Telegram Web Link
الافتِقارُ إلى اللهِ:

قال الإمامُ ابنُ قيِّمِ الجوزيَّةِ في المدارجِ ( ١ / ٥٢٠ - ٥٢١ ) عن شيخِه ابنِ تيميَّةَ رحمهما اللهُ: وبعث إليَّ في آخرِ عُمرِه قاعدةً في التَّفسيرِ بخطِّه، وعلى ظهرِها أبياتٌ بخطِّه من نظمِه:

أنا الفقيرُ إلى ربِّ البَرِيَّاتِ
أنا المُسَيكِينُ في مجموعِ حالاتي

أنا الظَّلومُ لنفسي وهي ظالِمَتي
والخيرُ إن يأتِنا من عندِهِ ياتي

لا أستطيعُ لنفسي جلبَ مَنفَعةٍ
ولا عنِ النَّفسِ لي دفعُ المَضَرَّاتِ

وليس لي دونَه مولىً يُدبِّرُني
ولا شفيعٌ إذا حاطَتْ خطيئاتي

إلَّا بإذنٍ من الرَّحمنِ خالِقِنا
إلى الشَّفيعِ كما قد جاء في الآياتِ

ولستُ أملِكُ شيئًا دونَهُ أبدًا
ولا شريكٌ أنا في بعضِ ذرَّاتِ

ولا ظهيرٌ له كي يستعينَ به
كما يكونُ لأربابِ الوِلاياتِ

والفقرُ لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا
كما الغنى أبدًا وصفٌ له ذاتي

وهذه الحالُ حالُ الخَلقِ أجمعِهِم
وكلُّهم عندَه عبدٌ له آتي

فمَن بغى مَطلَبًا مِن غيرِ خالِقِه
فهو الجهولُ الظَّلومُ المُشرِكُ العاتي

والحمدُ للهِ مِلءَ الكونِ أجمعِهِ
ما كان منه وما من بعدُ قد ياتي
Forwarded from هيثم الحويني
إنا لله وإنا إليه راجعون.. مات أبي.
نعزّي الأمّة الإسلاميّة بعظيم خطبها، وظلام ليلها، وأفول نجمها، ورحيل محدّثها: الشّيخ الإمام المحدّث أبي إسحاق الحوينيّ.

إنّا لله وإنّا إليه راجعون!
فُجِئْنا -وفُجِعْنا ورُزِئْنا!- -بعظيم الحزن وجليل الخطب والأسى- بهذا الخبر!

رحمه الله وغفر له، وأسكنه الجنّة، وأعلى درجته، وأكرم نزله، وعوّض الأمّة بفقده خيرًا، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

ذهاب العلماء من أعظم الفجائع وأشدّ المصائب؛ فبذهابهم يذهب العلم وينقص، وتخور القوى وتضعف الأمّة:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من النّاس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يترك عالمًا؛ اتّخذ النّاس رؤوسًا جُهّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا".

وقال التّابعيّ الحسن البصريّ: "موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدّها شيء ما طُرِدَ اللّيل والنّهار".

وقال التّابعيّ أيّوب السّختيانيّ البصريّ: "إنّي أُخبَرُ بموت الرّجل من أهل السّنّة وكأنّي أفقد بعض أعضائي".
قلت: فكيف إذا كان هذا الرّجل عالِمًا من علماء أهل السّنّة؟!

وصدق الحسن؛ فموت العالم ثلمة لا يسدّها شيء ما كرّ الجديدان.
كيف وموت العالم علامة على قرب السّاعة، وهلاك النّاس؟! اللّهمّ سلّم سلّم..

وأختم متمثّلًا بقول الإمام عبد الله بن المبارك: "اعلم أخي أنّ الموت اليوم كرامة لكلّ مسلم لقيَ اللهَ على السّنّة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإلى الله نشكو وحشتنا، وذهاب الإخوان، وقلّة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكو عظيم ما حلّ بهذه الأمّة من ذهاب العلماء أهل السّنّة، وظهور البدع، وقد أصبحنا في زمان شديد، وهرج عظيم..".
على فَقْدِ أهلِ العِلم تَهمي المدامعُ ..
وتَعظُمُ في أُفْق الحياة الفواجعُ
.
وتأسى رياضُ العلم والدِّين والتُّقى ..
وترتجُّ بالحُزن العميق الجوامعُ
.
ويشتدُّ ليلُ العُمْر دَجواً ووحشةً ..
فقدْ أفلتْ منه النجومُ الطوالعُ
.
ويبسُمُ ثغرُ الجهل يومَ رحيلهمْ ..
وتفرحُ في ذاك المصابِ المطامعُ
.
ويمتدُّ ظِلُّ الغَمِّ فوق قلوبنا ..
وتَسفِي عليها الهمَّ تلك المواجعُ
.
لقد ودّعَ اليوم الحياةَ مودِّعٌ ..
كريمُ السجايا واكفُ الخيرِ نافع
.
مضى شيخُنا والحمدُ ملئُ ردائه ..
وعطرُ الثَّنا سارٍ عليه وشافعُ
.
فقد كان نجمًا للعلوم وللهدى ..
أضاءتْ به فينا دروبٌ بلاقعُ
.
شجاعًا إذا أبدى الضلالُ قرونَه ..
صبوراً على التبليغ والهولُ واقعُ
.
حريصًا على بذل الفضائل في الورى ..
جموعًا لخيراتٍ لهنَّ مَشارعُ
.
وما بدَّل القولَ السديد ولا انحنى ..
وقد نازعتْه الحقَّ ريحٌ زعازعُ
.
لقد قارع اللأواءَ دهراً فما وهَى ..
ومرَّتْ به الجُلَّى فنِعمَ المُقارِعُ
.
فأبدى لها صبرًا عظيمًا وحكمةً ..
إذا خارَ في تلك المعامع جازعُ
.
ونالتْ يدُ الأمراض منه فنالَها ..
رضاً كان بالأقدار والقلبُ خاضعُ
.
وفي قطرَ رُدِّتْ إلى الله رُوحُه ..
وفازتْ به تلك البقاعُ الشواسعُ
.
أبا إسحاقَ والحُزنُ يعصف بالنُّهى ..
ويُدمي فؤادَ الصّبِّ والطَرْفُ دامعُ
.
ونفقدُ في ليل المخاوف مؤنسًا..
ويُغمدُ سيفٌ مرهَفُ الحدِّ قاطعُ
.
ويُطوى كتابٌ كان بالعلم زاخرًا ..
ويأفلُ نجم للهداية طالعُ
.
ولكننا نرضى بأقدار ربِّنا ..
ونعلمُ أن الله ما شاء صانعُ
.
فلا سُخْطَ في الآجال نُبدي ولا أذى ..
فكلُّ امرئ منا إلى الله راجعُ
.
وعند الكريم البَرِّ خيرٌ وراحةٌ ..
يُسلِّي عن الدنيا لمن هو طائعُ
.
فأسبِلْ عظيمَ الجودِ أمزانَ رحمةٍ ..
على شيخنا الحويني فجودُك واسعُ
.
وعوِّضْ به الدنيا بحَبْرٍ مبجَّلٍ
تزِيْنُ به فوق الروابي المجامعُ
الحمدُ للهِ، وبعدُ:

روى البُخاريُّ ( ٢٠٢٤ ) عن عائشةَ رضي اللهُ عنها، قالَتْ: "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل العشرُ شدَّ مِئزَرَهُ، وأحيا ليلَهُ، وأيقظَ أهلَهُ".

وفي روايةٍ عند مُسلِمٍ ( ١١٧٤ ): "إذا دخل العشرُ أحيا اللَّيلَ، وأيقظَ أهلَهُ، وجدَّ، وشدَّ المِئزَرَ".

"شدَّ مِئزَرَهُ": أي: اعتزلَ النِّساءَ، واجتهدَ في العبادةِ.

وقالَتْ رضي اللهُ عنها فيما رواه عنها مُسلِمٌ ( ١١٧٥ ): "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ ما لا يجتهدُ في غيرِه".

- ليلةُ القدرِ:
روى البُخاريُّ ( ١٩٠١ و٢٠١٤ )، ومُسلِمٌ ( ٧٦٠ ) عن أبي هُرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "مَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه".

وروى البُخاريُّ ( ٢٠١٧ )، ومُسلِمٌ ( ١١٦٩ ) عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "تَحَرَّوْا ليلةَ القدرِ في الوِترِ من العشرِ الأواخرِ من رمضانَ".

وروى مُسلِمٌ ( ١١٦٥ ) عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "مَن كان مُلتَمِسَها؛ فليلتَمِسْها في العشرِ الأواخرِ".

وفي روايةٍ عند مُسلِمٍ: "تَحَيَّنُوا ليلةَ القدرِ في العشرِ الأواخرِ".
أي اطلبوا حِينَها، وهو زمانُها.

وروى البُخاريُّ ( ٢٠٢١ ) عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "الْتَمِسُوها في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ ليلةَ القدرِ".

وروى مُسلِمٌ ( ١١٦٦ ) عن أبي هُرَيرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "الْتَمِسُوها في العشرِ الغوابرِ".

وقال أحمدُ ( ٢٠٤١٧ ): حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبرنا عُيَينةُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، عن أبيه، قال: ذكرتُ ليلةَ القدرِ عندَ أبي بكرةَ، فقال: ما أنا بمُلتَمِسِها بعدما سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا في عشرِ الأواخرِ، سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: "الْتَمِسُوها في العشرِ الأواخرِ، في الوِترِ منه".
قال: فكان أبو بكرةَ يُصلِّي في العِشرينَ من رمضانَ كصلاتِه في سائرِ السَّنَةِ، فإذا دخلَ العشرُ اجتهدَ.

وفي روايةٍ ( ٢٠٤٠٤ ): "الْتَمِسُوها في العشرِ الأواخرِ من تِسعٍ يَبقَينَ، أو سبعٍ يَبقَينَ، أو خمسٍ يَبقَينَ، أو ثلاثٍ يَبقَينَ، أو آخرِ ليلةٍ".

وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
ووالدُ عُيَينةَ هو عبدُ الرَّحمنِ بنُ جَوشَنٍ الغَطَفانيُّ، زوجُ بنتِ أبي بكرةَ رضي اللهُ عنه.
ورواهُ التِّرمذيُّ ( ٧٩٤ ) وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".

وروى البُخاريُّ ( ٢٠١٥ )، ومُسلِمٌ ( ١١٦٥ ) عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ رِجالًا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُرُوا ليلةَ القدرِ في المنامِ في السَّبعِ الأواخرِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أرى رُؤياكم قد تواطأتْ في السَّبعِ الأواخرِ، فمَن كان مُتَحَرِّيَها فلْيَتَحرَّها في السَّبعِ الأواخرِ".

وروى مُسلِمٌ ( ١١٦٥ ) عن ابنِ عُمَرَ قال: رأى رجلٌ أنَّ ليلةَ القدرِ ليلةُ سَبعٍ وعشرينَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أرى رُؤياكم في العشرِ الأواخرِ، فاطلُبوها في الوِترِ منها".

وروى مُسلِمٌ أيضًا ( ١١٦٥ ) عن ابنِ عُمَرَ أنَّه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "الْتَمِسُوها في العشرِ الأواخرِ -يعني ليلةَ القدرِ- فإن ضَعُفَ أحدُكم أو عَجَزَ، فلا يُغلَبَنَّ على السَّبعِ البواقي".

والأحاديثُ في هذا البابِ كثيرةٌ..

قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: "وقد اختلفَ العُلَماءُ في ليلةِ القدرِ اختلافًا كثيرًا، وتحصَّلَ لنا من مذاهبِهم في ذلك أكثرُ من أربعينَ قولًا، كما وقع لنا نظيرُ ذلك في ساعةِ الجُمُعةِ، وقد اشتَرَكَتا في إخفاءِ كلٍّ منهما ليقعَ الجِدُّ في طلَبِهما.." ثم ذكرَ الأقوالَ كلَّها ثم قال: "وأرجحُها كلُّها أنَّها في وترٍ من العشرِ الأخيرِ، وأنَّها تنتقلُ، وأرجاها أوتارُ العشرِ".
فتحُ الباري ( ٥ / ٤٦٣ - ٤٦٩ ).

- الحِكمةُ في إخفاءِ ليلةِ القدرِ:
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في الفتحِ ( ٥ / ٤٦٩ ): "قال العُلَماءُ: الحكمةُ في إخفاءِ ليلةِ القدرِ: ليحصُلَ الاجتهادُ في الْتِماسِها".

وقال الشَّيخُ ابنُ عُثَيمين في مجالسِه لشهرِ رمضانَ ( ص١٦٣ ): "وقد أخفى اللهُ سبحانه وتعالى عِلمَها على العبادِ رحمةً بهم؛ ليكثرَ عَمَلُهم في طَلَبِها في تلك اللَّيالي الفاضلةِ بالصَّلاةِ والذِّكرِ والدُّعاءِ، فيزدادوا قُربةً من اللهِ وثوابًا، وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا؛ ليتبيَّنَ بذلك مَن كان جادًّا في طَلَبِها حريصًا عليها ممَّن كان كسلانَ مُتهاوِنًا، فإنَّ مَن حَرَصَ على شيءٍ جدَّ في طَلَبِه، وهانَ عليه التَّعبُ في سبيلِ الوصولِ إليه، والظَّفَرِ به".
- ماذا يُقالُ في ليلةِ القدرِ؟
قالَتْ عائشةُ رضي اللهُ عنها: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إن وافقتُ ليلةَ القدرِ، بمَ أدعو؟
قال: "قولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عفوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي".

رواه أحمدُ ( ٢٥٣٨٤ و٢٥٤٩٥ و٢٥٤٩٧ و٢٥٥٠٥ و٢٥٧٤١ و٢٦٢١٥ )، والتِّرمذيُّ ( ٣٥١٣ )، وابنُ ماجه ( ٣٨٥٠ )، والنَّسائيُّ في الكُبرى ( ٧٦٦٥ و١٠٦٤٢ و١٠٦٤٣ و١٠٦٤٥ و١٠٦٤٦ و١٠٦٤٧ و١١٦٢٤ )، وابنُ نصرٍ في قيامِ رمضانَ ( ص٢٥٩ )، والطَّبَرانيُّ في الدُّعاءِ ( ٩١٥ و٩١٦ )، وابنُ السُّنِّيِّ ( ٧٦٧ )، والحاكمُ ( ١٩٨٥ )، والبيهقيُّ في الشُّعَبِ ( ٣٤٢٦ و٣٤٢٧ )، والقُضاعيُّ في مُسنَدِ الشِّهابِ ( ١٤٧٤ - ١٤٧٩ ) من طُرُقٍ، عن عائشةَ رضي اللهُ عنها مرفوعًا.

وصحَّحَهُ التِّرمذيُّ، والحاكمُ، والنَّوَويُّ، والمُنذريُّ، والذَّهَبيُّ، وابنُ القيِّمِ، وابنُ كثيرٍ، والألبانيُّ، وغيرُهم.

قال الشَّيخُ الألبانيُّ في الصَّحيحةِ ( ٧ / ١٠١١ - ١٠١٢ ): "تنبيهٌ: وقعَ في "سُنَنِ التِّرمذيِّ" بعد قولِه: "عفو" زيادةُ: "كريم"!؛ ولا أصلَ لها في شيءٍ من المصادرِ المُتَقدِّمةِ، ولا في غيرِها ممن نقلَ عنها، فالظَّاهرُ أنَّها مُدرَجةٌ من بعضِ النَّاسِخينَ أو الطَّابِعينَ؛ فإنَّها لم تَرِدْ في الطبعةِ الهِنديَّةِ من "سُنَنِ التِّرمذيِّ" التي عليها شرحُ "تُحفةِ الأحوذيِّ" للمباركفوريِّ، ولا في غيرِها. 
وإنَّ مما يُؤكِّدُ ذلك: أنَّ النَّسائيَّ في بعضِ رواياتِه أخرَجَهُ من الطَّريقِ التي أخرَجَها التِّرمذيُّ، كلاهما عن شيخِهِما (قُتيبةَ بنِ سعيدٍ) بإسنادِه دونَ الزِّيادةِ". اهـ

وروى أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ ( ٣١١٥٠ ) عن عبدِ اللهِ بنُ بُرَيدةَ.
وروى النَّسائيُّ في الكُبرى ( ١٠٦٤٨ ) عن مسروقٍ.

وكلاهما (ابن بريدة ومسروق) عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّها قالَتْ: "لو علمتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدرِ؛ كان أكثرُ دُعائي فيها: أسألُ اللهَ العفوَ والعافيةَ".
وإسنادُه صحيحٌ.

وروى أبو بكرِ بنُ أبي شييةَ ( ٣١١٤٨ )، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٣٤٢٨ ) عن شُرَيحِ بنِ هانئٍ، عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّها قالَتْ: "لو عرفتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدرِ ما سألتُ اللهَ فيها إلَّا العافيةَ".
وإسنادُه صحيحٌ.

قال ابنُ رَجَبٍ في لطائفِه ( ص٤٦٦ ): "العفوُ من أسماءِ اللهِ تعالى، وهو المُتجاوِزُ عن سيِّئاتِ عبادِه، الماحي لآثارِها عنهم.
وهو يُحِبُّ العفوَ، ويُحِبُّ أن يعفوَ عن عبادِه، ويُحِبُّ من عبادِه أن يعفوَ بعضُهم عن بعضٍ، فإذا عفا بعضُهم عن بعضٍ؛ عامَلَهُم بعفوِه، وعفوُه أحبُّ إليه من عُقوبَتِه". اهـ

اللهَ اللهَ إخواني في هذه العشرِ.. فاعْرِفُوا لها فضلَها ولا تُضَيِّعُوها.. واجْتَهِدُوا رحمكم اللهُ في طلَبِ ليلةِ القدرِ.. واجْتَهِدُوا وجِدُّوا في العبادةِ والقيامِ والدُّعاءِ وقراءةِ القُرآنِ ومُدارستِه مع التَّدبُّرِ والتَّفكُّرِ..

قال ابنُ رَجَبٍ في اللَّطائفِ ( ص٤٦٤ ): "وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتهجَّدُ في ليالي رمضانَ، ويقرأُ قِراءةً مُرتَّلةً، لا يمرُّ بآيةٍ فيها رحمةٌ إلَّا سألَ، ولا بآيةٍ فيها عذابٌ إلَّا تعوَّذَ، فيجمعُ بين الصَّلاةِ والقِراءةِ والدُّعاءِ والتَّفكُّرِ، وهذا أفضلُ الأعمالِ وأكملُها في ليالي العشرِ وغيرِها، واللهُ أعلمُ".

واللهُ أعلمُ . .
إنَّ ليلتَكم هذه - سبعًا وعشرين - هي أرجى ليالي العشر في موافقة ليلة القدر، فاعمروها قدر استطاعتكم بالصَّلاة والاعتكاف وقراءة القرآن والدُّعاء، متَّبعين هديَ نبيِّكم ﷺ؛ فإنَّ أولى الناس بشرف الليلة، وأوفرهم حظًّا فيها؛ هم أتباعُ سنتِه ﷺ.

#تغريد_العصيمي
أيُّها المؤمنون جِدُّوا؛ فإنَّ أيام رمضان تتسارع ذهابًا، ونرجو الله أن تزيدنا منه اقترابًا، اللَّهمَّ بلِّغنا الختام، وارزقنا تمام الصِّيام والقيام.

📝 الشيخ صالح العصيمي
عن مُعاوِيةَ بنِ أبي سُفيانَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "التمسوا ليلةَ القدرِ آخرَ ليلةٍ من رمضانَ".

وقال أبو بكرةَ الثَّقَفيُّ رضي اللهُ عنه: ما أنا بطالبِها إلَّا في العشرِ الأواخرِ بعدَ شيءٍ سمعتُه من رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ، سمعتُه يقولُ: "التمسوها في العشرِ الأواخرِ من تِسعٍ يَبقَينَ، أو سَبعٍ يَبقَينَ، أو خمسٍ يَبقَينَ، أو ثلاثٍ يَبقَينَ، أو آخرِ ليلةٍ".
غدًا متمّم شهر رمضان المُبارك في سوريا والأردنّ.
عيّدوا لحالكم، نحن صايمين 😂
تقبَّلَ اللهُ منّا ومنكم صالحَ الأعمالِ، وأعادهُ اللهُ علينا وعليكم بالخَيرِ واليُمنِ والبَرَكاتِ والعِزِّ والفَتحِ والتَّمكينِ والرِّفعةِ والمَنَعَةِ والسَّلامةِ في الدُّنيا والدِّينِ.
اللَّهُمَّ تَسَلَّمْ رمضانَ منَّا مُتَقَبَّلًا.. وعِيدُكم مُبارَكٌ، وكلَّ عامٍ وأنتم بخيرٍ جميعًا.

أخوكم: أبو عبدِ اللهِ.
( ..وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
قِصَّةٌ مشهورةٌ جدًّا بين النَّاسِ.. لا تكادُ تجدُ عامِّيًّا أو واعظًا فضلًا عن طالبِ عِلمٍ إلَّا ويُردِّدُها على لسانِه، أو هي مخزونةٌ في حِفظِه وجَنانِه، لكنَّها معلولةٌ لا تصحُّ، وليس البيانُ التَّحذيرَ منها، وإنَّما التَّنبيهُ إلى عدَمِ صِحَّتِها:

قال عبدُ الرَّزَّاقِ الصَّنعانيُّ في المُصنَّفِ ( ٢٠٥٥٩ ): أخبَرَنا مَعمرٌ، عن الزُّهريِّ قال: أخبرني أنسُ بنُ مالكٍ قال: كنا يومًا جُلوسًا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقَال: "يطلُعُ عليكمُ الآنَ من هذا الفجِّ رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ"، قال: فاطَّلعَ رجلٌ من أهلِ الأنصارِ تَنطِفُ لِحيتُه من وَضوئِه، قد علَّقَ نَعلَيهِ في يدِه الشِّمالِ، فلمَّا كان الغدُ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثلَ ذلك، فطلع ذلك الرجلُ على مِثلِ المرَّةِ الأولى، فلمَّا كان اليومُ الثَّالثُ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثلَ مقالتِه أيضًا، فطلع ذلك الرجلُ على مِثلِ حالِه الأوَّلِ، فلمَّا قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَبِعَهُ عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ فقال: إنِّي لَاحَيتُ أبي، فأقسمتُ ألَّا أدخلَ عليه ثلاثًا، فإن رأيتَ أن تُؤوِيَني إليك حتَّى تمضيَ الثَّلاثُ فعلتَ، قال: نعم، قال أنسٌ: كان عبدُ اللهِ يُحدِّثُ أنَّه بات معه ثلاثَ ليالٍ، فلم يَرَهُ يقومُ من اللَّيلِ شيئًا، غيرَ أنَّه إذا تعارَّ انقلبَ على فراشِه وذكَرَ اللهَ عزَّ وجلَّ وكبَّرَ حتَّى يقومَ لصلاةِ الفجرِ، قال عبدُ اللهِ: غيرَ أنِّي لم أسمَعْهُ يقولُ إلَّا خيرًا، فلمَّا مضَتِ الثَّلاثُ وكِدتُ أن أحتقرَ عمَلَهُ قلتُ: يا عبدَ اللهِ، لم يكن بيني وبين والدي هجرةٌ ولا غضبٌ، ولكنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ ثلاثَ مرَّاتٍ: "يطلُعُ الآنَ عليكم رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ"، فطلعتَ ثلاثَ مرَّاتٍ، فأردتُ أن آوِيَ إليك لأنظرَ ما عمَلُكَ فأقتديَ به، فلم أرَكَ تعملُ كبيرَ عَمَلٍ، فما الذي بلَغَ بك ما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فقال: ما هو إلَّا ما رأيتَ، قال: فانصرفتْ عنه، فلمَّا ولَّيتُ دعاني فقال: ما هو إلَّا ما رأيتَ، غيرَ أنِّي لا أجِدُ في نفسي على أحدٍ من المُسلِمِينَ غِشًّا، ولا أحسدُه على ما أعطاهُ اللهُ إيَّاهُ إليه، فقال عبدُ اللهِ: هذه التي بلَغَتْ بك، وهي التي لا نُطِيقُ.

ورواه أحمدُ ( ١٢٦٩٧ )، وعبدُ بنُ حُمَيدٍ ( ١١٥٧ )، والبزَّارُ ( ٦٣٠٨ )، والطَّبرانيُّ في مكارمِ الأخلاقِ ( ٧٢ )، والخرائطيُّ في مساوئِ الأخلاقِ ( ٧٧٠ )، وابنُ عبدِ البرِّ في التَّمهيدِ ( ٤ / ١٠٩ - ١١٠ )، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٦١٨١ )، والبغويُّ في شرحِ السُّنَّةِ ( ٣٥٣٥ )، والضِّياءُ المقدسيُّ في الأحاديثِ المُختارَةِ ( ٢٦١٩ ) من طريقِ عبدِ الرَّزَّاقِ، عن مَعمَرٍ، به.

كذا عند جميعِهم: "أخبرني أنسُ بنُ مالكٍ"، إلَّا ابنَ عبدِ البرِّ، فعندهما: "عن أنسٍ".

وهذا إسنادٌ ظاهِرُه الصِّحَّةُ! بل على شرطِ البُخاريِّ ومُسلِمٍ.

وتابَعَ عبدَ الرَّزَّاقِ عن مَعمَرٍ: عبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ:

قال ابنُ المُبارَكِ في الزُّهدِ ( ٦٤٦ ): أخبرنا معمرٌ، عن الزُّهريِّ، عن أنسِ بنِ مالكٍ، به.

كذا عنده عنعنة الزُّهريِّ.

ورواه النَّسائيُّ في السُّنَنِ الكُبرى ( ١٠٦٣٣ )، وابنُ السُّنِّيِّ في عمَلِ اليومِ واللَّيلةِ ( ٧٥٤ ) من طريقِ ابنِ المُبارَكِ، عن معمرٍ، به.

والحديثُ -كما قال غيرُ واحدٍ من العُلَماءِ- إذا لم تُجمَعْ طُرُقُه لم يتبيَّنْ خطَؤُه.. وعند جمعِ طُرُقِ هذا الحديثِ يتبيَّنْ لنا أنَّ الإمامَ الزُّهريَّ لم يَسمَعْ هذا الحديثَ من أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه! بل رواه عن رجلٍ، عن أنسٍ:

- قال الدَّارَقُطنيُّ في العِلَلِ ( ٦ / ٢٠٣ - ٢٠٤ برقم ٢٦٢٢ ): "اختُلِفَ فيه على الزُّهريِّ؛ فرواه عبدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعمَرٍ، عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني أنسٌ.
وقال ابنُ المُبارَكِ: عن مَعمَرٍ، عن الزُّهريِّ، عن أنسٍ.
وكذلك قال إبراهيمُ بنُ زيادٍ العبسيُّ، عن الزُّهريِّ.
وهذا الحديثُ لم يَسمَعْه الزُّهريُّ، عن أنسٍ؛ رواه شُعَيبُ بنُ أبي حمزةَ وعُقَيلٌ عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني مَن لا أتَّهِمُ، عن أنسٍ، وهو الصَّوابُ". اهـ

- وقال المِزِّيُّ في تُحفةِ الأشرافِ ( ١ / ٦٦٧ ): قال حمزةُ بنُ مُحمَّدٍ الكِنانيُّ الحافظُ: لم يَسمَعْه الزُّهريُّ من أنسٍ؛ رواه عن رجلٍ، عن أنسٍ؛ كذلك رواه عُقَيلٌ وإسحاقُ بنُ راشدٍ وغيرُ واحدٍ، عن الزُّهريِّ، وهو الصَّوابُ. اهـ

- وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلانيُّ في "النُّكَتِ الظِّرافِ": "وذكر البيهقيُّ في الشُّعَبِ أن شُعَيبًا رواه عن الزُّهريِّ، حدَّثَني مَن لا أتَّهِمُ عن أنسٍ.
ورواه مَعمَرٌ عن الزُّهريِّ، أخبرني أنسٌ، كذلك أخرجه أحمدُ عنه.
ورُوِّيناه في مكارمِ الأخلاقِ، وفي عدَّةِ أمكنةٍ عن عبدِ الرَّزَّاقِ.
وقد ظهر أنَّه معلولٌ". اهـ
فالظَّاهرُ أنَّ الحديثَ معلولٌ كما بيَّنَهُ هؤلاءِ الحُفَّاظُ الكبارُ.
وقولُ الإمامِ الزُّهريِّ: "مَن لا أتَّهمُ": التَّوثيقُ هكذا على الإبهامِ لا يُعتَدُّ به، فلا بُدَّ من تسميتِه، ومعرفةِ كلامِ أئمَّةِ الجرحِ والتَّعديلِ فيه.

وقد خالفَ مَعمرًا جمعٌ من الرُّواةِ؛ فرَوَوهُ عن الزُّهريِّ، عن المُبهَمِ، عن أنسِ بنِ مالكٍ، وهم:

١ - عْقَيلُ بنُ خالدٍ الأيليُّ القُرَشيُّ الأُمَويُّ، وهو ثقةٌ ثبتٌ من جلَّةِ أصحابِ الزُّهريِّ.

أخرجَ روايتَهُ ابنُ عساكرَ في تاريخِ دمشقَ ( ٢٠ / ٣٢٦ - ٣٢٧ ) من طريقِ ابنِ وهبٍ، أخبرني حَيوةُ، أخبرني عُقَيلٌ، عن ابنِ شهابٍ، حدَّثني مَن لا أتَّهمُ عن أنسٍ، به.

وذكَرَهُ من هذا الطَّريقِ: البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٩ / ٩ )، والذَّهبيُّ في السِّير ( ١ / ١٠٩ )، وابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنِّهايةِ ( ١١ / ٢٩٠ ).

وقد خالفَ حيوةَ: عبدُ اللهِ بنُ لهيعةَ؛ فرواه البزَّارُ ( ٦٣٠٧ ) من طريقِ ابنِ لهيعةَ، عن عُقَيلٍ، عن الزُّهريِّ، عن أنسِ بنِ مالكٍ، فذكره.

وحَيوةُ بنُ شُرَيحٍ ثقةٌ، وابنُ لهيعةَ ضعيفٌ سيِّءُ الحِفظِ، وروايةُ حَيوةَ أرجحُ.

٢ - شُعَيبُ بنُ أبي حمزةَ القُرَشيُّ الأمويُّ الحِمصيُّ، وهو ثقةٌ ثبتٌ من جلَّةِ أصحابِ الزُّهريِّ.

أخرجَ روايتَهُ البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ ( ٦١٨٢ ) من طريقِ أبي اليمانِ الحكمِ بنِ نافعٍ، أخبرني شُعَيبٌ، عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني مَن لا أتَّهِمُ، عن أنسِ بنِ مالكٍ.

٣ - مُعاويةُ بنُ يحيى الصَّدَفيُّ، وهو ضعيفٌ إلَّا في روايةِ الشَّاميِّينَ عنه، فإنَّه مُستقيمٌ:

أخرج روايتَهُ الخرائطيُّ في مساوئِ الأخلاقِ ( ٧٧١ ) من طريقِ الهِقلِ بنِ زيادٍ، عن الصَّدَفيِّ، حدَّثني الزُّهريُّ، حدَّثني مَن لا أتَّهِمُ عن أنسٍ.
والهِقلُ بنُ زيادٍ شاميٌّ.

٤ - إسحاقُ بنُ راشدٍ الجَزَريُّ الحرَّانيُّ، وهو ثقةٌ، وفي حديثِه عن الزُّهريِّ بعضُ الوهمِ.

أشار إلى روايتِه الكِنانيُّ كما ذكره المزِّيُّ في تُحفةِ الأشرافِ ( ١ / ٦٦٧ ).

فهؤلاء الأربعةُ خالفوا مَعمرًا؛ فرَوَوهُ عن الزُّهريِّ قال: حدَّثني مَن لا أتَّهِمُ عن أنسٍ.

فهذه هي الرِّوايةُ المحفوظةُ كما رجَّحَِ ذلك الدَّارقُطنيُّ والكنانيُّ والبيهقيُّ وابنُ حجرٍ وغيرُهم.

وأمَّا قولُه في روايةِ عبدِ الرَّزَّاقِ عن مَعمَرٍ، عنه قال: أخبرني أنسٌ؛ فيُحتَملُ أنَّه خطأٌ، وخاصَّةً أنَّ ابنَ المُبارَكِ رواه عن معمرٍ، عن الزُّهريِّ، عن أنسٍ، هكذا بالعنعنةِ.
والإمامُ الزُّهريُّ -على إمامتِه وجلالتِه وإتقانِه المُتَّفَقِ عليه- قد وُصِفَ بالتَّدليسِ على وجهِ النُّدرةِ، كما وصَفَهُ بهذا غيرُ واحدٍ من العُلَماءِ.

والزُّهريُّ من صغارِ التَّابعينَ، وأكثرُ روايتِه عن كبارِ التَّابعينَ وغيرِهم، ويروي أحيانًا عن صغارِ الصَّحابةِ، كأنسِ بنِ مالكٍ، وغيرِه.
ومع هذا؛ فقد دلَّسَ هذه القِصَّةَ عن أنسٍ.

والتَّدليسُ النَّادرُ لا حُكمَ له في الجُملةِ، ولا سيما عند مَن ينتقي الرِّواياتِ، كالبُخاريِّ ومُسلِمٍ؛ إذ في صحيحَيهما رِواياتٌ كثيرةٌ عن الزُّهريِّ بالعنعنةِ.
أمَّا إذا قامَتِ القرائنُ، ولاحَتِ الأدلَّةُ والبراهينُ على وُقوعِ التَّدليسِ؛ فالحُكمُ له دون تردُّدٍ.

فالخُلاصةُ: أنَّ هذا القصَّةَ ضعيفةٌ من حيثُ الصَّنعةُ الحديثيَّةُ، وفي متنِها نكارةٌ، وهي قولُ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ: "إنِّي لَاحَيتُ أبي، فأقسمتُ ألَّا أدخلَ عليه ثلاثًا"، وهذا كذبٌ يُنزَّهُ عنه أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

ولها شواهدُ، لكن لا يُفرَحُ بها، فلا داعيَ لذِكرِها.

واللهُ تعالى أعلمُ . . .
اللهمّ عليك باليهود.. فإنّهم لا يعجزونك، اللهمّ الْعنهم لعنًا كبيرًا، وألقِ في قلوبهم الرّعب، وخالف بين كلمتهم.. واجعل تدبيرهم في تدميرهم، وكيدهم في نحورهم.

اللهم سلّم أهلنا في غزّة واحفظهم، وأنزل عليهم نصرك المؤزَّر، وارحم شهداءهم، واشفِ جرحاهم، وداوِ مرضاهم..
حسبهم أنت ونعم الوكيل.
لفتةٌ من أهلِ الحديثِ مُهمَّةٌ!

حديثُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "..وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ مُحمَّدٍ سرَقَتْ لقطعتُ يدَها":

قال ابنُ ماجه عَقِبَ هذا الحديثِ ( ٢٥٤٧ ): قال مُحمَّدُ بنُ رُمحٍ: سمعتُ اللَّيثَ بنَ سعدٍ يقولُ: "قد أعاذها اللهُ عزَّ وجلَّ أن تسرقَ، وكلُّ مُسلمٍ ينبغي له أن يقولَ هذا".

وفي روايةٍ: "ينبغي لمن سمع هذا الحديثَ أن يقولَ: أعاذها اللهُ من ذلك".!

ذكَرَه السَّخاويُّ في الإعلانِ بالتَّوبيخِ ( ص٢٢٠ ) واستَحْسَنَهُ.

واللَّيثُ بنُ سعدٍ أحدُ رُواةِ هذا الحديثِ.. انظُرْ صحيحَ البُخاريِّ ( ٣٤٧٥ و٦٧٨٧ )، وصحيحَ مُسلمٍ ( ١٦٨٨ ).
2025/04/12 10:52:16
Back to Top
HTML Embed Code: