تنبيه:
كنت قد كتبت كتاباً قبل بضع سنين بعنوان "مهارات التفسير" وهو في المهارات المتقدمة في التفسير، وبعد إخراج كتاب "المهارات الأساسية في التفسير" غيّرت اسم الكتاب الأول إلى "المهارات المتقدمة في التفسير"
وهذا رابط احتماله:
https://www.tg-me.com/aibndakhil/1485
كنت قد كتبت كتاباً قبل بضع سنين بعنوان "مهارات التفسير" وهو في المهارات المتقدمة في التفسير، وبعد إخراج كتاب "المهارات الأساسية في التفسير" غيّرت اسم الكتاب الأول إلى "المهارات المتقدمة في التفسير"
وهذا رابط احتماله:
https://www.tg-me.com/aibndakhil/1485
#مسائل_التفسير
تفسير قول الله تعالى: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)}
هذه الآية بديعة عجيبة، وهي من دلائل إحكام القرآن، وحسن بيانه، وبركة ألفاظه ومعانيه
{لا يصدعون} قُرئت على أحرف تحتمل معاني متعددة، ولذلك اختلف المفسرون فيها على أقوال:
القول الأول: {لا يُصَدَّعون}: أي لا يصيبهم الصداع بسببها، وهو قول سعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة.
والصداع من الخمر يأتي بسبب شربها، وبسبب انقطاعها، وقد نُفي عنهم الأمران، وعن هنا تفيد السببية كما في قول الله: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة}.
القول الثاني: {لا يُصَدَّعون} من التصديع، وهو التفريق، أي لا يُفرّقون عنها كما يُفرَّق أهل الخمر في الدنيا، وعن هنا تفيد المجاوزة.
والقول الأول والثاني تحتملهما القراءة المشهورة {لا يُصَدَّعون عنها} وهي قراءة الجمهور.
القول الثالث: المعنى: لا يتفرّقون عنها، وهذا القول موافق لقراءة مروية عن مجاهد: [لا يَصَّدعون] بفتح الياء، وأصلها يتصدّعون أي يتفرقون؛ فلا يتفرقون عنها من شدة لذتها ومن تآلفهم عليها، ووفرتها، فهي ليست كخمر الدنيا التي يحصل التفرّق عنها بفنائها وبآفاتها وباختصام شاربيها وتنازعهم.
القول الرابع: لا يُفرِّقون غيرَهم عنها، وهو معنى موافق لقراءة من قرأ [لا يُصَدِّعون عنها] بضم الياء وكسر الدال مشددة؛ فهم من كَرَمهم ووفرتها لا يُفرّقون غيرهم عنها، ولا يشحّون بها كما يشح أهل الخمر في الدنيا بخمورهم.
و"عن" في هذا القول والذي قبله للمجاوزة أيضاً.
وقوله تعالى: {ولا يُنزفون} قرئ بفتح الزاي وكسرها، ولذلك اختلف المفسرون فيها على قولين:
القول الأول: لا يُنزَفون، أي لا تذهب عقولهم وتُنزف من الخمر فيسكرون كما يسكر أهل الدنيا بخمرهم، وهو قول سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة.
- قال أبو إسحاق الزجاج: (والنزيف السكران، وإنما قيل له نزيف ومنزوف لأنه نزف عقله).
واستشهد أبو عبيدة على هذا المعنى بقول الأبيرد الرياحي:
لعمري لئن أنزفتموا أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
والقول الثاني: لا يُنزِفون، أي لا ينفد شرابهم ولا يفنى عن كثرة الشرب فهم في أمان من سُكرها وفنائها كما قال الله تعالى: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون}. وقد قرئ بالقراءتين في هذا الموضع أيضاً، وفيهما المعنيان المذكوران.
فمن نظر في هذه المعاني وتنوعها واتّساقها علم أنه لا يقوم مقام حرف "عن" حرف آخر من الحروف تتّسع دلالته لهذه المعاني كلها، وتبيّن تصديق القرآن بعضه لبعض، وتوافق القراءات، وتنوّع معاني الحروف بتعدّد ما تحتمله المفردات من المعاني. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تفسير قول الله تعالى: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)}
هذه الآية بديعة عجيبة، وهي من دلائل إحكام القرآن، وحسن بيانه، وبركة ألفاظه ومعانيه
{لا يصدعون} قُرئت على أحرف تحتمل معاني متعددة، ولذلك اختلف المفسرون فيها على أقوال:
القول الأول: {لا يُصَدَّعون}: أي لا يصيبهم الصداع بسببها، وهو قول سعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة.
والصداع من الخمر يأتي بسبب شربها، وبسبب انقطاعها، وقد نُفي عنهم الأمران، وعن هنا تفيد السببية كما في قول الله: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة}.
القول الثاني: {لا يُصَدَّعون} من التصديع، وهو التفريق، أي لا يُفرّقون عنها كما يُفرَّق أهل الخمر في الدنيا، وعن هنا تفيد المجاوزة.
والقول الأول والثاني تحتملهما القراءة المشهورة {لا يُصَدَّعون عنها} وهي قراءة الجمهور.
القول الثالث: المعنى: لا يتفرّقون عنها، وهذا القول موافق لقراءة مروية عن مجاهد: [لا يَصَّدعون] بفتح الياء، وأصلها يتصدّعون أي يتفرقون؛ فلا يتفرقون عنها من شدة لذتها ومن تآلفهم عليها، ووفرتها، فهي ليست كخمر الدنيا التي يحصل التفرّق عنها بفنائها وبآفاتها وباختصام شاربيها وتنازعهم.
القول الرابع: لا يُفرِّقون غيرَهم عنها، وهو معنى موافق لقراءة من قرأ [لا يُصَدِّعون عنها] بضم الياء وكسر الدال مشددة؛ فهم من كَرَمهم ووفرتها لا يُفرّقون غيرهم عنها، ولا يشحّون بها كما يشح أهل الخمر في الدنيا بخمورهم.
و"عن" في هذا القول والذي قبله للمجاوزة أيضاً.
وقوله تعالى: {ولا يُنزفون} قرئ بفتح الزاي وكسرها، ولذلك اختلف المفسرون فيها على قولين:
القول الأول: لا يُنزَفون، أي لا تذهب عقولهم وتُنزف من الخمر فيسكرون كما يسكر أهل الدنيا بخمرهم، وهو قول سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة.
- قال أبو إسحاق الزجاج: (والنزيف السكران، وإنما قيل له نزيف ومنزوف لأنه نزف عقله).
واستشهد أبو عبيدة على هذا المعنى بقول الأبيرد الرياحي:
لعمري لئن أنزفتموا أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
والقول الثاني: لا يُنزِفون، أي لا ينفد شرابهم ولا يفنى عن كثرة الشرب فهم في أمان من سُكرها وفنائها كما قال الله تعالى: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون}. وقد قرئ بالقراءتين في هذا الموضع أيضاً، وفيهما المعنيان المذكوران.
فمن نظر في هذه المعاني وتنوعها واتّساقها علم أنه لا يقوم مقام حرف "عن" حرف آخر من الحروف تتّسع دلالته لهذه المعاني كلها، وتبيّن تصديق القرآن بعضه لبعض، وتوافق القراءات، وتنوّع معاني الحروف بتعدّد ما تحتمله المفردات من المعاني. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
#مسائل_الفقه
س: إذا قالت المرأة: عليّ الخلع إن فعلت كذا وكذا، وهي مازحة، وتستطيع الوفاء بذلك؛ فهل يجب عليها الوفاء أو عليها كفارة ؟
الجواب:
هذا منكر من القول لا يجوز للمرأة أن تتفوّه به، وإذا كانت قد نوت به النذر فهو نذر معصية ونذر فيما لا تملك، وينعقد النذر ولو كانت مازحة، وعليها التوبة وكفارة يمين، ولا يحلّ لها الوفاء به، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ». رواه البخاري ومسلم من حديث طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمد عن عائشة.
وعليها الكفارة لعموم حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كفارة النذر كفارة اليمين» رواه مسلم وأبو داوود من حديث أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة.
ولحديث بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من نذر نذرا لم يسمه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية، فكفارته كفارة يمين ». رواه أبو داوود وغيره مرفوعاً وموقوفاً والراجح وقفه، وله حكم الرفع.
والمرأة لا تملك أن تخلع زوجها من تلقاء نفسها، وإنما تخالعه بأن يتراضيا على الخلع فإن رضيا به وأمضاه زوجها وقع الخلع، والمرأة لا تملك حلّ عقدة النكاح، وإنما ذلك للزوج أو للحاكم بحكم شرعي بأن يفسخ العقد بعوض أو بغير عوض للأسباب المعتبرة شرعاً.
وطلب المرأة الخلع من غير ما بأس كمثل سؤالها الطلاق من غير ما بأس، وقد ورد فيه وعيد شديد، فهذا النذر نذر معصية وفيما لا تملك.
وقد أجمع العلماء على أنّ نذر المعصية لا يحلّ الوفاء به، واختلفوا في الكفارة على قولين:
القول الأول: عليه كفارة يمين، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد، وأحد قولي الشافعي اختاره البيهقي.
ويحتج له بحديث ابن عباس، وعموم حديث عقبة.
والقول الثاني: ليس عليه كفارة، وهو قول مالك والمشهور عن الشافعي.
والراجح لزوم الكفارة، والله تعالى أعلم.
س: إذا قالت المرأة: عليّ الخلع إن فعلت كذا وكذا، وهي مازحة، وتستطيع الوفاء بذلك؛ فهل يجب عليها الوفاء أو عليها كفارة ؟
الجواب:
هذا منكر من القول لا يجوز للمرأة أن تتفوّه به، وإذا كانت قد نوت به النذر فهو نذر معصية ونذر فيما لا تملك، وينعقد النذر ولو كانت مازحة، وعليها التوبة وكفارة يمين، ولا يحلّ لها الوفاء به، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ». رواه البخاري ومسلم من حديث طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمد عن عائشة.
وعليها الكفارة لعموم حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كفارة النذر كفارة اليمين» رواه مسلم وأبو داوود من حديث أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة.
ولحديث بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من نذر نذرا لم يسمه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية، فكفارته كفارة يمين ». رواه أبو داوود وغيره مرفوعاً وموقوفاً والراجح وقفه، وله حكم الرفع.
والمرأة لا تملك أن تخلع زوجها من تلقاء نفسها، وإنما تخالعه بأن يتراضيا على الخلع فإن رضيا به وأمضاه زوجها وقع الخلع، والمرأة لا تملك حلّ عقدة النكاح، وإنما ذلك للزوج أو للحاكم بحكم شرعي بأن يفسخ العقد بعوض أو بغير عوض للأسباب المعتبرة شرعاً.
وطلب المرأة الخلع من غير ما بأس كمثل سؤالها الطلاق من غير ما بأس، وقد ورد فيه وعيد شديد، فهذا النذر نذر معصية وفيما لا تملك.
وقد أجمع العلماء على أنّ نذر المعصية لا يحلّ الوفاء به، واختلفوا في الكفارة على قولين:
القول الأول: عليه كفارة يمين، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد، وأحد قولي الشافعي اختاره البيهقي.
ويحتج له بحديث ابن عباس، وعموم حديث عقبة.
والقول الثاني: ليس عليه كفارة، وهو قول مالك والمشهور عن الشافعي.
والراجح لزوم الكفارة، والله تعالى أعلم.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس السابع والخمسون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 16 صفر 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في تدبر القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 16 صفر 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في تدبر القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_الفقه
س: هل تجوز صلاة المأموم متقدماً على الإمام؟
الجواب:
أما في حال السعة فلا يجوز تقدم المأموم على الإمام، وللفقهاء ثلاثة أقوال في هذه المسألة:
القول الأول: يكره تقدم المأموم على إمامه، ولا تبطل صلاته بذلك، وهو القول القديم للشافعي، وحكاه عن الإمام مالك.
القول الثاني: يحرم تقدم المأموم على الإمام مطلقاً، وتبطل صلاته بذلك، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة وأحمد، وهو قول الشافعي الجديد.
القول الثالث: يرخّص في تقدم المأموم على إمامه في حال الزحام وتعسّر انتظام الصفوف، وهو قول مالك وإسحاق بن راهويه وأبي ثور، وقول في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: (وهو أعدل الأقوال وأرجحها وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر).
وكان شيخنا ابن باز رحمه الله يرى المنع، وأن يحتاط لذلك في الحرمين بمنع إمكان تقدم المأموم على الإمام.
س: هل تجوز صلاة المأموم متقدماً على الإمام؟
الجواب:
أما في حال السعة فلا يجوز تقدم المأموم على الإمام، وللفقهاء ثلاثة أقوال في هذه المسألة:
القول الأول: يكره تقدم المأموم على إمامه، ولا تبطل صلاته بذلك، وهو القول القديم للشافعي، وحكاه عن الإمام مالك.
القول الثاني: يحرم تقدم المأموم على الإمام مطلقاً، وتبطل صلاته بذلك، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة وأحمد، وهو قول الشافعي الجديد.
القول الثالث: يرخّص في تقدم المأموم على إمامه في حال الزحام وتعسّر انتظام الصفوف، وهو قول مالك وإسحاق بن راهويه وأبي ثور، وقول في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: (وهو أعدل الأقوال وأرجحها وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر).
وكان شيخنا ابن باز رحمه الله يرى المنع، وأن يحتاط لذلك في الحرمين بمنع إمكان تقدم المأموم على الإمام.
#مسائل_الحديث | #مسائل_النحو
س: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة) لماذا كان اللفظ بكلمة تزول أصح من (تزولا)؟ وهل هناك قاعدة لهذه الصيغة؟ وهل هناك أمثلة أخرى من القرآن الكريم أو السنة أو كلام العرب ما هو مشابه لهذه الصيغة؟
الجواب:
اتفقت روايات هذا الحديث على إفراد الفعل (لا تزول) ، وهو جارٍ على الغالب المشهور في لسان العرب إذا تقدم الفعل على الفاعل؛ فإنه يفرد، تقول: قام الرجال، وقعد النساء.
ويقع قليلاً إلحاق علامة التثنية بالفعل إذا كان الفاعل مثنى، وإلحاق علامة الجمع إذا كان الفاعل جمعاً.
فيصح أن تقول: قاما الزيدان، وقاموا الزيدون.
وهذا على ما يُعرف عند أهل اللغة بلغة "أكلوني البراغيث" وهي كلمة سمعها أبو عبيدة معمر بن المثنى من أبي عمرو الهذلي، وكان رجلاً فصيحاً من الأعراب، وذكرها في كتابه "مجاز القرآن" فاشتهرت عند النحاة واللغويين، وقد ذكرها الخليل بن أحمد(ت:170هـ)، وسيبويه(ت:180هـ) وغيرهما.
وأبو عبيدة (ت:209هـ تقريباً) وإن تأخرت وفاته عنهما كثيراً إلا أنه كان معمراً فقد ولد سنة 110هــ فهو أسن من سيبويه، وأصغر من الخليل بعشر سنين، وكان ابن ستين سنة لما توفي الخليل؛ فلا يبعد أن يكون اشتهارها من قبله؛ فقد نصّ على سماعها من أبي عمرو الهذلي، وغيره يذكرها دون نصّ على السماع من أحد.
واشتهار هذه العبارة لا يقتضي أنها غريبة نادرة، وإنما لأنها سارت على ألسنة النحاة مسير المثل السائر.
وقد ورد في القرآن ما يصحّ أن يخرّج على هذه اللغة؛ فهي لغة صحيحة فصيحة، وإن لم تكن الأكثر في الاستعمال.
قال الله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا}.
وقال تعالى: {ثم عموا وصمّوا كثير منهم}.
وقرأ حمزة والكسائي: [ إما يبلغان عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ]
وفي قراءة طلحة بن مصرف [ قد أفلحوا المؤمنون ]
وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار )).
وقال الفرزدق:
يا أوس لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية
أُلفِيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقية
وقال أيضاً:
ولكن ديافيّ أبوه وأمّه بحوران يعصرن السليط أقاربه
حوران ودياف موضعان في الشام، والسليط الزيت، وقيل: زيت السمسم خاصة.
وللنحاة ثلاثة أوجه في إعراب "أكلوني البراغيث"
الوجه الأول: الواو حرف جُعل علامة على الجمع، وليس ضميراً في محلّ فاعل، وهذا قول سيبويه وأبي عثمان المازني.
والوجه الثاني: البراغيث مبتدأ مؤخر، وجملة "أكلوني" خبر المبتدأ، ذكره أبو سعيد السيرافي، وفيه نظر لأنه لو أراد ذلك لقال: أكلنني البراغيث.
والوجه الثالث: البراغيث بدل بيان لضمير الرفع، وهو أظهر في الصنعة ولا يحتاج إلى تأويل.
س: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة) لماذا كان اللفظ بكلمة تزول أصح من (تزولا)؟ وهل هناك قاعدة لهذه الصيغة؟ وهل هناك أمثلة أخرى من القرآن الكريم أو السنة أو كلام العرب ما هو مشابه لهذه الصيغة؟
الجواب:
اتفقت روايات هذا الحديث على إفراد الفعل (لا تزول) ، وهو جارٍ على الغالب المشهور في لسان العرب إذا تقدم الفعل على الفاعل؛ فإنه يفرد، تقول: قام الرجال، وقعد النساء.
ويقع قليلاً إلحاق علامة التثنية بالفعل إذا كان الفاعل مثنى، وإلحاق علامة الجمع إذا كان الفاعل جمعاً.
فيصح أن تقول: قاما الزيدان، وقاموا الزيدون.
وهذا على ما يُعرف عند أهل اللغة بلغة "أكلوني البراغيث" وهي كلمة سمعها أبو عبيدة معمر بن المثنى من أبي عمرو الهذلي، وكان رجلاً فصيحاً من الأعراب، وذكرها في كتابه "مجاز القرآن" فاشتهرت عند النحاة واللغويين، وقد ذكرها الخليل بن أحمد(ت:170هـ)، وسيبويه(ت:180هـ) وغيرهما.
وأبو عبيدة (ت:209هـ تقريباً) وإن تأخرت وفاته عنهما كثيراً إلا أنه كان معمراً فقد ولد سنة 110هــ فهو أسن من سيبويه، وأصغر من الخليل بعشر سنين، وكان ابن ستين سنة لما توفي الخليل؛ فلا يبعد أن يكون اشتهارها من قبله؛ فقد نصّ على سماعها من أبي عمرو الهذلي، وغيره يذكرها دون نصّ على السماع من أحد.
واشتهار هذه العبارة لا يقتضي أنها غريبة نادرة، وإنما لأنها سارت على ألسنة النحاة مسير المثل السائر.
وقد ورد في القرآن ما يصحّ أن يخرّج على هذه اللغة؛ فهي لغة صحيحة فصيحة، وإن لم تكن الأكثر في الاستعمال.
قال الله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا}.
وقال تعالى: {ثم عموا وصمّوا كثير منهم}.
وقرأ حمزة والكسائي: [ إما يبلغان عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ]
وفي قراءة طلحة بن مصرف [ قد أفلحوا المؤمنون ]
وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار )).
وقال الفرزدق:
يا أوس لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية
أُلفِيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقية
وقال أيضاً:
ولكن ديافيّ أبوه وأمّه بحوران يعصرن السليط أقاربه
حوران ودياف موضعان في الشام، والسليط الزيت، وقيل: زيت السمسم خاصة.
وللنحاة ثلاثة أوجه في إعراب "أكلوني البراغيث"
الوجه الأول: الواو حرف جُعل علامة على الجمع، وليس ضميراً في محلّ فاعل، وهذا قول سيبويه وأبي عثمان المازني.
والوجه الثاني: البراغيث مبتدأ مؤخر، وجملة "أكلوني" خبر المبتدأ، ذكره أبو سعيد السيرافي، وفيه نظر لأنه لو أراد ذلك لقال: أكلنني البراغيث.
والوجه الثالث: البراغيث بدل بيان لضمير الرفع، وهو أظهر في الصنعة ولا يحتاج إلى تأويل.
#مسائل_التفسير
س: في قول الله عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } الآية لماذا لم يذكر الأعمام والأخوال مع أنهم من المحارم؟ فلم يقل ولا أعمامهن ولا أخوالهن.
الجواب:
هذا السؤال أثير قديماً، وتعددت إجابات المفسرين عليه، وأوّل جواب وقفتُ عليه ما في مصنف ابن أبي شيبة من طريق حماد بن سلمة قال: حدثنا داود بن الحصين عن الشعبي وعكرمة في هذه الآية: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } حتى فرغ منها قال: لم يذكر العم والخال؛ لأنهما ينعتان لأبنائهما.
وقال: لا تضع خمارها عند العمّ والخال.
فهذا القول مروي عن عكرمة والشعبي، لكن مما ينبغي أن يعرف أنّ من الأقوال التي تروى عن بعض السلف ما يكون مهجوراً لا يجري عليه العمل، وهجْرُ العمل بالقول من دلائل ضعفه.
فقد يُروى قول من الأقوال عن واحد أو اثنين من السلف، بل ربما عن جماعة قليلة في مقابل جمهورهم؛ ثم يُهجر هذا القول ولا يكاد يقول به قائل من بعدهم، ولهم ما يعذرون به من شبهة استدلال أو تأويل؛ كما روي عن عبيدة السلماني أنّ من شهد دخول شهر رمضان وهو مقيم فيجب عليه أن يصومه كلّه ولو سافر في أثنائه، واستدلّ بقول الله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، ولكن ما تبادر إلى ذهنه تأويل ضعيف، وقد هُجر القول به فلم يقل به أحد من الأئمة المعروفين بعده.
إذا تبيّن ذلك فالقول باحتجاب المرأة عن عمها وعن خالها قول روي عن الشعبي وعكرمة من طريق واحد، ثم هُجر هذا القول ولم يجر عليه العمل، وقد دلّت السنة صراحة على أنّ العم والخال من المحارم لا يحتجب منهما، بل إنَّ العم من الرضاعة لا يحتجب منه، ويدل لذلك ما في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرته أنَّ أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها، وهو عمّها من الرضاعة، بعد أن أنزل الحجاب، قالت: فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعتُ: «فأمرني أن آذن له عليَّ».
وفي رواية في الصحيحين أيضاً: «ائذني له فإنه عمّك تربت يمينك».
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق عراك بن مالك، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن عليَّ أفلح فلم آذن له؛ فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟
فقلت: وكيف ذلك؟
قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي!
فقالت: سألتُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدق أفلح ائذني له».
فإذا كان العلم من الرضاعة لا تحتجب منه المرأة فالعمّ من النسب أولى، وكذلك يقال في الخال.
وهذا الجواب وإن كان مهجوراً من جهة كون العمّ والخال من المحارم إلا أنّ بعض المفسرين اعتبر العلّة المذكورة فيه من أنهما قد يصفان لأبنائهما؛ وعدّ ذلك من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهن في التستر، وهذا جواب الزمخشري في الكشاف، وتبعه عليه جماعة من المفسرين، وردّه ابن عاشور بقوله: (هذا تعليل واهٍ لأنَّ وازع الإسلام يمنع من وصف المرأة).
وردّه غير واحد من المفسرين.
الجواب الثاني: الأعمام والأخوال ممن يجوز للمرأة إبداء الزينة لهم، وهم داخلون في دلالة الآية واختلفوا في توجيه ذلك على وجهين:
أحدهما: أنّ الله عز وجل قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ } والعمّ من الآباء في لسان العرب، ومنه قول الله عز وجل: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وإسماعيل ليس من عمود النسب لأبناء يعقوب، فهم أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وإسماعيل عم يعقوب إلا أنه يشمله في اللسان العربي اسم الأب.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عمّه العباس: (عم الرجل صنو أبيه). رواه مسلم وأبو داوود والترمذي من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
فمن العلماء من يرى أن لفظ الآباء يشمل الأعمام مع ما تقرر من الإجماع على كون العم محْرَماً، بل هو ولي للمرأة عند فقد الأب والجدّ والإخوة، فيكون العم ولي ابنة أخيه، يملك تزويجها، ولا تحتجب منه، بل هو أقرب المحارم إلى المرأة بعد الإخوان والجد.
والخال لصلته بالأمّ وثبوت محرميته يثبت له نظير ما يثبت للعمّ لعدم الفارق.
س: في قول الله عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } الآية لماذا لم يذكر الأعمام والأخوال مع أنهم من المحارم؟ فلم يقل ولا أعمامهن ولا أخوالهن.
الجواب:
هذا السؤال أثير قديماً، وتعددت إجابات المفسرين عليه، وأوّل جواب وقفتُ عليه ما في مصنف ابن أبي شيبة من طريق حماد بن سلمة قال: حدثنا داود بن الحصين عن الشعبي وعكرمة في هذه الآية: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } حتى فرغ منها قال: لم يذكر العم والخال؛ لأنهما ينعتان لأبنائهما.
وقال: لا تضع خمارها عند العمّ والخال.
فهذا القول مروي عن عكرمة والشعبي، لكن مما ينبغي أن يعرف أنّ من الأقوال التي تروى عن بعض السلف ما يكون مهجوراً لا يجري عليه العمل، وهجْرُ العمل بالقول من دلائل ضعفه.
فقد يُروى قول من الأقوال عن واحد أو اثنين من السلف، بل ربما عن جماعة قليلة في مقابل جمهورهم؛ ثم يُهجر هذا القول ولا يكاد يقول به قائل من بعدهم، ولهم ما يعذرون به من شبهة استدلال أو تأويل؛ كما روي عن عبيدة السلماني أنّ من شهد دخول شهر رمضان وهو مقيم فيجب عليه أن يصومه كلّه ولو سافر في أثنائه، واستدلّ بقول الله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، ولكن ما تبادر إلى ذهنه تأويل ضعيف، وقد هُجر القول به فلم يقل به أحد من الأئمة المعروفين بعده.
إذا تبيّن ذلك فالقول باحتجاب المرأة عن عمها وعن خالها قول روي عن الشعبي وعكرمة من طريق واحد، ثم هُجر هذا القول ولم يجر عليه العمل، وقد دلّت السنة صراحة على أنّ العم والخال من المحارم لا يحتجب منهما، بل إنَّ العم من الرضاعة لا يحتجب منه، ويدل لذلك ما في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرته أنَّ أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها، وهو عمّها من الرضاعة، بعد أن أنزل الحجاب، قالت: فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعتُ: «فأمرني أن آذن له عليَّ».
وفي رواية في الصحيحين أيضاً: «ائذني له فإنه عمّك تربت يمينك».
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق عراك بن مالك، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن عليَّ أفلح فلم آذن له؛ فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟
فقلت: وكيف ذلك؟
قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي!
فقالت: سألتُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدق أفلح ائذني له».
فإذا كان العلم من الرضاعة لا تحتجب منه المرأة فالعمّ من النسب أولى، وكذلك يقال في الخال.
وهذا الجواب وإن كان مهجوراً من جهة كون العمّ والخال من المحارم إلا أنّ بعض المفسرين اعتبر العلّة المذكورة فيه من أنهما قد يصفان لأبنائهما؛ وعدّ ذلك من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهن في التستر، وهذا جواب الزمخشري في الكشاف، وتبعه عليه جماعة من المفسرين، وردّه ابن عاشور بقوله: (هذا تعليل واهٍ لأنَّ وازع الإسلام يمنع من وصف المرأة).
وردّه غير واحد من المفسرين.
الجواب الثاني: الأعمام والأخوال ممن يجوز للمرأة إبداء الزينة لهم، وهم داخلون في دلالة الآية واختلفوا في توجيه ذلك على وجهين:
أحدهما: أنّ الله عز وجل قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ } والعمّ من الآباء في لسان العرب، ومنه قول الله عز وجل: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وإسماعيل ليس من عمود النسب لأبناء يعقوب، فهم أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وإسماعيل عم يعقوب إلا أنه يشمله في اللسان العربي اسم الأب.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عمّه العباس: (عم الرجل صنو أبيه). رواه مسلم وأبو داوود والترمذي من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
فمن العلماء من يرى أن لفظ الآباء يشمل الأعمام مع ما تقرر من الإجماع على كون العم محْرَماً، بل هو ولي للمرأة عند فقد الأب والجدّ والإخوة، فيكون العم ولي ابنة أخيه، يملك تزويجها، ولا تحتجب منه، بل هو أقرب المحارم إلى المرأة بعد الإخوان والجد.
والخال لصلته بالأمّ وثبوت محرميته يثبت له نظير ما يثبت للعمّ لعدم الفارق.
والوجه الآخر: أنَّ العم والخال تشملهما دلالة المثل من ذكر أبناء الإخوان، وأبنا الأخوات في قوله تعالى: {وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ } فبدلالة المثل يكون العمّ مثل ابن الأخ لأنَّ القرابة واحدة، وكذلك الخال نظير ابن الأخت.
فأغنى ذكر ابن الأخ عن ذكر العمّ من غير عكس، وأغنى ذكر ابن الأخت عن ذكر الخال كذلك.
وهذا الجواب ذكره أبو الليث السمرقندي حيث قال: (وقد ذكر في الآية بعض ذوي الرحم المحرم، فيكون فيه دليل على ما كان بمعناه، لأنه لم يذكر فيها الأعمام والأخوال، ولكن الآية إذا نزلت في شيء فقد نزلت فيما هو في معناه، والأعمام والأخوال بمعنى الإخوة وبني الإخوة، لأنه ذو رحم محرم).
- وقال أبو حفص النسفي: (وقوله تعالى: {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ}: ويدخل فيهم نوافل الإخوة والأخوات أيضًا، وإذا ثبت في هؤلاء المحارمِ ثبت في سائر المحارم من الأعمام والأخوال، وفي المحارم بالرضاع؛ لأن ذكر بعضهم تنبيهٌ على سائرهم).
- وقال زكريا الأنصاري: (إن قلتَ: لمَ تركَ ذكر الأعمام والأخوالِ، مع أنَّ حكمَهما حكم من استُثْني؟
قلتُ: تركهما كما ترك محرَّم الرضاع، أو لفهمهما من بني الِإخوان وبني الأخوات، بالأَوْلى أو بالمساواة).
وهذا الجواب يمكن أن يستخرج من قول سعيد بن جبير في تفسير هذه الآية حيث قال: ( ولا يبدين زينتهنّ يعنى ولا يضعن الجلباب وهو القناع من فوق الخمار، فقال: إلا لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ فهو محرمٌ وكذلك العمّ والخال.( رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار عن سعيد.
وقال إبراهيم النخعي: (والأخ وابن الأخ وابن الأخت والعم والخال). رواه يحيى بن سلام.
فإنّ القرن بينهم دليل على أنهم بمنزلة واحدة.
فإذا كانت المرأة تبدي زينتها لابن أختها، فكذلك للذي هي خالته، بل من العلماء من يرى أنَّ هذه من دلالة الأولى، فإنَّ العم أولى من ابن الأخ، والخال أولى من ابن الأخت.
وممن يرى هذا الجواب الشيخ السعدي في تفسيره حيث قال رحمه الله: (ولم يُذكر فيها الأعمام والأخوال؛ لأنهن إذا لم يحتجبن عمّن هن عماته ولا خالاته من أبناء الأخوة والأخوات مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن من باب أولى).
والأعمام والأخوال منصوص عليهم في آية التحريم في سورة النساء في قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} فنص على من تكون المرأة عمته فهي مَحرم له مُحرمة عليه، ومن تكون هي خالته فهي كذلك مُحرمة عليه وهو مَحرم لها.
وكذلك من يكون هو عمها، ومن يكون هو خالها.
الجواب الثالث: لم يذكر الأعمام والأخوال اقتصاراً على الذين تكثر مزاولتهم بيت المرأة، والتعداد جرى على الغالب ولا يقتضي الحصر، وهذا جواب ابن عاشور.
الجواب الرابع: جواب جماعة من أهل الحديث سلكوا مسلكا آخر في تحرير الجواب؛ فقالوا: إن السنَّة قد دلت على أن العم والخال مَحرمان، وأن المرأة لا تحتجب منهما، ونحن نضم السنة إلى الكتاب، ولا نقتصر على دلالة الكتاب دون السنة؛ لأنّ السنة مبينة للكتاب، وقد دلّت على عدم احتجاب المرأة من عمّها ولا خالها.
كما أنّ قول الله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} فيه تحريم الجمع بين الأختين؛ فزادت السنة تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها والمرأة وخالتها.
وهذا منهج بعض المحدثين، وهو منهج صحيح من حيث الاستدلال وقيام الحجة، فإن السنة مبينة للكتاب، وإذا دلت السنة دلالة صحيحة على تفسير الآية أو توسيع دلالتها أو تخصيصها فالبيان النبوي حجة واجبة القبول، ولا معدل عنه.
لكن علماء البيان يقولون: إنَّ الأعمام والأخوال لم يذكرا في آية النور لعلة بيانية، مع تسليمهم بأنَّ العم والخال من المحارم، وسؤالهم إنما هو عن العلّة البيانية لترك ذكرهما في الآية.
فأغنى ذكر ابن الأخ عن ذكر العمّ من غير عكس، وأغنى ذكر ابن الأخت عن ذكر الخال كذلك.
وهذا الجواب ذكره أبو الليث السمرقندي حيث قال: (وقد ذكر في الآية بعض ذوي الرحم المحرم، فيكون فيه دليل على ما كان بمعناه، لأنه لم يذكر فيها الأعمام والأخوال، ولكن الآية إذا نزلت في شيء فقد نزلت فيما هو في معناه، والأعمام والأخوال بمعنى الإخوة وبني الإخوة، لأنه ذو رحم محرم).
- وقال أبو حفص النسفي: (وقوله تعالى: {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ}: ويدخل فيهم نوافل الإخوة والأخوات أيضًا، وإذا ثبت في هؤلاء المحارمِ ثبت في سائر المحارم من الأعمام والأخوال، وفي المحارم بالرضاع؛ لأن ذكر بعضهم تنبيهٌ على سائرهم).
- وقال زكريا الأنصاري: (إن قلتَ: لمَ تركَ ذكر الأعمام والأخوالِ، مع أنَّ حكمَهما حكم من استُثْني؟
قلتُ: تركهما كما ترك محرَّم الرضاع، أو لفهمهما من بني الِإخوان وبني الأخوات، بالأَوْلى أو بالمساواة).
وهذا الجواب يمكن أن يستخرج من قول سعيد بن جبير في تفسير هذه الآية حيث قال: ( ولا يبدين زينتهنّ يعنى ولا يضعن الجلباب وهو القناع من فوق الخمار، فقال: إلا لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ فهو محرمٌ وكذلك العمّ والخال.( رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار عن سعيد.
وقال إبراهيم النخعي: (والأخ وابن الأخ وابن الأخت والعم والخال). رواه يحيى بن سلام.
فإنّ القرن بينهم دليل على أنهم بمنزلة واحدة.
فإذا كانت المرأة تبدي زينتها لابن أختها، فكذلك للذي هي خالته، بل من العلماء من يرى أنَّ هذه من دلالة الأولى، فإنَّ العم أولى من ابن الأخ، والخال أولى من ابن الأخت.
وممن يرى هذا الجواب الشيخ السعدي في تفسيره حيث قال رحمه الله: (ولم يُذكر فيها الأعمام والأخوال؛ لأنهن إذا لم يحتجبن عمّن هن عماته ولا خالاته من أبناء الأخوة والأخوات مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن من باب أولى).
والأعمام والأخوال منصوص عليهم في آية التحريم في سورة النساء في قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} فنص على من تكون المرأة عمته فهي مَحرم له مُحرمة عليه، ومن تكون هي خالته فهي كذلك مُحرمة عليه وهو مَحرم لها.
وكذلك من يكون هو عمها، ومن يكون هو خالها.
الجواب الثالث: لم يذكر الأعمام والأخوال اقتصاراً على الذين تكثر مزاولتهم بيت المرأة، والتعداد جرى على الغالب ولا يقتضي الحصر، وهذا جواب ابن عاشور.
الجواب الرابع: جواب جماعة من أهل الحديث سلكوا مسلكا آخر في تحرير الجواب؛ فقالوا: إن السنَّة قد دلت على أن العم والخال مَحرمان، وأن المرأة لا تحتجب منهما، ونحن نضم السنة إلى الكتاب، ولا نقتصر على دلالة الكتاب دون السنة؛ لأنّ السنة مبينة للكتاب، وقد دلّت على عدم احتجاب المرأة من عمّها ولا خالها.
كما أنّ قول الله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} فيه تحريم الجمع بين الأختين؛ فزادت السنة تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها والمرأة وخالتها.
وهذا منهج بعض المحدثين، وهو منهج صحيح من حيث الاستدلال وقيام الحجة، فإن السنة مبينة للكتاب، وإذا دلت السنة دلالة صحيحة على تفسير الآية أو توسيع دلالتها أو تخصيصها فالبيان النبوي حجة واجبة القبول، ولا معدل عنه.
لكن علماء البيان يقولون: إنَّ الأعمام والأخوال لم يذكرا في آية النور لعلة بيانية، مع تسليمهم بأنَّ العم والخال من المحارم، وسؤالهم إنما هو عن العلّة البيانية لترك ذكرهما في الآية.
الجواب الخامس: جواب شيخنا ابن عثيمين رحمه الله حيث ذهب في بعض مجالسه إلى التفريق بين إبداء الزينة وبين عدم الاحتجاب؛ فقال إنّ السنة دلّت على ألا تحتجب المرأة من عمّها ولا خالها، وآية النور لم يذكر فيها إباحة إبداء الزينة للعمّ ولا الخال، فانفكّت الجهتان؛ فيكون العمّ والخال من المحارم ولا يجوز للمرأة أن تبدي لهما زينتها.
ثمّ رأيته توقّف في هذه المسألة بعد ذلك.
ولا ريب أن إبداء الزينة يدخله التفاضل؛ فما تبديه المرأة لبعلها ليس كما تبديه لغيره، وما تبديه لنسائها ليس كما تبديه لأرحامها، لكن يبقى أصل إبداء الزينة للأرحام مباحاً بنصّ الآية، وليس العم والخال بأدنى من أبي الزوج في هذه المنزلة.
فهذا تلخيص أجوبة أهل العلم على هذا السؤال، وأقربها عندي الجواب الثاني، وذلك أنّ البيان القرآني من سماته الإيجاز، فإذا ذُكر ما يغني عن النص كان الحذف والاختصار أولى؛ لأن النص مع كفاية الدلالة تطويل تقتضي البلاغة حذفه والاقتصار على ما يدلَّ على ما وراءه من الألفاظ.
فذكر أبناء الإخوان وأبناء الأخوات يغني عن النص على العم والخال، كما أن ذكر المحارم من النسب يغني عن ذكر نظرائهم من الرضاعة، ودلت السنة على ذلك، فتؤخذ دلالة السنة؛ ولأن ما شُمل بلفظ الآباء وأبناء الأخت وأبناء الأخ من النسب يشمله أيضاً ما كان من الرضاعة.
ثمّ رأيته توقّف في هذه المسألة بعد ذلك.
ولا ريب أن إبداء الزينة يدخله التفاضل؛ فما تبديه المرأة لبعلها ليس كما تبديه لغيره، وما تبديه لنسائها ليس كما تبديه لأرحامها، لكن يبقى أصل إبداء الزينة للأرحام مباحاً بنصّ الآية، وليس العم والخال بأدنى من أبي الزوج في هذه المنزلة.
فهذا تلخيص أجوبة أهل العلم على هذا السؤال، وأقربها عندي الجواب الثاني، وذلك أنّ البيان القرآني من سماته الإيجاز، فإذا ذُكر ما يغني عن النص كان الحذف والاختصار أولى؛ لأن النص مع كفاية الدلالة تطويل تقتضي البلاغة حذفه والاقتصار على ما يدلَّ على ما وراءه من الألفاظ.
فذكر أبناء الإخوان وأبناء الأخوات يغني عن النص على العم والخال، كما أن ذكر المحارم من النسب يغني عن ذكر نظرائهم من الرضاعة، ودلت السنة على ذلك، فتؤخذ دلالة السنة؛ ولأن ما شُمل بلفظ الآباء وأبناء الأخت وأبناء الأخ من النسب يشمله أيضاً ما كان من الرضاعة.
#مجالس_الأسئلة_العلمية| المجلس الثامن والخمسون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 23 صفر 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في علوم القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 23 صفر 1446 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في علوم القرآن.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#حياة_العلم_مذاكرته
س1: ما أحبّ الكلام إلى الله؟
س2: ما أحب سورة إلى الله؟
س3: ما أحبّ الأعمال إلى الله مطلقاً؟
س4: ما أحبّ الأعمال النافلة إلى الله؟
س5: ما أحب الصلاة إلى الله؟
س6: ما أحب الصيام إلى الله؟
س7: ما أحبّ الأماكن إلى الله؟
س8: ما أحبّ البلدان إلى الله؟
س9: ما أحبّ الأسماء إلى الله؟
س10: من أحبّ الناس إلى الله؟
#مسائل_السلوك
س1: ما أحبّ الكلام إلى الله؟
س2: ما أحب سورة إلى الله؟
س3: ما أحبّ الأعمال إلى الله مطلقاً؟
س4: ما أحبّ الأعمال النافلة إلى الله؟
س5: ما أحب الصلاة إلى الله؟
س6: ما أحب الصيام إلى الله؟
س7: ما أحبّ الأماكن إلى الله؟
س8: ما أحبّ البلدان إلى الله؟
س9: ما أحبّ الأسماء إلى الله؟
س10: من أحبّ الناس إلى الله؟
#مسائل_السلوك
#مسائل_التفسير | تفسير قول الله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}
والتعليق على حكاية ابن عاشور الاتفاق على أن ظاهر الآية غير مراد.
قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
- قال ابن عاشور: (واتفق علماء الإسلام على أن ظاهر الآية غير مراد إذ لا قائل بوجوب نفقة المرضِع على وارث الأب، سواء كان إيجابها على الوارث في المال الموروث بأن تكون مبدَّاةً على المواريث للإجماع على أنه لا يبدأ إلا بالتجهيز ثم الدين ثم الوصية، ولأنَّ الرضيع له حظه في المال الموروث، وهو إذا صار ذا مال لم تجب نفقته على غيره، أم كان إيجابها على الوارث لو لم يسعها المال الموروث فيكمل من يده، ولذلك طرقوا في هذا باب التأويل إما تأويل معنى الوارث وإما تأويل مرجع الإشارة وإما كليهما)ا.هـ.
قلتُ: ما ذكره ابن عاشور عفا الله عنه من حكاية الاتفاق على أنّ ظاهر الآية غير مراد لا يصحّ بهذا الإطلاق، لأنه فهم من دلالة الظاهر فهماً خاصاً لا يوافق فهم جمهور العلماء ثمّ حكى الاتفاق على أنه غير مراد، ودلالة ظاهر الآية هنا قد وقع الاختلاف في تعيينها، وقد حكى ابن جرير الخلاف في دلالة ظاهر هذه ا لآية فقال: (غير جائزٍ أن يقال في تأويل كتاب اللّه تعالى ذكره قولٌ إلاّ بحجّةٍ واضحةٍ على ما قد بيّنّا في أوّل كتابنا هذا، وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} محتملاً ظاهره: وعلى وارث الصّبيّ المولود مثل الّذي كان على المولود له، ومحتملاً وعلى وارث المولود له مثل الّذي كان عليه في حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة المولود).
فهذا ابن جرير حكى قولين فهمهما من دلالة ظاهر الآية، وبقيت أقوال أخر تحتملها دلالة الظاهر؛ فكيف يقال باتفاق علماء الإسلام على أنّ ظاهر هذه الآية غير مراد.
وهذه الآية على وجازة ألفاظها قد استوعبت أحكام نفقة رضاع الصبي في حال حياة والديه أو موت أحدهما أو موتهما، وفي حالي التنازع على كفالته وتدافعها، وحدّ الحدود التي يُحفظ بها حقّ الرضيع؛ فأوجب على الوالدة إرضاعه حولين كاملين ما لم يتراضيا على فصاله قبل ذلك.
{وعلى المولود له} وهو الأب أو من يقوم مقامه عند فقده {رزقهنّ وكسوتهن بالمعروف لا تكلّف نفس إلا وسعها}
وحرّم المضارّة على الطرفين الأب والأم ومن يقوم مقام كلّ واحد منهما {لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده}
والفعل {تضارّ} يحتمل أن يكون أصله [ لا تضارِرْ] وأن يكون أصله [ لا تضارَر} على البناء لما لم يسمّ فاعله، والوجهان صحيحان.
فهذا كله في حال حياة الأب.
وقوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي: مثل ما مضى من الالتزام على كلّ بحسبه من تحريم المضارة، ونفقة المرضع وكسوتها مدة الرضاعة.
وفي المراد بالوارث قولان مشهوران للسلف:
القول الأول: الوارث هو وارث الولد، وهذا قول عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عتبة، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وغيرهم.
وقد ألزم عمر عصبة الولد الذي مات أبوه نفقته، وهذا هو مقتضى العدل؛ فإنه لو قدّر أن الولد رُزق مالاً ثم مات فإنَّ ماله يؤول إلى عصبته؛ فقيامهم عليه في حال حاجته وعجزه واجب عليهم.
وإطلاق الوارث للحيّ على تقدير موته إطلاق صحيح، وفي صحيح البخاري من حديث محمد بن المنكدر قال: سمعت جابراً يقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصبَّ علي من وضوئه، فعقلت، فقلت: (يا رسول الله لمن الميراث؟ إنما يرثني كلالة، فنزلت آية الفرائض).
فهذا قاله جابر وهو حيّ يسأل عن وارثه بعد موته.
وذكر "الوارث" هنا يدلّ بدلالة الإيماء على الحقوق المالية المتبادلة بين الولد وعصبته، وتنبيه لهم على سبب وجوب نفقته عليهم بأنهم يرثونه إذا كان له مال.
القول الثاني: الوارث هو الولد نفسه، وهو قول قبيصة بن ذؤيب، والضحاك بن مزاحم، وهو إطلاق صحيح باعتبار وفاة الأب، فتكون النفقة في مال الولد الوارث، والقيّم على ماله هو كفيله، ويكون العدول عن لفظ "وعلى المولود" إلى قوله: {وعلى الوارث} لأن المولود ليس محلاً للتكليف، وإنما الذي يكلَّف كفيله؛ فهو مؤتمن عليه، وضامن حقّ المرضعة وكسوتها أن يؤديها لها من مال الولد إلا أن يتطوع.
وهذان القولان ليس بينهما تعارض، ويمكن الجمع بينهما، ولذلك قال الضحاك: (إن مات أبو الصّبيّ وللصّبيّ مالٌ أخذ رضاعه من المال، وإن لم يكن له مالٌ أخذ من العصبة، فإن لم يكن للعصبة مالٌ أجبرت عليه أمّه). رواه ابن جرير.
والتعليق على حكاية ابن عاشور الاتفاق على أن ظاهر الآية غير مراد.
قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
- قال ابن عاشور: (واتفق علماء الإسلام على أن ظاهر الآية غير مراد إذ لا قائل بوجوب نفقة المرضِع على وارث الأب، سواء كان إيجابها على الوارث في المال الموروث بأن تكون مبدَّاةً على المواريث للإجماع على أنه لا يبدأ إلا بالتجهيز ثم الدين ثم الوصية، ولأنَّ الرضيع له حظه في المال الموروث، وهو إذا صار ذا مال لم تجب نفقته على غيره، أم كان إيجابها على الوارث لو لم يسعها المال الموروث فيكمل من يده، ولذلك طرقوا في هذا باب التأويل إما تأويل معنى الوارث وإما تأويل مرجع الإشارة وإما كليهما)ا.هـ.
قلتُ: ما ذكره ابن عاشور عفا الله عنه من حكاية الاتفاق على أنّ ظاهر الآية غير مراد لا يصحّ بهذا الإطلاق، لأنه فهم من دلالة الظاهر فهماً خاصاً لا يوافق فهم جمهور العلماء ثمّ حكى الاتفاق على أنه غير مراد، ودلالة ظاهر الآية هنا قد وقع الاختلاف في تعيينها، وقد حكى ابن جرير الخلاف في دلالة ظاهر هذه ا لآية فقال: (غير جائزٍ أن يقال في تأويل كتاب اللّه تعالى ذكره قولٌ إلاّ بحجّةٍ واضحةٍ على ما قد بيّنّا في أوّل كتابنا هذا، وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} محتملاً ظاهره: وعلى وارث الصّبيّ المولود مثل الّذي كان على المولود له، ومحتملاً وعلى وارث المولود له مثل الّذي كان عليه في حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة المولود).
فهذا ابن جرير حكى قولين فهمهما من دلالة ظاهر الآية، وبقيت أقوال أخر تحتملها دلالة الظاهر؛ فكيف يقال باتفاق علماء الإسلام على أنّ ظاهر هذه الآية غير مراد.
وهذه الآية على وجازة ألفاظها قد استوعبت أحكام نفقة رضاع الصبي في حال حياة والديه أو موت أحدهما أو موتهما، وفي حالي التنازع على كفالته وتدافعها، وحدّ الحدود التي يُحفظ بها حقّ الرضيع؛ فأوجب على الوالدة إرضاعه حولين كاملين ما لم يتراضيا على فصاله قبل ذلك.
{وعلى المولود له} وهو الأب أو من يقوم مقامه عند فقده {رزقهنّ وكسوتهن بالمعروف لا تكلّف نفس إلا وسعها}
وحرّم المضارّة على الطرفين الأب والأم ومن يقوم مقام كلّ واحد منهما {لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده}
والفعل {تضارّ} يحتمل أن يكون أصله [ لا تضارِرْ] وأن يكون أصله [ لا تضارَر} على البناء لما لم يسمّ فاعله، والوجهان صحيحان.
فهذا كله في حال حياة الأب.
وقوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي: مثل ما مضى من الالتزام على كلّ بحسبه من تحريم المضارة، ونفقة المرضع وكسوتها مدة الرضاعة.
وفي المراد بالوارث قولان مشهوران للسلف:
القول الأول: الوارث هو وارث الولد، وهذا قول عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عتبة، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وغيرهم.
وقد ألزم عمر عصبة الولد الذي مات أبوه نفقته، وهذا هو مقتضى العدل؛ فإنه لو قدّر أن الولد رُزق مالاً ثم مات فإنَّ ماله يؤول إلى عصبته؛ فقيامهم عليه في حال حاجته وعجزه واجب عليهم.
وإطلاق الوارث للحيّ على تقدير موته إطلاق صحيح، وفي صحيح البخاري من حديث محمد بن المنكدر قال: سمعت جابراً يقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصبَّ علي من وضوئه، فعقلت، فقلت: (يا رسول الله لمن الميراث؟ إنما يرثني كلالة، فنزلت آية الفرائض).
فهذا قاله جابر وهو حيّ يسأل عن وارثه بعد موته.
وذكر "الوارث" هنا يدلّ بدلالة الإيماء على الحقوق المالية المتبادلة بين الولد وعصبته، وتنبيه لهم على سبب وجوب نفقته عليهم بأنهم يرثونه إذا كان له مال.
القول الثاني: الوارث هو الولد نفسه، وهو قول قبيصة بن ذؤيب، والضحاك بن مزاحم، وهو إطلاق صحيح باعتبار وفاة الأب، فتكون النفقة في مال الولد الوارث، والقيّم على ماله هو كفيله، ويكون العدول عن لفظ "وعلى المولود" إلى قوله: {وعلى الوارث} لأن المولود ليس محلاً للتكليف، وإنما الذي يكلَّف كفيله؛ فهو مؤتمن عليه، وضامن حقّ المرضعة وكسوتها أن يؤديها لها من مال الولد إلا أن يتطوع.
وهذان القولان ليس بينهما تعارض، ويمكن الجمع بينهما، ولذلك قال الضحاك: (إن مات أبو الصّبيّ وللصّبيّ مالٌ أخذ رضاعه من المال، وإن لم يكن له مالٌ أخذ من العصبة، فإن لم يكن للعصبة مالٌ أجبرت عليه أمّه). رواه ابن جرير.
وذُكر في المراد بالوارث قولان آخران:
أحدهما: المراد وارث المولود له الذي هو الأب، من الرجال والنساء فتجب نفقة الرضيع عليهم، وهذا القول ذكره ابن جرير، ولا يصحّ عن أحد من السلف، واستدلّ له بإلزام عمر عصبة الولد بنفقته، وليس في ذلك دليل على هذا القول، بل هو من أدلة القول الأول.
وهذا هو ما فهمه ابن عاشور من ظاهر الآية ولا يصحّ أن يكون هو ظاهر الآية، لأن المولود له قد يكون المراد به الأب، وقد يكون المراد به وليّ المولود من عصبته، وليس كلّ ورثة المولود له يكونون من عصبته.
والقول الآخر: الوارث هو من كان ذا رحم محرم للمولود، فإن لم يكن محرماً كابن العمّ فليس عليه نفقته، وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهو تأويل غير صحيح، ولا حجة له.
فقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} له وجهان صحيحان في التفسير يشملان حالي التنازع والتدافع في كفالته، وحالي غنى الصبي وعدمه.
وذلك أنّ الصبي قد يتنازع أقاربه على كفالته، وقد يتدافعونها، وقد يكون ذا مال من إرثه لأبيه، وقد يكون معدماً لا مال له، والآية بيّنت الأحكام في ذلك كلّه بأوجز عبارة.
فإذا تنازعوا الكفالة فمن تقع له الكفالة من عصبته فعليه ما يلزم الكفيل، ويكون معنى {الوارث} هنا وارث الصبيّ كفالة.
وإن تدافعوا كفالته ألزمت بذلك عصبته حفظاً لحقّه حتى يدرك.
وعلى من يرث هذا الالتزام على جميع الأوجه ما كان على الأب من تحمّل النفقة، وترك المضارة.
أحدهما: المراد وارث المولود له الذي هو الأب، من الرجال والنساء فتجب نفقة الرضيع عليهم، وهذا القول ذكره ابن جرير، ولا يصحّ عن أحد من السلف، واستدلّ له بإلزام عمر عصبة الولد بنفقته، وليس في ذلك دليل على هذا القول، بل هو من أدلة القول الأول.
وهذا هو ما فهمه ابن عاشور من ظاهر الآية ولا يصحّ أن يكون هو ظاهر الآية، لأن المولود له قد يكون المراد به الأب، وقد يكون المراد به وليّ المولود من عصبته، وليس كلّ ورثة المولود له يكونون من عصبته.
والقول الآخر: الوارث هو من كان ذا رحم محرم للمولود، فإن لم يكن محرماً كابن العمّ فليس عليه نفقته، وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهو تأويل غير صحيح، ولا حجة له.
فقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} له وجهان صحيحان في التفسير يشملان حالي التنازع والتدافع في كفالته، وحالي غنى الصبي وعدمه.
وذلك أنّ الصبي قد يتنازع أقاربه على كفالته، وقد يتدافعونها، وقد يكون ذا مال من إرثه لأبيه، وقد يكون معدماً لا مال له، والآية بيّنت الأحكام في ذلك كلّه بأوجز عبارة.
فإذا تنازعوا الكفالة فمن تقع له الكفالة من عصبته فعليه ما يلزم الكفيل، ويكون معنى {الوارث} هنا وارث الصبيّ كفالة.
وإن تدافعوا كفالته ألزمت بذلك عصبته حفظاً لحقّه حتى يدرك.
وعلى من يرث هذا الالتزام على جميع الأوجه ما كان على الأب من تحمّل النفقة، وترك المضارة.
علماء الأمصار في القرون الفاضلة
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإنّ من المعارف المهمّة لطالب العلم معرفة علماء الأمصار في القرون الفاضلة؛
روي في تفضيل القرون الثلاثة أحاديث صحيحة، وأهل العلم والإيمان من أصحاب تلك القرون هم أئمة أهل العلم وصفوتهم وخيارهم، وتوجيه العناية لدراسة سير أولئك الصفوة والاتساء بهم في تعلّمهم وتعليمهم، والانتفاع بسيرهم وأخبارهم ووصاياهم من أفضل سبل تقويم التعليم.
وهي أصل مهم في معرفة نشأة علوم الشريعة واللغة العربية، وتعلّمها وتعليمها، وتدوينها
- وتقرّب لطالب العلم تصورّ أحوال أولئك السلف الصالح في طلبهم للعلم، ورعايتهم له، وتعليمهم إياه، وتبيّن له تنوّع طرائقهم في ذلك، ومسالكهم في العمل بالعلم.
- وتيسّر لطالب العلم معرفة أصول الأسانيد وتصنيفها على البلدان؛ فإن صعوبة حفظ الأسانيد سببها عدم المعرفة بكثير من أولئك الرجال، ومن عرفهم ودرس سيرهم، وعرف شيوخهم وتلاميذهم سهل عليه معرفة كثير من الأسانيد وأحكامها.
- وكلّ قرن من تلك القرون حدثت فيه حوادث مهمّة وفتن عظيمة، كان لها أثر كبير في الأمة بعدهم، ومعرفة منهج أولئك الأئمة الأعلام في تلك الحوادث والفتن من أعظم ما يبصّر بسبيل الهدى فيها.
- وقراءة سير أولئك العلماء تثمر في القلب ثمرات عظيمة النفع وتعالج آفات وأدواء من العجب والغرور، والغفلة والقسوة، والحيرة والعيّ، وربّ سيرة من تلك السير تفتح لطالب العلم باباً من السلوك يكون أنفع له من قراءة كثير من الكتب.
ولذلك نقل عن بعض السلف أن قراءة سيرة رجل صالح أحبّ إليه من تعلّم باب من الفقه.
قال روح بن عبادة: حدثنا هشام عن الحسن قال: (قد كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه وفي لسانه وبصره ويده). رواه الإمام أحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان.
- ولا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أوّلها ، ولا سبيل إلى معرفة ما صلح عليه أوّل هذه الأمة إلا بدراسة سير أولئك العلماء ومعرفة أخبارهم وآثارهم.
وهذا دليل فيه لمحات عن التاريخ العلمي في الأمصار المشهورة في الإسلام، وتراجم لأعلام العلماء الذين كان لهم أثر في التعليم ونشر العلم في تلك الأمصار.
https://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?p=415569#post415569
[ التراجم والمباحث مرتبطة بروابطها؛ اضغط على الرابط لتطّلع على التفصيل]
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإنّ من المعارف المهمّة لطالب العلم معرفة علماء الأمصار في القرون الفاضلة؛
روي في تفضيل القرون الثلاثة أحاديث صحيحة، وأهل العلم والإيمان من أصحاب تلك القرون هم أئمة أهل العلم وصفوتهم وخيارهم، وتوجيه العناية لدراسة سير أولئك الصفوة والاتساء بهم في تعلّمهم وتعليمهم، والانتفاع بسيرهم وأخبارهم ووصاياهم من أفضل سبل تقويم التعليم.
وهي أصل مهم في معرفة نشأة علوم الشريعة واللغة العربية، وتعلّمها وتعليمها، وتدوينها
- وتقرّب لطالب العلم تصورّ أحوال أولئك السلف الصالح في طلبهم للعلم، ورعايتهم له، وتعليمهم إياه، وتبيّن له تنوّع طرائقهم في ذلك، ومسالكهم في العمل بالعلم.
- وتيسّر لطالب العلم معرفة أصول الأسانيد وتصنيفها على البلدان؛ فإن صعوبة حفظ الأسانيد سببها عدم المعرفة بكثير من أولئك الرجال، ومن عرفهم ودرس سيرهم، وعرف شيوخهم وتلاميذهم سهل عليه معرفة كثير من الأسانيد وأحكامها.
- وكلّ قرن من تلك القرون حدثت فيه حوادث مهمّة وفتن عظيمة، كان لها أثر كبير في الأمة بعدهم، ومعرفة منهج أولئك الأئمة الأعلام في تلك الحوادث والفتن من أعظم ما يبصّر بسبيل الهدى فيها.
- وقراءة سير أولئك العلماء تثمر في القلب ثمرات عظيمة النفع وتعالج آفات وأدواء من العجب والغرور، والغفلة والقسوة، والحيرة والعيّ، وربّ سيرة من تلك السير تفتح لطالب العلم باباً من السلوك يكون أنفع له من قراءة كثير من الكتب.
ولذلك نقل عن بعض السلف أن قراءة سيرة رجل صالح أحبّ إليه من تعلّم باب من الفقه.
قال روح بن عبادة: حدثنا هشام عن الحسن قال: (قد كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه وفي لسانه وبصره ويده). رواه الإمام أحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان.
- ولا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أوّلها ، ولا سبيل إلى معرفة ما صلح عليه أوّل هذه الأمة إلا بدراسة سير أولئك العلماء ومعرفة أخبارهم وآثارهم.
وهذا دليل فيه لمحات عن التاريخ العلمي في الأمصار المشهورة في الإسلام، وتراجم لأعلام العلماء الذين كان لهم أثر في التعليم ونشر العلم في تلك الأمصار.
https://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?p=415569#post415569
[ التراجم والمباحث مرتبطة بروابطها؛ اضغط على الرابط لتطّلع على التفصيل]
#مسائل_التفسير | تفسير قول الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها}
ذكر ابن القيم رحمه لله أنّ لشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في تفسير هذه الآية، لكني لم أقف عليها.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ هذه الآية من المؤوَّل لأنهم فهموا من ظاهرها ما يقتضي إنفاذ الجزاء بالخلود الأبدي في النار على كل من تعمّد قتل مؤمن، ووجدوا هذا الظاهر يعارض ما ثبت في نصوص كثيرة من قبول توبة القاتل، وجواز مغفرة الله له، وخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان؛ فلذلك سلكوا مسلك التأويل الذي فيه صرف اللفظ عن هذا الظاهر، حتى أوّلها بعضهم بالمستحلّ، لأنّ من يستحلّ قتل مؤمن فهو كافر والكافر خالد مخلّد في نار جهنّم لا يخرج منها.
ومنهم من قصرها على ما روي في سبب نزولها وقد تضمّن ما خلاصته أنَّ مقيس بن صبابة قتل رجلاً مؤمناً من بني فهر ثمّ ارتدَّ ولحق بالمشركين؛ وأنشد:
قتلت به فهراً وحمّلتُ عقله ... سراة بني النجار أربابَ قارعِ
وأدركتُ ثأري واضطجعت موسداً ... وكنت إلى الأوثان أول راجعِ
وهذا الخبر روي من مرسل عكرمة، ومن طرق لا تخلو من ضعف، لكن صحّ أن مقيس بن صبابة ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم يوم فتح مكة، وأمر بقتلهم ولو تعلّقوا بأستار الكعبة؛ فقتل في سوق مكة يوم الفتح.
فقال بعض أهل العلم: إنّ الآية نزلت فيه؛ فحكمها مختصٌّ به، وبمن كان في مثل حاله.
وهذه التأويلات فيها قصرٌ للمعنى عن عمومه، ومخالفة لمقصد الآية من الترهيب والزجر الشديد عن قتل المؤمن، لأنَّ الوعيد إذا قُصر على المستحلّ والمرتد لم يكن في ذلك زجر لغيرهما.
ومما يزول به الإشكال التبصير بأمور:
الأمر الأول: أنّ الآية لم يذكر فيها التأبيد، وإنما ذكر فيها الخلود، وهو المكث الطويل مطلقاً، فالخلود قد يكون معه تأبيد، وقد لا يكون معه تأبيد، وإنما يستفاد التأبيد من دليل إضافي زائد على مجرد الخلود.
ومن ذلك أنّ العرب تسمّى حجار الأثافي خوالد، وهي ثلاثة أحجار يوقد بينها النار، وتطبخ عليها القدور، فسميت خوالد لأنّها تمكث في موضعها مكثاً طويلاً، بل ربما رحلوا وتركوها.
قال لبيد:
فوقفتُ أسألها وكيف سؤالنا ... صمّاً خوالد ما يبين كلامها
ويُروى: سُفعاً، والسُّفعة لون يضرب إلى السواد.
وقال المخبّل السعدي:
وأرى لها دارا بأغدرة الســـــــــــــــــــــــــــــــــــــيدان لم يدرس لها رسم
إلا رماداً هامداً دفعت ... عنه الرياحَ خوالدٌ سُحْمُ
وقال زهير بن أبي سلمى:
غشيت دياراً بالبقيع فثهمد ... دوارس قد أقوين من أمّ معبد
أربت بها الأرواح كل عشية ... فلم يبق إلا آل خيم منضد
وغير ثلاث كالحَمام خوالدٍ ... وهابٍ مُحيلٍ هامدٍ متلبدِ
وهذه الحجار الثلاث الخوالد هي الأثافي التي قال فيها في معلقته:
وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهم
أثافي سُفعاً في معرَّس مرجلٍ ... ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
ومن المعلوم أنّ خلود الأثافي في موضعها لا يقتضي التأبيد.
وقال لبيد بن ربيعة:
للحنظلية أصبحت آياتها ... يبرقن تحت كنهبل الغُلان
خَلَدَتْ ولم يخلدْ بها من حلَّها ... وتبدّلت خيطا من الأحدان
كنهبل الغلان شجر الأودية، والخيط جماعة النعام، والأحدان المفاريد التي تأتي واحداً بعد واحد.
والشاهد قوله: خلدت، أي: آيات محلّها وما تركه أهلها بعد رحيلهم من علامات نزولهم؛ فوصفها بالخلود لأنه مكث طويل، ولا يقتضي ذلك انتفاء طروء ما يغيّرها ويعفّيها.
وقال جؤية بن النضر:
إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ... ظلَّت إلى طرق المعروف تستبق
ما يألفُ الدرهمُ الصيَّاح صُرَّتنا ... لكن يمرّ عليها وهو منطلق
حتى يصير إلى نذلٍ يخلّده ... يكاد من صّرّه إياه ينمزق
يريد أنّ البخيل يخلّد دراهمه في صُرّتها فتمكث فيها مكثاً طويلاً؛ ولا يقتضي ذلك التأبيد لأنّه لو أمسكها إلى موته فمصيرها إلى تقسّم الميراث.
إذا تبيّن ذلك فالخلود المذكور في الآية يدلّ على تضمّن الجزاء للمكث الطويل في النار من غير اقتضاء للتأبيد فيها.
ذكر ابن القيم رحمه لله أنّ لشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في تفسير هذه الآية، لكني لم أقف عليها.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ هذه الآية من المؤوَّل لأنهم فهموا من ظاهرها ما يقتضي إنفاذ الجزاء بالخلود الأبدي في النار على كل من تعمّد قتل مؤمن، ووجدوا هذا الظاهر يعارض ما ثبت في نصوص كثيرة من قبول توبة القاتل، وجواز مغفرة الله له، وخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان؛ فلذلك سلكوا مسلك التأويل الذي فيه صرف اللفظ عن هذا الظاهر، حتى أوّلها بعضهم بالمستحلّ، لأنّ من يستحلّ قتل مؤمن فهو كافر والكافر خالد مخلّد في نار جهنّم لا يخرج منها.
ومنهم من قصرها على ما روي في سبب نزولها وقد تضمّن ما خلاصته أنَّ مقيس بن صبابة قتل رجلاً مؤمناً من بني فهر ثمّ ارتدَّ ولحق بالمشركين؛ وأنشد:
قتلت به فهراً وحمّلتُ عقله ... سراة بني النجار أربابَ قارعِ
وأدركتُ ثأري واضطجعت موسداً ... وكنت إلى الأوثان أول راجعِ
وهذا الخبر روي من مرسل عكرمة، ومن طرق لا تخلو من ضعف، لكن صحّ أن مقيس بن صبابة ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم يوم فتح مكة، وأمر بقتلهم ولو تعلّقوا بأستار الكعبة؛ فقتل في سوق مكة يوم الفتح.
فقال بعض أهل العلم: إنّ الآية نزلت فيه؛ فحكمها مختصٌّ به، وبمن كان في مثل حاله.
وهذه التأويلات فيها قصرٌ للمعنى عن عمومه، ومخالفة لمقصد الآية من الترهيب والزجر الشديد عن قتل المؤمن، لأنَّ الوعيد إذا قُصر على المستحلّ والمرتد لم يكن في ذلك زجر لغيرهما.
ومما يزول به الإشكال التبصير بأمور:
الأمر الأول: أنّ الآية لم يذكر فيها التأبيد، وإنما ذكر فيها الخلود، وهو المكث الطويل مطلقاً، فالخلود قد يكون معه تأبيد، وقد لا يكون معه تأبيد، وإنما يستفاد التأبيد من دليل إضافي زائد على مجرد الخلود.
ومن ذلك أنّ العرب تسمّى حجار الأثافي خوالد، وهي ثلاثة أحجار يوقد بينها النار، وتطبخ عليها القدور، فسميت خوالد لأنّها تمكث في موضعها مكثاً طويلاً، بل ربما رحلوا وتركوها.
قال لبيد:
فوقفتُ أسألها وكيف سؤالنا ... صمّاً خوالد ما يبين كلامها
ويُروى: سُفعاً، والسُّفعة لون يضرب إلى السواد.
وقال المخبّل السعدي:
وأرى لها دارا بأغدرة الســـــــــــــــــــــــــــــــــــــيدان لم يدرس لها رسم
إلا رماداً هامداً دفعت ... عنه الرياحَ خوالدٌ سُحْمُ
وقال زهير بن أبي سلمى:
غشيت دياراً بالبقيع فثهمد ... دوارس قد أقوين من أمّ معبد
أربت بها الأرواح كل عشية ... فلم يبق إلا آل خيم منضد
وغير ثلاث كالحَمام خوالدٍ ... وهابٍ مُحيلٍ هامدٍ متلبدِ
وهذه الحجار الثلاث الخوالد هي الأثافي التي قال فيها في معلقته:
وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهم
أثافي سُفعاً في معرَّس مرجلٍ ... ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
ومن المعلوم أنّ خلود الأثافي في موضعها لا يقتضي التأبيد.
وقال لبيد بن ربيعة:
للحنظلية أصبحت آياتها ... يبرقن تحت كنهبل الغُلان
خَلَدَتْ ولم يخلدْ بها من حلَّها ... وتبدّلت خيطا من الأحدان
كنهبل الغلان شجر الأودية، والخيط جماعة النعام، والأحدان المفاريد التي تأتي واحداً بعد واحد.
والشاهد قوله: خلدت، أي: آيات محلّها وما تركه أهلها بعد رحيلهم من علامات نزولهم؛ فوصفها بالخلود لأنه مكث طويل، ولا يقتضي ذلك انتفاء طروء ما يغيّرها ويعفّيها.
وقال جؤية بن النضر:
إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ... ظلَّت إلى طرق المعروف تستبق
ما يألفُ الدرهمُ الصيَّاح صُرَّتنا ... لكن يمرّ عليها وهو منطلق
حتى يصير إلى نذلٍ يخلّده ... يكاد من صّرّه إياه ينمزق
يريد أنّ البخيل يخلّد دراهمه في صُرّتها فتمكث فيها مكثاً طويلاً؛ ولا يقتضي ذلك التأبيد لأنّه لو أمسكها إلى موته فمصيرها إلى تقسّم الميراث.
إذا تبيّن ذلك فالخلود المذكور في الآية يدلّ على تضمّن الجزاء للمكث الطويل في النار من غير اقتضاء للتأبيد فيها.