Telegram Web Link
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
Forwarded from 🌸 الرَّيحَانَةُ وَالجَوهَرَةُ 💎 (✿أمُّ عبدُالمَجيد بنتُ عبدُالمَجيد✿)
⚪️ #جمعتين_في_مسجد

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«فالأصلُ المقرَّرُ أَنْ تُقامَ ـ في مسجدٍ واحدٍ ـ جُمُعةٌ واحدةٌ في الأسبوعِ، ولا أَعلمُ تعدُّدَ الجُمُعةِ في مسجدٍ واحدٍ مرَّتين، غير أنَّه قد تصحُّ إقامةُ جُمُعةٍ ثانيةٍ في مِثلِ هذه الظُّروفِ الطَّارئة والحَرِجةِ ـ استثناءً منَ الأصلِ المَعهودِ ـ لِئلَّا تتعطَّل الجُمعةُ في حقِّهم أو تُضيَّع، لَكِنْ بقيدين احتياطيَّيْن:

الأوَّل: أَنْ تكون الجُمُعةُ الأُولى في وقتها الأَوَّل وهو قَبل الزَّوال، وتُقامَ الجمعةُ الثَّانية بعد الزَّوال في وقتها الثَّاني، لجوازِ إقامتِها في هذين الوقتَين، علمًا أنَّ إقامةَ الجمعةِ قبلَ الزَّوالِ هو مذهبُ أحمدَ واختيارُ الشَّوكانيِّ(١) بناءً على الأحاديث الواردة في ذلك: كحديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما، وقد سأله محمَّدٌ الباقر بنُ عليِّ بنِ الحسين: «مَتَى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؟» قَالَ: «كَانَ يُصَلِّي، ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ»(٢)، وجرى عليه عملُ الصَّحابة رضي الله عنهم فعن عبدِ اللَّه بنِ سِيدانَ السُّلَمِيِّ، قال: «شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْنَا مَعَ عُمَرَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ تَنَصَّفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْنَا مَعَ عُثْمَانَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ زَالَ النَّهَارُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ»(٣).

القيد الثاني: يُستحَبُّ أَنْ يكونَ خطيبُ الجُمُعةِ الأُولى غيرَ خطيبِ الجُمُعة الثَّانية، حتَّى تقعَ نيَّةُ المَأمومِ مُوافِقةً لِنِيَّةِ الإمامِ في الفَريضةِ خروجًا مِنَ الخلافِ، لكِنْ إِنْ صلَّى بِهم الخطيبُ الأوَّلُ بنِيَّةٍ مُبايِنةٍ صَحَّتِ الصَّلاةُ ـ أيضًا ـ على أرجح القولين؛ ولهما أَنْ يَخْطُبا الخُطبةَ نَفْسَها في الموضوع نفسِه تفاديًا لاجتماع النَّاس عند خطيبٍ دون آخَرَ، غير أنَّ الأحوطَ للمُصلِّين أَنْ يُصلُّوا مع الخطيب الأوَّل ـ إِنْ أَمكنَ ـ في حدودِ طاقةِ المسجدِ حتَّى لا نتعدَّى قَدْرَ الحاجة.

ويجدر التَّنبيهُ إلى أنَّ هذا كُلَّه إذا لم يُمكِن للمتخلِّفين عن الجمعة الأولى إقامةُ الجُمُعة في بيوتهم أو في مَحَلَّاتٍ يجتمعون فيها لعدمِ توفُّرِ النِّصاب وهو رَجلان: خطيبٌ ومأمومٌ على الصَّحيح، أو لعدمِ تيسُّرِ استقبالِ رَجلٍ في البيت لضِيقه أو نحوِ ذلك(٤)».

🔗 http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1307
https://www.tg-me.com/a9wal_ferkousse/1217

(١) انظر: «المغني» لابن قدامة (٢/ ٢٦٤)، «السيل الجرَّار» (١/ ٢٩٦) و«نيل الأوطار» (٣/ ٣٠٩) كلاهما للشوكاني.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الجمعة» (٨٥٨).

(٣) أخرجه عبد الرزَّاق (٥٢١٠)، وابنُ أبي شيبة (٥١٣٢)، والدارقطني (١٦٢٣).

(٤) انظر الفتوى رقم: (١٢٣١) الموسومة ﺑ: «في حكم الجمعة في الأبنية حالَ العجز عن أدائها في المسجد الجامع» على الموقع الرسميِّ
في ضابط جواز #رفع_اليدين_في_الدعاء

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«وإذا تقرَّر أنَّ الأصل في آداب الدعاء وأسباب الإجابة رفعُ اليدين مطلقًا إلاَّ أنه يُستثنى منه الدعاءُ المقيَّد بعبادةٍ نُقلت صفتُها مجرَّدةً مِن رفع اليدين بالنقل الثابت، فتكون -والحال هذه- مستثناةً مِن الأصل السابق بالسنَّة التركية مثل: رفعِ اليدين مِن الدعاء في الصلاة أو في التشهُّد الأخير أو حالَ الخطبة يوم الجمعة وغيرها مِن العبادات الخالية مِن رفع اليدين».

🔗 https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1120
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
في حكم #كشف_الفخذ.

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«فقَدْ تَنازَع العلماءُ في كون الفخذِ عورةً على مذاهبَ، ولكُلٍّ أدلَّةٌ ثابتةٌ وصحيحةٌ لكنَّها مُتعارِضةٌ، وإعمالُ الجمع فيها متعذِّرٌ، والصيرورةُ إلى الترجيح حتمٌ، ولا يخفاك أنَّ الذي يرى عدمَ معارضةِ الدليل الفعليِّ للقوليِّ كالشوكانيِّ ـ رحمه الله ـ لا يصير إلى الترجيح لانتفاء التعارض بين الأدلَّة؛ إذِ الترجيحُ لا يحصلُ إلَّا عند حدوث التعارض، وعند مَنْ يَعتبر هذا فلا إشكالَ عنده في كونِ الفخذ عورةً إعمالًا للأدلَّة القولية.
وإذا أنعَمْتَ النظرَ وجَدْتَ ـ فضلًا عن تعارُضِ الأدلَّة ـ تعارُضَ ترجيحين: الأوَّلُ باعتبار السند، ومعارِضُه الآخَرُ باعتبار المتن والحكمِ أو المدلول:
ـ فباعتبار السند يظهر دليلُ مَنْ قال: إنَّ الفخذ ليس بعورةٍ؛ استنادًا إلى ما رواه البخاريُّ مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ خيبر «حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(١)؛ إذ هو أصحُّ إسنادًا مِنْ حديثِ جَرْهدِ بنِ خُوَيْلدٍ الأسلميِّ رضي الله عنه الذي رواهُ مالكٌ وعلَّقه البخاريُّ في «صحيحه»: «إِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ»، وفي لفظٍ للترمذيِّ: «غَطِّ فَخِذَكَ؛ فَإِنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ»(٢)، وما كان أقوى سندًا أحقُّ بالتقديم.
أمَّا باعتبار المتن فتظهر أدلَّةُ مَنْ قال: إنَّ الفخذَ عورةٌ أقوى؛ لأنها أدلَّةٌ قوليةٌ تُقابِلها أدلَّةٌ فعليةٌ، و«الْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ»؛ حيث إنَّ الفعلَ يدخله احتمالاتٌ مِنْ خصوصيةٍ وسهوٍ وذهولٍ بخلاف القول، وما لا يدخله احتمالٌ أَوْلى بالتقديم لقوَّته.
كما تظهرُ أدلَّةُ مَنْ يرى الفخذَ عورةً باعتبارِ أنَّ الحكم أو المدلول أَوْلى لكونِها حاظرةً ـ أي: تُفيدُ التحريمَ ـ في حينِ أنَّ أدلَّةَ المعارِضِ تُفيدُ الإباحةَ، ولا يخفى أنَّ «النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى الْمَنْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّالِّ عَلَى الإِبَاحَةِ»؛ لأنَّ تَرْكَ المباحِ أهونُ مِنِ ارتكابِ حرامٍ.
ويمكن تحريرُ القولِ بين الترجيحين المتعارِضين بأنَّ حديثَ أنسٍ رضي الله عنه وإِنْ كان أصحَّ سندًا إلَّا أنَّ دلالتَه محتملةٌ للوجوهِ التاليةِ:
١ ـ أنه محتملٌ للخصوصيةِ ولغيرِها مِنَ المحتملاتِ.
٢ ـ أنه لا يظهر مِنْ فعلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التقصُّدُ والعمديةُ.
٣ ـ أنه حادثةُ حالٍ وواقعةُ عينٍ لا عمومَ لها.
٤ ـ أنه قبل ورودِ النهي عنه.
ولو لم تَرِدْ على حديثِ أنسٍ رضي الله عنه هذه الوجوهُ لكان الترجيحُ به أقوى وأَوْلى، أمَّا حديث جَرهدٍ رضي الله عنه؛ فيترجَّح باعتبارِ أنه تشريعٌ عامٌّ يَلْزَمُ العملُ به، علمًا أنَّ تقريرَ تحريمِ الفخذِ هو مِنْ قَبيلِ المحرَّم لغيره عملًا بمبدإ سدِّ الذريعة؛ إذ إنَّ لكُلِّ مُحَرَّمٍ حريمًا يحيط به، و«الْحَرِيمُ لَهُ حُكْمُ مَا هُوَ حَرِيمٌ لَهُ»، ولا يخفى أنَّ الحريمَ أخفُّ مِنَ المحرَّمِ، وعورةَ الفخذين أهونُ مِنْ عورةِ السوأتين؛ فالأُولى عورةٌ مخفَّفةٌ والثانيةُ مغلَّظةٌ؛ ولذلك حُرِّمَ الاختلاطُ والخلوةُ بالأجنبيةِ لأنَّها مقدِّمةُ الجماع، والجماعُ أشدُّ تحريمًا مِنْ مقدِّماتِه؛ فكان تحريمُهما أَسَدَّ للوقوعِ في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فيه، وحُرِّمَ تخليلُ الخمرِ وإِنْ كان لا يُسْكِرُ لأنّه يُفْضِي إلى السُّكرِ ويدعو إليه؛ فكذلك حُرِّمَ النّظرُ إلى الفخذِ لاتِّصالِه بالسَّوْأتين، وهذه الْحُرمةُ مُنسحِبَةٌ على حريمه كالمُقارِب لحِمَى الحرام؛ وقايةً له وسياجًا مانعًا حَوْلَه، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ»(٣)».

🔗 https://ferkous.com/home/?q=fatwa-52

الجزائر في: ٥ جمادى الأولى ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ سبتمبر ١٩٩٦م

(١) أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ ما يُذْكَر في الفَخِذ (٣٧١)، ومسلمٌ في «النكاح» (١٣٦٥)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.

(٢) علَّقه البخاريُّ بصيغة التمريض عن ابنِ عبَّاسٍ وجَرْهدٍ ومحمَّد [بنِ عبد الله] بنِ جحشٍ رضي الله عنهم في «الصلاة» (١/ ٤٧٨) بابُ ما يُذكر في الفخذ، وقال: «وحديثُ أنسٍ أَسْنَدُ، وحديثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حتَّى يُخْرَج مِنِ اختلافهم»، وأخرجه أبو داود في «الحمَّام» باب النهي عن التعرِّي (٤٠١٤)، والترمذيُّ في «الأدب» بابُ ما جاء أنَّ الفَخِذ عورةٌ (٢٧٩٥، ٢٧٩٧، ٢٧٩٨)، ومالكٌ ـ مِنْ روايةِ أبي مُصعبٍ الزهريِّ المدنيِّ ـ في «الجامع» باب ما يُكْرَهُ مِنَ الصدقة (٢١٢٢).
قال الحافظ ـ رحمه الله ـ في [«الفتح» (١/ ٤٧٨)]: «وحديثُه موصولٌ عند مالكٍ في «الموطَّإ» والترمذيِّ وحسَّنه، وابنِ حبَّان وصحَّحه، وضعَّفه المصنِّفُ في «التاريخ» للاضطراب في إسناده، وقد ذكَرْتُ كثيرًا مِنْ طُرُقه في «تغليق التعليق»»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١٦٨٣).

(٣) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ فضلِ مَنِ استبرأ لدِينه (٥٢)، ومسلمٌ في «المساقاة» (١٥٩٩)، مِنْ حديثِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما.
في حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«اعلم ـ رحمك الله ـ أنَّ مِنْ وجوهِ النَّصيحةِ لأئمَّةِ المُسلمين: تذكيرَهم بالمَسؤوليَّةِ المُلْقاةِ على عاتِقِهم، وتعريفَهم بالأخطاء والمُخالَفات التي وَقَعوا فيها برِفقٍ وحِكمةٍ ولُطْفٍ، والأصلُ في وَعْظِهم أَنْ يكون سِرًّا عند الإمكانِ مِنْ غيرِ فضحٍ ولا توبيخٍ ولا تشنيعٍ، قال الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «مَنْ وَعَظَ أخاهُ سِرًّا فقَدْ نَصَحَه وَزَانَه، ومَنْ وَعَظَه عَلَانِيَةً فقَدْ فَضَحَه وشانَهُ»(١)، وقال ابنُ رجبٍ ـ رحمه الله ـ: «وكان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحَدٍ وَعَظوهُ سرًّا، حتَّى قال بعضُهم: «مَنْ وَعَظَ أخاهُ فيما بينه وبينه فهي نصيحةٌ، ومَنْ وَعَظَهُ على رؤوسِ النَّاس فإنَّما وبَّخهُ»، وقال الفضيلُ ـ رحمه الله ـ: «المُؤمنُ يَسْتُرُ ويَنصَحُ، والفاجرُ يَهْتِكُ ويُعيِّرُ»، وقال عبد العزيز بنُ أبي روَّادٍ ـ رحمه الله ـ: «كان مَنْ كان قبلَكم إذا رأى الرجلُ مِنْ أخيه شيئًا يأمره في رِفقٍ فيُؤْجَرُ في أَمْرِه ونَهْيِه، وإنَّ أَحَدَ هؤلاء يخرق بصاحِبِه فيَسْتَغْضِبُ أخاهُ ويَهْتِكُ سِتْرَهُ»، وسُئِلَ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن أَمْرِ السُّلطان بالمَعروف ونَهْيِه عن المُنْكَرِ فقال: «إِنْ كُنْتَ فاعلًا ولا بُدَّ ففيما بينك وبينه»»(٢)، وقال يحيى بنُ مَعِينٍ: «مَا رَأَيْتُ عَلَى رَجُلٍ خَطَأً إِلَّا سَتَرتُهُ وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُزَيِّنَ أَمرَهُ، وَمَا اسْتَقبَلتُ رَجُلًا فِي وَجْهِهِ بِأَمرٍ يَكرَهُهُ، وَلَكِنْ أُبَيِّنُ لَهُ خَطَأَهُ فِيمَا بَينِي وَبَيْنَهُ، فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ وَإِلَّا تَرَكتُهُ»(٣).

ويتمُّ وَعْظُ وُلاةِ الأُمورِ سِرًّا؛ إمَّا عن طريقِ خِطابٍ سِرِّيٍّ مُرْسَلٍ إليهم عبرَ البريدِ الخاصِّ أو الإلكترونيِّ، وإمَّا بتسليمِه لهم يدويًّا بواسطةِ ثِقَةٍ، أو بطلبِ لقاءٍ أَخَويٍّ يُسِرُّ إليهم فيه بالنَّصيحةِ، ونحوِ ذلك مِنْ أسبابِ حُصولِ الانتفاعِ بالنَّصيحةِ في مَجالِ الدَّعوةِ والتَّعليمِ والإعلامِ؛ وعلى هذا يُحمَل حديثُ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُو بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ»(٤).

أمَّا إذا لم يُمكِنْ وَعظُهُم سِرًّا في إزالةِ مُنكرٍ وقَعوا فيه علنًا، وغَلَبَ على الظَّنِّ تحصيلُ الخيرِ بالإنكارِ العَلَني مِنْ غيرِ تَرَتُّبِ أيِّ مفسدةٍ فإنَّه يجوزُ ـ والحال هذه ـ نصيحتُهم والإنكارُ عليهم عَلَنًا دون هتكٍ ولا تعييرٍ ولا تشنيعٍ، وهو ما تقتضيه الحِكمةُ مِنْ إنكارِ المُنكرِ وإحقاقِ الحقِّ وتحصيلِ الخيرِ، فقد أنكر الصَّحابيُّ الجليلُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضي اللهُ عنه على مروانَ بنِ الحَكَمِ في تقديمِهِ الخُطبةَ على صلاة العيد من غير تشهيرٍ ولا تأليبٍ، ولكنَّه كان علنًا على مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنَ الصَّحابةِ وغيرِهم مِنْ غيرِ نكيرٍ(٥)، ويؤيِّدُه ما قاله أبو قلابة: «كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: قَالُوا: أَبُو الْأَشْعَثِ، أَبُو الْأَشْعَثِ، فَجَلَسَ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أُعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى»، فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ! فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ القِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: «لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ ـ أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ ـ مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ»»(٦).
وهذا غيضٌ مِن فَيْضٍ من إنكارِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم على الأمراءِ والوُلاةِ، وفي هذا السِّياق قال ابنُ القيِّمِ ـ رحمه الله ـ: «ما قاله عبادةُ بنُ الصَّامِتِ وغيرُه: بايعنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم على أن نقولَ بالحقِّ حيث كُنَّا، ولا نخافَ في اللهِ لومةَ لائمٍ ونحن نشهدُ [بالله] أنَّهم وَفَّوْا بهذه البَيعةِ، وقالوا بالحقِّ، وصَدعوا به، ولم تأخذهم في اللهِ لومةُ لائمٍ، ولم يكتموا شيئًا منه مخافةَ سوطٍ ولا عصًا ولا أميرٍ ولا والٍ كما هو معلومٌ لِمَن تأمَّلَهُ مِنْ هديهِم وسيرتِهم، فقد أنكر أبو سعيدٍ على مروانَ وهو أميرٌ على المَدينةِ، وأنكر عُبادةُ بنُ الصَّامِتِ على معاويةَ وهو خليفَةٌ، وأنكر ابنُ عمرَ على الحَجَّاج مع سَطوتِهِ وبأسِهِ، وأنكرَ على عمرٍو بنِ سعيدٍ وهو أميرٌ على المَدينةِ، وهذا كثيرٌ جِدًّا مِن إنكارِهم على الأمراءِ والولاةِ إذا خرجوا عن العَدلِ لم يخافوا سَوْطَهُم ولا عقوبتَهم، ومَن بعدَهم لم تكن لهم هذه المَنزلةُ، بل كانوا يتركون كثيرًا مِنَ الحقِّ خوفًا مِنْ وُلاةِ الظُّلم وأمراءِ الجَوْرِ، فمِنَ المُحالِ أن يُوفَّق هؤلاءِ للصَّوابِ ويُحرَمَهُ أصحابُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم»(٧).

عِلمًا أنَّ النَّصيحةَ العَلَنيةَ تُؤدَّى مِنْ غيرِ هَتْكٍ ولا تعييرٍ ولا تشنيعٍ لمُنافاتِها للجانب الأخلاقيِّ، ولا خروجٍ بالقول والفِعلِ لمُخالَفتِه لِمَنهجِ الإسلامِ في الحُكمِ والسِّياسةِ، بَلْهَ إذا أجازوا تقديمَ النَّصيحةِ أمامهم عَلَنًا، وفَتَحوا على أَنْفُسهم بابَ إبداءِ الرَّأي والانتقادِ وأَذِنوا فيه، وهذا متضمَّنٌ في قولِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: «وإِنْ رَأَيْتُمُونِي عَلَى بَاطِلٍ فَسَدِّدُونِي»، وفي لفظٍ: «وَإِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي»(٨)، قال النَّووي ـ رحمه الله ـ: «وَفيهِ الأَدبُ مع الأُمَرَاءِ واللُّطفُ بِهم وَوَعْظُهُمْ سِرًّا وَتَبْلِيغُهُمْ ما يقولُ النَّاسُ فِيهِم لِيَنْكَفُّوا عَنهُ، وَهَذَا كُلُّه إذا أَمكَنَ ذلك، فإِنْ لم يُمكنِ الوَعظُ سِرًّا وَالإِنكارُ فَلْيَفْعَلْهُ عَلانيَةً؛ لِئَلَّا يَضِيعَ أَصلُ الحَقِّ»(٩)، وقال ـ رحمه الله ـ في موضعٍ آخر: «قال العلماءُ: ولا يَختصُّ الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المُنكَرِ بأصحابِ الولاياتِ، بل ذلك جائزٌ لآحادِ المُسلمينَ؛ قال إمامُ الحَرمَينِ: والدَّليلُ عليه: إجماعُ المُسلمينَ، فإنَّ غَيْرَ الوُلاةِ في الصَّدرِ الأَوَّلِ والعَصرِ الَّذي يليهِ كانوا يَأمرونَ الوُلاةَ بِالمَعروفِ ويَنهَوْنَهم عَنِ المُنكَرِ، مع تقريرِ المُسلمِينَ إيَّاهم وتركِ توبيخِهم على التَّشاغُل بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ مِنْ غيرِ وِلايةٍ»(١٠)، علمًا أنَّ كلمةَ الحقِّ تَعْلُو على منصبِ الإمامةِ، وهَيبةُ السُّلطانِ لا تمنعُ الرَّدَّ عليه وإنكارَ مَقالتِهِ بالتلطُّف واللِّين بضوابطِ النَّصيحةِ وشُروطِهَا المُتقدِّمةِ مِنْ باب إرادةِ الخير وكراهةِ الشرِّ له، وذلك مِنْ حقِّ الإمام على الأمَّة، وفيه إحياءٌ له وإنقاذٌ له مِنَ التقاحم في النَّارِ، ويشهدُ لذلك ما أخرجه الطَّبَرَانِيُّ في «المُعجم الكبير»(١١) و«الأوسط»(١٢)، وأبو يعلى في «مسنده»(١٣)، وابنُ عساكر في «تاريخ دمشق»(١٤)، مِن حديثِ مُعاويةَ رضي الله عنه أنَّه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ كَمَا تَقَاحَمُ القِرَدَةُ»(١٥)، قال الصَّنعانِيُّ ـ رحمه الله ـ شارحًا معنى الحديث: ««سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ» أي: المُنْكَرَ مِنَ القَوْلِ، بدليل قوله: «فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ» مهابةً لهم وخوفًا مِن بطشهِم، «يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ»، أي: يقعونَ فيها كما يَقتحِمُ الإنسانُ الأمرَ العظيمَ ويرمي نفسَهُ فيه بلا رَوِيَّةٍ، «كَمَا تَقَاحَمُ القِردةُ» أي: في الأمرِ الذي يثبت عليه هذا، ويحتملُ أنَّ الضَّميرَ «يَتَقَاحَمُونَ» للأئمَّةِ ولِمَن لم يَرُدَّ عليهِم مُداهنَةً وتهاوُنًا في الدِّينِ»(١٦).

وجديرٌ بالتنبيه أنَّه إذا غَلَبَ على الظَّنِّ عدمُ زوالِ المَفسدةِ والمُنكَرِ بالوعظِ العَلَني، بل قد يترتَّبُ عليه نتائجُ عكسيَّةٌ مُضِرَّةٌ بالدَّعوةِ إلى اللهِ وبالنَّاصحين علنًا، فإنَّ ما تقتضيه المَصلحةُ ـ والحال هذه ـ تجنُّبُ الإنكارِ العَلَنيِّ والاكتفاءُ بوعظهم سِرًّا عند الإمكان، قال ابن العثيمين ـ رحمه الله ـ: «فإذا رأينا أنَّ الإنكار علنًا يزولُ به المُنكَرُ ويحصلُ به الخيرُ فلنُنْكِرْ عَلَنًا، وإذا رأينا أنَّ الإنكارَ عَلَنًا لا يزول به الشَّرُّ، ولا يحصل به الخيرُ بل يزدادُ ضغطُ الوُلاةِ على المُنكرينَ وأهلِ الخيرِ، فإنَّ الخيرَ أَنْ نُنكرَ سِرًّا، وبهذا تجتمعُ الأدلَّة، فتكونُ الأدلَّةُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكون
علنًا: فيما إذا كُنَّا نتوقَّعُ فيه المَصلحةَ، وهي حصولُ الخيرِ وزوالُ الشَّرِّ، والنُّصوصُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكونُ سِرًّا: فيما إذا كان إعلانُ الإنكارِ يزدادُ به الشَّرُّ ولا يحصلُ به الخيرُ»(١٧)».

🔗 http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1260


الجزائر في: ١٧ شوال ١٤٤٢هـ

المـوافــق ﻟ: ٢٩ ماي ٢٠٢١م


(١) «حلية الأولياء» لأبي نُعَيْم (٩/ ١٤٠)، «شرح مسلم» للنَّوويِّ (٢/ ٢٤).

(٢) «جامِع العلوم والحِكَم» (٧٧).

(٣) انظر: «سِيَر أعلام النُّبلاء» للذَّهبي (١١/ ٨٣).

(٤) أخرجه ابنُ أبي عاصمٍ في «السُّنَّة» (٢/ ٥٢١)، من حديث عِيَاضِ بنِ غُنْمٍ رضي الله عنه، وصحَّحه الألبانيُّ في «ظلال الجنة» (١٠٩٦).

(٥) أخرجه البخاريُّ في «أبواب العيدين» (٢/ ١٧) باب الخروج إلى المُصلَّى بغير منبرٍ، ومسلمٌ في «صلاة العيدين» (١/ ٦٩) باب بيانِ كونِ النَّهيِ عن المُنكَرِ مِنَ الإيمانِ، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه

(٦) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١١/ ١٣)، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا.

(٧) «إعلام الموقعين» لابن القيم (٤/ ١١٠).

(٨) أخرجه ابن جرير في «التاريخ» (٢/ ٢٣٧)، وابن هشام في «السِّيرة النَّبوية» مِنْ طريق محمَّدِ بنِ إسحاق بن يسار عن الزُّهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال ابنُ كثيرٍ [في «البداية والنهاية» (٥/ ٢٤٨، ٦/ ٣٠١)]: «وهذا إسناد صحيح».

(٩) «شرح مسلم» (١٨/ ١١٨)

(١٠) المصدر السابق (٢/ ٢٣).

(١١) (١٩/ ٣٩٣).

(١٢) (٥/ ٢٧٩).

(١٣) (١٣/ ٣٧٣).

(١٤) (٥٩/ ١٦٨).

(١٥) الحديث صَحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (٤/ ٣٩٨)، وحسين أسد مُحقِّق «مسند أبي يعلى» (١٣/ ٣٧٣).

(١٦) «التَّنوير شرح الجامع الصغير» (٦/ ٣٩٠).

(١٧) «لقاء الباب المفتوح» (٦٢/ ١٠).
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🌸 الرَّيحَانَةُ وَالجَوهَرَةُ 💎
في حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله: «اعلم ـ رحمك الله ـ أنَّ مِنْ وجوهِ النَّصيحةِ لأئمَّةِ المُسلمين: تذكيرَهم بالمَسؤوليَّةِ المُلْقاةِ على عاتِقِهم، وتعريفَهم بالأخطاء والمُخالَفات التي وَقَعوا فيها برِفقٍ وحِكمةٍ…
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«فقبل الإجابةِ عن هذا الاعتراضِ، فنصيحتي لِمَن أراد أَنْ يلتزمَ ـ حقيقةً ـ منهجَ أهلِ السُّنَّةِ في تقريرِ المَسائلِ العِلميَّةِ وتحريرِ أحكامِها وتفنيدِ شُبُهاتِها ـ سواءٌ كانت عقَديَّةً أو منهجيَّةً أو فِقهيَّةً أو غيرَها ـ: أَنْ يتجرَّد عن الهوى والتَّعصُّبِ، وأن يتحرَّر مِن تأثيراتِ المُعرِضين عن الحقِّ من المُرجِفين المُتربصين، وإملاءاتِ المُغرِضين بالباطل من الشَّانئينَ والمُناوئين، ويَتجنَّب مكرَ الحاقدين مِنَ المُخذِّلين وأضرابِهم وأشباهِهم وأذنابِهم، وأن يُعظِّمَ نصوصَ الكتابِ والسُّنَّةِ، ويعتقدَ في كلِّ ما تتضمَّنه النُّصوصُ وتَحتويه وتدلُّ عليه أنَّه هو الحقُّ والهُدَى والصَّواب؛ لأنَّ الحقَّ والصَّوابَ ما وافقَ الدَّليلَ مِنْ غيرِ النَّظرِ إلى قِلَّةِ المُقبلينَ ومحبَّةِ المُوافقينَ ولو كثُروا، ولا الْتفاتٍ إلى كَثرةِ المُعرضين أو نفورِ المُعارِضين ولو قلُّوا، كما قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ: «اتَّبِع طُرُقَ الهدى، لا يَضرُّك قِلَّةُ السَّالكين، وإيَّاكَ وطرقَ الضَّلالةِ ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكين»، فالحقُّ ـ إذن ـ لا يوزن بالرِّجالِ، وإنَّما يوزن الرِّجالُ بالحقِّ، فاعرفِ الحقَّ تعرفْ رجالَهُ، كما عليه أَنْ يعتقد أنَّ في مخالفةِ النُّصوصِ الخطأَ والباطل والضَّلال ﴿فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ ﴾ [يونس: ٣٢]، وأنَّ معارضةَ نصوصِ الوحيِ بآراءِ الرِّجالِ والأهواءِ هو صنيعُ أهلِ البِدعِ والمقلِّدة، وأَنْ يُصدِّقَ بجميعِ نُصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ ويؤمنَ بها على مُراد الله ورسولِه، ومَتَى استبانَ الحقُّ مِنَ الشَّرعِ وجبَ اتِّباعُهُ وتقديمُهُ على غيره كائنًا مَنْ كان، فالشَّرعُ حاكمٌ بإطلاقٍ مُقدَّمٌ بإطلاقٍ، إذ كلُّ قولٍ يُحتجُّ له خلا قولَ النَّبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم فإنَّه يُحتجُّ به؛ قال تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ١﴾ [الحجرات]، وينبغي عليه ـ أيضًا ـ أَنْ يَستدِلَّ بالنُّصوص الشَّرعية مُجتمعةً فلا يأخذُ بعضَها ويُهمِلُ بعضَها الآخرَ ما لم يَكُنْ منسوخًا؛ لقوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّ القُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ»(١)، والسُّنَّةُ في ذلك كالقرآن، لأنَّ هذه النُّصوصَ خرجت مِن مِشكاةٍ واحدةٍ، وإعمالُ الأدلَّةِ كلِّها أَولَى مِن إهمالِها أو إهمالِ بعضِها على ما تجري عليه قواعدُ دفعِ التَّعارضِ.

فإذا تقرَّرَ ذلك فإنَّ القولَ بأنَّ حديثَ مُعاوية رضيَ الله عنه أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: «سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ، يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ كَمَا تَقَاحَمُ القِرَدَةُ»(٢)، ليس فيه دلالةٌ على الإنكار: فغير سديدٍ، ويشهدُ على صحَّةِ الاستدلالِ به ـ في هذا المَقامِ ـ ما يأتي:».

🔗 http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1261

الجزائر في: ٢١ شوَّال ١٤٤٢هـ

المـوافــق ﻟ: ٠٢ جوان ٢٠٢١م

(١) أخرجه أحمد في «مُسنَده» (٢/ ١٨١) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما، والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٠/ ١٧٤)، والألباني في تحقيقه ﻟ «شرح الطحاوية» (٢٠٠)، وقال محقِّقو «مُسند أحمد» طبعةِ الرِّسالة (١١/ ٣٠٥): «صحيحٌ، وهذا إسنادٌ حسنٌ».

(٢) الحديث صَحَّحه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (٤/ ٣٩٨)، وحسين أسد مُحقِّق «مسند أبي يعلى» (١٣/ ٣٧٣).
🌸 الرَّيحَانَةُ وَالجَوهَرَةُ 💎
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله: «فقبل الإجابةِ عن هذا الاعتراضِ، فنصيحتي لِمَن أراد أَنْ يلتزمَ ـ حقيقةً ـ منهجَ أهلِ السُّنَّةِ في تقريرِ المَسائلِ العِلميَّةِ وتحريرِ أحكامِها وتفنيدِ شُبُهاتِها…
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«ـ أوَّلًا: أنَّ في الحديثِ قصَّةً ثبت فيها الرَّدُّ على معاويةَ رضيَ الله عنه عَلَنًا، فقد جاء في الحديثِ عند الطبراني: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا ضِمَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَبِيلٍ، يَأْثُرُ(٣) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ صَعِدَ المِنْبَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَالَ عِنْدَ خُطْبَتِهِ: «إِنَّمَا المَالُ مَالُنَا، وَالفَيْءُ فَيْئُنَا، فَمَنْ شَاءَ(٤) أَعْطَيْنَاهُ وَمَنْ شِئْنَا مَنَعْنَاهُ»، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا كَانَ الجُمُعَة الثَّانِيَة قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا كَانَ الجُمُعَة الثَّالِثَة قَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: «كَلاَّ، إِنَّمَا المَالُ مَالُنَا وَالفَيْءُ فَيْئُنَا، فَمَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ [حَاكَمْنَاهُ إِلَى اللهِ بِأَسْيَافِنَا](٥)»، فَنَزَلَ مُعَاوِيَةُ فَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ فَأَدْخَلَهُ، فَقَالَ القَوْمُ: «هَلَكَ الرَّجُلُ»، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ فَوَجَدُوا الرَّجُلَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ: «إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَحْيَانِي ـ أَحْيَاهُ اللَّهُ ـ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونُ وَلاَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ كَمَا تَتَقَاحَمُ القِرَدَةُ»، وَإِنِّي تَكَلَّمْتُ أَوَّلَ جُمُعَةٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَخَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَكَلَّمْتُ فِي الجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنِّي مِنَ القَوْمِ، ثُمَّ تَكَلَّمْتُ فِي الجُمُعَةِ الثَّالِثَةِ فَقَامَ هَذَا الرَّجُلُ فَرَدَّ عَلَيَّ فَأَحْيَانِي ـ أَحْيَاهُ اللَّهُ ـ»»(٦).

فمحلُّ الشَّاهد منه: أنَّ الرَّجلَ الذي حضر المَسجدَ أنكرَ عَلَنًا على معاويةَ رضي الله عنه فقال: «كَلاَّ، إِنَّمَا المَالُ مَالُنَا وَالفَيْءُ فَيْئُنَا، فَمَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَاكَمْنَاهُ إِلَى اللهِ بِأَسْيَافِنَا»، ومعاوية رضي الله عنه لم يَزجُرهُ على صنيعه، ولم يأمُره بالإنكارِ السِّريِّ مع أنَّ الرَّجل كان قادرًا عليه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم في القواعد، وإنَّما أثنى عليه بقوله: «أَحْيَانِي أَحْيَاهُ اللَّهُ» لعلمه رضي الله عنه بما يتضمَّنه الحديثُ مِن دلالة، فهو راوي الحديث وهو أعلمُ بما روى، وموقفُهُ هذا موافقٌ للحديث، ولِمَا عليه السَّلفُ».

🔗 http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1261

الجزائر في: ٢١ شوَّال ١٤٤٢هـ

المـوافــق ﻟ: ٠٢ جوان ٢٠٢١م

(٣) أَثَرَ الحديثَ عن القوم يَأثِرُه ويَأثُره: أنبأهم بما سَبَقوا فيه مِنَ الأثر، وقِيلَ: حدَّث به عنهم. [«تاج العروس» للزبيدي (٦/ ٨)].

(٤) كذا عند الطبراني، و«شِئْنَا» عند أبي يعلى.

(٥) عبارةُ: «حَاكَمْنَاهُ إِلَى اللهِ بِأَسْيَافِنَا»: أسلوبٌ لغويٌّ قائمٌ على المُبالغةِ كما ذكره الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ ولا يُفهَم منه الخروجُ على السُّلطانِ بالسَّيفِ الذي دلَّتِ النصوصُ عن الله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم على عدمِ جوازه، فإنَّ المحاكمة إلى الله تقتضي عدمَ المقاتلةِ والصبرَ على الجَوْر.

(٦) «المعجم الكبير» للطبراني (١٩/ ٣٩٣)، «مسند أبي يعلى» (١٣/ ٣٧٣).
🌸 الرَّيحَانَةُ وَالجَوهَرَةُ 💎
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله: «ـ أوَّلًا: أنَّ في الحديثِ قصَّةً ثبت فيها الرَّدُّ على معاويةَ رضيَ الله عنه عَلَنًا، فقد جاء في الحديثِ عند الطبراني: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ…
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«ـ ثانيًا: وقولُه صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «يَقُولُونُ وَلاَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ» دليلٌ على أنَّ عدم الرَّدِّ على الأئمَّة وتركَ إظهارِ الحقِّ وإماتَتَهُ ـ مع القدرة عليه دون عذرٍ شرعيٍّ ولا خشية مفسدةٍ ـ سببُ التَّقاحُمِ في النار، والرَّدُّ ـ في الحديث ـ جاء مُطلقًا سواءٌ كان سِرِّيًّا أو علنيًّا بحَسَبِ المَصلحةِ في إحقاق الحقِّ وإبطال الباطل، لذلك امتحنَ معاويةُ رضي الله عنه رَعيَّتَه(٧) انتظارًا للإنكارِ عليهِ سرًّا كان أو علنًا؛ لئلَّا يجعله اللهُ مِن الأئمَّةِ الذين لا يُردُّ عليهم قولُهُم، فيتقاحمون في النَّار ويتهاوَوْن فيها، علمًا أنَّ النَّصيحةَ بالسِّرِّ في حدِّ ذاتها إِنْ كانت لا تحصِّل مصلحةً بل تجلبُ مفسدةً أو تُحدِثُ مُنكَرًا أكبرَ فتستوي مع الإنكار العلني في الترك؛ لأنَّ تغييرَ المُنكَر لا يجوز أَنْ يئول إلى إحداثِ مُنكَرٍ أكبرَ، وقد قال تعالى: ﴿فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ٩﴾ [الأعلى]».

🔗 http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1261

الجزائر في: ٢١ شوَّال ١٤٤٢هـ

المـوافــق ﻟ: ٠٢ جوان ٢٠٢١م

(٧) بوَّب البوصيريُّ في «إتحافِ الخِيَرة المَهَرة بزوائد المسانيد العشرة» (٥/ ٦٢) بقوله: بابٌ في امتحانِ الإمامِ لرعيَّتِه.
🌸 الرَّيحَانَةُ وَالجَوهَرَةُ 💎
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله: «ـ ثانيًا: وقولُه صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «يَقُولُونُ وَلاَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ» دليلٌ على أنَّ عدم الرَّدِّ على الأئمَّة وتركَ إظهارِ الحقِّ وإماتَتَهُ ـ مع…
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«ـ ثالثًا: ولأنَّ معاويةَ وافقَ الصِّدِّيق رضي الله عنهما الذي قال: «وإِنْ رَأَيْتُمُونِي عَلَى بَاطِلٍ فَسَدِّدُونِي»، وفي لفظٍ: «وَإِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي»(٨)، فإنَّ في ذلك دليلًا على مشروعيَّة إنكارِ الباطلِ والزَّيغِ على الأئمَّة بالتَّسديد والإصلاحِ والتقويمِ ـ سرًّا أو عَلَنًا بحسَب المَصلحةِ وبقَدْرِ الإمكانِ ـ حتَّى لا يَضيعَ الحقُّ ويفشوَ الخطأُ والباطلُ، مع مراعاةِ الضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ المُتقدِّمةِ في الفتوى التي جاء حُكمُها موافقًا لِمَا عليه علماء العصر وغيرهم(٩)؛ قال ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «فإنِ استقامَ الإمامُ أعانوه على طاعةِ اللهِ تعالى، وإن زاغَ وأخطأ بَيَّنوا له الصَّوابَ ودَلُّوه عليه، وإن تَعمَّدَ ظُلمًا مَنعوهُ منه بحَسَبِ الإمكانِ، فإذا كانَ مُنقادًا للحَقِّ كأبي بكرٍ فلا عُذرَ لهم في تركِ ذلك..»(١٠).

وتفريعًا على ما تقدَّم فإنَّ الأصلَ أَنْ يُستدلَّ بجميعِ النُّصوصِ مِن غير تحييدٍ ولا إبعادٍ لبعضِها؛ لخروجِها جميعًا مِن منبعٍ أصيلٍ ومشكاةٍ واحدةٍ.

وعليه، فيكون الإنكار العلنيُّ على الولاة جائزًا إذا كان يُتوقَّع فيه المَصلحةُ وحصول الخير وزوالُ الشر، ويقدِّر ذلك أهلُ العلم والمَعرفةِ والدِّرايةِ بأحوال البلاد والعباد؛ عملًا بحديث معاوية رضي الله عنه المؤيِّد لعمل السَّلفِ كما قرَّره ابن القيِّمِ ـ رحمه الله ـ(١١)، علمًا أنه كما يكون الإنكار بحضرةِ ولي الأمر ـ وهو الأصل في الإنكار العلني ـ على ما دلَّت عليه بعضُ آثارِ السَّلفِ، يجوز ـ أيضًا ـ إنكارُ المُنكر في غَيبته على ما دلَّت عليه آثارٌ أخرى عن السَّلف، منها: حديثُ عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه وفيه قال أبو قِلابةَ: قال أبو الأشعث: غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أُعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى»، فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا»، ولم يكن معاويةُ رضي الله عنه بحَضرتِهِ ـ ابتداءً ـ «فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ؟! فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: «لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ ـ أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ ـ مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ»»(١٢).

ويكون تركُ الإنكارِ العَلَني على وُلاةِ الأمور واجبًا إذا غلب على الظَّنِّ أنَّه يزداد به الشَّرُّ والفتنةُ ولا يحصلُ به الخيرُ، فإنَّ ما تقتضيه المَصلحةُ ـ والحال هذه ـ تركُه وتجنُّبُه والاكتفاءُ بوعظِهم سِرًّا قَدْرَ الإمكان، عملًا بحديثِ عياضِ بنِ غَنْمٍ رضي الله عنه، مع ترك امتثالِ أوامرهم المُعارضة لصريحِ نصوصِ الكتاب والسُّنَّة، وبذلك يتمُّ العملُ بجميع النُّصوص السُّنِّيةِ مجتمعةً، ولا يخفَى أنَّ الجمعَ والتَّوفيقَ بينَ الأدلَّةِ المُتعارضَةِ أَولى مِن التَّرجيحِ ـ كما هو مقرَّرٌ أصوليًّا ـ إذ الجمعُ والتَّوفيقُ بينها أفضلُ ما يُنزِّهُها عنِ النَّقصِ والعجزِ، وأكملُ ما يُجنِّبها التَّناقضَ والإلغاءَ».

🔗 http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1261

الجزائر في: ٢١ شوَّال ١٤٤٢هـ

المـوافــق ﻟ: ٠٢ جوان ٢٠٢١م

(٨) أخرجه ابن جرير في «تاريخ الرُّسُل والملوك» (٢/ ٢٣٧)، وابن هشام في «السِّيرة النَّبوية» مِنْ طريق محمَّدِ بنِ إسحاق بن يسار عن الزُّهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال ابنُ كثيرٍ [في «البداية والنهاية» (٥/ ٢٤٨، ٦/ ٣٠١)]: «وهذا إسناد صحيح».

(٩) ومِن أمثال علماء العصر والمشايخ: ابن باز، والألباني، ومقبل الوادعي، وابن العثيمين ـ رحمهم الله ـ، وعبد المحسن العبَّاد وغيره ـ حفظهم الله ـ.

(١٠) «منهاج السُّنَّة النَّبويَّة» لابن تيمية (٨/ ٢٧٢).

(١١) «إعلام الموقِّعين» لابن القيم (٤/ ١١٠).

(١٢) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١١/ ١٣)، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا.
🌸 الرَّيحَانَةُ وَالجَوهَرَةُ 💎
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله: «ـ ثالثًا: ولأنَّ معاويةَ وافقَ الصِّدِّيق رضي الله عنهما الذي قال: «وإِنْ رَأَيْتُمُونِي عَلَى بَاطِلٍ فَسَدِّدُونِي»، وفي لفظٍ: «وَإِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي»(٨)،…
في توضيح إشكال معترض على حكم #الإنكار_العلني على ولاة الأمر

قال الشيخ #محمد_فركوس حفظه الله:

«تنبيه مهمٌّ:

يجدر التَّنبيه إلى أنَّ القولَ بجواز الإنكار العلني على ولاة الأمر عند حصول المَصلحةِ وزوالِ الشَّرِّ بما سَبَقَ بيانُهُ مِن ضوابطَ وقيودٍ لَا ينبغي أن يُفهَمَ منه تهييجُ العامَّة ولا تأليبُ الدَّهماءِ والغَوغاءِ على حُكَّامهم وإهانَةُ وُلاةِ أُمُورِهم لإثارةِ الفِتَنِ ولا ركوبُ أمواجِ الفوضى والاضطرابِ كما هو صنيعُ الحَرَكيِّينَ ودَيدنُ الحِزبِيِّينَ بُغْيَةَ نشر الفُرقَةِ والاختلافِ لزعزعةِ الأمنِ والاستقرارِ في البلادِ، بل المَقصودُ مِنه ومَدَارُ المَصلحةِ فيه يَكمُنُ في الحِفاظِ على الحَقِّ مِنَ الضَّياعِ، والخروجِ مِنْ حَرجِ السُّكوتِ عن إقرارِ الخطأ والرِّضَا بالمُنكرِ، إذ الواجب على أهل العلم إظهارُ الحقِّ وبيانُه للنَّاس وعدمُ كتمانه مِصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ﴾ [آل عمران: ١٨٧].

فمَن ألحق الجائزَ بالمَمنوعِ فقد جمع بين المُتفرِّقات وأساء فهمَ حِكمةِ تشريعِ الحُكمِ وقصَّر في تحقيق المَناطِ وألحقَ الصَّحيحَ بالفاسدِ، ولا يخفى أنَّ ذلك مِنَ القياس المَنهيِّ عنه شرعًا المعلومِ بطلانُه ضرورةً الذي لا يُلامُ فيه إلَّا القائسُ من جهة قُصوره وضعفِهِ، ولا يلحق مُحرِّرَ الجواب منه عَوارُه، ولا يلزمه شَناره، بل عيبُه قاصرٌ على مَن سَوَّى بينَ حقِّ الإنكارِ المَطلوب شرعًا وبين باطلِ التَّأليبِ وإهانةِ السُّلطانِ المَنهيِّ عنهما شرعًا».

🔗 http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1261
2024/11/20 10:45:00
Back to Top
HTML Embed Code: