لا تَلقَ دَهرَكَ إِلّا غَيرَ مُكتَرِثٍ
مادامَ يَصحَبُ فيهِ روحَكَ البَدَنُ
فَما يَدومُ سُرورُ ما سُرِرتَ بِهِ
وَلا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ الحَزَنُ
مِمّا أَضَرَّ بِأَهلِ العِشقِ أَنَّهُمُ
هَوُوا وَما عَرَفوا الدُنيا وَما فَطِنوا
تَفنى عُيونُهُمُ دَمعاً وَأَنفُسُهُم
في إِثرِ كُلِّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ

‏مددتُ إلى ربّي يديَّ وإِنَّني
‏لأعلمُ أنَّ الله أقربُ منهما
‏يرى ما تَراهُ العينُ من قبلِ لَحظِهَا
‏ويسمعُ قولِي قبلَ أن أتكلَّما

‏ولستُ أدريْ حينَ يشكوْ لي حزنَهُ
‏أكانَ في قلبِهِ أم في قلبيَ الوجعُ

‏زَلَّ اللّسانُ وقلتُ أنّي أحبّكِ
‏ما أصدقَ الزلّاتَ في الكلماتِ
‏نصٌّ طويلٌ في الهوامشِ حِبرُهُ
‏وأبى لساني أن يُكتّمَ ذاتي
‏إن كان يُرضيكِ المسيرُ سويّةً
‏إنّي بذلكَ ساكن الجنّاتِ
‏أو كان يُغنيك البقاءُ بعيدةً
‏فالنص في قلبي إلى السَّكراتِ

ميلادي أنت
‏وقبلك لا أتذكر أني كنت
‏وغطائي أنت
‏وقبل حنانك لا أتذكر أني عشت

وأطرُق البابَ مُرتجيًا لرَحمتهِ
‏مَا فارقَ البابَ مَن فِي قلبهِ أملُ

بيضاء لا كدراً يشوب صفائَها
كاليَاسمينَ نقـاوةُ وعبيراَ
ألوَت علي فضمَنيِ من شعرِها
ليلٌ رأيت البدرَ فيه مُنيِرا

وشَعرتُ لما مسَ صدرِي صدرُها
أني أذوبُ صَـــبابة وحــــــبُورا
فنَسِيتُ أن العُــمرَ حُـــلمٌ زائلٌ
وشـعِرتُ أني قَـد حَييِتُ دُهُــورَا

يا لَقَومي عَذَلوا وَاِجتَهَدوا
أَنكَروا شَكوايَ مِمّا أَجِدُ

لُقيا الأحبّةِ طِبٌ يُستطبُّ بهِ
‏وغيثُ لُطفٍ علىٰ الأرواحِ هتانًا

لَو كانَ قَلبي مَعي ما اِختَرتُ غَيرُكُمُ
وَلا رَضيتُ سِواكُم في الهَوى بَدَلا
لَكِنَّهُ راغِبٌ في مَن يُعَذِّبُهُ
فَلَيسَ يَقبَلُ لا لَوماً وَلا عَذَلا

‏فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا
‏وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ
‏وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا
‏وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ
‏وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا
‏سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها
‏صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا

كادت من الحُسن تنسى ‏أنها بشرٌ
‏أستغفرُ الله بل أنستنيَ البشرا
‏جاءت كما يشتهي إتقانَها قدرٌ
‏أو مثلما تشتهي أن تُتقنَ القدرا
‏وزاد فتنتَها تدري بفتنتِها
‏في لفتة العين تنوي الفتكَ والنظرا

‏وتطيبُ دقّاتُ القلوبِ بذكرهِ
‏فتفيضُ شوقًا دافئًا وعَمِيما
‏هو رحمةُ الرحمن أشرقَ بالهُدى
‏صلّوا عليه وسلّموا تسليما

في ناظريكَ الحالمين رأيت أشباح الدموع
أنأى من النجمِ البعيد تمرُ في ضوء الشموع

غَريبٌ وَأَهلي حَيثُ ماكانَ ناظِري
وَحيدٌ وَحَولي مِن رِجالي عَصائِبُ
نَسيبُكَ مَن ناسَبتَ بِالوُدِّ قَلبَهُ
وَجارُكَ مَن صافَيتَهُ لا المُصاقِبُ
وَأَعظَمُ أَعداءِ الرِجالِ ثِقاتُها
وَأَهوَنُ مَن عادَيتَهُ مَن تُحارِبِ
وَشَرِّ عَدُوّيكَ الَّذي لاتُحارِبُ
وَخَيرُ خَليلَيكَ الَّذي لا تُناسِبُ
لَقَد زِدتُ بِالأَيّامِ وَالناسِ خِبرَةً
وَجَرَّبتُ حَتّى هَذَّبَتني التَجارِبُ
وَما الذَنبُ إِلّا العَجزُ يَركَبُهُ الفَتى
وَما ذَنبُهُ إِن حارَبَتهُ المَطالِبُ

‏تُعد ذنوبي عند قومٍ كثيرةً
ولا ذنب لي إلا العُلا والفواضل

وَلَوِ الْتَقَيْنَا صُدْفَةً فَلْنَلْتَقِي
‏مِثْل الغَرِيبِ إذَا الْتَقَى بِغَرِيبِ