Telegram Web Link
سلوانُ قلبِ المؤمن وراحته؛
أنّه في رعاية الله، وبين حنايا لُطفِه؛
فما قدّرَهُ كان، وما لم يُقدّره لم يَكُن،
وكلّ أقدارِه خير ....🌺🍃
.


💦  أحاديث في فضل الصلاة على النبي ﷺ

❄️  قال رسول الله ﷺ :
« أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا »
[ حسنه الألباني - الصحيحة | 1407 ]


❄️ قال نبي الرحمة ﷺ :
« إنَّ أَوْلَىٰ الناس بِي يومَ القيامةِ :
أكثرُهم عليَّ صلاةً »
[ حسن لغيره - صحيح الترغيب | 1668 ]


❄️  قال نبي التوبة ﷺ :
« أكثروا الصلاة عليَّ فإن الله وكَّل بي مَلَكًا عند قبري ؛ فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك :
”يا محمد، إن فلان بن فلان صلى عليك الساعةَ “ »
[ حسنه الألباني - الصحيحة | 1530 ]

 
❄️  قال رسول الله ﷺ :
 « أتاني آتٍ من عند ربي عز وجل فقال: مَن صلى عليك مِن أمَّتك صلاةً ،،
كتب الله له بها عشر حسنات
⚡️ ومحا عنه عشر سيئات
ويرفع له عشر درجات
ورُدَّ عليه مثلها » .
[ صححه الألباني - صحيح الجامع | 57 ]


❄️  قال رسول الله ﷺ :
« صلُّوا عليَّ واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا:
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد »
[ صححه الألباني - صحيح الجامع | 3783 ]


❄️  قال رسول الله ﷺ :
« من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا »
[ صححه الألباني - صحيح الجامع | 6358 ]


❄️  قال رسول الله ﷺ :
 « ما مِن أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ علَيهِ السَّلامَ »
[ حسنه الألباني - صحيح أبي داود | 2041 ]
🥔🥚☕️


بنت راحت تشتكي لباباها ان الحياه وحشه بباها مردش عليها وخدها للمطبخ وجاب  3  حلل ملاها ميه وحطها تغلي علي البوتجاز اول ما الميه غليت
راح حاطط في الحله الاولي بطاطس والتانيه بيضه وفي التالته حط بن.. وسابهم شويه بعد عشرين دقيقه طفا البوتجاز وطلع البطاطس في طبق والبيض في طبق تاني والقهوه في كوبايه وقال لبنته قولي لي شايفه ايه ?
( شايفه بطاطس وبيضه وقهوه ) 
قالها بصي كويس والمسي البطاطس لمست البنت البطاطس لقيتها طريه عن اول ما حطيتها طلب منها تبص للبيضه فلقيت بقت بيضه مسلوقه طلب منها تبص علي الكبايه فلقت قهوه ريحتها جميله جدا
ابتسمت البنت وقالت ( يعني ايه الكلام ده )
الاب  قالها ان البيضه والبطاطس والبن اتحطوا في نفس الظروف _ المياه المغليه_ بس كل واحد فيهم كان رد فعله مختلف
البطاطس كانت في الاول قويه انما بعد الميه المغليه بقت طريه وضعيفه /البيضه كانت ضعيفه وسهله الكسر انما بعد الميه المغليه بقت قلبها قوي !
البن بقي كان مميز جدا لما دخل في الميه المغليه غيرها اصلا وعمل منها حاجه تانيه جميله جدا اسمها (قهوه)
انتي بقي مين فيهم ? بطاطس ولا بيضه ولا بن ?لما بيحصلك مشاكل في حياتك رد فعلك بيكون ازاي ?بتضعفي ولا بتقوي ولا بتاخدي الظروف دي وتعملي منها حاجه جميله.. المشاكل هتفضل تحصل حوالينا وهتفضل تحصل لنا انما الحاجه المهمه فعلا هو ان المشاكل دي متحصلش جوانا ومانبقاش ضحيه
سأل أحد التلاميذ شيخه عن الحساب في الآخرة ،
فقام الشيخ من مكانه ووزع على طلابه شيئاً من المال ، فأعطى ؛
الأول 100 ريال،
والثاني 75 ريال ،
والثالث 60 ريال ،
والرابع 50 ريال ،
والخامس 25 ريال ،
والسادس 10 ريالات ،
والسابع 5 ريالات ،
وأعطى الولد الذي سأله ريال واحد ،
شعر الولد بالتعاسة واغتم كثيراً لأن شيخه آثر رفاقه عليه.

ابتسم الشيخ للولد وقال للجميع : " يجب أن تنفقوا ما أعطيتكم قبل يوم السبت وسيكون اجتماعنا يوم السبت في الفرن المجاور .
في صباح يوم السبت تحلق الطلاب حول الفرن بعد أن أوقده الفرّان بإنتظار وصول الشيخ .
أقبل الشيخ مسرعاً وطلب من الطلاب الصعود فوق بيت النار واحداً واحداً ليخبره كل واحد ماذا فعل بالمبلغ الذي أعطاه إياه.

صعد صاحب المئة ريال إلى سطح بيت النار وبالكاد إستطاع الوقوف وأخذ يرفع رجلاً وينزل أخرى من شدة حرارة الأرض تحته ، وقال : "اشتريت بخمسة ريالات سكر وبعشرة ريالات شاي وبعشرة وبعشرين ريال عنب وبخمسة عشر ريال خبز.... وهكذا  ، أخذ يسرد ما اشترى بالمال وهو يرفع رجلاً وينزل أخرى ولم ينتهِ إلا بعد أن تورمت قدماه وكاد يلفظ أنفاسه من شدة الحرارة والعطش.

صعد الثاني وفعل مثل الأول ،
ثم صعد الثالث ثم الرابع وهكذا ....

حتى جاء دور الولد الذي أخذ ريال واحد فصعد مسرعاً إلى ظهر الفرن وقال: " اشتريت ربطة بقدونس بريال ، ونزل من فوق الفرن

ووقف أمام الشيخ منتشياً بينما كان الباقي بين جالس ينفخ على قدميه وآخر يبردهما بالماء.
توجه الشيخ نحو الولد بجانبه وقال : *" يا أولادي هذا مشهد مصغر عن يوم الحساب ، فكل إنسان سيُسأل على قدر ما أعطاه الله.*

سُرّ الولد الذي سأل الشيخ وعلم أن شيخه لم يكن ليفضل رفاقه عليه.
ولله المثل الأعلى .

*قصة لم أجد أروع وﻻ أجمل منها... واستنتجت منها لماذا يسبق  الفقراء الأغنياء في الحساب يوم القيامة...*

هل لنا في هذه القصة من عبرة ؟؟..
هل نستطيع أن نغير شيئا من تفكيرنا ..؟؟

*( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ )* التكاثر/8🌹
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
مقال بقلم د.هبة خفاجي رحمها الله عام 2011 كنت قد طلبته منها من أجل صفحة كنت أقوم بإدارتها لأنشره تحت عنوان خواطر طبيبة مسلمة فكتبته بقلبها جزاها الله خيرا.

(أماكن فى قلبي)
في أول عملي كنت دائمة البكاء والحزن على مرضاي، وخاصة أنهم كانوا أطفالا أكبرهم لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، نادانى ذات مرة أحد أساتذتى وقال لي ضعي بينك وبين مرضاكِ حائط زجاجي ترينهم من خلاله ولكن لا تنسي نفسك وسطهم، دائما حافظي على هذه المسافة بينك وبينهم، وحاولت بالفعل وضع حائط زجاج ونسيت مفتاحه معهم!
فكثيرا ما تسلل أحدهم ليحتل مساحة ومكان فى قلبي وتفكيري وحياتي ووجداني، أهتم لهمومهم و أفرح لفرحهم، أفتقدهم إن غابوا وأسال عنهم وأحزن عندما أفقد أحدهم...
وأملأ الدنيا أفراحا عند شفائهم
باختصار...كل منهم أخذ مكانا في قلبي!
أربع سنوات فى العمل مع مرضى الأورام التقيت فيها ب...(سارة)
لن أنس أبدا يوم الأربعاء الساعة الثالثة ظهرا وأستاذى-صاحب نصيحة الحائط الزجاجي-ينادينى ليسلمني مريضة جاءت من مستشفى خاص ويحكى لى قصة عبارة عن مضاعفات وجلطة في القدم وفى الرئة و انتشار المرض في العظام و.....
أنا وقتها -وبعد نوبتجية طويلة وكل ما أحلم به هو العودة إلى فراشي لأنعم بسويعات من النوم- تخيلت أنه يتحدث عن إمرأة طاعنة فى السن، وأخذت أقول لنفسي:
"هقعد جنبها النهاردة ومش مروحه دي قنبلة مش حالة"
ودخلت حجرة جانبية أخبرني أستاذي أنها تستريح على سرير فيها فوجدت فتاة رقيقة في الرابعة عشر من عمرها (قمر 14) ترقد على تروللى الإسعاف وتسبح !

وإذا بكل تعبي ورغبتي في العودة لمنزلي تتبخر، ويحل محلها اعجاب بهذه الطفلة (أقصد الآنسة الصغيرة)
تحدثت مع أمها و خالتها وعرفت أنها تحت العلاج منذ عام، وأن المرض منتشر وغاية فى الشراسة وكيف أنها مع كل هذا الابتلاء ألا أنها صابرة وتخفف عنهم!
ودخلت سارة المستشفى ومن قبل إنهاء إجراءات الدخول وكانت قد غزت هى ووالدتها قلبى...
كان المرض يأكل عظامها وكانت تبكي ألما وتمسح دموعها قبل أن تراها أمها
وكنت أدخل حجرتها لأراها فأجدها تصلى في سريرها وأقف أتأملها وأفكر...
أين الذين هم عن صلاتهم ساهون من هذه الصغيرة؟
أحضرت لي أمها فى يوم صورة وقصاصات من الصحف لأراها، الصغيرة كانت الأولى على المحافظة في الشهادة الإعدادية و كانت بسم الله ما شاء الله آية فى الجمال، بنت تتمناها كل أم...بالتأكيد بلا مرضها!
قالت لى و عبراتها تخنقها:
أختها الأصغر ولدت فى نفس تاريخ مولدها بعد عشر سنوات و كأنها هدية من الله لي لتكون عوضا لى عن "سارة" فى يوم من الأيام.
ثمانية أشهر كاملة عشت معها آلامها وأوجاعها، عشت معها عندما كانت تنزف بلا انقطاع وعشت معها عندما صارت لا تستطيع أن تتبول، وأراد زميلى وقتها تركيب قسطرة وكانت واهنة ضعيفة وبكت وكنت فى إجازة إمتحانات و نزلت من بيتي وأسرعت إلى المستشفى لأطمئن عليها.
فى منتصف الليل...دخلت حجرتها وربّت على كتفها فنظرت لي وابتسمت
أحيانا كنت لا أجد الأدوية المسكنة لها وكانت فى النهاية على (المورفين)
فكنت أدخل لأساتذتى وما أن أبدأ في الكلام عنها حتى أنهار باكية وأبكيهم فيصرخون:
"يا بنتي بس قولي عاوزة إيه و مش عاوزين نعرف ليه"
شهر رمضان كانت فى نزعها الأخير ومع ذلك أتمت حبيبتى قراءة القرآن الكريم.
أتعلمون؛ أهدتنى كتاب "لا تحزن" وكتبت لى إهداء رقيقا مثلها وكأنها كانت تعلم أنها راحلة وتطلب منى ألا أحزن، وكيف لي أن لا أحزن!

عروس زفّت إلى السماء

كانت تصلي يا من تترك الصلاة

ختمت القرآن يا هاجر القرآن

صبرت واحتسبت يا من تتأفف وأنت غارق في النعم

سبحت لله بدلا من أن تصرخ...آااه

بعد وفاتها بشهر جاءت والدتها لتعطينى الأدوية التى تبقت معها ليستفيد منها مرضى آخرون...
عندما رأتني بكت وأنا بكيت واحتضنتنى واحتضنتها و نسيت كل من حولي في المستشفى وتذكرتها هي فقط ولن أنسها أبدا بتقواها، بعفتها، بطهارتها، ببراءتها، وبصبرها، وبجلدها...

يا الله!
رحمك الله يا صديقتي، يا أختي، يا مريضتي، يا حبيبتي.

بقلم
دكتورة:
#هبة_خفاجي رحمها الله
#طبيبة_الغلابة
#دينامو_الخير
اللهم ارحمها واغفر لها وارفع درجتها في الفردوس الأعلى واربط على قلب أمها يا رب.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
📖 *في خير و عافية.*
❂:::ـــــــــــــ✺ـــــــــــــ:::❂
❐ تقول إحداهن : *كنت في المطبخ أقضي بعض الأعمال في وقت متأخر ،*
فدخل عليَّ أخي وقال لي : *دائمًا وأنتِ في المطبخ !!*
فقلت له في ضجر : *لأنك ما دعوت الله لي في ليلة القدر أن يعتقني من المطبخ !!!*

*ثم سكتُّ !!! ودار في فكري قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : دعوت الله أن أتفرغ وأحفظ القرآن ولم أقل ، وأنا في خير وعافية فلم أحفظه إلا في السجن !!*

*فخفت من هذه الدعوة التي طلبتها من أخي !!*

قلت : *لعلها لو أستجيبت أن أصير معاقة فأعتق من عمل المطبخ !!!*

ثم تداركت الأمر بسرعة وقلت : *يعتقني منه وأنا في خير وعافية ..*

❖ ثم نبهت بعض طالباتي حول هذه النقطة وقلت لهن : *من أرادت أو من أراد الدعاء بشيء ، فليقيدها بخير وعافية .*

*وذكرت لهن قصة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وموقفي الذي حصل بالأمس .*

❖ فداخلتني إحدى الطالبات قالت : *نعم هناك امرأة أعرفها !!!*
كانت دائمًا تقول : *يارب أرزقني ثلاثة مليون تأتيني بدون عمل ولاتعب ، وأنا جالسة في بيتي !!!*
فقالت : *والله مرَّ زمان على دعوتها وجاءتها ثلاثة مليون هكذا بغير تعب !!!*
*وذلك عندما قُتِلَ ولدها ، جاؤها بالدية ثلاثة مليون !!*

❖ *لهذا أحببت التنبيه على هذا الأمر ، فمن دعا فليدعُ بالخير والعافية ..*

❖ فمن أراد المال فليقل :
*أرزقنيه ، وأنا في خير وعافية في ديني ودنياي .*

❖ ومن أراد الزوجة فليقل :
*زوجة صالحة تعينني على أمر الدنيا والآخرة يارب.*

❖ وكذا المرأة تقول : *زوجًا صالحًا يعينني على أمر الدين والدنيا يارب.*

❖ *كن فَطِناً في دعائك وعلقه دائمًا بالعافية والخير .*

*فإنك لاتدري لعل ماتريده هو شر لك.*
يقول تعالى : *﴿ وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا ﴾.* ( الإسراء : ١١ )

🤲 *اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم نسألك من الخير كله عاجله وآجله ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ..*

•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
🌦 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ

💎💎💎🌴💎💎💎
قصة(المثل الاعلي)

🍃قصة حقيقية 🍃
من مشاكل بريد الجمعة للكاتب
🍃عبد الوهاب مطاوع 🍃(رحمه الله)

أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري نشأت بين أبوين طيبين مكافحين وأنا أصغر اخوتي حيث تكبرني اختان ثم الأخ الأكبر‏.‏وكان والدي موظفا حكوميا صغيرا بمدينتنا القريبة من القاهرة وتفتحت عيناي للحياة فوجدت كل شيء في محيط أسرتنا يدور حول محور أخي الأكبر الذي يتقدم في الدراسة بنجاح وتتعلق به آمال أبي في ان يراه ذات يوم رجلا له شأن‏.‏ فاعتدت منذ صغري احترام شقيقي هذا ورضعت حبه مع لبن أمي‏,‏ ورأيت أبي لا يكف عن الإشادة باجتهاد أخي وجديته ورجولته المبكرة ويدعوني أنا وشقيقتي لاتخاذه مثلا أعلي لنا في الحياة‏,‏ ويوما بعد يوم أثبت أخي لأبيه أنه عند حسن ظنه به بالفعل فحصل علي الثانوية العامة بمجموع كبير‏,‏ ورشحه مكتب التنسيق للالتحاق بإحدي كليات القمة
‏,‏ وأشفقت أمي علي أبي من احتمال نفقات الدراسة المكلفة في هذه الكلية وتساءلت‏:‏ كيف ستواجهها الأسرة‏,‏ ومرتب ابي لا يكاد يكفي للنفقات الضرورية فإذا بالجواب يجيء من شقيقتي الوسطي التي تلي هذا الأخ في السن‏,‏ فتعلن لأبي انها لا ترغب في مواصلة الدراسة
لأنها لا تميل إليها وتفضل أن تعمل بالشهادة الإعدادية لتساعده في نفقات الحياة‏,‏ وحاول أخي الأكبر للأمانة إقناعها بالاستمرار في الدراسة‏,‏ مؤكدا انه سيتدبر امره في القاهرة حين يلتحق بكليته لكنها أصرت علي قرارها‏,‏ وبالفعل توقفت اختي عن الدراسة التي لم تكن موفقة فيها ونجح أبي في إلحاقها بوظيفة مؤقتة في المصلحة الحكومية التي يعمل بها بمرتب بسيط‏,‏ ونجحت هي في العثور علي عمل كسكرتيرة بعيادة أحد الأطباء بعد الظهر‏,‏ والتحق أخي بكليته‏,‏ واراد ابي ان يترفق باختي فاكتفي بمساهمة اختي بمرتبها من الوظيفة الصباحية في نفقات الأسرة‏,‏ وترك لها أجرها عن الوظيفة المسائية لتنفق منه علي نفسها وتدخر بعضه لجهازها حين يجيء ابن الحلال‏,‏ وشدت الأسرة الأحزمة علي بطون أفرادها لكي توفر لأخي نفقات الدراسة‏,‏ وراح ابي يتنقل من عمل اضافي الي آخر ليزيد دخله ويشتري للابن الأكبر الملابس اللائقة وادوات الدراسة والكتب الغالية‏.‏ وكل ذلك ونحن سعداء ونحلم باليوم الذي سيتخرج فيه شقيقنا ويحقق آمال الأسرة فيه‏,‏ ولم يخيب أخي ظنوننا فقد راح ينتقل من سنة إلي أخري بنجاح‏,‏ وكلما رجع إلينا في الإجازات انحني علي يدي أبي وأمي يقبلهما‏,‏ واحتضن شقيقتي الوسطي والصغري‏,‏ وقبل رأسي وأكد للجميع اعتزازه بهم واعترافه بفضلهم عليه‏..‏
وحصل شقيقي علي شهادته المرموقة وادي الخدمة العسكرية وعين في وظيفة ممتازة وتخففت الحياة في أسرتنا من بعض جفافها وشدتها‏,‏ وسعد أبي بما حققه أخي سعادة طاغية‏,‏ غير أن سعادته هذه لم تطل كثيرا إذ توفاه الله فجأة وهو عائد من عمله المسائي وبكيناه كثيرا وكان أكثرنا حزنا عليه أخي الأكبر‏.‏
وكنت عند وفاة أبي استعد لدخول امتحان الشهادة الإعدادية‏,‏ فتزلزلت حياتي‏,‏ وكانت النتيجة أن فشلت في الامتحان واستاء لذلك اخي الأكبر وعنفني بشدة ووعدته بأن أبذل اقصي جهدي في السنة المقبلة‏,‏ وفعلت ذلك بالفعل ودخلت الامتحان ونجحت فيه بمجموع ضعيف‏,‏ ولم يعد من سبيل امامي سوي اختصار طريق التعليم والالتحاق بمدرسة متوسطة‏..‏ وغضب مني أخي لذلك كثيرا وخاصمني بعض الوقت‏,‏ لكنه نسي غضبه بعد فترة‏,‏ حين استعطفته أمي علي‏,‏ ومضت الأيام بنا ونحن نتدبر حياتنا بصعوبة بمعاش أبي ودخل اختي الوسطي‏,‏ ثم جاء عريس لها وقبلت به لأنه زميلها في العمل فرفضت امي ان توافق عليه قبل ان يرجع اخي ويقرر ما يراه في شأنه‏.‏ وبعد بعض المداولات وافق عليه اخي وهو كاره لأن وظيفته صغيرة ومرتبه ضئيل وشهدت هذه الفترة من حياتنا بعض المشاكل العائلية‏,‏ فلقد اشتكت اختي من سوء معاملة أخي لخطيبها‏..‏ وقالت انه يتكبر عليه ويشعره بأنه غير كفء لمصاهرته‏,‏ لكن الأمور مضت في طريقها في النهاية‏,‏ وتزوجت اختي بإمكانات بسيطة وشعرت ببعض المرارة تجاه أخي لأن مساعدته لها كانت اقل مما قدمته هي له‏,‏ ودافع هو عن نفسه بأنه مازال في بداية مشواره وأيدته أمي في ذلك ونهت أختي عن الشكوي‏.‏ اما اختي الصغري فقد واصلت تعليمها حتي حصلت علي الثانوية العامة والتحقت بمعهد فوق المتوسط بمدينتنا وفي هذه الأثناء فاجأنا أخي الأكبر بأنه قد تقدم الي زميلة له في العمل من أسرة عالية المستوي‏,‏ دون أن يصطحب أمه وأخوته معه في طلب يدها‏,‏ مكتفيا في ذلك بقريب لنا من بعيد يعمل بالقضاء‏!.‏
وحزنت أمي لتجاهلها في هذه المناسبة التي كانت تترقبها لتسعد بها وشعرت شقيقتاي بالمرارة والإهانة‏.‏ أما أخي فإنه لم يزد علي أن قال في ضيق إنه فعل ذلك لكي يوفر علينا مشقة السفر للقاهرة‏!.‏
لكن الإشارة لم تخف علي أحد‏,‏ وأحسسنا جميعا أن شقيقنا الأكبر الناجح لا يرانا لائقين اجتماعيا لمصاحبته في خطبة فتاة من أسرة راقية‏..‏
وأكدت الأيام لنا بعد ذلك توجساتنا فلقد مضي في بقية الخطوات بغير أن يدعونا لمشاركته فيها‏,‏ إلي أن حل موعد الزفاف‏,‏ فدعانا إليه‏,‏ ورأينا مسكن الزوجية الذي كان قد حصل عليه قبل عامين لأول مرة وشهدنا أثاثه الجميل‏,‏ وعرفنا أنه يعمل بمكتب مهني بعد الظهر‏,‏ وان الله قد اكرمه علي اجتهاده ويسر له طريقه‏,‏ وذهبنا الي حفل الزفاف فوجدنا انفسنا فيه غرباء لا نعرف احدا ولا يعرفنا احد وانزوينا في ركن من الصالة في خجل وانتهي الزفاف وسافرنا في الليل عائدين الي مدينتنا‏,‏ ورجع أخونا وعروسه الي مسكن الزوجية‏..‏
ومضت الأيام فلاحظت امي تباعد زيارات اخي لنا‏..‏ وتعمده أن يجيء وحيدا بدون زوجته كل مرة‏,‏ كما لاحظت أيضا أنه قد كف يده عن مساعدتها بأي مبلغ بحجة أنه مدين ببعض ديون الزواج‏..‏
ومضت الأيام في طريقها فأصبح العام الطويل يمضي دون ان يجيئنا أخي مرة واحدة‏,‏ ودون أن يسأل عنا‏,‏ وأصبحت الصلة الوحيدة بيننا وبينه هي المكالمة التليفونية كل شهرين أو ثلاثة‏,‏ وحصلت أختي الصغري علي شهادتها فوق المتوسطة وأكرمها ربها بالعمل وبدأت تساعد نفسها‏,‏ ثم جاءها خاطب مناسب فطلبت مني أمي الاتصال بأخي ودعوته للحضور لمقابلة الخطيب والتفاهم معه‏,‏ واتصلت به في بيته‏,‏ فأجابني في ضيق بأنه مشغول ولن يستطيع الحضور قبل شهر أو شهرين وأبلغت أمي الرسالة فاكتأبت وأوصتني بألا أبلغ اختي بها‏,‏ وبعد ثلاثة أيام طلبت مني السفر الي القاهرة ورجاء أخي ان يرجع معي ليقابل خطيب اختي ولو لمدة ساعة فقط ثم يرجع لحياته مرة أخري‏,‏ وأعطتني امي عشرين جنيها لمصاريف السفر‏,‏ وركبت الأتوبيس للقاهرة وتوجهت الي بيت اخي وطرقت الباب ففتحته لي زوجته وحييتها بمرارة ففوجئت بها تسألني في تجهم من أنت؟
وصدمت للحظات لكني التمست لها العذر لأنها لم ترني سوي في يوم الزفاف‏,‏ وقدمت لها نفسي‏,‏ فرحبت بي في تحفظ وقادتني للصالون ثم اختفت داخل الشقة وجلست وحيدا انتظر لمدة نصف الساعة دون ان يظهر أحد‏,‏ واخيرا جاء اخي مرتديا البيجامة والروب ومتجهم الوجه فتهللت لرؤيته وهممت باحتضانه وتقبيله لكن جموده منعني من ذلك‏,‏ وحييته فرد التحية باقتضاب وسألني عما جاء بي فأبلغته الرسالة وأنا في قمة الحرج والارتباك فقال لي انه لم يكن هناك داع لحضوري من مدينتي لهذا الغرض وحده‏,‏ وانه سيحاول اكراما لأمنا ان يأتي بعد اسبوعين‏,‏ ثم سألني هل معك نقود للعودة؟ فأجبته بالإيجاب فنهض وقادني الي باب الشقة وهو يطلب مني ابلاغ تحياته لأمي واخوته‏,‏ وينصحني بالسفر علي الفور قبل ان تتوقف المواصلات‏!‏ وغادرت مسكنه وانا في قمة الخجل والاضطراب‏.‏
ورويت لأمي ما حدث فبكت وطلبت مني ان اسامحه‏..‏ لكني طمأنتها الي انني لست حاقدا علي أخي او غاضبا منه‏,‏ لأنه اخي في النهاية‏..‏ وفي مقام والدي مهما فعل‏.‏
وجاء أخي لمقابلة خطيب اختي الصغري‏..‏ ولم تجرؤ أمي بالرغم من كل شيء علي معاتبته علي شيء لأنها ضعيفة معه واكتفت بالترحيب به‏,‏ وانتهي الموقف بالموافقة علي الخطيب والاتفاق معه علي التفاصيل‏.‏
وتجرأت أمي فطلبت من أخي بعض المساعدة في جهاز اختي لأنها عملت قبل عدة شهور فقط ولم تدخر الكثير فأشار برأسه متجهما انه سيفعل ما تسمح به ظروفه‏.‏
وخلال فترة اعداد الجهاز ارسل اخي مساعدته وكانت مبلغا اقل بكثير مما توقعته أمي لكنها بالرغم من ذلك دافعت عنه بأن عليه مسئوليات كبيرة خاصة بعد ان انجب طفلا‏..‏ واقترضت امي واختي الصغري من كل اقاربنا‏,‏ وقامت اختي الوسطي بعمل جمعية ادخار من اجل اختها رغم ظروفها القاسية وكثرة اعبائها كأم لطفلين‏,‏ وتزوجت في النهاية وتنفسنا الصعداء وخلال ذلك كنت قد حصلت علي شهادتي المتوسطة‏..‏ والتحقت بالخدمة العسكرية وجاء تجنيدي في موقع قريب من القاهرة‏,‏ فأمضيت فترة التجنيد كلها معتمدا علي ما تعطيه لي أمي من نقود قليلة وعلي ما أحصل عليه بالعمل في مقهي بمدينتنا خلال أيام الإجازات‏,‏ ولم أفكر مرة واحدة في اللجوء الي أخي‏.‏ وفضلت اكثر من مرة حين لا اجد وسيلة مواصلات في الليل‏,‏ المبيت في محطة السكة الحديد انتظارا لقطار الصباح‏,‏ علي ان اذهب الي بيته للمبيت فيه تخوفا من احراجه او من جفاء المقابلة منه ومن زوجته وانتهت فترة الخدمة العسكرية بخيرها وشرها‏,‏ ووجدت عملا مؤقتا في مدينتي بمائة وخمسين جنيها في الشهر وحمدت الله سبحانه وتعالي علي ذلك خاصة وقد خلا بيت الأسرة علي وعلي امي بعد زواج الأخت الصغري‏,‏ واصبح معاش امي ومرتبي كافيين لنفقات الحياة‏,‏ ولقد كان من الممكن ان تستمر حياتنا هادئة لولا ان امي والأختين لا يكففن عن الشكوي من تباعد اخي الأكبر عنا‏..‏ ومرور الشهور الطويلة دون ان يسأل عنا بمكالمة تليفونية في بيت الجيران‏,‏ أو يصل رحمه معنا‏,‏ ودون ان نزوره بالطبع لأننا جميعا قد تعلمنا الدرس ووعيناه كما مرضت أمي
بالسكر والضغط والمرارة‏,‏ وقمت والحمد لله بخدمتها وعلاجها ووقف معي في كل أزمة صحية لها زوجا شقيقتي اللذان لا يتأخران عني اذا طلبتهما في اي وقت من الليل أو النهار‏,‏ ولقد اصبح لأخي طفلان عمر اكبرهما‏6‏ سنوات واصغرهما خمسة اعوام ولم نرهما الا ثلاث مرات طوال عمريهما وبعد إلحاح شديد من امي علي اخي لكي يحضرهما معه لساعات‏..‏ أما زوجته فلم تدخل بيتنا المتواضع في مدينتنا ولا بيتي اختي الوسطي أو الصغري‏,‏ والأمر الذي دعاني للكتابة اليك هو انني قد ارتبطت بفتاة متدينة من جيراننا احبتني بالرغم من ظروفي البسيطة واحببتها‏,‏ ووالدها مدرس بالتعليم ورجل متدين وفاضل وقد رحب بي مبدئيا رغم علمه بأنني لا املك شيئا ولا استطيع توفير مسكن آخر سوي مسكن أمي‏,‏ وكان شرطه الوحيد لكي يقبل اعلان الخطبة هو ان يجيء أخي الأكبر مع أمي والأختين لكي يطلب يد ابنته منه‏.‏ ووعدته بذلك واتصلت بأخي وأبلغته بما حدث فرد علي بجفاء يسألني ولماذا الاستعجال؟ ومن اين ستتوافر لك نفقات الشبكة والمهر والزواج؟‏..‏ ثم طالبني بتأجيل التفكير في الزواج نهائيا لعشر سنوات علي الأقل لكي أبني نفسي وبعدها يحق لي ان افكر فيه‏,‏ وفشلت في اقناعه بالحضور واتصلت به بعد ذلك فتحدث معي بجفاء اشد واكد لي رفضه الحضور وقال لي انني اذا كنت مصرا علي الخطبة فلأتقدم بدونه الي والد فتاتي مع انني اكدت له انني لا اريد شيئا منه سوي الحضور بسيارته الي مدينتنا لبضع ساعات يقابل خلالها والد فتاتي ويطلب يد ابنته منه‏,‏ ويشعرني بأن لي أبا اتشرف به بعد والدي يرحمه الله‏.‏
وأقسمت له أني لن أطالبه بأي شيء آخر بعد ذلك‏,‏ فأنا رجل وأعمل وقد رجعت الي العمل في المقهي في المساء كل يوم لكي أدخر ثمن الشبكة‏,‏ ووالد فتاتي لا يري في ذلك اي بأس ويقول لي ان كل عمل شريف يستحق الاحترام‏..‏ وان الكفاح في الحياة شيء جميل‏.‏
ولست أريد من اخي هذا سوي ألا يخذلني امام والد فتاتي ويشعره بأنني مقطوع من شجرة وليس لي كبير يرجع إليه ويرتبط معه بكلمة‏..‏ انني ارجوك ان تقول له انني وأمي وشقيقتي نحبه مهما بعد عنا‏,‏ وإذا كان هو لا يفخر بنا بسبب ظروفنا البسيطة التي لا ذنب لنا فيها فاننا نحن نفخر به لأنه أخونا أولا‏,‏ ولأنه ثانيا قد اجتهد وحقق لنفسه ما يستحقه ولكل مجتهد نصيب‏..‏ ونحن راضون بنصيبنا في الحياة ولا نحسده علي نصيبه منها لأنه كافح واجتهد لكي يحصل علي ما يريد لكنه لا يصح ان يتكبر علينا ويبتعد عنا لمجرد أننا بسطاء الحال‏,‏ فنحن أهله الذين يسوؤنا كل ما يسوؤه ويسعدنا كل ما يسعده‏,‏ ونخاف عليه من أي سوء لأن الدم لا يتحول الي ماء ابدا يا سيدي‏,‏ فهل تستطيع ان تقول له ذلك‏!‏ وهل تستطيع ان تقول له انني شاب ومن حقي ان ارتبط بفتاة تحبني واحبها مثلما ارتبط هو بزوجته‏,‏ ولا يحرمني من هذا الحق انني موظف بسيط الحال ولست جامعيا ومهنيا ناجحا مثله لأن لي في النهاية قلبا يخفق ويحب الخير له ولكل الناس ولا يحمل حقدا لأحد وهل تستطيع أن تقول له انه من الخير لي ولأمي ولأخوتي ان يجيء لمقابلة والد فتاتي ويتنازل عن شرط السنوات العشر‏,‏ هذا لأن فتاتي لن تنتظرني كل هذه السنين الطويلة وأعاهد الله واعاهدك انني لن اكلفه جنيها واحدا من نفقات زواجي‏!‏
ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
شقيقك الأكبر ياصديقي يتحسب لأن يضع يده في يد والد فتاتك فيصبح مسئولا من الناحية الأدبية علي الأقل‏,‏ عن وفائك أنت بما سوف يرتبط هو به معه من التزامات مادية بشأن الشبكة والمهر وما الي ذلك من شئون الزواج‏.‏ لكن ذلك لا يبرر له أبدا أن يجحد حقك عليه كشقيق أصغر له في أن يكون معك حين تطلب يد فتاتك ولا أن ينكر عليك حقك المشروع في أن يخفق قلبك بحب فتاة ترغبها وترغبك وتقبل بكل ظروفك‏,‏ وتبدي استعدادها للصبر عليك الي أن تتدبر أمرك‏,‏ فالارتباط المشروع ليس حكرا علي الحاصلين علي الشهادات الجامعية المرموقة الذين يعملون عملا مهنيا مربحا كأخيك‏,‏ وإنما هو حق لكل شاب شريف يرغب في اعفاف نفسه ويكافح بإخلاص للارتقاء بحياته ويعتمد علي طاقته وشبابه في تحقيق آماله‏,‏ ولا ينتظر من الآخرين أن يكافحوا نيابة عنه لتحقيقها له‏..,‏ ومادامت فتاتك ترغب فيك وتتفهم ظروفك ووالدها يرحب بك ويشجعك علي كفاحك فماذا يضير هذا الأخ الأكبر في أن يشرفك أمام أصهارك الجدد‏,‏ ويشعرهم بكرامتك الانسانية وعزتك العائلية في مثل هذه المناسبة الجليلة في حياتك؟
ان الانسان تشتد حاجته الي أهله في مناسبتين أساسيتين من مناسبات الحياة هما الزواج والموت‏.‏ وذوو الفضل والرحمة هم الذين ينهضون بغير دعوة لمؤازرته والوقوف الي جانبه في كل من هذين الموقفين‏..‏ وفي مثل ظروفك فإن هذه المؤازرة التي تتطلع اليها من أخيك هي مؤازرة معنوية وأدبية في المقام الأول مهما اشتدت هواجسه هو من احتمال تورطه في بعض الأعباء المالية‏,‏ اذ إنه حتي ولو صدقت هذه الهواجس بعد حين ووجد نفسه مضطرا لمساعدتك في بعض هذه الأعباء‏,‏ فماذا يقض مضجعه الي هذا الحد في ذلك‏,‏ ولقد كانت
مساعدته لأخته التي أسهمت اسهاما مباشرا في تدبير نفقات تعليمه وتخرجه في كليته المرموقة أقل كثيرا مما كان يقتضيه الوفاء والواجب العائلي أن تكون عليه مساعدته لها‏,‏ وكانت مساعدته لأخته الصغري التي تحملت مع بقية الأسرة جفاف الحياة وشد الأحزمة علي البطون لكي يصنع هو نجاحه‏,‏ أقل من القليل الذي كان يرجي منه‏,‏ فكيف ستكون اذن مساعدته لك لو اضطرته الظروف لها وأنت الرجل الذي يكافح بشرف ليتحمل مسئولياته‏..‏ وتؤكد له من الآن أنك لا تنتظر منه شيئا‏!‏
انه لو فعل ذلك‏..‏ لما كان ذلك تفضلا منه‏,‏ وانما وفاء بحقكم عليه وقد شاركتم جميعا في صنع نجاحه‏,‏ بتحملكم لقسوة الحياة سنوات عصيبة توجهت خلالها معظم موارد الأسرة إليه خلال فترة دراسته الجامعية وفيما قبل ذلك أيضا‏..‏ فما وجه العجب وقد من الله عليه بفضله في أن يعين أخا مكافحا له علي أمره ولو كان ذلك من زكاة ماله والأقربون أولي دائما بكل معروف من غيرهم‏!‏
وما هذا التعالي والجفاء والتكبر الذي يعاملكم به وكأنه قد خرق السماء طولا‏..‏ لمجرد أنه قد انتشل نفسه باجتهاده من ظروفكم البسيطة ورقي درجة من درجات السلم الاجتماعي‏!‏
وكيف تكون الأم والإخوة هم من يستشعرون هذا التكبر والغرور في أخيهم المرموق‏,‏ وهم أحق الناس بحبه واعتزازه بهم وعطفه عليهم؟ ان شقيقك هذا قد يصلح لأن يكون مثلا أعلي لكم في الاجتهاد والكفاح ومغالبة الظروف القاسية للارتقاء الي حياة أفضل‏..‏ لكنه لا يصلح أبدا لأن يكون مثلا أعلي لأي أحد في البر بالأبوين وصلة الاخوة وصلة الرحم وفضيلة التواضع والفهم الصحيح لحقائق الحياة‏,‏ ذلك انه اذا كان التكبر مذموما علي اطلاقه مع كل البشر تواضعا لله سبحانه وتعالي‏,‏ واعترافا له بأنه وحده سبحانه وتعالي من يحق له التكبر دون بقية خلقه‏,‏ فإنه علي الإخوة والأقربين ليس مذموما فقط وانما اثم كبير لأنه يمزق الرحم التي أمر الله بها أن توصل ويغرس المرارات والأحقاد في أعماق أحق البشر بصفاء نفوسهم تجاه بعضهم البعض وبتوادهم وتراحمهم وتعاطفهم‏.‏
إنني أحيي فيك صفاء قلبك تجاه أخيك بالرغم مما نالك منه من مجافاة وإبعاد‏,‏ لكني علي الناحية الأخري لا أفهم سر هذا الضعف الغريب في التعامل معه من جانب والدتك التي لم تجرؤ حتي علي معاتبته علي سوء استقباله لك حين زرته في بيته‏,‏ ولا علي تحريمه بيته عليك وعليكم جميعا وكأنما قد خرج من جلده وأصبح شخصا آخر لمجرد تحسن أحواله الاجتماعية والمادية عنكم‏,‏ ولو لامته والدتك علي هذا التجافي الذي يبديه نحوكم لما حق له أن ينكر عليها ذلك‏,‏ ولو غضبت عليه وحرمته من رضاها عنه لاستحق هذا العقاب المعنوي كل الاستحقاق ولربما نغص الاحساس بالذنب تجاهكم عليه حياته‏,‏ ورده الي الطريق القويم فتخلصوا جميعا من هذا الضعف والانكسار تجاهه‏..‏ وتعاملوا معه كما تتعامل الأم مع ابنها والأخ والأخت مع اخيهم‏,‏ ولست أطالبكم بمقاطعته‏..‏ وحاشاي أن أنصح بقطيعة رحم وانما أطالبكم فقط بمعاتبته ومحاسبته محاسبة الأخ لأخيه والأم لابنها مهما علا قدره عن مجافاته لكم وابعادكم عنه وعن طفليه وزوجته‏..‏ كما أطالبكم أيضا باشعاره باستغنائكم المادي النهائي عنه لكي تهدأ هواجسه مادام قد رضي لنفسه ذلك فلربما يعيد النظر في موقفه منكم ويطمئن قلبه الي أنكم إنما تحتاجون اليه انسانيا فقط كما يحتاج هو اليكم عسي أن يفيق من غفلته قبل فوات الأوان ويدرك أنه مهما طاول الجبال طولا فإن مصيره في النهاية اليكم والي مقابر الأسرة في مدينتكم حيث لن يقوم به وينتحب عليه ويتلقي العزاء فيه بعد عمر طال أم قصر‏..‏ سواكم‏.‏
لقد أحنقتني رسالتك هذه وما رويته فيها من مظاهر تكبر أخيك علي أقرب الناس اليه وابعاده لهم عنه ومجافاته لهم وتغطرسه عليهم‏,‏ فتساءلت أي شيء في الوجود يبرر للانسان أن يعتز بنفسه بعض هذا الاعتزاز ويستشعر الكبر والتعالي علي أهله؟
لقد روي لنا ابن القارح في رسالته الي أبي العلاء المعري التي رد عليها شاعر المعرة برسالته الشهيرة‏:‏ رسالة الغفران‏,‏ ان زاهد الكوفة ابن السماك قد دخل علي الرشيد وفي يده كوب من الماء يهم بشربه‏,‏ فسأله الرشيد أن يعظه‏,‏ فأشار السماك الي كوب الماء في يد الخليفة وقال له‏:‏ أرأيت لو قدر الله عليك العطش ثم قال لك لن أمكنك من شرب هذا الكوب إلا بنصف ملكك‏,‏ أكنت فاعلا ذلك؟ فقال الرشيد‏:‏ نعم‏,‏ فقال ابن السماك‏:‏ اشرب هناك الله‏.‏ فلما شرب قال له‏:‏ أرأيت يا أمير المؤمنين لو قدر الله عليك فقال لك لن أمكنك من اخراج هذا الكوب إلا بملكك كله أكنت فاعلا ذلك؟‏,‏ فقال الرشيد‏:‏ نعم‏.‏
فقال له زاهد الكوفة‏:‏ إذن‏..‏ فاتق الله في ملك لا يساوي إلا إخراج بعض الماء‏!‏ فاذا كان هذا ثمن ملك هارون الرشيد الذي كان يقول للسحابة الهائمة في السماء‏:‏ أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك‏,‏ فأي معجزة حققها شقيقك في حياته لكي يري في نفسه ما يدعوه الي الاستعلاء بها علي أمه وإخوته وأهله؟
ياصديقي الشاب لقد قلت لشقيقك كل مايعقل الحرج قلمك عن أن يقوله‏..‏ فإن لم يكن كل ما قيل كافيا لأن يعيده الي رشده وانسانيته‏,‏ فلن يجدي معه قول آخر‏.‏
وانصحك في هذه الحالة أن ترجو والد فتاتك الرجل المتدين الفاضل أن يتنازل عن شرط التعامل مع شقيقك هذا ويكتفي بك وبوالدتك وشقيقتيك وزوجيهما ففيهما الكفاية كل الكفاية‏,‏ اذا أبي أخوك لنفسه هذه الكرامة التي تكرمونه بها وتعلون بها من قدره أمام الآخرين‏.‏
فجزاء من يأبي لنفسه مثل هذه الكرامة‏..‏ أن يحرم منها
وحسب من يعميه غروره وتكبره عن أن يعتز بمن يعتزون به ويتشرفون بالانتساب اليه ويعتبرونه نجم الأسرة الوحيد أن يحرم نفسه بيده من مثل هذا الاحساس الانساني الثمين‏,‏ ذلك أننا في النهاية لا قيمة حقيقية لنا إلا لدي من يحبوننا ويعتزون بنا وتنطوي صدورهم لنا علي مشاعر الحب والاكبار والاعزاز‏,‏ وفيما عدا هؤلاء فلسنا بالنسبة لغيرهم سوي ذرات سابحة في فضاء الكون السحيق‏..‏ لا يشعرون شعورا حقيقيا بها ولا يفتقدونها اذا غابت‏.‏
"اشياء تدمرك نفسياً حاول التخلص منها" •

- عدم التعبير عن مابداخلك بهدوء
- كثرة المجامله على حساب نفسك
- الإهتمام بنظرة الناس لك
- مراقبة حياة الآخرين
- التركيز على ما ينقصك
- تأجيل المهام
- العزله بلا هدف
- كثرة الجلوس
- عدم إكتفاء الجسم من النوم
- مصاحبة السلبيين
ــــــــــــــــــــــ

إنها قصة أغرب من الخيال، ومع أنها طويلة، لكنها شيقة ومثيرة، مليئة بألطاف الله وعجائب صنعه، حدثت هذه القصة الرهيبة، لأحد الغواصين المهرة، ذوي المراس والخبرة، لكن إذا جاء القدر، عمي البصر ، ولم تنفع الخبرة ولم يغن الحذر.
يقول صاحب القصة: اعتدت أن أذهب مع صديقين لي للغوص والصيد مرتين في الشهر.

خرجنا كعادتنا ضحى الخميس، ووصلنا بقاربنا إلى المنطقة التي نريد عند الظهر، وكانت تبعد قرابة العشرين كيلو داخل البحر، ولشدة الأمواج أنزلنا مرساتين زيادة في الحرص، وخوفاً من انفلات القارب، تأكدنا من تثبيت المرساتين، ثم نزلنا للغوص، كان الموج قويًا، ولكن الصيد كان وفيرا، وبعد 40 دقيقه صعدنا إلى ظهر القارب للراحة.
تأكدنا مرة أخرى من ثبات المرساتين، ثم نزلنا للغطسة الثانية، كانت الساعة الثالثة والنصف تقريباً، وبعد نصف ساعة اكتشفنا أن المرساتين قد انقطعتا، وأن القارب قد ابتعد عنا، شعرنا بشيء من القلق والخطر، إلا أنني وبدون تفكير، قررت اللحاق بالقارب، ألقيت بستره الغوص واسطوانة الهواء والبندقية، وانطلقت في إثر القارب بكل سرعتي.


فإمّا القارب، وإمّا الله أعلم ماذا يمكن أن يحدث لنا، كانت الساعة الرابعة عصراً، وبعد ساعتين من السباحة المتواصلة والمجهدة، أدركت أن المهمة لن تكون سهلة، فقد بدأت المسافة بين وبينه تزداد بعداً، ومع ذلك فقد شجعت نفسي، وتابعت سيري، فهدفي لا يزال أمامي، بدأت الشمس بالغروب، والقارب يزداد بعداً، فضاعفت جهدي لعلي ألحق به، لكن سرعان ما خيم الليل، وابتلع الظلام كل أثر للقارب، وهنا توقفت أنظر وأسترجع، وألوم نفسي، وأتساءل كيف حدث كل هذا؟


نظرت إلى مدينة جدة من مكاني، فإذا أنا لا أكاد أرى منها إلا نافورتها العالية، وبعض معالمها الكبيرة، تتلألأ أضواؤها من بعيد، وتأملت نفسي، فإذا أنا وحيدٌ في عرض بحر مفتوح، بين أمواج عاتية، وظلام دامس، وبرد قارص، شعرت بحراجة الموقف، وخطورة الوضع.


وهناك! حيث لا يسمعني إلا الله، ولا يراني إلا الله، بدأت أناجي خالقي العظيم، وأدعوه أن يُخرجني من هذا المأزق العصيب، والكرب الأليم، ودعوت الله بدعاء نبيه يونس عليه السلام: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].


عسى الله أن يُخرجني كما أخرج نبيه مما هو أعظم، فتذكرت آنذاك أنه قد فاتتني صلاة العصر، فتوضأت من ماء البحر وصليت، وقرأت المعوذات وما أحفظه من أذكار الحفظ، ونفثت في يديَ ومسحت بهما كل جزء من جسمي، ولأول مرة في حياتي، أجد للوضوء والأذكار معنى غير المعنى الذي كنت أجده وأنا على اليابسة، آمنـًا مطمئنا.


وحقيقة فقد تعجبت كثيراً، كيف لم يداهمني الخوف والقلق آنذاك، كيف صمدت وظللت محتفظاً بكل هدوئي وسكينتي، وسط تلك الظروف العصيبة، فعلمت أنه ليس إلا رحمة الله ولطفه، لقد كان في قرارة نفسي، اعتقاد قويّ أن كرم الله ولطفه سيخرجني من هذه المحنة، وأن بعدي هذا سيقربه الله، وأنه سبحانه سيأخذ بيديَ حتى أصل وأنجو.


كان لابد لي أن أستمر في السباحة، فالموج عالٍ، والوقوف يعنى الغرق، كما أنني أخطأت حين تخففت من سترة الغوص، فالجو بدأ يبرد، وهي تساعد على الطفو، نظرت لنفسي وما حولي من البحر الممتد، والفضاء البعيد، سواد في سواد، شعرت أنني لا أعدو أن أكون نقطة صغيرة، لا وزن ولا حجم لها، وبدأت أستعيد يومي، وأتساءل عن صديقاي، ماذا حل بهما.


صرخت بأعلى صوتي لعلهم قريبون منى فيسمعوني، ولكن دون جدوى، رأيت أنوار بعض الصيادين من على بُعد، لكنها ما لبثت أن اختفت، كانت النافورة هي أوضح ما أرى، كما تراءى لي أحد الأبراج وبجواره مبنى كبير، فقررت السباحة في اتجاه المبنى ولكنني بعد ساعات من السباحة الجاهدة، وجدت أني لم أحقق أي تقدم، فالمسافة بيني وبينه ثابتة لا تتغير، كما تغير أثناءها اتجاه الرياح، وبدأ يأخذني نحو الميناء، حيث الخطر المحقق، نظراً لكثرة السفن العملاقة، والتي حتما ستسحقني إن دخلتُ في منطقتها، ومن سيسمع صوتي أو يراني في هذا الخضم المظلم، وبدأتُ أناجي ربي، وأصرخ بأعلى صوتي وأدعوه دعاء المضطر، وبدأت أحاسب نفسي، وأسترجع سنوات عمري، وأتساءل: أغاضب أنت علي يا ربى؟، تسابقت في رأسي الأفكار، وأصبحت في سباق مع الزمن، استشعرت أن كل لحظة هنا، لها وزنها وقدرها، وأصبحت أشعر أن كل دقيقة تمر بي، ربما تكون هي الأخيرة، فأحث نفسي على استثمارها، وأتوجه بقلبي وكُلي لربي، أستغفر وأتوب وأسترجع، وأطلب منه أن يرضى عني قبل أن ألقاه في الحياة الخالدة.


لا زالت يداي تجدف بما بقي فيها من قوة، خشية الغرق وأملاً في النجاة، ونشط عقلي يسترجع كل شريط عمري، وما قدمتُ لحياتي، وأستمر قلبي يدعوا بكل قوة، ليغسل كـل ما جنيت، ولعلي ألقى ربي بقلب سليم.
لم تهتز ثقتي برحمه ربي، لكنني بدأت أضعف، داخلني إحساس بأن لحظة الموت قد اقتربت، وأن ليلتي هذه، هي الليلة الأخيرة، بدأت أفقد قواي، وأصبح احتمال الموت قوياً، بل إني بدأت استسلم للغرق، لكن رحمة الله جعلتني استجمع ما بقي في من قوة، حين رأيت بعض الصيادين، فجاهدت للوصول إليهم، لكن دون جدوى، ثم رأيت كشافات قوية، فانبعث في نفسي الأمل، توقعت أنهم حرس الحدود، وأنهم في طريقهم إليَ، ولكنهم غيروا اتجاههم فجأة، فأصابني إحباط شديد، إلا أن خيوط الفجر أدخلت إلى نفسي الأمل من جديد، بدأ الليل ينقشع، واكتشفت أنني قد ابتعدتُ عن الشاطئ كثيرًا، وحين بدأ نور النهار يسفر، توضأت وصليت الفجر، هذا هو يوم الجمعة، وتلك ليلته، وقد مضى علي منذ بداية محنتي أربعة عشر ساعة، نظرت فرأيت من على بُعـدٍ مِدخنة محطة التحلية، فجعلتها هدفي الجديد، وفجأة رأيت صيادًا على مرأى مني، فأخذتُ أسبحُ إليه بكل قوتي، فلما اقتربت منه رأيته يرفعُ المرساة ليغادر، فصرخت بكل صوتي، فتوقف كالذي سمع صوتـًا، ولكن الموج حال بينه وبين أن يراني، فمضى في طريقه بعيداً عني، ثم رأيتُ صيادًا آخر، وكررتُ المحاولة، ومرة أخرى يحول الموجُ بيننا، فيذهب بعيداً، دون أن يراني أو يسمع صراخي، قررت أن أثبت باتجاه المحطة، حيث كان اتجاه الرياح، وسبحت بفضل الله، مدة عشر ساعات متوالية، أحرزت فيها تقدماً كبيراً، حتى أصبحت مقابل المدخنة تقريباً، ولكني عانيت خلالها الأمرين، فالشمس أحرقت رأسي وشوت جسمي، وبدلـة الغوص ضايقتني وقطّعت لحمى، ورأيت فرقاطة لحرس الحدود، فخلعت زعانفي وأخذت ألـوّح بها، وأصرخ بأعلى صوتي، ولكن كعادة الموج حال بيني وبينهم، فضاع صراخي دون أن يصل إليهم منه شيء، ثم رأيت طائرة للدفاع المدني، ولكنها كانت بعيدة عني، فلما فقدت الأمل فيهم، تابعت سباحتي، وأخذت أسابق الزمن لاستغلال ما تبقى من النهار، وعبثت بي أحلام اليقظة، فتخيلت لحظة وصولي للشاطئ، وشربي للماء البارد، وذهابي للبيت.


وازداد عطشي، فلم أعد أحتمل، فشربت بعض الماء المالح، وتذكرت قول الله: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)[الواقعة: 68 – 69 – 70].

وتذكرت نصيحة الأطباء لي بأن أُكثر من شرب الماء حتى لا تتأثر كلاي بحصى الأملاح، كما حصل معي قبل ثلاثة أسابيع، حين باغتني ألم رهيب، لم تُجد فيه أشد أنواع المسكّنات، فدعوت الله أن يلطف بي، وأن يصرف عني ألم الكلى، فلو باغتني ذاك الألم الآن، فإنه سيعني موتاً حتمياً.


ضاعفت مجهودي لكي أصل إلى الشاطئ قبل الغروب، وفجأة تحول اتجاه الرياح لضدي، فاستخرت الله، بدعاء الاستخارة المعروف، فإذا باتجاه الرياح يتغير إلى التحلية مرة أخرى، لكن الشمس بدأت بالغروب، اقتربت من التحلية، وإذا بي اسمع الأذان، لكأني أسمعه لأول مرة، الله أكبر، الله أكبر، أمل كبير برب كبير، نعم فالله أكبرُ من كل محنة، ولطفه الخفي، من وراء كل شدة، كان هذا الأذان الجميل، هو أول صوتٍ بشري أسمعه على مدى الأربع والعشرين ساعة الماضية، فكان بمثابة البشرى، أن الله الرحيم، سينجيني بلطفه الكريم، من هذا الكرب العظيم، وإن طالت معاناتي، واشتدت آلامي، توضأت وصليت المغرب، وأكملت مسيري نحو التحلية.


ومرة أخرى يتغير اتجاه الرياح، لتدفعني الأمواج من جديد نحو الداخل، بعيداً عن الشاطئ، ولتذهب هباءً، كُل جهودي منذ الفجر وحتى الآن، وأصابني الإحباط من جديد، لكن: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].


فقد حمدت الله كثيراً، حين علمت فيما بعد، أن ذلك من كريم صنع الله بي، وأنه صرف عني شراً كبيراً، فلو أني اقتربت من محطة التحلية أكثر، لدخلت في مجال شفاطاتها الضخمة، ولكان موتاً محققاً.

وهنا باغتني الشيطان، وخيل إليّ أني أسمع صوته عالياً من بين الأمواج، وأنه يقول لي مستهزئاً: لقد خذلك ربك، إنما يريد أن يعذبك ويذلك ويلعب بك، وستموت بعد ذلك لا محالة، أنظر حولي جيداً، فلا أرى ولا أسمع إلا الأمواج، تتلاطم فوق بعضها، لكنني لا أزال أتخيل أن هذا الصوت الساخر يأتي من بينها، أسرعت بالوضوء، ثم دعوت الله باسمه الأعظم، ثم قرأت المعوذات ونفثت في يديّ ومسحت كل جزء من جسدي، ثم صرخت بأعلى صوتي قائلاً: يا معين أعني، يا مغيث أغثني، ثم ختمت دعائي بالصلاة على سيد الخلق أجمعين، فإذا بي اسمع أذان العشاء، فكان سكينة لنفسي وطمأنينة.


وللمرة الثانية يداهمني الليل، وأنا أصارع أمواج البحر، ومعها أمواج الظلام والجوع والعطش، ازداد شعوري بضعفي وعجزي، وتيقنت أني لا أملك من الأمر شيئا.
ألا ما أشد ضعفك يا ابن أدم، وما أجرأك على خالقك، وأنت من أنت، وهو من هو سبحانه: “يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ “الانفطار: 6


تجمدت من البرودة، واشتدت علي القشعريرة، وأخذ كل جزء من جسمي يصرخ من الألم، وبلغ مني الإرهاق والإعياء كل مبلغ، خارت قواي، ووصلت إلى نقطة الاستسلام، استسلمت فعلاً، وأصبحت أفضل الموت على الحال التي أنا فيها، ناجيت ربي : يارب لم يعد بي من قوة، أرحمني ولو أن تأخذني إليك، تذكرت والدي وزوجتي وبناتي فدعوت لهم بالثبات والصبر، وبدأت استحضر صور الغرق، وأن الغريق في الجنة، وأتراءى نعيم الجنة وأحلم به، وأرى ما أنا فيه جحيماً لا يطاق.


رفعت رأسي ونظرت حولي نظرة أخيرة، فوجدت أني قد ابتعدت كثيرا عن اليابسة، وعلمت أن البحر يبتلعني إلى الداخل، فاستجمعت شتات فكري وقررت قراري.


استحضرت معنى الشهادتين ثم نطقت بهما، وأسلمت نفسي لله، أغمضت عيني واجتهدت في استقبال القبلة، وودعت كل ما في الدنيا، واستقبلت ربي أدعوه أن يرضى عني ويكتب لي الجنة، وأن يكون ماء البحر قد غسل ذنوبي كلها، وحمدت الله على هذه الميتة، وأني لم أمت موت الفجأة، حيث لا وقت للمراجعة والاستغفار.


قررت أن أتوقف عن السباحة حتى إذا جذبني ثقلي لأسفل، شفطت الماء لأغيب عن الوعي وينتهي كل شيء، وفعلاً توقفت عن التجديف، فبدأت أغرق، وقبل أن أشفط الماء ناداني صارخ من داخل نفسي، إنك تنتحر، وإنما هي شعرة بين حفظ النفس وقتلها، وفيها مصيرك إما إلى الجنة أو النار، فدفعت نفسي بكل ما تبقى لي من قوة، وعدت أسبح مرة أخرى، ولكن قواي ما لبثت أن خارت تماماً، ولم أعد أقوى على الحركة، لقد فتك بي البرد القارص، فأصبحت أرتجف بشدة، وأتنفس بصعوبة.. فعلمت أنها علامات النهاية، ومرة أخرى بدأت أنسحب للأسفل، وهذه المرة رغماً عني، وفجأة إذا بموجة قوية ترفعني إلى السطح، فتمكنت أن آخذ نفساً عميقاً، واستشعرت رحمة الله تحملني وترفعني، وإذا بنسمة هواء عليلة، ملئت منها رئتي، فعادت إلي روحي، ونظرت حولي فإذا بمجموعة من الدلافين تطوف بي، وتصدر أصواتً جميلة، خلت أنها صورة من صور تسبيحهم للخالق العظيم، فأدركت أن ذلك كله علامة من علامات الحياة، أرسلها الله لي في وقتها، ليعلمني أنه سبحانه سينجيني ولو بعد حين، وشعرت بلطف الله يغمرني، فبدأت أفكر بالنجاة مجدداً، رفعت رأسي فرأيت السفن من بعيد، وهي تقف طوابير، انتظاراً ليؤذن لها بدخول الميناء، فقررت السباحة نحوهم، بالرغم من علمي بخطورة ذلك، ولكن ليس لدي خيار آخر، فلعل وعسى أن أصل لأحدى تلك السفن الواقفة وأنجو، دون أن تسحقني محركاتها العملاقة، توجهت إلى أصغرها، وأخذت بالاقتراب منها، ثم بدأت أصرخ بأعلى صوتي، لعل أحداً أن يسمعني، ولكن دون فائدة، فمازلت في الثلث الأخير من الليل، تعبت مرة أخرى، ووصلت إلى نقطة الصفر من جديد، لكن الله ألهمني في هذه المرة، أن أخلع أحد الزعانف من قدمي، وأضعه كاللوح تحت صدري ورأسي، فوجدته وضعاً أفضل، لأن الماء بدأ يرفعني دون أن أجهد نفسي، ولأول مرة أجد فرصة للراحة، وسرعان ما بدأ النوم يغالبني، فأغفو لثوان قليلة، قبل أن يلطمني الموج فأستيقظ، ومع قلة الحركة ازدادت برودتي، وخشيت أن أفقد وعيي، فتكون النهاية، ثم ألهمني الله في ذلك الوقت المبارك أن أدعوه بقوله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62].


وبينما أنا على هذه الحال التي وصفت، بحر ممتد و أمواج متلاطمة، وليل حالك، وبرد قارس، وأنا بينها خائر القوى، أصارع الموت وانتفض كالعصفور، وأصّبر نفسي، وأكرر الآية السابقة: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62].


فجأة وإذا أنا بخبطة قوية في أسفل ظهري، فوضعت نظارة الغوص لأنظر، ويا لهول ما رأيت، قرش ضخم، ومن النوع الخطير، ولا تسألني عن القروش، فأنا أعرفها جيداً، ولي فيها علم وخبرة، ومن المعلوم عندي أن القرش ضعيف البصر، فهو بهذه الخبطة يختبرني، ويحدد ماهيتي، وهل أصلح أو لا، وفي لحظة واحدة، طار التعب والعطش والنوم، وعادت لي قوتي كلها، تسارعت ضربات قلبي، وعلت أنفاسي، وتدفق الدم في كل عروقي، سخن جسمي وذهبت تلك القشعريرة المؤلمة، لقد كانت تلك الضربة القوية، وذلك المنظر الرهيب، هما أفضل ما أحتاج إليه في تلك اللحظة الحاسمة، لتعود إلي روحي وقوتي، ولأواصل المقاومة بلا استسلام، ولكني ضحكت في نفسي وناجيت ربي : يارب، أهذا ما ينقصني؟ أدعوك لتنجيني، فترسل لي وحشاً فتاكاً؟ أستجديك يا ربي، بألوهيتك وربوبيتك، إن أردت يا ربي أن تأخذني إليك، فخذني قطعة واحدة، وليس قطعاً وأشلاءً من بين أنياب هذا الفك المفترس.
وعلى كثرة نزولي للغوص، فلم يحدث أن أقترب مني قرش بهذا الشكل المخيف، وبهذا الحجم الكبير، وفي ظلام الليل، ولوحدي، وبين الأمواج العاتية، رحماك ربي، بدأ القرش الضخم يحوم حولي ويقترب مني، فأخذت أحوم حول نفسي، وأتفرس فيه لأتأكد من نوعه، فلعلي أخطأت تخمينه أولاً، فخاب ظني، وتيقنت أنه هو هو، قرش ضخم لا يقل طوله عن الثلاثة أمتار، ومن فصيلة شرسة، تتميز بالقوة والذكاء.


ومرة أخرى ألجأ إلى ربي الرحيم اللطيف، وكان من عجيب أمري، أن الله ألهمني أن أدعوه لكي يسخر لي هذا الوحش الفتاك، لا أن يصرفه عني: فدعوت الله وأكثرت من الدعاء، والاستعاذة بالله، واستمر القرش يحوم حولي ويقترب مني، وازداد دعائي وتذللي لربي وخالقي، ومالك أمري، مرت ثلاث ساعات أو أكثر، ومازال القرش الضخم يحوم حولي، فأيقنت أنه لم يؤمر بأكلي، وإلا لفعل ذلك منذ البداية، فاطمأننت وهدأت نفسي قليلاً، وبدأ فجر يوم السبت ينشق، فتوضأت وصليت الفجر وأنا أحاذر من هذا الوحش، وأدعو الله أ ن يسخره لخدمتي، وأن ينجيني من هذا البحر وأهواله.


وما إن أنهيت صلاتي، حتى تفاجأت بالقرش يقترب أكثر، وبدا لي أنه يتهيأ للهجوم علي، وأيقنت أني لن أتمكن من الدفاع عن نفسي لو فعل ذلك، وأنه سيمزقني في لحظات قليلة، استجمعت كل تفكيري وشجاعتي، وقررت أن أفعل شيئاً ولا استسلم، وفكرت أن أبادره بحركة ما لعله يخاف وينصرف، شحذت كل ما تبقى لي من قوة، وقررت إن هو اقترب مني أن أقذف بجسمي كلِه عليه، لعله يتفاجأ ويهرب، ففعلت ذلك حتى أني ارتطمت به، فغاص إلى الأعماق قليلاً، ثم عاد مرة أخرى، لكأنه يقول لي: يا عبد الله: لم أؤمر بإيذائك أو أكلك، ولو أُذن لي لما أمهلتك ثانية واحدة، ولقسمتك نصفين قبل تعرف الجهة التي أتيتك منها، اطمئن فلن أؤذيك، وعاد من جديد، يحوم حولي ببطء شديد، وبطريقة لا تتناسب مع حجمه وقوته وعادته، لقد كان واضحاً أن لديه مهمة ما يؤديها، وقد تبينت فيما بعد، أن الله سخره لي كمرافق خاص يعمل لحمايتي.


وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نم فالمخاوف كلهن أمان


سبحان الله، لقد تحول هذا الوحش الضخم إلى سمكة وديعة، تحوم حولي طوال الوقت لتؤنس وحشتي، وتدفع عني غيرها، ولينسيني تعبي وجوعي وعطشي، ولأبقى يقظاً متماسك القوى.


أسفر الضياء، واتضحت الرؤية، فأصبح بمقدوري أن أتيقن مئة بالمائة، أن مرافقي الخاص ينتمي لتلك الفصيلة المتوحشة، كما أصبح بمقدوري أن أرى السفن العملاقة بوضوح، فارتفعت معنوياتي، وغمرني الأمل بالنجاة، واستجمعت طاقتي لأواصل مسيري نحوها، في هذه اللحظة الحاسمة، جاء الفرج من الله، سمعت صوت (قارب حرس الحدود)، وتوقعت في البداية أنهم لن يروني ..كما حدث معي مراراً وتكراراً، طوال الأربعين ساعة الماضية، ولكنهم في هذه المرة كانوا يتجهون نحوي ويقصدون جهتي، فلما اقتربوا مني لوحت بزعانفي كما فعلت في محاولاتي السابقة، فصاح أحدهم قائلاً: أأنت فلان، فأجبته نعم، فقال أبشر لقد نجوت، فقلت الحمد لله، اقتربوا مني وحاولوا رفعي من يدي فلم أتمكن، سقطت من شدة الإعياء، فألقوا إلي سلماً فصعدت عليه، ولكنني لم أستطع الوقوف، فسجدت لله سجدة طويلة، وباغتني النوم وأنا ساجد لله.


وقيل لي فيما بعد: لو أنك تابعت سباحتك في اتجاه الميناء، لفتكت بك القروش المتوحشة قبل السفن، حيث تتجمع بأعداد كبيرة حول سفن المواشي، والتي يكثر إلقاؤها للمواشي الميتة والمريضة، طوال فترة وقوفها الطويل لدخول الميناء، حتى سميت تلك المنطقة ببحر المواشي.


ذَهب بي حرس الحدود للمركز وقدموا لي جرعة من الماء، لم أذق في حياتي أطعم من مذاقها، لكأنها من ماء الجنة، وعلمت بعد ذلك أن المسافة التي قطعتها في الـ 40 ساعة الماضية، لا تقل عن 50 كيلاً، كما علمت أنه قد تم العثور على صديقاي صباح يوم الجمعة، من قبل مجموعة من المتطوعين فحمدت الله على نجاتهم.


ذُهب بي إلى المستشفى وأُجريت لي العديد من الفحوصات والتحليلات، وتعجب الأطباء من النتائج، ومن شدة ارتفاع معدلات الأملاح، والتي تتعذر الحياة بمثلها . ويزداد عجبي وعجبهم، حين أكتشف أن كل ما يتعلق بحصوة الكلى قد اختفى تماماً، ولم يبقى لها أي أثر، لا في التحاليل ولا في الأشعة، وظني أن الله قد شفاني منها حين دعوته وأنا في عرض البحر.


وتسألني اليوم ما الذي حدث لك؟


فأقول : لقد أراد الله بي لطفاً كبيراً، وخيراً عظيماً.


فجمعتي تلك كانت جمعة حاسمة، كانت فرقاناً بين حياتين، وستبقى فيصلاً كالسيف، بين حياتي قبلها وحياتي بعدها، فما أنا اليوم بذلك الذي كنته بالأمس، لقد نذرت لربي نذوراً كبيرة، أبسطها ألا أتكاسل عن صلاة الفجر في المسجد، وأن أسخر حياتي للدعوة إلى الله، وأن أستثمر قصتي هذه لإحياء النفوس، وتذكير الناس، والعودة بهم إلى الله، وأن أمتثل قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
2024/10/07 20:27:03
Back to Top
HTML Embed Code: