Telegram Web Link
إني لا أخيسُ بالعهد!

كان أبو رافعٍ قِبطياً يدين بالنصرانية، فأرسلَتْه قُريش موفداً منها إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبعض الأمورِ السياسيةِ التي كانتْ تجري بينهما قبل فتح مكة، فلما وصلَ أبو رافعٍ إلى المدينة المنورة، ورأى أخلاق النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخلاق الصحابة، وعَرَفَ الإسلام عن قُرب، قرَّرَ أن يُسلم، فقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا رسول الله، إني واللهِ لا أرجعُ إليهم أبداً!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إني لا أخيسُ/أُخلف بالعهد، ولا أحبسُ البُرْدَ/جميع بريد وهو الرسول والموفد، ولكن اِرجِعْ إليهم، فإن كان في نفسِك الذي في نفسِكَ الآن فارجعْ إليَّ!
فعاد أبو رافعٍ إلى مكة، وأبلغَ قُريشاً بردِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما أرسلته إليه، ثم عاد إلى المدينةِ فأسلم!

وكواليس الحديث كالتالي:
كانتْ الأعراف السياسية تقضي أن الرُّسل التي تكون بين الملوك المُتنازعين وبين القبائلِ المتناحرةِ أنها لا تُقتل ولا تُحبس مهما كان مضمون الرسالة، ولو حوى تهديداً من طرفٍ إلى طرفٍ، فما على الرسولِ إلا البلاغ! وعندما أراد أبو رافعٍ أن يُسلمَ، وأن لا يرجع إلى قُريش، وهو بالأساس قد جاءَ رسولاً منها إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، رفضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذا الأمر، لأنه يخرق الأعراف الدبلوماسية، والعادات الحميدة التي تعارفَ عليها الناس، وقد خشيَ أن تقولَ قُريش أنه قد حبسَ موفدها إليه فتُؤخذُ عليه بين العرب غدرةً رغم أن أبا رافعٍ اختارَ الإسلام والمكوث رغبةً منه واقتناعاً، فأمرَه أن يرجعَ إلى قُريش بالأمرِ الذي جاء به، فإن بقيَ راغباً في الإسلام عادَ إلى المدينة المنورة وأسلم، وهذا الذي كان!

أمرَ الله سُبحانه المسلم أن يفيَ بالعهد الذي يتعهَّدُ به فقال: "وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسؤولاً"! وعلَّمنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ من آيات المُنافق أنه إذا وعدَ أخلف!

ورغم أن قُريشاً كانتْ على الشِّرك إلا أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخلفْ عهده معها، لذلك إنَّ العهد يجب أن يُراعى مع الكافر كما يُراعى مع المسلم!
لذلك أوفِ بعهدك، وكُن على قدرِ كلمتك، فإن النبلاء تربطُهُم ألسنتهم لا العقود التي يُوقعونها فقط، وقد أخبرنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن الله تعالى يكره الغدر والغادرين فقال: "لكل غادرٍ لواء يوم القيامة، يُقال: هذه غدرة فلان"!
لواء أي علامة يشتهر بها في الناس، وكان من عادة العرب في الجاهلية أنها تَنصُبُ للغادر لواءً في الأسواق والمحافل للتشهير به!

أدهم شرقاوي
❖ *#هدايـات_قرآنية* ❖
{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ }
كلما أظلم الليل واشتد سواده،
بزَغ نور الفجر وانفلق صباحه ..
هوّن على ما بقلبك ..
وتذكر بأن الله معك .
يحكى أنه في بوادي الحجاز، ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، كانت تسكن بطون من قبيلة كندة، وكان سيدهم رجلًا يُدعى جابر بن الضحاك. وكان له ابنة تُدعى المياسة، وكانت آية من آيات الجمال والبهاء.

وقد وصفها الرواة بأنها ذات قدٍّ معتدل، وخدٍّ أسيل، وطرفٍ كحيل، وخصر نحيل، وردف ثقيل، وعنق طويل، وقامة كأنها ميل من الرماح. وقالوا إنها كانت ذكية العبارة، حاضرة البديهة، ساحرة الإطلالة، إن أقبلت خيّلت، وإن أدبرت فَتَنت. وقد شاع ذكرها بين قبائل العرب، وذاع صيت جمالها وقوّتها.

فلما بلغت سن الزواج، تقدم لخطبتها سادة العرب وأشرافهم وملوكهم، لكنها رفضتهم جميعًا، وأقسمت بذمّة العرب، وشهر رجب، وربّ الأرب إذا طُلب غلب، أن لا يتزوجها ولا يملك قلبها إلا من يغلبها في المبارزة وميدان الحرب، ومواقف الطعن والضرب.

جاءها الكثير من الفرسان، وكلهم حاولوا نيلها، لكنها غلبتهم جميعًا، حتى وصل خبرها إلى سادة قريش وفرسانهم. فرأوا أن يتزوجها أحدهم لتكون رابطة قوية بين قريش وبني كندة، الذين كانوا من أشجع فرسان العرب في المعارك.

عندما وصل وفد قريش، استقبلهم جابر بن الضحاك بكرم الضيافة، فهم أهل الحرم وسادة البطحاء. ذبح لهم الذبائح، وأكرم وفادتهم، وأراق لهم الخمر، واستضافهم ثلاثة أيام.

وبعد انتهاء أيام الضيافة، سألهم عن مطلبهم، فقالوا:
"يا جابر، جئناك راغبين، ولابنتك المياسة خاطبين. قد سمعنا عن جمالها وشجاعتها، ونرجو أن يكون أحدنا زوجًا لها."

وقام أبو الحكم عمرو بن هشام، المعروف بـ"أبي جهل"، يخطبها لابنه حنظلة، وقام غيره يخطبها لأبنائهم.

فقال جابر بن الضحاك:
"يا سادة قريش، ما بقي أحد من العرب إلا وقد جاءنا يطلب ما طلبتم، وسأل ما سألتم. وأنتم الأشراف وسادة الحرم، دعوني أستأذنها في الأمر."

ثم دخل على ابنته المياسة، فوجدها تلمع درعها وتُعدّ سيفها، فلما رأته نهضت.

فقال لها:
"يا ابنتي، إن سادة قريش جاؤونا من مكة يطلبونك للزواج، كل واحد منهم يريدك لنفسه أو لابنه، فاختاري من شئت، واعلمي أنهم سادة البطحاء، وأشراف العرب، وسكان زمزم والصفا."

فقالت المياسة:
"يا أبتِ، لا يملك عناني أحد إلا من غلبني في المبارزة وميدان الحرب. أبلغهم أن يتهيؤوا، ومن غلبني فليكن لي."

خرج جابر إلى وفد قريش وأبلغهم قولها، فقام أبو الحكم عمرو بن هشام قائلًا:
"فلنركب خيولنا، ونلبس سلاحنا، ولنلتق بها غدًا في الميدان، ومن غلبها كانت له."

فقال سادة قريش:
"رضينا."

وفي صباح اليوم التالي، أمروا عبيدهم أن يسرجوا الخيول، وأخرجوا السلاح والدروع، ولبسوها، وركبوا خيولهم وخرجوا إلى ساحة المبارزة.

وفي المقابل، خرجت لهم المياسة، ممتطية جوادًا من أجود الخيول يُقال له "الجوال"، وقد وضعت على رأسها خوذة من الحديد، وتقلدت بسيف هندي، وحملت رمحًا طويلًا، ووقفت على ربوة عالية، تنظر إلى الجمع بشموخ، ثم أنشدت قائلة:

أهَمّك قولُ الشينِ والعذّالِ
وقلتَ قولًا ليس بالمحالِ
إذا قريشٌ عاينوا فعالي
ولو أُعلنَ الحربُ والنزالِ

فرد عليها أحد الفرسان من قريش قائلاً:

"أفي كل نادٍ تفتنين فوارسا؟
وقد جئنا نروم منك المراسا
فإن كنتِ للحرب شمسًا كواسرًا
فإنا لها ليثٌ يزلزلها بأسًا"

عندها انطلقت المياسة نحو الساحة، تسبقها العزيمة، وحولها نظرات الرجال تتأرجح بين الإعجاب والرهبة. وقفت كالسيف في تمامه، تهتف:

"فلا تغتروا بمن سبق
ولا تهنوا إذا القتال دق
فإني لهيج النار في الوغى
وبأسُ من إذا طُعن فَــرَق"

فبدأت المبارزات... تقدم فارسٌ بعد آخر، وكل منهم يحاول إثبات نفسه أمام هذه الفاتنة الفارسة. لكنهم، واحدًا تلو الآخر، سقطوا بسيفها أو رُدّوا برمحها، حتى عمّ الصمت، وتلبدت الأجواء بخيبة الرجاء.

في ذلك الحين، كان شاب يراقب من بعيد... رث الثياب، شديد القسمات، يمتطي فرسًا قديمًا. هو المقداد بن الأسود الكندي، ابن عمها، نشأ يتيمًا في كنف أحد أخواله، يعمل في الإسطبل ويرعى الخيل. كان فتى نحيل الجسد، لكن عينيه تشعان بثقة لا يُدركها من يراه.

عاد المقداد إلى خاله في الليل، واستعاره فرسًا ورمحًا وسيفًا، وقال له:

– "دعني يا خالي، فلعلّي أغنم من الدنيا ما يغنيني، أو أموت على عتبة المجد".

في الصباح، خرج إلى الميدان، مغطى الوجه، لا يُعرف من هو. ضحك بعض فرسان قريش ساخرين:

– "ومن هذا الأعرابي؟ أضاع بعيره فدخل في ساحة الشجعان؟"

لم يرد، بل تقدّم نحو المياسة قائلًا:

– "يا ذات الردف الثقيل، والخُلق الجميل، إن في القلب نيرانًا ما يطفئها إلا لقاء الحديد بالحديد!"

ابتسمت المياسة وقالت:

– "عجّلتَ بالموت أيها الفارس الغريب... فهلمّ إليّ إن كنت على عهدك أمين".

التقيا في ساحة الميدان، فدوّى صوت الحديد، وارتفعت سحب الغبار. تبارزا طويلًا، وظهر على المياسة التعب لأول مرة، ثم فجأة سقط سيفها من يدها، فثبت رمح المقداد على صدرها، وقال:

– "أذعنتِ؟"

فأجابت وهي تلهث:

– "ما ظننت أن بين العرب من يغلبني... نعم، أذعنت."
2
انكشفت هويته، فتعجب الجميع، وقال جابر بن الضحاك:

– "ويحك يا ابن أخي! أغلبتها؟ لكنك فقير لا تملك مهرها، ولا مقامك مقام الأشراف!"

فقالت المياسة بصوت حاسم:

– "أبيتَ يا أبي إلا أن أُوفِي وعدي. وقد غلبني، فهو لي. وإن كان فقيرًا، أغنيه من مالي، وإن كان مجهولًا، أرفعه بفعاله."

فوافق والدها على مضض، وزُفّت المياسة إلى المقداد، وصار من بعدها فارس كندة الأول، يُضرب به المثل في الشجاعة، والوفاء، والحب الذي لا يعرف قيودًا.

وتناقل الرواة قصتهما، وقالوا:
ما هزّ المياسة إلا سهم المقداد،
ولا ثبّت قلبها إلا وعدٌ أوفى به فارسٌ لا يُعرف... إلا في ساحة النزال.

المصادر: 📚

1. سيرة ابن هشام. 📖

2. تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)📖

3. الطبقات الكبرى لابن سعد. 📖

4. أنساب الأشراف للبلاذري. 📖

5. الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. 📖

6. العقد الفريد لابن عبد ربه. 📖

7. الكامل في التاريخ لابن الأثير. 📖

8. البيان والتبيين للجاحظ. 📖

9. المروج الذهب للمسعودي. 📖

10. فتوح البلدان للبلاذري. 📖

11. جمهرة أنساب العرب لابن حزم. 📖

12. نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري. 📖

🌲🌴🌲🌴
🌹🌹🌹🌹🌹
{وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ}

القيادة شطر القضية، وشطرها الآخر الأمة بمجموع أفرادها، فانتبه من تُوَلِّي عليك وراقب أعماله وتاريخه ودعك من لسانه وقوله، فكم من (تَوَلَّى) في الأمة فأضَلَّها وهدم أركانها وأفسدها!

أثارة_آية
🌸
قال تعالى :" *ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك"*
 
جاء هذا الخطاب القراني ليعلم الناس منزلة الأخلاق في شريعتنا الاسلامية .. فهي مطلبٌ شرعي .. وليبين أن الاخلاق الحسنة ممدوح صاحبها وأن الأخلاق السيئة مذموم صاحبها .
اللهم إنا نسألك حسن الخُلق

🌿💐
2
سيأتي الحُلْم في مِشكاةِ فجرٍ
وعند الصبحِ تبتسِمُ الأماني
ويبتسم الـمُعَنّى بعد حزنٍ
وينسى حينها ما قد يعاني .
🌲🌴
1
‏قال عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه-:
خُذوا بحظِّكُم مِن العزلة.
📚العزلة والانفراد، لابن أبي الدنيا ( ٣٢)
‏ــــــــــــ ❁ ❁ ❁ ❁ ــــــــــــ
🔲 قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:
«وَلَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ أَنْ تُجِيبَ، مَنْ لَا يَسْأَلُكَ، أَوْ تَسْأَلَ مَنْ لَا يُجِيبُكَ، أَوْ تُحَدِّثُ مَنْ لَا يُنْصِتُ لَكَ» .
{📚الفقيه والمتفقه - ٢/‏٦٧ }
‏ــــــــــــ ❁ ❁ ❁ ❁ ــــــــــــ
🔲 هـــمســـة مـحـب ..
قيل لمهندس معماري نراك عندما هدمت المبنى استخدمت عمال ، وعندما قمت بالبناء استخدمت آخرين لماذا ؟
قال من يصلحون للهدم لا يصلحون للبناء .

🌲🌴
1
من براكين الوجدان الثائرة②
خيانة الزعماء وجع لا تنساه العصور ، وخزي لا تمحوه الدهور ، وجُرحٌ لا تلتئمه القرون
بقلم الاستاذ محمد صغير عبدالله حسن الخضمي

حرب غزة فضحت زعماء العرب ، واثبتت أن ممالكهم قامت على هشيم المبادئ ، ورماد القيم ، وغبار الاخلاق ، وزعاماتهم زُرعت في تربة المهانة وسُقِيت بماء المذلة لتثمر العبودية ، ودولهم وُلدت من رحم الخيانة ورضعت من ثدي الدناءة ونشأت في مستنقع العمالة ، واماراتهم بُنيت على جماجم الابطال ورؤوس الثوار ودماء الاحرار ، وسلطاتهم قُدّت من قماش النفاق ونُسجت من خيوط المكر وطرزت بإبر الغدر ، وسيادتهم لبست ثوب الضلال وتدثرت بعباءة الباطل واتشحت رداء الفساد ، وتيجانهم صُممت من جراحات الأتقياء ونُقشت بدموع الضعفاء ورُصّعت بدماء الأبرياء ، وكراسيهم صُنعت من عرق الشعوب المنكوبة وقامت على اوجاع الحشود المنهوبة واستقرت على قمع الجماهير المنهكة ، ومجدهم الوهمي خُلق من ماء الإفك في رحم الخداع ليُنجب الخزي والعار ، ووجاهتهم الزائفة تسلقت درجات الغش وارتقت سلالم الانحراف واعتلت مراتب الكذب ، وقيادتهم ارتفعت بانحناء العادات وانكسار التقاليد وانبطاح المعتقدات ، وتاريخهم سُطّر بأقلام الوهم ودُون على صفحات الجبن ليُخلد في كتب الخضوع ، وسُلطتهم انتُزعت بانين المضطهدين وزفير المشردين وصراخ المظلومين ، وشرعيتهم عُمدت بجهل الناس وغباء الاتباع وخواء الرعية ، وزيفهم قام على اكتاف المساكين وظهور المحتاجين وسواعد المواطنين .
غزة لا تريد رحمة وشفقة ، بل عدالة ومساواة ، لا تنتظر دمعة ، بل وقفة ، لا تحتاج صوتًا مرتجفًا ، بل موقفًا صلبًا ، فهل بقي فينا من يُشبه الرجال ؟ ، أم أن الأمة اعتادت أن تكتب المراثي قبل أن تجفّ دماء الأبرياء ؟
🌲🌴
2👍1
*#نهاية_الكذاب*

يقولُ الجاحظُ في مَعرِضِ حديثِه عن الأسجاعِ: *«اجعلْ قولَ الكذَّابِ ريحًا، تَكُنْ مُستريحًا»؛* وهي جُملةٌ لو وَزَنتَها بميزانِ الحِكمةِ، لَرَجَحَتْ كفَّتُها على أَكوامٍ من المواعظِ المكرورةِ.

وعِندَنا مثَلٌ على هذا المَعنى: *«اتَّبِعِ الكذَّابَ إلى عَتَبةِ البابِ»،* أي: لا تَستَعجِلْ في تَكذيبِه، ولا تُضيِّعْ أَنفَاسَك في رَدِّ هُرائِه، فإنَّ الكذَّابَ لا يَفتَقِرُ إلى لِسانٍ، لكنَّهُ حَتْمًا يَفتَقِرُ إلى نِهايةٍ تُنهِيهِ؛ فإنْ صَبَرتَ عليه إلى بابِ بيتِه، فَضَحَهُ بيتُهُ!

وقد جَرَّبتُ *-والعُهدةُ على التَّجرِبةِ-* أنَّك إنْ بادَرتَهُ بالتَّكذيبِ، صالَ وجالَ، ونازَعَكَ في العقلِ والنَّقلِ، وتحوَّلَ المجلِسُ إلى حَلَبَةِ مُصارَعةٍ بينَ الصِّدقِ والوقاحةِ، ورُبَّما خَرَجتَ منها وأنتَ المُتَّهَم!

لكنْ إنْ تَركتَهُ يَنفُخُ ريشَهُ، ويُسَطِّرُ حكاياهُ، ويَتَفَنَّنُ في اختِراعِ أطرافٍ لم تُولَد، وشُهودٍ لم يُخْلَقوا، ثمَّ جَعَلْتَ على طرفِ لسانِكَ ابتِسامةَ استِغْرَابٍ بارِدة، فستَراهُ بعدَ لحظاتٍ قد عَلِقَ في شَرَكِ كِذبَتِهِ، وتَعَثَّرَ بِحَبْلِها، وانقَلَبَ حديثُهُ إلى مَضحَكةٍ ومَفرَقَةٍ، تَكونُ فيها مُستَريحَ البالِ، *و"المُستَمِعَ الذَّكيَّ"* الذي لم يُكَلِّفْ نفسَهُ شقاءَ الجِدالِ.

فَدَعْ عنكَ مُجادَلَةَ الكذَّابِ، فإنَّها كَمَن يُطارِدُ الرِّيحَ في مِيدانٍ مَفتوحٍ؛ وإنْ شِئتَ قُلْ: لا تُجهِدْ نفسَكَ في تَلَقُّفِ حِجارةِ المجنونِ، فَرُبَّما أَصابَكَ حَجَرٌ منها وأنتَ تَحسَبُهُ نُكتَةً!

🌲🌴
قبل أيام كنت أجلس لوحدي، تمر في ذهني أشرطة الذكريات، وفجأة تذكرت بعض القصص الغريبة العجيبة التي شهدتها أثناء عملي بالتدريس في منطقة أكمة العقاب بريف إب وضحكت.😅

ضحكت بشكل هستيري لا أتذكر أنني ضحكت مثله، ثم كتمت ضحكي حتى لا تأتي الزوجة والأولاد ويسألوني:
_ لماذا تضحك؟
وحين أقول لهم الحقيقة لن يتركوني حتى أقص عليهم القصة وأنا يعجبني الكتابة وليس الحديث.
ستقولون:
_ طيب ما هي القصة ؟
لا تستعجلوا سأحدثكم بإحدى هذه القصص..

من القصص العجيبة المضحكة أنني ما إن وصلت منطقة أكمة العقاب حتى بدأت أسمع باسم " حمود النامس" على كل لسان، الكل يشكو منه ويدعو عليه، هذا تسلل إلى مزرعة قاته وقطف عشرات الحزم من القات في الظلام دون أن يشعر به، وذاك يؤكد أنه قد اختبأ بين الأشجار أثناء مروره بأغنامه وسرق خروفا منها دون أن يحس، وآخر يحلف الأيمان المغلظة أنه تسلل إلى مطبخهم وسرق قدر العشاء بما فيه من لحم ومرق من فوق النار دون أن ينتبهوا له.!😅

قصص عجيبة كنت أسمعها واستغرب من القدرات العجيبة لهذا اللص المحترف.!

كنا في مقيل الشيخ فجاء أحدهم يشكو من حمود النامس قائلا:
_ هذا خامس خروف يسرقه علي يا شيخ خلال ثلاثة أشهر.!
قال أحدهم وهو يضحك:
_ لو قلت لكم عن اللي عمله معنا أمس لن تصدقوني.🤔
صمت الجميع واتجهت إليه الأنظار فقال:
_ كنت أمس أنا وحسن ابني نحرس القات فذهب إلى بيتنا، وقف بالباب وقلد صوت ابني:
_ قال لكم أبي تذبحوا الديك 🐓 الكبير وتعملو عشاء وبجي له بعد ساعة.
ذبحوا الديك وعملوا العشاء وجاء أخذه من الباب وراح.!
بعد ساعة أرسلت الولد يجيب العشاء قالوا له:
_ أنت مجنون؟! أنت أخذت العشاء قبل ساعة؟!
وعرفنا إنه حمود النامس. الله لا صبحه ولا ربحه.!
وضج المجلس بالضحك.😅
أرسل الشيخ مجموعة من المسلحين يأتوا بحمود النامس حيا أو ميتا لكنهم لم يعثروا له على أثر.!
وكلما أرسل الشيخ بمن يأتي به لا يجد له أثر، كأنه شبح يختفي في لحظات، رغم أن لديه بيت يعيش فيه لوحده فهو كما قالوا " مقطوع من شجرة".!

لقد دفعني الفضول لمعرفة حمود النامس والشوق لرؤية هذا الشخص الخارق الذي يتحدث عنه الجميع. ولكن كيف سأصل إليه؟!
فكرت 🤔 وقدرت وفكرت وطننت ثم وصلت إلى حيلة ستجعله يأتي إلي مكرها.
قلت لنفسي:
_ طالما الناس قد أشاعوا بأنني من أولياء الله الصالحين فسأشيع بين الناس أنني سأدعوا على حمود النامس دعوة تجعله مشلولا لا يستطيع الحركة.😅
كنا في مقيل الشيخ فقلت لهم:
_ اذا لم يتب حمود النامس فسأقنت وأدعوا عليه دعوة ستكون نهايته.
وأضفت في لهجة جادة:
_ من اليوم إذا سرق أي شيء سيرى كوابيس مفزعة في منامه، وقريبا ستكون نهايته.

مرت أيام وبينما كنت أصحح دفاتر الطلاب والساعة قد تجاوزت العاشرة ليلا حيث بدأت أستعد للنوم طرق أحدهم بابي.
لقد ظننت أنه رسول الشيخ جاء بالعشاء.
فتحت الباب وإذا بشاب نحيل كأنه عصا، أصفر اللون وقد تكورت على شدقه تخزينة قات عرمرمية، والعرق يتصبب من وجهه.
لم ينتظر إذني حيث أنسل إلى الداخل كأنه ريح 😅.
_ أشتي ماء يا أستاذ.
قدمت له الماء فشرب كثيرا ثم رمى لي بكيس فيه العديد من حزم القات الفاخر قائلا:
_ خزن يا أستاذ.
_ أنا معي مدرسة الصبح لكن علشانك سأخزن معك ساعة فقط ثم أنام.
هز رأسه وابتسم.
حين بدأت أمضغ القات أنسل خارجا دون أن يخبرني أين سيذهب؟!🤔
مرت نصف ساعة ولم يعد فتعجبت ثم سألت نفسي:
_ لا يكون هذا الذي جاءني جني.! 😳
مرت ساعة ثم انتصف الليل ولم يعد.!
حينها رميت بالقات ثم أغلقت الأبواب والنوافذ وقرأت المعوذات وآية الكرسي والأدعية ثم نمت.
انشغلت بالتدريس وكدت أنساه.
ومرت أيام ولم يظهر وحاولت تذكر ملامح وجهه لكني لم أتذكرها بدقة فزادت شكوكي، وداهمتني الهواجس لكن إلتفاف الشباب حولي وإنشغالي جعلني أنساه.

وفي ليلة الجمعة حين قررت أن أسمر جاء.
ما إن فتحت الباب حتى دخل بصمت، وضع كيس القات جانبا وقال:
_ أنا جاوع يا أستاذ أريد التبرك بالأكل معك، قدمت له بعض الطعام وأكلت معه قليلا ثم سألته:
_ أين ذهبت قبل أيام حين جئت إلي؟!
_ كان معي مشوار.
وأضاف:
_ رحت سرقت صالح عوض.
_ إيش تقول ؟😳
_ أنا حمود النامس يا أستاذ.
_ إيش ؟😳
ثم تحدث بكل برود:
_ صالح عوض الذي سرقته مشعوذ دجال يكذب على الناس ويحلبهم فلوس زي الرز، وهم كل همهم حمود راح حمود جاء.!
_ قالوا إنك سرقت خروف عبد الغني ياسين، خروف بحجم العجل.
_ الله يفضحهم، الله يشهد أنه خروف صغير كان سينتحر، فأنا قلت: ألحقه وأتعشى به أفضل ما ينتحر ويروح جهنم.!
_ الخروف كان سينتحر ؟! 😂
_ نعم صعد إلى صخرة مرتفعة جدا، وكان محبط ويفكر بقلق وتوتر فأدركت أنه قرر الانتحار فلحقته وأمسكت به وتعشيته.!😅
2
_ عجيب.! أنقذته من الانتحار ثم تعشيته. كثر الله خيرك.!
_ عبد الغني ياسين يا أستاذ جاب كبش سع العجل لصالح عوض علشان يكتب له تميمة محبة تخلي ازدهار فضل تحبه ويتزوجها.!
شيبة عمره فوق الستين ويشتي يتزوج بنت عمرها 17سنة.!!
لزمت الصمت فواصل حديثه:
_ أسألك بالله من الأولى بالخروف أنا جاره الجائع ولا ذاك المشعوذ الدجال؟!
قلت له:
_ مش مبرر يا حمود، مهما فعلوا. الخطأ لا يعالج بخطأ.
_ يا أستاذ نحن بقرية اذا لم تأكل مع الناس ستموت من الجوع، وهم أغلقوا أبوابهم في وجهي، لا أحد منهم سيطعيني كسرة خبز حتى لو طفت البيوت كلها.
لقد رفضوني من قبل أن أسرقهم.
وعندما اضطر وأسرق خروف وأبدأ أطبخ ويشموا الرائحة كلهم يجيئوا يتعشوا معي.
وأقسم لك بالله إن كل واحد منهم يشجعنا على سرقة الثاني، وكل واحد يفتي لي أن سرقة خصمه حلال زلال.!
_ طيب لو قلنا أنك تسرق الخرفان والدجاج لتأكل فماذا عن القات ؟
_ القات ما سرقت إلا من قات قاسم عبد الله لأني أشتغلت معه عدة أيام ولما طلع به قات ذهبت إليه أشتي تخزينة كما وعدني فطردني فسرقت منه بقدر تعبي ومستعد أثبت لك.
كلما سألته بسؤال رد لي بالجواب المسكت حتى بدأت أحتار في أمري. من أصدق ؟!
وختم حديثه برهان أخير:
_ جربهم يا أستاذ يتبرعوا ب 100ريال لصالح المدرسة لن يتبرع أحد، وسيحلفوا بالله وتالله ما معهم ريال لكن خذ أي شيبة منهم على انفراد وقل له:
_ سأعمل لك تميمة المحبة وأخلي الشابة ازدهار فضل تحبك وتتزوجها، وشوف كم سيعطيك ؟!
قاطعته:
_ أعوذ بالله أنا أكتب لهم تمائم ؟!
_ يا أستاذ جرب أعرض عليهم مجرد عرض علشان تعرف حقيقتهم.
وفعلا دعوتهم للتبرع للمدرسة فلم يتفاعل أحد وحلفوا أجمعين أنهم ما يمتلكون حتى الريال الواحد، وحين كنت أنتحي بأحدهم وأهمس لهم بأنني سأعمل له تميمة المحبة التي ستجعل ازدهار تحبه كان الواحد منهم يفرح كأنه طفل أهديت له صندوق ألعاب جديدة، ثم يفتح جيوب الكمر ( حزام عريض في الوسط) ويخرج لي منه عدة آلاف في تلك اللحظة.
فأقول في نفسي:
_ قدوه حمود النامس أخبر بكم. ما لكم الا حمود.

😅😅😅😅😅

محمد مصطفى العمراني

*_ إذا اعجبتك القصة فتكرم بمشاركتها لإدخال السرور على الآخرين ولك كل الشكر والتقدير.🙏🙏🙏
3
🐬🐬🐬🐬🐬
🍀 *#تأملات_قرآنيه_*🍀
۝أتَأْمُرونَ الناسَ بِالبِرِّ وتَنسَوْنَ أنفُسَكُم۝
ما أعظم خسارتك حين تكون
سبباً في نفع غيرك بالهداية
بينما تحرم نفسك وهي أحوج،
*اللهم اهدنا واهدي بنا
واجعلنا سبباً لمن اهتدى*
1
💎💎💎
🔻قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
*" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه ".*
أخرجه الترمذي

*-"عمره فيم أفناه؟"* عن حياته وزمانه الذي عاشه، ماذا عمل فيه؟ وكيف استغل أوقاته؟، *-"وعن علمه؛ فيم فعل فيه؟"* ماذا فعل بهذا العلم؟ هل تعلمه لوجه الله خالصا أم رياء وسمعة؟ وهل عمل فيما علم أم لم ينفعه علمه؟ *-"وعن ماله؛ من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟"* أمواله التي جمعها، أمن حلال أم من حرام؟ وفيم أنفقها؟ أفي طاعة أم في معصية؟ *-"وعن جسمه فيم أبلاه"،* وعن قوته ماذا فعل بها؟ وفيم أضاع شبابه وصحته؟
وفي الحديث: بيان أن لكل عبد وقفة للحساب بين يدي الله تعالى.
▪️▫️
1
من أمثال العرب الشّائعة قولهم: «العودُ أحمدُ»

والعود: الرّجوع إلى الشّيء بعد التّوقّف عنه، وقيل باختصار: العود ثاني البدء.

وأحمد: أي أكثر حمداً.

يقال: إنّ أوّل مَن قال هذا المثل خداش بن حابس التّميميّ، إذ أعجبته فتاة من بني ذهل ثمّ من بني سدوس يقال لها الرّباب، وهام بها زماناً، ثمّ أقبل يخطبها، وكان أبواها يتمنّعان في خطبتها لجمالها، وكانا يطمحان لتزويجها ممّن يملك المال والجاه، فردّا خداشاً، فأضرب عنها زماناً، ثمّ أقبل ذات ليلة راكباً فانتهى إلى محلّتهم وهو يتغنّى ويقول:

ألا ليتَ شِعري يا رباب متى أرى
لنا منكِ نُجحاً أو شفاءً فأشتفي

فقد طالما عنّيتني ورددتني وأنتِ
صفيّي دون مَن كنت أصطفي

لحى اللهُ مَن تسمو إلى المال نفسه
إذا كان ذا فضل به ليس يكتفي

فيُنكِح ذا مالٍ دميماً ملوّماً
ويترك حرّاً مثله ليس يصطفي


فعرفت الرّباب منطق خداش، وحفظت شعره، ثمّ أرسلت رسولاً إلى ركبه أن انزلوا بنا اللّيلة، فنزلوا، وبعثت إلى خداش أن قد عرفت حاجتك، فاغد على أبي خاطباً، ورجعت إلى أمّها، وسألتها أن يزوّجوها خداشاً،
فقالت أمّها: وما يدعوك إلى ذاك مع قلّة ماله؟
قالت: إذا جمع المالَ السّيّئ الفعال فقبحاً للمال.
فأخبرت الأمّ أباها بذلك، فقال: ألم نكن صرفناه عنّا فما بدا له؟

فلمّا أصبحوا غدا عليهم خداش، فسلّم وقال:
العودُ أحمد، والمرء يرشد، والورد يحمد.

فأرسلها مثلاً.

قال الميدانيّ:

ويقَال إنّ أوّل من قَال ذلك، وأخذ النّاسُ منه هو مالك بن نُوَيرة حين قال:

جَزَيْنَا بني شيبانَ أمسِ بقَرْضِهِمْ
وَعُدْنَا بمثل البَدْءِ والعَوْدُ أَحْمَدُ


#أمثال_العرب
3
كتب رجل للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي رسالةً قال فيها

يا صاحب النظرات:
تزوجت منذ سنة من زوجة صالحة طيبة القلب والسريرة, فاغتبطت بعشرتها برهة من الزمان، وفي هذه الأيام عرض لها رمد في عينيها فذهب ببصرها, فأصبحت عمياء وأصبحت أعمى بجانبها، وقد بدا لي أن أطلقها وأتزوج من غيرها فماذا ترى؟
إنسان.

رد المنفلوطي :

أيها الإنسان: لا تفعل؛ فإنك إن فعلت كان عليك إثم الخائنين وجرم الغادرين، كن اليوم أحرص على بقائها بجانبك منك قبل اليوم، حتى تستطيع أن تدخر لنفسك عند الله من المثوبة والأجر ما يدخر أمثالك من الصابرين المحسنين.
لا تقل: إنها عمياء فلا خير لي فيها ولا غبطة لي بها، فإنك ستجد في نفسك من لذة المروءة والإحسان، والعطف والحنان، ما يحسدك عليه الناعمون بالحور الحسان، في مقاصير الجنان.
اجلس إليها صباحك ومساءك, وحادثها محادثة الصديق لصديقه، بل الزوج لزوجه، وتلطف بها جهدك، وروِّح عن نفسها ما يساورها من الكروب والأحزان، وقل لها: لا تجزعي ولا تحزني, فإنما أنا بصرك الذي به تبصرين، ويدك التي بها تبطشين.
أعيذك أيها الإنسان بالله ورحمته، والعهد وذمامه، أن تجعل لهذا الخاطر السيئ خاطر الطلاق أو الفراق سبيلا إلى نفسك، فإنها لم تسئ إليك فتسئ إليها، ولم تنقض عهدك فتنقض عهدها، فإن كنت لا بد ثائرا لنفسك فاثأر لها من القدر إن استطعت إلى ذلك سبيلا.
إن عجزا من الرجل وضعفا أن يغضب فيمد يده بالعقوبة إلى غير من أذنب إليه، ويعتدي على من لم يعتد عليه.
إن لم يكن احتفاظك بزوجك وإبقاؤك عليها عدلا يسألك الله عنه، فليكن إحسانا تحاسبك الإنسانية عليه.
إنك خسرت بصرها ولكن ستربح قلبها, وحسب الإنسان من لذة العيش وهنائه في هذه الحياة قلب يخفق بحبه، ولسان يهتف بذكره.
إنها أسعدتك برهة من الزمان, فليخفق قلبك حنانا عليها بقدر ما خفق سرورا بها.
لا أحسب أنها كانت تاركتك أو مغفلة أمرك لو أن هذا السهم الذي أصابها أصابك من دونها، فاحرص الحرص كله على أن لا تكون امرأة ضعيفة أسبق منك إلى فضيلة الصدق والوفاء.
إلى من تعهد بها بعد فراقك إياها؟ وأي موطن من المواطن هيأته لمقامها؟ وماذا أعددت لها من الوسائل التي تستعين بها على شئون عيشها، وتأنس بها في وحشتها ووحدتها؟
كيف يهنأ لك عيش أو يغمض لك جفن إذا أظلك الليل فذكرتها وذكرت أنها تقاسي في وحدتها من الوحشة ما لا قبل لها باحتماله، وأنها ربما كانت تطلب جرعة ماء فلا تجد من يقدمها إليها، أو كسرة خبز فلا تجد من يدلها عليها، أو ربما قامت من مضجعها في سكون الليل وهدوئه تتلمس الطريق إلى حاجة من حاجها فأخطأ تقديرها, فصدمها الجدار في جبينها صدمة سال لها دمها حتى امتزج بدمعها.
أيها الإنسان: إن لم تكن عادلا ولا وفيا ولا محسنا, فارحم نفسك من هذا الخيال الذي لا بد أن سيساورك ويفت في عضدك ويزعجك من مرقدك، فإن لم تكن هذا ولا ذاك فغيرك أخاطب؛ لأني لا أحسن إلا مخاطبة الإنسان.
إني محدثك عن صديق لي من كرام الناس وأوفيائهم تزوج زوجة حسناء فاغتبط بها برهة من الزمان, ثم أصابها الدهر بمثل ما أصاب به زوجتك ولم يترك لها من ذلك النور الذاهب إلا مثل ما تترك الشمس من الشفق الأحمر في صفحة الأفق بعد غروبها، فلم يقنعه من الوفاء لها أن استبقاها واستمسك بها, بل كان يحرص جهده على أن لا تعلم أنه ينكر من أمرها شيئا، حتى إنه كان يعتب عليها في بعض الأحايين في ذنوب ما كان له أن يؤاخذها بها إلا من حيث كونها ناظرة مبصرة، يريد بذلك أن يلقي في نفسها أنه لا يعرف من قصة نظرها شيئا، وأنه لا يرى فيها غير ما يراه الرجال من نسائهم المبصرات؛ رفقا بها وإبقاء على ما ربما تحب أن تحاوله من الاعتداد بنفسها, والإدلال بمزاياها.
ولقد قرأت جملة صالحة من نوادر العرب في آدابهم ومكارمهم وأخلاقهم ولطف وجدانهم, فلم أر بينها نادرة أعلق بالقلوب ولا أجمل أثرا في النفوس من قول أبي عيينة الكاتب المعروف في عهد الدولة العباسية, وكان كفيف البصر "اختلفت إلى القاضي أحمد بن أبي دؤاد أربعين سنة, فما سمعته مرة يقول لغلامه عند تشييعي: خذ بيده يا غلام، بل يقول: اخرج معه يا غلام".
فإن كنت تريد أن يسجل لك من الوفاء في صفحات القلوب ما سجل لأحمد بن أبي دؤاد في صفحات التاريخ فلا تطلق زوجتك, ولا تنقم منها أمرا قد خرج حكمه من يدها، وإن أبيت إلا أن تأخذ لنفسك حظها من لذة العيش وهنائه فاعلم أنه ما من لذة يلذ بها الإنسان في حياته إلا ويشوبها الكدر أو يعقبها الألم، إلا لذة الإحسان.
🌴🌲🌴🌲
2
وقال الفرزدق، يضرب به المثل:

ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار

وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار

ومن أجل نوار قال الفرزدق البيت الذي يتمثل به الناس ولا يعرفون تأويله:

ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

وذلك أن النوار بنت أعين وكلت الفرذدق لقرابته منها، ليزوجها فلما حضر الشهود، وأشهدتهم على ذلك، قال اشهدوا أني قد تزوجتها على مائة ناقة. فكرهته وأبت أن تمضي ذلك وشخصت إلى ابن الزبير تستعديه عليه، ورحل هو خلفها إلى ابن الزبير فاتى حمزة بن عبد الله بن الزبير يستشفع به إلى أبيه، وقال فيه:

أمسيت قد نزلت بحمزة حاجتي ... إن المنوه باسمه الموثوق

وأتت النوار ابنة منظور بن زبان، امرأة حمزة بن عبد الله بن الزبير تستشفع، فكلم حمزة أباه في الفرزدق وكلمته امرأته في النوار. فقضى للنوار، ولم يجز للفرزدق تزويجه. قال الفرزدق:

أما بنوه فلم تنجح شفاعتهم ... وشفعت بنت منظور بن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

فضربه الناس مثلا في أن شفاعة النساء أنفذ من شفاعة الرجال.

انظر: كتاب: تثقيف اللسان وتلقيح الجنان
المؤلف: أبو حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي النحوي اللغوي (ت:٥٠١هـ)
(ص٢٤٤-٢٤٥)
🌴🌲
1
🌸🌸🌸🌸🌸
1
2025/07/09 04:25:58
Back to Top
HTML Embed Code: