Telegram Web Link
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

- هذه إجازة شيخ قرّاء الديار المصرية ورئيس لجنة مراجعة المصحف في عصره علي الضبَّاع لخليفته في المنصب محمود خليل الحصري .

- واللافتُ في نصّ الإجازة أنّ الشيخ الحصري كان صوفيًّا ، شاذلي الطريقة ، وقد قرأ بالقراءات العشر الكُبرى من طريق "طيبة النشر" على رئيس لجنة مراجعة المصحف : عبد الفتاح القاضي النقشبندي طريقةً ، فالطرق الصوفية منتشرة بين أهل القرآن أهل الله وخاصته .

- فمن قبلهما كان شيخ قرّاء الديار المصرية : محمد المتولّي الخَلوتي طريقةً .

- ومن قبله شيخ قراء الديار المصرية : إبراهيم العبيدي الأحمدي طريقةً .

- ومن قبله أستاذه : عبد الرحمن الأجهوري الخلوتي طريقةً .

- ومعهم صاحب "تحفة الأطفال" سليمان بن حسين الجمزوري الشاذلي طريقةً .

- ومن المتأخرين حجّة القراءات والإقراء : محمد إبراهيم سالم البيّومي طريقةً .

- ومنهم شيخ القراءات في الشام : شكري اللحفي الشاذلي طريقةً .

- وكان إمام المقرئين أجمع : محمد ابن الجزري مسنداً بالطرق الصوفية الثلاثة : الأحمدية والقادرية والسهروردية كما صرّح به في كتابه "مناقب الأسد" .

- ثم لنا ههنا وقفتان :

- أما الأولى : فينبغي أن يُعلَم أنّ جميعهم كانوا على طريقةٍ حميدةٍ في التصوّف ، لم يُنقَل عنهم شطحٌ ولا حلولٌ ، إذ لو عُرفَ لطارت الألسن بذكر ذلك ، ولُقدح في عدالتهم ، ولمَا رُوي القرآن من جهتهم ، فلمَّا كان ذلك النقل معدوماً ؛ علمنا موافقة هذه الطرق إلى ما عليه الأشاعرة أهل السنة والجماعة ، وأما الشطح ؛ فمنبوذ عند الجميع باتفاق .

- وأما الثانية : فلا يلزمُ من انتساب هؤلاء العلماء لهذه الطرق وجوب الانتساب لها ، وإلا كان تركُ غيرهم من المقرئين لها مذمّةً ومنقصةً ، فثبتَ أن الانتساب أو تركه كلاهما صحيح ، فلا الترك مذموم ، ولا الانتساب ضلالة .

- كما أنّ بعض المقرئين انتسب إلى التصوّف دون أن تُعرَف له طريقة ؛ كشيخ الإسلام زكريّا الأنصاري ، ومسند الديار المغربية قاطبة ابن عاشر الفاسي .

- ثم نزيد وقفةً ثالثةً فنقول : يبالغ بعض الصبيان المتحمّسين في ردّ كل ذلك بقوله : ( كانت البدع والجهالات والضلالات منتشرة في تلك الأزمنة ، وقد تأثر هؤلاء العلماء بها ) ، وهذا والله عجب عجاب وتهبيب هباب ، فهؤلاء منارات الهدى وأئمته ، أنَّى لهم أن ينجرّوا وراء ضلالات أصحاب الحانات والخمّارات ، بل هم العلماء الأحبار الراسخون الذين يُهتدَى بهم لا العكس ، وإنما هذا الصبي الأحمق قد جعلَ هؤلاء الأعلام غايةً في الجهالة وانعدام الفهم على أصل فهمه المنعدم ، والله المستعان .
منقول عن الدكتور حسان شمسي باشا
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

قال ابن مودود الموصلي - عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي في الاختيار لتعليل المختار بعد بيان أحكام الحج:
فصل
في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -


ولما جرى الرسم أن الحجاج إذا فرغوا من مناسكهم وقفلوا عن المسجد الحرام قصدوا المدينة زائرين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ هي من أفضل المندوبات والمستحبات ، بل تقرب من درجة الواجبات ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - حرض عليها ، وبالغ في الندب إليها فقال : " من وجد سعة ولم يزرني فقد جفاني " وقال - عليه الصلاة والسلام - : " من زار قبري وجبت له شفاعتي " وقال - عليه الصلاة والسلام - : " من زارني بعد مماتي فكأنما زراني في حياتي " إلى غير ذلك من الأحاديث ، ثم رأيت أكثر الناس غافلين عن آدابها ومستحباتها ، جاهلين بفروعها وجزئياتها ، أحببت أن أذكر فيها فصلا عقيب المناسك من هذا الكتاب أذكر نبذا من الآداب فأقول :

ينبغي لمن قصد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكثر الصلاة عليه ، فقد جاء في الحديث أنه يبلغه ويصل إليه ، فإذا عاين حيطان المدينة يصلي عليه، ويقول : اللهم هذا حرم نبيك ، فاجعله وقاية لي من النار ، وأمانا من العذاب ، وسوء الحساب ، ويغتسل قبل الدخول أو بعده إن أمكنه ، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه فهو أقرب إلى التعظيم ، ويدخلها متواضعا عليه السكينة والوقار ويقول : بسم الله ، وعلى ملة رسول الله ، رب أدخلني مدخل صدق إلى آخر الآية ، اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، واغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك ; ثم يدخل المسجد فيصلي عند منبره - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ، يقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن ، فهو موقفه - صلى الله عليه وسلم - وهو بين قبره ومنبره . قال - عليه الصلاة والسلام - : " بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي " ثم يسجد شكرا لله تعالى على ما وفقه ويدعو بما أحب ; ثم ينهض فيتوجه إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - فيقف عند رأسه - صلى الله عليه وسلم - مستقبلا للقبلة ، يدنو منه قدر ثلاثة أذرع أو أربعة ، ولا يدنو منه أكثر من ذلك ، ولا يضع يده على جدار التربة فهو أهيب وأعظم للحرمة ، ويقف كما يقف في الصلاة ، ويمثل صورته الكريمة البهية - صلى الله عليه وسلم - كأنه نائم في لحده ، عالم به يسمع كلامه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى علي عند قبري سمعته " وفي الخبر : " أنه وكل بقبره ملك يبلغه سلام من سلم عليه من أمته " ، ويقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا نبي الرحمة ، السلام عليك يا شفيع الأمة ، السلام عليك يا سيد المرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا مزمل ، السلام عليك يا مدثر ، السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن قومه ، ورسولا عن أمته ; أشهد أنك قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وأوضحت الحجة ، وجاهدت في سبيل الله ، وقاتلت على دين الله حتى أتاك اليقين ، فصلى الله على روحك وجسدك وقبرك صلاة دائمة إلى يوم الدين .

يا رسول الله ، نحن وفدك ، وزوار قبرك ، جئناك من بلاد شاسعة ، ونواح بعيدة ، قاصدين قضاء حقك ، والنظر إلى مآثرك ، والتيامن بزيارتك ، والاستشفاع بك إلى ربنا ، فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا ، والأوزار قد أثقلت كواهلنا ، وأنت الشافع المشفع ، الموعود بالشفاعة والمقام المحمود ، وقد قال الله تعالى : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) وقد جئناك ظالمين لأنفسنا ، مستغفرين لذنوبنا ، فاشفع لنا إلى ربك ، وأسأله أن يميتنا على سنتك ، وأن يحشرنا في زمرتك ، وأن يوردنا حوضك ، وأن يسقينا كأسك غير خزايا ولا نادمين ، الشفاعة الشفاعة يا رسول الله ، يقولها ثلاثا : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) الآية .

ويبلغه سلام من أوصاه فيقول : السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان ، يستشفع بك إلى ربك فاشفع له ولجميع المسلمين ; ثم يقف عند وجهه مستدبر القبلة ، ويصلي عليه ما شاء .

ويتحول قدر ذراع حتى يحاذي رأس الصديق - رضي الله عنه - ويقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار ، السلام عليك يا رفيقه في الأسفار ، السلام عليك يا أمينه على الأسرار ، جزاك الله عنا أفضل ما جازى إماما عن أمة نبيه ، ولقد خلفته بأحسن خلف . وسلكت طريقه ومنهاجه خير مسلك ، وقاتلت أهل الردة والبدع ، ومهدت الإسلام ، ووصلت الأرحام ، ولم تزل قائلا الحق ، ناصرا لأهله حتى أتاك اليقين ، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته ; اللهم أمتنا على حبه ، ولا تخيب سعينا في زيارته برحمتك يا كريم .
ثم يتحول حتى يحاذي قبر عمر - رضي الله عنه - فيقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا مظهر الإسلام ، السلام عليك يا مكسر الأصنام ، جزاك الله عنا أفضل الجزاء ، ورضي عمن استخلفك ، فلقد نصرت الإسلام والمسلمين حيا وميتا ، فكفلت الأيتام ، ووصلت الأرحام ، وقوي بك الإسلام ، وكنت للمسلمين إماما مرضيا ، وهاديا مهديا ، جمعت شملهم ، وأغنيت فقيرهم ، وجبرت كسرهم ، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول : السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله ورفيقيه ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام في الدين ، والقائمين بعده بمصالح المسلمين ، جزاكما الله أحسن جزاء ، جئناكما نتوسل بكما إلى رسول الله ليشفع لنا ونسأل ربنا أن يقبل سعينا ، ويحيينا على ملته ، ويميتنا عليها ، ويحشرنا في زمرته ; ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولمن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين .

ثم يقف عند رأسه - صلى الله عليه وسلم - كالأول ويقول : اللهم إنك قلت وقولك الحق ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ) الآية ، وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك ، مستشفعين بنبيك إليك ، ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان - الآية ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) الآية ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( 180 ) ) إلى آخر السورة ، ويزيد في ذلك ما شاء وينقص ما شاء ، ويدعو بما يحضره من الدعاء ويوفق له إن شاء الله تعالى .

ثم يأتي أسطوانة أبي لبابة التي ربط نفسه فيها حتى تاب الله عليه وهي بين القبر والمنبر ، ويصلي ركعتين ويتوب إلى الله تعالى ويدعو بما شاء ; ثم يأتي الروضة وهي كالحوض المربع ، وفيها يصلي أمام الموضع اليوم ، فيصلي فيها ما تيسر له ، ويدعو ويكثر من التسبيح والثناء على الله تعالى والاستغفار ; ثم يأتي المنبر فيضع يده على الرمانة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع يده عليها إذا خطب ليناله بركة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويصلي عليه ويسأل الله ما شاء ، ويتعوذ برحمته من سخطه وغضبه ; ثم يأتي الأسطوانة الحنانة ، وهي التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تركه وخطب على المنبر ، فنزل - صلى الله عليه وسلم - فاحتضنه فسكن ، ويجتهد أن يحيي ليله مدة مقامه بقراءة القرآن ، وذكر الله تعالى ، والدعاء عند المنبر والقبر وبينهما سرا وجهرا; ويستحب أن يخرج بعد زيارته - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع ، فيأتي المشاهد والمزارات ، خصوصا قبر سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه ، ويزور في البقيع قبة العباس وفيها معه الحسن بن علي ، وزين العابدين وابنه محمد الباقر وابنه جعفر الصادق ، وفيه أمير المؤمنين عثمان ، وفيه إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماعة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمته صفية وكثير من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - ويصلي في مسجد فاطمة - رضي الله عنها - بالبقيع .

ويستحب أن يزور شهداء أحد يوم الخميس ، ويقول : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، سلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص . ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت ، كذا ورد عنه - عليه الصلاة والسلام - ويدعو : يا صريخ المستصرخين ، يا غياث المستغيثين ، يا مفرج كرب المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، صل على محمد وآله ، واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك حزنه وكربه في هذا المقام ، يا حنان يا منان ، يا كثير المعروف ، يا دائم الإحسان ، يا أرحم الراحمين .


الجزء الأول من " الاختيار لتعليل المختار " [ ص237 _240 ]
قال الإمام البيهقي رحمه الله:

يجب أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف وبلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنُقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: ﴿ليس كمثله شىء﴾، وقال: ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾، وقال: ﴿هل تعلم له سميا﴾
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

وحقيق على من جالس عالماً أن ينظر إليه بعين الجلال، وينصت له عند المقال، وأن تكون مراجعته له تفهّماً لا تعنّتاً ؛ وبقدر إجلال الطالب للعلم ينتفع بما يفيد من علمه
وَكَانَ الله فِي أَزَلِهِ قَبْلَ خَلْقِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا زَمَانَ.

قال الإمام أبو عبد الله القرطبي (ت671هـ) في تفسيره: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِیَ تَمُورُ﴾ [الملك ١٦]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَأَمِنْتُمْ عَذَابَ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ. وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ قُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ وَعَرْشُهُ وَمَمْلَكَتُهُ. وَخَصَّ السَّمَاءَ وَإِنْ عَمَّ مُلْكُهُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ الَّذِي تَنْفُذُ قُدْرَتُهُ فِي السَّمَاءِ لَا مَنْ يُعَظِّمُونَهُ فِي الْأَرْضِ. وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ. وَقِيلَ: إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب.
قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَأَمِنْتُمْ خَالِقَ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ كَمَا خَسَفَهَا بِقَارُونَ.....
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: أَمِنْتُمْ مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ، كَقَوْلِهِ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ(٢) [التوبة: ٢] أَيْ فَوْقَهَا لَا بِالْمُمَاسَّةِ وَالتَّحَيُّزِ لَكِنْ بِالْقَهْرِ وَالتَّدْبِيرِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَمِنْتُمْ مَنْ عَلَى السَّمَاءِ، كقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ(٣) [طه: ٧١] أَيْ عَلَيْهَا. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُدِيرُهَا وَمَالِكُهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ، أَيْ وَالِيهَا وَأَمِيرُهَا. وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، مُشِيرَةٌ إِلَى الْعُلُوِّ، لَا يَدْفَعُهَا إِلَّا مُلْحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ مُعَانِدٌ. وَالْمُرَادُ بِهَا تَوْقِيرُهُ وَتَنْزِيهُهُ عَنِ السُّفْلِ وَالتَّحْتِ. وَوَصْفُهُ بِالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ لَا بِالْأَمَاكِنِ وَالْجِهَاتِ وَالْحُدُودِ لِأَنَّهَا صِفَاتُ الْأَجْسَامِ. وَإِنَّمَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ السَّمَاءَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَمَنْزِلُ الْقَطْرِ، وَمَحَلُّ الْقُدُسِ، وَمَعْدِنُ الْمُطَهَّرِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَيْهَا تُرْفَعُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَفَوْقَهَا عَرْشُهُ وَجَنَّتُهُ، كَمَا جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ قِبْلَةً لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَمْكِنَةَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا، وَكَانَ فِي أَزَلِهِ قَبْلَ خَلْقِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا زَمَانَ.
تفسير القرطبي رحمه الله تعالى.

وقال أيضا الإمام أبو عبد الله القرطبي (ت671هـ) في الأسنى في شرح الأسماء الحسنى:

قال القاضي الباقلاني: بَابٌ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قِيلَ لَهُ: الأَيْنُ سُؤَالٌ عَنِ المَكَانِ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ أَقْطَارٌ، غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ، لَا عَلَى مَعْنَى كَوْنِ الجِسْمِ عَلَى الجِسْمِ بِمُلَاصَقَةٍ وَمُجَاوَرَةٍ، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ البَرِّ، وَأَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الأَنْدَلُسِيِّينَ، فَمَنْ تَأَوَّلَ عَلَى أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ البَرِّ أَوْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ وَالاسْتِذْكَارِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُسْتَقِرٌّ عَلَى عَرْشِهِ اسْتِقْرَارَ الجِسْمِ عَلَى الجِسْمِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَتَقَوَّلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ، وَحَسِيبُهُ اللهُ. اهـ.

وقال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى:

يجب أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف وبلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنُقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: ﴿ليس كمثله شىء﴾، وقال: ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾، وقال: ﴿هل تعلم له سميا﴾
هل ينفع الميت بعد موته؟؟
من كلام شيوخ النابته
يقول ابن القيم في كتاب الروح ص114 طبعة دار الفجر وص 82/81 طبعة بيروت .
إن الولي ينفع بعد موته وهو في قبره فقال :-
(روي ابن ابي الدنيا أنه مات رجل من أهل المدينة فرآه رجل كأنه من اهل النار وبعد ساعة او ثانية رآه كأنه من اهل الجنة فقال الم تقل إنك من أهل النار قال بلى ولكن دفن معنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه فكنت أنا واحدا منهم )

وفي ص 83 طبعة بيروت قال ( روح الولي في الدار الاخرة تهزم الجيوش الكثيرة )
ويقول أيضا إن الولي يدرّس وهو ميت وذكر أن ابن تيمية حل مسألة في الميراث وهو ميت .
هذا ذكره البزاز تلميذ ابن تيمية في كتابه الاعلام العلية وفي ص 9 من الروح طبعة الفجر ( إن الاموات عامة يعرفون ويسمعون من يزورهم ويتكلم معهم ولو كانو كفارا وذكر حديث الصحيحين اي حديث قليب بدر .
ثم قال وثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:-( إن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له اذا انصرفوا منه) -متفق عليه -
ثم قال ابن القيم والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي ويستبشر به .
* يقول ابن تيمية إن الولي له كرامات بعد موته وينفع بعد موته ففي كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص 42 يقول :
(وكذلك يصدق المسلم ما يذكر من كرامات وخوارق العادات التي يجريها الله عز وجل عند قبور الانبياء والاولياء والصالحين مثل نزول الانوار والملائكة عندها وتوخي الشياطين لها واندفاع النار عنها وعمن جاورها وحصول الانس والسرور عندها ونزول العذاب بمن استهان بها وشفاعة بعضهم في جيرانهم من الموتي ) اه
* أما ابن عبدالوهاب النجدي فإنه يقول أن الولي ينفع بعد موته ففي ص 17/16 من كتابه أحكام تمني الموت يقول: ( روي أبو نعيم: - أدفنوا موتاكم وسط قوم صالحين )
وفي ص 56 يثبت تصريف الاولياء بعد موتهم وكراماتهم كذلك .
ومنها أن الولي بعد موته يأتى بالمطر إلى أرض بشة باليمن وذلك الولي هو جعفر الطيار رضي الله عنه .
وفيه أيضا أن الولي يتكلم من داخل القبر فذكر قصة ذكرها ابن كثير في تفسيره سورة الاعراف وذكرها الكاندهولي في حياة الصحابة رضوان الله عليهم في الكرامات وهي طويلة وفي اخرها - فاجابه الفتي من داخل القبر لقد آتانيها ربي في الجنة مرتين -فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه لك جنتان لك جنتان .
* وفيه في ص 47/46 :-
الولي يري ويسمع في قبره: ( روي الحاكم واحمد ان السيدة عائشة رضي الله عنها وعن ابيها كنت ادخل البيت وأقول إنما هذا أبي وزوجي ولكن لما دفن عمر معهما صرت لا أدخل إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه.
فالشاهد هنا قولها رضي الله عنها ( حياءً من عمر ) وهو كان داخل قبره .

* أما أن الولي يحضر مريده عند موته فقد ذكر في ص 11 في نفس المرجع فقد ذكر حديث ( ما من أحد يموت إلا ويمثل له جلساؤه فإن كانو أهل ذكر فأهل ذكر وإن كانو أهل لهو فأهل لهو )
فهل هناك أهل ذكر غير الأوفياء رضي الله عنهم
وهنا يجب التنويه أن ابن تيمية تحقق أن الصوفية هم الصالحون فاوصى بان يدفن في مقابر الصوفية وقد ذكر ذلك ابن كثير في كتابه البداية والنهاية في ص 215 جزء 15 طبعة دار ابن رجب وذكره ابن عبد الهادي في العقود الذرية فقال ( وحمل إلي مقبرة الصوفية ) .
* وجاء في كتاب الرد الوافر للامام الدمشقي ص 136 وجاء فيه أن تراب قبر ابن تيمية يداوي الرمد الربيعي.
أما التبرك بتراب قبر الإمام البخاري رضي الله عنه فانظره في كتاب الساري وغيره من الكتب .
فإنه يتبين مما سبق أن الصوفية على حق والأدلة من كتب أئمة المخالفين لهم .
أما من القرآن فإن الولي ينفع حياً وميتاً فهاكم :
( وكان أبوهما صالحاً ) فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما -حفظ الله لهما كنزهما لصلاح أبيهما ولم يذكر لهما صلاح.
تفسير ابن كثير طبعة الرباط.
ومن السنة :-
روي الفيراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلي الله عليه وسلم ( إن الله ليدفع بالرجل الصالح عن اربعين أهل بيت مائة من البلاء ثم تلي الاية ( ولولا دفع الناس بعضهم ببعض ....)
و حديث آخر لا يقبل التضعيف او الوضع: ( ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين )
وفي الصحيح: ( مثل الجليس الصالح وجليس السوء.....) #منقول بتصرف يسير
قال الإمامُ أبو حامد الغزّالي ٥٠٥هـ محذراً من خطورة التكفير ما نصه :

[ أمّا الوصية فأن تكفّ لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك ماداموا قائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله غير مناقضين لها والمناقضة تجويزهم الكذب على رسول الله بعذر أو غير عذر فإن التكفير فيه خطرٌ والسكوت لا خطر فيه ]
{ قَالَ يا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }

قال الطاهر ابن عاشور١٣٩٣ هـ في تفسيره:

"وحُكي هنا أن الله قال له: { لِمَا خلقْتُ بِيدي } ، أي خلقته بقدرتي، أي خلقاً خاصّاً دفعة ومباشرة لأمر التكوين، فكان تعلق هذا التكوين تعلقاً أقربَ من تعلقه بإيجاد الموجودات المرتَّبة لها أسباب تباشرها من حمل وولادة كما هو المعروف في تخلق الموجودات عن أصولها. ولا شكّ في أن خلق آدم فيه عناية زائدة وتشريف اتصال أقرب. فاليدان تمثيل لتكوّن آدم من مُجرد أمر التكوين للطين بهيئة صنع الفخَّاري للإِناء من طين إذ يسوّيه بيديه

. وكان السلف يُقِرّون أن اليدين صفة خاصة لله تعالى لورودهما في القرآن مع جزمهم بتنزيه الله عن مشابهة المخلوقات وعن الجسمية وقصدهم الحذر من تحكيم الآراء في صفات الله، أو أن تحمل العقول القاصرة صفات الله على ما تعارفته."
الإمام الزَّجَّاج (ت: ٣١١ه‍ـ) :

وَالله تَعَالَى عَال على كل شَيْء وَلَيْسَ المُرَاد بالعلو ارْتِفَاع الْمحل لِأَن الله تَعَالَى يجل عَن الْمحل وَالْمَكَان وَإِنَّمَا الْعُلُوّ علو الشَّأْن وارتفاع السُّلْطَان .

[تفسير أسماء الله الحسنى للإمام الزَّجَّاج]
قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه:
«سألته عن الرَّجُلُ يمسُّ منبرَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويتبرُّك بمَسِّه ويُقَبِّله، ويَفعَلُ بالقبرِ مِثلَ ذلك، أو نَحوَ هذا؛ يُريدُ بذلك التقرُّبَ إلى الله جلَّ وعزَّ؟ فقال: لا بأسَ بذلك».

قال الذهبي رضي الله عنه:
«وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ مَسِّ الْقَبْرِ النَّبَوِيِّ وَتَقْبِيلِهِ، فَلَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، رَوَاهُ عَنْهُ وَلَدُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ.
فَإِنْ قِيلِ: فَهَلا فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ؟ قِيلَ: لأَنَّهُمْ عَايَنُوهُ حَيًّا وَتَمَلَّوْا بِهِ وَقَبَّلُوا يَدَهُ وَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ وَاقْتَسَمُوا شَعْرَهُ الْمُطَهَّرَ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، وَكَانَ إِذَا تَنَخَّمَ لا تَكَادُ نُخَامَتُهُ تَقَعُ إِلا فِي يَدِ رَجُلٍ فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ، وَنَحْنُ فَلَمَّا لَمْ يَصِحْ لَنَا مِثْلُ هَذَا النَّصِيبِ الأَوْفَرِ ‌تَرَامَيْنَا عَلَى قَبْرِهِ بِالالْتِزَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَالاسْتِلامِ وَالتَّقْبِيلِ، أَلا تَرَى كَيْفَ فَعَلَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ؟ كَانَ يُقَبِّلُ يَدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَيَضَعُهَا عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: يَدٌ مَسَّتْ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَهَذِهِ الأُمُورُ لا يُحَرِّكُهَا مِنَ الْمُسْلِمِ إِلا فَرْطُ حُبِّهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَشَدَّ مِنْ حُبِّهِ لِنَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَمِنْ أَمْوَالِهِ، وَمِنَ الْجَنَّةِ وَحُورِهَا، بَلْ خَلْقٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّونَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ أَكْثَرَ مِنْ حُبِّ أَنْفُسِهِمْ.».
عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ:
أَنَّ كَعْبًا رضي الله عنه دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ كَعْبٌ : مَا مِنْ يَوْمٍ يَطْلُعُ إِلَّا نَزَلَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، حَتَّى يَحُفُّوا بِقَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَضْرِبُونَ بِأَجْنِحَتِهِمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا عَرَجُوا وَهَبَطَ مِثْلُهُمْ، فَصَنَعُوا مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا انْشَقَّتْ عَنْهُ الْأَرْضُ خَرَجَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَزُفُّونَهُ"
رواه الإمام الدارمي
روى الأصبهاني عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه في الترغيب والترهيب:
«لا تَزَالُ (لا إله إلا الله) تنفع من قالها، وتردُّ عنهم العذابَ والنِّقْمَةَ.. ما لم يستخِفُّوا بِحَقِّها» قالوا: يا رسول الله؛ وما الاستخفافُ بحقها؟ قال: «يظهر العمل بمعاصي الله فلا يُنكَرُ ولا يُغيَّرُ».
وأورد ابن الأثير وعزاه لرزين عن سيدنا أبي رضي الله عنه: «إنَّ الرجل يتعلَّق بالرجل يوم القيامة وهو لا يَعرِفُهُ، فيقول له: ما لك إليَّ، وما بيني وبينك معرِفَةٌ؟ فيقول: كنت تراني على الخطأِ والمنكر ولا تنهاني».
استحباب تقبيل يد العلماء


ردًّا على الشيخ مصطفى العدوي!

شارك لرفع الجهل!

هل تقبيل أيدي العلماء والصالحين مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح؟!

تحقيق حديثي فقهي!

بقلم: خادم الجناب النبوي الشريف
محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف

استمعت إلى مقطع فيديو يظهر فيه الشيخ مصطفى العدوي وشاب أزهري يحاول تقبيل يده، وهو رافض، ثم سأل الشاب عن سبب تقبيله، فقال: إنه أزهري، ودرس في الأزهر، في كتاب [الإقناع] في فقه السادة الشافعية استحباب تقبيل أيدي العلماء، فقال العدوي ما معناه: إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كلام الفقهاء، ولم يثبت أن أحدا من الصحابة قبَّل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وفي هذا الكلام عدة مغالطات من وجوه:

الأول: اتهامه للفقهاء بأنهم لا يستندون إلى سنة فيما يقررونه من مذاهب، وهذا جهل بتاريخ المذاهب الفقهية السنية، ومذاهب أئمتها الذين هم من أهل خير القرون، والذين أقاموا مذاهبهم على الكتاب والسنة والإجماع، وغيرها من الأدلة الشرعية المعتبرة، ولكن عُرف عن هذا الشيخ وأضرابه عدم حبهم لدراسة الفقه والأصول، واعتمادهم المباشر على الأخذ من الكتاب والسنة، حتى صدرت عنهم طوامُّ ودواهٍ، تُضحك الثكلى، وتُسقط الحبلى، ولا يحل لجاهل بالفقه والأصول والخلاف؛ أن يفتي في دين الله عز وجل، ولو حفظ القرآن الكريم بالقراءات العشر الصغرى والكبرى، ولو سرد صحيح البخاري من أوله إلى آخره، فإن أفتى يأثم، ويأثم من يستفتيه!

الثاني: تعريضه بأن كلام الفقهاء قد يكون مخالفا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا اتهام ضمني للأئمة في دينهم، وهو من جنس الذي قبله، ناتج عن الجهل بمناهج الفقهاء في الاستدلال!

الثالث: زعمه أن أحدا من الصحابة لم يثبت عنه أنه قَبَّل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إما ناشئ عن قِصَر باع وقلة اطلاع، وإما ناشئ عن هوى وعناد ومكابرة!

ونحن نردُّ عليه بما قاله أمير المؤمنين في الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني، مما يثبت وقوع التقبيل من الصحابة لأطراف النبي صلى الله عليه وسلم، يديه ورجليه ورأسه، بل قبَّل الصحابة فمن بعدهم بعضهم أطراف بعض!

قال الحافظ رحمه الله في [فتح الباري]: "وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقرئ جزءاً في [تقبيل اليد]، سمعناه، أورد فيه أحاديث كثيرة وآثاراً!

فَمِنْ جيِّدها حديث الزارع العَبْدي - وكان في وفد عبد القيس - قال: "فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فَنُقَبِّل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله". أخرجه أبو داود.

ومن حديث مَزِيدة العَصَري مثله.

ومن حديث أسامة بن شَرِيك، قال: "قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبَّلْنا يده" وسنده قوي.

ومن حديث جابر، أن عمر قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبَّل يده.

ومن حديث بُريدة في قصة الأعرابي والشجرة، فقال: "يا رسول الله، ائذن لي أن أقبِّل رأسك ورجليك، فأذن له".

وأخرج البخاري في [الأدب المفرد] من رواية عبد الرحمن بن رَزِين قال: "أخرج لنا سَلَمة بن الأكوع كفًّا له ضخمة، كأنها كف بعير، فقمنا إليها، فقبَّلناها".

وعن ثابتٍ أنه قبَّل يد أنَس.

وأخرج أيضا - أي البخاري في [الأدب المفرد] - "أنَّ عليًّا قبَّل يد العباس ورجله"، وأخرجه ابن المقرئ.

وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي قال لابن أبي أوفى، قلت: "ناولني يدك التي بايعتَ بها رسول الله، فناوَلَنِيها فَقبَّلْتُها". انتهى النقل عن الحافظ.

ومن الأحاديث والآثار الدالة على ذلك أيضا؛ ما رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه كان في سَرِيَّةٍ من سرايا رسول الله صلي الله عليه وسلم، فذكر قصة، قال: "فدنونا من النبي صلي الله عليه وسلم، فَقبَّلْنا يده". أخرجه أبو داود في [سننه] في موضعين، والبيهقي في [سننه الكبرى]، وفي [الشُّعَب]، وابن أبي شيبة في [مصنفه]، وذكره البخاري في [الأدب المفرد].

ومنها حديث صفوان بن عسَّال؛ أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فسألاه عن تسع آيات .. الحديث، وفي آخره: "فقبَّلا يده، ورجله". أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه الحاكم.

وممن قبَّل يد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة؛ أبو لبابة. أخرجه البيهقي في [الدلائل] وابن المقري في [الرخصة في تقبيل اليد].

وقبَّل كعب بن مالك وصاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليهم. أخرجه ابن المقرئ.

وقبَّل أبو عبيدة يد عمر، حين قَدِم. أخرجه سفيان في [جامعه].

وقال الشعبي: صلى زيد بن ثابت على جنازة، فَقُرِّبَتْ إليه بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس، فأخذ بركابه، فقال زيد: "خَلِّ عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم". فقال ابن عباس: "هكذا أُمِرْنا أن نفعل بالعلماء والكبراء!"، فقبَّل زيد بن ثابت يده، وقال: "هكذا أُمِرْنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم".
قال الحافظ العراقي في [التخريج الصغير لأحاديث الإحياء]: "أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي في [المدخل] إلا أنهم قالوا: "هكذا نفعل". قال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرط مسلم".

قلت: أورد ابن المقرئ المتوفى سنة 381هـ في هذا الجزء الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر؛ ثلاثين حديثاً، منها الصحيح، والحسن، والضعيف، في إباحة تقبيل يد العالم والعبد الصالح!

وقد سبقه إلى التصنيف في هذا الباب؛ الإمام المحدث أحمد بن محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي، المتوفى سنة ٢٣١ هجرية، في كتابه: [القُبَل والمعانقة والمصافحة]!

ولشيخ شيوخنا العلامة المحدث أبي الفضل عبدالله بن محمد بن الصديق الغماري كتاب جامع ماتع في هذا الباب، سماه: [إعلام النبيل بجواز التقبيل].

فهل يمكن بعد هذا كله، من اهتمام المحدثين بالتصنيف في المسألة، وكثرة الأحاديث والآثار الواردة فيها؛ أن يقال: إن ذلك ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل من كلام الفقهاء!

وهل يقول هذا إلا مجازف متهور؟!

وقد يحتج بعضهم بما رُوي من نهي النبي الرجل عن تقبيل يده، وقوله له: "هذا إنما يفعله الأعاجم بملوكها، إنما أنا رجل منكم"؟!

والجواب: أن هذا الحديث رواه الطبراني في [الأوسط]، والبيهقي في [الشُّعَب]، وأبو يَعْلَى في [مسنده] كلهم من طريق يوسف بن زياد الواسطي، عن عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعَم الإفريقي، عن الأغرِّ أبي مسلم، عن أبي هريرة.

قال الشوكاني في [نيل الأوطار]: "ومداره على يوسف بن زياد الواسطي، وهو ضعيف، عن شيخه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وهو أيضا ضعيف".

قلت: وعلى فرض صحته فلا يمكن أن يقاوم هذه الأحاديث والآثار الكثيرة الدالة على الإباحة!

هذا ما كتبته الآن في المسألة، مما وقفت عليه فيها من الأحاديث والآثار، وكلام المحدثين، وكنت قد كتبت قديما عن مذاهب الفقهاء فيها، وأنه يكاد يكون شبه إجماع على جواز بل استحباب تقبيل يد من يستحق التقبيل!

وها أنا أضم كلام الفقهاء إلى كلام المحدثين في المسألة، مع بعض زيادة وقفت عليها؛ ليكتمل الكلام، ويتم النفع؛ ليعلم الجاهل والمقصر أن الفقهاء حين يتكلمون لا يتكلمون إلا بدليل معتبر، علمه من عمله، وجهله من جهله!

قلت:

إنكار الناس لعادة من العادات أو سنة من السنن، كتقبيل يد العالم والصالح؛ إن كان سببه الجهل؛ فليس جهل الجاهل بحجة، وإن كان سببه الإنكار فليس الإنكار أيضا بحجة؛ إذا ثبت الدليل!

وقد ثبتت الأدلة بتقبيل الصحابة أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله الصحابة والسلف الصالح بعضهم مع بعض، وصنف فيه الحافظ أبو بكر بن المقري جزءا، أورد فيه كثيرا من الأحاديث والآثار المصرحة، والمقتضية للتقبيل!

ونحن نذكر أقوال أئمة المذاهب الأربعة المعتمدة عند جمهور المسلمين في العمل والفتوى، والتي بنوها على هذه الأدلة وغيرها.

أولا: مذهب السادة الحنفية:

قال الزيلعي: "تقبيل يد العالم، أو يد السلطان العادل؛ سنة".

وقال الطحطاوي في (حاشيته) على (مراقي الفلاح): "فعلم من مجموع ما ذكرنا؛ إباحة تقبيل اليد، والرجل، والكشح، والرأس، والجبهة، والشفتين، وبين العينين، ولكن كل ذلك إذا كان على وجه المبرة والإكرام، وأما إذا كان ذلك على وجه الشهوة؛ فلا يجوز إلا في حق الزوجين".

وقال في (الدر المختار): "لا بأس بتقبيل يد الحاكم المتدين، والسلطان العادل، وقيل: سنة، وتقبيل رأسه - أي العالم - أجود - كما في (البزَّازية) - ولا رخصة فيه - أي في تقبيل اليد - لغيرهما - أي لغير عالم، وعادل - وهو المختار. وفي (المحيط): إن كان لتعظيم إسلامه وإكرامه؛ جاز، وإن كان لنيل الدنيا؛ كره، وإذا طُلب من عالم أو زاهد؛ أن يَدفع إليه قدمَه، ويمكِّنه من قدمه ليقبِّله؛ أجابه! وقيل: لا يرخص فيه".

ثانيا: مذهب السادة المالكية:

قال أبو الحسن المالكي في (كفاية الطالب): "وكره مالك - رحمه الله - تقبيل اليد - أي يد الغير - ظاهره سواء كان الغير عالما، أو غيره، ولو أبا، أو سيدا، أو زوجا، وهو ظاهر المذهب؛ لأنه من فعل الأعاجم، ويدعو إلى الكبر، ورؤية النفس، وأنكر مالك - رحمه الله - ما رُوي فيه - أي في تقبيل اليد - فإن كان إنكاره من جهة الرواية؛ فهو حجة؛ لأنه إمام الحديث، وإن كان من جهة الفقه؛ فلما تقدم.

وقال ابن بطال المالكي : "إنما يكره تقبيل يد الظلمة والجبابرة، وأما يد الأب والرجل الصالح ومن ترجى بركته؛ فجائز".

وقَال الأَْبْهَرِيُّ: "وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ؛ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالتَّكَبُّرِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ، لِدِينِهِ، أَوْ لِعِلْمِهِ، أَوْ لِشَرَفِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ".
وقال العلامة النفراوي في (الفواكه الدواني): "(وَكَرِهَ مَالِكٌ تَقْبِيلَ الْيَدِ) أَيْ يَدُ الْغَيْرِ حِينَ السَّلَامِ عَلَيْهِ (وَأَنْكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ) أَيْ التَّقْبِيلُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مِنْهَا: «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَامُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَدَرُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ»، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَمِنْهَا تَقْبِيلُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ يَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْهَا تَقْبِيلُ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ: «أَرِنِي آيَةً، فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ، وَقُلْ لَهَا: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُوك، فَتَحَرَّكَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَأَقْبَلَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهَا ارْجِعِي، فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ، فَقَبَّلَ الْأَعْرَابِيُّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَأَسْلَمَ». وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ.

إنْكَارُ مَالِكٍ لِمَا رُوِيَ فِي تَقْبِيلِ الْيَدَيْنِ؛ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ، فَمَالِكٌ حُجَّةٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ، فَلِمَا تَقَدَّمَ.

ثم قال: وَعَمَلِ النَّاسِ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ يَدِ مَنْ تَجُوزُ التَّوَاضُعُ لَهُ وَإِبْرَارُهُ، فَقَدْ قَبَّلَتْ الصَّحَابَةُ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمِنْ الرَّسُولِ لِفَاطِمَةَ، وَمِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ بَعْضِهِمْ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ وَلَوْ كَانَ ذُو الْيَدِ عَالِمًا أَوْ شَيْخًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ وَالِدًا حَاضِرًا أَوْ قَادِمًا مِنْ سَفَرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ الْمُقَبِّلُ مُسْلِمًا، وَأَمَّا لَوْ قَبَّلَ يَدَك نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ تَقْبِيلَ الْيَدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِبْرِ وَرُؤْيَةِ النَّفْسِ عَظِيمَةً، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَعَلَّ الْمُقَبِّلَ بِالْكَسْرِ أَفْضَلُ مِنْ ذِي الْيَدِ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُنْكَرُ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا مَعَ ذَوِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ؛ لِوُرُودِهَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْمُقَاطَعَةِ وَالشَّحْنَاءِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي زَمَانِنَا".

ثالثا: مذهب السادة الشافعية:

قال الإمام النووي في (روضة الطالبين): "وأما تقبيل اليد؛ فإن كان لزهد صاحب اليد وصلاحه، أو علمه، أو شرفه وصيانته، ونحوه من الأمور الدينية؛ فمستحب، وإن كان لدنياه، وثروته، وشوكته، ووجاهته، ونحو ذلك؛ فمكروه شديد الكراهة. وقال المتولي: لا يجوز، وظاهره التحريم".

وبوَّب النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين): "باب استحباب المصافحة عند اللقاء، وبشاشة الوجه، وتقبيل يد الرجل الصالح"!

رابعا: مذهب السادة الحنابلة:

قال أبو بكر المروزي في (كتاب الورع): "سألت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - عن قبلة اليد، فلم ير به بأسا، على طريق التدين، وكرهها على طريق الدنيا.

سألت أبا عبد لله عن قبلة اليد، فقال: إن كان على طريق التدين؛ فلا بأس، قد قبَّل أبو عبيدة يد عمر بن الخطاب، وإن كان على طريق الدنيا؛ فلا، إلا رجلا يخاف سيفه أو سوطه".

وقال الحافظ ابن الجوزي - وهو من الحنابلة - في [مناقب أصحاب الحديث]: "من التواضع تقبيل يده - يعني العالم - وقبَّل سفيان بن عيينة، والفضيل بن عياض؛ أحدهما يد الحسين بن علي الجُعْفي، والآخرُ رِجْله".

وقال البُهوتي في (كشاف القناع): "فيباح تقبيل اليد، والرأس، تدينا، وإكراما، واحتراما، مع أمن الشهوة، وظاهره عدم إباحته لأمر الدنيا، وعليه يحمل النهي".

وقال السفاريني الحنبلي في [الآداب الكبرى] له: "وتباح المعانقة، وتقبيل الرأس واليد تديّناً وتكرّماً واحتراماً، مع أمن الشهوة".

وفي (الموسوعة الفقهية الكويتية)، تحت عنوان (التقبيل المباح)، تلخيصا للمسألة، والأدلة الواردة فيها: "يَجُوزُ تَقْبِيل يَدِ الْعَالِمِ الْوَرِعِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِل، وَتَقْبِيل يَدِ الْوَالِدَيْنِ، وَالأُْسْتَاذِ، وَكُل مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَالإِْكْرَامَ، كَمَا يَجُوزُ تَقْبِيل الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَبَيْنَ الْعَيْنَيْنِ، وَلَكِنْ كُل ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ وَالإِْكْرَامِ، أَوِ الشَّفَقَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالْوَدَاعِ، وَتَدَيُّنًا وَاحْتِرَامًا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ".
وأما الانحناء فقال في (الفواكه الدواني): "وَأَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الِانْحِنَاءِ؛ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ الشَّرْعِيِّ".

قلت: تقبيل اليد مِن لازمه الانحناء للأخذ باليد، وهذا القدر لا بأس به، أما الانحناء المشبه للركوع؛ فهو حرام باتفاق، لا شك في ذلك!

فقد ثبت اتفاق المذاهب الأربعة على جواز تقبيل يد العالم، إكراما له وبرًّا به، مع أمن الشهوة، وعدم اغترار العالم، ورؤيته نفسه عظيمة، وعدم غضبه إذا لم تُقَبَّلْ يدُه!

قلت: وينبغي أن يراعي العرف في ذلك، فمن كانت عادتهم عدم تقبيل اليد؛ لا يتركها إليهم، وإن كان من عادتهم التقبيل، وتنكسر خواطرهم بمنعهم منه؛ تركها لهم، وقد كان أكثر شيوخنا لا يتركون أيديهم للتقبيل؛ إلا إن اضطروا إلى ذلك، بسبب ازدحام الناس عليهم، ورغبتهم في تقبيلها، جبرا لخاطرهم، وخشية كسره، بامتناعهم من التقبيل، وبالله التوفيق.

#الخواطر_العشماوية_
2024/11/06 01:35:43
Back to Top
HTML Embed Code: