Telegram Web Link
عشتُ بين السلفيين عمرًا طويلًا، وكنتُ منهم، وأخذت مذهبهم على كبار شيوخهم، ورافقت هؤلاء الشيوخ في سفرهم وحضرهم، وحلّهم وترحالهم، وإلى الآن ما زلت أقرأ كتبهم لأكون مستحضرًا لتفاصيل مذهبهم وتنظيراتهم عند الرد عليهم، بل وألخّص بعضها أحيانًا من أوله إلى آخره كتابةً بيدي بعد قراءته مرات ومرات.

وإني أقسم بالله العظيم لو كنت أعلم أن مذهبهم هذا هو الحقّ، وهو الذي أنزل الله تعالى به سيدنا جبريل على قلب سيدنا محمد، وهو الذي أمرنا به سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لما تردّدتُ طرفة عينٍ في أن أقضي عمري كلّه من أوله إلى آخره أدعو إليه وأنافخ عنه بل وأموت دونه.

لكنّه مذهبٌ كلّما نظرتُ فيه تكشّف لي عن عواره، وكلّما ازددت علمًا ازددت يقينًا في هزاله، وهو مذهبٌ مضرٌّ بالعقل وبالقلب وبالروح وبالخُلُق، ولا يمكن أن ينهض المسلمون وهذا المذهب البدعيُّ الذي لا جذور له هو السائد المنتشر بينهم، من هنا أبذل جزءًا من وقتي في كشف فساده وضلاله، وأجعل ذلك وسيلة أتقرب بها إلى الله تعالى وأسعد بها قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمد لله الذي يقرّ عينيّ بما لا أحصيه من المبشّرات.

الحسن
قال الإمام العيني رحمه الله تعالى:
قوله: (وأنا أجزي به)، بيان لكثرة ثوابه، لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظمته وسعته.

وقد أكثروا في معنى قوله: (الصوم لي وأنا أجزي به)، وملخصه: أن الصوم لا يقع فيه الرياء، ويؤيده ما رواه الزهري مرسلا. قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس في الصوم رياء)، قال الزهري: وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى على الناس.

وقال القرطبي رحمه الله تعالى: معناه أن الله منفرد بعلم مقدار ثواب الصوم وتضعيفه، بخلاف غيره من العبادات، فقد يطلع عليها بعض الناس، ويشهد لذلك ما روى في الموطأ: (تضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، قال الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).

أي: أجازي به عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
قال الإمام العيني رحمه الله تعالى معلقاً: هذا كلام حسن. (عمدة القاري 259/10)

وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: من أجود الأحاديث وأحكمها «إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله - عزوجل - ما بقي من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة» رواه البيهقي وغيره.
وعلى هذا فيكون المعنى: أن الصيام لله - عزوجل -، فلا سبيل لأحد إلى أخذ أجره من الصيام، بل أجره مدخر لصاحبه عند الله، وحينئذ فقد يقال: إن سائر الأعمال قد يكَّفرُ بها ذنوب صاحبها، فلا يبقى له أجر، فإنه روي: «إنه يوازن يوم القيامة بين الحسنات والسيئات، ويقص بعضها من بعض، فإن بقي حسنة دخل بها صاحبها الجنة»، وفيه حديث مرفوع.
فيحتمل أن يقال في الصوم: إنه لا يسقط ثوابهُ بمقاصة ولا غيرها، بل يوفَّر أجرهُ لصاحبه حتى يدخل الجنة، فيوفى أجرُه فيها.
ابن رجب الحنبلي

لكن الإمام الرملي وغيره: ضعفوا قول سفيان؛ لأن حديث القصاص يوم القيامة ذكر فيه الصيام.
يذكر الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى:
ومن علامات إخلاص العالِم في علمه:
أنه لو ظهر من هو أحسن منه وعظاً وأغزر منه علماً والناس له أشد قبولاً.. فرح به ولم يحسده، نعم لا بأس بالغبطة؛ وهو أن يتمنى لنفسه مثل علمه.
وأنه لو حضر الأكابر مجلسه...لم يتغير كلامه، بل يكون ناظراً للخلق كلهم بعين واحدة.
وأن لا يحبَّ اتباع الناس له في الطرقات.
[«الزواجر» (1/79)]
فائدة عظيمة في زمن الفتن..
كان الأستاذ الشيخ محمد عوامة حفظه الله يوصينا بقراءة قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ بعد قراءة الفاتحة من الركعة الثالثة من صلاة المغرب.
وقال: هذا روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد خرجته في مسند عمر بن عبد العزيز.
قال: وكنت سمعته من شيخنا الشيخ عبدالله سراج الدين رحمه الله.
وقال حفظه الله: كنا نوصي العامة بقراءة هذه الآية حفظا لعقائدهم من الزيغ بجهلهم، واليوم أوصي بقراءتها طلبة العلم حفظاً لعقائدهم من الزيغ بعلمهم!
وأخبرني الأخ الشيخ أحمد عز الدين الويسي، فقال: كان شيخنا الشيخ عبدالله سراج الدين رحمه الله تعالى يكثر من إيصائنا بقراءتها بعد فاتحة الركعة الثالثة من صلاة المغرب، ويقول: "خذوها صديقية، تصح على مذهبي الشافعية والحنفية".

⚘️وقراءة الصديق رضي الله عنه لهذه الآية في زمن الردة تدل على فقهه العميق، وخوفه من الفتن التي عصفت بالناس بعد انتقال النبيﷺ إلى الرفيق الأعلى..
فقد قال أبو عبد الله الصنابحي: قدمت المدينة في خلافة أبي بكرٍ الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه، حتى أن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وبهذه الآية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}
قال الشيخ الطاهر ابن عاشور:
"وكان قدوم أبي عبد الله الصنابحي المدينة عقب وفاة رسول الله ﷺ بخمسة أيام، فصادفته في مدة إقامته حوادث ارتداد فريق من العرب، فكانت قراءة الصديق، تلك الآية في الركعة الأخيرة من المغرب دعاء، كالقنوت من شدة عظمة ارتداد العرب في نفسه، وكيف زاغت قلوبهم بعد أن اهتدوا، فكان من تلك العظة خائفًا من الزيع، فالتجأ إلى الله بالدعاء بالنجاة منه".
أ.د.عبدالسميع الأنيس
حكم تقبيل يد الصالحين وأهل الفضل من العلماء وغيرهم:
كثر الإنكار من بعض الناس في الآونة الأخيرة لذلك الأمر، ونوضح حكم ذلك من خلال الرجوع الى كتب ساداتنا العلماء الأعلام.
قال الامام شهاب الدين احمد بن علي بن حجر العسقلاني في كتابه(فتح الباري) ط/دار المعرفة، بيروت سنة١٣٧٩هجري في الجزء١١ الصفحة٥٦ ومابعدها مانصه:
(..الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة وذلك مستحب عند العلماء وإنما اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ماروي فيه وأجازه آخرون واحتجوا بما روي عن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا: نحن الفرارون،فقال- صلى الله عليه وسلم- : بل أنتم العكارون أنا فئة المؤمنين،قال: فقبلنا يده.
قال : وقبل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي- صلى الله عليه وسلم- حين تاب الله عليهم ذكره الأبهري.وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم وقبل زيد بن ثابت يد عبدالله ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه.
قال الأبهري وانما كرهها مالك اذا كانت على وجه التكبر والتعظيم، وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه او لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز.
قال ابن بطال: وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال أن يهوديين أتيا النبي- صلى الله عليه وسلم- فسألاه عن تسع آيات....الحديث وفي آخره: فقبلا يده ورجله.
قال الترمذي: حسن صحيح.
.....إلى ان قال: وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقريء جزءا في تقبيل اليد سمعناه، أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا فمن جيدها حديث الزراع العبدي وكان في وفد عبد القيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي- صلى الله عليه وسلم- ورجله.أخرجه أبو داود.
ومن حديث مزيدة العصري مثله ومن حديث أسامة بن شريك قال قمنا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقبلنا يده. وسنده قوي.
ومن حديث جابر أن عمر قام الى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقبل يده.
ومن حديث بريدة في قصة الاعرابي والشجرة فقال : يارسول الله ائذن لي أن اقبل رأسك ورجليك فأذن له.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين قال: أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها.
وعن ثابت انه قبل يد أنس، وأخرج أيضا أن علياً قبّل يد العباس ورجله. وأخرجه ابن المقري.
واخرج من طريق أبي مالك الأشجعي قال : قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فناولنيها فقبلتها)
وقال الامام النووي الشافعي- قدس الله روحه- في كتابه ( روضة الطالبين) ط/ المكتب الاسلامي،بيروت سنة١٩٩١ميلادية في الجزء١٠ الصفحة ٢٣٦ مانصه:
( وأما تقبيل اليد، فإن كان لزهد صاحب اليد وصلاحه، أو علمه أو شرفه، وصيانته ونحوه من الأمور الدينية، فمستحب، وإن كان لدنياه وثروته وشوكته وجاهه ونحو ذلك، فمكروه شديد الكراهة، وقال المتولي- من علماء الشافعية- : لايجوز ، وظاهره التحريم.......إلى أن قال: ولابأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرك)
وقال الامام البهوتي الحنبلي - رحمه الله تعالى- في كتابه: (كشاف القناع عن متن الاقناع) ط/ دار الكتب العلمية، بيروت الجزء ٢ الصفحة ١٥٧
بعد أن ذكر حديث الترمذي في تقبيل اليهوديين ليد ورجل النبي- عليه الصلاة والسلام- مانصه:
( فيباح تقبيل اليد والرأس تدينا وإكراما واحتراما،مع امن الشهوة،وظاهره عدم اباحته لأمر الدنيا، وعليه يحمل النهي)
وقال الامام شمس الدين محمد بن احمد السفاريني الحنبلي- رحمه الله- في كتابه ( غذاء الالباب شرح منظومة الآداب) ط/ مؤسسة قرطبة- مصر ١٩٩٣ ميلادية في الجزء ١ الصفحة ٣٣٢ ومابعدها :
( وتباح المعانقة وتقبيل اليد والرأس تدينا واكراما واحتراما مع امن الشهوة،وظاهر هذا عدم إباحته لأمر الدنيا، واختاره بعض الشافعية، والكراهة أولى.
قال المروذي: سألت أبا عبد الله- يعني الإمام أحمد بن حنبل- عن قبلة اليد، فقال: إن كان على طريق التدين فلابأس، قبل أبو عبيدة يد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-.
وإن كان على طريق الدنيا فلا إلا رجلا تخاف سيفه أو سوطه.
وقال المروذي أيضا: وكرهها على طريق الدنيا، وقال تميم بن سلمة التابعي: القبلة سنة.
وقال مهنا بن يحيى: رأيت أبا عبد الله كثيرا يقبل وجهه ورأسه وخده ولا يقول شيئا، ورأيته لايمنع من ذلك.
ورأيت سليمان بن داود الهاشمي يقبل جبهته ورأسه، ولايمتنع من ذلك ولايكرهه.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: رأيت كثيرا من العلماء والفقهاء والمحدثين وبني هاشم وقريش والأنصار يقبلونه يعني أباه بعضهم يده وبعضهم رأسه ويعظمونه تعظيما لم أرهم يفعلون ذلك بأحد من الفقهاء غيره،ولم أره يشتهي أن يفعل به ذلك.
وقال له إسماعيل بن اسحاق الثقفي: ترى أن يقبل الرجل رأس الرجل أو يده؟ قال: نعم)
وقال الامام بدر الدين العيني الحنفي- نفعنا الله بعلومه- في كتابه( البناية شرح الهداية) ط/دار الكتب العلمية،بيروت٢٠٠٠ميلادية في الجزء ١٢ الصفحة ١٩٨ مانصه:( تقبيل يد الإمام أو السلطان العادل جائز،لما روى سفيان أنه قال: [ تقبيل يد العالم والسلطان العادل سنة ] فقام عبد الله بن المبارك وقبل رأسه وقال: من يحسن هذا غيرك.
معنى الاستواء عند الإمام ابن جرير الطبري
***
أرجو الله أن يفتح قلوبنا للحق والهدى، ومنهج أهل السنة، وإن مما يجب على قاصد الحق أن ينظر بتأمل تام حتى يقف على معدن الحق، لأنه بتعجله يحرم نفسه الصواب، ويفتح للشر الأبواب، وهو واقع أيضاً في الاعتداء على العلماء حيث نسب إليهم ما لم يقصدوه، وفهم عنهم ما لم يُريدوه.

ولو تأمل قاصد الحق غير المكابر والمعاند في ((هذا المثال)) لوجد شاهداً واضحاً بمدى التعجل الذي يقع فيه الكثيرة، وفي بيان ذلك أقول:

ينسب كثير من الناس الإمامَ الكبير شيخ المفسرين ابن جرير الطبري إلى مذهب السلف، وهو كذلك ولا شك، ولكنهم يقصدون بنسبته إلى السلف أنه يقف من الصفات والعلو نفس موقفهم الذي يعتقدون أنه موافق لموقف السلف.

ويسارعون عند أن يقفوا على تفسير (الاستواء) بــ (العلو والارتفاع) إلى المبادرة بكون الإمام ابن جرير الطبري مخالفاً للأشاعرة وموافقاً لهم، ولو (صبروا) و (تأملوا)، لوجدوا العكس تماماً، ولَعَلِموا أنه يقصد بـ(العلو والارتفاع) غير ما يقصدون، وها أنا أورد كلامه بتمامه (وهو ثمانية أسطر)، ثم أعود لبيانه وإيضاحه:

قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]: (وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه:"ثم استوى إلى السماء فسواهن"، علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سموات. والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:"ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم ينج مما هرب منه! فيقال له: زعمت أن تأويل قوله"استوى" أقبل، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال).

وقبل أن أسترسل في توضيح كلامه، أشير إلى أنه يرى التساوي في المعنى بين قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]، وقوله سبحانه:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، ولذا قال في تفسير سورة طه: (يقول تعالى ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا، وقد بينا معنى الاستواء بشواهده فيما مضى وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع). وقال مثل ذلك في تفسير سورة الأعراف.

وأعود إلى نصه في تفسير سورة البقرة:
فقد قال: (وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه:"ثم استوى إلى السماء فسواهن...) فيرى رحمه الله أن هذا القول هو الأولى والأقوى في تفسير الآية، وهو إمامٌ من أئمة أهل السنة، فلن يرجح إلا مذهبهم.

ثم بين مراده بالاستواء وأنه علو تدبير وارتفاع تدبير، فهو إذاً فِعْلٌ متعلق بخلقه، وليس (حَدَثَاً قام بذاته)، ولذا قال بعد ذلك: (فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال).

ثم ناقش المعترضين على تفسير (الاستواء) بـ (العلو والارتفاع) فقال لهم إذا كنتم تفرون من تفسير الاستواء بالعلو بسبب أن (لفظ) (العلو) يُفهم منه أنه كان قبل ذلك (تحت السماء)، فهذا التخوف منكم يلزمكم مثله إذا فسرتم (الاستواء) بـ (الإقبال) فيقال لكم أيضاً قَدْ يُفهم من (لفظ) (أقبل) أنه كان قبل ذلك (مدبراً).

ثم انتقل معهم إلى جوابهم الذي يحتجون به لإثبات أن (الاستواء) بمعنى (الإقبال) وجوابهم هو: (فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فـــــعـــــل) أي: إن احتجوا في تصحيح تفسيرهم لـ(الاستواء) بـ (الإقبال) بأن مقصودهم إقبال التدبير وليس الإقبال فِعْلاً و (حَدَثَاً قام بذاته سبحانه) .. فيقال لهم: وكذلك نحن نثبت (العلو والارتفاع) ولكن ليس بمعنى ونقول: ليس ارتفاع فــــــــعـــل وحركة، وإنما ارتفاع ملك وسلطان، وهذا نص جوابه عليهم حيث قال: (فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال).

وهذا المعنى الذي يقرره ويؤكده وينصره الإمام ابن جرير الطبري مطابق تماماً لما يقرره أهل السنة الأشاعرة، فليس الاستواء عندهم فعلاً في ذاته ولا حركةً وانتقالاً من مكانٍ إلى مكان.

إذاً ليست المشكلة في أن تفسِّرَ (الاستواء) بـ (العلو والارتفاع) إن قصدتَ ) بـ (العلو والارتفاع) كما قال ابن جرير: (علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال).

وإنما الممنوع، والذي يراه أهل السنة تشبيهاً وتجسيماً أن تقصد بـ (العلو والارتفاع) الحركة والانتقال لذات الباري تعالى من مكان إلى مكان.

وأخيراً وباختصار (الاستواء) فِعْلُ الله بالمخلوق، لا فِعْلٌ قام وحدث بذاته.

وفقنا الله للحق والصواب، وجنبنا الزيغ والارتياب.

كتبه/ سيف بن علي العصري
الأربعاء 24 من محرم 1435 هـ
الموافق 27/11/2013
صلاة العيد في البيت للمرأة

يجوز للمرأة أن تصلي صلاة العيد في البيت, فقد قال فقهاء الشافعية: إن صلاة العيد تُشرع للمنفرد والمرأة والمسافر.

ويُسن الاجتماع لها في موضع واحد, فحبَّذا لو جمعت المرأة بناتها وأمّتهم في البيت.

جاء في "المجموع" للنووي رحمه الله (5/ 26): "هل تُشرع صلاة العيد للعبد والمسافر والمرأة والمنفرد في بيته أو في غيره؟ فيه طريقان أصحهما وأشهرهما القطع بأنها تُشرع لهم".

وفي "مغني المحتاج" (1/ 587): "تُشرع للمنفرد والعبد والمرأة والمسافر فلا تتوقف على شروط الجمعة من اعتبار الجماعة والعدد وغيرهما، ويُسن الاجتماع لها في موضع واحد". والله تعالى أعلم.
*قال الإمام النووي رحمه الله*:

ذو الوجهين هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق محض وكذب وخداع وتحيل على الإطلاع على أسرار الطائفتين.

"11/405فتح الباري"
سئل ابن المبارك رحمه الله:
هل للعلماء علامة يُعرفون بها؟
قال: «علامة العالم: مَن عمل بعلمه، واستقلَّ كثير العمل من نفسه، ورغـَّب في علم غيره، وقبل الحق من كل من أتاه به، وأخذ العلم حيث وجده، فهذه علامة العالم وصفته».
قال شهاب الدين أحمد بن خفاجة الصفدي -وكان من العلماء العاملين-:

رأيتُ رسول الله ﷺ بمنامي، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في النووي؟

قال: نِعْمَ الرجلُ النووي

فقلت: صنَّف كتابًا وسمَّاه [الروضة] فما تقول فيها؟

قال: هي الروضة كما سماها

[المنهل العذب الروي]
السؤال :
حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ؟

الجواب :
هذه من أهم المسائل التي طالما اشتد نكير بعض المنتسبين إلى العلم فيها للأسف الشديد بل ويستهزئ بعضهم بفاعلها، ومن شاء ألا يمسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فلا بأس ومن شاء أن يفعل فلا إنكار عليه. وقد نص الأئمة والفقهاء في المذاهب الأربعة على جواز واستحباب مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء؛ قيل: وكأن المناسبة أنه تعالى لما كان لا يردهما صفرًا فكأن الرحمة أصابتهما فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقها بالتكريم.

1/ عن عمر رضي الله عنه  قال: كان رسول الله -ﷺ- إذا مدّ يديه في الدعاء، لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه. رواه الترمذي، حديث رقم: (٣٣٨٦).

2/ وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -ﷺ- قال: ((سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم)). رواه أبو داود، حديث رقم: (١٤٨٥).

◉‏ قال الحافظ ابن حجر: «أخرجه الترمذي، له شواهد منها حديث ابن عباس عند أبي داود، وغيره ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن».

◉‏ وقال العلّامة البسام: (والحديث قوي بمجموع طرقه، وممن_قواه: إسحاق، والنووي، وابن حجر، والمناوي، والصنعاني، والشوكاني). [توضيح الأحكام، (٧/ ٦١٢)].

3/ وقال عبدالرزاق: (باب مسح الرجل وجهه بيده إذا دعا): (٣٢٥٦):  عن ابن جريج، عن يحيى بن سعيد: أن ابن عمر كان يبسط يديه مع العاص، وذكروا أن من مضى كانوا يدعون، ثم يردون أيديهم على وجوههم ليردوا الدعاء والبركة.

4/ قال عبد الرزاق: رأيت_معمراً يدعو بيديه عند صدره، ثم يرد يديه فيمسح وجهه. وقال في باب رفع اليدين في الدعاء (٣٢٣٤): عن معمر، عن الزهري، قال: كان رسول الله -ﷺ- يرفع يديه عند صدره في الدعاء، ثم يمسح بهما وجهه. وفعله معمر، وأنا فعلته. [مصنف عبد الرزاق].

5/ أخرج البخاري عن وهب قال: (رأيتُ ابن عمر، وابن الزبير يدعوان، يديران بالراحتين على الوجه). [الأدب المفرد، ص: (٦٠٩)].

6/ قال المعتمر بن سليمان: (رأيتُ أبا كعب يدعو رافعاً يديه، فإذا فرغ مسح بهما وجهه، فقلت له: من رأيتَ يفعل هذا؟ قال: رأيت الحسن يفعله). [فض الوعاء، للسيوطي، ص: (٥٩)].

◉‏ قال الإمام الصنعاني: (وفي الحديث دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الدعا)ء. [سبل السلام، (٤/ ٦١٤)].

7 / قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : (قلتُ لأبي: يمسح بهما وجهه؟  قال: أرجو ألا يكون به بأس). [مسائل الإمام أحمد بن حنبل لابنه عبدالله، ص: (٣٣٢)].

◉‏ جاء في «حاشية الشرنبلالي على درر الحكام» من كتب الحنفية في باب «صفة الصلاة» في ذكر الأدعية والأوراد التي وردت السنة بها بعد الصلاة لكل مصل، ويستحب للمصلي الإتيان بها: «ثم يختم بقوله تعالى: ﴿سبحان ربك﴾؛ لقول علي رضي الله عنه: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه ﴿سبحان ربك﴾، ويمسح يديه ووجهه في آخره؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعوت الله فادع بباطن كفيك ولا تدع بظهورهما فإذا فرغت فامسح بهما وجهك)) رواه ابن ماجه كما في البرهان».

◉‏ وقال النفراوي في «الفواكه الدواني» من كتب المالكية: «ويستحب أن يمسح وجهه بيديه عقبه -أي: الدعاء- كما كان يفعله عليه الصلاة والسلام».

◉‏ وقد ذكر الإمام النووي من الشافعية من جملة آداب الدعاء: مسح الوجه بعد الدعاء في باب الأذكار المستحبة في كتابه المجموع فقال: «ومن آداب الدعاء كونه في الأوقات والأماكن والأحوال الشريفة واستقبال القبلة ورفع يديه ومسح وجهه بعد فراغه وخفض الصوت بين الجهر والمخافتة».

◉‏ وجزم الإمام النووي في «التحقيق» أنه مندوب كما نقله عنه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب.

◉‏ وقال العلامة البهوتي من الحنابلة: «(ثم يمسح وجهه بيديه هنا) أي: عقب القنوت (وخارج الصلاة) إذا دعا».

◉‏ وجاء في سنن أبي داود ومسند أحمد عن يزيد بن سعيد بن ثمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه.

◉‏ ونقل الإمام السيوطي عن شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر في أماليه قوله في الحديث: هذا حديث حسن.

◉‏ وقد نقل السيوطي عن الحسن البصري فعله لمسح الوجه باليدين بعد الدعاء: «قال الفريابي: حدثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا المعتمر بن سليمان قال: رأيت أبا كعب -صاحب الحرير- يدعو رافعا يديه، فإذا فرغ مسح بهما وجهه. فقلت له: من رأيت يفعل هذا؟ قال: الحسن بن أبي الحسن. إسناده حسن».

◉‏ وبناء على ما سبق فإن مسح الوجه باليدين بعد الدعاء جائز، ولا شيء فيه، بل هو من جملة آداب الدعاء ومستحباته التي ذكرها العلماء في كتبهم.
مخالفة الوهابية للحنابلة في جواز قراءة القرآن على الميت :
قال الإمام أبو بكر المروزي (من تلامذة الإمام أحمد بن حنبل) - انظر كتاب المقصد الأرشد - ما نصه:
(( سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا ءاية الكرسي وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ثم قولوا: اللهم اجعل فضله لأهل المقابر)).
ولابأس بذكر أقوال أهل المذاهب الأخرى :
الشافعية:
ذكر الإمام النووي في كتابه الأذكار أن الشافعي وأصحابه قالوا :
يستحب أن يقرءوا عنده شيئاً من القرءان، قالوا فإن ختموا القرءان كله كان حسناً عند الفراغ من دفن الميت، والشافعي نصّ على ذلك.
الحنفية:
قال الزّيلعي في كتابه (( تبيين الحقائق)) ما نصّه:
باب الحج عن الغير: الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صوماً أو حجاً أو صدقة أو تلاوة قرءان أو الدعاء أو غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه.
المالكية:
قال القرطبي في التذكرة: (( أصل هذا الباب الصدقة التي لا اختلاف فيها، فكما يصل للميت ثوابها فكذلك تصل قراءة القرءان والدعاء والاستغفار، إذ كل ذلك صدقة، فإن الصدقة لا تختص بالمال)).
وأما ما زعم بعض المفترين من أن الشافعي يُحرّم قراءة القرءان على الأموات، فهو كذب على إمامنا، وإنما كان الخلاف هل يصل الثواب أم لا يصل ولم يكن الخلاف هل يجوز القراءة أم لا تجوز.
بل إن الشافعي وغيره من سائر علماء المسلمين يقولون بوصول ثواب القراءة إذا دعا القارئ أن يصل، والذين قالوا لا يصل الثواب إنما قالوه فيمن يقرأ ولم يدع الله أن يوصله.
محل وضع اليدين حال القيام في الصلاة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن المعتمد عند أئمة الإسلام من المذاهب الأربعة وغيرها أن وضع اليدين لا يكون على الصدر، ثم اختلفوا بعد ذلك في محله،
فذهب الجمهور إلى أن اليدين توضعان فوق السرة وتحت الصدر، وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنهما توضعان تحت السرة، وذهب المالكية في المشهور إلى الإرسال،
وقد حكى هذا الخلاف جماعات من العلماء، ومن أولئك الإمام القاضي ابن هبيرة الحنبلي رحمه الله (499-560هـ) في كتابه اختلاف الأئمة العلماء فقال: (واختلفوا في محل وضع اليمين على الشمال:
فقال أبو حنيفة: يضعهما تحت السرة.
وقال مالك والشافعي: يضعهما تحت صدره وفوق سرته.
وعن أحمد ثلاث روايات أشهرها كمذهب أبي حنيفة وهي التي اختارها الخرقي، والثانية كمذهب مالك والشافعي . والثالثة التخيير بينهما وأنهما في الفضيلة سواء).
وقال العلامة السهارنفوري رحمه الله في بذل المجهود شرح سنن أبي داود: (فانحصر مذاهب المسلمين في ثلاثة: أحدها: الوضع تحت السرة. وثانيها: فوق السرة تحت الصدر. وثالثها: الإرسال.
بل انحصر الوضع في هيئتين: تحت الصدر، وتحت السرة. ولم يوجد مذهب من مذاهب المسلمين أن يكون الوضع على الصدر، فقول الوضع على الصدر قول خارج عن مذاهب المسلمين، وخارق لإجماعهم المركَّب).
وقال الإمام سليمان بن خلف الباجي المالكي في المنتقى شرح الموطأ: (وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تُوضَعُ الْيَدَانِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لِذَلِكَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمَذْهَبُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّنَّةُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَالْعَجْزِ).
ونذكر نقلاً من كل مذهب يفي بالغرض:
قال الإمام الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: (َأَمَّا مَحَلُّ الْوَضْعِ فَمَا تَحْتَ السُّرَّةِ فِي حَقِّ الرِّجْلِ وَالصَّدْرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ).
وقال الإمام ابن القاسم كما في المدونة: (وَقَالَ مَالِكٌ: فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَكَانَ يَكْرَهُهُ، وَلَكِنْ فِي النَّوَافِلِ إذَا طَالَ الْقِيَامُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ يُعِينُ بِهِ نَفْسَهُ, قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, أَنَّهُمْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ) .
وقال الإمام النووي الشافعي في المجموع: (مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ جَعْلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ فَوْقَ سُرَّتِهِ وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَدَاوُد).
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في الإنصاف: (ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ الْيُسْرَى ... وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ, وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ, وَعَنْهُ – أي: الإمام أحمد - يَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ, وَعَنْهُ يُخَيَّرُ).
وقال الإمام ابن حزم الظاهري في المحلى: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ ... وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه " أَنَّهُ كَانَ إذَا طَوَّلَ قِيَامَهُ فِي الصَّلَاةِ يُمْسِكُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ذِرَاعَهُ الْيُسْرَى فِي أَصْلِ الْكَفِّ إلَّا أَنْ يُسَوِّيَ ثَوْبًا أَوْ يَحُكَّ جِلْدًا ؟ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: ثَلَاثٌ مِنْ النُّبُوَّةِ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ, وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ, وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا, إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ, وَزَادَ: تَحْتَ السُّرَّةِ). ولم يذكر ابن حزم قولاً بالوضع على الصدر.
وأما هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يديه على صدره؟
فالجواب: أنه لم يصح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع يديه على صدره في الصلاة، وأما حديث وائل بن حجر قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره» ، فإن زيادة (على صدره) لا تصح.
وهذا الحديث قد رُوي من طرق كثيرة ليس فيها هذه الزيادة، فقد رواه عن عاصم بن كليب بشر بن المفضل وزائدة وعبد الواحد وسفيان وزهير بن معاوية وإدريس وقيس بن الربيع وعنبسة وسلام بن سليم وغيرهم، ولم يذكر أحدٌ منهم هذه الزيادة، وإنما انفرد بها مؤمل عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب.
ومؤمل يَهِمُ، بل قال البخاري منكر الحديث، فكيف والرواة، قد خالفوه فلم يذكروا هذه الزيادة، قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة مؤمل: (وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، شَدِيْدٌ فِي السُّنَّةِ، كَثِيْرُ الخَطَأِ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَعَظَّمَهُ، وَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِلاَّ أَنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ).
قال العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين: (عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى، ولم يقل: على صدره غير مؤمل بن إسماعيل).
ثم إن الإمام سفيان الثوري الذي روى عنه مؤمل هذا الحديث مذهبه وضع اليدين تحت السرة كما ذكر ذلك عنه ابن قدامة المقدسي في المغني والنووي في المجموع، ولو كانت الرواية – على صدره - ثابته لما ترك الإمام سفيان الثوري العمل بها.
ثم على افتراض ثبوت زيادة (على صدره) فهي محمولة عند الشافعية وطائفة من العلماء على أسفل الصدر وهو المحل الذي فوق السرة، بحيث يصح أن يقول الناظر إلى من قبض على هذا الوصف إنه وضع يده على صدره أو فوق سرته وتحت صدره.
فائدة :
يكره عند الحنابلة وضع اليدين على الصدر، وقد نص على ذلك جماعة منهم:
الإمام ابن مفلح الحنبلي في الفروع: (وَيُكْرَهُ وَضْعُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ – أحمد -).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد: (ويكره أن يجعلهما على الصدر وذلك لما روى عن النبي أنه نهى عن التكفير وهو وضع اليد على الصدر).
وقال الإمام منصور بن يونس البهوتي الحنبلي: (ويكره جعل يديه على صدره، نصَّ عليه مع أنه رواه). والله أعلم.

كتبه الفقير إلى عفو ربه سيف بن علي العصري
بتاريخ 8/شعبان/1429هـ الموافق 9/8/2008م
قال القرطبي رحمه الله :

"وقيل كل بلدة يكون فيها أربعة فأهلها معصومون مـن البلاء:
١ - إمام عادل لا يظلم
٢ - وعالم على سبيل الهدى
٣ - ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحرضون على طلب العلم والقرآن.
٤ - ونساؤهم مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى".

📚الجامع لأحكام القـران (٤٩/٤)
هل الأشاعرة يتركون خبر الآحاد في العقائد؟

*خبر الآحاد يأخذ به الأشاعرة في عموم العقائد وفي فروع العقائد كالتفاصيل الواردة في الغيبيات مثل صفة الصراط والحوض والميزان، لا في قطعيّها التي يبنى عليها إيمان وكفر، التي هي أصول العقائد، ولا فيما يعارض الأدلة القطعية.

* خبر الآحاد خبر ظني، واحتمال الخطأ والوهم وارد، بخلاف المتوتر أو ما أجمعت عليه الأمة فإنه يفيد القطع واليقين.

* يقوى الظن إذا روى حديثَ الآحاد العدولُ الثقات، ولكن لا يكون قطعيًّا لعدم عصمة الرواة عن الخطأ.

* يؤخذ بهذا النوع في الأحكام والحلال والحرام على سبيل الوجوب، فهو يفيد العمل لا العلم.

* معنى إفادة العمل لا العلم أي لا يفيد وجوب الاعتقاد القاطع، فلو تعارض مع خبر قطعي قُدِّم القطعي على الظنّي، فالظنيّ في الاعتقاد: موكّد لا مؤسِّس.

بخلاف الأحكام، فإن الأحكام العملية من حلال وحرام ومكروه ونحوها يبنى على الآحاد المقبولة.

*انكار خبر الآحاد بالتشهي والهوى مذموم ومرتكبه فاسق سواء في الفقيهات أو العقائد.

* ما جاء في أحاديث الآحاد في العقائد وهو يخالف القطعيات يُحمَل على التأويل إذا كان مدوّنًا في الصِّحاح.

* هناك فرق بين حُجّية الدليل وبين قطعيته، وكتب المذهب في قسم السمعيات حافلة بأحاديث الآحاد.
قال الإمام البيهقي، رحمه الله تعالى:

" قلت: والمحدثات من الأمور، على ما أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان..

أحدهما: ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة.

والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة.
وقد قال عمر، رضي الله عنه، في قيام شهر رمضان: نعمتِ البدعةُ هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردٌّ لما مضى".
[مناقب الشافعي]
قال ابن رجب الحنبلي:
والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة.
جامع العلوم والحكم
ابن القيم وشيخه ابن تيمية رحمهما الله (يخصصان) وقتا محدد لذكر محدد بعدد محدد ثم يجيزان فائدة مجربة لهذا الذكر ويرشدان إليها الناس.

يقول ابن القيم في مدارج السالكين: (ومن تجريبات السالكين التي جربوها فألفوها صحيحة أن من أدمن (يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت)
أورثه ذلك حياة القلب والعقل.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديد اللهج بها جدا،
وقال لي يوما: لهذين الاسمين وهما (الحي - القيوم) تأثير عظيم في حياة القلب،
وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم،
وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرة كل يوم بين (سنة الفجر وصلاة الفجر) يا حي يا قيوم ، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث
حصلت له حياة القلب،
ولم يمت قلبه).
2025/07/07 08:57:19
Back to Top
HTML Embed Code: