Telegram Web Link
#مسائل_الحديث | #مسائل_السيرة
س: هل يصح القول بجواز ذكر الأحاديث والآثار الضعيفة في أبواب السير والمغازي دون الجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟

نص السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليكم
أردت السؤال عن بعض الآثار التي يذكرها الكُتَّاب ولا أجد لها مصدرا خاصة أن بعض هذه الأقوال ينسب للرسول ﷺ ويشتهر؛ مثل قوله لأم عمارة رضي الله عنها: "ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة"
ومر علي في بعض المناقشات :
"أن علماء الحديث لا يختلفون في أن أبواب السير والمغازي من الأبواب التي يجوز "رواية" الأحاديث الضعيفة فيها، و"حكايتها"، و"نقلها" في الكتب والمجالس وحلق العلم والدرس، لا على سبيل الجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما على سبيل الحكاية والنقل والرواية".
فهل هذا لكلام صحيح ؟

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا يصحّ هذا القول بهذا الإطلاق، لأن الأحاديث والآثار الضعيفة التي تُروى في السيرة وفي غيرها من العلوم تتفاوت مراتب ضعفها فهي على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: ما يتبيّن فيها الوَضْعُ والكذب، وهي ما كان من رواية الكذابين؛ وما نصّ الأئمة النقّاد على أنه كذب واختلاق فهذه المرويات لا تحلّ روايتها ولا ذكرها عند من لا يميز المكذوب من غيره.
والمرتبة الثانية: ما كان الضعف فيها شديداً، وهي ما كان من رواية المتروكين لكثرة خطئهم في الرواية أو لسبب آخر اقتضى ترك مروياتهم وعدم اعتبارها، وما كان فيها نكارة بيّنة.
ومرويات هذه المرتبة لا تعتبر في الشواهد والمتابعات، ولا تحلّ روايتها ولا ذكرها للعوام ومن لا تمييز له في أحوال المرويات.
والمرتبة الثالثة: ما كان الضعف فيها يسيراً، كالانقطاع اليسير في الإسناد مع كون رجال الإسناد مقبولين، أو كون أحد الرواة ضعيف الضبط غير فاحش الخطأ، وليس في المتن نكارة بيّنة؛ فأحاديث وآثار هذه المرتبة معتبرة عند أهل العلم، وتقبل التقوية بتعدد الطرق، وبالشواهد والقرائن التي تدلّ على صحة الخبر.
وقد جرى عمل عامة الأئمة على رواية هذا النوع من الأحاديث والآثار وذكرها في كتبهم ومجالسهم ما لم يتبيّن لهم خطؤها لعلة قادحة.
فإطلاق القول بأن علماء الحديث لا يختلفون في أن أبواب السير والمغازي من الأبواب التي يجوز رواية الحديث الضعيف فيها؛ ليس صحيحاً.
بل ردوا مرويات كثيرة في السير والمغازي، وبيّنوا ضعفها، وتكلموا في بعض رواة السير والمغازي كلاماً شديدا،ً وتركوا بعضهم وحذروا من الرواية عنه، وكلامهم في ذلك معروف مشتهر.

نعم يُتجوَّز في مرويات السير والمغازي ما لا يتجوز في أحاديث العقيدة والأحكام لكن ذلك لا يعني التساهل في إيراد المرويات الواهية.
ومرويات السير والتاريخ خاصة يُنظر فيها إلى ثلاثة أمور:
أولا: من جهة المتن؛ فإن كان المتن المروي فيه نكارة لمخالفته نصاً صحيحاً أو إجماعاً، أو ما هو معروف عند أهل العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود.

ونكارة المتن علّة قادحة في صحة الرواية؛ بشرط أن يكون الإعلال صحيحاً، وليس كلّ خبر يُستغرب متنه يُحكم عليه بالنكارة؛ فقد يكون الاستغراب بسبب سوء فهم، أو ضعف معرفة.
ثانياً: من جهة الإسناد؛ فإذا كان الإسناد صحيحاً أو حسناً فهو مع سلامة المتن من العلة القادحة خبر مقبول تقوم به الحجة.
وإذا كان ضعيفاً ضعفاً يسيراً يقبل التقوية؛ فهو معتبر عند أهل العلم، وقد جرى عمل كثير من الأئمة على رواية أحاديث هذا النوع ولا سيما إذا لم يكن في الباب أمثل منها.
وإذا كان الإسناد ضعيفاً جداً كأن يكون فيه أحد الكذابين أو المتهمين بالكذب أو المتروكين لكثرة خطئهم في الرواية؛ فأحاديث هذا النوع لا تقبل التقوية، ولا يعتبر بها في الشواهد والمتابعات، ولا تحلّ روايتها إلا على التبيين والتحذير منها.
ثالثاً: مصدر الخبر، وهو منتهى الإسناد فيه إلى من لم يشهد الحدَث من غير الصحابة؛ فإذا كان الإسناد إليه صحيحاً، والمتن ليس فيه نكارة توجب ردّه، فإنه يُحمل على أصل القبول على عهدة صاحبه.
وهذا النوع له أمثلة كثيرة في مرويات التاريخ والسير والتراجم؛ فيكون مصدر الخبر ثقة ثبتاً معروفاً بتمييز الأخبار والمرويات، لكنّه لم يشهد الحدَث الذي يروي خبره، بل ربما كان بينه وبينه عشرات السنين، فإننا مع ذلك نحمل كلامه على أصل القبول على عهدته بشرطين:
أحدهما: ألا يكون الخبر منكر المتن.
والآخر: ألا تخالف روايته رواية صحيحة أو أمثل منها.
ومعنى حملها على أصل القبول لا يقتضي القول بقبولها، بل تُجعل على عهدة صاحبها لا نجزم بوقوع الحدث ولا ننفيه.
وأما حديث: "ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة" فقد رواه الواقدي كما في طبقات ابن سعد، والواقدي متروك الحديث متّهم بالكذب.
#بصائر_وبينات
- قال عبد الرحمن بن أبزى لأبيّ بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: «كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكِلُوه إلى عالمه» رواه الحاكم في المستدرك من طريق أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه.

وهذا الأثر أصل في موقف المؤمن من الفتن التي يقع فيها اشتباه وحيرة؛ فمن اتقى الله فيما استبان له هداه الله فيما أشكل عليه. ومن اتبع الهوى وخاصم بالباطل زُيّن له سوء عمله وظنّ الباطل حقاً والحقّ باطلاً.
#مسائل_السيرة
س: كيف نتثبت من صحة الروايات الواردة في كتب السيرة؟

الجواب:
الجواب على هذا السؤال يطول، ولا تكفي فيه المعرفة النظرية، بل لا بدّ فيها من أمثلة وتطبيقات، ولا يتأتّى ذلك إلا لطالب علم حسن التأسيس في علوم الحديث والسيرة والتاريخ.
لكن الإجابة النظرية قد تبصّر طالب العلم ببعض المعالم المهمة لهذا العلم الشريف، وتعين على الوصول إلى الغاية التي ذكرها السائل.
فأقول: جواب هذا السؤال قائم على أمرين:
الأمر الأول: معرفة كيف تروى أحداث السيرة والتاريخ.
والأمر الثاني: معرفة منهج أهل العلم في الحكم على روايات السيرة والتاريخ.
فأما الأمر الأول فخلاصة الجواب فيه أن حفظ الأحداث التاريخية وتمييز رواياتها والكشف عن تفاصيلها وعللها ثم سردها على المتلقين موهبة من المواهب التي يؤتيها الله من يشاء من عباده؛ كما أنّ تعبير الرؤى موهبة، والخطّ موهبة، ورواية الأشعار وتمييزها موهبة، وكذلك سائر العلوم التي يُعتمد في النبوغ على الملكات الحسنة والمعرفة الواسعة بمسائل العلم ومصادر أئمته، ولذلك لا يكاد يبرز في كلّ قرن إلا أفذاذ من أهل هذه العلوم.
والمقصود أن جمع روايات السيرة والتاريخ من مظانها، وحفظها ونقدها، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وإحسان سردها وسياقتها موهبة لها أهلها في كل قرن من القرون,

وفي قرون الإسلام نجد جماعة في كلّ قرن عُرفوا بهذه الموهبة، وتصدروا لرواية أحداث السيرة والتاريخ على تفاوت بينهم في المعارف والملكات، وفي العدالة والضبط.
ولديهم من الإنتاج العلمي ما يدل على ما وُهِبوا، ولبعضهم مواقف يُتعجب منها من قوة استحضاره للأحداث وحسن سرده لها، وتفطنه لعللٍ تخفى على كثير من طلاب العلم والمعتنين بالسيرة والتاريخ، وذلك لأجل طول اختصاصه وخبرته برواية الأحداث والوقائع؛ فربما اجتمع لدى بعضهم في الحادثة الواحدة روايات عدة؛ فيفهم الواقعة من هذه الروايات المتعددة، ويعرف من تفاصيل بعضها أخطاء بعض الرواة أو وهمهم، ثم يصوغ ما تحصّل له ويسوقه سوقا حسنا يُتعجب منه.
وهذه الملكة كانت لدى جماعة من السلف على اختلاف طبقاتهم، وإمام أئمة هذا العلم هو نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد قصّ على خديجة وعلى الحارث بن هشام كيف أتاه الوحي، وقصّ على جماعة من أصحابه بعض قصص الأنبياء، وقصّ بعض أخبار بني إسرائيل، حتى أفرد القصص النبوي بالتأليف.
وفي صحيح البخاري وغيره قصّ النبي صلى الله عليه وسمل خبر سفره إلى الطائف وما لقي من أذى قومه على عائشة رضي الله عنها.
وهذه المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، وهي في أعلى مراتب الصحة في مرويات السيرة.

المرتبة الثانية: ما يرويه الصحابة رضي الله عنهم مما شهدوه ووقفوا عليه من وقائع السيرة،
ومعاينة الحدث أوقع في النفس من السماع به؛ وليس العيان كالخبر، فإذا صحّ الإسناد إليهم فهو في الذروة العليا من الصحة أن يروي لك الحادثة من وقف عليها وشهدها، وذلك كما روى أبو بكر الصديق رضي الله عنه للعازب والد البراء خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؛ فإنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره، وقد روى ما وقف عليه وشهده، وكذلك عمر روى كثيراً مما وقف عليه وشهده، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصّ أبا بكر وعمر بأمور لا يطلع عليها عامة أصحابه.
وكذلك روى عثمان بن عفان وعليّ بعض ما وقفوا عليه وشهدوه من أحداث السيرة، وكذلك أمّهات المؤمنين عائشة وحفصة وأم سلمة وغيرهنّ لهنّ اطلاع على خاصّ شؤون النبي صلى الله عليه وسلم وروين في ذلك أخباراً ما تزال الأمة تنتفع بها إلى يومنا هذا.
وكذلك الذين عرفوا بملازمتهم الشديدة للنبي صلى الله عليه وسلم أو طول صحبتهم له كابن مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وغيرهم لهم روايات كثيرة بحسب ما شهدوه وعرفوه.
ومن الصحابة من عُرف برواية واقعة أو واقعتين مما شهده، وقد يكون في ما ذكره طول لأنه قد يكون هو صاحب القصة، وصاحب القصّة أعرف بها من غيره، ومن ذلك ما في الصحيحين من ذكر رواية سلمة بن أكوع رضي الله عنه لغزوة ذي قرد، وكانت قبل خيبر بثلاثة أيام، وهذه الرواية أخرجها البخاري ومسلم عن طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيدة عن سلمة بن أكوع، وأخرجها أحمد ومسلم من طريق عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة بن أكوع، عن أبيه؛ فأجود ما يُروى في شأن غزوة ذي قرد ما كان من رواية سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه، وكان بطل تلك الغزوة، وله فيها عجائب مبهرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء الغزوة: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة».
وكذلك رواية كعب بن مالك الأنصاري لخبر الذين خُلِّفوا في غزوة العسرة؛ فالرواية عنه هي أجود ما يروى في هذا الباب لأنه هو صاحب القصة، فهو أحد الثلاثة الذين خُلفوا.
والمقصود أنّ الرواية عن صاحب القصة من الصحابة إذا صح إليه الإسناد أعلى ما يروى في أخبار السيرة بعد مرتبة الرواية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
بل من قرائن الترجيح بين الروايات التي يكون فيها اختلاف أن يكون منتهى الإسناد في إحدى الروايات إلى من شهد القصة؛ فإنه أعرف بها ممن سمع بها ولم يشهدها وإن كان ثقة.
ولذلك أعلّ أهل العلم رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بماءٍ يقال له" "سَرِف" وهو محرم.
مع أنّ ميمونة خالة ابن عباس إلا أنّ رواية أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم أرجح منها لأنه شهد الواقعة.
- قال حماد بن زيد، عن مطر الوراق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالاً وبنى بها حلالاً.
قال: « وكنتُ الرسولَ بينهما ». رواه أحمد، والدارمي، والنسائي في السنن الكبرى وغيرهم.
- وروى مالك في الموطأ، عن ربيعة عن سليمان بن يسار (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلاً من الأنصار؛ فزوَّجاه ميمونة بنت الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج.
- وقال إسماعيل بن أمية الأموي، عن سعيد بن المسيب قال: «وهم فلان، ما نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة إلا وهو حلال». رواه الشافعي.
- وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم وهو ابن أخت ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حلال). رواه الشافعي.
والمقصود أنّ رواية من شهد الواقعة مقدمة على من لم يشهدها.
المرتبة الثالثة: مراسيل الصحابة، وهي حجة على القول الراجح ما لم تعارض بأقوى منها، لأن الصحابة كلّهم عدول، وما أرسلوه فمحمول على أنهم سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أحد أصحابه.
وذلك كما في صحيح البخاري من رواية عائشة رضي الله عنها لخبر بدء الوحي وهي لم تشهد ذلك، بل لم تكن قد ولدت؛ فإنها إنما ولدت بعد البعثة بنحو خمس سنين.
وكذلك روايات أبي هريرة وابن عباس لأحداث لم يشهدوها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، كلها محمولة على الاتصال، فقد كانا من أحفظ الناس للأخبار وأحسنهم سياقة لها.
وكذلك مراسيل غيرهم من الصحابة كلها محمولة على الاتصال.

المرتبة الرابعة: مراسيل التابعين.
وقد كان لجماعة من التابعين عناية حسنة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه وأخباره، ولهم اختصاص بذلك حتى كانوا يعرفون المنازل التي كان يمرّ عليها من الأودية والجبال والمعالم، ومن ينزلها من القبائل، ويحفظون فيها الأشعار، وربما سمع بعضهم الحادثة من رواة عدة فساقها سوقاً واحداً, كما روى الزهري حادثة الإفك عن جماعة من التابعين فقال: أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، وكلٌّ حدَّثني طائفةً من الحديث، وبعض حديثهم يصدق بعضاً، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض.
ثم ساق الحديث سياقة حسنة جمع فيها بين ما تحصَّل له من تلك الروايات.

ومشاهير رواة السيرة والمغازي الذين تدور أكثر الروايات عليهم فيما أعلم عشرة، مروياتهم كثيرة مبثوثة في دواوين السنة وكتب التاريخ والسير، وقد عرفت عنهم العناية بجمع أخبار السيرة والمغازي، وحفظها، وحسن سردها، وهم:
1: أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني(ت:80هـ)
وكان من أكابر علماء التابعين بالشام وقرائهم، ولي قضاء دمشق بعد فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وكان حسن المعرفة بالسير والمغازي.
- قال الوليد بن مسلم: حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه قال: كنا نجلس إلى أبي إدريس الخولاني؛ فيحدّثنا في الشيء من العلم لا يقطعه بغيره حتى يقوم أو تقام الصلاة حفظاً لما سمع.
قال: فحدّث يوماً عن بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوعبَ الغزاةَ.
فقال له رجل من ناحية المجلس: أحضرتَ هذه الغزاة؟
قال: فقال: لا.
فقال الرجل: (قد حضرتُها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنت أحفظُ لها مني). رواه ابن عساكر.
2: عروة بن الزبير بن العوام الأسدي(ت:93هـ)
أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، ومن مشاهير رواة السيرة، روى عن خالته عائشة فأكثر وأطاب، وروى عن أمّه أسماء بنت أبي بكرن وعن أبيه الزبير بن العوام وكان رجلاً غزاءً ومن خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، شهد معه المشاهد كلها.
وروى عن أخيه عبد الله بن الزبير، وعن وغيرهم حتى حوى علماً كثيراً.
وقد كانت له كتب فيها فقه فأحرقها ثمّ ندم على إحراقها، واشتهرت عنه نسخة في المغازي رواها عنه أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي المعروف بيتيم عروة لأن أباه أوصى به إليه، وهو من قرابته، كان في المدينة ثم نزل مصر وحدّث بالمغازي من رواية عروة بن الزبير؛ ثم اشتهرت هذه النسخة برواية ابن لهيعة عن أبي الأسود، وهي مفقودة، ومروياتها متفرقة في كتب الحديث والتاريخ، وقد جمعها بعضهم وطبعها في كتاب.
وكان عبد الملك بن مروان في ولايته يُكاتب عروة بن الزبير؛ فيسأله عن بعض أحداث السيرة ومغازي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان يجيبه كتابة، وقد حفظت بعض تلك الرسائل ودوّنت في كتب التاريخ المسندة.
3: عامر بن شراحيل الشعبي (ت:104هـ)
وكان من علماء التابعين بالكوفة، تولى القضاء بالكوفة مدة، وكان واسع المعرفة، متين الحفظ، حاضر الحجة، سريع البديهة، حسن الجواب في المسائل، وكان من أحفظ التابعين لإجماع الصحابة واختلافهم وأخبارهم، عالماً بالسير والمغازي حسن السرد لها، وكانت له حلقة بالكوفة والصحابة يومئذ كثير.
- قال مالك بن مغول، عن نافع، قال: سمع ابنُ عمر الشعبيَّ وهو يحدث بالمغازي، فقال: (لكأنَّ هذا الفتى شهد معنا). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وللشعبي مرويات في المغازي مبثوثة في كتب الحديث، وأخطأ من زعم أنّ له كتاباً في المغازي.
قال ابن شبرمة: سمعت الشعبي يقول: (ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قطّ إلا حفظته ولا أحببت أن يعيده علي). رواه الخطيب البغدادي.
4: عكرمة البربري مولى ابن عباس(ت:104هـ)
كان عالماً حافظاً فَهِماً، أخذ عن ابن عباس علماً غزيراً، وكان حسن السَّرد للأخبار.
- قال عمرو بن دينار: «كنتُ إذا سمعت من عكرمة يحدث عن المغازي كأنَّه مشرف عليهم ينظر كيف كانوا يصنعون ويقتتلون» رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة وأبو نعيم في الحلية واللفظ له.
5: محمد بن كعب القرظي(ت:108هـ)
كان عالماً بالتفسير والمغازي، كثير التفكر، بليغ التدبر، قويّ الحجة، حسن الموعظة والبيان، تروى عنه عجائب في أوجه التفسير والاستنباط واستخراج الحجج من القرآن.
روى عن كعب بن عجرة، وأبي هريرة، وابن عباس، وزيد بن أرقم، ومعاوية بن أبي سفيان، وفضالة بن عبيد، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.
6: محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي(ت:115هـ تقريباً)
كان فقيها عالماً بالتفسير والسير والمغازي، يروي عن عمّه عروة بن الزبير، وعن ابن عمه عباد بن عبد الله بن الزبير، وعن غيرهم، روى عنه ابن إسحاق وابن جريج وغيرهما، وقد أخرج له الجماعة.
ومات شاباً، ولذلك لم تكثر الرواية عنه.
7: عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري(ت:120هـ)
جدّه قتادة بن النعمان من فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فقالوا: لا، حتى نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمروه، فقال: «لا» ثم دعا به فوضع راحته على حدقته، ثم غمزها؛ فكان لا يدرى أي عينيه أصيبت، والقصة في مسند أبي يعلى وفي مصنف بن أبي شيبة وغيرهما.
وقد كان عاصم بن عمر ثقة عالماً بالسير والمغازي، وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته؛ فأمره أن يجلس في مسجد دمشق فيحدّث الناس بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه؛ ففعل ثمّ رجع إلى المدينة.
ومرويات عاصم بن عمر كثيرة متفرّقة في كتب الحديث والتاريخ، وقد أكثر ابن إسحاق من الرواية عنه.
اختلف في سنة وفاته ورجّح الذهبي أنها في سنة عشرين ومئة.
8: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري(ت:124هـ)
الإمام الحافظ الثقة، أحد أوعية العلم الكبار، وممن تدور عليهم الأسانيد، حفظ على الأمة حديثاً كثيراً، وكان من أحفظ الناس للسير والمغازي.
9: موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني(ت:141هـ) مولى آل الزبير بن العوام.
وهو من طبقة صغار التابعين، سمع أمّ خالد بن خالد بن سعيد بن العاص الأموية رضي الله عنها وهي امرأة الزبير بن العوام، ولم يسمع من غيرها من الصحابة رضي الله عنهم.
وطلب العلم وهو كهل فتثبّت فيه حتى عُدّ من أهل الفقه والإفتاء، وكان رجلاً صالحاً عُني بالسيرة والمغازي، وكتب فيها جزءا صغيراً من أصحّ ما كتب في المغازي.
- قال الإمام مالك بن أنس: (عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة).
10: محمد بن إسحاق بن يسار المدني(ت:151هـ)
وهو من طبقة صغار التابعين، أدرك أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وجماعة من كبار التابعين وأوساطهم، وكان حافظاً واسع الرواية، جمَّاعة للحديث، صدوق اللسان.
وقد تُكلّم فيه بكلام لا يثبت، بسطتُ القول فيه في ترجمته المطوّلة، وخلاصة القول فيه أنه صدوق غير مُتَّهم بالكذب، لكنه كان متوسّعاً في الرواية فكان يروي عن الثقات والضعفاء والمجاهيل، حتى روى عن بعض أهل الكتاب، وروى عن بعض المتّهمين بالكذب كالكلبي وغيره؛ فلذلك وقع في مروياته ما استُنكر عليه.
وكان موصوفاً بالتدليس فربما ذكر الخبر ولم يسمّ من حدّثه به من الضعفاء؛ فأمّا إذا صرّح بالتحديث فهو صدوق.
وربما قال: حدثنا فلان وفلان فيجمع الثقة والضعيف ويسوق حديثهما مساقاً واحداً؛ وتكلم فيه بعض أهل العلم بسبب ذلك، ولم يكن مدفوعاً عن الصدق.
- قال الذهبي: (الذي استقر عليه الأمر أن ابن إسحاق صالح الحديث، وأنه في المغازي أقوى منه في الأحكام).

وقد عُني ابنُ إسحاق بالسيرة عناية بالغة وتتبع أخبارها من أفواه الرواة ومن الصحف والنسخ التي حصَّلها، وكتب كتابه "المبتدأ والمبعث والمغازي" المعروف بسيرة ابن إسحاق، وطوّف في البلدان، وأملى كتابه في المدينة والكوفة وبغداد والريّ والجزيرة التي بين العراق والشام، وغيرها؛ فكثر الرواة عنه جداً حتى زادوا على المئة، ومنهم مَن سمع منه الكتاب مرتين أو أكثر، وأقبل الناس على كتابه لأنه كان من أكثر الكتب استيعاباً، حتى طار ذكر كتابه في الآفاق.
ووقع بين الرواة من الاختلاف والزيادات ما يقع في الكتب التي يتعدد رواتها ويتكرر إملاؤها.
وكان لبعض الرواة عنه نسخ مكتوبة؛ نقل منها بعض أصحاب الكتب المصنّفة، وبقيت نسخ حتى حققت وطبعت، وفقدت نسخ كثيرة، وقد ذكرت طائفة منها في كتاب "حسن المسيرة في بيان مؤلفات السيرة".
ورواة السيرة عن ابن إسحاق على ثلاثة أصناف:
- صنف يؤديها كما سمعها كزياد البكائي، وروايته هي الرواية التي اعتمدها ابن هشام في تهذيبه للسيرة.
- وصنف ينتقي منها؛ كعبد الله بن إدريس الأودي، وإبراهيم بن سعد الزهري، وجماعة من الأئمة الذين رووا السيرة عن ابن إسحاق.
- وصنف يزيد عليها من مرويات غيره كيونس بن بكير.

وكان الغالب على أهل كل بلد أنهم يروون النسخ القريبة منهم, فمثلاً مغازي سعيد بن يحيى الأموي التي رواها عن أبيه عن ابن إسحاق، وهي مفقودة، لكن اعتمدها أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، ويعقوب بن سفيان في كتابه المعرفة والتاريخ، والحاكم في المستدرك.
والرواة عن ابن إسحاق قد تفرقوا في البلدان، وصار لهم أصحاب يروون عنهم، وأكثر الرواة عن ابن إسحاق يكونوا لتلاميذهم كتب في المغازي.
وقد روى السيرةَ عن ابن إسحاق جماعةٌ من الضعفاء والمتروكين، منهم: أبو مخنف لوط بن يحي، وعبد الرحمن بن بشير الشيباني، وعلي بن مجاهد الكابلي، وسيف بن عمر الكوفي، وأبو البختري وهب بن وهب بن كثير، وأبو حذيفة البخاري، والهيثم بن عدي الطائي، وغيرهم.
لكن مرويات هؤلاء المتروكين في دوواين السنّة غير كثيرة، ويُكثر من بعضها بعض أهل التاريخ، ولبعضهم كتب في المغازي.
وما قيل في رواة السيرة عن ابن إسحاق يقال مثله في الرواة عنهم، والرواة عن غيره من التابعين، يكون منهم ثقات وضعفاء.
وهذا يدلّ على كثرة كتب السيرة والمغازي، وأنه يصعب جمعها وضبطها في أصل واحد، لكثرة النسخ وتفاوتها، ولذلك قال الإمام أحمد: (ثلاثة كتب ليس فيها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير). رواه ابن عدي في الكامل
وإذا قلنا: إن ابن إسحاق الرواة عنه نحو مئة راوٍ، من الذين عرفت روايتهم عنه، ولكل راوٍ منهم رواة آخرون، فهذا يدل على الكثرة الكاثرة في كتب المغازي والسيرة؛ فالحديث عن جمع وتحقيق مرويات السير والمغازي يطول، لكن هذه خلاصة تفيد في تصور كيف كان يُتلقى علم السيرة، وكيف كانت تروى أخبار المغازي.
والحاصل أنّ جمع هذه الكتب في السيرة والمغازي متعسّر بل متعذّر، ولذلك اختلفت مناهج أهل العلم في هذا الشأن:
- فمنهم من عُني بأشهرها، واجتهد في ضبطها.
- ومنهم من انتقى من تلك الكتب واقتصر على أمثل الروايات عنده.
- ومنهم من حرص على الجمع والاستيعاب ما أمكنه، ونشأ بسبب ذلك إشكالات؛ لأن بعض الرواة متكلم فيهم، بل منهم من هو متّهم بالكذب كأبي مجاهد الكابلي، وسيف بن عمر الكوفي.
ثمّ اشتهر في السيرة والتاريخ جماعة فكان منهم الثقات والمقبولون، ومنهم المتهمون بالكذب والمتروكون وفاحشو الخطأ.
- فمن الثقات والمقبولين: ضمرة بن ربيعة الرملي(ت:202هـ)، وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني(ت:218هـ)، أبو نعيم الفضل بن دُكين الكوفي (ت:219هـ)، وسعيد بن كثير بن عُفير المصري (ت:226هـ)، ومحمد بن سعد صاحب الطبقات(ت:230هـ)، إبراهيم بن المنذر الحِزامي القرشي(ت: 236هـ)، وخليفة بن خياط العصفري(ت:240هـ)، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي(ت:245هـ) المعروف بدُحيم، أبو حفص عمرو بن علي الفلاس (ت:249هـ)، ويعقوب بن سفيان الفسوي(ت:277هـ)، وأبو بكر أحمد بن زهير ابن أبي خيثمة(ت:279هـ)، وأبو زُرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي (ت 281 هـ)، وغيرهم كثير.
- ومن المتروكين: محمد بن السائب الكلبي(ت:146هـ)، وأبو مخنف لوط بن يحيى الكوفي الرافضي (ت:157هـ)، وسيف بن عمر الكوفي التميمي ويقال الضبي(ت: 180هـ ) تقريبا، ومحمد بن الحسن بن زَبالة المدني(ت: بعد المئتين )، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي(ت:204هـ)، والهيثم بن عدي الطائي (ت: 207هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي(ت:207هـ)، وعبد المنعم بن إدريس اليماني (ت:228هـ) ابن بنت وهب بن منبّه، وغيرهم.
وهؤلاء أكثرهم أصحاب كتب مسندة في التاريخ والسير والتراجم يذكرون الأخبار بالأسانيد.
ثم اشتهر التأليف المختصر في السير والتاريخ بحذف الأسانيد كلها أو بعضها، فكتب في السيرة والتاريخ على هذا النحو جماعة من أهل العلم منهم: أبو زكريا ابن فارس الرازي صاحب معجم المقاييس، وابن حزم الأندلسي، وأبو عمر ابن عبد البر، وأبو القاسم السهيلي، وأبو محمد عبد الغني المقدسي، ومحب الدين الطبري، وشرف الدين الدمياطي، وبدر الدين ابن جماعة، وأبو الفتح ابن سيد الناس، وأبو عبد الله الذهبي، وابن كثير، وغيرهم كثير.
وهؤلاء رأوا الحاجة إلى جمع الروايات المتفرقة في كتب السيرة؛ فجمع كل منهم ما استطاع، واختلفت مناهجهم في الجمع والتصنيف؛ ومعرفة الكتب الجوامع في التاريخ والسيرة وأحوالها، وما يمتاز به كلّ كتاب، وما دخل على أصحابها من الغلط، كلّ ذلك مما يعين تحقيق مرويات السير؛ فإذا كانت هذه المعرفة حاضرة لدى طالب العلم في نفسه؛ فإنه إذا عرضت له حادثة من أحداث السيرة, عرف كيف يبحثها، وعرف المصدر الذي أُخذت منه.

وما يزال التأليف في السيرة والمغازي إلى عصرنا الحاضر أكثره قائم على الجمع والتهذيب والتلخيص مع حذف الأسانيد.
والحاجة داعية إلى جمع مرويات السيرة من مصادرها الأصلية والبديلة، وتصنيفها على أحداث السيرة لتقريب الوصول إليها، تمهيداً لتحقيقها وتقريبها.

فهذا تلخيص ما يتعلق بالأمر الأول حتى يحصل لطالب العلم تصوّر لمرويات كتب السيرة.

وأما معرفة منهج أهل العلم في الحكم على روايات السيرة والتاريخ؛ فقد تقدم الجواب عليه مختصراً في جواب السؤال السابق.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس الثامن والعشرون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مفتوح.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس التاسع والعشرون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في الفقه.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
#مسائل_آداب_طلب_العلم
س: ما حكم تغيير ألفاظ بعض المنظومات العلمية، بحجة كونها غير صحيحة أو غير ذلك من الحجج، مثل ما فعل في منظومة الأرجوزة الميئية في السيرة لأبي العز الحنفي، في بداية النظم ذكر الناظم لفظ القديم، وتم استبدالها بلفظ القدير، بحجة أن القديم ليس من أسماء الله.
أليس النظم هو حق وملك لصاحبه لا يحق لنا التصرف فيه؟ وكما لا يخفى على شريف علمكم أن أبا العز نفسه في شرح الطحاوية يصرح أن القديم ليس من أسماء الله.
أحسن الله إليكم ورضي عنكم
.

الجواب:
هذا التصرف في حال النقل لا يجوز لأنَّ فيه نسبة كلام إلى شخص على غير ما قاله.
وذلك أنك إذا قلت: قال فلان: كذا وكذا، وأتيت بكلامٍ لم يقله؛ فقد كذبت عليه.
والأولى أن تنقل كلامه بنصّه؛ ثم تعقّب عليه بما ترى من التخطئة والتصويب.
فتقول: قال فلان: كذا وكذا
والصواب أن يقول: كذا وكذا.
أو لو قال: كذا وكذا لكان أحسن وأجود.
ويتجاوز في المعلوم من الأخطاء الإملائية والتصحيف وانتقال الذهن ونحو ذلك؛ لأن الأصل أن المؤلف يريد كتابتها على الصواب، وربما أملاها وكتبها الناسخ أو الناقل على غير الصواب.
وإذا كثرت الأخطاء في المنظومة أو الكتاب فالأولى أن يهذبه وينسب التهذيب إلى نفسه، وتكون عهدته عليه؛ ليكون عملاً آخر يصحّ أن ينسب العمل فيه إليه؛ فيقال: تهذيب المنطومة الفلانية لفلان بن فلان.
وقد يجد غيره من الأخطاء في تهذيبه من جنس ما وجد هو على صاحب العمل الأصلي.
وإذا صحّت النية وكان المهذّب حسن التأهل في العلم رُجي له القبول والتوفيق، وكان عمله من التعاون على البرّ والتقوى.
وإذا كان إنما قصد التشنيع وإظهار الأخطاء وأن يصرف وجوه الناس إليه؛ فتلك مقاصد سيئة ترجع على صاحبها بالخزي والوَبال.

وهذا كلّه إذا كان صاحب العمل الأصلي متوفَّى أو لا يمكن الوصول إليه، أما إن كان المؤلف حاضراً، وقُرئ كِتابُه على عالمٍ، ثم بيّن له ما ينبغي أن يصوِّبه؛ كأن يقول له: قل كذا وكذا، بدل قولك: كذا وكذا؛ فهذا من التواصي بالحق، ومن الفضيلة أن يستجيب الكاتب لتصحيح العالم، ويكتب العبارة على الصواب، وبإجازة التصويب تتحقق صحة نسبة العبارة بعد التصويب إليه.
#مسائل_السلوك
س: ‏قال ابن القيم: الرديء من كل شيء لا خير فيه ، ورأى بعض السلف رجلا يشتري حاجة رديئة ، فقال : لا تفعل ، أما علمت أن الله نزع البركة من كل رديء؛ هل هذا الكلام صحيح؟ وهل معناه أن ننتقى دائماً الأفضل في شراء الأشياء ولو كميته أقلّ بدلاً مما قد يكون أقلّ جودة وكميته أكبر؟
الجواب:
- هذا الأثر رواه أبو نعيم في الحلية عن أيوب السختياني قال: رآني أبو قلابة وأنا أشتري تمراً رديئاً؛ فقال: «قد كنتُ أظنّ أنَّ الله تعالى قد نفعك بمجالستنا! أما علمتَ أنَّ الله تعالى قد نزعَ من كل رديء بركته؟!».
وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي من علماء التابعين، من كبار فقهاء البصرة ومفتيهم، كان زاهداً ورعاً، طُلب للقضاء زمن الحجاج بن يوسف فهرب إلى اليمامة ثم إلى الشام، فبقي فيها حتى أدرك بها خلافة عمر بن عبد العزيز، وكان يسكن دمشق، ثم انتقل إلى داريا.
وقد كان من العلماء المتبحرين في العلم في ذلك الزمان، وقد أراده عمر بن عبد العزيز على القضاء فامتنع، وكانت له كتب أوصى بها بعد موته إلى أيوب السختياني؛ فجيء بها إليه حمل بعير.
وحمل بعير من الكتب في ذلك الزمان الذي شافه فيه أبو قلابة بعض الصحابة لا شكّ أنه شيء عظيم من العلم؛ فإنَّ كلام السلف كان قليل الألفاظ كثير البركة، ليس ككلام المتأخرين الذين يطيلون في الشرح والتوضيح، وجمع الأقوال ومناقشتها.
بل كانوا يذمّون التطويل في الكلام وتوضيح الواضحات، والتكلف في مسائل العلم، ويحمدون البيان الموجز، والتنبيه، والإشارة المفهمة.
فإذا اجتمع لطالب العلم حمل بعير من الكتب من كلامهم المختصر المفيد الذي ألفاظه قليلة، وبركته كثيرة فلا ريب أنه قد اجتمع له علم غزير مبارك.

وهذا الكلام الذي قاله أبو قلابة إمّا أن يكون قاله اعتماداً على أثر سمعه أو بلغه، وإما أن يكون قاله استنتاجاً واستخراجاً مما فهمه من نصوص الكتاب والسنة.
والاستنتاج له وجه فإنَّ الرديء خلاف الطيب، والله تعالى طيّب يحب الطيبات، ويبارك الطيبات، والرديء لا يقال عنه طيب، بل هو مما نُهي عن إخراجه في الصدقات، والنهي يحمل معنى الكراهة والبغض لإخراج الرديء وما كان مكروهاً مبغضاً فقَمٍنٌ ألا يبارك فيه، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: (الرديء من كلّ شيءٍ لا خيرَ فيه).

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
وقد فسّر الخبيث في الآية بالرديء على أشهر أقوال المفسرين، وجُعل في مقابل الطيب المحبوب.
ورديء الطعام وإن لم يكن محرماً إلا أنّ وصفه بالرداءة وكراهة إخراجه تدلّ على نوع خبث فيه.
وقد روى ابن أبي شيبة والترمذي من طريق السدي، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث} قال: «نزلت فينا، كنَّا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله بقدر قلته وكثرته».
قال: «فكان الرجل يأتي بالقنو، والرجل يأتي بالقنوين، فيعلّقه في المسجد».
قال: (وكان أهلُ الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاء إلى القنو؛ فيضربه بعصاً فيسقط منه التمر والبسر، فيأكل، وكان أناس ممن لا يرغب في الخير، فيأتي أحدهم بالقنو فيه الحشف، وفيه الشيص، ويأتي بالقنو قد انكسر فيعلّقه، قال: فأنزل الله: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه}، قال: «لو أنَّ أحدكم أُهدِيَ إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء».
قال: «فكان بعد ذلك يأتي الرجل بصالح ما عنده».
- وروى ابن خزيمة والطحاوي والحاكم من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه قال: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فجاء رجل من هذا السخل بكبايس - قال سفيان: يعني الشيص.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جاء بهذا؟!»
قال: وكان لا يجيء أحد بشيء إلا نُسب إلى الذي جاء به.
ونزلت: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: «ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور، ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة».
قال الزهري: «لونان من تمر المدينة».
ورواية سفيان بن حسين الواسطي عن الزهري فيها كلام معروف، لكن تابعه سليمان بن كثير عند أبي داوود.
وقال ابن وهب: حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي أن ابن شهاب حدَّثه، قال: حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، في الآية التي قال الله: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} فقال: « هو الجعرور، ولون حُبَيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذا في الصدقة». رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن خزيمة في صحيحه.
وقد أثنى الله تعالى على أهل الكهف بقولهم: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه}
ولذلك كان المختار في السلوك أن يتجمّل المرء في لباسه ويتخيّر الجيّد من الطعام في غير إسراف، وقد نقل ذلك عن جماعة من السلف، منهم: تميم الداري، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأبو قلابة الجرمي، ومالك بن أنس، وغيرهم كثير.
كانوا يتخيّرون الطيب من غير مغالاة، فالمغالاة تدخل العبد في باب آخر من العُجب والغرور، والتباهي والخيلاء.
وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
فالطيب الذي لا يكون فيه مغالاة، ولا ينزل إلى الرديء؛ أطيب وأوفق وأرجى للبركة.
وهو من التوسط المحمود؛ فكلام أبي قلابة له وجه معتبر في الاستنتاج.
وقد كان له أمثال هذا الاستنتاج؛ فقد روى أبو نعيم في الحلية من طريق ابن علية قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: «ليس شيء أطيب من الروح، ما انتُزع من شيء إلا أنتن».
فهذا كلام قاله أبو قلابة استنتاجاً وله وجه معتبر من جهة.
وإن كان قد يورد عليه أن الأرواح منها أرواح طيبة وأرواح خبيثة، وقد ثبت ذلك في الحديث.
فيقال: الخبث المذكور في الحديث خبث معنوي، وهو أراد الطيب الحسي.
والله تعالى أعلم.
#مسائل_الفقه | #مسائل_التفسير
س: في قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} هل يصح الاستدلال بالآية على وجوب الصلح بين المتخاصمين وإن لم يصلوا إلى حد الاقتتال؟ وفي حال إعراض أحد الطرفين؛ هل يجوز أن يواجه بأنواع من النكير كالهجر، والقطيعة، والإغلاظ له في القول والمعاملة؟
فكم من قاطع رحم أو آكل للميراث نجدهم مُرحبا بهم في كل نادٍ، ولربما لو جفاهم الناس وأعرضوا عنهم كان ذلك رادعاً لهم عن الظلم!


الجواب:
أما الاستدلال بقول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} على الإصلاح بين المتخاصمين فيما دون الاقتتال فهو استدلال صحيح بدلالة من دلالات مفهوم الموافقة تسمى دلالة الشَّبَه.
ومفهوم الموافقة له ثلاث دلالات:
1: دلالة الأَوْلى، وهي أن يكون غير المنطوق به أوْلى بالحكم من المنطوق به, كما في قول الله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فهذا يدل على تحريم أن يقول الولد لأبيه كلمة "أف" بدلالة منطوق الآية، وتدل بدلالة الأوْلى على ما هو أشدّ من قول "أف" كالسب والضرب والإيذاء بما هو أشد من الكلام.
وهذه تسمى دلالة الأوْلى من دلالات مفهوم الموافقة.
2: الدلالة الثانية: دلالة المثل، ويسميها بعض العلماء عدم الفارق، وهي أن يستوي المنطوق به والمسكوت عنه في الحكم لعدم الفارق بينهما، كما في قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} دلَّت هذه الآية على أن من قذف امرأة محصنة؛ فإنه يُجلد ثمانين جلدة، و من قذف رجلاً محصنا فإنّ لفظ الآية لا يتناوله، لكن العلماء يستدلون بهذه الآية على جلد من قذف رجلا محصناً لعدم الفارق بين الرجل والمرأة في هذا الحكم؛ فهذه الدلالة تسمى دلالة المثل، وكما في قول الله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فالمرأة إذا طلقها رجل الطلقة الثالثة حرمت عليه؛ وبانت منه بينونة كبرى؛ فإذا تزوجها رجلٌ آخر ثم طلقها الآخر حلَّت للأول بعقد جديد، هذه دلالة منطوق الآية.
فلو قُدر أن الرجل الآخر مات ولم يطلقها هل تحل لطليقها الأول؟
الجواب: نعم تحل له لعدم الفارق بين الموت والطلاق في انقضاء عقد الزوجية، فهذا يسمى دلالة المثل أو عدم الفارق من دلالات مفهوم الموافقة.
3: الدلالة التي تعنينا في جواب هذا السؤال وهي دلالة الشَّبَه، وهي أن يأخذ المشبَّه بعض حكم المشبه به بجامع الاشتراك والمشابهة في علة الحكم وإن لم يكونا متساويين في درجة الحكم.
كما في قول الله عز وجل: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} هذه الآية منطوقها يدل على أنه إذا سمع المسلم آياتِ الله يكفر بها و يستهزأ بها وهو في مجلس فلا يحل له القعود في ذلك المجلس، لكن لو سمع منكرات دون الكفر بآيات الله والاستهزاء بها, هل يسوغ له الاستدلال بهذه الآية على ترك القعود في ذلك المجلس؟
الجواب: نعم يسوغ له ذلك بدلالة الشبه، وأن هذه المنكرات تشترك في أصل العلة؛ وهذه المنكرات وإن كانت دون هذا منكر الكفر والاستهزاء فلا تساويه في الحكم، لكن يسوغ الاستدلال بهذه الآية على ترك القعود في مجالس فيها منكرات دون الكفر.
ومن هذا النوع استدلال كثير من السلف بآيات نزلت في شأن الكفار في الإنكار على من شابههم من المسلمين في بعض أفعالهم وإن لم تكن تلك المشابهة تصل إلى درجة الكفر، وذلك كاستدلال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما اشتهر عنه أنه كان ينكر على من يتوسع في المباحات من المسلمين، ويستدل بقول الله عز وجل: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} مع أن هذه الآية نزلت في شأن الكفار، لكن من شابه الكفار في خصلةٍ ذمَّهم الله عز وجل عليها؛ فإنه يستحق من الذم بقدر ما شابههم فيه، وإن لم تكن المشابهة مساوية لعمل الكفار في درجة الحكم.
فبهذه الدلالة – دلالة الشَّبه - يسوغ الاستدلال بقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} على الندب للصلح بين المسلمين وإن كانت الخصومة دون الاقتتال، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فالاقتتال يطلق على معنيين في اللغة:
- فمنه ما يفضي إلى المحاربة باستعمال الأدوات المفضية إلى القتل عادة كالأسلحة المعروفة.
- ومنه الاقتتال بالأيدي، وإن لم يصل إلى استعمال الأسلحة المميتة عادة.
ومنه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى ‌فليقاتله؛ فإنما هو شيطان»
قال شرّاح الحديث: المراد المدافعة باليد، وليس حقيقة الاقتتال بالسلاح.
لكن فيه لطيفة أخرى: وهي أنّ هذه المدافعة من المصلي تقع على الشيطان موقع المقاتلة.

فعلى الوجهين يصح الاستدلال بهذه الآية.
وأما ما ذكرته السائلة في حال إعراض أحد الطرفين هل يجوز أن يواجه بأنواع من النكير كالهجر والقطيعة والإغلاظ له في القول؟
فالجواب عليه: أن ينظر في السبب الحامل على الإعراض، والامتناع عن قبول الصلح؛ لأن قبول الصلح ليس واجباً على الإطلاق؛ بل فيه تفصيل، والأصل فيه الندب، لكن إذا كان أحد الطرفين مظلوماً ظلماً بيّناً فقبوله للصلح عفو منه عن حقّه، وهي فضيلة وإحسان منه، وليس بواجب عليه؛ ولا يجوز أن يُحرج ويؤذى ليقبل بصلح فيه عليه غضاضة.
وإذا امتنع في هذه الحال عن قبول الصلح فلا يجوز أن يُهجر ويؤذى لأنّ ذلك إمعانٌ في ظلمه وزيادة في العدوان عليه.
لكن إذا كان الممتنع باغياً فهذا يستعمل في حقه ما يُرجى أن يكفه عن الظلم والبغي والعدوان؛ وتقدر مصلحة الهجر، ولا يعطى في ذلك حكم عام.
لأن الهجر المأمور به في الشريعة هو الهجر الجميل الذي يرجى أن تكون عاقبته حسنة.
أما الهجر الذي يؤدي إلى مفسدة أعظم فهو منهيّ عنه.
ولا تكاد تخلو قرابة أو مخالطة من إيذاء وبغي؛ والمندوب إليه هو الصبر على الأذى، وعدم القطيعة، والصبر على بعض الأذى خير من الهجر الذي يزداد به المؤذي إيذاء وبغياً وعدوانا.
والمقصود أنّ الهجر المأمور به هو الهجر الجميل الذي له أثر على الظالم المعتدي حتى يكفه عن الظلم والعدوان.
#مجالس_الأسئلة_العلمية |المجلس الثلاثون
🔹موعد المجلس: الثلاثاء 28 جمادى الأولى 1445 هـ، من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساء بتوقيت الرياض.
🔹موضوع المجلس: مسائل في الفقه وأصوله.
🔹 أستقبل أسئلتكم في التعليقات، وأسأل الله التوفيق والسداد.
2024/10/01 19:16:27
Back to Top
HTML Embed Code: