Telegram Web Link
ابنُ الفَرَضيِّ:
الإمامُ الحافظُ الفقيهُ الأديبُ الشَّهيدُ أبو الوليدِ عبدُ اللهِ بنُ مُحمَّدِ بنِ يُوسفَ القُرطُبيُّ الأندَلُسيُّ، صاحبُ كتابِ "تاريخِ عُلَماءِ الأندلُسِ".

أخذ عنه ابنُ حزمٍ، وابنُ عبدِ البرِّ وقال فيه: "كان فقيهًا عالِمًا في جميعِ فُنونِ العِلمِ في الحديثِ وعِلمِ الرِّجالِ، وله تواليفُ حِسانٌ، وكان صاحبي ونظيري، أخذتُ معه عن أكثرِ شُيوخِه، وأدركَ من الشُّيوخِ ما لم أُدرِكْه أنا، وكان بيني وبينه في السِّنِّ نحوٌ من خمسَ عشرةَ سنةً، صحبتُه قديمًا وحديثًا، وكان حسَنَ الصُّحبةِ والمُعاشَرةِ، حسنَ اللِّقاءِ، قَتَلَتْه البَربَرُ في سَنةِ الفِتنةِ، وبقي في دارِه ثلاثةَ أيَّامٍ مقتولًا، وحضرتُ جنازتَه عفا اللهُ عنه". اهـ

قال الحُمَيديُّ في جذوةِ المُقتَبَسِ ( ص٣٦٧ ): أخبرني أبو مُحمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ قال: أخبرني أبو الوليدِ ابنُ الفَرَضيِّ قال: تعلَّقتُ بأستارِ الكعبةِ، وسألتُ اللهَ الشَّهادةَ، ثم انحرفتُ وفكَّرتُ في هَولِ القتلِ، فنَدِمتُ وهَمَمتُ أن أرجعَ فأستقيلَ اللهَ ذلك، فاستحييتُ.
قال أبو مُحمَّدٍ: فأخبرني مَن رآهُ بين القتلى، فدنا منه، فسَمِعَهُ يقولُ بصوتٍ ضعيفٍ وهو في آخرِ رَمَقٍ: "لا يُكلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ، واللهُ أعلمُ بمَن يُكلَمُ في سبيلِه، إلَّا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُه يَثعَبُ دمًا، اللَّونُ لونُ الدَّمِ، والرِّيحُ رِيحُ المِسكِ"، كأنَّه يُعيدُ على نفسِه الحديثَ الواردَ في ذلكَ، قال: ثم قضى نَحبَهُ على إثرِ ذلكَ. اهـ

استُشهِدَ رحمه اللهُ سنةَ ( ٤٠٣ هـ ) أيَّامَ غزوِ البَربَرِ قُرطُبةَ.

وقولُ الحُمَيديِّ: "أخبرني أبو مُحمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ": هو الإمامُ ابنُ حزمٍ الظَّاهريُّ.

وذكَرَ هذا الخبرَ: الضَّبِّيُّ في بُغيةِ المُلتَمِسِ ( ص٤٣٤ )، وابنُ خاقانَ في مَطمَحِ الأنفُسِ ( ص٢٨٥ )، وابنُ بَشكُوالَ في الصِّلةِ ( ١ / ٣٤٠ )، وابنُ خلِّكانَ في الوَفَياتِ ( ٣ / ١٠٦ )، وابنُ سعيدٍ في المُغرِبِ في حُلى المَغرِبِ ( ١ / ١٠٣ )، والذَّهبيُّ في سِيَرِ الأعلامِ ( ١٧ / ١٧٩ ) وفي تاريخِه ( ٩ / ٦٠ ) وفي تذكرةِ الحُفَّاظِ ( ٣ / ١٠٧٧ - ١٠٧٨ )، وابنُ كثيرٍ في تاريخِه ( ١٥ / ٥٥١ )، وابنُ عبدِ الهادي في طبقاتِ عُلَماءِ الحديثِ ( ٣ / ٢٧٥ )، والصَّفَديُّ في الوافي ( ١٧ / ٢٨٦ )، والمَقّريُّ في نفحِ الطِّيبِ ( ٢ / ١٣٠ )، وصدّيق حسن خان في التَّاجِ المُكلَّلِ ( ص٤٩ ).

ولابنِ الفَرَضيِّ شعرٌ عَذبٌ رائقٌ كعادةِ أهلِ الأندَلُسِ؛ فمنه قولُه لأهلِه أيَّامَ رِحلَتِه في طلبِ العِلمِ وقد تغرَّبَ عنهم:

مَضَتْ لي شُهورٌ مُنذُ غِبتُم ثلاثةٌ
وما خِلْتُني أبقى إذا غِبتُمُ شَهرا

وما لي حياةٌ بعدَكم أستَلِذُّها
ولو كان هذا لم أكُن في الهوى حُرّا

ولم يُسْلِني طُولُ التَّنائي هواكمُ
بلى زادني وَجدًا وجدَّدَ لي ذِكرا

يُمثِّلُكم لي طُولُ شَوقي إليكمُ
ويُدنيكُمُ حتَّى أُناجِيَكُم سِرّا

سأستَعتِبُ الدَّهرَ المُفرِّقَ بيننا
وهل نافِعِي أن صِرتُ أستَعتِبُ الدَّهرا

أُعَلِّلُ نفسي بالمُنى في لِقائِكم
وأستَسهِلُ البَرَّ الذي جُبتُ والبَحرَا

ويُؤنِسُني طيُّ المراحلِ دُونَكم
أروحُ على أرضٍ وأغدو على أُخرى

وتاللهِ ما فارقتُكم عن قِلَىً لكم
ولكنَّها الأقدارُ تجري كما تُجرى

رَعَتْكُم من الرَّحمنِ عَينٌ بصيرةٌ
ولا كشَفَتْ أيدي الرَّدى عنكمُ سِترا

وله أيضًا:

أسيرُ الخطايا عندَ بابِكَ واقِفُ
على وجَلٍ ممَّا به أنتَ عارِفُ

يخافُ ذُنوبًا لم يغِبْ عنكَ غَيبُها
ويرجوكَ فيها فهو راجٍ وخائِفُ

ومَن ذا الذي يرجو سِواكَ ويتَّقي
وما لكَ في فصلِ القضاءِ مُخالِفُ

فيا سيِّدي لا تُخزِني في صحيفتي
وإذا نُشِرَتْ يومَ الحِسابِ الصَّحائِفُ

وكن مُؤنِسي في ظُلمةِ القبرِ عندما
يصُدُّ ذوو القُربى ويجفو المُؤالِفُ

لئن ضاقَ عنِّي عَفوُكَ الواسِعُ الذي
أُرَجِّي لإسرافي فإنِّي لَتالِفُ
قال الإمامُ أبو بكرٍ الخطيبُ البغداديُّ في الجامعِ لأخلاقِ الرَّاوي ( ١ / ٤٨٢ - ٤٨٣ ): "وكتب معي أبو بكرٍ البرقانيُّ إلى أبي نُعَيمٍ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ الأصبهانيِّ الحافظِ كتابًا يقولُ في فصلٍ منه: وقد نفذَ إلى ما عندك عمدًا مُتَعمِّدًا أخونا أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عليِّ بنِ ثابتٍ -أيَّدَه اللهُ وسَلَّمَه- ليقتبسَ من عُلُومِكَ، ويستفيدَ من حديثِكَ، وهو -بحمدِ اللهِ- ممَّن له في هذا الشَّأنِ سابِقةٌ حَسَنةٌ، وقدَمٌ ثابِتٌ، وفَهمٌ به حسنٌ، وقد رحل فيه وفي طَلَبِه، وحصل له منه ما لم يحصُلْ لكثيرٍ من أمثالِه الطَّالِبِينَ له، وسيظهرُ لك منه عند الاجتماعِ من ذلك، مع التَّورُّعِ والتَّحفُّظِ وصِحَّةِ التَّحصيلِ ما يحسُنُ لديك موقعُه، وتَجمُلُ عندك منزلتُه، وأنا أرجو إذا صحَّتْ لديك منه هذه الصِّفةُ أن تُلِينَ له جانِبَكَ، وأن تتوفَّرَ له، وتحتملَ منه ما عساه يُورِدُه من تثقيلٍ في الاستِكثارِ، أو زيادةٍ في الاصطِبارِ، فقِدَمًا حمل السَّلَفُ من الخَلَفِ ما رُبَّما ثَقُلَ، وتوفَّروا على المُستَحقِّ منهم بالتَّخصيصِ والتَّقديمِ والتَّفضيلِ ما لم يَنَلُه الكلُّ منهم". اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرَ الخطيبُ هذا الكلامَ -متفاخرًا بكلامِ شيخِه وحُقَّ له- في آخرِ بابِ: "جوازِ الأثَرَةِ بالرِّوايةِ لأهلِ المعرفةِ والدِّرايةِ" بعد أن أوردَ بعضَ الآثارِ عن السَّلَفِ في استِئثارِ قومٍ بالعِلمِ دُونَ آخَرِينَ.

وذكَرَ هذا الكلامَ في ترجمةِ الخطيبِ: ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٥ / ٣٦ )، وياقوتُ في مُعجَمِ الأُدَباءِ ( ١ / ٣٩٥ )، والذَّهَبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٨ / ٢٧٦ - ٢٧٧ ) وفي تاريخِ الإسلامِ ( ١٠ / ١٧٨ ).

وكانَتْ رِحلَتُه إلى أصبهانَ سنةَ ( ٤٢١هـ ) قاصِدًا الحافظَ أبا نُعَيمٍ الأصبهانيَّ صاحبَ كتابِ "حِليةِ الأولياءِ"، وكان أبو نُعَيمٍ أكبرَ عُلَماءِ أصبهانَ يومئذٍ، وليأخذَ أيضًا عمَّن بقيَ فيها من المُسنِدِينَ الكِبارِ.
وقد استوعبَ الخطيبُ أكثرَ ما عند أبي نُعَيمٍ من مرويَّاتٍ، بالسَّماعِ أو الإجازةِ، وقد ظهر ذلك في الكمِّ الكبيرِ الذي ساقَهُ من الأسانيدِ عن أبي نُعَيمٍ في "تاريخِ بغدادَ" وغيرِه من كُتُبِه.

وطوَّفَ الخطيبُ رحمه اللهُ البلادَ في طلَبِ العِلمِ؛ فرحل إلى البصرةِ، والكُوفةِ، وعُكبَرا، والأنبارِ، والشَّامِ، ومكَّةَ، والحِجازِ، وخُراسانَ، ونيسابورَ، وأصبهانَ، ودِينَوَرَ، وهمذانَ، والرَّيِّ، والنَّهروانِ، وغيرِ ذلكَ.

وكان قد شاورَ شيخَه البرقانيَّ في الرِّحلةِ إلى مصرَ، ليسمعَ من ابنِ النَّحَّاسِ، فأشار عليه بالرِّحلةِ إلى نيسابورَ التي كانَتْ تزخرُ بكِبارِ المُحدِّثينَ آنذاك، فضلًا عن المُدُنِ المُجاوِرَةِ لها، وعلَّلَ البرقانيُّ ذلك بقولِه: "إنَّكَ إن خرجتَ إلى مصرَ إنَّما تخرجُ إلى واحدٍ، إن فاتَكَ ضاعَتْ رِحلَتُكَ، وإن خرجتَ إلى نيسابورَ ففيها جماعةٌ، إن فاتَكَ واحدٌ أدركتَ مَن بقيَ".
فخرجَ الخطيبُ إلى نيسابورَ.

قلتُ: وهو رأيٌ وجيهٌ؛ إذ كان ابنُ النَّحَّاسِ آنَذاك في الثَّانيةِ والتِّسعينَ من عُمُرِه.
وقد أدركَ الخطيبُ في نيسابورَ أصحابَ أبي العبَّاسِ الأصمِّ وتلاميذَه.

وكتبَ الكثيرَ، وتقدَّمَ في هذا الشَّأنِ، وجمعَ وصنَّفَ وصحَّحَ، وعلَّلَ وجرَّحَ، وعدَّلَ وأرَّخَ وأوضحَ، وصار أحفظَ أهلِ عَصرِه على الإطلاقِ.

وروى عن خلقٍ كثيرٍ، وينزلُ إلى أن يرويَ عن تلاميذِه، كنصرِ بنِ إبراهيمَ المقدسيِّ، وأبي عبدِ اللهِ الحُمَيديِّ، وابنِ ماكولا، وابنِ خيرونَ، والرَّوَّاسيِّ، وغيرِهم.

وروى عنه من شُيوخِه: أبو بكرٍ البرقانيُّ، وأبو القاسمِ الأزهريُّ.
قال الإمامُ أبو مُحمَّدٍ ابنُ حزمٍ الظَّاهِريُّ الأندَلُسيُّ القُرطُبيُّ:

مُنايَ من الدُّنيا عُلومٌ أبُثُّها
وأنشُرُها في كلِّ بادٍ وحاضِرِ

دُعاءٌ إلى القُرآنِ والسُّنَنِ التي
تَناسى رجالٌ ذِكرَها في المحاضِرِ

وألزَمُ أطرافَ الثُّغورِ مُجاهِدًا
إذا هَيعةٌ ثارَتْ فأوَّلُ نافِرِ

لِألْقى حِمامي مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ
بسُمرِ العوالي والرِّقاقِ البواتِرِ

كِفاحًا مع الكُفَّارِ في حَومَةِ الوغى
وأكرَمُ موتٍ للفتى قَتْلُ كافِرِ

فيا ربِّ لا تجعلْ حِمامي بغَيرِها
ولا تَجعَلَنِّي من قَطِينِ المقابِرِ

ذكرَ الأبياتَ كاملةً الذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٨ / ٢٠٦ ).
وذكرَ أوَّلَ بيتَينِ منها: الحُمَيديُّ في جذوةِ المُقتبسِ ( ص٤٥١ )، وابنُ بَشكوالَ في الصِّلَةِ ( ٢ / ٣٢ )، والذَّهبيُّ في تاريخِ الإسلامِ ( ١٠ / ٨١ ).
قال القاضي مُحمَّدُ بنُ مُحمَّدٍ الماهانيُّ: "إمامانِ ما اتَّفقَ لهما الحجُّ: أبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ، وقاضي القُضاةِ أبو عبدِ اللهِ الدَّامَغانيُّ؛ أمَّا أبو إسحاقَ فكان فقيرًا، ولو أرادَ الحجَّ لحملوه على الأعناقِ إلى مكَّةَ، وأمَّا الدَّامَغانيُّ لو أرادَهُ لأمكَنَهُ على السُّندُسِ والإستَبْرَقِ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخَبَرُ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٨ / ٤٥٥ ) وتاريخِ الإسلامِ ( ١٠ / ٣٨٤ - ٣٨٥ ) للذَّهبيِّ، وفي طَبَقاتِ الشَّافعيَّةِ ( ٤ / ٢٢٧ ) للسُّبكيِّ.

ومعنى الأثَرِ: أنَّ الشِّيرازيَّ والدَّامَغانيَّ كانا فقيرَينِ، وكانا مُعظَّمَينِ عند العُلَماءِ والنَّاسِ، فلو طلبا الحجَّ، لحملوهما إلى مكَّةَ على الأعناقِ؛ لجلالَتِهما وعِظَمِ قَدرِهما.

وأبو إسحاقَ هو الشَّيخُ الإمامُ القُدوةُ المُجتَهِدُ العالِمُ الأُصوليُّ إبراهيمُ بنُ عليِّ بنِ يُوسفَ الشِّيرازيُّ، إمامُ الشَّافعيَّةِ في وقتِه بلا نِزاعٍ.

والدَّامَغانيُّ هو مُفتي العِراقِ وقاضي القُضاةِ الإمامُ العلَّامةُ البارِعُ أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ مُحمَّدِ بنِ الحُسَينِ الدَّامَغانيُّ، من كبارِ عُلَماءِ الحنفيَّةِ.

وكان القاضي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَريُّ الشَّافعيُّ يقولُ: "الدَّامَغانيُّ أعرفُ بمذهبِ الشَّافعيِّ من كثيرٍ من أصحابِنا".
Audio
🔊

قصيدةٌ رائِقةٌ وعظيَّةٌ سُنِّيَّةٌ للإمامِ الخطيبِ أبي مُحمَّدٍ عبدِ القاهِرِ بنِ عبدِ الواحِدِ التَّبريزيِّ.
رواها عنه تلميذُه الإمامُ الذَّهبيُّ في مُعجَمِ شُيوخِه الكبيرِ ( ١ / ٤٠٩ - ٤١٠ ).
قال الإمامُ أبو يعلى حمزةُ بنُ أسدٍ التَّميميُّ المعروفُ بابنِ القلانسيِّ في تاريخِه ( ص٣٢١ ): "وفي هذه السَّنَةِ -يعني سنةَ (٥١٣هـ)- حكى مَن وردَ من بيتِ المقدسِ: ظُهورَ قُبورِ الخليلِ وولدَيهِ إسحاقَ ويعقوبَ الأنبياءِ، عليهم الصَّلاةُ من اللهِ والسَّلامُ، وهم مُجتمعون في مغارةٍ بأرضِ بيتِ المقدسِ، وكأنَّهم كالأحياءِ، لم يُبلَ لهم جسدٌ، ولا رمَّ عظمٌ، وعليهم في المغارةِ قناديلُ مُعلَّقةٌ من الذَّهبِ والفِضَّةِ، وأُعِيدَت القبورُ إلى حالِها التي كانت عليه، هذه صورةُ ما حكاه الحاكي، والله أعلمُ بالصَّحيحِ من غيرِه". اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعن ابنِ القلانسيِّ نقل المُؤَرِّخونَ والعُلَماءُ هذا الخبرَ في تواريخِهم ضمنَ أحداثِ سنةِ (٥١٣هـ): ابنُ الأثيرِ في تاريخِه ( ٨ / ٦٤٧ )، وأبو الفداءِ في المُختَصرِ من أخبارِ البشرِ ( ٢ / ٢٣١ )، والذَّهبيُّ في تاريخِه ( ١١ / ١٥٣ ) وفي السِّيَرِ ( ١٩ / ٤٢٠ ) وفي العِبَرِ ( ٢ / ٤٠٠ )، وابنُ كثيرٍ في تاريخِه ( ١٦ / ٢٤١ )، وابنُ الورديِّ في تاريخِه ( ٢ / ٣٦ )، واليافعيُّ في مرآةِ الجنانِ ( ٣ / ١٥٥ )، والنُّوَيريُّ في نهايةِ الأرَبِ ( ٢٣ / ٢٦٣ )، وابنُ تغري في النُّجومِ الزَّاهرةِ ( ٥ / ٢١٨ )، وبامخرمة في قلادةِ النَّحرِ ( ٤ / ٦٥ )، والعُلَيميُّ في الأُنسِ الجليلِ ( ١ / ١٢٨ )، وابنُ العِمادِ في شَذَراتِ الذَّهبِ ( ٦ / ٥٨ ).

وفي بعضِ المصادرِ: "ورآهم كثيرٌ من النَّاسِ".

ولفظُ الذَّهبيِّ في "سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ" قال: "وفيها كشفت الفرنجُ عن مغارةِ الخليلِ عليه السَّلامُ، وفتحوا عليه، وشُوهِدَ هو وابنُه إسحاقُ وحفيدُه يعقوبُ لم يَبلُوا، ووُجِدَ عندهم قناديلُ الذَّهبِ والفِضَّةِ، نقله حمزةُ بنُ أسدٍ في تاريخِه". اهـ

ولفظُ ابنِ تغري بردي في "النُّجومِ الزَّاهرةِ في مُلوكِ مصرَ والقاهرةِ" قال: قال ابنُ القلانسيِّ: وفيها ظهرَتْ صُوَرُ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ: الخليلِ وولدَيهِ إسحاقَ ويعقوبَ صلواتُ اللهِ عليهم، وهم مجتمعون فى مغارةٍ بأرضِ بيتِ المقدسِ، وكأنَّهم أحياءٌ، لم يبلَ لهم جسدٌ، ولا رمَّ لهم عظمٌ، وعليهم قناديلُ من ذهبٍ وفضَّةٍ مُعلَّقةٌ، فسدُّوا بابَ المغارةِ وأُبقُوا على حالِهم". اهـ

واللهُ أعلمُ..
غِرَاسُ السَّلَفِ 📚
Photo
فائدةٌ:

الحُمَيديُّ صاحبُ هذا الكتابِ: هو الإمامُ الحافظُ القُدوةُ أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ أبي نصرٍ فُتُوحِ بنِ عبدِ اللهِ الأزديُّ الحُمَيديُّ الأندلسيُّ.

لم يُرَ مِثلُه في زمانِه: في فضلِه، ونُبلِه، ونزاهتِه، وغزارةِ عِلمِه، وحِرصِه على نشرِ العِلمِ، وبثِّه في أهلِه.
وكان ورعًا ثِقةً إمامًا في عِلمِ الحديثِ وعِلَلِه، ومعرفةِ مُتونِه ورُواتِه، مُحقِّقًا في عِلمِ الأصولِ على مذهبِ أهلِ الحديثِ، مُتبحِّرًا في علمِ الأدبِ والعربيَّةِ.

وكان صاحبَ الإمامِ ابنِ حزمٍ الظَّاهريِّ وتِلميذَه، لازَمَه كثيرًا، واختُصَّ به، وتفقَّهَ به، فأكثرَ عنه، واشتُهِرَ بصُحبتِه، وكان يتعصَّبُ له، ويميلُ إلى قولِه.

ولمَّا شُدِّدَ على ابنِ حزمٍ، وضُيِّقَ عليه وشُرِّدَ عن وطنِه بسببِ تعصُّبِ المالكيَّةِ عليه؛ اضطرَّ الحُمَيديُّ إلى هجرانِ الوطنِ، والتَّوجُّهِ إلى المشرقِ، فغادرَ الأندُلسَ سنةَ ( ٤٤٨هـ )، ورحلَ إلى مكَّةَ ومصرَ وأفريقيَّةَ والشَّامِ والعراقِ وغيرِها، واستوطنَ بغدادَ، وبها ماتَ، وفي ذلك يقولُ:
ألِفتُ النَّوى حتَّى أنِستُ بوحشتي ** وصِرتُ بها لا بالصَّبابةِ مُولَعا
فلم أُحصِ كم رافقتُ فيها مُرافِقًا ** ولم أُحصِ كم يمَّمتُ في الأرضِ مَوضِعا
ومن بعدِ جَوبِ الأرضِ شرقًا ومَغرِبًا ** فلا بُدَّ لي من أن أُوافي مصرعا

وكتابُه هذا في تاريخِ عُلَماءِ الأندَلُسِ، ألَّفَهُ في إقامتِه ببغدادَ، وذكرَ في خُطبتِه أنَّه كتَبَهُ من حِفظِه! افتتحه بمُقدِّمةٍ تاريخيَّةٍ ضافيةٍ عن وُلاةِ الأندَلُسِ منذُ فتحِها، ثم أورد ما يحضرُه من أسماءِ رُواةِ الحديثِ بالأندَلُسِ، وأهلِ الفِقهِ والأدَبِ، وذوي النَّباهةِ والشِّعرِ، وغيرِهم، ورتَّبَه على حُروفِ المُعجَمِ.

وقيل: إنَّ الأميرَ الحافظَ أبا نصرِ ابنَ ماكولا هو مَنْ كلَّف الحُمَيديَّ أن يُؤلِّفَ له مجموعًا في ذِكرِ عُلَماءِ الأندَلُسِ؛ ليستعينَ به في تأليفِ كتابِه: "لإكمالِ في المُؤتلفِ والمُختلفِ".
وقيل غيرُه من كلّفه بذلك.
الخيَّاطُ: أبو منصورٍ مُحمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ عبدِ الرَّزَّاقِ البغداديُّ الخيَّاطُ.

كان إمامًا مُقرِئًا صالحًا قُدوةً زاهدًا ثقةً، جلسَ لتعليمِ كتابِ اللهِ دهرًا، وتلا عليه أُمَمٌ، وعلَّمَ العُميانَ القُرآنَ دهرًا للهِ عزَّ وجلَّ، وكانَتْ له كراماتٌ.

تُوُفِّيَ سنةَ ( ٤٩٩هـ )، وكانَتْ جنازتُه كبيرةً مهيبةً؛ يقولُ عليُّ بنُ الأيسرِ العُكبَريُّ: "لم أرَ أكثرَ خلقًا من جنازةِ أبي منصورٍ، وقد رآها يهوديٌّ، فاهْتالَ لها وأسلمَ".

وقد رُؤِيَ رحمهُ اللهُ بعدَ موتِه في المنامِ، فقِيلَ له: ما فعل اللهُ بكَ؟ فقال: "غفرَ لي بتعليمي الصِّبيانَ فاتحةَ الكتابِ".

ذكَرَ هذا الخبَرَ: ابنُ الجوزيِّ في المُنتَظَمِ ( ١٧ / ٩٧ )، والذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ١٩ / ٢٢٤ ) وفي تاريخِ الإسلامِ ( ١٠ / ٨١٦ - ٨١٧ ) وفي معرفةِ القُرَّاءِ الكِبارِ ( ١ / ٤٥٨ )، وابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنِّهايةِ ( ١٦ / ١٩٢ )، وابنُ رَجَبٍ في ذيلِ طبقاتِ الحنابلةِ ( ١ / ٢٢٨ )، وابنُ الجَزَريِّ في طبقاتِ القُرَّاءِ ( ٣ / ١٨٠ )، والعُلَيميُّ في المنهجِ الأحمدِ ( ٣ / ٣٤ )، وابنُ العِمادِ في شَذَراتِ الذَّهبِ ( ٥ / ٤١٨ ).

فائدةٌ:
اشتُهِرَ بالعِلمِ سِبطاهُ: عبدُ اللهِ والحُسَينُ ابنا عليٍّ بنِ أحمدَ البغداديَّانِ، وكانا مُقرِئَينِ عالِمَينِ بالقِراءاتِ كجدِّهما، وعنه أخذا، وكانا من العُلَماءِ وأئمَّةِ المُسلِمِينَ.
وكان الحُسَينُ الأكبرَ، لكنَّ عبدَ اللهِ كان الأشهرَ.

كذلك وردَ عن بعضِ السَّلَفِ تعليمُ الصِّبيانِ القُرآنَ، واهتمامُهم بذلك، ووردَ ذلك أيضًا عن نساءِ السَّلَفِ:
فقد ذكرَ الذَّهَبيُّ في السِّيَرِ ( ١٩ / ٦٢٥ ) في ترجمةِ المُقرِئةِ العالِمةِ أُمِّ الخيرِ فاطمةَ بنتِ زَعبَلٍ قولَ السَّمعانيِّ فيها -وهي من شُيوخِه-: "امرأةٌ صالِحةٌ عالِمةٌ، تُعلِّمُ الجواريَ القُرآنَ".
الصِّحَّةُ والفراغُ والشَّبابُ:

روى البُخاريُّ ( ٦٤١٢ ) عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "نِعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ".

وروى الحاكمُ ( ٧٨٤٦ ) عن ابنِ عبَّاسٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لرجلٍ وهو يَعِظُه: "اغتَنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَكَ قبل هرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبل سقَمِكَ، وغِناءَكَ قبل فَقرِكَ، وفراغَكَ قبل شُغلِكَ، وحياتَكَ قبل موتِكَ".

وقال أبو العنبرِ غُنَيمُ بنُ قيسٍ المازنيُّ -وهو أحدُ كِبارِ التَّابعينَ-: "كنَّا نتواعظُ في أوَّلِ الإسلامِ بأربعٍ، كنَّا نقولُ: اعْمَلْ في شبابِكَ لكِبَرِكَ، واعْمَلْ في فراغِكَ لشُغلِكَ، واعْمَلْ في صِحَّتِكَ لسَقَمِكَ، واعْمَلْ في حياتِكَ لموتِكَ".

رواه ابنُ المبارَكِ في الزُّهدِ ( ٣ )، وأحمدُ في الزُّهدِ ( ١٣٧٩ )، وهنَّادٌ في الزُّهدِ ( ٥٠١ )، وأبو بكرِ بنُ أبي الدُّنيا في قِصَرِ الأملِ ( ١١٢ )، والخطيبُ في اقتِضاءِ العِلمِ العمَلَ ( ١٧١ )، وأبو نُعَيمٍ في الحِليةِ ( ٦ / ٢٠٠ )، والمِزِّيُّ في تهذيبِ الكمالِ ( ٢٣ / ١٢٢ ).
وإسنادُه صحيحٌ.

ما جاء في هذا البابِ شِعرًا:

قال الشَّاعرُ الواعظُ محمودُ بنُ الحسنِ الورَّاقُ:
بادِرْ شبابَكَ أن يَهرَما ** وصِحَّةَ جِسمِكَ أن يَسقَما
وأيَّامَ عيشِكَ قبل المماتِ ** فما دهرُ مَن عاشَ أن يَسلَما
ووقتَ فراغِكَ بادِرْ به ** لياليَ شُغلِكَ في بعضِ ما
وقدِّمْ فكلُّ امرئٍ قادمٌ ** على بعضِ ما كان قد قدَّما

رواها الخطيبُ البغداديُّ في اقتِضاءِ العِلمِ العمَلَ ( ١٧٢ ).

وقال الشَّاعرُ الزَّاهدُ أبو العتاهيةِ في أُرجوزَتِه البديعةِ "ذاتِ الأمثالِ":
إنَّ الشَّبابَ والفراغَ والجِدَة ** مَفسدةٌ للمرءِ أيُّ مَفسَدة

دِيوانُه ( ص٤٤٨ ).

وقال الإمامُ أبو المعالي مسعودُ بنُ مُحمَّدٍ الطُّرَيثِيثيُّ النَّيسابوريُّ:
يقولونَ أسبابُ الفراغِ ثلاثةٌ ** ورابعُها خَلَّوْهُ وهو خيارُها
وقد ذكروا أمنًا ومالًا وصِحَّةً ** ولم يعلموا أنَّ الشَّبابَ مدارُها

ذكرَهما الذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ٢١ / ١٠٨ ) في ترجمةِ أبي المعالي.

وقال الإمامُ أبو مُحمَّدٍ عبدُ الحقِّ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الإشبِيليُّ الأندَلُسيُّ:
إنَّ في الموتِ والمعادِ لَشُغْلًا ** وادِّكارًا لذي النُّهى وبلاغا
فاغْتَنِمْ خُطَّتَينِ قبل المنايا ** صِحَّةَ الجِسمِ يا أخي والفراغا

ذكرَهما ابنُ الأبَّارِ في التَّكملةِ لكتابِ الصِّلَةِ ( ٣ / ١٢١ )، وابنُ شاكرٍ في فواتِ الوَفَيَات ( ٢ / ٢٥٧ )، والذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ٢١ / ٢٠١ ) وقال فيه: "وما أحلى قولَه وأوعظَه".

وقال الوزيرُ أبو المُظفَّرِ يحيى بنُ هُبَيرةَ البغداديُّ الحنبليُّ:
والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحِفظِهِ ** وأراهُ أسهلَ ما عليكَ يضيعُ

ذكَرَهُ ابنُ رجبٍ في ذيلِ طبقاتِ الحنابلةِ ( ١ / ٢٨١ )، وابنُ مُفلِحٍ في الآدابِ الشَّرعيَّةِ ( ٢ / ٢٣٧ )، وابنُ العِمادِ في شَذَراتِ الذَّهبِ ( ٦ / ٣٢٥ ).
صَلَّى وَسَلَّمَ ذُُو الْجَلَالِ عَلَيْكَ مَا
أَحْلَاكَ ذِكْرًا فِي الْقُلُوبِ وَأَعْذَبَا
مرَّ معيَ اسمُ كتابٍ شيِّقٌ! تمنَّيتُ لو أنَّه وصلَ إلينا..

قال الذَّهَبيُّ في ترجمةِ الإمامِ ابنِ الأبَّارِ: "ومن تواليفِه: الأربعونَ: عن أربعينَ شيخًا من أربعينَ تصنيفًا لأربعينَ عالِمًا من أربعينَ طريقًا إلى أربعينَ تابعيًّا عن أربعينَ صحابيًّا لهم أربعونَ اسمًا من أربعينَ قبيلةً في أربعينَ بابًا".
السِّير ( ٢٣ / ٣٣٧ - ٣٣٨ ).

ومثلُ هذا كثيرٌ من تُراثِ سَلَفِنا الصَّالحِ، ذهبَ واندثرَ واندرسَ! وبعضُه ما زال حبيسَ خزائنِ المخطوطاتِ لم يرَ النُّورَ بعدُ.

وأغلبُ تُراثِ أئمَّتِنا وكُنوزِ أُمَّتِنا عند الغربِ! وأكثرُها في إسبانيا وألمانيا وبريطانيا والبرازيل وإيران وفرنسا وإسرائيل وأمريكا وروسيا وإيرلندا والهند!
وبعضُه موجودٌ في دُوَلٍ عربيَّةٍ عِدَّةٍ ما زال حبيسَ الأدراجِ والخزائنِ!
وقسمٌ كبيرٌ منه في تركيا..

فائدةٌ:
تتابَعَ جمعٌ من أهلِ العِلمِ على إفرادِ مُصنَّفٍ يحوي أربعينَ حديثًا، عمَلًا بحديثِ: "مَن حَفِظَ على أُمَّتي أربعينَ حديثًا من أمرِ دِينِها بعَثَهُ اللهُ يومَ القِيامةِ في زُمرةِ الفُقَهاءِ والعُلَماءِ"، وفي روايةٍ: "مَن حَفِظَ على أُمَّتي أربعينَ حديثًا في أمر دينِها بعَثَهُ اللهُ فقيهًا، وكنتُ له يومَ القيامةِ شافعًا وشهيدًا".
وهو حديثٌ ضعيفٌ على كثرةِ طُرُقِه، وله ألفاظٌ أُخرى.

وقد صنَّفَ خلائقُ من العُلَماءِ المُتقدِّمِينَ والمُتأخِّرِينَ من المُصنَّفاتِ الأربعينيَّةِ ما لا يُحصَى؛ فمنها في العقيدةِ، ومنها في الفِقهِ، ومنها في الزُّهدِ، ومنها في الآدابِ، ومنها في المناقبِ، وغيرُها كثيرٌ.

ولم يتَّفقوا على غَرَضٍ واحدٍ فِي تأليفِها؛ بل اختلفوا في جمعِها، وترتيبِها، وتبايَنوا فِي عدِّها وتبويبِها..

وقد كان لأخيكمُ العبدِ الضَّعيفِ مُشارَكةٌ في هذا المِضمارِ؛ فجمعَ أربعينَ حديثًا في نهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنساءِ أُمَّتِه، وأربعينَ أثَرًا سلفيًّا في الدُّعاءِ مُستلَّاةً من مُصنَّفِ أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ ضِمنَ مشروعِ تقريبِ فقهِ السَّلَفِ.
وهما منشورانِ هنا في القناةِ.
من جميلِ ما قرأتُ في المدحِ: قولُ ابنِ الدَّهَّانِ الفَرَضيِّ في الإمامِ النَّحويِّ أبي اليُمنِ زيدِ بنِ الحسنِ الكِنديِّ:

يا زيدُ زادكَ ربِّي من مَواهِبِهِ
نُعمى يُقصِّرُ عن إدراكِها الأمَلُ

لا بدَّلَ اللهُ حالًا قد حَبَاكَ بها
ما دارَ بينَ النُّحاةِ الحالُ والبَدَلُ

النَّحوُ أنتَ أحقُّ العالَمِينَ بهِ
أليسَ باسْمِكَ فيه يُضرَبُ المَثَلُ؟

ذكرَ الأبياتَ: ابنُ خلِّكانَ في الوَفَياتِ ( ١ / ٣٤١ )، وياقوتُ في مُعجَمِ الأُدَباءِ ( ٣ / ١٣٣٣ )، والقِفطِيُّ في إنباهِ الرُّواةِ ( ٣ / ١٩٢ )، وأبو شامةَ في الذَّيلِ على الرَّوضَتَينِ ( ١ / ٦٧ )، والذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ٢٢ / ٣٩ ) وفي تاريخِه ( ١٣ / ٣٦٩ )، وابنُ كثيرٍ في تاريخِه ( ١٦ / ٦٧٣ ) و ( ١٧ / ٥٤ )، وابنُ الورديِّ في تاريخِه ( ٢ / ١٩٢ )، والصَّفَديُّ في الوافي ( ٤ / ١١٩ ) و ( ١٥ / ٣٣ )، والفَيرُوزَاباديّ في البُلغةِ ( ص١٤٥ )، والسُّيوطيُّ في بُغيةِ الوُعاةِ ( ١ / ١٨١ ).

وقولُه: "أليسَ باسْمِكَ فيه يُضرَبُ المَثَلُ": وذلك أنَّ النَّحوِيِّينَ يُكثِرونَ من ضَربِ الأمثالِ بزيدٍ وعَمرٍو في المسائلِ النَّحويَّةِ.
عندما يغضبُ الإمامُ الذَّهبيُّ :)

ذكرَ الذَّهبيُّ في ترجمةِ الإمامِ أبي الجنَّابِ الخُوارزميِّ قولَ ابنِ هِلالةَ فيه: "جلستُ عنده في الخلوةِ مِرارًا، وشاهدتُ أُمورًا عجيبةً، وسمعتُ مَن يُخاطِبُني بأشياءَ حسنةٍ".

فقال الذَّهبيُّ مُعلِّقًا: "قلتُ: لا وُجودَ لمَن خاطَبَكَ في خَلوَتِكَ مع جُوعِكَ المُفرِطِ، بل هو سماعُ كلامٍ في الدِّماغِ الذي قد طاشَ وفاشَ وبقيَ قَرعةً كما يتمُّ للمُبَرسَمِ والمغمورِ بالحُمَّى والمجنونِ، فاجْزِمْ بهذا واعبُدِ اللهَ بالسُّنَنِ الثَّابتةِ تُفلِحْ!". اهـ

سِيَرُ الأعلامِ ( ٢٢ / ١١٢ ).

وأبو الجنَّابِ هذا هو نجمُ الدِّينِ الكُبرى، الإمامُ العلَّامةُ المُحدِّثُ القُدوةُ الزَّاهدُ الصُّوفيُّ، أحمدُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحمَّدٍ الخُوارزميُّ.
وكان شافعيًّا إمامًا في السُّنَّةِ، طوَّفَ البلادَ في طلبِ العلمِ، وحصَّلَ الأُصولَ، وعُنِيَ بالحديثِ.
استُشهِدَ مُجاهِدًا سنةَ (٦١٨هـ) إبَّانَ اجتياحِ التَّتارِ خُوارِزمَ .
فائدةٌ:

أبناءُ الأثيرِ ثلاثةٌ، وهم إخوةٌ، إليكَ أسماءَهم، وأسماءَ بعضِ كُتُبِهم المطبوعةِ المشهورةِ، كي لا تخلطَ بينهم:

أكبرُهم واشتُهِرَ بالحديثِ:
١ - مجدُ الدِّينِ أبو السَّعاداتِ المُبارَكُ بنُ مُحمَّدِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الكريمِ الشَّيبانيُّ الجَزَريُّ الموصليُّ ( ٥٤٤هـ - ٦٠٦هـ ).
صاحبُ كتابِ: "جامعِ الأُصولِ في أحاديثِ الرَّسولِ"، وكتابِ: "النِّهايةِ في غريبِ الحديثِ والأثَرِ"، وغيرِها.

وأوسطُهم واشتُهِرَ بالتَّاريخِ:
٢ - عِزُّ الدِّينِ أبو الحسَنِ عليُّ بنُ مُحمَّدِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الكريمِ الشَّيبانيُّ الجَزَريُّ الموصليُّ ( ٥٥٥هـ - ٦٣٠هـ ).
صاحبُ كتابِ: "الكاملِ في التَّاريخِ"، وكتابِ: "أُسدِ الغابةِ في معرفةِ الصَّحابةِ"، وكتابِ: "اللُّبابِ في تهذيبِ الأنسابِ"، وغيرِها.

وأصغرُهم واشتُهِرَ بالأدَبِ:
٣ - ضِياءُ الدِّينِ أبو الفتحِ نصرُ اللهِ بنُ مُحمَّدِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الكريمِ الشَّيبانيُّ الجَزَريُّ الموصليُّ ( ٥٥٨هـ - ٦٣٧هـ ).
صاحبُ كتابِ: "المَثَلِ السَّائرِ في أدبِ الكاتبِ والشَّاعرِ"، وغيرِه.
قال الإمامُ ابنُ وهبٍ تفسيرِ القُرآنِ من الجامعِ له ( ٣ / ٩٠ برقم ١٩٨ ): حدَّثَني حمَّادُ بنُ زيدٍ وجريرُ بنُ حازمٍ وسُفيانُ بنُ عُيَينةَ، عن عاصمِ بنِ أبي النَّجُودِ، عن زِرِّ بنِ حُبَيشٍ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ قال: "من أحبِّ الكلامِ إلى اللهِ أن يقولَ العبدُ وهو ساجدٌ: ربِّ، إنِّي ظلمتُ نفسي فاغْفِرْ لي".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إسنادٌ موقوفٌ حسنٌ؛ عاصمُ بنُ أبي النَّجودِ صدوقٌ.
وزرُّ بنُ حُبَيشٍ تابعيٌّ كبيرٌ مُخضرَمٌ، أدرك الجاهليَّةَ، وروى عن كبارِ الصَّحابةِ، كعُمَرَ، وعُثمانَ، وعليٍّ، وسعيدِ بنِ زيدٍ، وابنِ عوفٍ، والعبَّاسِ، وحُذَيفةَ، وأُبَيِّ، وعمَّارٍ، وابنِ مسعودٍ، وأبي ذرٍّ، وغيرِهم.
عاش مائةً وعشرينَ سنةً ونيِّفًا.

ورواه أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٣١١٩٣ ) قال: حدَّثنا أبو أُسامةَ، عن مِسعَرٍ، عن عاصمٍ، به.

ورواه الطَّبرانيُّ في الدُّعاءِ ( ٦٠٨ ) قال: حدَّثنا عليُّ بنُ عبدِ العزيزِ، ثنا أبو نُعَيمٍ، ثنا سُفيانُ، عن عاصمٍ، به.

سُفيانُ هنا هو الثَّوريُّ؛ لأنَّ أبا نُعَيمٍ -وهو الفضلُ بنُ دُكَينٍ- من أصحابِ الثَّوريِّ، وهو مُكثِرٌ عنه.
فإذا روى أبو نُعَيمٍ عن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ؛ فإنَّه يَنسِبُه، فيقولُ: حدَّثنا أو أخبرنا ابنُ عُيَينةَ.

ورواه الذَّهبيُّ في مُعجَمِ شُيوخِه ( ٢ / ١٩٣ - ١٩٤ ) وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ٢٣ / ١١٧ - ١١٨ ) من طريقِ عليِّ بنِ حربٍ، عن سُفيانَ، عن عاصمٍ، به، ولفظُه: "ربِّ إنِّي ظلمتُ، ربِّي فاغفِرْ لي، فإنَّه لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ".

وسُفيانُ هنا هو ابنُ عُيَينةَ؛ لأنَّ عليَّ بنَ حربٍ لم يُدرِكِ الثَّوريَّ.
وقد جاء مُصرَّحًا بإسنادِ الذَّهبيِّ في السِّيرِ.
اللَّهمَّ اضْرِبِ الظَّالمينَ بالظَّالمينَ، وأخرِجْ أهلَ السُّنَّةِ سالِمِينَ مُعافَينَ.

إنِّي لأشمتُ بالجبَّارِ؛ يصرعُهُ
طاغٍ، ويُرهقُهُ ذُلًّا وطُغيانا
اللهم لك الحمد.
الله أكبر والعزّة لله
لا تعلمون كم هي مدى فرحتنا -نحن السّوريين خاصّة- بهلاك هذا الرّافضي الخبيث: حسن نصر الشّيطان وأصحابه على يد من هو أخبث منه!
فالحمد لله ربّ العالمين..
اللهمّ أتمم علينا فرحتنا بهلاك بشّار الأسد وأعوانه..
2024/11/16 13:39:23
Back to Top
HTML Embed Code: