Telegram Web Link
|| مُقدِّمةُ الكِتابِ ||

°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ


الحمدُ للهِ الَّذي شهدَت لهُ بالرُّبوبيَّةِ جميعُ مخلوقاتِهِ ، وأقرَّت لهُ بالعُبوديَّةِ جميعُ مصنوعاتِهِ ، وأدَّت لهُ الشَّهادةَ جميعُ الكائناتِ أنَّهُ الله الَّذي لا إلهَ إلَّا هُو بِما أوْدعَها مِن لطيفِ صُنعِهِ وبديعِ آياتِهِ ، وسُبحانَ اللهِ وبحمدِهِ عددَ خلقِهِ ، ورِضا نفسِهِ ، وزِنةَ عرشِهِ ، ومدادَ كلماتِهِ ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ ، الأحدُ الصَّمدُ ، الَّذي لا شريكَ لهُ في رُبوبيَّتِهِ ، ولا شبيهَ لهُ في أفعالِهِ ولا في صفاتِهِ ، ولا في ذاتِهِ ، واللهُ أكبرُ ، عددَ ما أحاطَ بهِ علمُهُ ، وجرَى بهِ قلمُهُ ، ونفذَ فيهِ حكمُهُ مِن جميعِ بريَّاتِهِ ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ ، تفويضَ عبدٍ لا يملكُ لنفسِهِ ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا ، بل هوَ باللهِ وإلى اللهِ في مبادئِ أمرِهِ ونهاياتِهِ ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلَّا اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا صاحبةَ لهُ ولا ولدَ لهُ ولا كفؤَ لهُ ، الَّذي هُو كَما أثنَى على نفسِهِ وفوقَ ما يُثني عليهِ أحدٌ من جميعِ بريَّاتِهِ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، وأمينُهُ عَلى وحيهِ ، وخِيرتُهُ مِن بريَّتِهِ ، وسفيرُهُ بينَهُ وبينَ عبادِهِ ، وحُجَّتُهُ على خلقِهِ ، أرسلَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ بينَ يَدَيْ السَّاعةِ بشيرًا ونذيرًا ، وداعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ وسِراجًا مُنيرًا ، أرسلَهُ عَلى حينِ فترةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وطُمُوسٍ مِنَ السُّبُلِ ودُروسٍ مِنَ الكُتُبِ ، والكفرُ قدِ اضْطَرَمَتْ نارُهُ ، وتطايَرَ فِي الآفاقِ شرَارُهُ ، وقدِ اسْتَوْجَبَ أهلُ الأرضِ أن يحلَّ بِهِمُ العقابُ ، وقَد نظرَ الجبَّارُ تبارَكَ وتَعَالَى إليهِم فمَقَتَهُم عُرْبَهُم وعُجْمَهُم إلَّا بَقَايا مِن أهلِ الكتابِ ، وقدِ اسْتَنَدَ كلُّ قومٍ إلى ظُلَمِ آرائِهِمُ وحَكَمُوا عَلى اللهِ سُبحانَهُ بمقالاتِهِمُ الباطلةِ وأهوائِهِمُ ، وليلُ الكُفرِ مُدلَهِمٌّ ظلامُهُ ، شديدٌ قتامُهُ ، وسبيلُ الحقِّ عافيةٌ آثارُهُ ، مطموسةٌ أعلامُهُ ، ففلقَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِمُحَمَّدٍ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - صُبْحَ الإيمانِ ، فأضاءَ حتَّى ملأَ الآفاقَ نُورًا ، وأطلعَ بهِ شمسَ الرِّسالةِ في حنادِسِ الظُّلَمِ سِراجًا مُنيرًا ، فهَدى اللهُ بهِ مِنَ الضَّلالةِ ، وعَلَّمَ بهِ مِنَ الجهالَةِ ، وبَصَّرَ بهِ مِنَ العَمى ، وأرشدَ بهِ مِنَ الغيِّ ، وكَثَّرَ بهِ بعْدَ القِلَّةِ ، وأعزَّ بهِ بعدَ الذِّلَّةِ ، وأغنَى بهِ بعدَ العَيْلَةِ ، واسْتَنقذَ بِه مِنَ الهَلَكَةِ ، وَفَتَحَ بهِ أعيُنًا عُميًا وآذانًا صُمًّا وقُلوبًا غُلفًا ، فبَلَّغَ الرِّسالةَ ، وأَدَّى الأمانةَ ، ونصحَ الأُمَّةَ ، وكشفَ الغُمَّةَ ، وجاهدَ فِي اللهِ حقَّ جِهادِهِ ، وعَبَدَ اللهَ حتَّى أتاهُ اليقينُ مِن رَبِّهِ ، وشرحَ اللهُ لهُ صدرَهُ ، ورفعَ لهُ ذِكرَهُ ، ووضعَ عنهُ وِزرَهُ ، وجعلَ الذِّلَّةَ والصَّغَارَ عَلى مَن خالفَ أمرَهُ ، وأقسمَ بحياتِهِ فِي كتابِهِ المُبينِ ، وقرنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ ، فإذا ذُكِرَ ذُكِرَ معهُ كَما في الخُطَبِ والتَّشَهُّدِ والتَّأْذِينِ ، فلا يصحُّ لأحدٍ خطبةٌ ولا تشهُّدٌ ولا أذانٌ ولا صلاةٌ حتَّى يشهدَ أنَّه عبدُهُ ورسولُهُ شهادةَ اليقينِ ، فصلَّى الله وملائكتُهُ وأنبياؤُهُ ورسلُهُ وجميعُ خلقِهِ عليهِ ، كَما عَرَّفْنا بِاللهِ وهَدانا إليهِ ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أمَّا بعدُ :
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim
فإنَّ اللهَ - جلَّ ثناؤُهُ وتقدَّسَتْ أسماؤُهُ - إذا أرادَ أن يُكرِمَ عبدًا بمعرفتِهِ ، ويجمعَ قلبَهُ عَلى محبَّتِهِ شرحَ صدرَهُ لقبولِ صفاتِهِ العُلَى ، وتلقِّيها مِن مِشكاةِ الوَحي ، فإذا وردَ عليهِ شيءٌ مِنها قابلَهُ بالقبولِ ، وتلقَّاهُ بالرِّضا والتَّسليمِ ، وأذعنَ لهُ بالانقيادِ ، فاستنارَ بهِ قلبُهُ ، واتَّسعَ لهُ صدرُهُ وامتلأَ بهِ سرورًا ومحبَّةً ، فعلمَ أنَّه تعريفٌ مِن تعريفاتِ اللهِ تَعالى تعرَّفَ بهِ عَلى لسانِ رسولِهِ ، فأَنزلَ تلكَ الصِّفةَ مِن قلبِهِ منزِلةَ الغذاءِ أعظمَ ما كانَ إليهِ فاقةً ، ومنزِلةَ الشِّفاءِ أشدَّ ما كانَ إليهِ حاجةً ، فاشتدَّ بِها فرحُهُ ، وعظمَ بِها غِناهُ ، وقويتْ بِها معرِفتهُ ، واطمأنَّتْ إلَيها نفسُهُ ، وسكنَ إلَيها قلبُهُ ، فجالَ مِنَ المعرفةِ فِي ميادِينِها ، وأسامَ عينَ بصِيرتِهِ بينَ رياضِها وبساتَينِها ، لتيقُّنِهِ بأنَّ شرفَ العلمِ تابعٌ لشرفِ معلومِهِ ، ولا معلومَ أعظمُ وأجلُّ ممَّن هذِهِ صفتُهُ ، وهُو ذُو الأسماءِ الحُسنى والصِّفاتِ العُلى ، وأنَّ شرفَهُ أيضًا بحسبِ الحاجةِ إليهِ ، وليستْ حاجةُ الأرواحِ قطُّ إلى شيءٍ أعظمَ مِنها إلى معرفةِ بارئِها وفاطِرِها ، ومحبَّتِهِ ، وذِكرِهِ ، والابتهاجِ بهِ ، وطلبِ الوسيلةِ إليهِ ، والزُّلفى عندَهُ ، ولا سبيلَ إِلى هذا إلَّا بمعرفةِ أوصافِهِ وأسمائِهِ ، فكُلَّما كانَ العبدُ بِها أعلمَ كانَ باللهِ أعرفَ ، ولهُ أطلبَ ، وإليهِ أقربَ ، وكُلَّما كانَ لَها أنكرَ كانَ باللهِ أجهلَ وإليهِ أكرهَ ومنهُ أبعدَ ، واللهُ تَعالى يُنزِلُ العبدَ مِن نفسِهِ حيثُ يُنزِلُهُ العبدُ مِن نفسِهِ .

والقلبُ الثَّاني :

قلبٌ مضروبٌ بسياطِ الجهالةِ ، فهُوَ عَن معرفةِ ربِّه ومحبَّتِهِ مصدودٌ ، وطريقُ معرفةِ أسمائِهِ وصفاتِهِ كَما أُنزِلتْ عليهِ مسدودٌ ، قد قمشَ شُبَهًا مِنَ الكلامِ الباطِلِ ، وارْتَوى مِن ماءٍ آجِن غَير طائلً ، تعجُّ منهُ آياتُ الصِّفاتِ وأحادِيثُها إلى اللهِ عجيجًا ، وتضجُّ منهُ إلى منزِلها ضجيجًا ، مِمَّا يسُومها تحريفًا وتعطيلاً ، ويُولي معانِيها تغيِيرًا وتبدِيلاً ، قد أعدَّ لدفعِها أنواعًا مِنَ العُدَدِ ، وهيَّأَ لِرَدِّهَا ضروبًا مِنَ القَوانِينَ ، وإذا دُعِيَ إلى تحكِيمِها أبَى واسْتَكْبَرَ ، وقالَ : تِلكَ أدِلَّة لفظيَّة لا تُفيد شيئًا مِنَ اليقينِ ، قدِ اتَّخَذَ التَّأويل جُنَّةً يَتترَّسُ بِها مِن مواقعِ سِهامِ السُّنَّةِ والقُرآنِ ، وجعلَ إثباتَ صفاتِ ذِي الجلالِ تجسيمًا وتشبيهًا يصدُّ بهِ القُلوبَ عَن طريقِ العلمِ والإيمانِ ، مُزجى البِضاعة مِنَ العلمِ النَّافعِ الموروثِ عَن خاتَم الرُّسُلِ والأنبياءِ ، لكنَّه مَليء بالشُّكوكِ والشُّبَهِ والجدالِ والمِراءِ ، خلَع عليهِ الكلامُ الباطلُ خِلعةَ الجهلِ والتَّجهيلِ ، فهو يتعثَّر في أذيالِ التَّفكيرِ لأهلِ الحديثِ والتَّبديعِ لهُم والتَّضليل .

قد طافَ عَلى أبوابِ الآراءِ والمذاهِبِ يتكفَّفُ أربابَها ، فانثَنَى بأخسِّ المواهِبِ والمطالِبِ ، عَدَلَ عنِ الأبوابِ العاليةِ الكفيلة بنهايةِ المرادِ وغايَة الإحسانِ ، فابْتُلِيَ بالوُقوفِ عَلى الأبوابِ السَّافلةِ المليئةِ بالخيبةِ والحِرمانِ ، قد لبسَ حُلَّةً منسوجةً مِنَ الجهلِ والتَّقليدِ والشُّبهِ والعنادِ ، فإذا بُذِلَتْ لهُ النَّصيحةُ ، ودُعِيَ إلى الحقِّ ، أخذتهُ العِزَّةُ بالإثمِ ، فحسبُهُ جهنَّمُ ولبئسَ المِهادُ .
فما أعظَمَ المُصيبةَ بِهذا وأمثالِهِ على الإيمانِ!
وما أشدَّ الجِنايةَ بهِ على السُّنَّةِ والقُرآنِ!
وما أحبَّ جِهادَهُ بالقلبِ واليدِ واللِّسانِ إلى الرَّحمنِ!
وما أثقلَ أجرَ ذلكَ الجِهاد في المِيزانِ!

والجِهادُ بالحُجَّةِ والبَيانِ مُقدَّم على الجهادِ بالسَّيفِ واللِّسانِ ، ولهذا أمرَ بهِ تَعالى في السُّوَرِ المكيَّة حيثُ لا جِهادَ باليدِ إنذارًا وتعذيرًا ، فقالَ تَعالى: ( فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) ، وأمرَ تَعالى بجهادِ المُنافِقِينَ والغِلظة علَيهِم معَ كونِهِم بينَ أظهُرِ المُسلِمِينَ في المقامِ والمسيرِ ، فقالَ تَعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) ، فالجِهادُ بالعلمِ والحُجَّةِ جِهادُ أنبياءِ اللهِ ورسلِهِ وخاصَّتهِ من عبادهِ المخصوصينَ بالهدايةِ والتَّوفيقِ والاتِّفاقِ ، ومَن ماتَ ولَم يغزُ ، ولَم يُحدِّث نفسَهُ بغزوٍ ماتَ على شُعبةٍ مِنَ النِّفاقِ .

وكفى بالعبدِ عمًى وخِذلانًا أن يَرى عساكرَ الإيمانِ ، وجنودَ السُّنَّةِ والقُرآنِ ، قد لبِسُوا للحربِ لأمتَه ، وأعدُّوا لهُ عُدَّتَهُ ، وأخَذُوا مصافَّهم ، ووقَفوا مواقِفَهم ، وقد حميَ الوطيسُ ، ودارَت رَحى الحربُ ، واشتدَّ القِتالُ ، وتنادَتِ الأقرانُ نزالِ نزالِ ، وهو في المَلْجأ والمغاراتِ والمُدَّخَلِ معَ الخوالِفِ كمينٌ ، وإذا ساعدَ القدرُ وعزمَ على الخُروجِ قعدَ فوقَ التلِّ معَ النَّاظِرِينَ ، ينظُر لِمَنِ الدَّائرةُ ليكُون إلَيهِم مِنَ المْتحيِّزينَ ، ثُمَّ يأتِيهم وهو يقسمُ باللهِ جهدَ أيمانِهِ: إنَّي كنتُ معكُم وكنتُ أتمنَّى أن تكُونوا أنتُمُ الغَالِبِينَ .

فحقيقٌ بمَن لنفسِهِ عندهُ قَدر وقِيمة أن لا يبيعَها بأخسِّ الأثمانِ ، وأن لا يعرِضها غدًا بينَ يديِ اللهِ ورسولِهِ لمواقفِ الخِزيِ والهوانِ ، وأن يثبِّتَ قدمَهُ في صفوفِ أهلِ العلمِ والإيمانِ ، وأن لا يتحيَّزَ إلى مقالةٍ سِوى ما جاءَ في السُّنَّةِ والقُرآنِ .

فكأنْ قد كُشِفَ الغِطاءُ ، وانجَلى الغُبارُ ، وأبانَ عن وجوهِ أهلِ السُّنَّةِ مسفرةٌ ضاحكةٌ مستبشرةٌ ، وعن وجوهِ أهلِ البدعةِ علَيها غبرةٌ ترهقُها قترةٌ ، ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) قالَ ابنُ عبَّاسٍ - رضيَ اللهُ عنهُما - : تبيضُّ وجوهُ أهلِ السُّنةِ والجَماعةِ ، وتسودُّ وجوهُ أهلِ البدعةِ والفرقةِ .

فواللهِ لَمُفَارَقَةُ أهلِ الأهواءِ والبدعِ في هذهِ الدَّارِ أسهلُ من مُرافَقَتِهِم إذَا قِيلَ : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) ، قالَ أميرُ المُؤمِنِينَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ - رضيَ اللهُ عنهُ - وبعدَهُ الإمامُ أحمدُ - رضيَ اللهُ عنهُ - : أزواجَهُم: أشباهَهُم ونُظراؤهُم .
وقد قالَ تَعالى : ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) فجُعِلَ صاحبُ الحقِّ معَ نظيرِهِ في درجتِهِ ، وصاحبُ الباطلِ معَ نظيرِهِ في درجتِهِ ، هُنالك واللهِ يعضُّ الظَّالمُ على يديهِ ، إذا حصَلت لهُ حَقيقة ما كانَ في هذهِ الدَّارِ عليهِ ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ) .

وكانَ من قدرِ اللهِ وقضائِهِ أن جمعَ مجلسُ المُذاكرة بينَ مُثبَّتِ للصِّفاتِ والعلوِّ ومُعطِّلٍ لذلك ، فاستَطَعَمَ المُعطِّلُ المُثبتَ الحديثَ استِطعامَ غيرِ جائعٍ إليهِ ، ولِكن غرضهُ عرضَ بضَاعته عليهِ ، فقالَ لهُ : ما تقُول في القُرآنِ ومسألَة الاستِواء ؟
فقالَ المُثبت : نقولُ فيهما ما قالَ ربُّنا تَباركَ وتَعالئ وما قالَهُ نبيُّنا محمَّدٍ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - . نصِف الله تَعالى بما وصفَ بهِ نفسَهُ وبِما وصفَهُ بهِ رسولُهُ من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ، ومن غيرِ تشبيهِ ولا تمثيلٍ ، بل نثبتُ لهُ سُبحانه وتَعالى ما أثبتهُ لنفسِهِ مِنَ الأسماءِ والصِّفاتِ ، وننفِي عنهُ النَّقائص ومُشابهة المَخلوقاتِ ، إثباتًا بلا تمثيلٍ وتنزيهًا بلا تعطيلٍ ، فمن شبَّه الله تَعالى بخلقِهِ فقد كفرَ ، ومن جحدَ ما وصفَ اللهُ بهِ نفسَهُ فقد كفرَ ، وليسَ ما وصفَ اللهُ بهِ نفسَهُ أو وصفَهُ بهِ رسولُهُ تشبيهًا ، فالمُشَبِّهُ يعبُد صنمًا ، والمُعطِّلُ يعبُد عدمًا ، والمُوحِّدُ يعبُد إلهًا واحدًا صمدًا ، ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .

والكلامُ في الصُّفاتِ كالكلامِ في الذَّاتِ ، فكَما أنَّا نُثبت ذاتًا لا تشبهُ الذَّوات ، فكَذا نقولُ في صفاتِهِ إنَّها لا تشبهُ الصَّفات ، فليسَ كمثلِهِ شيءٌ لا في ذاتِهِ ولا في صفاتِهِ ولا في أفعالِهِ ، فلا نشبِّهُ صفاتِ اللهِ بصفاتِ المخلُوقِينَ .
ولا نزِيل عنهُ سُبحانه صفةً من صفاتِهِ لأجلِ شناعةِ المشنِّعِينَ ، وتَلقيب المُفترِينَ ، كما أنَّا لا نبغضُ أصحابَ رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - لتسميةِ الرِّوافضِ لَنا نواصبٌ ، ولا نكذِّبُ بقدرِ اللهِ تَعالى ونجحدُ كَمال مشيئتِهِ وقُدرتِهِ لتسميةِ القدريَّة لنا مُجْبِرَة ، ولا نجحدُ صفاتِ ربِّنا تباركَ وتَعالى لتسميةِ الجهميَّةِ والمُعتزِلة لَما مُجسَّةً مُشبَّةً حشوِيَّةً ، كما قِيلِ :

فإن كانَ تجسيمًا ثبوتُ صفاتِهِ
تَعالى، فإنِّي اليومَ عبدٌ مجسِّمٌ


ورضيَ اللهُ عنِ الشَّافِعِيِّ إذ يقولُ :

إن كانَ رفضًا حبُّ آلِ مُحمَّدٍ
فَلْيَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي رافِضِي


وقدَّس الله رُوحَ القَائِلِ [ وهو شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةِ ] إذ يقولُ :

إن كانَ نصبًا حبُّ صَحبِ مُحمَّدٍ
فَلْيَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي ناصِبِي
وأمَّا القُرآن فإنِّي أقولُ إنَّه كلامُ اللهِ ، مُنزَّل غَير مخلُوق ، منهُ بدأَ وإليهِ يعُود ، تكلَّمَ اللهُ بهِ صدقًا ، وسمِعَهُ جِبريل منهُ حقًّا ، وبلَّغهُ محمدًّا - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - وحيًا ، وأنَّ ( كهيعص ) و ( حم * عسق ) و ( ق ) و ( ن ) عَين كَلام الله تَعالى حَقيقة ، وأنَّ اللهَ تكلَّمَ بالقُرآنِ العرَبي الَّذي سمعهُ الصَّحابة من رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - ، جميعُهُ كلامُ اللهِ وليسَ قولَ البشرِ ، ومَن قالَ إنَّه قَول البشرِ فقد كفرَ ، والله يُصليهِ سقَر ، ومَن قالَ ليسَ للهِ في الأرضِ كلامٌ فقد جحدَ رِسالة مُحمَّدٍ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - ، فإنَّ اللهَ بعثهُ يُبلِّغ عنهُ كلامَهُ ، والرَّسُول إنَّما يُبلِّغ كلامَ مُرسِله ، فإذا انتَفى كَلام المُرسِل انتَفَت رِسالة الرَّسول .

ونقولُ : إنَّ اللهَ تَعالى فوقَ سماواتِهِ مستوٍ على عرشِهِ ، بائنٌ من خلقِهِ ، ليسَ في مخلوقاتِهِ شيءٌ من ذاتِهِ ، ولا في ذاتِهِ شيءٌ من مخلوقاتِهِ ، وإنَّه تَعالى إليهِ يصعَدُ الكلمُ الطَّيِّبِ ، وتعرُجُ الملائِكةُ والرُّوحُ إليهِ ، وإنَّه يُدبِّرُ الأمرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ ثُمَّ يعرُجُ إليهِ ، وإنَّ المسيحَ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - رُفع بذاتِهِ إلى اللهِ ، وإنَّ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - عُرج بهِ إلى اللهِ حقيقةً ، وإنَّ أرواحَ المُؤمِنينَ تصعدُ إلى اللهِ عندَ الوفاةِ ، فتُعرَض عليهِ ، وتقفُ بينَ يديهِ ، وإنَّه تَعالى هو القاهرُ فوقَ عبادِهِ وإنَّ المُؤمِنينَ والمَلائِكةَ المُقرَّبِينَ يخافونَ ربَّهم من فوقِهِم ، وإنَّ أيْدي السَّائِلِينَ تُرفع إليهِ ، وحوائِجَهُم تُعرض عليهِ ، وإنَّه سُبحانه العلِي الأعلَى بكلِّ اعتِبارٍ .

فلمَّا سمعَ المُعطِّلَ منهُ ذلك أمسكَ ، ثمَّ أسرَّها في نفسِهِ ، وخَلا بشياطِينِهِ وبَني جِنسه ، وأوحَى بعضهُم إلى بعضٍ أصنَاف المَكرِ والاحتيالِ ، وروامُوا أمرًا يستحمِدونَ بهِ إلى نُظرائِهِم من أهلِ البدعِ والضَّلالِ ، وعقَدوا مجلسًا بيَّتوا في مساءِ ليلته ما لا يرضاهُ اللهُ منَ القولِ ، واللهُ بِما يعملونَ مُحيطٌ .

وأتَوا في مَجلسِهِم ذلِك بما قدَروا عليهِ مِنَ الهَذَيانِ واللَّغطِ والتَّخليطِ ، ورامُوا استدعاءَ المُثبتِ إلى مَجلسِهِم الَّذي عقَدوهُ ، لِيجعَلوا نُزُلَهُ عندَ قُدومِهِ عليهِم ما لفَّقوهُ مِنَ الكذبِ ونمَّقوهُ ، فحبسَ اللهُ سُبحانه عنهُ أيديَهُم وألسِنَتَهُم ، فلَم يتجاسَروا عليهِ ، وردَّ اللهُ كيدهُم في نُحورهِم فلَم يصِلُوا بالسُّوءِ إليهِ ،وخذَلَُهُمُ المُطاعُ فمزَّقَ ما كتَبُوهُ منَ المحاضِرِ ، وقلبَ اللهُ قُلوبَ أوليائِهِ وجُندِهِ عليهِم من كلِّ بادٍ وحاضرٍ ، وأخرجَ النَّاس لهُم مِنَ المُخَبَّآتِ كمائِنَها ، ومِنَ الجوائِفِ والمُنقِّلاتِ دفائِنَها ، وقوَّى اللهُ جأشَ المُثبتِ ، وثبَّت لِسانه ، وشيَّد بالسُّنَّةِ المُحمَّدِيَّةِ بُنيانه ، فسَعى في عقدِ مَجلسٍ بَينه وبينَ خُصومِهِ عندَ السُّلطانِ ، وحكَّم على نفسِهِ كُتب شُيوخ القومِ السَّالفين ، وأئِمَّتهم المُتقدِّمين ، وأنَّه لا يستَنصِر من أهلِ مذهبِهِ بكتابٍ ولا إنسانٍ ، وأنَّه جعلَ بينهُ وبينكُم أقوالَ مَن قلَّدتموهُ ، ونُصوص مَن على غيرِهِ مِنَ الأئِمَّةِ قدَّمتموهُ ، وصرَّح المُثبِتُ بذلك بينَ ظَهْرَانَيْهِمْ حتَّى بلَّغه دانِيهم لقاصِيهم فلَم يُذعِنوا لذلك واستَعفَوا من عقدِهِ فطالبهُم المُثبتُ بواحدةٍ من خلالِ ثلاثٍ :

مناظرةٌ في مجلسٍ عامٍ على شريطةِ العلمِ والانصافِ ، تُحضر فيهِ النُّصوصُ النَّبويَّة والآثارُ السَّلفيَّة ، وكُتْبُ أئِمَّتِكُمُ المُتقدِّمِينَ مِن أهلِ العلمِ والدِّينِ ، فقيلَ لهُم : لا مراكبَ لكُم تُسابقونَ بِها في هذا الميدانِ ، وما لكُم بمقاومةِ فُرسانِهِ يدانِ .

فدعاهُم إلى مُكاتبةٍ بِما يدعونَ إليهِ ، فإن كانَ حقًّا قَبِلَهُ وشكرَكُم عليهِ ، وإن كانَ غيرَ ذلِك سمعتُم جوابَ المُثبت ، وتبيَّن لكُم حقيقةُ ما لديهِ ، فأبَوا ذلك أشدَّ الإباءِ ، واستعفَوا غايةَ الاستعفاءِ .

فدعاهُم إلى القيامِ بينِ الرُّكنِ والمقامِ قيامًا في مواقفِ الابتهالِ ، حاسِري الرُّؤوس نسألُ اللهَ أن يُنزِلَ بأسَهُ بأهلِ البدعِ والضَّلالِ ، وظنَّ المثبتُ واللهِ أنَّ القومَ يُجيبون إلى هذا ، فوطَّنَ نفسهُ عليهِ غايَة التَّوطين ، وباتَ يُحاسب نفسهُ ويعرض ما يُثبته ويِنفيه على كلامِ ربِّ العالمينَ ، وعلى سُنَّةِ خاتَمِ المُرسَلِينَ ، ويتجرَّد عن كلِّ هَوى يُخالف الوَحي المُبين ، ويَهوِي بصاحبِهِ في أسفلِ السَّافِلِينَ ، فلَم يَجيبوا إلى ذلك أيضًا ، وأتَوا مِنَ الاعتذارِ ، بما دلَّ على أنَّ القومَ ليسُوا من أولَى الأيدِي والأبصارِ ، فحينئذٍ شمَّر المثبتُ عن ساقِ عزمِهِ ، وعقدَ للهِ مجلسًا بينهُ وبينَ خصمِهِ ، يشهدهُ القريب والبعيد ، ويقِف على مضمونِهِ الذَّكيّ والبَليد ، وجعلهُ عقدَ مَجلس
التَّحكيمِ بينَ المُعطِّلِ الجاحِدِ والمُثبِتِ المَرْمِي بالتَّجسيمِ .

وقد خاصمَ في هذا المجلسِ باللهِ وحاكمَ إليهِ ، وبرئَ إلى اللهِ من كلِّ هَوى وبِدعة وضَلالة ، وتحيُّزٍ إلى فئةٍ غيرِ رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - وما كانَ أصْحابه عليهِ ، واللهُ سُبحانه المسؤولُ أن لا يكِلَهُ إلى نفسهِ ولا إلى شيءٍ مِمَّا لديهِ ، وأن يُوَفِّقَهُ في جميعِ حالاتِهِ لِما يُحبُّهُ ويرضاهُ ، فإنَّ أزِمَّةَ الأمورِ بيدَيهِ .

وهو يرغبُ إلى مَن يقَفُ على هذهِ الحكومةِ أن يقومَ للهِ قيامَ متجرِّدٍ عن هواهُ ، قاصدًا لرِضا مولاهُ؛ ثمَّ يَقرأها مُتفكِّرًا ، ويعيدَها ويبدئَها مُتدبِّرًّا؛ ثمَّ يحكُمَ فِيها بِما يُرضي اللهَ ورسُوله وعِباده المُؤمنين ، ولا يُقابلَها بالسبِّ والشَّتم كفعلِ الجاهِلِينَ والمُعانِدِينَ .

فإن رَأى حقًّا قبِلهُ وشكرَ عليهِ ، وإن رأى باطلًا ردَّهُ على قائلِهِ وأهدَى الصَّواب إليهِ ، فإنَّ الحقَّ للهِ ورسولِهِ والقصدُ أن تكونَ كلمةُ السَّنَّةِ هيَ العُليا ، جِهادًا في اللهِ وفي سبيلِهِ ، واللهُ عندَ لسانِ كلِّ قائلٍ وقلبِهِ ، وهو المُطَّلِعُ على نِيَّتِهِ وكسبِهِ ، وما كانَ أهلُ التَّعطيلِ أولياءَهُ ، إنَّ أولياءَهُ إلَّا المُتَّقونَ المُؤمِنونَ المُصدِّقونَ ، ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

وهذهِ أمثالٌ حِسانٌ مضروبةٌ للمُعطِّلِ والمُشبِّهِ والمُوحَّدِ ذكرتُها قَبل الشروع في المقصودِ ، فإنَّ ضربَ الأمثالِ مِمَّا يأنَسُ بهِ العقلُ لتقريبِها المعقولِ منَ المشهودِ .

وقد قالَ تَعالى - وكلامهُ المُشتمل على أعظمِ الحججِ وقواطعِ البراهِينَ - : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) ، وقدِ اشتملَ مِنها على بضعةٍ وأربَعينَ مثلاً ، وكانَ بعضُ السَّلفِ إذا قرأَ مثلًا لم يفهمهُ اشتدَّ بكاؤُهُ ، ويقولُ: لستُ مِنَ العالِمِينَ !

وسنفردُ لَها إن شاءَ اللهِ كتابًا مستقلًا متضمِّنًا لأسرارِها ومعانِيها وما تضمَّنتهُ من فنونِ العلمِ وحقائقِ الإيمانِ ، وباللهِ المُستعان وعليهِ التِّكلان .

المثلُ الأوَّل :

ثيابُ المُعطِّلِ ملطَّخةٌ بِعَذِرَةِ التَّحريفِ وشرابهُ متغيِّرٌ بنجاسةِ التَّعطيلِ ، وثِيابُ المُشبِّهِ متضمِّخَةٌ بدمِ التَّشبيهِ وشرابهُ متغيَّرٌ بفرثِ التَّمثيلِ ، والمُوحَّدُ طاهرَ الثَّوبِ والقلبِ والبدنِ يخرجُ شرابهُ من بينَ فرثٍ ودمٍ لبنًا سائِغًا للشَّارِبِينَ .

المثلُ الثَّاني :

شجرةُ المُعطِّلِ مغروسةٌ على شفا جُرُفٍ هارٍ ، وشجرةُ المُشبِّهِ قدِ اجْتُثَّتْ من فوقِ الأرضِ ما لَها مِن قرارٍ ، وشجرةُ المُوحِّدِ أصلُها ثابثٌ وفرعُها في السَّماءِ تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها ، ويضربُ اللهُ الأمثالِ للنَّاسِ لعلَّهُم يتذَكَّرونَ .

المثلُ الثَّالث :

شجرةُ المُعطِّلِ شجرةُ الزَّقُّومِ فالحلوقُ السَّليمة لا تبلعُها ، وشجرةُ المُشبِّهِ شجرةُ الحنظَلِ فالنُّفوسُ المُستقيمة لا تتبعُها ، وشجرةُ المُوحِّدِ طُوبَى يسيرُ الرَّاكب في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يقطعُها .

المثلُ الرَّابع :

المُعطِّلُ قدِ اتَّخَذَ قلبَهُ لوقايةِ الحرِّ والبردِ بيتَ العنكبوتِ ، والمُشبِّهُ قد خُسف بعقلِهِ فهو يَتَجَلْجَلُ في أرضِ التَّشبيهِ إلى البَهُموتِ ، وقلبُ المُوحَّدِ يطوفُ حولَ العرشِ ناظرًا إلى الحيِّ الَّذي لا يموتُ .

المثلُ الخامِس :

مِصباحُ المُعطِّلِ قد عصَفَت عليهِ أهوِيةُ التَّعطيلِ فطفئَ وما أنارَ ، ومِصباحُ المُشبِّهِ قد غرَقَتْ فتيلتُهُ في عكرِ التَّشبيهِ فلا يقتَبِسُ منهُ الأنوَار ، ومِصباحُ المُوحَّدِ يتوقَّدُ من شجرةٍ مُباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ يكادُ زيتُها يُضيءُ ولو لَم تمسَسْهُ نارٌ .

المثلُ السَّادس :

قلبُ المُعطِّلِ مُتعلِّقٌ بالعدَمِ فهوَ أحقرُ الحقيرِ ، وقلبُ المُشبِّهِ عابدُ الصَّنمِ الَّذي قد نُحت بالتَّصويرِ والتَّقديرِ ، والمُوحَّدُ قلبُهُ مُتعبِّدٌ لِمَن ليسَ كمثلِهِ شيءٌ وهو السَّميعُ البصيرُ .

المثلُ السَّابع :

نقودُ المُعطِّلِ كلُّها زُيوف فلا تروجُ علَينا ، وبضاعةُ المُشبِّهِ كاسدةٌ فلا تنفقُ لدَينا ، وتجارةُ المُوحَّدِ يُنادى علَيها يومَ العرضِ على رؤوسِ الأشهادِ: هذهِ بِضاعَتُنا رُدَّت إلَينا .

المثلُ الثَّامن :

المُعطِّلُ كنافخِ الكيرُ إمَّا أن يُحرِقَ ثِيابَكَ وإمَّا أن تجدَ منهُ ريحًا خبيثةً ، والمُشبِّهُ كبائعِ الخمرِ إمَّا أن يُسْكِركَ وإمَّا أن يُنجِّسكَ ، والمُوحَّدُ كبائعِ المسكِ إمَّا أن يُحذِيَكَ وإمَّا أن يبيعَكَ وإمَّا أن تجدَ منهُ رائحةً طيَّبةً .
المثلُ التَّاسع :
المُعطِّلُ قد تخلَّف عن سفينةِ النَّجاة ولم يركَبها فأدركهُ الطُّوفان ، والمُشبِّهُ قدِ انكسَرت بهِ في اللُّجَّةِ فهو يُشاهدُ الغرقَ بالعيانِ ، والمُوحِّدُ قد ركبَ سفينةَ نوحٍ وقد صاحَ بهِ الرُّبَّانُ : ( وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

المثلُ العاشِر :

منهلُ المُعطِّلِ كسرابٍ بِقِيعَةٍ يحسبُهُ الظَّمآنُ ماءً حتَّى إذا جاءَهُ لم يجدهُ شيئًا فرجعَ خاسِئًا حسيرًا ، ومشربُ المُشَبِّهِ من ماءٍ قد تغيَّر طعمُهُ ولونُهُ وريحُهُ بالنَّجاسةِ تغييرًا ، ومشربُ المُوحَّدِ من كأسٍ كانَ مِزاجُها كافورًا عينًا يشرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفجِّرُونَها تفجيرًا .

وقد سمَّيتُها بالكافيةِ الشَّافيةِ في الانتصارِ للفرقةِ النَّاجيةِ ، وهذا حِينَ الشُّروعُ في المُحاكمةِ ، واللهُ المُستعانُ وعليهِ التِّكلانُ ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ .
قدِ انتَهَينا من تفريغِ المُقدَّمة ، وغدًا نبدأَ في النَّظمِ - إن شاءَ الله - ، هذا ونسألُ اللهَ القبولَ ، والسَّموحةَ مِنكُم🥀.
نبدأُ بالنَّظمِ - بإذنِ اللهِ -
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
#الكافية_الشافية_في_الإنتصار_للفرقة_الناجية

#فصل_۱ 👇
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim
١ - حكمُ المحبَّةِ ثابتُ الأركانِ
ما للصُّدودِ بفَسخِ ذاكَ يدانِ

٢ - أنَّي وقاضِي الحُسنِ نفَّذ حُكمَها
فَلِذَا أقرَّ بذَلِكَ الخَصمانِ

٣ - وأتَتْ شهودُ الوصلِ تشهدُ أنَّهُ
حقَّا جَرى في مجلسِ الإحسانِ

٤ - فتأكَّد الحُكمُ العزيزُ فلَم يجِدْ
فسخُ الوُشاةِ إليهِ مِن سُلطانِ

٥ - ولأجلِ ذا حكمُ العَذولِ تدَاعَتِ
الأرْكانُ منهُ فخرَّ للأركانِ

٦ - وأتَى الوشاةُ فصادَفوا الحُكمَ
الَّذي حكَمُوا بهِ مُتَيَقَّنَ البُطلانِ

٧ - ما صادفَ الحكمُ المحلَّ ولا هُو
استَوْفَى الشُّروطَ فصارَ ذا بُطلانِ

٨ - فَلِذَاكَ قاضِي الحُسنِ أثبتَ مَحضَرًا
بفسادِ حُكمِ الهَجرِ والسُّلوانِ

٩ - وحكَى لكَ الحُكمَ المُحالَ ونقضَهُ
فاسْمَعْ إذًا يا مَن لهُ أُذُنانِ

١٠ - حَكَمَ الوشاةُ بغيرِ ما بُرهانِ
أنَّ المحبَّةَ والصُّدودَ لِدَانِ

١١ - واللهِ ما هَذا بِحُكمٍ مُقسِطٍ
أينَ الغرامُ وصدُّ ذِي هِجرانِ

١٢ - شتَّانَ بينَ الحالَتَيْنِ فإن تُرِد
جمعًا فَما الضِّدَّانِ يَجْتَمِعانِ

١٣ - يا والِهًا هانَتْ عليهِ نفسُهُ
إذ باعَها غبنًا بكُلِّ هوانِ

١٤ - أتَبِبعُ مَن تهواهُ نفسُكَ طائِعًا
بالصَّدِّ والتَّعذيبِ والهِجرانِ

١٥ - أجَهِلتَ أوصافَ المَبيعِ وقدرَهُ
أم كُنتَ ذا جهلٍ بذِي الأثمانِ

١٦ - واهًا لقلبٍ لا يُفارِقُ طيرُهُ
الأغصانَ قائِمةً على الكُثبانِ

١٧ - ويظلُّ يسجعُ فوقَها ولغيرِهِ
مِنها الثِّمارُ وكلُّ قطفٍ دانِ

١٨ - ويبيتُ يبكِي والمواصلُ ضاحكٌ
ويظلُّ يشكُو وهُوَ ذُو شُكرانٍ

١٩ - هَذا لو أنَّ الجمالَ مُعلَّقٌ
بالنَّجمِ هَمَّ إليهِ بالطَّيرانِ

٢٠ - للهِ زائرةٌ بليلٍ لَم تخَف
عَسَسَ الأميرِ ومرصدَ السَّجَّانِ

٢١ - قَطعتْ بِلادَ الشَّامِ ثُمَّ تَيمَّمتْ
مِن أرضِ طيبةَ مطلعَ الإيمانِ

٢٢ - وأتَتْ على وادِي العقيقِ
فجاوَزَتْ مِيقاتَهُ حِلًّا بِلا نُكرانِ

٢٣ - وأتَتْ على وادِي الأراكِ ولَم يكُن
قصدًا لَها فألًا بأن سَتَرانِي

٢٤ - وأتَتْ على عرفاتِ ثُمَّ مُحسِّرٍ
ومِنىً فكَم نحرتْهُ من قُربانِ

٢٥ - وأتَتْ عَلى الجَمراتِ ثُمَّ تيمَّمتْ
ذاتَ السُّتورِ وربَّةَ الأركانِ

٢٦ - هَذا وما طافَتْ ولا اسْتَلَمتْ وَلا
رَمَتِ الجِمارَ ولا سَعَتْ لِقِرانِ

٢٧ - وعَلَتْ عَلى أعلَى الصَّفا فتيمَّمتْ
دارًا هُنالِكَ للمُحِبِّ العَانِي

٢٨ - أتُرى الدَّليلَ أعارَها أثوابَهُ
والرَّيحَ أعطَتْها مِنَ الخَفَقَانِ

٢٩ - واللهِ لَو أنَّ الدَّليلَ مكانَها
ما كانَ ذلكَ منهُ فِي إمكانِ

٣٠ - هَذا ولَو سارَتْ مسيرَ الرَّيحِ مَا
وَصَلَتْ بهِ ليلًا إلَى نَعمانِ

٣١ - سارَتْ وكانَ دلِيلَها في سيرِها
سعدُ السُّعودِ وليسَ بالدَّبَرانِ

٣٢ - وَرَدَتْ جِفارَ الدَّمعِ وهيَ غزيرةٌ
فَلِذَاكَ ما احْتاجَتْ وُرودَ الضَّانِ

٣٣ - وعَلَتْ عَلى متنِ الهَوى وتزوَّدت
ذكرَ الحبيبِ ووصلَهُ المُتدانِي

٣٤ - وعَدَتْ بزَورَتِها فأوْفَتْ بالَّذي
وَعَدَتْ وكانَ بمُلتَقى الأجفانِ

٣٥ - لَم تفجَأِ المُشتاقَ إلَّا وهيَ
داخِلَةُ السُّتورِ بغيرِ ما اسْتِئذانِ

٣٦ - قالَتْ وقَد كَشَفَتْ نِقابَ الحُسنِ
مَا بالصَّبرِ لِي عَن أن أراكَ يَدانِ

٣٧ - وتحدَّثَتْ عِندي حديثًا خِلتُهُ
صِدقًا وقَدْ كَذَبَتْ بهِ العَينانِ

٣٨ - فعجِبتُ منهُ وقلتُ مِن فَرَحِي بهِ
طَمَعًا ولكنَّ المنامَ دَهَانِي

٣٩ - إن كُنتِ كاذِبةَ الَّذي حدَّثْتِني
فعليكِ إثمُ الكاذبِ الفتَّانِ

٤٠ - جهمِ بنِ صفوانٍ وشيعتِهِ الأُلى
جَحَدُوا صفاتِ الخالِقِ المنَّانِ

٤١ - بَل عطَّلوا منهُ السَّماواتِ العُلى
والعرشَ أخلَوْهُ مِنَ الرَّحمنِ

٤٢ - ونَفَوْا كلامَ الرَّبِّ جلَّ جلالُهُ
وقَضَوْا لهُ بالخلقِ والحِدثانِ

٤٣ - قالُوا وليسَ لربِّنا سمعٌ وَلا
بصرٌ ولا وجهٌ فكيفَ يدانِ

٤٤ - وكذاكَ ليسَ لربِّنا مِن قُدرةٍ
وإرادةٍ أو رحمةٍ وحَنانِ

٤٥ - كلَّا وَلا وصفٌ يقومُ بهِ سِوى
ذاتٍ مُجرَّدةٍ بغيرِ مَعانِ

٤٦ - وحياتُهُ هيَ نفسُهُ وكلامُهُ
هوَ غيرُهُ فاعْجَبْ لِذا البُهتانِ

٤٧ - وكذاكَ قالُوا مَا لهُ مِن خلقِهِ
أحدٌ يكونُ خليلَهُ النَّفسانِي

٤٨ - وخليلُهُ المُحتاحُ عِندَهُمُ وفِي
ذَا الوصفِ يدخلُ عابدُ الأوْثانِ

٤٩ - فالكلُّ مُفتَقِرٌ إليهِ لذاتِهِ
فِي أسرِ قبضتِهِ ذليلٌ عانِ

٥٠ - ولأجلِ ذَا ضحَّى بجَعدٍ خالدُ
القَسرِيُّ يومَ ذبائِحِ القُربانِ

٥١ - إذ قالَ: إبراهيمُ ليسَ خليلَهُ
كلَّا وَلا مُوسى الكليمَ الدَّانِي

٥٢ - شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كلُّ صاحِبِ سُنَّةٍ
للهِ دَرُّكَ مِنْ أخِي قُربانِ
[ #فصل_۲ ]
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim
٥٣ - والعبدُ عِندهُمُ فليسَ بفاعِلٍ
بَلْ فِعلُهُ كتحرُّكِ الرَّجْفانِ

٥٤ - وهُبوبِ ريحٍ أو تحرُّكِ نائِمٍ
وتحرُّكِ الأشجارِ للمَيلانِ

٥٥ - واللهُ يُصليهِ عَلى مَا ليسَ مِن
أفعالِهِ حرَّ الحميمِ الآنِي

٥٦ - لكِن يُعاقِبُهُ عَلى أفعالِهِ فيهِ
تَعالى اللهُ ذُو الإحسانِ

٥٧ - والظُّلمُ عِندهُمُ المُحالُ لذاتِهِ
أنَّى يُنزَّهُ عنهُ ذُو السُّلطانِ

٥٨ - ويكونُ مدحًا ذلكَ التَّنزِيهِ
مَا هَذا بمعقولٍ لدَى الأذهانِ
[ #فصل_۳ ]
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim
٥٩ - وكذاكَ قالُوا مَا لهُ مِن حكمةٍ
هيَ غايةٌ للأمرِ والإتقانِ

٦٠ - مَا ثَمَّ غيرُ مشيئةٍ قَد رجَّحتْ
مِثلًا عَلى مِثلٍ بِلا رُجْحانِ

٦١ - هَذا ومَا تِلكَ المشيئةُ وصفَهُ
بَلْ ذاتُهُ أو فِعلُهُ قَولانِ

٦٢ - وكلامُهُ مُذ كانَ غيرًا كانَ
مَخلوقًا لهُ مِن جُملةِ الأكوانِ

٦٣ - قالُوا وإقرارُ العبادِ بأنَّهُ
خلَّاقُهُم هُو مُنتَهى الإيمانِ

٦٤ - والنَّاسُ فِي الإيمانِ شيءٌ واحدٌ
كالمُشطِ عِندَ تماثُلِ الأسنانِ

٦٥ - فاسألْ أبا جَهلٍ وشِيعتَهُ ومَن
وَلاهُمُ مِن عابِدي الأوثانِ

٦٦ - وسَلِ اليهودَ وكُلَّ أقلفَ مُشرِكٍ
عَبَدَ المسيحَ مُقبِّلَ الصُّلبانِ

٦٧ - واسألْ ثَمودَ وعادَ بَلْ سَلْ قَبلَهُم
أعداءَ نُوحٍ أُمَّةَ الطُّوفانِ

٦٨ - واسألْ أبَا الجِنِّ اللَّعينَ أتَعرِفُ
الخلَّاقَ أمْ أصبَحتَ ذَا نُكرانِ

٦٩ - واسألْ شِرارَ الخلقِ أعنِي أُمَّةً
لُوطيَّةً هُم ناكِحو الذُّكرانِ

٧٠ - واسألْ كذاكَ إمامَ كُلِّ مُعطِّلٍ
فِرعونَ مَعَ قارونَ مَعَ هامانِ

٧١ - هَلْ كانَ فيهِم مُنكرٌ للخالِقِ
الرَّبِّ العَظيمِ مُكوِّنِ الأكوانِ

٧٢ - فَلْيُبْشِرُوا مَا فِيهِمُ مِن كافِرٍ
هُم عِندَ جهمٍ كامِلو الإيمانِ
[ #فصل_٤ ]
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim

٧٣ - وقَضى بِأنَّ اللهَ كانَ مُعطَّلًا
والفِعلُ مُمتَنِعٌ بِلا إمكانِ

٧٤ - ثُمَّ اسْتَحَالَ وصارَ مقدُورًا لهُ
مِنْ غيرِ أمرٍ قامَ بالدَّيَّانِ

٧٥ - بَلْ حالُهُ سُبحانَهُ فِي ذاتِهِ
قبلَ الحُدوثِ وبعدَهُ سِيَّانِ

٧٦ - وقَضَى بأنَّ النَّارَ لَم تُخلَق وَلا
جنَّاتُ عَدنٍ بَل هُما عَدَمانِ

٧٧ - فإِذا هُما خُلِقَا ليومِ مَعادِنا
فَهُمَا عَلى الأوْقاتِ فانِيَتَانِ

٧٨ - وتلطَّفَ العَلَّافُ مِنْ أتباعِهِ
فأَتى بضُحكةِ جاهِلٍ مجَّانِ

٧٩ - قالَ: الفَناءُ يكونُ فِي الحَرَكاتِ
لَا فِي الذَّاتِ واعَجَبَا لِذَا الهَذَيَانِ

٨٠ - أيَصِيرُ أهلُ الخُلدِ فِي جنَّاتِهِم
وجحِيمِهِم كحِجارَةِ البُنيانِ

٨١ - مَا حالُ مَن قَد كانَ يغشَى أهلَهُ
عِندَ انقِضاءِ تحرُّكِ الحَيَوانِ

٨٢ - وكذاكَ مَا حالُ الَّذي رَفَعَتْ
يَدَاهُ أُكلَةً مِن صَحفةٍ وخِوانِ

٨٣ - فَتَنَاهَتِ الحَرَكاتُ قبلَ وُصولِها
للفمِّ عِندَ تفَتُّحِ الأسنانِ

٨٤ - وكذاكَ مَا حالُ الَّذي امْتَدَّتْ
يدٌ مِنْهُ إِلى قِنوٍ مِنَ القِنوانِ

٨٥ - فَتَنَاهَتِ الحَرَكاتُ قبلَ الأخذِ
هَلْ يَبقَى كذلكَ سائِرَ الأزمانِ

٨٦ - تبًّا لِهَاتِيكَ العُقولِ فإنَّها
واللهِ قَد مُسِخَتْ عَلى الأبْدانِ

٨٧ - تبًّا لِمَنْ أضحَى يُقَدِّمُها عَلى
الآثارِ والأخبارِ والقُرآنِ
[ #فصل_٥ ]
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim

٨٨ - وقَضى بأنَّ اللهَ يجعلُ خلقَهُ
عَدَمًا ويقلِبُهُ وُجودًا ثَانِي

٨٩ - العرشُ والكُرسِيُّ والأرواحُ
والأملاكُ والأفلاكُ والقَمَرانِ

٩٠ - والأرضُ والبحرُ المُحيطُ وسائرُ
الأكوانِ مِن عَرَضٍ ومِن جُثمانِ

٩١ - كلٌّ سيُفنِيهِ الفَناءَ المَحضَ
لا يَبقَى لهُ أثَرٌ كظِلٍّ فانِ

٩٢ - ويُعيدُ ذَا المَعدُومَ أيضًا ثانيًا
محضَ الوُجودِ إعادَةً بِزَمانِ

٩٣ - هَذا المَعادُ وذلكَ المَبدَا لَدَ
جَهمٍ وقَد نَسبُوهُ للقُرآنِ

٩٤ - هَذا الَّذي قادَ ابنَ سِينا والأُلَى
قَالُوا مقَالتَهُ إِلى الكُفرانِ

٩٥ - لَم تقبَلِ الأذهانُ ذَا وتوَهَّمُوا
أنَّ الرَّسُولَ عَنَاهُ بالإيمانِ

٩٦ - هَذا كِتابُ اللهِ أنَّى قالَ ذَا ؟
أوْ عبدُهُ المَبعُوثُ بالبُرهانِ ؟

٩٧ - أوْ صحبُهُ مِن بعدِهِ أوْ تابِعٌ
لَهُمُ عَلى الإيمانِ والإحْسانِ ؟

٩٨ - بَلْ صَرَّحَ الوَحْيُ المُبِينُ بِأنَّهُ
حقًّا مُغَيِّرُ هَذهِ الأكوانِ

٩٩ - فيُبدِّلُ اللهُ السَّماواتِ العُلى
والأرضَ أيضًا ذانِ تبدِيلانِ

١٠٠ - وهُما كتَبدِيلِ الجُلودِ لِساكِنِي
النِّيرانِ عندَ النُّضجِ مِن نَيرانِ

١٠١ - وكذاكَ يقبِضُ أرضَهُ وسماءَهُ
بيديهِ مَا العَدَمانِ مقبُوضانِ

١٠٢ - وتُحدِّثُ الأرضُ الَّتي كُنَّا بِها
أخبارَها فِي الحشرِ للرَّحمنِ

١٠٣ - وتَظَلُّ تشهدُ وهيَ عدلٌ بالَّذي
مِن فوقِها قَد أحدَث الثَّقلانِ

١٠٤ - أفَيَشْهَدُ العَدَمُ الَّذي هُو كاسْمِهِ
لا شيءَ، هَذا ليسَ فِي الإمكانِ

١٠٥ - لكِن تُسَوَّى ثُمَّ تُبسَطُ ثُمَّ
تشهَدُ ثُمَّ تُبدَلُ وهيَ ذاتُ كِيانِ

١٠٦ - وتُمَدُّ أيضًا مثلَ مدِّ أدِيمِنا
مِن غيرِ أودِيَةٍ وَلا كُثبانِ

١٠٧ - وتقيءُ يومَ العرضِ ذَا أكبادَها
كالأُسْطُوانِ نفائِسَ الأثمانِ

١٠٨ - كلٌّ يراهُ بعينِهِ وعِيانِهِ
مَا لامْرِئٍ بالأخذِ منهُ يدانِ

١٠٩ - وكَذا الجِبالُ تُفَتُّ فتًّا مُحكَمًا
فتَعودُ مِثلَ الرَّملِ ذِي الكُثبانِ

١١٠ - وتكونُ كالعِهنِ الَّذي ألوانُهُ
وصِباغُهُ مِن سائِرِ الألوانِ

١١١ - وتُبَسُّ بسًّا مثلَ ذاكَ فتَنثَنِي
مثلَ الهَباءِ لناظِرِ الإنسانِ

١١٢ - وكَذا البِحارُ فإنَّها مَسجُورةٌ
قَد فُجِّرَتْ تفجِيرَ ذِي سُلطانِ

١١٣ - وكذلكَ القَمَرانِ يأذَنُ ربُّنا
لهُما فيجْتَمِعانِ يَلتَقِيانِ

١١٤ - هذِي مُكوَّرَةٌ وهَذا خاسِفٌ
وكِلاهُما فِي النَّارِ مَطرُحانِ

١١٥ - وكواكبُ الأفلاكِ تُنثَرُ كلُّها
كلآلِئٍ نُثِرَت عَلى مَيدانِ

١١٦ - وكَذا السَّماءُ تُشَقُّ شقًّا ظاهِرًا
وتمورُ أيضًا أيَّما مَوَرَانِ

١١٧ - وتصيرُ بعدَ الانشِقاقِ كمثلِ
هَذَا المُهلِ أوْ تَكُ وَردةً كَدِهَانِ

١١٨ - والعرشُ والكُرسِيُّ لا يُفنِيهما
أيضًا وإنَّهُما لَمَخْلُوقانِ

١١٩ - والحُورُ لا تَفنَى كذلكَ جنَّةُ
المَأوَى ومَا فِيها مِنَ الوِلدانِ

١٢٠ - ولأجلِ هَذا قالَ جَهمٌ إنَّها
عَدَمٌ ولَم تُخلَق إلَى ذَا الآنِ

١٢١ - والأنبياءُ فإنَّهُم تحتَ الثَّرى
أجسامُهُم حُفِظَتْ مِنَ الدِّيدانِ

١٢٢ - ما لِلْبِلَى بلحُومِهِم وجُسومِهِم
أبدًا وهُم تحتَ التُّرابِ يدانِ

١٢٣ - وكذاكَ عجبُ الظَّهرِ لا يَبلى
بَلى مِنهُ تُركَّبُ خِلقةُ الإنسانِ

١٢٤ - وكذاكَ الأرواحُ لا تَبلى كَما
تَبلى الجُسُومُ وَلا بِلَى اللُّحمانِ

١٢٥ - ولأجلِ ذلكَ لَم يُقِرّ الجَهمُ
بالأرواحِ خارِجةً عنِ الأبدانِ

١٢٦ - لكنَّها مِن بعضِ أعراضٍ بِها
قامَت وذَا فِي غايَةِ البُطلانِ

١٢٧ - فالشَّأنُ للأرواحِ بعدَ فِراقِها
أبدانَنَا واللهِ أعظمُ شانِ

١٢٨ - إمَّا عذابٌ أوْ نعيمٌ دائمٌ
قِد نُعِّمتْ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ

١٢٩ - وتصيرُ طيرًا سارِحًا معَ شَكلِها
تَجنِي الثِّمارَ بجنَّةِ الحَيَوانِ

١٣٠ - وتظلُّ وارِدةً لأنهارٍ بِها
حتَّى تعودَ لذلكَ الجُثمانِ

١٣١ - لكنَّ أرواحَ الَّذينَ اسْتُشْهِدُوا
فِي جوفِ طيرٍ أخضَرٍ ريَّانِ

١٣٢ - فَلَهُم بِذاكَ مزيَّةٌ فِي عَيشِهِم
ونعيمُهم للرُّوحِ والأبْدانِ

١٣٣ - بَذَلُوا الجُسُومَ لربِّهِم فأعاضَهُم
أجسامَ تِلكَ الطَّيرِ بالإحْسانِ

١٣٤ - ولَهَا قَنادِيلٌ إلَيْها تنتَهِي
مأوىً لَها كمَساكِنِ الإنسانِ

١٣٥ - فالرُّوحُ بعدَ الموتِ أكملُ حالةً
مِنها بهَذِي الدَّارِ فِي جُثمانِ

١٣٦ - وعذابُ أشْقَاهَا أشَدُّ مِنَ الَّذي
قَد عايَنَتْ أبصارُنا بِعِيانِ

١٣٧ - والقائِلونَ بأنَّها عَرَضٌ أَبَوْا
ذَا كْلَّهُ تبًّا لِذِي نُكرانِ

١٣٨ - وإذَا أرادَ اللهُ إخراجَ الوَرَى
بعدَ المَماتِ إلَى المَعادِ الثَّانِي

١٣٩ - ألقَى عَلى الأرضِ الَّتي هُم
تحتَها واللهُ مُقتَدِرٌ وذُو سُلطانِ

١٤٠ - مَطرًا غِليظًا أبيَضًا مُتَتابِعًا
عَشرًا وعَشرًا بعدَها عَشرَانِ

١٤١ - فتظلُّ تنبُتُ مِنهُ أجسامُ الوَرَى
ولحُومهُم كمنابِتِ الرَّيْحانِ

١٤٢ - حتَّى إذَا مَا الأمُّ حانَ وِلادُها
وتمخَّضَتً فَنِفَاسُهَا مُتَدانِ
.
١٤٣ - أوحَى لَها ربُّ السَّما فتشَقَّقتْ
فَبَدَا الجَنينُ كأكمَلِ الشُّبَّانِ

١٤٤ - وتخلَّتِ الأمُّ الوَلودُ وأخرَجَتْ
أثقالَها أُنثَى ومِن ذُكرانِ

١٤٥ - واللهُ يُنشِىءُ خلقَهُ فِي نشأةٍ
أُخرَى كَما قَد قالَ فِي القُرآنَ

١٤٦ - هَذَا الَّذي جاءَ الكِتابُ وسُنَّةُ
الهادِي بهِ فاحْرِصْ عَلى الإيمانِ

١٤٧ - مَا قالَ إنَّ اللهَ يُعدِمُ خلقَهُ
طُرًّا كقَولِ الجاهِلِ الحَيرانِ
[ #فصل_٦ ]
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim

١٤٨ - وقَضى بأنَّ اللهَ ليسَ بفاعِلٍ
فعلًا يقومُ بهِ بِلا بُرهانِ

١٤٩ - بَلْ فِعلُهُ المفعولُ خارِجَ ذاتِهِ
كالوَصفِ غيرِ الذَّاتِ فِي الحُسبانِ

١٥٠ - والجَبرُ مذهَبُهُ الَّذي قَرَّتْ بهِ
عَينُ العُصاةِ وشِيعةِ الشَّيطانِ

١٥١ - كانُوا عَلى وَجَلٍ مِنَ العِصيانِ
إذْ هُوَ فِعلهُم والذَّنبُ للإِنسانِ

١٥٢ - واللَّومُ لا يعدُوهُ إذْ هُوَ فاعِلٌ
بإرادَةٍ وبِقُدرةٍ الحَيَوانِ

١٥٣ - فأراحَهُم جهمٌ وشِيعَتُهُ مِنَ
اللَّومِ العَنيفِ ومَا قَضَوْا بأمانِ

١٥٤ - لكنَّهم حَمَلوا ذُنُوبَهُمُ عَلى
ربِّ العِبادِ بعزَّةٍ وأمانِ

١٥٥ - وتبرَّؤُوا مِنها وقالُوا إنَّها
أفعالُهُ مَا حِيلَةُ الإنسانِ

١٥٦ - مَا كلَّفَ الجبَّارُ نفسًا وُسْعَهَا
أنَّى وَقَد جُبِلَت عَلى العِصيانِ

١٥٧ - وكَذا عَلى الطَّاعاتِ أيضًا
قَد غَدَتْ مجبُورةٌ فَلَهَا إذًا جَبرانِ

١٥٨ - والعبدُ فِي التَّحقيقِ شِبهُ نَعامَةٍ
قَد كُلِّفَتْ بالحملِ والطَّيَرانِ

١٥٩ - إذْ كانَ صُورَتُها تدلُّ عليهِما
هَذا وليسَ لَها بذاكَ يَدَانِ

١٦٠ - فلذاكَ قالَ بأنَّ طاعاتِ الوَرى
وكذاكَ ما فعلوهُ مِنْ عِصيانِ

١٦١ - هيَ عينُ فعلِ الربِّ لا أفعالُهُم
فيصِحُّ عنهُم عِندَ ذَا نفيانِ

١٦٢ - نفيٌ لقُدرَتِهِم علَيها أوَّلًا
وصُدورِها مِنهُم بنفيٍ ثانِ

١٦٣ - فيقالُ مَا صامُوا وَلا صَلَّوْا
وَلا زَكَّوْا وَلا ذَبَحُوا مِنَ القُربانِ

١٦٤ - وكذاكَ مَا شَرِبُوا ومَا قَتَلُوا
وَلا سَرَقُوا وَلا فيهِم غويٌّ زانِ

١٦٥ - وكذاكَ لَم يأتُوا اختِيارًا مِنهُمُ
بالكُفرِ والإسلامِ والإيمانِ

١٦٦ - إلَّا عَلى وجهِ المَجازِ لأنَّها
قامَتْ بهِم كالطَّعمِ والألوانِ

١٦٧ - جُبِرُوا عَلى مَا شاءَهُ خلَّاقُهُم
مَا ثَمَّ ذُو عَوْنٍ وغيرُ مُعانِ

١٦٨ - الكلُّ مَجبُورٌ وغيرُ مُيَسَّرٍ
كالميتِ أُدْرِجُ داخلَ الأكفانِ

١٦٩ - وكذاكَ أفعالُ المُهَيْمِنِ لَم تقُم
أيضًا بهِ خَوفًا مِنَ الحَدَثَانِ

١٧٠ - فإذَا جمعتَ مَقَالَتَيْهِ أنتَجَا
كَذِبًا وزُورًا واضِحَ البُهتانِ

١٧١ - إذْ ليستِ الأفعالُ فِعلَ إلَهِنَا
والرَّبُّ ليسَ بفاعِلِ العِصيانِ

١٧٢ - فإذَا انتَفَتْ صِفةُ الإلهِ وفِعلُهُ
وكلامُهُ وفعائِلُ الإنسانِ

١٧٣ - فهُناكَ لَا خلقٌ وَلا أمرٌ وَلا
وَحْيٌ وَلا تكليفْةُ عبدٍ فانِ

١٧٤ - وقَضَى عَلى أسمائِهِ بحُدُوثِها
وبِخَلْقِها مِن جُملةِ الأكوانِ

١٧٥ - فانظُرْ إلى تعطيلِهِ الأوصافَ
والأفعالَ والأسماءَ للرَّحمنِ

١٧٦ - مَاذا الَّذي فِي ضِمنِ ذَا التَّعطيلِ
مِن نفيٍ ومِن جحدٍ ومِن كُفرانِ

١٧٧ - لكنَّهُ أبدَى المقالَة هكَذا
فِي قالِبِ التَّنزِيهِ للرَّحمنِ

١٧٨ - وأتَى إلَى الكُفرِ العَظيمِ فصاغَهُ
عِجلًا ليَفْتِنَ أُمَّةَ الثَّيرانِ

١٧٩ - وكساهُ أنواعَ الجواهِرِ والحُلِي
مِن لُؤلؤٍ صافٍ ومِن عِقيانِ

١٨٠ - فرآهُ ثِيرانُ الوَرى فأصابَهُم
كمُصابِ إخوَتِهِم قديمَ زمانِ

١٨١ - عِجلانِ قَد فَتَنَا العِبادَ: بصوتِهِ
إحداهُما وبحرفِهِ ذَا الثَّانِي

١٨٢ - والنَّاسُ أكثرُهُم فأهلُ ظواهِرٍ
تبدُو لَهُم ليسُوا بأهلِ مَعانِ

١٨٣ - فَهُمُ القُشُورُ وبالقُشُورِ قِوَامُهُم
واللُّبُّ حظُّ خُلاصَةِ الإنسانِ

١٨٤ - ولِذَا تقسَّمَتِ الطَّوائِفُ قولَهُ
وتوارَثُوهُ إرثَ ذِي السُّهمانِ

١٨٥ - لَم ينجُ مِنْ أقوالِهِ طُرًّا سِوى
أهلِ الحديثِ وشِيعَةِ القُرآنِ

١٨٦ - فتبرَّؤُوا مِنهَا بَرَاءَةَ حَيْدَرٍ
وبَرَاءَةَ المَولُودِ مِنْ عِمرانِ

١٨٧ - مِن كُلِّ شَيعيٍّ خَبيثٍ وَصْفُهُ
وَصْفُ اليَهُودِ مُحَلِّلِي الحِيتانِ
.
[ #فصل_٧ : في مُقدِّمةٍ نافعةٍ قبلَ التَّحكيمَ ] .
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||http://T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim

١٨٨ - يا أيُّها الرَّجُلُ المُرِيدُ نجاتَهُ
اسمَعْ مقالةَ ناصِحٍ مِعوانِ

١٨٩ - كُن فِي أُمورِكَ كُلِّها مُتمَسِّكًا
بالوَحيِ لا بزخَارِفِ الهَذَيانِ

١٩٠ - وانصُرْ كِتابَ اللهِ والسُّنَنَ الَّتي
جاءَت عَنِ المَبعُوثِ بالفُرقانِ

١٩١ - واضْرِبْ بسَيفِ الوَحْيِ كُلَّ مُعَطِّلٍ
ضربَ المُجاهِدِ فوقَ كُلِّ بنانِ

١٩٢ - واحْمِلْ بعَزمِ الصِّدْقِ حملَةَ
مُخلِصٍ مُتجرِّدٍ للهِ غيرِ جبانِ

١٩٣ - واثْبُتْ بصَبرِكَ تحتَ ألوِيَة الهُدى
فإذا أُصِبْتَ فَفِي رِضا الرَّحمنِ

١٩٤ - واجْعَلْ كِتابَ اللهِ والسُّنَنَ الَّتي
ثَبَتَتْ سِلاحَكَ ثُمَّ صِحْ بِجَنانِ

١٩٥ - مَن ذَا يُبارِزُ فلْيُقدِّمْ نفسَهُ
أوْ مَن يُسابِقْ يبدُ فِي المَيدانِ

١٩٦ - واصْدَعْ بِما قالَ الرَّسُولُ وَلا
تخَف مِن قِلَّةِ الأنصارِ والأعْوانِ

١٩٧ - فاللهُ ناصرُ دِينِهِ وكِتابِهِ
واللهُ كافٍ عبدَهُ بأمانِ

١٩٨ - لا تَخشَ مِن كيدِ العدوِّ ومكرِهِم
فقِتالُهُم بالكِذبِ والبُهتانِ

١٩٩ - فجُنودُ أتباعِ الرَّسُولِ ملائكٌ
وجُنودُهُم فعساكِرُ الشَّيطانِ

٢٠٠ - شتَّانَ بينَ العَسْكَرَيْنِ فمَن
يكُن مُتحيِّزًا فلْيَنظُرِ الفِئتانِ

٢٠١ - واثْبُتْ وقاتِلْ تحتَ راياتِ الهُدى
واصبِرْ فنصرُ اللهِ ربِّكَ دانِ

٢٠٢ - واذْكُرْ مقاتِلَهُم لِفُرسانِ الهُدى
للهِ ردُّ مقاتِلِ الفُرسانِ

٢٠٣ - وادْرَأْ بلَفظِ النَّصِّ فِي نَحرِ العِدا
وارْجُمهُمُ بثواقِبِ الشُّهبانِ

٢٠٤ - لا تَخشَ كثرَتَهُم فهُم هَمَجَ
الوَرى و ذُبابُهُ أتَخافُ مِن ذِبَّانِ ؟

٢٠٥ - واشْغَلْهُمُ عندَ الجِدالِ ببَعضِهِم
بعضًا فذاكَ الحزمُ للفُرسانِ

٢٠٦ - وإذا هُمُ حَمَلُوا عليكَ فَلا تكُن
فَزِعًا لِحَمْلَتِهِمْ وَلا بِجَبانِ

٢٠٧ - واثْبُتْ وَلا تحمِلْ بِلا جُندٍ فَما
هَذا بمَحمُودٍ لدَى الشُّجعانِ

٢٠٨ - فإذَا رأيتَ عِصابةَ الإسلامِ قَد
وَافَتْ عساكِرُها معَ السُّلطانِ

٢٠٩ - فهُناكَ فاختِرِقِ الصُّفوفَ وَلا تكُن
بالعاجِزِ الوانِي وَلا الفَزعانِ

٢١٠ - وتَعرَّ مِن ثَوْبَيْنِ مَن يلبسْهُما
يلقَ الرَّدى بمذمَّةٍ وهَوانِ

٢١١ - ثَوبٌ مِنَ الجَهلِ المُركَّبِ فوقَهُ
ثوبُ التَّعَصُّبِ بِئسَتِ الثَّوبانِ

٢١٢ - وتحلَّ بالأنصافِ أفخَرِ حُلَّةٍ
زِينَتْ بِها الأعطافُ والكَتِفَانِ

٢١٣ - واجْعَلْ شِعارَكَ خشيةَ الرَّحمنِ
مَع نُصحِ الرَّسُولِ فحبَّذا الأمرانِ

٢١٤ - وتَمسَّكَنَّ بحَبلِهِ وبوَحْيِهِ
وتوكَّلَنَّ حقيقةَ التُّكلانِ

٢١٥ - فالحَقُّ وَصْفُ الرَّبِّ وهوَ صِراطُهُ
الهادِي إليهِ لصاحِبِ الإيمانِ

٢١٦ - وهوَ الصِّراطُ عليهِ ربُّ العرشِ
أيضًا ذَا وذَا قَد جاءَ فِي القُرآنِ

٢١٧ - والحَقُّ منصُورٌ ومُمتَحَنٌ فَلا
تعجَبْ فهَذِي سُنَّةُ الرَّحمنِ

٢١٨ - وبِذاكَ يظهرُ حِزبُهُ مِن حَربِهِ
ولأجلِ ذاكَ النَّاسُ طائِفتانِ

٢١٩ - ولأجْلِ ذاكَ الحربُ بينَ الرُّسلِ
والكُفَّارِ مُذ قامَ الوَرى سَجلانِ

٢٢٠ - لكِنَّما العُقبى لأهلِ الحقِّ إن
فاتَتْ هُنا كانَتْ لَدى الدَّيَّانِ

٢٢١ - واجْعَلْ لقلبِكَ هِجْرَتَيْنِ وَلا تَنَم
فَهُما عَلى كُلِّ امرِئٍ فَرضانِ

٢٢٢ - فالهِجرةُ الأُولى إلى الرَّحمنَ
بالإخلاصِ فِي سرٍّ وفِي إعلانِ

٢٢٣ - فالقَصدُ وجهُ الله بالأقوالِ
والأعمالِ والطَّاعاتِ والشُّكرانِ

٢٢٤ - فبِذاكَ ينجُو العبدُ مِن إشراكِهِ
ويصيرُ حقًّا عابدَ الرَّحمنِ

٢٢٥ - والهِجرَةُ الأُخرى إلى المَبعوثِ
بالحقِّ المُبينِ وواضحِ البُرهانِ

٢٢٦ - فيَدُورُ مَع قَولِ الرَّسُولِ وفعلِهِ
نفيًا وإثباتًا بِلا رَوَغَانِ

٢٢٧ - ويُحكِّمُ الوحيَ المُبينَ عَلى الَّذي
قالَ الشُّيوخُ فعندهُ حَكَمَانِ

٢٢٨ - لَا يَحكُمانَ بباطِلٍ أبدًا وكلُّ
العدلِ قَد جاءَتْ بهِ الحَكَمَانِ

٢٢٩ - وهُما كِتابُ اللهِ أعدلُ حاكِمٍ
فيهِ الشِّفا وهِدايةُ الحَيرانِ

٢٣٠ - والحَاكِمُ الثَّاني كلامُ رسُولِهِ
ما ثَمَّ غيرُهما لِذي إيمانَ

٢٣١ - فإذا دعَوْكَ لغيرِ حُكمِهِما فَلا
سمعًا لداعِي الكُفرِ والعِصيانِ

٢٣٢ - قُل: لا كرامةَ لا ولا نُعمَى ولا
طوعًا لمن يدعُو إلى طُغيانِ

٢٣٣ - وإذا دُعِيتَ إلى الرَّسولِ فقُل لهُم
سمعًا وطوعًا لستُ ذَا عِصيانِ

٢٣٤ - وإذا تكاثَرَتِ الخُصومُ وصيَّحُوا
فاثبُتْ فصَيْحَتُهم كمِثلِ دُخانِ

٢٣٥ - يَرقَى إلى الأَوْجِ الرَّفيعِ وبعدَهُ
يهوِي إلى قَعرِ الحَضيصِ الدَّانِي

٢٣٦ - هَذا وإنَّ قِتالَ حِزبِ اللهِ
بالأعمالِ لا بكتائِبِ الشُّجعانِ

٢٣٧ - واللهِ مَا فتَحُوا البِلادَ بكثرةٍ
أنَّى وأعدَاهُم بِلا حُسبانِ

٢٣٨ - وكذاكَ مَا فتَحُوا القُلوبَ بهَذِهِ
الآراءِ بَلْ بالعِلمِ والإيمانِ

٢٣٩ - وشَجاعةُ الفُرسانِ نفسُ الزُّهدِ
فِي نفسٍ وذَا مَحذورُ كُلِّ جَبانِ
٢٤٠ - وشَجاعةُ الحُكَّامِ والعُلماءِ زُهدٌ
فِي الثَّنا مِن كُلِّ ذِي بُطلانِ

٢٤١ - فإِذا هُما اجْتَمَعَا لقَلبٍ صادِقٍ
شدَّتْ ركائبُهُ إلى الرَّحمنِ

٢٤٢ - واقْصِدْ إلى الأقرانِ لا أطرافِها
فالعِزُّ تحتَ مقاتِلِ الأقرانِ

٢٤٣ - واسْمَعْ نصيحةَ مَن لهُ خُبرٌ بِما
عِندَ الوَرى مِن كَثرةِ الجَوَلانِ

٢٤٤ - مَا عِندَهُم واللهِ خيرٌ غيرَ مَا
أخَذُوهُ عمَّن جاءَ بالقُرآنِ

٢٤٥ - والكلُّ بعدُ فبِدعةٌ أوْ فِريةٌ
أوْ بحثُ تشكيكٍ ورأيُ فُلانِ

٢٤٦ - فاصْدَعْ بأمرِ اللهِ لا تخشَ الوَرى
فِي اللهِ واخشاهُ تفُزْ بأمانِ

٢٤٧ - واهْجُرْ ولَو كُلَّ الوَرى فِي ذاتِهِ
لا فِي هَواكَ ونَخوةِ الشَّيطانِ

٢٤٨ - واصْبِرْ بغَيرِ تسخُّطٍ وشِكايةٍ
واصفَحْ بغَيرِ عِتابٍ مَنْ هُو جانِ

٢٤٩ - واهْجُرهُمُ الهَجرَ الجَميلَ بِلا أذىً
إن لَم يكُن بدٌّ مِنَ الهِجرانِ

٢٥٠ - وانظُرْ إلى الأقْدارِ جارِيةً بِما
قَد شاءَ مِن غَيٍّ ومِن إيمانِ

٢٥١ - واجْعَلْ لقلبِكَ مُقلتَينِ كِلاهُما
بالحقِّ فِي ذا الخَلقِ باصِرَتانِ

٢٥٢ - فانظُرْ بعَينِ الحُكمِ وارْحَمْهُمْ
بِها إذْ لا تُرَدُّ مَشيئةُ الدَّيَّانِ

٢٥٣ - وانظُرْ بعَينِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ
عَلى أحكامِهِ فهُما إذًا نَظَرانِ

٢٥٤ - واجْعَلْ لوجْهِكَ مُقلَتينِ كِلاهُما
مِنْ خَشيةِ الرَّحمنِ باكِيَتَانِ

٢٥٥ - لَو شاءَ ربُّكَ كُنتَ أيضًا مِثلَهُمْ
فالقَلبُ بينَ أصابِعِ الرَّحمنِ

٢٥٦ - واحْذَرْ كَمائِنَ نَفسِكَ اللَّاتِي مَتى
خَرَجَتْ عليكَ كُسِرتَ كسرَ مُهانِ

٢٥٧ - وإذا انتَصَرتَ لَها تكونُ كَمن بَغَى
طَفْيَ الدُّخانِ بمُوقَدِ النِّيرانِ

٢٥٨ - واللهُ أخبرَ وهوَ أصدقُ قائِلٍ
أن ليسَ ينصُرُ عبدَهُ بأمانِي

٢٥٩ - مَن يعمَلِ السُّوأى سَيُجزَى مِثلَها
أو يعمَلِ الحُسنَى يفُز بجِنانِ

٢٦٠ - هَذِي وَصِيَّةُ ناصِحٍ ولنَفسِهِ
وصَّى وبعدُ لسائِرِ الإخوانِ
[ #فصل_٨ : وهَذا أوَّلُ عقدِ مجلسِ التَّحكيمِ ] .
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim

٢٦١ - فاجْلِسْ إذًا فِي مَجلِسِ الحَكَمَيْنِ
للرَّحمنِ لا للنَّفسِ والشَّيطانِ

٢٦٢ - إحْداهُما النَّقلُ الصَّحيحُ وبعدَهُ
العقلُ الصَّريحُ وفِطرةُ الرَّحمنِ

٢٦٣ - واحْكُمْ إذًا فِي رُفقةٍ قَد سافَرُوا
يَبغُونَ فاطِرَ هذِهِ الأكوانِ

٢٦٤ - فتَرافَقُوا فِي سَيرِهِم وتفارَقُوا
عِندَ افتِراقِ الطُّرقِ بالحَيرانَ

٢٦٥ - فأتَى فريقٌ ثُمَّ قالَ وجدتُّهُ
هَذا الوُجودَ بعَينِهِ وعِيانِ

٢٦٦ - ما ثَمَّ مَوجُودٌ سِواهُ وإنَّما
غَلِطَ اللِّسانُ فقالَ مَوجُودانِ

٢٦٧ - فهُوَ السَّماءُ بعَينِها ونجُومُها
وكذِلكَ الأفلاكُ والقَمَرانِ

٢٦٨ - وهُو الغَمامُ بعَينِهِ والثَّلجُ
والأمطارُ معَ بَردٍ ومَع حُسبانِ

٢٦٩ - وهُو الهَواءُ بعَينِهِ والماءُ
والتُّربُ الثَّقيلُ ونَفسُ ذِي النِّيرانِ

٢٧٠ - هَذِي بَسائِطُهُ ومِنهُ تركَّبتْ
هَذي المَظَاهِرُ مَا هُنا شَيئانِ

٢٧١ - وهُو الفقيرُ لَها لأجلِ ظُهورِهِ
فِيها كفَقرِ الرُّوحِ للأبْدانِ

٢٧٢ - وهيَ الَّتي افْتَقَرتْ إليهِ لأنَّهُ
هُو ذاتُها ووُجُودُها الحقَّانِي

٢٧٣ - وتَظَلُّ تَلبَسُهُ وتَخلَعُهُ وذَا
الإيجادُ والإعدامُ كلَّ أوانِ

٢٧٤ - ويَظَلُّ يَلبَسُها ويَخلَعُها وَذَا
حُكمُ المَظاهِرِ كَيْ تُرى بِعِيانِ

٢٧٥ - وتَكثُّرُ المَوجودِ كالأعْضاءِ فِي
المَحسُوسِ مِن بشرٍ ومِن حَيوانِ

٢٧٦ - أوْ كالقُوى فِي النَّفسِ ذلكَ
واحدٌ مُتكثِّرٌ قامَتْ بهِ الأمرانِ

٢٧٧ - فيَكونُ كُلًّا هذِهِ أجزاؤُهُ
هَذِي مَقالةُ مُدَّعي العِرفانِ

٢٧٨ - أوْ أنَّها كتَكثُّرِ الأنواعِ فِي
جِنسٍ كَما قالَ الفَريقُ الثَّانِي

٢٧٩ - فيَكونُ كُلِّيًا و جُزئيَّاتُهُ
هَذا الوُجودُ فهذِهِ قَولانِ

٢٨٠ - أوْلاهُما نصُّ الفُصوصِ وبعدَهُ
قولُ ابن سَبعينٍ ومَا القَولانِ

٢٨١ - عِندَ العَفيفِ التِّلمِسانِيِّ الَّذي
هُو غايَةٌ فِي الكُفرِ والبُهتانِ

٢٨٢ - إلَّا مِنَ الأغلاطِ فِي حِسٍّ وفِي
وَهْمٍ وتِلكَ طَبِيعةُ الإنسانِ

٢٨٣ - والكلُّ شيءٌ واحدٌ فِي نفسِهِ
مَا للتَّعدُّدِ فيهِ مِن سُلطانِ

٢٨٤ - فالضَّيفُ والمَأكولُ شيءٌ واحدٌ
والوَهمُ يحسَبُ هَا هُنا شَيئانِ

٢٨٥ - وكذلكِ المَوطوءُ عينُ الواطِ
والوَهمُ البَعيدُ يقولُ ذانِ اثْنانِ

٢٨٦ - ولرُبَّما قالا مقالَتَهُ كَما
قَد قالَ قولَهُما بِلا فُرقانِ

٢٨٧ - وأبَى سِواهُم ذَا وقالَ مظاهرٌ
تَجلوهُ ذاتُ تُوَحُّدٍ ومَثانِ

٢٨٨ - فالظَّاهرُ المَجلوُّ شيءٌ واحدٌ
لكِن مَظاهِرُهُ بِلا حُسبانِ

٢٨٩ - هَذي عِباراتٌ لهُم مَضمُونُها
مَا ثَمَّ غيرٌ قطُّ فِي الأعْيانِ

٢٩٠ - فالقَومُ مَا صَانوهُ عَنْ إنسٍ
وَلا جِنٍّ ولا شَجَرٍ وَلا حَيوانِ

٢٩١ - كلَّا وَلا علوٍ وَلا سُفلٍ
وَلا وادٍ وَلا جبلٍ وَلا كُثبانِ

٢٩٢ كلَّا وَلا طَعمٍ وَلا ريحٍ وَلا
صَوتٍ وَلا لَونٍ مِنَ الألْوانِ

٢٩٣ - لكنَّهُ المَطعومُ والمَلموسُ
والمَشمومُ والمَسموعُ بالآذانِ

٢٩٤ - وكذاكَ قالُوا إنَّه المَنكوحُ
والمَذبوحُ بَل عينُ الغَوِيِّ الزَّانِي

٢٩٥ - والكُفرُ عِندَهُمُ هُدىً ولَو أنَّهُ
دَينُ المَجُوسِ وعابِدِي الأوثانِ

٢٩٦ - قالُوا ومَا عبدُوا سِواهُ وإنَّما
ضلُّوا بِما خصُّوا مِنَ الأعْيانِ

٢٩٧ - ولَو أنَّهُم عَمُّوا وقالُوا كلُّها
مَعبودَةٌ مَا كانَ مِن كُفرانِ

٢٩٨ - فالكُفرُ سَترُ حقيقةِ المَعبُودِ
بالتَّخصيصِ عِندَ مُحقِّقٍ ربَّانِي

٢٩٩ - قالُوا ولَم يكُ كافرًا فِي قولِهِ
أنَا ربُّكم فِرعونُ ذُو الطُّغيانِ

٣٠٠ - بَل كانَ حقًّا قولُهُ إذ كانَ
عينُ الحقِّ مضطَلِعًا بهَذا الشَّانِ

٣٠١ - ولِذا غَدا تغْرِيقُهُ فِي البَحرِ
تَطهيرًا مِنَ الأوْهامِ والحُسبانِ

٣٠٢ - قالُوا ولَم يكُ مُنكِرًا مُوسى لِما
عبدُوهُ مِنْ عِجلٍ لَدى الخَوَرانِ

٣٠٣ - إلَّا عَلى مَن كانَ ليسَ بعابِدٍ
معَهم وأصبحَ ضَيِّقَ الأعطانِ

٣٠٤ - ولِذاكَ جرَّ بلِحيةِ الأخِ حيثُ لَم
يكُ واسِعًا فِي قومِهِ لبِطانِ

٣٠٥ - بَلْ فرَّقَ الإنكارُ منهُ بينَهُم
لمَّا سرَى فِي وهمِهِ غَيرانِ

٣٠٦ - ولقَد رأى إبْليسَ عارِفُهُم
فأهْوى بالسُّجودِ هويَّ ذِي خُضعانِ

٣٠٧ - قالُوا لهُ ماذَا صَنَعتَ؟ فقالَ:
هَل غيرُ الإلهِ وأنتُما عَمِيانِ

٣٠٨ - مَا ثَمَّ غيرٌ فاسجدُوا إن شِئتمُ
للشَّمسِ والأصنامِ والشَّيطانِ

٣٠٩ - فالكلُّ عينُ اللهِ عندَ مُحقِّقٍ
والكلُّ مَعبودٌ لِذي العِرفانِ

٣١٠ - هَذا هُوا المَعبُودُ عِندَهُمُ فقُل
سُبحانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السُّبحانِ

٣١١ - يَا أُمَّةً مَعبُودُها مَوْطُوؤُها
أينَ الإلهُ وثُغرَةُ الطَّعَّانِ

٣١٢ - يَا أُمَّةً قَد صارَ مِن كُفرانِها
جُزءًا يَسِيرًا جُملَةُ الكُفرانِ
[ #فصل_٩ : في قُدومِ ركبٍ آخرَ ]
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
°🍁||T.me/Nooniyah_Ibn_AlQayyim

٣١٣ - وأتَى فريقٌ ثُمَّ قالَ وجدتُهُ
بالذَّاتِ مَوجُودًا بكلِّ مَكانِ

٣١٤ - هُوَ كالهَواءِ بعَينِهِ لا عَينُهُ
مَلأَ الخُلُوَّ وَلا يُرى بعِيانِ

٣١٥ - والقَومُ مَا صانوهُ عَن بِئرٍ
وَلا قَبرٍ وَلا حُشٍّ وَلا أعْطانِ

٣١٦ - بل مِنهُمُ مَن قَد رَأى تشبيهَهُ
بالرُّوحِ داخلَ هذهِ الأبْدانِ

٣١٧ - مَا فِيهمُ مَن قالَ ليسَ بداخلٍ
أو خارجٍ عَن جُملةِ الأكوانِ

٣١٨ - لكنَّهم حامُوا عَلى هَذا ولَم
يَتجاسَرُوا مِن عَسكرِ الإيمانِ

٣١٩ - وعلَيهمُ ردَّ الأئِمَّةُ أحمدٌ
وصِحابُهُ مِن كُلِّ ذِي عِرفانِ

٣٢٠ - فَهُمُ الخُصومُ لكلِّ صاحبِ سُنَّةٍ
وهمُ الخُصومُ لمُنزِلِ القُرآنِ

٣٢١ - ولهُم مَقالاتٌ ذكرتُ أصُولَها
لمَّا ذكرتُ الجَهْمَ فِي الأوزانِ
2024/10/02 04:27:45
Back to Top
HTML Embed Code: