Telegram Web Link
يا أيّها الجـلاّدُ أبعِدْ عن يدي

هـذا الصفَـدْ .

ففي يـدي لم تَبـقَ يَـدْ .

ولـمْ تعُـدْ في جسَـدي روحٌ

ولـمْ يبـقَ جسَـدْ .

كيسٌ مـنَ الجِلـدِ أنـا

فيـهِ عِظـامٌ وَنكَـدْ

فوهَتُـهُ مشـدودَةٌ دومـاً

بِحبـلٍ منْ مَسَـدْ !

مواطِـنٌ قُـحٌّ أنا كما تَرى

مُعلّقٌ بين السمـاءِ والثّـرى

في بلَـدٍ أغفـو

وأصحـو في بلَـدْ !

لا عِلـمَ لـي

وليسَ عنـدي مُعتَقَـدْ

فإنّني مُنـذُ بلغتُ الرُّشـدَ

ضيّعـتُ الرّشـَدْ

وإنّني - حسْبَ قوانينِ البلَدْ -

بِلا عُقـدْ :

إ ذ ْنـايَ وَقْـرٌ

وَفَمـي صَمـتٌ

وعينـا يَ رَمَـدْ

**

من أثـرِ التّعذيبِ خَـرَّ مَيّـتاً

وأغلقـوا مِلَفَّهُ الضَّخْمَ بِكِلْمَتينِ :

ماتَ ( لا أحَـدْ ) !
غاصَ فينا السيفُ

حتّى غصَّ فينـا المِقبَضُ

غصّ فينا المِقبَضُ

غصَّ فينا .

يُولَـدُ النّاسُ

فيبكونَ لدى الميـلادِ حينا

ثُمّ يَحْبـونَ على الأطـرافِ حينا

ثُمَّ يَمشـونَ

وَيمشـونَ ..

إلى أنْ يَنقَضـوا .

غيرَ أنّـا مُنـذُ أن نُولَـدَ

نأتـي نَركُضُ

وإلى المَدْفَـنِ نبقى نَركُضُ

وخُطـى الشُّرطَـةِ

مِـنْ خَلْفِ خُطانا تَركُضُ !

يُعْـدَمُ المُنتَفِضُ

يُعـدمُ المُعتَرِضُ

يُعـدمُ المُمتَعِضُ

يُعـدَمُ الكاتِبُ والقارئُ

والنّاطِـقُ والسّامِـعُ

والواعظُ والمُتَّعِظُ !



حسَناً يا أيُّها الحُكّامُ

لا تَمتعِضـوا .

حَسَناً .. أنتُـم ضحايانا

وَنحـنُ المُجْـرِمُ المُفتَرَضُ !

حسَناً ..

ها قـدْ جَلَستُمْ فوقَنا

عِشريـنَ عامـاً

وَبَلعتُم نِفطَنا حتّى انفَتقتُمْ

وَشَرِبتُـمْ دَمَنـا حتى سكِرتُمْ

وأَخذتُم ثأرَكُـمْ حتى شَبِعتُمْ

أَفَما آنَ لكُمْ أنْ تنهَضـوا ؟!

قد دَعَوْنـا ربَّنـا أنْ تَمرُضـوا

فَتشا فيتُمْ

ومِـنْ رؤيا كُـم اعتـلَّ وماتَ المَرضُ !

ودعَونـا أن تموتوا

فإذا بالموتِ من رؤيتِكم مَيْـتٌ

وحتّى قابِضُ الأرواحِ

مِنْ أرواحِكُـمْ مُنقَبِضُ !

وهَرَبْنا نحـوَ بيتِ اللهِ منكُمْ

فإذا في البيتِ .. بيتٌ أبيضُ !

وإذا آخِـرُ دعوانـا ..سِلاحٌ أبيضُ !



هَـدّنا اليأسُ،

وفاتَ الغَرَضُ

لمْ يَعُـدْ مِن أمَـلٍ يُرجى سِواكُـمْ !

أيُّهـا الحُكـامُ باللهِ عليكُـمْ

أقرِضـوا اللهَ لوجـهِ اللهِ

قرضـاً حسَناً

.. وانقَرِضـوا !
حينَما اقتيـدَ أسيرا

قفَزَتْ دَمعَتُـهُ

ضاحِكَــةً :

ها قَـدْ تَحـرَّرتُ أخـيرا !
زارَ الرّئيسُ المؤتَمَـنْ

بعضَ ولاياتِ الوَطـنْ

وحينَ زارَ حَيَّنا

قالَ لنا :

هاتوا شكاواكـم بصِـدقٍ في العَلَـنْ

ولا تَخافـوا أَحَـداً..

فقَـدْ مضى ذاكَ الزّمَـنْ .

فقالَ صاحِـبي ( حَسَـنْ ) :

يا سيّـدي

أينَ الرّغيفُ والَلّبَـنْ ؟

وأينَ تأمينُ السّكَـنْ ؟

وأيـنَ توفيرُ المِهَـنْ ؟

وأينَ مَـنْ

يُوفّـرُ الدّواءَ للفقيرِ دونمـا ثَمَـنْ ؟

يا سـيّدي

لـمْ نَـرَ مِن ذلكَ شيئاً أبداً .

قالَ الرئيسُ في حَـزَنْ :

أحْـرَقَ ربّـي جَسَـدي

أَكُـلُّ هذا حاصِـلٌ في بَلَـدي ؟!

شُكراً على صِـدْقِكَ في تنبيهِنا يا وَلَـدي

سـوفَ ترى الخيرَ غَـداً .

**

وَبَعـْـدَ عـامٍ زارَنـا

ومَـرّةً ثانيَـةً قالَ لنا :

هاتـوا شكاواكُـمْ بِصـدْقٍ في العَلَـنْ

ولا تَخافـوا أحَـداً

فقـد مَضى ذاكَ الزّمَـنْ .

لم يَشتكِ النّاسُ !

فقُمتُ مُعْلِنـاً :

أينَ الرّغيفُ واللّبَـنْ ؟

وأينَ تأمينُ السّكَـنْ ؟

وأينَ توفيـرُ المِهَـنْ ؟

وأينَ مَـنْ

يوفِّـر الدّواءَ للفقيرِ دونمَا ثمَنْ ؟

مَعْـذِرَةً يا سيّـدي

.. وَأيـنَ صاحـبي ( حَسَـنْ ) ؟!
إنْ أنَا في وَطَـني

أبصَرتُ حَوْلي وَطَنا

أو أَنَا حاولتُ أنْ أملِكَ رأسي

دونَ أن أدفعَ رأسي ثَمَنا

أو أنا أطلَقتُ شِعـري

دونَ أن أُسجَنَ أو أن يُسجَـنا

أو أنا لم أشهَـدِ النّاسَ

يموتونَ بِطاعـونِ القَلَمْ

أو أنا أبْصَـرتُ )لا) واحِـدَةً

وسْـطَ ملايينِ(نَعَـمْ)

أو أنا شاهَدتُّ فيها سـاكِناً

حرّكَ فيها ساكِنا

أو أنا لمْ ألقَ فيها بَشَـراً مُمتَهَنا

أو أنا عِشْـتُ كريماً مُطمئنّاً آمِنـا

فأنا- لا ريبَ - مجْنـونٌ

و إلاّ ..

فأنا لستُ أنا !
أنتَ تَبكي !؟

- أَنَا لا أبْكـي

فَقَـدْ جَـفّتْ دُموعـي

في لَهيبِ التّجرِبـةْ.

- إنّهـا مُنْسـَكِبةْ ! ؟

- هـذه ليسـتْ دموعـي

.. بلْ دِمائي الشّائِبَـةْ !
قَلَمـي رايـةُ حُكْمـي

وبِلادي وَرَقَـهْ

وجماهيري ملايينُ الحُروف المارقـةْ

وحُـدودي مُطْلَقَـهْ.

ها أنا أسْتَنشِقُ الكَوْنَ ..

لبِستُ الأرضَ نعْلاً

والسّماواتِ قَميصـاً

ووضعْتُ الشّمسَ في عُروةِ ثوبي

زَنْبَقَـهْ !

أَنَا سُلْطانُ السّلاطينِ

وأنتمْ خَـدَمٌ للخَدَمِ

فاطلُبوا من قَدمي الصّفـحَ

وبُوسُـوا قَدَمـي

يا سلاطينَ البِـلادِ الضّيقَةْ !
لـي صـديقٌ بتَـرَ الوالي ذِراعَهْ

عنـدما امتـدّتْ إلى مائـدةِ الشّبعانِ

أيّـامَ المَجاعَـةْ .

فمضى يشكـو إلى النّاسِ

ولكِـنْ

أعلَـنَ المِذيـاعُ فـوراً

أنَّ شكـواهُ إشاعَـةْ .

فازدَراهُ النّاسُ، وانفضّـوا

ولـمْ يحتمِلـوا حتّى سَماعَـهْ .

وصَـديقي مِثْلُهُـمْ .. كذّبَ شكواهُ

وأبـدى بالبياناتِ اقتناعَـهْ !

**

لُعِـنَ الشّعبُ الَّذي

يَنفـي وجـودَ اللـهِ

إن لـم تُثبتِ اللهَ بياناتُ الإذاعَـةْ !
أقــولْ :

الشمسُ لا تـزولْ

بلْ تنحَـني

لِمحْـوِ ليلٍ آخَـرٍ

.. في سـاعةِ الأُُفـولْ !



أقــولْ :

يُبالِـغُ القَيْـظُ بِنفـخِ نـارِهِ

وَتصطَلـي الميـاهُ في أُوارِهِ

لكنّهـا تكشِفُ للسّماءِ عَـنْ همومِها

وتكشفُ الهمـومُ عن غيومِها

وتبـدأُ الأمطـارُ بالهُطـولْ

.. فتولـدُ الحقـولْ !



أقــولْ :

تُعلِـنُ عن فَراغِهـا

دَمـدَمـةُ الطّبـولْ .

والصّمـتُ إذْ يطـولْ

يُنذِرُ بالعواصِفِ الهوجاءِ

والمُحــولْ : رسـولْ

يحمِـلُ وعـدَاً صـادِقاً

بثـورةِ ا لسّيو لْ !

أقـولْ :

كَـمْ أحـرَقَ المَغـولْ

مِـنْ كُتُـبٍ

كم سحَقَـتْ سنابِكُ الخُيـولْ

مِـنْ قائـلٍ !

كَـم طَفِقَـتْ تبحـثُ عـنْ عقولِهـا العُقـولْ

في غَمْـرةِ الذُّهـولْ !

لكنّما ..

ها أنت ذا تقـولْ .

هاهـوَ ذا يقـولْ .

وها أنا أقـولْ .

مَـنْ يمنـعُ القـولَ مِـنَ الوصـولْ ؟

مـنْ يمنعُ الوصـولَ للوصـولْ ؟

مَـنْ يمنـعُ الوصـولْ ؟!

أقـولْ :

عـوّدَنا الدّهـرُ علـى

تعاقُـبِ الفصـولْ .

ينطَلِقُ الرَبيـعُ في ربيعِـهِ

.. فيبلغُ الذُّبـولْ !

وَيهجُـمُ الصّيفُ بجيشِ نـارِهِ

.. فَيسحـبُ الذُّيولْ !

ويعتلـي الخريفُ مَـدَّ طَيشِـهِ

.. فَيُـدرِكُ القُفـولْ !

ويصعَـدُ الشّتاءُ مجنـوناً إلى ذُرْوَتِـهِ

.. ليبـدأَ النّزولْ !

أقـولْ :

لِكُلِّ فَصْـلٍ دولـةٌ

.. لكنّهـا تَـدولْ !
ليسَ عندي وَطَـنٌ

أو صاحِـبٌ

أو عَمَـلُ.

ليسَ عِنـدي مَلجأ

أو مَخْبَـأ

أو مَنزلُ.

كُلُّ ما حَوْلـي عَـراءٌ قاحِـلُ

أنَا حتّى مِـن ظِـلالي أعْـزَلُ

وأَنـا بَيْنَ جِراحـي وَدَمـي أنتقِلُ

مُعْـدِمٌ مِنْ كُلِّ أنـواع الوَطَـنْ !



ليسَ عِنـدي قَمَـرٌ

أوْ با رِقٌ

أو مِشْعَلُ.

ليسَ عِنــدي مَرقَـدٌ

أو مَشْـرَبٌ

أو مَأْكَـلُ.

كُلُّ ما حوليَ ليْلٌ أَلْـيَلُ

وَصَبـاحٌ بالدُّجـى مُتّصِـلُ.

ظامـئٌ ..

والظَمـأُ الكاسِـرُ منّي يَنْـهَلُ

جائِـعٌ ..

لكنّنـي قـوتُ المِحَـنْ!



عَجَـباً !!

مَا لِهـذا الكَـونِ يَحُبـو

فوقَ أهدابـي إذَنْ ؟!

ولِماذا تَبحثُ الأوطـانُ

في غُربَـةِ روحي عـن وَطَـنْ ؟!

ولِمـاذا وَهَبـتني أمرَهـا كّلُّ المسافاتِ

وألغى عُمْـرَهُ كّلُّ الزّمَـنْ ؟!

ها هـوَ المنفى بِـلادٌ واسِعَـة !

وأ لمفازاتُ حُقـولٌ مُمْـرِعَـةْ !

وَدَمــي مَـوجٌ شَقِـيٌّ

وجِراحـي أَشْـرِعَـهْ !

وَانطِفائي يُطفـئُ الّليلَ وبي يَشْـتَعِلُ !

وَفَـمُ النّسيانِ

عنْ ذِكـرى حُضـوري يَسـألُ

هلْ عَـرى با صِـرة الأشياءِ حَوْلي الحَـوَلُ ؟

أمْ عرانـي الخَـبَلُ ؟!

لا ..

ولكِـنْ خانَـني الكُلُّ

وما خـانَ فـؤادي الأَمَـلُ !



ما الذي ينقُصُني

مادامَ عِـندي الأمَـلُ ؟

ما الذي يُحزنُني

لو عَبسَ الحاضِـرُ لي

وابتسَـمَ المُسـتَقبَلُ ؟

أيُّ مَنفى بِحضـوري ليسَ يُنفى ؟

أيُّ أوطـانٍ إذا أرحَلُ لا ترتَحِـلُ ؟!



أنَـا وحـدي دَوْلَـةٌ

مادامَ عِنـدي الأمَـلُ.

دولـةٌ أنقى وأرقـى

وستبقـى

حينَ تَفـنى الدُوَلُ !
2024/09/29 20:15:42
Back to Top
HTML Embed Code: