Telegram Web Link
قال الخطيبُ البغداديُّ في الجامعِ لأخلاقِ الرَّاوي ( ١٩٠٠ ): حدَّثَني أبو النَّجيبِ عبدُ الغفَّارِ بنُ عبدِ الواحدِ الأُرمَويُّ مُذاكَرةً قال: سمعتُ الحسنَ بنَ عليٍّ المُقرِئَ يقولُ: سمعتُ أبا الحُسَينِ بنَ فارسٍ اللُّغَويَّ يقولُ: سمعتُ الأُستاذَ ابنَ العميدِ يقولُ: ما كنتُ أظنُّ أنَّ في الدُّنيا حلاوةً ألذَّ من الرِّئاسةِ والوزارةِ التي أنا فيها حتَّى شاهدتُ مُذاكَرةَ سُلَيمانَ بنِ أحمدَ الطَّبَرانيِّ وأبي بكرٍ الجِعابيِّ بحضرتي، فكان الطَّبرانيُّ يغلبُ الجِعابيَّ بكثرةِ حِفظِه، وكان الجِعابيُّ يغلبُ الطَّبرانيَّ بفِطنَتِه وذكاءِ أهلِ بغدادَ، حتَّى ارتفعتْ أصواتُهما ولا يكادُ أحدُهما يغلبُ صاحبَه، فقال الجِعابيُّ: عندي حديثٌ ليس في الدُّنيا إلَّا عندي، فقال: هاتِه.
فقال: حدَّثنا أبو خليفةَ، حدَّثنا سُلَيمانُ بنُ أيُّوبَ، وحدَّثَ بالحديثِ.
فقال الطَّبَرانيُّ: أنا سُلَيمانُ بنُ أيُّوبَ، ومنِّي سَمِعَ أبو خليفةَ، فاسْمَعْ منِّي حتَّى يعلوَ إسنادُكَ؛ فإنَّكَ تروي عن أبي خليفةَ، عنِّي.
فخجل الجِعابيُّ وغلَبَهُ الطَّبرانيُّ.
قال ابنُ العميدِ: فوددتُ في مكاني أنَّ الوزارةَ والرِّئاسةَ ليتَها لم تكن لي وكنتُ أنا الطَّبرانيَّ، وفرحتُ مثلَ الفرحِ الذي فرِحَ به الطَّبرانيُّ لأجلِ الحديثِ، أو كما قال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: "فاسْمَعْ منِّي حتَّى يعلوَ إسنادُكَ":
الإسنادُ العالي: هو ما كان رجالُ إسنادِه أقلَّ.
وطلبُ الإسنادِ العالي عند المُحدِّثينَ سُنَّةٌ.
وكان المُحدِّثونَ يقطعونَ المسافاتِ الطَّويلةَ، ويجوبونَ البلادَ والقِفارَ والفيافيَ طلبًا للإسنادِ العالي؛ لقُربِهِ من المُصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبُعدِه عن الوقوعِ في الخطإِ.

فالطَّبرانيُّ يقولُ للجعابيِّ: أنا سُلَيمانُ بن أيُّوبَ الذي سمع منه أبو خليفةَ هذا الحديثَ، فاسمَعْه منِّي حتَّى يكونَ إسنادُكَ عاليًا.

والطَّبرانيُّ هو الإمامُ الكبيرُ الحافظُ مُسندُ الدُّنيا أبو القاسمِ سُلَيمانُ بنُ أحمدَ بنِ أيُّوبَ الشَّاميُّ الطَّبرانيُّ، صاحبُ المعاجمِ الثَّلاثةِ.
كان رحَّالًا جوَّالًا في طلبِ العلمِ والحديثِ، وجمعَ وصنَّفَ، وعُمِّرَ دهرًا طويلًا، وازدحم عليه المُحدِّثونَ، ورحلوا إليه من الأقطارِ.

والجِعابيُّ هو الحافظُ البارِعُ العلَّامةُ فريدُ زمانِه أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحمَّدِ بنِ سَلمٍ الجِعابيُّ البغداديُّ.

والطَّبرانيُّ والجِعابيُّ أقرانٌ.

وابنُ العميدِ هو الوزيرُ أبو الفضلِ مُحمَّدُ بنُ الحُسَينِ بنِ مُحمَّدٍ الكاتب، وزيرُ الملكِ رُكنِ الدَّولةِ الحسنِ بنِ بُوَيهِ الدَّيلميِّ.
كان عجبًا في التَّرسُّلِ والإنشاءِ والبلاغةِ، يُضرَبُ به المثلُ، وكان يُقالُ له: الجاحظُ الثَّاني.

وقولُ الجِعابيِّ: "حدَّثنا أبو خليفةَ، حدَّثنا سُلَيمانُ بنُ أيُّوبَ":
أبو خليفةَ هذا هو الإمامُ المُحدِّثُ الأديبُ الفضلُ بنُ الحُبَابِ الجُمَحيُّ البصريُّ.
وكان ثقةً صادقًا مأمونًا أديبًا فصيحًا مُفَوَّهًا، وعُمِّرَ؛ عاش مائةَ عامٍ سوى أشهُرٍ.

وأبو خليفةَ من شُيوخِ الطَّبرانيِّ والجِعابيِّ.
وهنا نراه يروي عن تِلمِيذِه الطَّبرانيِّ، وهذا من قبيلِ روايةِ الأكابرِ عن الأصاغرِ.

وروى هذه المُذاكَرةَ والمُناظَرةَ: الحافظُ ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٢٢ / ١٦٦ - ١٦٧ ) من طريقِ الخطيبِ البغداديِّ، بهذا الإسنادِ.

وذكَرَها ابنُ أبي يعلى في طَبَقاتِ الحنابلةِ ( ٢ / ٥٠ )، وياقوتُ في مُعجَمِ البُلدانِ ( ٤ / ١٩ )، والذَّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٦ / ١٢٥ ) وفي تذكرةِ الحُفَّاظِ ( ٣ / ٩١٥ )، وابنُ القيِّمِ في مِفتاحِ دارِ السَّعادةِ ( ١ / ٥٠٣ )، وابنُ عبدِ الهادي في طبقاتِ عُلَماءِ الحديثِ ( ٣ / ١٠٩ )، والزَّركشيُّ في النُّكَتِ على مُقَدِّمةِ ابنِ الصَّلاحِ ( ١ / ٣٥ - ٣٦ ).

ولهذه المُناظَرةِ والمُذاكَرةِ روايةٌ أُخرى في سِياقٍ مُمتِعٍ:

ذكَرَها الرَّافعيُّ في تاريخِه في ترجمةِ ابنِ العميدِ، فقال: ..وكان العُلَماءُ من كلِّ طَبَقةٍ وفي كلِّ فنٍّ يحضرونَ مجلسَهُ للمُناظَرةِ والمُذاكَرةِ، وهو يُشارِكُهم فيها، وفي التَّاريخِ لمُحمَّدِ بنِ إبراهيمَ القاضي وغيرِه، أنَّ أبا الفضلِ وردَ قزوينَ، ويحكي أنَّه اجتمع عنده بأصبهانَ فِي وزارَتِه أبو القاسمِ الطَّبرانيُّ، وأبو أحمدَ العسَّالُ، وأبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ حمزةَ، وأبو مُحمَّدِ بنِ حيَّانَ، وحضر معهم أبو بكرٍ الجعابيُّ، فقال لهم أبو الفضل بنُ العميدِ: تذاكَرُوا مع أبي بكرٍ الجِعابيِّ.
فبدأ الجعابيُّ فروى أحاديثَ أغربَ بها على القومِ، وكان في جُملَتِها أسامي قومٍ من السَّلَفِ يُعرَفُونَ بالكُنى، وكنَّى قومًا يُعرَفُونَ بالأسامي.
فقال الطَّبرانيُّ: هذا كلُّه داد أو بابا، ارجعْ إلى أصلِ العِلمِ، فهاتِ ما تحفظُ فيه عمَّن تروي في الاستنجاءِ، فروى الجعابيُّ طريقًا أو طريقَينِ.
فأخذ الطَّبرانيُّ يروي عن الدَّبَريِّ، وعن ابنِ برَّةَ الصَّنعانيِّ، وعن البَوسيِّ أصحابِ عبدِ الرَّزَّاقِ، وعن أبي زُرعةَ الدِّمشقيِّ، ومشايخِ الشَّامِ.
فقال الجعابيُّ: لم أُدرِكْ هؤلاءِ، فقال الطَّبرانيُّ: إنَّما أنتَ صبيٌّ يا بُنيَّ، أنتَ مَن لقيتَ؟
فغضبَ الجعابيُّ وقال: ثنا أبو خليفةَ الفضلُ بنُ الحُبابِ الجُمَحيُّ، ثنا سليمانُ بنُ أحمدَ اللَّخميُّ.
فضحك الطبرانيُّ وقال: كأنَّكَ تُريدُ أن تغربَ عليَّ، أتعرفُ سُلَيمانَ بنَ أحمدَ الذي روى عنه أبو خليفةَ؟ قال: لا، قال: أنا هو، حدَّثتُ أبا خليفةَ، وحدَّثَ عنِّي أبو خليفةَ.
وكان أبو الفضلِ ابنُ العميدِ مُتَّكئًا، فاستوى جالسًا وقال: هذا واللهِ شرفٌ؛ أن يُحدِّثَ أبو خليفةَ عن شيخٍ من مشايخِنا منذُ ستِّينَ سنةً.
فضرب الجعابيُّ بيدِه على ظَهرِ الطَّبرانيِّ وقال: استَوَتْ حُرمَتُكَ يا أبا القاسمِ.
فقال الطَّبرانيُّ: حُرمَتي كانَتْ مُستَويةً وعبدانُ الأهوازيُّ وأبو خليفةَ والمشايخُ أحياءُ.
ففُرِّقُوا عن ذلك المجلسِ، وقد غلبَ الطِّبرانيُّ جميعَهم.

انظُرِ "التَّدوينَ في أخبارِ قزوينَ" ( ٢ / ٨١ - ٨٣ ) للرَّافعيِّ.
وقد تمَّ إصلاحُ عِدَّةِ أخطاءٍ في هذا الخبرِ وقَعَتْ في المطبوعِ من الكتابِ.

وقولُه: "فأخذ الطَّبرانيُّ يروي عن الدَّبَريِّ، وعن ابنِ برَّةَ الصَّنعانيِّ، وعن البَوسيِّ أصحابِ عبدِ الرَّزَّاقِ":

أراد الطَّبرانيُّ بروايتِه عن هؤلاءِ أن يفخرَ على الجِعابيِّ بعُلُوِّ إسنادِه.
فإنَّ إسحاقَ بنَ إبراهيمَ الدَّبَريَّ، وإبراهيمَ بنَ مُحمَّدِ بنِ برَّةَ الصَّنعانيَّ، والحسنَ بنَ عبدِ الأعلى البَوسيَّ، من تلاميذِ الإمامِ الحافظِ الكبيرِ عبدِ الرِّزَّاقِ الصَّنعانيِّ، وقد أدركهم الطَّبرانيُّ، فهم من كبارِ شُيوخِه.
وهناك تلميذٌ رابعٌ لعبدِ الرَّزَّاقِ أدرَكَه الطَّبرانيُّ أيضًا، وهو إبراهيمُ بنُ مُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ الشِّباميُّ الصَّنعانيُّ.

وقد روى الطَّبرانيُّ أيضًا عن أصحابِ يزيدَ بنِ هارونَ، ورَوحِ بنِ عُبادةَ، والضَّحَّاكِ بنِ مَخلَدٍ، وحجَّاجِ بنِ مُحمَّدٍ المِصِّيصيُّ.

وقد طوَّفَ البِلادَ تَرحالًا في طلبِ العلمِ؛ فسمع بالشَّامِ، والحِجازِ، واليَمَنِ، وبغدادَ، والكُوفةِ، والبصرةِ، ومِصرَ، وأصبهانَ، وخُوزستانَ، وغيرَها.

قال الذَّهبيُّ في السِّير ( ١٦ / ١٢١ ): "وإنَّما وصل إلى العراقِ بعد فراغِه من مِصرَ والشَّامِ والحِجازِ واليَمَنَ، وإلَّا فلو قصد العِراقَ أوَّلًا؛ لَأدركَ إسنادًا عظيمًا".

وقولُه: "..وأبو أحمدَ العسَّالُ، وأبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ حمزةَ، وأبو مُحمَّدِ بنِ حيَّانَ..": هؤلاءِ كانوا شُيوخَ أصبهانَ مع الطَّبرانيِّ.

وأبو محمَّدِ بنُ حيَّانَ، هو المعروفُ بأبي الشَّيخِ، صاحبُ كتابِ "أخلاقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، وكتابِ "أمثالِ الحديثِ"، وكتابِ "العَظَمَةِ"، وكتابِ "طبقاتِ المُحدِّثينَ بأصبهانَ"، وغيرِها..

قال أبو أحمدَ العسَّالُ: إذا سمعتُ من الطَّبرانيِّ عشرينَ ألفَ حديثٍ، وسمع منه أبو إسحاقَ بنُ حمزةَ ثلاثينَ ألفًا، وسمع منه أبو الشَّيخِ أربعينَ ألفًا؛ كَمُلْنا.
رحمهم اللهُ كيف لو أدركوا زمانَنا هذا؟

قال أبو القاسمِ الحِنَّائيُّ في فوائدِه ( ١٢٠ ): أخبرنا أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ يحيى القطَّانُ قِراءةً عليهِ وأنا أسمعُ قال: أخبرنا أبو الحسنِ خيثمةُ بنُ سُلَيمانَ بنِ حَيدرةَ القُرشيُّ، ثنا مُحمَّدُ بنُ عوفِ بنِ سُفيانَ الطَّائيُّ بحِمصَ، ثنا عُثمانُ بنُ سعيدٍ، ثنا مُحمَّدُ بنُ مُهاجرٍ، عن الزُّبَيديِّ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ، عن عائِشةَ رضي اللهُ عنها قالت: رحمَ اللهُ لَبِيدًا إذ يقولُ:
ذهبَ الذين يُعاشُ في أكنافِهم *** وبقيتُ في خَلَفٍ كجِلدِ الأجربِ


- فقالت عائِشةُ: رحم اللهُ لبيدًا، كيف لو أدركَ زمانَنا هذا؟
- قال عُروةُ: رحم اللهُ عائشةَ، كيف لو أدرَكَتْ زمانَنا هذا؟
- قال الزُّهريُّ: رحم اللهُ عُروةَ، كيف لو أدركَ زمانَنا هذا؟
- قال الزُّبَيديُّ: رحم اللهُ الزُّهريَّ، كيف لو أدركَ زمانَنا هذا؟
- قال مُحمَّدُ بنُ مُهاجرٍ: رحم اللهُ الزُّبَيديَّ، كيف لو أدرك زمانَنا هذا؟
- قال عُثمانُ بنُ سعيدٍ: رحم اللهُ مُحمَّدَ بنَ مُهاجرٍ، كيف لو أدركَ زمانَنا هذا؟
- قال مُحمَّدُ بنُ عوفٍ: رحم اللهُ عُثمانَ بنَ سعيدٍ، كيف لو أدركَ زمانَنا هذَا؟
- قال خيثمةُ: رحم اللهُ مُحمَّدَ بنَ عوفٍ، كيف لو أدركَ زمانَنا هذا؟
- قال أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: رحم اللهُ خيثمةَ، كيف لو أدركَ زمانَنا هذا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا إسنادٌ غريبٌ صحيحٌ، رجالُه ثِقاتٌ أئمَّةٌ.

ورواه هكذا مُسَلْسَلًا: البُخاريُّ في التَّاريخِ الأوسطِ ( ١٨٢ )، والطَّبريُّ في تهذيبِ الآثارِ ( ١ / ١٢٤ برقم ٢٠٤ / مسند عمر )، وابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ١٦ / ٤٤١ - ٤٤٢ ) و ( ٣٧ / ٤٠٢ ) و ( ٤٣ / ١٣٣ - ١٣٤ )، والسُّيوطيُّ في جِيادِ المُسَلْسَلاتِ ( ص٢٦٠ - ٢٦٤ )، وابنُ المِبرَدِ في النِّهايةِ في اتِّصالِ الرِّوايةِ ( ص٤٤ - ٤٦ )، وغيرُهم..

أمَّا نحنُ، فماذا عسانا أن نقولَ؟ كيف لو أدركوا زمانَنا هذا؟ ورأوا أحبابَنا قد قَضَوا نَحْبَهُم تحتَ براميلِ الجزَّارِ النُّصَيريِّ طاغيةِ الشَّامِ.. وفي رصاصِ قاذِفاتِه.. وجحيمِ دبَّاباتِه.. ونيرانِ راجِماتِه...
وفي غياهبِ سُجونِه! فكم من أُمٍّ قد ذابَ قلبُها في انتظارِ ولَدِها، وكم من زوجةٍ احترقَ وَجدُها وتقطَّعَتْ كبدُها في انتظارِ زَوجِها، وكم من طٍفلٍ مُنتَظِرٍ قُدومَ والدِه.. وكم وكم وكم ممَّن قد تجرَّعَ كأسَ الفِراقِ، وذاق عَلْقَمَ الفقدِ ولوعةَ الوداعِ، وسكبَ دُموعَ القلبِ قبل العينِ على غيابِ أخٍ أو قريبٍ أو حبيبٍ أو صديقٍ في تلك السُّجونِ..
لو أدركوا زمانَنا؛ لَتَضرَّمتْ قُلوبُهم وتفطَّرَتْ، وجفَّتْ دُموعُهم، واحترَقَتْ أكبادُهم، وذابَتْ أفئدتُهم، وجاشَتْ نُفوسُهم، وتفطَّرَتِ المرائرُ على فِراقِ وفَقدِ الأحِبَّةِ..

وما الدَّهرُ إلَّا جامعٌ ومُفرِّقٌ ** وما النّّاسُ إلَّا راحلٌ ومُودّعُ
فإن نحنُ عِشنا يجمعُ اللهُ شَمْلَنا ** وإن نحنُ مِتنا فالقيامةُ تجمعُ

واللهُ المُستعانُ..
📚 قائمة بمؤلفات وتحقيقات الشيخ مشهور آل سلمان - حفظه الله ورعاه وبارك في علمه وعمله وعمره وجزاه خيراً -
📍المطبوعة ٢٩٨ + التي سلَّمها لدور النشر ولم تطبع بَعدُ ١٤ + التي لم يتمها ٣٧ ، المجموع: ٣٤٩ كتاباً.
◽️🖌️فائدة: الكتاب الواحد من تحقيقات الشيخ حقيقته كُتُب في كتاب واحد - ماشاء الله اللهم بارك - .
اللهم زد وبارك وانفع بها المسلمين. 👇
هذا الشَّيخُ لا أجِدُ ما أسمِّيهِ به إلَّا قولَ: بقيَّةِ السَّلَفِ!
ما شاء اللهُ، اللَّهُمَّ بارِكْ..
جالستُه وحضرتُ له دُروسًا؛ ما وجدتُه إلَّا بحرًا لا ساحلَ له، وبحرًا لا يُنزَفُ، وبحرًا لا تُكَدِّرُه الدِّلاءُ!
حفظه اللهُ ونفعنا بعِلمِه..
ترجمةٌ غريبةٌ في "سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ" لأبي عبدِ اللهِ الذَّهَبيِّ:

من عادةِ الإمامِ الذَّهبيِّ أن يُتَرجِمَ لكلِّ عَلَمٍ على حِدَةٍ، فإذا كان للمُتَرجَمِ له أبٌ أو ابنٌ أو أخٌ عَلَمٌ مِثلُه؛ يذكُرُه مُلحَقًا بالأوَّلِ، فيقولُ بعد انتهاءِ التَّرجمةِ: وأبوه، وابنه، وأخوه..

وهنا نجدُه ترجمَ لأَخَوَينِ معًا، فقال:

الأخَوانِ الشَّاعِرانِ المُحسِنانِ: أبو بكرٍ مُحمَّدٌ، وأبو عُثمانَ سعيدٌ، ابنا هاشمِ بنِ وَعْكةَ بنِ عُرامِ بنِ عُثمانَ بنِ بِلالٍ المَوصِليَّانِ الخالِدِيَّانِ.

كانا كفَرَسَي رِهانٍ في قُوَّةِ الذَّكَاءِ، وسُرعةِ النَّظمِ وجَودَتِه، يتشاركانِ في القصيدةِ الواحدةِ.

ومُحَمَّدٌ هو الأكبرُ، قدم دِمشقَ في صُحبةِ سيفِ الدَّولةِ، وهما من خواصِّ شُعَرائِه، اشتركا في شيءٍ كثيرٍ.
وكانَ سَرِيٌّ الرَّفَّاءُ يهجوهما ويهجوانِه.

ونظمَ فيهما أبو إسحاقَ الصَّابيُّ:
أرى الشَّاعِرَينِ الخالِدِيَّينِ سَيَّرا ** قصائدَ يفنى الدَّهرُ وهيَ تُخَلَّدُ
هما لاجتِماعِ الفضلِ رُوحٌ مُؤلَّفٌ ** ومعناهما من حيثُ ما شئتَ مُفرَدُ

قال النَّديمُ في كتابِ "الفِهرَسْت": كانا سَرِيعَي البديهةِ، قال لي أبو بكرٍ منهما: إنِّي أحفظُ ألفَ سَمَرٍ، كلُّ سَمَرٍ في نحوِ مائةِ ورقةٍ.
قال: وكانا مع ذلك إذا استحسنا شيئًا غصَبَاهُ صاحبَهُ حيًّا كان أو ميتًا، كذا كانَتْ طِباعُهُما.
ولهما من الكُتبِ: كِتابُ "أخبارِ المَوصِلِ"، و"أخبارِ أبي تمَّامٍ"، وغيرِ ذلك من الأدَبيَّاتِ.

سِيَرُ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٦ / ٣٨٦ - ٣٨٧ ) -بتصرُّفٍ-.

وذكَرَهُما الثَّعالبيُّ في "يتيمةِ الدَّهرِ" فقال: إنْ هذانِ لَساحرانِ، يغربانِ بما يجلبانِ، ويُبدِعانِ فيما يصنعانِ، وكان ما يجمعُهما من أُخوَّةِ الأدبِ مِثلَ ما يَنظمُهما من أُخوَّةِ النَّسَبِ، فهما في المُوافَقةِ والمُساعَدةِ يَحيَيانِ برُوحٍ واحدةٍ، ويشتركانِ في قَرضِ الشِّعرِ وينفردانِ، ولا يكادانِ في الحَضَر والسَّفَرِ يفترقانِ، وكانا في التَّساوي والتَّشابُكِ، والتَّشاكُلِ والتَّشارُكِ كما قال أبو تمَّامٍ:
رَضِيعَيْ لِبانٍ شَرِيكَي عنانٍ ** عَتِيقَيْ رِهانٍ حَلِيفَيْ صفاءِ
بل كما قال البُحتريُّ:
كالفَرقَدَينِ إذا تأمَّلَ ناظرٌ ** لم يَعلُ مَوضِعُ فَرقَدٍ عن فَرقَدِ
بل كما قال أبو إسحاقَ الصَّابيُّ فيهما:
أرى الشَّاعِرَينِ الخالِدِيَّينِ سَيَّرا ** قصائدَ يفنى الدَّهرُ وهيَ تُخَلَّدُ
جواهرُ من أبكارِ لفظٍ وعونِه ** يُقصِّرُ عنها راجزٌ ومُقصِّدُ
تنازعَ قومٌ فيهما وتناقَضُوا ** ومرَّ جِدالٌ بَينهم يتردَّدُ
فطائفةٌ قالَتْ سعيدٌ مُقدَّمٌ ** وطائفةٌ قالَتْ لهم بل مُحمَّدُ
وصارُوا إلى حُكمي فأصلحتُ بينهم ** وما قلتُ إلَّا بالَّتي هي أرشدُ
هما في اجتِماعِ الفضلِ زوجٌ مُؤلَّفٌ ** ومعناهما من حيثُ يثبتُ مُفرَدُ
كذا فَرقَدا الظَّلماءِ لمَّا تَشَاكَلا ** علا أشكلا هل ذاك أم ذاك أمجدُ
فزوجُهما ما مِثلُهُ في اتِّفاقِهِ ** وفَردُهُما بينَ الكواكبِ أوحَدُ
فقامُوا على صُلحٍ وقال جميعُهم ** رضينا وساوى فَرقَدَ الأرضِ فَرقَدُ

قال الثَّعالبيُّ: وما أعدلَ هذه الحُكومةَ من أبي إسحاقَ! فما منهما إلَّا مُحسِنٌ ينظمُ في سلكِ الإبداعِ ما فاقَ وراقَ، ويُكاثرُ بمحاسِنِه وبدائِعِه الأفرادِ من شُعَراءِ الشَّامِ والعِراقِ.

انظُرْ يتيمةَ الدَّهرِ ( ٢ / ٢١٤ - ٢١٥ ) للثَّعالبيِّ.

وقولُ الذَّهبيِّ: "وكانَ سَرِيٌّ الرَّفَّاءُ يهجوهما ويهجوانِه":
هو أبو الحسنِ السَّرِيُّ بنُ أحمدَ الرَّفَّاءُ الكِنديُّ الموصليُّ.
كان بينه وبين الخالِديَّينِ هجاءٌ وشرٌّ وعداوةٌ.

وقد جمع الدّكتور سامي الدّهّان ديوانَ الأخَوَينِ الخالِدِيَّينِ، وهو مطبوعٌ في دار صادر.
أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ سَهلٍ الرَّمليُّ، الإمامُ الشَّهيدُ القُدوةُ، المعروفُ بابْنِ النَّابُلسيِّ:

قال الحافظُ أبو ذرٍّ الهَرَويُّ: سجَنَهُ بنو عُبَيدٍ، وصَلَبُوهُ على السُّنَّةِ، سمعتُ الدَّارَقُطنيُّ يذكُرُه ويبكي ويقولُ: كان يقولُ وهو يُسلَخُ: ( كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ).

قال ابنُ الجوزيِّ: أقام جوهرٌ القائدُ لأبي تميمٍ صاحبِ مِصرَ أبا بكرٍ النَّابُلسيَّ، فقال له: بَلَغَنا أنَّكَ قلتَ: إذا كان مع الرجلِ عشرةُ أسهُمٍ، وجبَ أن يرميَ في الرُّومِ سَهمًا، وفينا تِسعةً.
قال: ما قلتُ هذا، بل قلتُ: إذا كان معه عشرةُ أسهُمٍ، وجبَ أن يرميَكم بتِسعةٍ، وأن يرميَ العاشرَ فيكم أيضًا؛ فإنَّكم غيَّرتُم المِلَّةَ، وقَتَلتُم الصَّالحينَ، وادَّعَيتُم نُورَ الإلهيَّةِ.
فشَهَرَهُ ثم ضرَبَهُ، ثم أمرَ يَهوديًّا فسَلَخَهُ.

قال مَعمَرُ بنُ أحمدَ بنِ زِيادٍ الصُّوفيُّ: أخبرني الثِّقةُ، أنَّ أبا بكرٍ سُلِخَ من مَفرِقِ رأسِه حتَّى بُلِغَ الوجهُ، فكان يذكرُ اللهَ ويصبرُ حتَّى بلغَ الصَّدرَ فرَحِمَهُ السَّلَّاخُ، فوكَزَهُ بالسِّكِّينِ مَوضِعَ قلبِه فقضى عليه.
وأخبرني الثِّقةُ أنَّه كان إمامًا في الحديثِ والفِقهِ، صائِمَ الدَّهرِ، كبيرَ الصَّولةِ عند العامَّةِ والخاصَّةِ، ولمَّا سُلخَ كان يُسمَعُ من جسدِه قِراءةُ القُرآنِ.

يُنظَرُ: المُنتَظَمُ ( ١٤ / ٢٤٥ - ٢٤٦ ) لابنِ الجوزيِّ، وتاريخُ دِمشقَ ( ٥١ / ٤٩ - ٥١ ) لابنِ عساكرَ، وسِيَرُ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٦ / ١٤٨ - ١٥٠ ) والعِبَرُ في خَبَرِ مَن غَبَرَ ( ٢ / ١١٦ ) كِلاهُما للذَّهبيِّ، والبِدايةُ والنِّهايةُ ( ١٥ / ٣٦٦ - ٣٦٧ ) لابنِ كثيرٍ، والوافي بالوَفَياتِ ( ٢ / ٣٣ - ٣٤ ) للصَّفَديِّ، وحُسنُ المُحاضَرةِ في تاريخِ مصرَ والقاهرةِ ( ١ / ٥١٥ ) للسُّيوطيِّ.

وقال الذَّهبيُّ عقبَ ترجمتِه: "لا يُوصَفُ ما قلبَ هؤلاءِ العُبَيديَّةُ الدِّينَ ظهرًا لبطنٍ، واستولوا على المغربِ، ثم على مِصرَ والشَّامِ، وسبُّوا الصَّحابةَ".

وقولُ ابنِ الجوزيِّ: "أقام جوهرٌ القائدُ لأبي تميمٍ صاحبِ مِصرَ أبا بكرٍ النَّابُلسيَّ":
جوهرٌ هذا هو ابن عبدِ اللهِ الصّقلّيّ الرّوميّ، رافضيٌّ شيعيٌّ، باطنيٌّ، وكان من القُوَّادِ في أيِّام الفاطِميِّينَ، وهو قائدُ جُيوشِ أبي تميمٍ هذا.
وأبو تميمٍ هو المُعِزُّ لدِينِ اللهِ مَعَدُّ بنُ إسماعيلَ العُبَيديُّ الرَّافضيُّ.
القاضي النُّعمانُ بنُ مُحمَّدِ بنِ منصورٍ القيروانيُّ المغربيُّ الرَّافضيُّ الباطنيُّ (تـ ٣٦٣ هـ):

قال الذَّهبيُّ في السِّير ( ١٦ / ١٥٠ - ١٥١ ): "العلَّامةُ، المارِقُ، قاضي الدَّولةِ العُبَيديَّةِ، كان مالكيًّا، فارتدَّ إلى مذهبِ الباطنيَّةِ، وصنَّفَ له أُسَّ الدَّعوةِ، ونبذَ الدِّينَ وراءَ ظهرِه، وألَّفَ في المناقبِ والمثالبِ، وردَّ على أَئمَّةِ الدِّينِ، وانسلخَ من الإسلامِ، فسُحقًا له وبُعدًا، ونافقَ الدَّولةَ لا بل وافَقَهُم، وكان مُلازِمًا للمُعزِّ أبي تميمٍ مُنشِئِ القاهرةِ.
وله يدٌ طُولى في فُنونِ العُلومِ والفِقهِ والاختلافِ، ونَفَسٌ طويلٌ في البحثِ، فكان عِلمُه وبالًا عليه.
وصنَّفَ في الرَّدِّ على أبي حنيفةَ في الفِقهِ، وعلى مالكٍ، والشَّافعيِّ، وانتصرَ لفِقهِ أهلِ البيتِ، وله كِتابٌ في اختلافِ العُلَماءِ، وكُتبُه كِبارٌ مُطوَّلةٌ، وكان وافرَ الحِشمةِ، عظيمَ الحُرمةِ، في أولادِه قُضاةٌ وكُبَراءٌ.
وانتقلَ إلى غيرِ رِضوانِ اللهِ بالقاهرةِ في رجبٍ سنةَ ثلاثٍ وسِتِّينَ وَثلاثِ مائةٍ". اهـ

وقال في العِبَرِ ( ٢ / ١٧٧ ): "النُّعمانُ بنُ مُحمَّدِ بنِ منصورٍ القيروانيُّ، الشِّيعيُّ ظاهرًا، الزِّنديقُ باطنًا، قاضي قُضاةِ الدَّولةِ العُبَيديَّةِ، صنَّفَ كتابَ "ابتداءِ الدَّعوةِ"، وكتابًا في فقهِ الشِّيعةِ، وكُتُبًا كثيرةً تدلُّ على انسِلاخِه من الدِّينِ، يُبَدِّلُ فيها معانيَ القُرآنِ ويُحَرِّفُها". اهـ
هم بيَّتونا بالوتيرِ هُجَّدًا ** وقتلونا رُكَّعًا وسُجَّدا

اللهم عليك باليهودِ.. فإنهم لا يُعجزونك، اللهم الْعَنْهم، وألقِ في قلوبِهم الرعبَ، وخالِفْ بين كلمتِهم.. واجعلْ تدبيرَهم في تدميرِهم، وكيدَهم في نُحورِهم.

اللهم سلّمْ أهلَنا في غزةِ واحفَظْهم، وأنزِلْ عليهم نصرَك المؤزَّر، وارحَمْ شهداءَهم، واشْفِ جرحاهم، وداوِ مرضاهم..

حسبنا اللهُ ونعم الوكيلُ
١٠ مُحرَّم / عاشوراء 🌿

"وأمَّا صِيامُ يومِ عاشوراءَ فإنَّه -أي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان يتحرَّى صومَهُ على سائرِ الأيَّامِ، ولمَّا قَدِمَ المدينةَ وجدَ اليهودَ تصومُه وتُعظِّمُه فقال: نحنُ أحقُّ بمُوسى منكم، فصامَهُ وأمرَ بصِيامِه، وذلك قبلَ فرضِ رمضانَ، فلمَّا فُرِضَ رمضانُ قال: مَن شاءَ صامَهُ، ومَن شاءَ تَرَكَهُ".
زادُ المعادِ ( ٢ / ٦٣ ).

- فضلُ صومِهِ:
روى مُسلِمٌ ( ١١٦٢ ) عن أبي قتادةَ الأنصاريِّ قال: وسُئِلَ -أي رسولُ اللهِ- عن صومِ يومِ عاشوراءَ؟
فقال: "يُكفِّرُ السَّنَةَ الماضيةَ".

وفي روايةٍ عندَ مُسلِمٍ أيضًا: "وصيامُ يومِ عاشوراءَ أحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السَّنَةَ التي قبلَهُ".

وروى البُخاريُّ ( ٢٠٠٦ ) واللَّفظُ له، ومُسلِمٌ ( ١١٣٢ ) عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: "ما رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يتحرَّى صيامَ يومٍ فضَّلَهُ على غيرِه إلَّا هذا اليومَ؛ يومَ عاشوراءَ، وهذا الشَّهرَ". يعني شهرَ رمضانَ.

ولفظُ مُسلِمٍ: "ما علمتُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صامَ يومًا يطلبُ فَضْلَهُ على الأيَّامِ إلَّا هذا اليومَ، ولا شهرًا إلَّا هذا الشَّهرَ".

- مراتبُ صيامِ عاشوراءَ:
قال الإمامُ ابنُ قيِّمِ الجوزيَّةِ في زادِ المعادِ ( ٢ / ٧٢ ): "فمراتبُ صومِه ثلاثةٌ: أكملُها: أن يُصامَ قبلَهُ يومٌ وبعدَهُ يومٌ.
ويلي ذلك: أن يُصامَ التَّاسِعُ والعاشِرُ، وعليه أكثرُ الأحاديثِ.
ويلي ذلك: إفرادُ العاشِرِ وحدَهُ بالصَّومِ". اهـ

وقال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في فتحِ الباري ( ٥ / ٤٣٦ ): "وعلى هذا فصِيامُ عاشوراءَ على ثلاثِ مراتبَ: أدناها: أن يُصامَ وحدَهُ.
وفوقَهُ: أن يُصامَ التَّاسِعُ معه.
وفوقَهُ: أن يُصامَ التَّاسعُ والحادي عشرَ".

كما أنَّه لا يُكرَهُ إفرادُه بالصَّومِ كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ وغيرُه.
شِدَّةُ حِرصِ السَّلَفِ على اغتِنامِ صومِ يومِ عاشوراءَ:

قال أبو جَبَلةَ: كنتُ معَ ابنِ شِهابٍ [الزُّهري] في سَفَرٍ فصامَ يومَ عاشوراءَ، فقِيلَ له: تصومُ يومَ عاشوراءَ في السَّفَرِ وأنتَ تُفطِرُ في رمضانَ؟
قال: "إنَّ رمضانَ له عِدَّةٌ من أيَّامٍ أُخَرَ، وإنَّ عاشوراءَ تفوتُ".

رواه البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٥ / ٣٣٥ برقم ٣٥١٨ ).
وذكَرَهُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ٥ / ٣٤٢ )، وابنُ رَجَبٍ في لطائفِ المعارفِ ( ص١٣٣ ) وقال: "وكان طائفةٌ من السَّلَفِ يصومونَ عاشوراءَ في السَّفَرِ، منهم: ابنُ عبَّاسٍ، وأبو إسحاقَ السَّبيعيُّ، والزُّهريُّ وقال: رمضانُ له عِدَّةٌ..".
قال ابن رجبٍ: "وكلُّ ما رُوِيَ في فضلُ الاكتحالِ في يومِ عاشوراءَ والاختضابِ والاغتسالِ فيه؛ فموضوعٌ لا يصحُّ".
غِرَاسُ السَّلَفِ 📚
Photo
ابنُ المُقرِئِ ( تـ ٣٨١ هـ ).

صاحبُ الرِّحلةِ الواسعةِ الجوَّالُ الإمامُ الحافظُ: أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ إبراهيمَ بنِ عليِّ بنِ عاصمِ بنِ زاذانَ الأصبهانيُّ.

روى عن أبي يعلى الموصليِّ، وأبي بكرٍ الباغَنديِّ، وأبي القاسمِ البَغَويِّ، وأبي جعفرٍ الطَّحَاويِّ، وأبي عَرُوبةَ الحرَّانيِّ، وخلقٍ كثيرٍ.

وروى عنه أبو الشَّيخِ الأصبهانيُّ -وهو أكبرُ منه-، وأبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ، وابنُ مَردَويهِ، والسَّهميُّ، وخلقٌ سواهم.

وكان كثيرَ الرِّحلةِ والتَّطوافِ في طلبِ العلمِ؛ قال أبو طاهرٍ أحمدُ بنُ محمودٍ: سمعتُ أبا بكرِ بنَ المُقرِئِ يقولُ: "طُفتُ الشَّرقَ والغربَ أربعَ مرَّاتٍ".

وقال رحمه اللهُ: "مَشَيتُ بسببِ نُسخةِ مُفضَّلِ بنِ فَضالةَ سبعينَ مرحلةً، ولو عُرِضَتْ على خبَّازٍ برغيفٍ لم يَقبَلْها".

وقال الذَّهبيُّ: "سمع ابنُ المُقرِئِ الحديثَ في نَحوٍ من خمسينَ مدينةً".

ومُعجَمُه هذا جمُّ الفوائدِ، بديعُ الفرائدِ والعوائدِ، جمع فيه أحاديثَ شُيوخِهِ مُرَتَّبينَ على حُروفِ المُعجَمِ، وبدأ بمَن اسمُه مُحمَّدٌ تشريفًا وإجلالًا للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

قال ابنُ المُقرِئِ: "هذا كتابٌ جمعتُ فيه أسماءَ المُحدِّثينَ الذين سمعتُ منهم بالحِجازِ ومكَّةَ والمدينةِ ومِصرَ والشَّامِ والعِراقِ وغيرِ ذلكَ، وأخرجتُ عن كلِّ شيخٍ حديثًا أو أكثرَ على حُروفِ الهجاءِ؛ لأقفَ على عدَدِهم، فبدأتُ بمَن اسمُه مُحمَّدٌ إجلالًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ". اهـ

وللعُلَماءِ اهتِمامٌ بالغٌ بهذا السِّفرِ الجليلِ.

انظُرْ ترجمتَهُ في أخبارِ أصبهانَ ( ٢ / ٢٩٧ ) لأبي نُعَيمٍ، وسِيَرِ الأعلامِ ( ١٦ / ٣٩٨ - ٤٠٢ ) وتذكرةِ الحُفَّاظِ ( ٣ / ٩٧٣ - ٩٧٥ ) كلاهما للذَّهبيِّ.
قال أبو بكرٍ البرقانيُّ: "كان الدَّارقُطنيُّ يُملي عليَّ العِلَلَ من حِفظِه".

وقال الخطيبُ البغداديُّ: سألتُ البرقانيَّ: قلتُ له: هل كان أبو الحسنِ الدَّارَقُطنيُّ يُملي عليكَ العِلَلَ من حِفظِه؟ فقال: نعم، أنا الذي جمعتُها، وقرأها النَّاسُ من نُسخَتي.

قال الذَّهبيُّ -تعقيبًا- في السِّير ( ١٦ / ٤٥٥ ): "إن كان كتابُ العِلَلِ الموجودُ قد أملاه الدَّارَقُطنيُّ من حِفظِه كما دلَّتُ عليه هذه الحِكايةُ؛ فهذا أمرٌ عظيمٌ، يُقضى به للدَّارَقُطنيِّ أنَّه أحفظُ أهلِ الدُّنيا، وإن كان قد أملى بعضَهُ من حِفظِه، فهذا مُمكِنٌ". اهـ

وقال في تاريخِ الإسلامِ ( ٨ / ٥٧٨ - ٥٧٩ ) تعقيبًا أيضًا: "وهذا شيءٌ مُدهِشٌ؛ كَونُه كان يُملي العِلَلَ من حِفظِه، فمن أراد أن يعرفَ قَدرَ ذلك؛ فلْيُطالِعْ كتابَ العِلَلِ للدَّارَقُطنيِّ، ليعرفَ كيف كان الحُفَّاظُ". اهـ

وقال أيضًا في تذكرةِ الحُفَّاظِ ( ٣ / ٩٩٣ - ٩٩٤ ): "هنا يُخضَعُ للدَّارقُطنيِّ ولسِعَةِ حِفظِه الجامعِ لقُوَّةِ الحافظةِ، ولقُوَّةِ الفهمِ والمعرفةِ، وإذا شئتَ أن تبيَّنَ براعةَ هذا الإمامِ الفَردِ؛ فطالِعْ العِلَلَ له، فإنَّكَ تندهشُ ويطولُ تعجُّبُكَ". اهـ
قال الذَّهبيُّ في السِّيَرِ ( ١٧ / ٣١٩ - ٣٢٠ ) عندَ ترجمةِ الخطَّاطِ ابنِ البَّوابِ: "الكِتابةُ مُسَلَّمةٌ لابنِ البوَّابِ، كما أنَّ أقرأَ الأُمَّةِ أُبَيُّ بنُ كعبٍ، وأقضاهم عليٌّ، وأفرَضَهم زيدٌ، وأعلَمَهم بالتَّأويلِ ابنُ عبَّاسٍ، وأمِينَهم أبو عُبَيدةَ، وعابِرَهم مُحمَّدُ بنُ سِيرِينَ، وأصدَقَهم لهجةً أبو ذرٍّ، وفقيهَ الأُمَّةِ مالِكٌ، ومُحدِّثَهم أحمدُ بنُ حنبلٍ، ولُغَويَّهم أبو عُبَيدٍ، وشاعِرَهم أبو تمَّامٍ، وعابِدَهم الفُضَيلُ، وحافِظَهم سُفيانُ الثَّوريُّ، وأخباريَّهم الواقديُّ، وزاهِدَهم معروفٌ الكَرخيُّ، ونَحوِيَّهم سِيبَوَيه، وعَرُوضِيَّهم الخليلُ، وخطيبَهم ابنُ نُباتةَ، ومُنشِئَهم القاضي الفاضِلُ، وفَارِسَهم خالدُ بنُ الوليدِ، رحمهم اللهُ". اهـ
الذَّهبيُّ يقصفُ ولا يُبالي :)

قال في تاريخِ الإسلامِ ( ٨ / ٨٣٨ ): أخبرني أحمدُ بن سلامةَ كتابةً، عن الطَّرَسُوسيِّ، عن ابنِ طاهرٍ الحافظِ قال: سمعتُ أبا الفتحِ عبدَ الوهَّابِ الشِّيرازيَّ بالرَّيِّ يقولُ: سمعتُ أبا حيَّانَ التَّوحيديَّ يقولُ: "أُناسٌ مَضَوْا تحتَ التَّوهُّم، وظنُّوا أنَّ الحقَّ معهم، وكان الحقُّ وراءَهم".

قال الذَّهبيُّ: "مِثلُكَ يا مُعثَّرُ، بل أنتَ حاملُ لِوائِهم".

ورواه أيضًا في سِيَرِ أعلامِ النُّبَلاءِ ( ١٧ / ١٢١ - ١٢٢ ) وعلَّقَ عليه التَّعليقَ نفسَه.

وأبو حيَّانَ التَّوحيديُّ هو عليُّ بنُ مُحمَّدِ بنِ العبَّاسِ البغداديُّ، صُّوفيٌّ فلسفيٌّ، وقد اتُّهِمَ بالزَّندقةِ وسُوءِ الاعتِقادِ.
تأسرُني تلبيةُ الصَّحابةِ -رضوانُ اللهِ عليهم- لنِداءاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ!

- أبو ذرٍّ الغِفاريُّ: يا أبا ذرٍّ، فقلتُ: لبَّيكَ وسَعدَيكَ يا رسولَ اللهِ، وأنا فِداؤُكَ.

- بلالُ بنُ رباحٍ: ..ثم قال: يا بِلالُ، قم، فثار بلالٌ من تحتِ سَمُرةٍ كأنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طائرٍ فقال: لبَّيكَ وسَعدَيكَ وأنا فِداؤُكَ.

- مُعاذُ بنُ جبلٍ: قال: يا مُعاذُ، قال: لبَّيكَ يا رسولَ اللهِ وسَعدَيكَ.

- أبو هُرَيرةَ: يا أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: لبَّيكَ رسولَ اللهِ وسَعدَيكَ.

- أبو طلحةَ الأنصاريُّ: يا نبيَّ اللهِ، جعَلَني اللهُ فِداءَكَ، هل أصابَكَ من شيءٍ؟.

- الأنصارُ: يا معشرَ الأنصارِ، قالوا: لبَّيكَ يا رسولَ اللهِ وسَعدَيكَ، لبَّيكَ نحنُ بين يدَيكَ.

- وفدُ عبدِ القيسِ لمَّا أتَوْا نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالوا: يا نبيَّ اللهِ، جعَلَنا اللهُ فِداءَكَ، ماذا يصلُحُ لنا من الأشربةِ؟.
2024/09/28 12:15:05
Back to Top
HTML Embed Code: