رَأَيتُ الشَيبَ لاحَ فَقُلتُ أَهلاً
وَوَدَّعتُ الغَوايَةَ وَالشَبابا
وَما إِن شِبتُ مِن كِبَرٍ وَلَكِن
رَأَيتُ مِنَ الأَحِبَّةِ ما أَشابا

ماكُنت اهوى الدار إلا بِأهلها
‏على الدارِ بعد الراحلين سلام

وما هي قيمة عمري
‏إذا لم تضيئي
‏كجوهرةٍ في حياتي؟

يا راحلينَ عَنِ الأوطانِ أسْألُكُمْ
‏هل الرَّحيل عن الأوطان أحياكُمْ؟

أَعطَيتُها كَفِي لِتَقْرَأ طَالِعي
‏مَا هَمنِي مَا قَد يُقَالُ لِمَسمَعِي
‏أَحْبَبتُ كَفِّي أَن يُلَامِسَ كَفّها
‏فَيَكونُ حَظي أَن تُحس أَصَابعِي
‏قَالت وقالت وما وَعيتُ لقولِها
‏أُصغِي لبوح ِأناملٍ تحكي معي
‏يارعشةً تسري بجلدي وقعها
‏لمعت كبرق ٍفي مكامنِ أضلُعي

يَشتاقهُ قَلبِي و عيني تَشتهِي
‏لو أنْ تراهُ و لو لِبضعِ ثَوانِ

إِنْ لَمْ تَكُنْ لِيْ فِيْ الحَيَاةِ مُرَافِقًا
‏فَأَنَا الذِيْ فِيْ المَوتِ قَدْ آتِي مْعَكْ
‏يَا مَنْ بَذَلْتُ لَهُ مَطَارِفَ مُهجَتِيْ
‏جِئْتُ مِنْ أَقْصَى الشَّتَاتِ لِأَجْمَعَكْ
‏لا تَرْحَلَنَّ ولا تَذَرْ قَلْبِي مَعِي
‏أَخْشَى عَلَيْكَ بِأَن يَئِنًّ فَيُوجِعَكْ

جاءَ الشتاءُ وروحي في حرائقِها
‏وما أزالُ أُداري سرَّ إحراقي
‏الناسُ تُوقدُ في بَرْدِ الدجى حطبًا
‏وإن قسا البَرْدُ بي أوقدتُ أشواقي

يازهرةً،كسَرَت قانون رِقّتها
‏من أين للزهرِ قلبٌ مثلما الحجرِ؟

لا نََمْدَحُ النَّاسَ إلا بعدَ تَجْرُبَةٍ
‏لا يُشْتَرَى العودُ إلا بعدَ إحراقِ

لا تبتئس إنّي معَك
‏ ولقد أتيتُ لأسمعَكْ
‏هذي يدي أمسِك بها
‏جاءت لتمحوَ أدمُعَك
‏ أسند برأسك هاهُنا
‏و انسَ الذي قد أوجعَك

آهٍ لو تدرين ما معنى ثوائي في سرير مِن دمِ
ميَّت الساقين محموم الجبينْ
تأكل الظلماء عيناي ويحسوها فمي
تائهاً في واحةٍ خلف جدارٍ من سنين وأنين

ماذا أخيطُ وهل تخيطُ قصيدةٌ
جُرحًا بحجمِ الأرضِ ليس يُخاطُ

قدرك أنتِ فهو أن تكوني حبيبتي
‏ولن تهربي من هذا القدر أبداً

من قالَ أنَّي قد نسيتُك وافترى
‏واللهِ لا أنسى ربيعَ حياتي
‏وأراك ترحل ! لا أصدّقُ ما أرى
‏كيفَ الرّحيلُ وأنت تسكن ذاتي

‏أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ
وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ
جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ

صَبراً حَبِيبَ القَلبِ لا دَمعاً أرى        
في مُقلتَيكَ، ولا أَسَى الفُقدانِ
هذا قَضَاءُ اللهِ جلَّ جلالُهُ        
سُبحانَ مَن يُفنِي وَلَيسَ بِفَانِ
إنْ كانَ فرَّقَنا قَضاءُ مَلِيكِنا        
فَلَسوفَ يَجْمَعُنا قضاءٌ ثانِ
في جَنَّةِ الفِردَوسِ لا حزنٌ، وَلا        
بُعْدٌ يفرِّقُنا ولَوْ  لِثَوانِ

وغزوتُ عيوناً لا تُغزى
غَافلتُ رُمُوشاً لا تَغفل

حَلَفَتْ لنَا ألّا تَخُونَ عُهُودَهَا
‏فكَأنّهَا حَلَفَتْ لنَا ألّا تَفِي