Telegram Web Link
وإلى أن تخفّ لغتي ويتوعك خيالي، سأنفق عليك بتبذير، كل ما تملك روحي من عذوبة .
لا أملك سوى كيسًا مثقوباً أحمل فيه أغنيتي، ولا يملكني سوى قلبي، يسَعُ الكون ويطردني .
قضيت أياماً دون أن يعلم أحد بما أشعرُ به، مرت سنين طوال ولم يلمح خرابي حتى أعز أصدقائي .
لطالما كنت أعتقد أنّي لامبالي، بينما كل ما قمت به هو قمع أحاسيسي تجاه كُل شيء، ودفنها مثل الحجارة الساخنة، تلسعني في كل مرة ألامسها من دون قصد، أنا لستُ لا مبالي على الإطلاق وليس بوسعي أن أكون كذلك، إنما أتعذب من الداخل من كل ما مر بي صغيراً كان او كبيراً، كل خدشة غُصن لا ملحوظة، كل كلمة قاسية سقطت سهواً، كل نظرة حزينة، كلها موجودة في داخلي، أحملها وتحملني أنا لم أتجاوز في حياتي شيئاً على الإطلاق، مازلت عالقاً، أنا لست حدثاً عرضياً بل انا نتيجة كل ما حدث، أحمل في داخلي كل الغضب الذي لم أفرّغه أبداً، إنما أحترق داخله بينما يتنعّم كل الذين أشعلوه بداخلي، قال لي صديق ذاتَ مرة: "الغضب" أسوأ من الحزن وأثقل، يمكن أن يحرق أرواحاً كثيرة، تبدو وكأنك على وشك الإنتهاء ولكن لا إنتهاء ولا إنطفاء"
كل الخيبة المميتة اللانهائية التي تجعلني أفقد آمالي في أدنى الأشياء، تجعلني خائباً حد الموت، غاضب، وضيق أضيق من ثقب الإبرة، قلبي المُتمدد المُفرغ مثل بالون هائل ينكمش على ذاته الآن، أنا لستُ قوياً، إنما أكثر هشاشة من البتلات الجافة في وجه الريح، ثمّة فرق بين القدرة على حمل الآلام بشكل خفي، وبين القدرة على مواجهتها بقلبٍ صلب، دون أن يرّف لي جفن، إنني أضعف من مواجهتها، ويرّف جفني كثيراً، في النهاية ماذا يملك المرء سوى أن يُفرغ كُل تفاهاته كما أفعل على الورق؟
إنني لا أرجو شيئاً من كتاباتي هذهِ سوى التفريغ .
‏لطالما اخترتُ وأد الموقف، وتجاوز الشخص، وتمرير الإساءة عن قُدرة، لأنني أعرف أن الغلّ أغلال الروح، والضغينة عتمة الرؤى، وأنا أبتغي لأيامي صدرًا لا يجترّ الألم، وذاكرة لا يُثقلها تَدَاعٍ، ولمستُ ذلك كله في النسيان .
إنّ البحث عن النقص لدى الآخرين ليس السبيل إلى استحسان ما تراه في نفسك، إذا كنتَ شخصاً درّب نفسه على البحث عن الجوانب الإيجابية، فستجدها في ذاتك كما في غيرك، أما إذا كنتَ شخصاً درّب نفسه على البحث عن الجوانب السلبية، فستجدها في ذاتك كما في غيرك، ولهذا فمن الدقيق دائماً القول إنه ما من ناقد للآخرين يُحب نفسه بحق، إنّ هذا يتحدى القانون، حين تُشاهد من هم شديدوا الإنتقاد للآخرين، فأنت في الحقيقة تُشاهد أُناساً لا يُحبون ذواتهم .
إن الشجاعة لا تكمن في الإستمرار في الأشياء، بل في الإنسحاب منها وتركها عندما تشعر بأنك تعطيها أكثر مما يجب، وهي تعطيك أقل مما تستحق، فتتآكل روحك، ويتحوّل هذا العطاء الى استنزاف داخلي قد يُكلفك الكثير .
يجتهد الإنسان في خداع نفسه، كي لا يفسد وهمهُ الدافئ .
في الثواني التي التقت فيها أعيننا، في مدة ضحلة من عمر الوقت، حدث شيئاً ما، انهمرت على إثره ذكرياتي، وشعرت لوهلة، أنني أُريد إخبارك عن كل شيء حدث معي، كل التفاصيل الصغيرة التي تنبض تحت جلدي، كل الليالي التي أرقتني، أردت إخبارك عن كوابيسي التي أُعيد خوضها مرة بعد أخرى في منامي المضطرب، شعرت بعطش للثرثرة عن أصدقائي الذين تغيروا على مدى السنين، عن أخطائي التي أُعدّدها كل مساء حتى يسلبني النعاس القدرة على التفكير، عن قائمة أمنياتي الآخذة في الإزدياد، أردت أن أخبرك عن كل القرارات السخيفة التي اتخذتها في غمرة حماسي وكانت وبالاً علي، أن أشتكي من حيرتي الدائمة وإحباطي من الطريق الذي يسير إليه العالم، أردت أن أحكي لك الكثير عن الحياة و الشعر وكتبي المفضلة والأفلام التي تُبكيني وتضحكني، عن آرائي التي لا تهم أحداً، وقصائدي التي لا زلت أكتبها بإرتباك مراهق ليس متأكداً من أي شيء، عن مزاجي الذي يشبه قطاراً مجنوناً في صعوده وهبوطه، وتوتري في التجمعات الكبرى، أردت في ذلك الطريق الضحل من عمر الوقت، أن نمشي قليلاً ونتحدث كأعز الأصدقاء، كم أردت ذلك بشدة .
بطولتك تكمن في اللحظات التي كان كل شيء فيها يدعوك للإختباء لكنّك كنت تخرج مواجهاً العالم، في الأيام التي كنت مهزوماً فيها أشد هزيمة لكنك ابتسمت للناس ابتسامة المنتصر، في المواقف التي كانت تجبرك على التوقف، لكنك كنت رُغماً عن كل شيء تستمر، في المرات التي عرفت فيها موعد الرحيل قبل أن يُطلب منك ذلك بالفعل ورحلت .
يتضاعف استغناء الإنسان كلما ازداد أدبه، وعلمه، ومعرفته ،بزمانه وحياته، وغاياته، فتزداد انتقائيته لأصحابه، ونوعية الأشخاص من حوله، ويتخفف حتى من بعض أحلامه، ويدرك أين ومتى وكم يبذل من نفسه، وطاقاته بما هو أصلح وأنفع لنفسه .
حيثما تكون، في أي لحظة وفي أي مكان، حاول أن تعثر على الجمال من حولك، وجه، سطر من الشعر، سحاب خارج النافذة، طاحونة هواء، الجمال يُرتّب العقل .
‏والحزن أيضًا لهُ قداسة أن لا يُقال لأي عابر .
سرت نحو ما لا أعلم أبداً، إلى لا حيث.. لكي أقول بأنه لاشيء لأبلغه، لأقول بأنها وجهة فارغة النهاية، لا وصول ينتظرني ليلجأ شغفي إليه. أسيرُ وفي الطريق لم أجد شيئاً تداعبه يدي ولا شجرة تتحسس أصابعي أغصانها في المساء، لم أجد حجراً أحاول اختبار قسوته، وامتحان صبري، أسير فقط وقدمي لا تشعر بالتعب وجبيني صافٍ وجاف، لم يُبلله العرق وأنفاسي تبدو وكأني لم أنطلق بعد، أسير إلى نحو ما لا أعلم، ولا شيء أبداً يطلب مني الوقوف، كنت سأقول بأني ربما قد أشعر بالملل ولكنني أصادف الآن أمامي ما لا أراه واضحًا لأوصفه، وما لم تتضح هيئته لأسميه وما لا أقترب منه لأقول أخيراً وجدت وجهة، أسير منذ أن لمحته والمسافة هي المسافة بيننا، لكني أراه لا قادماً، لا مدبراً، لا واقفاً في مكانه لا يميل إلى اليمين ولا اليسار، أراه ولا أجزم بأني أراه، فربما عيناي عندما لم تجد ما لم تسر زحفاً إليه، ابتكرت خيالاً وربما قلبي يحاول أن يجد لي ما يحببني في المسير، فالوقوف عدوّه، لكن حسبي أنه شيء يستحق النظر، شيء تليق به المُطاردة والتجربة، قد تكون قمة تُحلّق بي عالياً أو قد تكون هوّة، لا أُمانع إن دفنت أو فنيت في سبيل اكتشافها .
2024/06/29 01:32:44
Back to Top
HTML Embed Code: