Telegram Web Link
تشرع التهنئة بقدوم الأعوام ، والشهور وهو مذهب
الشافعية و الحنابلة :

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 283، ط . دار الكتاب الإسلامي) : [(فائدة) قال القمولي : لم أر لأحد من أصحابنا كلاما في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. انتهى] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (3/ 56، ط . المكتبة التجارية الكبرى) : [ وتسن التهنئة بالعيد ونحوه من العام والشهر على المعتمد مع المصافحة] اهـ .

وقال العلامة القليوبي في حاشيته على "شرح المحلي على المنهاج" (1/ 359، ط. دار الفكر): [(فائدة) التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام، قال ابن حجر : مندوبة، ويستأنس لها بطلب سجود الشكر عند النعمة، وبقصة كعب وصاحبيه وتهنئة أبي طلحة له] اهـ .

وقال العلامة سليمان الجمل في "حاشيته على شرح المنهج" (2/ 105، ط. دار الفكر) : [وعبارة البرماوي : والتهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مستحبة، ويستأنس لها بطلب سجود الشكر عند حدوث نعمة ، وبقصة كعب وصاحبيه حين بشر بقبول توبته لما تخلف عن غزوة تبوك ، وتهنئة أبي طلحة له ، وتسن الإجابة فيها بنحو : "تقبل الله منكم"، "أحياكم الله لأمثاله"، "كل عام وأنتم بخير " ] اهـ .

وجاء في حاشية العلامة اللبدي الحنبلي على "نيل المآرب شرح دليل الطالب" (1/ 99، ط . دار البشائر): [قوله : "ولا بأس بقوله الخ" : أي وأما التهنئة بالعيدين والأعوام والأشهر ، كما يعتاده الناس، فلم أر فيه لأحد من أصحابنا نصا، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان ، قال بعض أهل العلم: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان، قلت : وعلى قياسه تهنئة المسلمين بعضهم بعضا بمواسم الخيرات وأوقات وظائف الطاعات ] اهـ .
تعيين أعداد الذكر عند السلف الصالح

الحمد لله ثم أما بعد:

عمدة ذلك حديث البخاري:
يروي شيخنا الشيخ صفوان داودي حفظه الله تعالى: أثناء قراءة موطأ مالك على الشيخ المسند عبد الوكيل الهاشمي عند حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من قال : لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك).
ومحل الشاهد: (ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك).
وهذا صريح بذكر العدد والحرص عليه مع الإكثار لحيازة الموعود به عليه..
وقد أثار بعض الناس مؤخراً الكلام على قضية أعداد الذكر، يدّعي أن تعيين الأعداد مخالف لمنهج السلف. والحقيقة أن تعيين أعداد معينة للأوراد والأذكار ليس بدعة منكرة، وقد ثبت واستفاض عن السلف الصالح رضي الله عنهم - الذين قال فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» - الذكر بأوراد مخصوصة في أوقات مخصوصة بأعداد مخصوصة. وإليك بعض الأمثلة.

أولًا: تعيين أعداد الذكر عند الصحابة رضي الله عنهم.

فمن ذلك ما رواه الإمام أبو نعيم في «حلية الأولياء» بإسناده إلى زيد بن وهب، قال: قال لي ابن مسعود: «لا تدع إذا كان يوم الجمعة أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ‌ألف ‌مرة تقول اللهم صلي على محمد صلى الله عليه وسلم».


وفيه تعيين سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عددًا معينًا، وهو (1000) مرة، وبصيغة معيَّنة، وهي «اللهم صلي على محمد صلى الله عليه وسلم»، في يوم معيَّن، وهو الجمعة.

وروى أيضًا الإمام أبو نعيم في «حلية الأولياء» بإسناده إلى عكرمة، قال: قال أبو هريرة: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني ‌عشر ‌ألف ‌مرة، وذلك على قدر ديني».

وفيه أن سيدنا أبا هريرة رضي الله عنه كان يأتي بذكر مخصوص، وهو الاستغفار، بعدد مخصوص وهو (12000) مرة. وفيه أيضًا أن الذكر الواحد تختلف أعداد الذكر به باختلاف أحوال الذاكرين.

ومن الأمثلة كذلك ما رواه الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله في «مصنفه» بإسناده إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه أنه قال: «من قرأ بعد الفجر {قل هو الله أحد} ‌عشر ‌مرات لم يلحق به ذلك اليوم ذنب وإن جهدته الشياطين».

وفيه فضل قراءة سورة معيَّنة، وهي سورة الإخلاص، في وقت معيَّن، وهو بعد الفجر، بعدد معيَّن، وهو (10) مرات.

فإن قيل: روى الإمام أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ: قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة». قلنا: لم يرد في هذا الحديث تعيين الوقت، ولا الأثر المترتب على تلاوته في ذلك الوقت بذلك العدد كما في رواية سيدنا علي كرَّم الله وجهه، فيكون أصل تعيين العدد من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أدرك سيدنا علي رضي الله عنه ما يترتب على ذلك العدد في وقت معيَّن؛ وسيأتي عن أحد التابعين فضل قراءتها بنفس العدد في نافلة الضحى.

ومن الأمثلة كذلك ما رواه الإمام البيهقي في «شعب الإيمان» عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «من صلى ركعتين فقرأ فيهما {قل هو الله أحد} ‌ثلاثين ‌مرة بُني له ألف قصر من الذهب في الجنة، ومن قرأها في غير الصلاة بُني له مائة قصر في الجنة، ومن قرأها إذا دخل على أهله أصاب أهله وجيرانه منها خير».

وفيه فضل قراءة سورة معينة، وهي سورة الإخلاص، في ركعين نافلة، بعدد معيَّن، هو (30) مرة.
ثانيًا: تعيين أعداد الذكر عند التابعين رضي الله عنهم.

من أمثلة ذلك ما جاء عن الإمام إبراهيم بن أدهم، المولود سنة (100هـ) والمتوفى سنة (162هـ)، الذي وصفه الإمام الذهبي رحمه الله بقوله «القدوة الإمام العارف، سيد الزهاد... وقبره يزار»، فقد روى الإمام أبو نعيم في «حلية الأولياء» من طريق إبراهيم بن بشار، قال: كان إبراهيم بن أدهم يقول هذا الكلام في كل جمعة إذا أصبح ‌عشر ‌مرات، وإذا أمسى يقول مثل ذلك: «مرحبًا بيوم المزيد والصبح الجديد والكاتب الشهيد، يومنا هذا يوم عيد، اكتب لنا فيه ما نقول: بسم الله الحميد المجيد، الرفيع الودود الفعال في خلقه ما يريد. أصبحت بالله مؤمنًا، وبلقاء الله مصدقًا، وبحجته معترفًا، ومن ذنبي مستغفرًا، ولربوبية الله خاضعًا، ولسوى الله جاحدًا، وإلى الله تعالى فقيرًا، وعلى الله متوكلًا، وإلى الله منيبًا، أشهد الله، وأشهد ملائكته وأنبياءه ورسله وحملة عرشه، ومن خلق ومن هو خالق، بأن الله لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وأن الجنة حق، والنار حق، والحوض حق، والشفاعة حق، ومنكرا ونكيرا حق، ولقاءك حق، ووعدك حق، ووعيدك حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، على ذلك أحيا، وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله، اللهم أنت ربي لا رب لي إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك اللهم من شر كل ذي شر؛ اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، وأنا لك أستغفرك وأتوب إليك؛ آمنت اللهم بما أرسلت من رسول، وآمنت اللهم بما أنزلت من كتاب. صلى الله وسلم على [سيدنا] محمد وعلى آله وسلم كثيرًا خاتم كلامي ومفتاحه، وعلى أنبيائه ورسله أجمعين، آمين يا رب العالمين.

اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بكأسه مشربا مريًا سائغا هنيًا لا نظمأ بعده أبدًا، واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكسين، ولا مرتابين ولا مقبوحين، ولا مغضوبًا علينا ولا ضالين؛ اللهم اعصمني من فتن الدنيا، ووفقني لما تحب من العمل وترضى، وأصلح لي شأني كله، وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولا تضلني وإن كنت ظالما؛ سبحانك سبحانك يا علي يا عظيم، يا باري، يا رحيم، يا عزيز، يا جبار؛ سبحان من سبحت له السموات بأكنافها، وسبحان من سبحت له الجبال بأصواتها، وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها، وسبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها وسبحان من سبحت له النجوم في السماء بأبراقها، وسبحان من سبحت له الشجر بأصولها ونضارتها، وسبحان من سبحت له السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن، سبحانك سبحانك، يا حي يا حليم سبحانك، لا إله إلا أنت وحدك» انتهى.

وفي هذا إثبات أن أحد أعلام القرن الثاني الهجري كان له دعاء مخصوص، يدعو به في يوم مخصوص، وهو يوم الجمعة، بعدد مخصوص، وهو (10) مرات.

ومن أمثلة ذلك أيضًا ما رواه الإمام البيهقي في «شعب الإيمان» بإسناده إلى ابن أبي فديك، قال: سمعت بعض من أدركت، يقول: «بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، صلى الله عليك يا [سيدنا] محمد، حتى يقولها سبعين مرة، فأجابه ملَك: صلى الله عليك يا فلان، لم يسقط لك حاجة».

وابن أبي فديك متوفى سنة (200هـ) كما قال الإمام البخاري رحمه الله، ووصفه الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء» بقوله: «الإمام الثقة المحدث»، وهو في هذه الرواية يقول: «سمعت بعض من أدركت» أي: مَن أدرك من شيوخه، وهم من التابعين، فقد أخذ عن الإمام الضحاك بن مزاحم وغيره من علماء المدينة.

وهذه الخبر يثبت أن المجيء إلى روضة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه فيها بعدد معين لم يكن عندهم من البدع المنكرة؛ وقد روى هذا الخبر الإمام المحدث الشافعي أبو بكر البيهقي في كتاب «شعب الإيمان»، ولم يتعقّبه.
ومن أمثلة ذلك أيضًا ما رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» بإسناده إلى محمد بن سوقة عن إبراهيم النخعي قال: «إذا قال الرجل حين يصبح «أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم» ‌عشر ‌مرات أجير من الشيطان إلى أن يمسي، وإذا قاله ممسيًا أجير من الشيطان إلى أن يصبح» انتهى.

وفيه حكاية فضل الاستعاذة، بصيغة معينة، وهي «أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم» ، بعدد معين، وهو (10) مرات، في أوقات مخصوصة، وهي الصباح والمساء، عن أحد أعلام التابعين رضي الله عنه.

ومن الأمثلة أيضًا ما رواه الإمام ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن الإمام محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه أنه قال: «من قرأ في سبحة الضحى بـ{قل هو الله أحد} ‌عشر مرات بني له بيت في الجنة».

و«سبحة الضحى» هي نافلة الضحى.

والإمام محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه من كبار التابعين، وقيل: أنه من المخضرمين ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدَّث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ووصفه الذهبي رحمه الله بقوله: «الإمام العلامة الصادق».

وفي هذا الخبر حكاية فضل قراءة سورة معينة، وهي سورة الإخلاص، بعدد معيَّن، وهو (10) مرات، في صلاة معيَّنة، وهي نافلة الضحى.

ومن أمثلة ذلك أيضًا ما رواه الإمام ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن الإمام عمرو بن ميمون، أنه قال: «من قال إذا أوى إلى فراشه «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» ‌أربع ‌مرات غفر له ذنوبه، وإن كانت طفاح الأرض».

والإمام عمرو بن ميمون من المخضرمين، قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء»: «الإمام الحجة أبو عبد الله، أدرك الجاهلية، وأسلم في الأيام النبوية، وقدم الشام مع معاذ بن جبل، ثم سكن الكوفة».

وفي هذا الأثر أن أحد المخضرمين، أسلم في الأيام النبوية، يحكي فضل عدد معين لذكر معيَّن.

ومن الأمثلة أيضًا ما رواه الإمام أبو نعيم في «حلية الأولياء» بإسناده الإمام أبي يحيى عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي الدمشقي، قال: «ما من أُمَّة يكون فيهم خمسة عشر رجلًا يستغفرون الله في كل يوم خمسًا ‌وعشرين ‌مرة فتعذب تلك الأمة، واقرؤوا إن شئتم {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}».

والإمام عبد الله بن أبي زكريا رضي الله عنه، من فقهاء الطبقة الثانية من التابعين بالشام، سمع من سيدتنا أم الدرداء رضي الله عنها وغيرها، وتوفي سنة (117هـ)، ووصفه الإمام الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء» بقوله: «الإمام القدوة الرباني».

وفي هذا الأثر حكاية فضل الاستغفار بعدد مخصوص، وهو خمسة وعشرون، من عدد معيَّن من الناس، وهو خمسة عشر، عن أحد أعلام التابعين رضي الله عنه.

وقد روى الإمام أبو نعيم نحو هذا أيضًا في «حلية الأولياء» بإسناده إلى صدقة بن عبد الله، عن الإمام مكحول بن عبد الله الهذلي رضي الله عنه أنه قال: «إذا كان في أمة خمسة عشر رجلا يستغفرون الله كل يوم خمسًا ‌وعشرين ‌مرة لم يؤاخذ الله تلك الأمة بعذاب العامة».

والإمام مكحول، هو من أوساط التابعين، وهو أشهر من نار على علم ومن نبراس في ظلم، توفي نحو سنة (112هـ)، وهو «عالم الشام» كما قال الإمام الذهبي رحمه الله «سير أعلام النبلاء».

فهذا الأمر إذن ثابت عن اثنين من علماء التابعين رضي الله عنهم أجمعين.

ثالثًا: تعيين أعداد عند تابعي التابعين رضي الله عنهم.

من أمثلة ذلك ما رواه الإمام أبو نعيم في «حلية الأولياء» بإسناده إلى ثابت بن الهيثم، قال: سمعت معروفًا الكرخي يقول: «من قال في كل يوم ‌عشر ‌مرات «اللهم أصلح أمة [سيدنا] محمد، اللهم فرج عن أمة [سيدنا] محمد، اللهم ارحم أمة [سيدنا] محمد» كتب من الأبدال» انتهى.
وفيه أن أحد أعلام تابعي التابعين رضي الله عنهم عيَّن عددًا مخصوصًا، وهو (10)، لدعاء مخصوص، وبيَّن ما يترتب على ذلك من الفضل.

ومن الأمثلة أيضًا ما رواه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» بإسناده إلى أبي بكر ابن الزيات، عن ابن شيرويه، قال: «جاء رجل إلى معروف الكرخي، فقال: يا أبا محفوظ، جاءني البارحة مولود، وجئت لأتبرك بالنظر إليك، قَالَ: اقعد عافاك الله، وقل ‌مائة ‌مرة: ما شاء الله كان، فقال الرجل، فقال: قل مائة أخرى، فقال، قَالَ له: قل مائة أخرى، حتى قَالَ له ذلك خمس مرات، فقالها خمس ‌مائة ‌مرة، فلما استوفى الخمس ‌مائة ‌مرة دخل عليه خادم أم جعفر زبيدة وبيده رقعة وصرة، فقال: يا أبا محفوظ، ستنا تقرأ عليك السلام، وقالت لك: خذ هذه الصرة وادفعها إلى قوم مساكين، فقال له: ادفعها إلى ذلك الرجل، فقال له: يا أبا محفوظ، فيها خمس مائة درهم، فقال: قد قَالَ خمس ‌مائة ‌مرة: ما شاء الله كان، ثم أقبل على الرجل، فقال: يا عافاك الله لو زدتنا لزدناك» انتهى.

وفيه أن أحد أعلام تابعي التابعين رضي الله عنه عيَّن ذكرًا خاصًا، وهو «ما شاء الله كان»، بعدد معيَّن، وهو (100)، وأمر بتكرار نفس الذكر بنفس العدد لأجل حاجة معيَّنة.

وقد وصف الإمام الذهبي رحمه الله سيدنا معروفًا الكرخي رضي الله عنه في «سير أعلام النبلاء» بقوله: «علم الزهاد، بركة العصر...قد استجيب دعاء معروف في غير قضية، وأفرد الإمام أبو الفرج بن الجوزي «مناقب معروف» في أربع كراريس...وعن إبراهيم الحربي قال: «قبر معروف الترياق المجرب» يريد إجابة دعاء المضطر عنده، لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء» انتهى.

وروى الخطيب البغدادي أيضًا في «تاريخ بغداد» بإسناده عن أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري، قال: سمعت أبي يقول: «قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج، ويقال: إنه من قرأ عنده ‌مائة ‌مرة {قل هو الله أحد} وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته» انتهى.

والإمام عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري، ولد سنة (290هـ)، وتوفي سنة (381هـ)، وقال عنه الإمام الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء»: «الشيخ العالم الثقة العابد، مسند العراق».

وهذا الأثر ليس فقط يثبت زيارة أهل القرن الثالث لقبر سيدنا معروف الكرخي رضي الله عنه والدعاء عنده، وإنما يثبت أيضًا قراءتهم سورة معينة، وهي سورة الإخلاص، بعدد معين، وهو (100)، في مكان مخصوص، وهو قبر سيدنا معروف الكرخي رضي الله عنه.

ومن أمثلة ذلك أيضًا عند تابعي التابعين ما رواه الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في «صفة الصفوة» عبد الله بن خبيق، قال: وسمعت حذيفة [بن قتادة المرعشي] يقول: «إني لأستغفر الله من كلامكم إذا خرجتم من عندي خمسين مرة» انتهى.

وحذيفة بن قتادة المرعشي، توفي سنة (207هـ)، وقال عنه الإمام الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء»: «حذيفة بن قتادة المرعشي أحد الأولياء، صحب سفيان الثوري وروى عنه» انتهى.

وفي هذا الخبر أن أحد أئمة تابعي التابعين كان يستغفر بعدد معيَّن لأمر معيَّن.

ومن أمثلة ذلك عند أهل القرن الثالث الهجري ما رواه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» بإسناده إلى جعفر الخلدي، قال: سمعت أبا بكر المطوعي، يقول: «كان وردي في شبيبتي كل يوم وليلة أقرأ فيه {قل هو الله أحد} إحدى وثلاثين ‌ألف ‌مرة» أو «إحدى وأربعين ألف»، قال الخطيب البغدادي :«شك جعفر».

وفيه أن الإمام أبا بكر يعقوب بن يوسف المطوعي رحمه الله، وهو من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، المولود سنة (208هـ) والمتوفى سنة (287) هـ، كان له ورد يومي من سورة الإخلاص بعدد معيَّن، وهو (31000) أو (41000) مرة. والإمام المطوعي ذكر الإمام أبو بكر الخلال فِي جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل البغداديين وقال: «كانت له مسائل صالحة حسان»، وهذه الحكاية التي رواها عنه الإمام جعفر الخلدي أوردها الإمام ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» ولم يتعقبها.

فهذه النقول اليسيرة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة يظهر فيها بوضوح أن تخصيص أوراد معينة بأعداد معينة لم يكن عندهم من البدع المنكرة، وأن مشروعية ذلك عندهم ثابتة، وأن ما فهموه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتضي المنع من ذلك.
والله الهادي لا رب سواه.
قال حُميد بن أحمد البصري:

كنتُ عند أحمدَ بن حنبلٍ نتذاكرُ في مسألةٍ، فقال رجلٌ لأحمدَ: يا أبا عبد الله لا يَصِحُّ فيه حديثٌ

فقال: إن لم يَصِحَّ فيه حديثٌ ففيه قولُ الشافعيِّ، وحُجّتُه أثبتُ شيءٍ فيه


[تهذيب الكمال] للمزي

منقول
خطورة مشاهدة دروس أهل البدع المضلة

قال العكبري الحنبلي رحمه الله:
" لا يحملن أحدًا منكم حسن ظنه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه، في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره، أو لأستخرج منه مذهبه؛ فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجَرَبِ، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة، وخفيُّ المكر، ودقيق الكفر حتى صبَوا إليهم".

وجاء في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء
للإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني:
عن إبراهيم بن أدهم  رحمه الله كان يقول يقول : (كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب ). 
يشهد لهذا ما جاء في صحيح البخاري ومسلم من آخر حديث حُذَيْفَة رضي الله عنه في ذكر القلب الثاني الذي تعرض عليه الفتن وفيه :
 ((.....وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ))
نعوذ بالله من هذا القلب الأسود المرباد
العلَّامةُ الحصكفيُّ رحمه الله:
ﺇﺫا سُئِلنَا عن مذهبِنا ومذهبِ مخالفِنا قلنا وجوبًا:مذهبُنا صوابٌ يحتملُ الخطأ,ومذهبُ غيرنا خطأ يحتملُ الصَّواب أي في الفقه, وإذا سُئِلنَا عن معتقدِنا ومعتقدِ خصومنا قلنا وجوبًا: الحَقُّ ما نحن عليه والباطلُ ما عليهِ خصومنا"
الدُّرِّ المختارِ مع رَدِّ المحتارِ (٤٨/١)
ُرُد المتشابه للمحكم
- مثال النص المتشابه قوله - تعالى- : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } وقوله : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } فهو ما أوهم ظاهره مشابهة الله - تعالى- للمخلوق
- موقف أهل السنة من النص المتشابه آية كنت أو حديثا :
- نثبته نصا ، آية أو حديثا
- ننزه الله عن ظاهره المتشابه إعمالا لقول الله المحكم { ليس كمثله شيء }
- نثبت له معنى أريد منه
- لا نحدد هذا المعنى على منهج لسلف ، وإلا أوّلنا النص على قواعد التأويل المعتبرة التي اتفق عليها العلماء على مذهب السلف
- قد اتفق السلف والخلف على التنزيه العام ، والمجسمة ليس من السلف ، ولا من الخلف
- ترك تحديد المعنى لا يعنى التعطيل على ما عليه مشرب المجسمة ، بل كل ما فيه أني تركته لله ، فهو معنى أثبته ، وأعلن عجزي عن تحديده ، فهو كآية أتلوها ن ولا أدري معناها
- ما ذكرته هو ما عليه علماء السنة من سلف وخلف
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
" روى أحدهم "أن ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار" ثم حكم على الألوف المؤلفة من عباد الله أنهم من أهل جهنم ..! قلت له : إن إسبال الإزار كبرا رذيلة ، وقد كان في الجاهلية الأولى شارة الرياسة والملك .. وقصة الأمير جبلة بن الأيهم معروفة. أما طول الإزار…
*رفعُ الإشكالِ في فهم أحاديث الإسبالِ*

لما كثر الكلام في تقصير الثوب وخاصَّةً بين حدثاء الأسنان ، صار لزاماً توضيح ذلك الأمر من باب البيان لا غير ، لأنه وصل الحال عند البعض إلى التّكفير والتّبديع والله المستعان . . .
الإسبال : هو إطالة الثوب زيادةً على الحدِّ وهو الكعبين
والكعبان : هما العظمان الناتئان أسفل القدم ، وقد اتفقت كلمة العلماء أن إسبال الثوب وإطالته تحت الكعبين خيلاءً أي ( عُجباً وتكبراً وبطراً هو حرامٌ بلا خلاف ) واختلفت كلمتهم إذا لم يكن الإسبال للخيلاء ، وسبب اختلافهم يعود إلى أحاديث الإسبال التي وردت
فتارةً وردت مطلقةً من غير قيد بالخيلاء ، كحديث البخاري *[ ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ]*
وتارةً وردت مقيّدةً بالخُيلاء والبطر كالحديث الذي رواه البخاري أيضاً :
*[ من جرَّ ثوبه خيلاءً لم ينظر الله إليه يوم القيامة ]* ، فقال أبو بكر : يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
*[ إنّكَ لستَ ممّن يصنعه خيلاءً ]*
فجمهور المذاهب الأربعة حملوا المطلق على المقيّد فلم يُحرِّموا الإسبال إذا لم يكن للخيلاء
ولكنّهم اختلفوا في حكمه بين الجواز والكراهة . . .
١- فالإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال بالجواز
٢- أما الشافعية والحنابلة فقالوا بالكراهة التنزيهية
٣-وقال المالكية بالكراهة الشديدة
فمسألة إسبال الثوب يُنظر إليها من وجوه :

*الأول :* ذكر الثوب وإسباله مبنيٌ على أن غالب لباس العرب كان الإزار لذا يدخل في الإسبال كل لباسٍ طويل كالبنطال وغيره .

*الثاني* أن العرف والعادة في تطويل الثوب وإسباله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد منه العجب والكبر والبطر والتباهي ولعلّه لندرة الأقمشة وغلاء أثمانها فجاء النهي عن الإسبال لأنه من العجب بالثوب الدافع إلى التكبر والخيلاء ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم :
[ إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ] رواه أبو داود
إذ علة التحريم المخيلة والخيلاء .

*الثالث* اليوم تطويل الثوب لم يعد مدعاةً للعجب والكبر والخيلاء والبطر لكثرة الأقمشة حيث لم يعد لطولها أهميةٌ في البيع والشراء واللباس بل الذي يدل على الخيلاء والعجب والتباهي هي الماركة العالمية وثمن الثوب الباهظ وجودة القماش والموضة .

*الرابع* الذي يناسب واقعنا هو جواز الإسبال لغير الخيلاء ، وإنما التحريم ينبغي أن يكون فيما يحصل فيه بين الناس التباهي والخيلاء والعجب كالماركة العالمية وجودة القماش والثمن الباهظ والموضة فالناس لم تعد تنظر إلى الثوب بل إلى السيارة والطيارة وغيرها مما كبّره الناس وعظّموه

*الخامس* الأصل منع الخيلاء لا تطويل الثوب أو تقصيره ، وإنما منع التطويل لأنه كان مدعاةً للخيلاء في زمانهم ولم يعد في عرفنا كذلك ، والعجب ممن يلبس ثوباً من أرخص الأثمان ثم يقصره دون الركبة بقليل ويدّعي أنه يطبق السنة في مظهرٍ ملفتٍ للنظر لم يعد متعارفاً عليه ، وكأن لسان حاله يقول : ( انظروا لحالي فأنا المتمسك بالسُّنَّة ) فإن لم يكن هذا رياء فهو الخيلاء بعينه .
ولعل مما يقوي هذا الكلام الحديث النبوي نفسه :
[ من لبس لباس شهرةٍ ألبسه الله لباس مذلةٍ يوم القيامة ]. وقد جرت عادة الناس اليوم على تطويل الثوب من غير أي قصدٍ يُذكر .
قال الإمام المُحدِّث أبو أيوب السختياني ـ رضي الله عنه ـ :
وقد كان في قميصه بعض التذيل فقيل له في ذلك ، فقال :
كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها أي في ( تطويلها ) فالشهرة اليوم في تشميرها .
اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ الرِّضاءَ بَعْدَ القضَاءِ، وبَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، ولَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ والشَّوقَ إلى لِقَائِكَ في غَيْر ضَرَّاءَ مُضِرَّة ولا فِتْنةٍ مُضِلَّة،
وأعُوذُ بكَ أنْ أظْلِمَ أوْ أُظْلَمَ أوْ أعْتَدِي أوْ يُعْتدَى عليَّ أو أكْسِبَ خطيئةً أو ذنباً لا تَغْفِرُهُ..
فائدة فقهية:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
"مَن عجَز عن إزالةِ المُنكَرِ لا يأثم بمجرَّدِ السكوتِ، بل إنما يأثَم بالرِّضا به، بأنْ لا يكرَهَه بقلبه، أو بالمُتابَعة عليه".
اه من كتاب (المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج)
مسألتان:

1- قول الإمام الباجوري بأن الإمام الأشعري والماتريدي حيث قال ( إماما التوحيد )
لا يعني به بأن الأمة لم يكن بها موحد قبلهما بل معنى كلامه مأخوذ من نفس كتابه حيث قال في بداية الكتاب عند كلامه عن مبادئ العلوم العشرة ما نصه ( وواضعه أبو الحسن الأشعري ومن تبعه وأبو منصور الماتريدي ومن تبعه، بمعنى أنهم دوّنوا كتبه وردوا الشبه التي أوردتها المعتزلة، وإلا فالتوحيد جاء به كل نبي من لدن آدم إلى يوم القيامة، واسمه علم التوحيد، لأن مبحث الوحدانية أشهر مباحثه) انتهى بلفظه ( حاشية الباجوري على الجوهرة ض ١٨ طبعة المكتبة الأزهرية للتراث.

فكما ترى الإمام يتكلم عن كونهما من صنفا كتبا مستقله في هذا العلم، فهو يتكلم عن كون الأشعري إمام علم التوحيد وكذا الماتريدي، اي أنهما دوّناه وردا الشبه الواردة فيه،
كما أن أبا عمرو الدّاني وابن الجزري إماما القراءات .. وهذا ل يدل على انعدام القراءات قبلها!

2- ورود الكلام النفسي في القرآن الكريم...

الكلام النفسي هو ما ليس بحرف ولا صوت، فهل تسأل عن الدليل على وجود الكلام النفسي في القرآن الكريم أم تسأل عن تصريح القرآن الكريم بأن كلام الله سبحانه وتعالى هو كلام نفسي؟
إن كان سؤالك عن الثاني فليس في ما نعلم ورود لفظ : ( إن كلام الله سبحانه وتعالى ليس بحرف ولا صوت أو هو كلام نفسي ) لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة، بل غاية ما ورد هو إثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى....

لكن هل هناك كلام نفسي وراء الكلام الذي هو بحرف وصوت؟ هذا معلوم بالضرورة فكل منا يجد في نفسه كلاما قبل أن يتكلم به، وقد ورد في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى (ويقولون في أنفسهم ) وورد في الأثر عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( زورت في نفسي كلاما ) فإطلاق لفظ الكلام على ما في النفس قد ورد....

لكن لا يُظن عليه بأن ليس مراد الأشاعرة بأن كلام الله سبحانه وتعالى ككلام البشر النفسي إنما قالوا ذلك لبيان بأن الكلام كما يطلق على الحرف والصوت فكذلك يطلق على ما في أنفسنا، اما كلام الله سبحانه وتعالى فالمراد به انه معنى قائم بنفسه سبحانه وتعالى ليس بحرف ولا صوت وهو واحد لا كثرة فيه وهو دالا على ما لا يتناهى من المدلولات، فلم يرد صريحا في القرآن والسنة سوى إثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى، أما كون هذا الكلام الذي ثبت لله سبحانه وتعالى بحرف وصوت أو ليس بحرف وصوت فهذا مبحث آخر تماما ودليل الأشاعرة فيه عقلي لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى عندهم الذي يقتضيه الكلام بحرف فإن فيه تعاقب، والإمام العضد الإيجي خالف ذلك وناقشته الإمام السعد في شرح النسفية فارجع إليه....

فمن زعم بأن كلام الله سبحانه وتعالى بحرف وصوت، سألناه عن الدليل، فإن قال ورد في الحديث قلنا له احضر حديثا او آية في ذلك، وعندما يحضرها نقول له راجع كلام أهل الحديث في هذه الروايات....
فلم يبق له إلا أن يستدل عقلا على ذلك.... والله الموفق...منقول بتصرف.
فائدة في الحثّ على رواية محاسن الصحابة والكفّ عن مساويهم.

الإمام المحدّث أبو عيسى الواسطيّ، العوّام بن حوشب، وهو ممّن عاصر صغار التابعين، قال الإمام أحمد: "ثقة ثقة". وقال يزيد بن هارون: "كان صاحب أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر".

ومن جملة أوامره ونواهيه: "اذكروا محاسن أصحابِ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، تأتلفُ القلوبُ عليهم، ولا تذكروا مساويهم تُحرّشوا الناس عليهم".

ويقول الإمام الجليل سيدي محي الدين النووي رحمه الله تعالى:
ونعتقد حب آل محمد ﷺ وأزواجه وسائر أصحابه رضوان الله عليهم ونذكر محاسنهم وننشر فضائلهم ونمسك ألسنتا وقلوبنا عن التطلع فيما شجر بينهم [ونتوسل إلى الله بهم]



منقول
التوسعة على الأهل في عاشوراء حسنةٌ

والحديث الوارد في ذلك ثابتٌ بمجموع طرقه عند أئمة التحقيق كالبيهقي وأكابر الحفاظ كالعراقي وقد صنف رسالة خاصة في تقويته، ورد فيها على مبالغة ابن تيمية في إنكاره

ومما قاله العراقي: (ولقد تعجبت من وقوع هذا الكلام من هذا الإمام الذي يقول أصحابه: إنه أحاط بالسنة علما وخبرة.

فأما قوله: إنه لم يستحب أحد من أئمة الإسلام توسيع النفقة على الأهل يوم عاشوراء!
فليس كذلك فقد قال بذلك عمر بن الخطاب وجابر ومحمد بن المنتشر . . .
وأما قوله: ولا روى أحد من أئمة الحديث ما فيه استحباب ذلك!
فليس كذلك فقد رواه من أئمة الحديث في كتبهم المشهورة: أبو القاسم الطبراني، والبيهقي، وابن عبد البر وغيرهم)

وقال العراقي أيضا: (وأما قول الشيخ تقي الدين ابن تيمية "إن حديث التوسعة ما رواه أحد من الأئمة وإنّ أعلى ما بلغه فيه قول ابن المنتشر" !
فهو عجيبٌ منه فهو كما ذكرته في عدةٍ من كتب الأئمة وقد جمعت طرقه في جزء) انتهى

وقال العلامة اللكنوي رحمه الله في ظفر الأماني ص 423: (فإن ابن الجوزي وابن تيمية ومن حذا حذوهما ظنوه موضوعا وجمعٌ منهم –أي أهل العلم-حسنه وهو القول المعتبر عند أهل النظر كما حققه السخاوي في المقاصد الحسنة )

ويقوي الحديث : عمل جماعة من كبار أئمة الحديث بمقتضاه كشعبة وسفيان وغيرهم

وأما تضعيف أحمد وغيره للحديث فيحمل على آحاد ما ورد فيه لا على مجموعه
فيقبل لا سيما أنه في فضائل الأعمال

الشيخ عبد الله الجنيد
[[ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين]]

(ولا تكره القراءة على القبر ) وفي المقبرة ( في أصح الروايتين ) هذا المذهب روى أنس مرفوعا قال : من دخل المقابر فقرأ فيها ( يس ) خفف عنهم يومئذ ، وكان له بقدرهم حسنات ……..
وصح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها ، ولهذا رجع أحمد عن الكراهة ، قاله أبو بكر ،

وأصلها أنه مر على ضرير يقرأ عند قبر فنهاه عنها فقال له محمد بن قدامة الجوهري : يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي ؛ قال : ثقة فقال : أخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها ، وقال : سمعت ابن عمر أوصى بذلك .

فقال أحمد عند ذلك : ارجع فقل للرجل يقرأ ، فلهذا قال الخلال وصاحبه : المذهب رواية واحدة أنه لا يكره ، لكن قال السامري : يستحب أن يقرأ عند رأس القبر بفاتحة البقرة وعند رجله بخاتمتها .

المبدع في شرح المقنع
ابن مفلح - أبو إسحاق برهان الدين بن محمد بن عبد الله الحنبلي
بسبب انتشار الزيغ والضلال في الفهم والتبديع في الاعتقاد ونسبة الجهة لله ..
لا بد من بيان

أن الفوقية هي فوقية مكانة لا فوقية مكان
وعلو ملك وسلطان لا علو مكان وجهة

قال الإمام الطبري (1 / 192) في تفسير قوله تعلى ( ثم استوي إلى السماء ) بعد أن ذكر معاني الاستواء في اللغة، ما نصّه: (علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته....علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال)

إذن فالفوقية إما فوقية مكانة وإما مكان والله منزه عن الثانية..
والاستلزام من فوق للحيز ان قُصِد به المكان
فإن أطلقت بلا قيد فالمراد المكانة ونفي المكان ولا إشكال، فمن فهم من فوق المكان فقد لزمه الحيز والحلول...وهذا محال

ولا أحد من أهل السنة الأشاعرة ينكر علو الله تعالى ولا استواءه على عرشه، ولا فوقيته، وإنما نقول: استوى على عرشه استواء يليق به بالمعنى الذي أراده بلا كيف، وليس بجلوس ولا استقرار ولا مماسة، ونقول: هو تعالى فوق خلقه فوقية مكانة لا مكان. إذ هو خالق المكان.
ولا يوجد في كتاب من كتب أهل السنة الأشاعرة أن الله بذاته في كل مكان، بل ننفي عنه المكان لأنه خالق المكان.
ونقول بنفي الجهة عن الله تعالى واستحالة ذلك في حقه تعالى.
ولا أحد من أهل السنة الأشاعرة ينفي أو ينكر صفاتِ الباري التي أثبتها لنفسه سبحانه من خلال الوحيين الشريفين، بل نؤمن بها ونثبتها لكن نفوض علم معانيها لله تعالى أو نؤولها بشروط.
ومذهب السلف الذي هو أحد قولي الأشاعرة عبارة عن تفويض المعنى ونفي الكيف، ولم يرد مطلقا عن واحد من الصحابة أو التابعين كلمة «حقيقة» أي له يد حقيقة أو عين حقيقة!!.
وإليك نصين لاثنين من كبار الأشاعرة فيهما تقرير ذلك:
قال الإمام البيهقي في "الاعتقاد" (ص: 117): «وفي الجملة يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف، فقلنا بها ونفينا عنها التكييف، فقد قال: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] ، وقال: {ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 4] ، وقال: {هل تعلم له سميا} [مريم: 65]».
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى في "الفتح" (6/ 136): (ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو؛ لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى والمستحيل كون ذلك من جهة الحس)
تعقيب على حديث الجارية.

بالمجمل قد يصح السؤال باين عن الله لكن على أن يكون الجواب: في السماء أي على العرش أو فوق العرش، لورود ذلك في أحاديث صحيحة، إن حملنا السؤال ب(أين) عن المقام لا المكان كقولنا: أين الثرى من الثريا؟ وإن حملنا(على) في (على السماء) أو (على العرش) على الاستعلاء المعنوي لا الاستعلاء الحسي كقولنا: من على هؤلاء الجماعة؟ يعني: من هو الوالي عليهم، فهذا العلو معنوي، وحملنا (فوق) في (فوق العرش) أو (فوق السموات) على الفوقية المعنوية لا الحسية، كقوله تعالى:{وهو القاهر فوق عباده}..فهذه الفوقية فوقية قهر وهي فوقية معنوية، وكقوله تعالى حكاية عن قول فرعون: { وإنا فوقهم قاهرون} أي وإنا عالون عليهم بالقهر, يعني بقهر الملك والسلطان.
وإنما منع بعض علمائنا السؤال ب(أين الله) لأمرين:
الأول: خوفا من تطرق علو المكان غير اللائق بالله الذي يوهم التحيز إلى ذهن العامة. فإن أمن ذلك، فلا بأس بالسؤال.
الثاني: منعا للمجسمة من امتحان العامة ب(أين الله) كما يفعل المشبهة اليوم.
وهنا أصل الإشكال: هل يجوز امتحان إيمان الناس ب(أين الله)؟ كما امتحن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية؟
إن جاز هذا الامتحان فهو يتعارض مع الحديث الذي وقع عليه إجماع المسلمين قاطبة بأن دخول الإسلام لا يكون إلا بالنطق بالشهادتين وليس بامتحانهم ب(أين الله؟) ويكون الجواب (في السماء)، الذي يشترك به اليهود والنصارى والمجسمة باعتقادهم بأن الله في السماء أي بذاته. فكيف يعرف إسلام المرء من شرك اليهود والنصارى بهذا الامتحان!!!....لذلك لم يكن دخول الإسلام بالإجماع إلا بالنطق بالشهادتين للحديث المتفق عليه:(أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ).

فهنا نحن أمام أمرين:
الأول: أن نرد متن حديث الجارية الآحاد التي تُمتحن فيه ب(أين الله)، لتعارضه مع حديث آخر عن امتحان الجارية بالنطق بالشهادتين المتوافق مع المجمع عليه، وهو ما رواه الإمام مالك في الموطأ (ص 777) بسند عال جدا عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن رجلا من الانصار جاء إلى رسول الله بجارية له سوداء . فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة . فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها . فقال لها رسول الله : " أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ " قالت : نعم . قال : أتشهدين أن محمدأ رسول الله ؟ " قالت : نعم . قال : " أتوقنين بالبعث بعد الموت ؟ " قالت : نعم . فقال رسول الله : " أعتقها).

الثاني: أن نجمع بين الأحاديث وهو أولى من إسقاط أحدهما عند التعارض، فيحمل حديث الامتحان ب(أين الله؟) على أنه خاص بهذه الجارية لا بغيرها، فلا يمتحن أحد ب(أين الله؟) بعدها. ويؤكد خصوصية الجارية بهذا الحديث أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امتحن غيرها ب(أين الله؟) من الصحب الكرام، ولا نقل عن الصحب أنهم امتحنوا أحدا بذلك. وأما باقي الناس فيكون امتحانهم بالنطق بالشهادتين للإجماع.

فهذا هو أس إشكال المسألة يا شيخ عبدالله، وهذا الذي رأيته هو حله...إلا من أبى إلا أن يمتحن الناس ب(أين الله؟)، فنقول له: لا يلزمنا هذا الامتحان لأنه خاص بالجواري لا بالأحرار. تأمل يرعاك الله.
منقول جزا الله خيرا الكاتب
الكلام الإلهي .. عند أهل السنة!
.
[1]
.
وصف الله تعالى نفسه بصفة "الكلام"، فقال تعالى : ( وكلم الله موسى تكليما ) ، وأهل السنة يثبتون لله ما أثبته لنفسه، بالنظر لمجموع النصوص الواردة في المسألة الواحدة حتى لا يكون القرآن "عضين"، وبالنظر للتحليل اللغوي حيث نزل القرآن ( بلسان عربي مبين ) ..
.
والقاعدة اللغوية والأصولية تقول : إن الأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته دون مجازه إلا إن دلت قرينة على إرادة غير الظاهر.
.
فوصف الله بصفة "الكلام" هنا على حقيقته .. فالله متكلم وهذه صفة من صفاته ؛ لذا سأل أهل السنة أنفسهم ما المعنى الحقيقي لـ"الكلام" إذا أطلق في لسان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم ؟
.
وقد دعاهم إلى هذا السؤال طلب الاتساق ؛ حتى إذا كان المعنى يعارض قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) ، وهو قول محكم ، فأوهم تشبيها أو تجسيما = وجب الصرف عن الحقيقة وحمله على المجاز ، حتى لا يكون القرآن متناقضا ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ).
.
لمَّا بحث أهل السنة في لسان العرب الذين لا يمكن فهم القرآن بعيدا عن لسانهم وجدوا أن المعنى الحقيقي للفظ "الكلام" يطلق على ما يعتمل في النفس ، وأن الحروف والأصوات ليست سوى تعبير عما اعتمل في النفس ..
.
فعندنا أصل وعندنا فرع ..
فالأصل هو معنى يحصل في النفس ، ثم ياتي بعده : التعبير عن هذا المعنى، والذي قد يكون بالحرف والصوت أو بغيرهما ، فيكون مثلا بالكتابة أو الإشارة ..
.
ومثال الإشارة ما حصل مع ذاك الرجل الذي كلمه النبي ﷺ بإشارة ففهم الرجل قوله ..
.
عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا له عليه في عهد رسول الله ﷺ في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله ﷺ وهو في بيته فخرج إليهما رسول الله ﷺ حتى كشف سجف حجرته ، ونادى كعب بن مالك ، قال : يا كعب ، قال : لبيك يا رسول الله ! فأشار بيده أن ضع الشطر من دينك ، قال كعب : قد فعلت يا رسول الله ، قال: قم فاقضه " . متفق عليه .

قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم : "قال الطيبي : في الحديث جواز الاعتماد على الإشارة وإقامتها مقام القول ؛ لقوله ( فأشار بيده أن ضع الشطر ) ، ف( أن ) في الحديث مفسرة ، لأن في الإشارة معنى القول". انتهى كلامه.
.
أي أن الإشارة ليست هي القول بل تقوم مقامه، فالقول ما وقع في النفس وجاءت الإشارة للتعبير عن كلامه الذي قام بنفسه.
.
في القرآن ما يدل على أن ما يدور في النفس يسمى كلاما ، بل هو المعنى الحقيقي لهذه اللفظة ، كما جاء على لسان الصحابة ، وفي السنة النبوية ما يدل عليه .. فهو معنى صحيح يشهد له الوحي واللغة.
.
1) في القرآن الدلالة على أن الكلام النفسي يسمى كلاما، فمن الايات قوله تعالى : ( وَيَقُولُونَ فِي أنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ) ، فسماه قولا .. ومنها قوله تعالى ( ييُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) فسمى ما لا يبدون "قولا" ، وما لا يبدونه يكون في أنفسهم ، وهو ما اصطلح على تسميته بـ"كلام النفس".
.
2) وفي اجتماع السقيفة لما توفى رسول الله ﷺ قال عمر رضي الله عنه: "زورت في نفسي كلاما" ، أي هيأت، فسمَّى ما قاله في نفسه كلاما ، مع كونه لم يكن بحرف ولا صوت.
.
3) كل هذا وغيره هو ما نطق به الشاعر العربي في قوله :

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما .. جعل اللسان على الفؤاد دليلا.
.
أي أن الأصل في الكلام أن يكون في النفس أو القلب، وما يعبِّر به اللسان هو الدليل على ما في القلب.
.
إذا فالأصل في معنى كلمة "كلام" يطلق على ما يدور في النفس، ثم التعبير عما يدور في النفس قد يكون بحرف وصوت ، وقد يكون بالكتابة ، وقد يكون بالإشارة ..كما قلنا، وكله يسمى كلاما عند العرب وعند علماء المسلمين.
.
فلماذا تسمى الإشارة كلاما ، ولماذا يسمى المنطوق حرفا وصوتا كلاما ؟

الجواب ؛ لأنه مسَبَّب عن الكلام الحقيقي، والعرب تسمى الشيء باسم مسبِّبِه.. فكلاهما يسمى كلاما، ما يهتمل في النفس ، والتعبير عنه بأي وسيلة كانت.
.
وهذا مهم لطالب العلم الذي يتعمق فيعرف الحقيقة ويميز بينها وبين المجاز.
.
إذا ؛ فالله تعالى متكلم بكلام قديم، وكلامه القديم هو المتعلق بذاته تعالى، والله تعالى حين يضيف الكلام إلى نفسه في القرآن ؛ فإن أهل السنة يحملون اللفظ على حقيقته، لأن القاعدة هي أنه لا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، وحقيقة الكلام تطلق على ما في النفس ؛ إذا فالكلام الذي هو صفة الله تعالى هو كلام النفس.
.
[2]
.
فما الذي ألجأ أهل السنة لهذا التدقيق ؟
قالوا : إن هذا هو اللائق بذاته عزوجل حيث إن الحروف والأصوات تقتضي احتياج الله إلى غيره؛ فلو كان كلامه تعالى بحرف وصوت لاحتاج إلى الحرف والصوت، ولاحتاج إلى الزمان فيكون واقعا تحت قهر غيره ، وهو ما يتنافى مع غنى الله تعالى وقيامه بنفسه!
.
إن الذي دفع أهل السنة لهذا التدقيق هو كثرة جدال الفرق واشتباه هذه الصفة عليهم ، حيث تصورت هذه الفرق وجود الارتباط والتلازم بين الكلام ، والحروف والأصوات .. فماذا حصل نتيجة هذا التلازم غير اللازم؟
.
- فريق أنكر أن يكون لله صفة اسمها "الكلام" ظنا منهم أن نسبته لله تجعل الله تعالى محلا للحوادث ، لأن الصوت والحرف مخلوقات حادثة، وإذا تكلم الله بالحرف والصوت فإنه يكون حادثا، لأن ما لازم الحادث فهو حادث، والله تعالى منزه عن أن يوصف بصفات الحوادث ؛ فأنكروا صريح القرآن المثبت صفة الكلام لله طلبا للتنزيه، وهم المعتزلة ، وهم في هذا نظروا إلى قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) ولم يلتفتوا إلى آيات إثبات الصفة.
.
- وفريق أثبت ما أثبته القرآن من صفة الكلام لكنهم ويا للأسف لم يجدوا مانعا من وصف الله تعالى بالكلام الحادث ، وهم المجسمة ، فليس عندهم مانع من أن تحل الحوادث بذات الله تعالى، ووصف الله تعالى بالصفات الحادثة يترتب عليه أن يكون الله تعالى مخلوقا حادثا ، فهؤلاء غلبوا ظواهر القرآن المثبتة للصفة ، ولم يلتفتوا إلى آيات التنزيه.
.
- وفريق من أهل السنة وهم الحنابلة لما علموا تلك اللوازم الفاسدة قالوا: إن الحرف والصوت ليس كحروفنا وأصواتنا ، بل حروف وأصوات قديمة لا ندري حقيقتها ، بل تليق بالله تعالى. وهؤلاء حاولوا الجمع بين آيات إثبات الصفة وآيات التنزيه كما حاول المتكلمون من أهل السنة.
.
-أما أهل السنة الأشاعرة والماتريدية فدققوا البحث وجمعوا بين آيات إثبات الصفة وآيات التنزيه فهداهم الله للقول بالكلام النفسي استنادا إلى القرآن وكلام العرب واستعمالاتها ؛ حتى يجتمع المتخالفون في المسألة إلى أقوم سبيل .. فقالوا: إن صفات الله يجب أن تكون قديمة ، لأنها لو كانت حادثة سيقع التغير في ذاته وهو محال، فالكلام صفة لله تعالى من صفاته الذاتية ، وهي قديمة. لا يمكن نفي ما أثبته الله لنفسه، وفي هذا مراعاة لظواهر القرآن. فساعدوا المجسمة على تحرير مذهبهم.
.
ومن جهة أخرى قالوا: إن هذه الصفة ليست بحرف ولا صوت، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا احتياج فيها لزمان ، إذ الحرف والصوت ليس من ذاتيات الكلام، بل هما تعبير عنه ودليل عليه، وفي هذا مراعاة لجانب إثبات التنزيه ، فساعدوا المعتزلة على تحرير مذهبهم.
.
لهذا كان أهل السنة هم الوسط بين الفرق المختلفة، لما حباهم الله من تحرير وتحقيق وتوفيق، ومزيد علم ومعرفة.
2024/09/29 04:23:04
Back to Top
HTML Embed Code: