقون، لأن المخلوقون يترجون ما لا يجزمون بوقوعه، بل لا سبيل لهم إلى الجزم بوقوعه، والله تعالى لا يخفى عليه شيء، ولا يعجزه شيء؛ فلذلك لا ترد "لعل" فيما يُسند إلى الله تعالى للترجي أو الإشفاق.
فورود "لعل" في كلام الله تعالى أو فيما يسند إلى الله تعالى، ليس كوردوها في كلام الناس أو فيما يُسند إليهم.
فالناس إذا استعملوا "لعل" للترجي؛ فلأنهم لا يجزمون بوقوع ما يترجونه، وإنما يغلب على ظنهم وقوعه، مع قيام الاحتمال بأن لا يحصل لمانع من الموانع، وهذا منتفٍ في حق الله عز وجل. فالله عز وجل لا يخفى عليه شيء, ولا يعجزه شيء.
ولذلك تكلّم المفسرون في معنى وقوع "لعل" في كلام الله عز وجل خاصة أو فيما يُسند إلى الله تعالى.
ولاتصال هذه المسألة بالعقيدة؛ فإنّ من المفسرين الذين تكلموا في هذه المسألة معتزلة وأشاعرة، وتصورهم لهذه المسألة مبنيّ على ما يعتقده كلّ مفسر في مذهبه ونحلته.
وذكر كلامهم وتفصيل الرد عليه يطول به المقام، لكن الصواب في هذه المسألة أن استعمال "لعل" في كلام الله عز وجل إذا كانت المحبوبات فهي لترجية المخاطب؛ حتى يحصل لدى المخاطب رجاء بحصول ما يحبّه، وليس لأجل أنَّ الله عز وجل يرجو استجابته، ويخفى عليه شيء من أمره تعالى الله عز وجل عن ذلك.
وتفيد مع ترجية المخاطَب بيان ارتباط السبب بالمسبب.
وفي جانب المكروهات هي للتحذير، حتى يحذر المخاطب من فِعل السبب الذي تحصل به عاقبةٌ سيئة.
فورود "لعل" في قول الله عز وجل: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يفيد أمرين:
أحدهما: بيان أن الاستغفار سببٌ للرحمة.
والآخر: ترجية المستغفرين بحصول الرحمة، وأن الرحمة قريب منهم إذا استغفروا الله عزّ وجلّ.
فيستفاد من الأمرين تعظيم الرجاء في في نفوسهم لرحمة الله عز وجل.
وكذلك يقال في قول الله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ فالتقوى سبب مؤثر في حصول الفلاح، والذي يتقي الله عز وجل ينبغي له أن يرجو الفلاح.
فإن قيل: لمَ لمْ يُجزم بحصول الأثر ما دام محبوباً إلى الله عزّ وجل، ولم عُدل عن الجزم الذي تطمئنّ به النفوس إلى الترجية التي قد يقع الاحتمال بتخلّف أثرها.
فالجواب: أنّ في ذلك فائدتين جليلتين:
إحداهما: أن يبقى بالقلب متعلقاً بالله ولا يتعلق بالسبب.
والأخرى: أنّ الإنسان قد يقوم به مانعٌ يمنع حصول الأثر.
والوعد مرتبط بتحقق السبب، وزوال المانع.
فالإنسان قد يقترف ما يقترف من الذنوب والمعاصي، والمؤمن يخشى أن يقترف ذنباً يُحرم به رحمة ربه جل وعلا، أو يغلق عنه باب من أبواب الفلاح.
ولذلك يسير المؤمن بين الخوف والرجاء، ولا صلاح للقلب إلا بالجمع بينهما؛ فهذه الآيات فيها ترجية للمؤمن، وتحذير له.
ترجية له إذا اتقى الله عزّ وجلّ، وتحذير له إذا خرق تلك التقوى.
فمن عمل بما أرشده الله إليه لحصول ما رجّاه به؛ فهو موعود من الله وعداً حسناً بأن يحقق الله تعالى له ما رجّاه به.
ومن لم يعمل بما أرشد الله إليه كان على خطر من أن يُحرم العاقبة الحسنة وحصول ما رجّى الله به من عمل بما أرشده إليه.
وقد يتخلّف الأثر لحكمة يعلمها الله لكن يكون بذل السبب محبوباً لله تعالى مراداً لحكمة وإن لم يتحقق الأثر، كما قال الله تعالى لموسى وهارون: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}.
فهذا فيه ترجية لموسى وهارون ليبذلا ما في وسعهما للنصح في دعوة فرعون؛ فامتثلا ما أمر الله به، ولم يتحقق لفرعون التذكر والخشية المحبوبين لله تعالى لحكمة، لكن دعوة فرعون والنصح في دعوته وإقامة الحجة عليه كانت محبوبة لله تعالى مرادة له.
وقد تكون الترجية عامة؛ فيقع من أفراد المعنيين بالخطاب من يستجيب ومن لا يستجيب؛ كما في قول الله عز وجل: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} ففيه بيان أن الاستجابة لله تعالى والإيمان به من أسباب الرشد، فمن لم يستجب لله، ولم يؤمن به؛ فإنه محروم من الرشد.
ومن استجاب لله تعالى وآمن به فهو موعود بأن يرشد، فتصلح حاله، وتحسن عاقبته.
ولا يخلو العبد في كلّ حال من أحواله من هدى أرشد الله إليه؛ فمن استجاب لله في ذلك الهدى فقد رشد.
فهذا في حقّ من يتبع هدى الله تكون "لعل" في حقّه للترجية، وأما من لم يتبع هدى الله ولم يعمل السبب المذكور في الآية؛ فـ"لعل" في حقه للتحذير بوقوعه في الغيّ الذي هو ضدّ الرشد؛ لأن الله تعالى بيّن سبيل الرشد، وأنه لا يحصل إلا بالإيمان به والاستجابة له؛ وأنّ الرشد لا يحصل إلا لمن كتبه الله له؛ فمن لم يؤمن بالله ولم يستجب له فأنّى له الرشد.
والخلاصة أنّ "لعل" في جميع استعمالاتها فيها بيان ربط السبب بالمسبب، لكن يقع هذا في جانب المحبوبات، ويقع في جانب المكروهات، وقد يُخرج عن هذا الأصل لأغراض بيانية.
#مسائل_التفسير
س: في تفسير قول الله تعالى: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} جاء في إعراب {حلالاً} ثلاثة أقوال: منصوبة على الحال، و مفعول به، أو صفة لمصدر مؤكد، أي: أكلاً حلالاً؛ فنريد توضيح المعنى تبعاً لاختلاف إعرابها.
الجواب: هذا مما يمتاز به القرآن, فإنه في كثير من المفردات تحتمل أوجهاً من المعاني إما بدلالة الوضع اللغوي، وإما بدلالة الصيغة الصرفية للمفرد، وإما بدلالة الاشتقاق، وإما بدلالة الإعراب، وإما بغير ذلك.
واختلاف الإعراب له أثر على المعنى، ومن ذلك ما في هذه الآية وهي قول الله عز وجل : {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}.
1: إن جعلت (حلالاً) حالاً، أي: كلوا مما في الأرضِ حال كونه حلالاً طيباً؛ فهذا معنىً صحيح، وهو قول أكثر المعربين، وأعمّ المعاني، أي: كلوا على الحال الذي يكون فيه مأكولكم طيباً.
2: المعنى الثاني على تقدير أن يكون (حلالاً) مفعولاً به، أي كلوا طعاماً حلالاً طيباً، لكن حُذفت كلمة "طعام"، وأقيمت الصفة مقامه، ويصح أن يطلق على المطعوم الحلال أنه حلال فيُستغنى عن القول بالبدل؛ فالمعنى على هذا الوجه: كلوا الحلال الطيّب مما في الأرض، واجتنبوا الحرام الخبيث.
3: القول الثالث: صفة لمصدر مؤكَّد، أي: كلوا أكلاً حلالاً طيباً، وهذا فيه إرشاد لآداب الأكل، أي: كلوا أكلاً حلالاً طيباً، ومن آداب الأكل الحلال أن يكون المطعوم حلالاً، وأن يؤكل على الهدى الذي أرشد الله إليه.
فيكون المعنى على هذا الوجه إرشاد للتأدب بآداب الأكل.
فهذه الآية بهذه الأوجه الثلاثة شملت معاني واسعة، وهدايات عظيمة في شأن المأكولات.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس الخامس والعشرون
🔹موعد المجلس:
الثلاثاء 16 ربيع الآخر 1445 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في أصول التفسير.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
2024/11/15 18:22:14
Back to Top
HTML Embed Code: